روايات

رواية منك وإليك اهتديت الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم زيزي محمد

رواية منك وإليك اهتديت الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم زيزي محمد

رواية منك وإليك اهتديت الجزء الثاني والعشرون

رواية منك وإليك اهتديت البارت الثاني والعشرون

رواية منك وإليك اهتديت
رواية منك وإليك اهتديت

رواية منك وإليك اهتديت الحلقة الثانية والعشرون

استدارت مليكة بجسد منهمك وهي تحمل الحقيبة البلاستكية حتى وقع بصرها على كلب صغير يقف بمنتصف الصالة يحرك ذيله لأعلى بطريقة سريعة وشعره كثيف يغلب عليه اللون الرمادي..صرخت برعب وهي تسقط الحقيبة من يدها وتتراجع ببطء مبعثر للخلف تحاول استيعاب الأمر، حيث صور لها خيالها أنه بحجم وحش كبير فتسارعت أنفاسها برعب حقيقي..حتى لفت انتباهها صوت ضحكات صغير يقف بزاوية ما يراقبها كان عمره لا يتعدى ست سنوات يحمل هاتفًا بيده ويوجه عدسة الكاميرا نحوها والابتسامة تشق ثغره الصغير بقوة، فخرج صوتها متلعثمًا بعض الشيء وهي تقول:
-أنت مين يا حبيبي..دا الكلب بتاعك.
-اه يا طنط.
قالها وابتسامة ماكرة تصل لعينيه، فهمست برعب:
-طب طلعه برا بسرعة.
كانت تشير بيدها نحو الباب بينما التصق جسدها بالمطبخ من خلفها ولكنها تفاجئت من صوت الصغير يصدح عاليًا بتلذذ:
-لا، قرب منها يا بيسو..
-لا…لا يا بيسو.
صرخت بخوف وهي تركض في أرجاء الشقة والكلب الصغير خلفها يقفز في كل مكان، ومن بين كلماتها التي حاولت إيصالها للصغير الحقير المتلذذ بخوفها:
-انت يا بني…هضربك، ابعده عني، يالهووي.
-لما تبقي تعرفي الاول توقفيه تعالي اضربيني.
قالها بعناد طفولي والتزم ما يفعله، حتى لاحظت مليكة كاميرا الهاتف المصوبة نحوها، فقالت من بين صراختها وهي تلتصق في احدى الزوايا:
-أنا هكسر التليفون دا على دماغك، ابعده عني..دا جاي عليا.
قالت أخر حديثها وأغلقت فمها وعينيها تنتظر انقضاض شرس منه رغم أن الكلب كان يلاعبها منذ البداية ولكن عقلها الذي يعاني من هاجس الخوف من الكلاب لا يعي بذلك..لاحظت عدم ملامسته لها ففتحت عينيها ببطء وأنفاسها متسارعة بشكل كبير حتى رأت زيدان يقف أمامها يحمل الكلب ناظرًا إليها بعدم فهم، بقيت على حالتها تلك ترتجف بنظراتها وهي تشير نحوه بـ إصبعها في خوف حتى اقترب الصغير وأمسك سروال زيدان بقوة يجذبه للأسفل هاتفًا بشراسة:
-نزل الكلب بتاعي.
-أنت مين يا حبيبي!
تساءل زيدان وهو ينتقل ببصره بينه وبين مليكة الصامتة التي كانت تراقب ما يحدث في سكوت تام فلم تكن تقوى على الحديث والكلب مقترب منها بهذا الشكل..
-أنا مش حبيبك..أنا حبيب ماما وبابا وبيسو وبس.
حول زيدان بصره لمليكة الصامتة متسائلاً بغيظ:
-مين الواد دا؟!
-شادي..انت هنا يا حبيبي.
انبعث صوت السيدة شهيرة فجأة وهي تبحث عن صغيرها حتى وجدته داخل الشقة يقف يعقد حاجبيه كالرجل الكبير وهو يواجه زيدان فقالت بابتسامة واسعة:
-الله انت بتلعب هنا.
التفت زيدان لها وهو يوجه الطفل والكلب معًا:
-دا ابنك يا مدام؟
اقتربت منهما قائلة بارتباك من هيئة مليكة الخائفة والملتصقة بالجدار من خلفها وزيدان العابس، فهمست لصغيرها بضيق:
-أنت هببت إيه يا شادي؟
ارتفع صوت الصغير يقول ببراءة:
-كنت بخوفها وبضحك عليها.
ربت زيدان فوق كتف الصغير عدة مرات برفق محاولاً تهدئة نفسه من وقاحته:
-عيب يا بابا..دي طنط مليكة اكبر منك مينفعش تعمل معاها كدا!
-ايوا..ايوا عيب يا شادي دي طنط بردو واكبر منك.
بدأت ملامح الضيق تسيطر على وجه الصغير فقال:
-أنا عايز بيسو يا ماما.
مدت شهيرة يدها تلتقط الكلب من يد زيدان المحاوط له كمحاولة لإغاظة الصغير الذي استفزه بشده، ثم اعطته لصغيرها ووجهته نحو الباب تأمره من بين همساتها عودته لشقتها وبالفعل التزم الصغير في صمت ماكر وقبل أن يغادر التفت برأسه يطالع كلاً من مليكة وزيدان محركًا حاجبيه لأعلى ولأسفل عدة مرات قاصدًا إغاظتهما فقال زيدان بغيظ:
-شوف الواد..
سارعت شهيرة لتدارك الأمر قائلة بصوت يغلب عليه الحرج:
-يا نهار أبيض..شادي بيحب الناس بشكل مش طبيعي وبيموت في الهزار.
تمتمت مليكة بصوت يغلب عليه بحة الخوف:
-هو كدا بيحب الناس!
-طبعًا بس أنتي ماخدتيش عليه لسه.
قالتها شهيرة بنفس ابتسامتها الواسعة المستفزة كما يصفها زيدان بداخله والسعادة تغزو عينيها من جديد وهي تردد:
-أنا مبسوطة بجد ان بقا لينا جيران في نفس الدور بتاعنا وكمان من القاهرة، انتوا مش متخيلين فرحتي بيكم، انا كنت هموت من الوحدة.
لم تقابل سوى الصمت المطبق منهما فلم تتراجع ولم تشعر بذرة من الحرج بل استكملت قائلة بإصرار:
-يلا هستناكم بكرة ان شاء الله، انا عازمكم على العشا.
سارعت مليكة بالرفض قائلة:
-لا…لاااا احنا اصلنا…
رفعت شهيرة يدها وهي تقول بحزم:
-ابدًا هستناكم، يلا عن اذنكم.
غادرت شهيرة تحت انظارهما المتعجبة منها، وما إن اغلقت الباب من خلفها حتى قال زيدان وهو يوجه بصره عليها يدقق بحالتها المذعورة:
-مالك كنتي مرعوبة ليه كدا؟
اقتربت منه وهي تمسك بذراعه وكأنها تتأكد من وجوده قائلة بصوت رقيق:
-عندي فوبيا من الكلاب.
-دا صغير مش هيعمل فيكي حاجة، خليتي حتة عيل سئيل يضحك عليكي.
شعرت بالخجل منه وأخفضت بصرها ارضًا، فتراجع عن كلماته قائلاً بلطف وهو يختصر المسافة بينهما ممسدًا فوق ظهرها بحنو:
-مقصدش، بس ابسط حاجة امسكي أي حاجة وارزعيها فيه متقفيش كدا خايفة مش عارفة تتصرفي.
تنهدت بعمق وهي تقول بتعجب من هيئة الصغير:
-دا كان مبسوط وهو بيخليه يجري ورايا ويصورني…
صمتت فجأة حتى صاحت بتذكر:
-الواد صورني وأنا بجري من الكلب.
دفعها زيدان للخلف بقوة لم يقصدها ثم اتجه فورًا لشقة شهيرة وطرق الباب عدة مرات حتى فتح الصغير، فهبط زيدان له مشيرًا بيده في صمت، فصدح صوت الصغير قائلاً بضحك:
-القطة كلت لسانك يا عمو.
توسعت أعين زيدان بصدمة من وقاحته، حتى أكد الصغير على قوله:
-ماما بتقول لبابا كدا على طول.
-أنا ماليش دعوة بابوك وامك، هات تليفونك يا عسل.
وضع الصغير يده في خصره مردفًا بضيق:
-أنا مش عسل..
-طيب يا سكر.
ازداد ضيق شادي وأردف:
-أنا مش سكر.
-طب هات التليفون اللي كنت بتصور بيه طنط يا ظريف.
-لا..ماما قالتلي مديش تليفوني لحد.
