روايات

رواية غناء الروح الفصل الرابع 4 بقلم زيزي محمد

رواية غناء الروح الفصل الرابع 4 بقلم زيزي محمد

رواية غناء الروح البارت الرابع

رواية غناء الروح الجزء الرابع

رواية غناء الروح
رواية غناء الروح

رواية غناء الروح الحلقة الرابعة

وضع هاتفه في جيب سرواله والضيق يحتل ملامحه بينما كان عقله يعمل بجهد لفك شفرات تلك الرسائل معتقدًا أنها مجرد مُزحة من طرف “زيدان”.
ترك سيارته وتوجه صوب منزله، ولم يضع في خاطره اعتقاد واحد أن عائلته تتآكل بنيران سليم المتوجهة، مد مفاتيحه كي يفتح الباب ولكنه فوجئ بزيدان يفتحه، يهمس بصوت يملأه الغل:
-أنت اهبل يالا أنا مش قايلك ماتجيش.
تشدق ساخرًا وهو يقول:
-ماجيش ليه؟! أنا ماعملتش حاجة غلط.
-نهارك منيل بستين نيلة على دماغك، ده كله يا جاحد وماعملتش حاجة، امال لما هتعمل هتجيب البت بعيل صغير.
انفجر الغيظ فوق ملامحه تزامنًا مع انفعاله:
-بقولك أيه أنا مش ناقصك على المسا، بت مين وعيل أيه؟!
لم تكن الإجابة من نصيب زيدان الذي كان على وشك التحدث، لكن تتطاير كلمات سليم الغاضبة جعله يتنحى جانبًا يسمح لتلك العاصفة بالهبوب في وجه يزن المصدوم مما يحدث:
-اوعى كده سيبه يبجح أنا عايزه يستمر على كده.
كالعادة اندفعت شمس تتلقف يده تحاول تهدئته بقولها الهادئ:
-اهدى يا سليم، احنا لازم نسمع منه.
مرر بصره فوق وجوه عائلته المترقبة باختلاف انفعالهم مرورًا بوالدته التي أظهرت العتاب واللوم فانفجر بغيظ:
-هو أنا هفضل كتير أسال أنا عملت أيه للتحقيق ده؟!
أبعد سليم يد زوجته المتوترة بقوة ثم اندفع كالثور الهائج باتجاه أخيه الأصغر يشير إليه يأمره بقوة:
-اتفضل اطلع معايا فوق.
هز كتفيه ببرود استفزه كثيرًا وهو يقول:
-وماله اطلع.
اندفع سليم أولاً ثم تلاه يزن تاركًا الأخرين ينظرون لأثرهما بقلق، وحينما شعر سليم بصعود زيدان خلفهما توقف ناظرًا إليه باستفهام، فرد الآخر ببراءة زائفة:
-أنا أخوكم بردو، اجي معاكم عادي.
اشتدت ملامح سليم بحدة بينما زيدان انتظر قراره بشأنه حتى التفت وقرر السماح له بالحضور معهما.
مر وقت قصير عندما دخلوا وجلسوا ثلاثتهم في صمت أثار ريبة يزن المترقب لكل رد فعل يظهر من سليم، فقرر زيدان اجتياز جسر الصمت بسؤاله:
-يزن انت تعرف واحدة اسمها ليالي؟!
-اه.
إجابة سريعة جعلت من ابتسامة سليم الساخرة تحلق فوق شفتيه وهو يقول:
-بجح.
-شكرًا، بس ممكن اعرف بجح ليه؟!
سؤاله يحمل لمحة من العتاب والضيق، فانفجر زيدان بعدم تصديق وهو يستخدم نهج أخيه الأكبر في توبيخ ذلك المتبجح:
-أنت بارد يالا، بنسألك على واحدة جاية تشتكي لاخوك الكبير إنك بتقنعها تتجوزها عُرفي ومهددها ومش سايبها في حالها، وبتقول اه اعرفها بكل بساطة وبرود.
ارتفع حاجبيه باستنكار وهو يردف:
-اهدد أيه وجواز عُرفي أيه؟! أنا والله ما فاهم أي حاجة.
ضغط سليم فوق شفتيه بغيظ يشوبه التهديد:
-ماتحاولش تستغباني عشان ماتشوفش مني وش عمرك ما شوفته.
تجاهل تهديد سليم إليه باقتضاب الهب الوضع أكثر:
-اتكلموا معايا دوغري.
حدق به سليم بهياج وهو يقول:
-الدوغري ده أنا هكسر دماغك لو فكرت اتكلم معاك بيه.
احتقنت ملامحه من ردود سليم عليه فرد معاتبًا:
-سليم أنا مش عيل صغير عشان تكلمني كده.
استنكر الأخر بصوتٍ عالٍ ظهر جليًا بكلماته:
-أيه شوفت نفسك عليا، ده أنا اللي مربيك….
بادر بالجرأة حين قاطعه بعدما نفد صبره:
-مربيني على عيني وعلى راسي، بس أنا بردو كبرت وبقيت راجل….
لم يترك له سليم فرصة في الرد وذلك عندما بتر حديثه باحتدام بان بصوته:
-واللي كبر وبقى راجل مش يحترم نفسه واهله وسمعتهم.