ضغط زيدان فوق الباب المستند عليه بيده لثوان محاولاً التحكم بنفسه أكثر، بالنهاية هو مجرد طفل صغير ولكن لمعة العناد المنبعثة بأعين الصغير جعلته يهمس بشر وهو يقول:
-عارف أنا ممكن اتصل على البوليس واقولهم ان في عندك كلب بتخليه يعض الناس وهما هيجوا وياخدوه منك.
تردد الصغير وهو يردف بثقة مهتزة:
-بيسو مبيعضش حد.
-اتصل عليهم ولا تجيب التليفون!
لم يستغرق سوى ثانية واحدة وأخرج الهاتف من جيب سرواله واعطاه لزيدان الذي امسكه سريعًا واجرى بحث صغيرًا عن الفيديو المصور لمليكة ثم مسحه قبل أن يراها أحد بتلك الهيئة وخاصةً أنها كانت بشعرها ومنامتها..تأكد من عدم وجود الفيديو بأي تطبيق بالهاتف ومن بعدها أجرى حذف لجميع ذاكرة الهاتف واعطاه إياه بابتسامة واسعة مستفزة:
-رجعتهولك من غير أي حاجة ولا العاب حتى أيه رأيك؟!
عقد الصغير ذراعيه أمامه هاتفًا بحقد وكره:
-هتقول للبوليس؟
-لا عيب اقولهم إيه، دا اتفاق ما بينا..بس عارف لو فكرت بس انك تصور حد تاني، هخليهم يجوا ياخدوا بيسو منك.
القى الصغير بنظرة حقد نحوه وقبل أن يغلق الباب قال:
-مع السلامة يا عمو.
بصق زيدان من فمه على الباب مردفًا بغيظ:
-عيل محتاج تربية من أول وجديد..
استدار زيدان متوجهًا نحو شقته فوجد السيد شوكت يقف على بداية الدرج يرمقه بخوف واضح، فتعجب زيدان منه وقال:
-اهلاً يا أستاذ شوكت.
تقدم شوكت منه ومد يده ليسلم عليه بحبور شديد وهو يردد بلا انقطاع:
-اهلاً يا افندم والله نورت البلد والعمارة كلها، اي حاجة انا في الخدمة، اي حاجة بس قول يا شوكت.
-شـكرًا يا أستاذ شوكت، بس في الحقيقة كنت عايز الفت انتباهك لحاجة.
سارع شوكت بتوتر لاحظه زيدان وهو يقول:
-حاجة إيه يا باشا، مضايقنك ننقل من العمارة خالص.
رفع زيدان حاجبيه معًا باندهاش، مدققًا النظر بشوكت وهيئته… رجل في نهاية العقد الثالث، نحيف الجسد..ثيابه عادية ونظارته الطبية كبيرة نوعا ما، قمحي البشرة وعيونه صغيرة بالإضافة إلى شاربه وقميصه المغلق حتى آخر زر..قرر زيدان إنهاء التدقيق به مؤقتًا وتنبيه على ما فعله الصغير اليوم وخاصةً تصويره لمليكة مشددًا ان ذلك لا يجوز..ومن السهل تقويمه فهو لا زال في بداية عمره وتلك التصرفات تسيء من تربيته، اخفض شوكت بصره للأسفل قائلاً بحرج:
-شهيرة مراتي للأسف دلعته جدًا، بس اوعد حضرتك متتكررش تاني.
-حصل خير.
أنهى زيدان الحديث معه بعدما لاحظ احمرار وجه الرجل ثم تحرك نحو الشقة ودخل يبحث عن مليكة التي وجدها تفرغ الاشياء بالمطبخ فتقدم نحوها وهو يقول:
-انتي فتحتي للواد دا ليه؟
استدارت مليكة له وسألته قائلة:
-لقيت الصور..
سخر زيدان منها وهو يردف:
-صور! دا عاملك حفلة على تليفونه الاهبل ابن الاهبل، المهم مسحتهم كلهم.
تنفست الصعداء وهي تقول براحة:
-الحمد لله أنا كنت خايفة ميرضاش يديك التليفون.
هتف زيدان بثقة وهو يتذكر تهديده للصغير الوقح:
-هو يقدر…وبعدين أنا ظبطته وخليته بعد كدا ميقدرش يقرب منك.
رمشت مليكة بأهدابها تسأله في ترقب وقلق:
-عملت إيه في الواد يا زيدان، دا مهما كان عيل صغير.
هز كتفيه بلامبالاة ظاهرية وهو يجيب:
-معملتش حاجة!
-زيـــــدان.