رمقه بنظرة يشوبها عدم التصديق وهو يسأله:
-وأنا يعني خلاص أنا اللي هجبلكم العار؟!
-بافعالك اه يا محترم، واهو شايف انت وصلتنا لأيه.
إجابة لم يكن ينتظرها يزن إطلاقًا رغم علمه بشخصية سليم الحادة وأن ردود أفعاله لن تكن هينة ولكنه لم يعد لديه طاقة لإظهار عكس ما يكنه بصدره، فتهاوى بانفعاله ليقع ببئر الخذلان حين قال:
-أنا ولا وصلتكم ولا بعملكم حاجة، وخلاص طالما أنا هبوظ سمعتكم اتبروا مني.
القى زيدان حبال الصمت الملتفة حول لسانه حين استنكر قائلاً:
-نتبرى من مين يا مجنون؟! ما تعقل كلامك.
نهض مقررًا إنهاء الحديث واكتفى بالسلبيات التي واجهها بعيني سليم:
-اعقلوا انتوا تصرفاتكوا معايا، أنتوا لازم تعرفوا أني كبرت وماينفعش تهزوقني كده قدام مراتك أنت وهو.
بان الاستهجان على وجه سليم وهو يسأل زيدان المصدوم من رد أخيه الأصغر بعدما رفع حجاب التقدير الذي طالما كان يحاول الحفاظ عليه وخاصةً مع سليم:
-هو دي عليا أنا؟!
حمحم بخشونة وهو يجيب مشيرًا بلامبالاة نحو يزن الواقف يتابع حديثهما بعدم رضا:
-لا عليا، فكك منه ده عيل أهبل.
زفر يزن بحنق ولكز زيدان بكتفه والغيظ يبتلع بقايا صبره:
-أيه اهبل دي، احترمني يا عم.
احتد الوضع أكثر حين نهض سليم يدفع يده بقوة وخشونة:
-أيه هتضربه قدامي، شكلك عايز تتظبط!
-ماتتعبش نفسك معايا، أنا سايبهلكم وماشي.
ترك زيدان مقعده وحاول الإمساك به، لكنه دفع يده بقوة وهو يردد بصوت خشن عالي يغمره الاستنكار:
-رايح في ستين داهية تاخدني، عشان ابعد عنكم العار!
ضرب زيدان كف بآخر وهو يقول:
-الواد ده اتجنن ولا أيه، ده عمره ما عمل كده.
مسح سليم فوق وجهه عدة مرات بغضبٍ، وصوت أنفاسه المهتاجة اقلقت زيدان عليه مما جعله يسأله بتوتر:
-انت كويس؟!
مرت ثواني بسيطة قبل أن يجيب باقتضاب:
-شوف رايح فين من غير ما تحسسه إنك بتراقبه.
-هيروح للبت ليالي أكيد.
رفع سليم حاجبيه بتعجب، فأكد زيدان عليه بثقة:
-اه والله، يزن مش هيسيبها إلا لما يثبتلنا إننا غلط وظلمناه.
-يا سلام تعرفه للدرجادي؟!
سأله سليم بسخرية مبطنة، فأجاب الآخر بهدوء:
-اكتر من نفسي، زي ما أنا عارف ومتأكد إنك مش مصدق البت دي وحبيت تعمل الحوار ده عشان تعلمه الأدب.
غفل سليم عن حالة الغضب المسيطرة عليه، وقال بمزاح ساخر:
-مكنتش مقتنع إنك تنفع تبقى ظابط، بس بدأت احس إنك ممكن تنفع.
-شهادتك دي عزيزة عليا جدًا، أنا على ما استنى انبهارك بيا هكون طلعت معاش!
كان يردد كلماته بضحكة ساخمة، لكن دخول شمس قطع حديثهما وخاصةً حين لاحظ زيدان تأجج الغضب بوجهها فاضطر للانسحاب تاركًا لها المساحة في معاتبة زوجها واعلانها عدم رضاها عما فعله، بالفعل اندفعت شمس تلقي لومها عليه فور اغلاق زيدان للباب الشقة خلفه:
-اللي حصل ده ميرضيش ربنا.
في العادي كان سيتركها ويدخل غرفته معلنًا رفضه لمناقشتها ولكنه كان بحاجة أكبر لإخراج تلك الشحنات السلبية المحتلة صدره في صورة نقاش:
-وهو يرضي ربنا اللي عمله وبيعمله؟!
ضمت شفتيها بضيق وعدم رضا:
-يا سليم اسمع منه واساله ماتصدرش حكمك وتخليه يمشي زعلان ويلم هدومه.
لاحت ابتسامة ساخرة فوق شفتيه وهو يواجهها بتهكم طال صوته الخشن:
-اسمع منه هو بيقنعها بالجواز العرفي ليه ولا اسمع منه هو كان بيهددها ليه؟!
وقبل أن تتلفظ بحرف كان يردف بسخرية أكبر:
-تصدقي يمكن فعلاً يكون له ظروف خليته يعمل كده.
-يعمل أيه؟! انت مصدق بذمتك إن يزن يعمل كده، هو اه له علاقات بس كلها سطحية ماعتقدش أنه ممكن يتعدى حدوده.
لمعت عيناه بوميض غامض وهو يقول باستهجان:
-في تبرير كمان؟! مستني اسمع، ما انتي عاجبك اللي بيعمله الباشا.
-لا مش عاجبني، بس يعني احنا ممكن نعتبر اللي فيه حالة خاصة وعامله على الأساس ده.
أردفت بهدوء ينافي القلق المكتسح على ساحة مشاعرها.
-حالة خاصة!
كررها خلفها بضحكة قاتمة قبل أن يهز رأسه ساخطًا:
-الحالة الخاصة دي أنا هخرجه منها بعون الله، أنا داخل أتنيل أنام، لو عايزة تكملي دفاع عنه كمليه مع نفسك.
تركها ودخل غرفته بخطوات واسعة، محاولاً ضبط نفسه وإنقاذ روحه من تلك الهالة السوداء المحيطة به، متجاهلاً شعوره بالقلق نحو أخيه الأصغر ولكنه كان بحاجة للتعامل معه بتلك الصورة القاسية وخاصةً بعد زيارة تلك الفتاة له الليلة قبل أن يغلق المحل، فلاحت زيارتها مجددًا على عقله يتذكر بها بكائها وانهيارها له.
**
قبل عدة ساعات…
أمر سليم العاملين بغلق المحل، وبدأ هو في إدخال الملفات الهامة في الخزانة الحديدية، ولكن دخول فتاة في العشرينات من عمرها، تقبض فوق حقيبتها بقوة بينما كانت دموعها تتهاوى فوق وجهها بغزارة وصوت نحيبها جذب أنظار العاملين.
-في أيه، مين….
وقبل أن يُكمل سليم سؤاله، سارعت هي بالإجابة وصوتها ينغمس في نهر الانهيار:
-أنا في عرضك يا سليم باشا.
أخفى شعوره بالتوتر مشيرًا إليها بالجلوس ولم يعرف لِمَ شعر أن الأمر يخص يزن، فأمر العاملين بالخروج من المحل، حول انتباهه بالكامل إليها قائلاً:
-اقدر اساعدك بأيه؟!
-بإنك تنقذني من يزن أخوك.
إجابة أكدت ظنونه، فتمسك بقناع الهدوء وهو يسألها بخشونة:
-ماله يزن وعمل فيكي أيه؟!
مسحت دموعها واستجمعت شجاعتها وهي تخرج هاتفها تضعه بين قبضتها، مستغلة انتباهه ولمعة عيناه بالقلق:
-يزن بيحاول يبتزني بالصور اللي كنت غلطت في مرة وبعتهاله، وعايزني أوافق إني…
صمتت تبكي مرة أخرى، وهي تردف بصوت مبحوح من شدة بكائها الحار:
-أني….أنا عارفة إني غلطت عشان بعتله صوري، بس أنا وثقت فيه، كنت بحسبه بيحبني، بس طلع…
صمتت تستطلع ردود افعاله على حديثها، فوجدته يرمقها بنظرة فارغة، وصوته يدخل في كنف الغموض:
-عايز منك إيه، قولي على طول؟!
فشلت في تحديد مدى تعاطفه معها، فألقت ما في جعبتها مباشرةً ومن بعدها عادت لنحيبها من جديد:
-عايز يتجوزني عُرفي.
-أيه اللي يثبت كده؟!
فتحت هاتفها سريعًا وكأنها كانت على علم بسؤاله مما أثار الشك لدى سليم ولكنه ظل على نفس قناع الهدوء رغم الغليان الذي كان يشعر به، ومرر بصره بين بعض الرسائل المُرسلة من قبل أخيه على برنامج ” الواتساب” تحمل تهديدات عديدة لها وبعض من الألفاظ البذيئة.
هز رأسه بحركة تلقائية ورده كان طبيعي لعلمه بمدى شخصية أخيه وتربيته:
-استحالة، يزن مايعملش كده أبدًا.
لاحظ انقباض أصابعها فوق حقيبتها الموضوعة فوق ساقيها، وكأنها تستدعي بعض من الهدوء بعدما أصابها توتر للحظات.
-هو أيه اللي مايعملش كده، يزن علاقاته كتير بالبنات.
استنكار ناري طاف فوق ملامحه وهو يقول:
-ما أنا عارف! وعارف بردو حدوده، استحالة اخويا يعمل كده.
فقدت النهج التي كانت تسير وفقه، فقالت بغضب عارم:
-هو كان شيخ السجادة وأنا ماعرفش، طالما بقى الذوق مانفعش معاكم، عليا وعلى أعدائي وربي لأفضحكم في البلد كلها.
ظل على نفس وتيرة الهدوء خاصته، بينما هي انقشع عنها غطاء الضعف والانهيار وباتت أكثر توهج وغضب وهي تغادر المكان تُلقي أخر تهديدتها:
-واقسم بالله ما هسيبكم وهفضحكم.
وقبل أن تغادر القت نظرة عليه، فوجدته على نفس وضعية جلوسه المغرورة، والعنجهية تملئ نظراته حتى أنه فاجئها حين أشار إليها بالوداع وكأن ما فعلته وقالته لم يأثر به أو يحركه للتوسل إليها كما كانت تتوقع.
**
عاد من شروده القصير وهو يزفر بقوة، ويده تلقائيًا كانت تمسح فوق خصلات شعره تعيده للخلف بعد أن كان مبعثرًا فوق جبهته، لا زال يقاوم شعوره بالقلق على يزن رغم أنه قد قرر السير على نفس المنوال كي ينقذ أخيه من وحل علاقاته مع الفتيات.
****
في إحدى المناطق الراقية…وفي إحدى الابراج السكانية الشاهقة، وتحديدًا في شقة يبدو على قاطنيها الثراء..اندفعت ليالي تجلس فوق الكرسي المقابل للأريكة التي تجلس فوق والدتها سيدة المجتمع “نسرين” هانم:
-ابنك جايب اللوم عليا، وأنا نفذت كل اللي قاله بالحرف.
القى أخيها “مصطفى” إحدى التحف فوق الأرضية بعصبية:
-أنا قولتلك يا غبية تهددي اخوه؟! تهددي سليم الشعراوي! انتي عبيطة يا بت.
زار السخط معالم وجهها وهي تواجهه:
-مش انت اللي قولت في الخطة إن اهددهم؟
-يا غبية مكنش وقته خالص، كنتي اكسبي تعاطفه الاول معانا.
بان الاستياء بعيني والدتها وهي تحاول إنهاء حالة الجدال القائمة بينهما:
-خلاص بطلوا دوشة، أنا دماغي مصدعة وصدعت أكتر بعد ما كنت حاطة أمل على الحوار ده وخلاص طلع فشنك.
رمقتها “ليالي” بضيق شديد، فوالدتها لم تشعر بالقلق ولو لذرة واحدة عليها، كل ما يشغلها هو المبلغ المالي التي كانت ستجنيه من عائلة الشعراوي، انتبهت ليالي على صوت مصطفى وهو يتحدث مع نفسه بنبرة خشنة قاسية:
-انتي واحدة غبية يا ليالي، مجرد غبية بوظتي كل اللي خططتله، وراحت الفلوس…وأنا عايز فلوس دي اتصرفي ماليش فيه.
لم يشعر بنفسه سوى وهو يحك أنفه بقوه، وعيناه الباهتة تتوهج بنيران الغضب والحقد نحو أخته التي أفسدت خطته في كسب المال الكثير كي يغطي احتياجهم تلك الفترة بعدما عانوا من القحط واضطروا لبيع بعض من قطع الاثاث بالمنزل، ارتعشت شفتاه الشاحبة وأصبحت بيضاء رغم أن لسانه انفلت بوابل من الشتائم عندما شعر بحاجته لجرعة كبيرة يسد بها جوعه من الادمان بعدما أصبح على شفا الانهيار!
-كلكم مش همكوا إلا نفسكم، لكن أنا محدش فكر فيا وفي اللي هيحصلي.
تجاهلت والدتها قولها وسألتها بنبرة تتعلق بأرجوحة الأمل:
-يعني انتي ماحستيش من ناحيته بأي تعاطف ناحيتك خالص؟
ضحكت ليالي ضحكة باهتة وهي تتذكر هيئة سليم:
-ده كان قاعد وكأني بقراله نشرة اخبار، كمية برود ماشوفتهاش، عشان كده استفزني واتعصبت وهددته.
-غبية، لازم نشوف حل تاني.
تفوه بها مصطفى وهو يشدد فوق خصلات شعره بقوة، بينما هز ساقيه بتوتر محاولاً إيجاد حلول أخرى ولكن ليالي انفجرت غاضبة:
-بقولكم أيه فككم مني خالص، أنا هاختفي عن الانظار ومن بكرة هسافر السخنة اختفي عند حد من صحابي، الناس دي مش هتسيبني.
اندفع مصطفى نحوها يقبض فوق خصلات شعرها القصيرة بغل:
-بت انتي أنا مش عايز قرف، هتكملي اللي قولتلك عليه، العيلة دي على قلبها فلوس زي الرز ودي فرصتنا الوحيدة.
-فرصتك الوحيدة عشان تاخد حقي تشتري بيه القرف اللي بتشربه، الكيميا لحست دماغك.
هتفت بغل مماثل وهو تواجهه رغم شعورها بالخوف منه، فأنت بألم حين قبض أكثر فوق خصلات شعرها وأعادها للخلف بقوة:
-دماغي دي يا حيوانة هي اللي بتخططلك مع الشباب اللي بتكلميهم عشان تكسبي من وراهم فلوس تعرف تعيشك.
-تعيشك انت يا فاشل يا مدمن.
طفح الكيل بها، فردت بعنفوان عليه متجاهلة خوفها الذي تضاعف حين انهال عليها بالضرب بقسوة متجاهلاً صراخها ومحاولاتها للإفلات من قبضته، إلا أن والدتها تدخلت بالوقت المناسب رغم برودها:
-اهدى يا مصطفى العصبية مش حل، احنا لازم نفكر صح، وان شاء الله ليالي هتعقل وتكمل اللي هتقولها عليه.
ثم ربتت فوق رأس ليالي الباكية تتلقفها بين أحضانها بحنو زائف:
-مش كده يا ليالي هتسمعي الكلام.
ابعدتها ليالي بقسوة وهي تنظر لهما بكره وسخط:
-ربنا يخلصني منكم، داهية تقرفكم.
أنهت حديثها ثم انسحبت نحو غرفتها، تختلي بنفسها مقررة تجهيز حقيبتها للفرار غدًا والمكوث مع إحدى صديقاتها متمنية أن يمر فعلتها مرور الكرام على يزن الشعراوي.
-مكنش المفروض اسمع كلام المدمن ده، طمعي هيوديني في داهية.
****
خلعت يسر حجابها بإرهاق وهي تجلس فوق فراشها، تريح جسدها بعد يوم طويل قضته مع نوح وابنتهما “لينا” منذ الصباح حتى عودتهما مساءًا وهو يحمل لينا غافية بتعب بعدما أفرغت طاقتها الطفولية في اللعب.
مرت دقائق ولم يظهر نوح بالغرفة، قررت البحث عنه عندما طال غيابه، لم تجده بالصالة، فاستمعت لصوته داخل المطبخ، يبدو أنه يتحدث مع أحد بالهاتف، وقفت على عتبة المطبخ صامتة تستمع لضحكه مع إحدى مساعداته بالمركز الطبي الخاص به:
-يا قمر خلاص، مكنش يوم قفلت فيه التليفون، مش يمكن برتاح من زنكم.
صمت يستمع لحديثها وابتسامته لا زالت تتعلق بشفتيه رغم علمه بوجود يسر ورؤيته لملامحها الغاضبة فقال:
-لا خلاص صدقيني مش هغيب فجأة كده وهبلغك قبلها، ظبطي بس انتي المواعيد بكرة.
استمر بالحديث معها وكأنه لم يفعل شيئًا إطلاقًا، مرت عدة دقائق أخرى ثم أغلق الاتصال ووضع الهاتف بجيب سرواله وعاد لِمَ يفعله بوضع قطع الجبن بالخبز:
-أيه يا حبيبتي واقفة ساكتة ليه؟
نظرت في ساعة يدها والاستنكار يغلف صوتها:
-بتفرج على جوزي وهو بيكلم المساعدة بتاعته الساعة ٢ بليل.
توسعت ابتسامته وهو يقول بنبرة هادئة:
-شغلي يا يسر، انتي ناسية إن أنا دكتور.
-يا خبر ازاي انسى فعلاً، إنك دكتور والحالات عندك حرجة جدًا لدرجة إن السكرتيرة بتتصل تبلغك.
سخريتها لم تعجبه، فاستمر على نهج بروده:
-طيب ما هو فعلاً ده اللي حصل؟!
توسعت عيناها بتهكم والاحباط يحلق بصوتها:
-لا ماتقوليش، أيه واحدة نسيت ولخبطت وجبة الغدا مكان العشا، ولا واحدة نسيت وشربت بيبسي، مش ده شغلك بردو! ولا يمكن انت وحشتها وغيابك أثر فيها.
رغم الاستهزاء الواضح بنبرتها واحمرار وجهها بانفعال ضاري إلا أنه عندما مر من جانبها توقف وهمس بنبرة أشعلت فتيل غيظها:
-أنا غيابي يأثر في أي حد.
ثم تركها وقضم من الخبز باستمتاع تاركًا إياها تستشيط بغضب والدموع تتجمع بمقلتيها وهي تهمس باستياء:
-هو ليه لازم يبوظلي كل لحظاتي الحلوة.
انتفضت بفزع حين عاد وهمس بجانب أذنها بمزاح:
-والله ما حد مدمرلنا لحظاتنا الحلوة غيرك يا نكدية.
التفتت إليه تسأله بعدم تصديق:
-انت ازاي قادر تقف تهزر وتضحك وأنا زعلانة؟!
أشار نحو نفسه ببراءة مخادعة، مجيبًا بمراوغة:
-أنا زعلتك ولا انتي زعلتي لوحدك.
اشتبكت نظراتهما باختلاف مشاعرهما في تلك اللحظة وواجهته بنفس نبرة القهر التي بات يكرهها بصوتها:
-نوح هو انت ليه مابتحبنيش؟!
ابتسم ساخرًا وهو يجيب بلمحة من الضيق:
-هو في حد جايبني لورا غير حبك ده!
أشارت إليه بعدم رضا وهي تسأله مجددًا:
-انت كده بتحبني يعني؟!
حاول دفن بوادر غضبه ورد بهدوء زائف، متمنيًا أن تشعر بصدق مشاعره ولو لمرة واحدة:
-انتي عارفة كويس أنا لو مابحبكيش مش هسيبك لحظة على ذمتي ولا هستحمل مرمطتك فيا.
هزت رأسها بعدم تصديق وهي تواجهه بحرقة:
-انت ازاي قادر كده تقلب الطرابيزة عليا؟ وفي الأخر بطلع أنا اللي غلطانة.
انفلت لجام غضبه وصاح مستنكرًا:
-يعني اعمل ايه اكتر من اللي بعمله، قفلت تليفوني وسيبت العيادة والحالات والشغل اللي في المعمل، وخرجتكم وقضيت معاكم…
قطعت حديثه بانفعال لم تعد قادرة على تحجيمه:
-انت بتعمل كده وكأنها جمايل، مع إنها المفروض من واجباتك.
عادت نبرته تتأرجح بأرجوحة الهدوء محاولاً امتصاص غضبها:
-مختلفناش يا يسر يا حبيبتي، واجباتي صح وانتي من واجباتك بردو تبطلي تتخانقي معايا، وتخليني مبسوط إني قاعد معاكي.
زُج عقلها في غيابة الجب ولم تعد تدرك المقصد من حديثه سوى أن الخطأ يقع فوق عاتقها، ففشلت التمسك بعلاقتهما وانفجرت به حانقة:
-انت اللي بوظت اسعد يوم في حياتي.
-أنا مني لله، عشان ترتاحي، دي عيشة تقصف العمر اقسم بالله.
القى الخبز من يده فوق طاولة الطعام الصغيرة وجذب مفاتيحه وهاتفه وقرر مغادرة الشقة بعدما فشلت محاولاته في تحملها وكالعادة لم يرى نفسه خاطئًا بل بالعكس هي دومًا من تهدد مأمنهما.
*****
وصل “نوح” أسفل البناية التي يسكن بها عائلته، فلم تكن بعيدة كثيرًا عن الحي الذي يسكن به.
أخرج أنفاسه ببطئ محاولاً ضبط أنفاسه وقرر الدخول لشقة عائلته متظاهرًا بحاجته للاطمئنان عليهم بعدما أغلق هاتفه يوم كامل، دخل بهدوء كي لا يوقظ أفراد عائلته، حيث أعطته عقارب الساعة إشارة أن مجيئه في هذا الوقت غير مناسب بالمرة، وكما توقع وجد والدته تتحدث بالهاتف مع اخته المتزوجة، وعندما رأته رحبت به على الفور وأغلقت الاتصال:
-نوح، ازيك يا حبيبي؟
حمحم بخشونة وابتسم ابتسامة بسيطة وهو يجيب:
-الحمد لله يا ست الكل اخبارك أيه؟
جلس بجانبها وهو يربت فوق ساقها بيد وباليد الأخرى أمسك كفها وقبل باطنه، فسمعها تسأله بنبرة غلب عليها الفضول:
-أيه جابك بليل كده يا حبيبي؟
هز كتفيه وهو يعتدل بجلسته أكثر بينما أخفى بصوته نبرة الضيق والإحباط:
-عادي قولت أجي اطمن عليكم.
توسعت ابتسامتها وهي تقول بحماس ينافي احتياجه للاحتواء:
-جيت في وقتك، اختك لميا كانت محتاجة منك مبلغ بسيط كده تحجز به هي وعيالها وتنزلنا اجازة.
ابتسامة مقتضبة بسيطة اكتفى بها وهو يردف:
-طبعًا وماله هحولها الصبح اللي هي عايزاه.
ضغطت فوق يده واستمرت بمطالبها التي لن تنتهي طالما هو موجود معها:
-وبنت اخوك ياسر هتولد اخر الاسبوع ويعني المصاريف كتير…
قطع حديثها بتفهم يستكمل عنها:
-حاضر خليها تعتبر الولادة ومصاريف المولود على حسابي ماتشلش هم.
-اخر حاجة بقى ومش هطلب منك حاجة، لا حاجتين مش حاجة معلش، اختك الصغيرة عيد ميلادها كمان اسبوعين ابقى هاتلها حاجة دهب تفرحها، واخوك فايز هيدخل في مشروع كان بيكلمني عنه ابقى اعرض عليه تساعده بأي حاجة اهو تبينله إنك فاكره وحاسس بيه.
ومَن يشعر به؟، ومَن يلقي عليه همومه التي أصبحت كالثقل فوق عاتقيه مهما حاول تجاهلها؟، الجميع يراه المصباح السحري لتحقيق آمالهم وأولهم والدته التي لم يخطر ببالها أن مجيئه في هذا الوقت ليس سوى مجرد هروب من سجن زواجه المظلم، ورغم أنه كان يحاول إظهار عكس ما يكنه بصدره إلا أنه كان يتمنى مجرد ضغط بسيط عليه من قبل والدته وينفجر مخرجًا جميع صراعاته النفسية، وكالعادة غادر منزل والدته كالمحروم فاقدًا سُبل الحنان والاحتواء كما أضاعها في علاقته مع زوجته!
****
الساعة الخامسة فجرًا.
طرق “نوح” باب المعرض الرئيسي عدة طرقات قبل أن يفتح “يزن” مقتضب الجبين مشيرًا إليه بالدخول، فدخل الآخر وهو يضحك بصوت عالي:
-مصدقتش نفسي طردوك بجد؟
القى يزن نحوه صندوق صغير بغيظ:
-محدش طردني أنا اللي سيبتلهم البيت، وبعدين الحال من بعضه ما أنت كمان مطرود.
القى “نوح” بجسده فوق أريكة كبيرة وهو يردف بحنق:
-بس عشان جسمي مهدود ونفسي انام ومش لاقي حتة أنام فيها، أنا لازم اشتريلي شقة عشان كل ما اتخانق مع يسر اروح فيها.
رمقه يزن بنظرة فارغة وصوته يختنق رغم مزاحه الساخر:
-لا وانت الصادق عشان تحقق حلمك وتتجوز الجوازة التانية.
لانت ملامحه بابتسامة خبيثة وهو يجاهد الضحك على هيئة يزن الغاضبة:
-مش أحسن لما اقنع واحدة واتجوزها عُرفي وتيجي تستنجد بأخويا الكبير.
مسح يزن فوق خصلات شعره عدة مرات بغضب في حركة تلقائية تتلبسه حين يكون غاضبًا أو متوترًا:
-بنت ال****، أنا تعمل فيا كده.
-أخرة قلبك الرهيف مع البنات، شوفت استغلوك ازاي؟
واصل سخريته ولم يدرك أن يزن كان يحارب أفكاره الشيطانية لقتل تلك البربرية بعدما تجرأت عليه:
-اللي مضايقني إن اصلاً ماكملتش معاها كتير، الجرأة دي جاتلها منين، زيدان باعتلي رسايل وحكالي اللي عملته مع سليم، دي المتخلفة مفبركة محادثات بيني وبينها، وبنت العبيطة ماتعرفش إن ده مش أسلوبي ولا طريقتي.
فرك نوح وجهه بقوة، يجاهد جنود النوم التي بدأت تحتل مقلتيه:
-طيب وانت زعلان ومقموص ليه من سليم اخوك، ما هو عنده حق بردو.
-مش كل مرة هتحمل طريقته معايا وتهزيقه فيا، أنا كبرت ولازم يقتنع بكده يا نوح، ومش كل مرة مضطر اظهر عكس اللي جوايا.
احتدت ملامحه وهو ينهل من بئر مشاعره الدفينة يظهر ولو جزء بسيط مما يعانيه دومًا في علاقته الأخوية مع سليم.
-معلش يعني بس الموضوع مش سهل، وسليم بردو له حق عليك يا ابني ده هو اللي مربيك، هو ابوك الله يرحمه كان يعرف عنك حاجة لازم تعذره، وبعدين انت سايب المصيبة اللي انت فيها وماسك في سليم وطريقته معاك، ما تشوف البت دي وعملت ليه كده معاك طالما أنت ماتكلمتش معاها كتير ونفضتلها بسرعة.
لأول مرة تحولت ملامحه المشاكسة لأخرى قاتمة يملأها الغموض والانتقام:
-وأنا هسيبها في حالها، أنا مستني حد هيجبلي عنها كل حاجة وليه عملت كده.
رغم أن الفضول هاجم عقله المستسلم للنوم إلا أنه هتف قبل أن يغمض عينيه:
-أكيد بنت صاحبتها، عارفك وحافظك.
-آآ…فعلاً…
ابتلع باقي حديثه وهو ينظر لصديقه الغارق في سُباته بغيظ:
-هو أنا جايبك يا بارد عشان تنام، منك لله، يعني يوم ما احتاج افضفض مع حد مالقيش.
****
هبط “زيدان” درجات السلم وهو يقوم بتعديل ياقة قميصه، مستعدًا للذهاب لعمله، ولكنه فوجئ بمليكة تقف على أعتاب شقة والدته تنظر له باستغراب:
-زيدان رايح فين؟
اقترب منها مقبلاً وجنتيها بحب وبصوت هادئ لطيف أخبرها:
-هكون رايح فين، شغلي يا قلبي.
رمشت عدة مرات بتعجب متسائلة بقلق:
-شغلك؟! طيب ويزن ماطمنتش عليه؟ ماما هتموت من القلق.
تنهد بعمق قبل أن يجيب ببساطة:
-لا طمنيها هو في الأجانص بتاعه، ويا ريت يعني ماتطلعيش تباتي فوق خليكي مع ماما النهاردة.
ربتت فوق يده وابتسامتها الباهتة ترتسم فوق شفتيها:
-لا ماتقلقش أنا كنت ناوية اعمل كده لو كنت هتروح شغلك.
كان ينوي سرقة قبلة بسيطة منها تعطيه جرعة طاقة يستعيد بها نشاطه المتبخر بسبب ما حدث مع ذلك المشاغب ولكنه انتفض مصدومًا من وجود والدته خلف مليكة تتحدث بلوم شديد:
-رايق انت وسايب اخوك يلم هدومه وساب البيت.
زم شفتيه بضيق قبل أن يتسائل باستنكار:
-هو أنا اللي طردته مش هو اللي دمه فار وقرر يسيب البيت.
-كنتوا روحوا وراه أنت واخوك الكبير عمر المشاكل ما كانت تتحل بالطريقة دي.
القت عتابها مجددًا في وجهه وحده، مما جعله يعلن عن استفزازه:
-وبتقوليلي أنا ليه، اتصلي على سليم وأنا اهو مستنيه لو نزل هروح معاه.
رمقته بنظرة غير راضية حانقة معلنة عن صمتها وعدم رضاها مكتفية بدفن اعتراضها عما حدث مع يزن كي لا تقع في دائرة الفراق عن سليم مجددًا، بعدما جاهدت في تحسين علاقتهما تلك الفترة السابقة، عازمة على التحدث مع شمس، فهي مفتاح الوصول لعقل سليم ولم تعلم أنهما يتشاحنان بشقتهما في تلك اللحظة.
****
جذبت شمس الغطاء نحوها أكثر بحنق طفولي متلفظة ببعض الكلمات غير المفهومة بالنسبة له، فصاح بغلظة:
-بتبرطمي تقولي أيه؟
شهقت بصدمة وهي تعتدل بجلستها أكثر واضعه يدها فوق فمها معلنة عن صدمتها، عقد ما بين حاجبيه وحاول التفكير بما قاله فمن الواضح أنه تلفظ بشيء مهين ولكنه لم يتوصل بالمرة للأي شيء، سألها باستنكار طفيف:
-في أيه؟ أنا قولت حاجة غلط؟
أشارت نحو نفسها بعدم تصديق تسأله بحزن:
-بتبرطمي دي ليا أنا يا سليم؟
امتعض وجهه بعدم فهم وهو يقول:
-هي كلمة عيب ولا أيه؟
سالت دمعة حزينة فوق خدها، وصوتها الحزين يفاجئه بقولها:
-أنا مكنتش اتوقع أبدًا إنك تقولي كده، لدرجة دي مافرقش معاك مشاعري.
-مشاعرك؟
ردد خلفها باستهجان ثم استطرد محاولاً مراضتها رغم عدم فهمه سبب حزنها:
-حقك عليا، بس أنا يعني….
رفع حاجبيه حين وجدها تنهمر ببكاء حار تضع وجهها بين كفيها، اعتدل بجلسته يجذبها لأحضانه بقوة، يربت فوق ظهرها وخصلات شعرها الكثيفة، يغمرها بحنانه المفرط، مدللاً إياها وقد تحول كُليًا من شخصيته الحادة للأخرى تسعى لكسب رضاها:
-في أيه بس، أنا ماقصدش يا حبيبتي أي حاجة تهينك أو تزعلك.
هتفت من وسط بكائها وهي تضع ذراعيها حول خصره وكأنها تنتظر تلك اللحظة:
-أنت دايمًا كده مابتحبش ادخل بين اخواتك، مع أني بحبكم ومابستحملش عليكم حاجة، قلبت عليا عشان بقول رأيي مع إن المفروض مرايتك والمفروض اعرفك إنك غلطت لما اتصرفت كده مع يزن، وغلطت لما أحرجته قدامنا، بس حقك عليا أنا بعد كده مش هتكلم طالما مابتتقلبش مني أي حاجة، ومابتحبنيش، خلاص أنا عرفت مدى صلاحياتي عندك.
القت ما في جبعتها بمكر ولم يدرك سليم أنها حيلة أنثوية منها لعرض اخطائه الليلة، لقد نجحت في سجن ابتسامتها بين قبضان الحزن والعتاب، وصدقها هو فراح يرضيها بلطف:
-لا طبعًا انتي الوحيدة اللي في حياتي عندك صلاحيات لكل حاجة يا شمس، بس يعني أنا يمكن كنت مخنوق شوية من اللي حصل، حقك عليا.
قبلت خده بحنو ودفنت جسدها بين ذراعيه الكبيرين:
-خلاص يا حبيبي، طالما فهمت موقفي، وسمعتني أنا مش زعلانة منك خالص.
مد يده يمسح جانب وجهها برقة وعيناه تنير بوميض غامض حين بدأ عقله باستكشاف خطتها الخبيثة للإيقاع به فرد بهدوء اقلقها مشددًا فوق جسدها:
-أيه مش عايزة تقوليلي اتصل على يزن واطمن عليه؟ ولا كفاية اللي قولتيه ووصلتيه ليا.
سمحت للابتسامتها بالسراح بينما المشاكسة تداعب نبرتها الانثوية:
-لا كفاية كده، بس أنا عارفة إن قلبك طيب وكبير ومش هتسيب اخوك الصغير يسيب البيت وبكرة هتروحله تعرفه غلطه بينك وبينه وتصالحه.
-اصالحه؟!
كررها باستهجان، فردت بنعومة ماكرة:
-اه يا ابو قمر.
ضحك ضحكة صغيرة وهو يداعب أرنبة أنفها الحمراء:
-اهو بعد ابو قمر دي أنا هروح أراضيه دلوقتي.
عادت تحتضنه من جديد تغرق نفسها في بحر حنانه ودفئه:
-ربنا يخليك لينا كلنا ومانتحرمش من وجودك.
رغم بساطة كلماتها إلا أنها كانت كالقطرة الباردة أثلجت بها صدره المشحون بنيران القلق والغضب بسبب تصرفات أخيه الطائشة، ستظل هي بوابته للهدوء وراحة البال بتصرفاتها الحنونة ودفئ خصالها اللطيفة.
*****
صباحًا..
اوقف “يزن” سيارته أمام البناية التي تقطن بها “ليالي” ثم غادرها وهو يتحدث بالهاتف مع إحدى صديقاته:
-خلاص يا بيبي، أنا وصلت عند بيتها، ماتحرمش منك ومن معلوماتك.
-أنا عنيا ليك يا زيزو، اللي يزعلك يزعلنا يا قلبي، ابقى طمني عليك بعد ما تخلص.
صح
ضحك ضحكة سوداء وهو يقول بغل:
-ابقي اطمني عليها هي.
-لا هي تتحرق ماتفرقش، دول البنات اتجننوا من اللي هببتوا بس تستاهل بقى.
-حبايب قلبي أنتي والبنات سلميلي عليهم.
اغلق الاتصال معها حين وصل أمام باب شقتها ثم طرق الباب عدة طرقات وما هي إلا ثواني حتى فتحت ليالي وحقيبة سفر كبيرة بجانبها، فعبرت الصدمة فوق وجهها غير مصدقة سرعة مجيئه والوصول إليها:
-أيه؟
-النور جه.
__________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غناء الروح)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!