-مش مصدقة ليه، قولتله هات التليفون يا حبيبي قالي حاضر يا عمو..قولتله متعملش كدا تاني قالي حاضر يا عمو.
هزت رأسها بتفهم بينما هو ابتعد بعينيه عنها، فانتبه لقولها الذي كان يغلب عليه الرجاء:
-زيدان أنا مش عايزة اروح عندهم على العشا، الست دي غريبة اووي بتتعامل بعشم زيادة.
حرك شفتيه بهمس شديد وهو يفكر:
-ولا جوزها عايز تحريات لوحده.
تركت مليكة الاغراض من يدها وتساءلت بفضول:
-بتقول حاجة؟!
-مبقولش المهم متفتحيش الباب لحد وأنا مش موجود.
هزت مليكة رأسها بالموافقة ولم تخبره ان الباب كان مفتوح من الاساس حتى لا تتلقى توبيخ اخر منه، فذلك الموقف جعلها أكثر حذر من الاول.
***
انتهت مليكة من تغيير ثيابها بالمرحاض الموجود بالغرفة، وخرجت بخجل تبحث عن زيدان الذي اختفى فجأة في المطبخ لدقائق عديدة، اتجهت صوب السراحة تلتقط الفرشاة ثم مررتها بخصلات شعرها تنظر لصورتها في المرآة، ورغم عنها انشقت ابتسامة لطيفة عبر ملامحها مع وجود احساس بسيط بالسكينة يحاول أن يجد لنفسه مكان وسط ضجيج صدرها بمشاعر جمة، التفتت برأسها تراقب الغرفة التي أصبحت جميلة ومرتبة بشكل يرضيها فأغمضت عينيها وسمحت لنفسها بجذب نفس عميق وهي تردد بهمس:
-متخافيش كل حاجة هتكون تمام.
قطعت كلماتها حينما وجدت زيدان يدخل الغرفة يحمل طبق به قطعة خبز موضوعة بداخلها جبن مقتربًا منها:
-مليكة، خدي كُلي مأكلتيش حاجة من الصبح.
وقفت تنظر له بامتنان وهو تتناول الخبز منه مردفه بنبرة ناعمة:
-شكرًا، كنت هخلص واحاول اعمل اكل لينا.
شملها بنظرة دافئة ثم مد يديه يمسد بهما فوق ذراعيها وهو يقول:
-انتي تعبتي النهاردة، كلي السندوتش وبعدها ننام.
احمرت وجنتيها بشدة وهى تسأله بخجل:
-انت مش جعان يعني؟ أعملك بيض، بعرف اعمل بيض حلو.
ضحك ضحكات خافتة وهو يسألها بخفوت وعينيه تلمع بشقاوة:
-اوعي تقولي انك مبتعرفيش تعملي أكل.
سقط بصرها أرضًا وهي تهز رأسها بإيجاب تشعر بالحرج الشديد منه، ولكن سرعان ما رفعت عدستيها وهي تقول بحماس:
-أنت بتعرف؟!
-أنا عشان اعملك سندوتش معايا، استخدمت مية طبق جوا ومعلقة..بس مش مهم هنعيش على العيش والجبنة.
كم هو لطيف جدًا في تعامله معها، فابتسمت بحنو له وهي تقول بهدوء:
-مش مشكلة أنا وأنت هنتعلم مع بعض.
-ليه يا حبيبي بتشاركيني معاكي، ما تتعلمي لوحدك.
هي تركت كل حديثه الساخر جانبًا وغرق عقلها في تلك الكلمة التي أحيانًا يرددها ببساطة في سياق حديثه، فكان لها سحر خاص له القدرة على دق ابواب قلبها المتعطش لمشاعر الحب والغرام، فرغمًا عنها انبعثت منها نظرات شغوفة وهي ترمقه رغم معرفتها بنتائجها الخطيرة، وبالفعل اختصر زيدان أي مسافة بينهما وجذبها لأحضانه رافضًا أي محاولة منها للهروب وكأنه فرض قيوده حولها حتى تصبح بلا قوة أمامه، فهمست بضعف ورأسها يلتصق بصدره:
-زيدان احنا اتفقنا على إيه!
شعر بالغيظ الشديد والاستياء من مبدأ الصداقة الملتصق بحديثها مؤخرًا ولكنه تجاهل وهتف بهدوء:
-الصحاب بيحضنوا عادي على فكرة.
بللت طرف شفتيها بتوتر وهي تقول بنعومة:
-من غير مبرر؟!
صمت لثوان بسيطة ثم قال بجدية زائفة:
-لا فيه مبرر، انتي تعبانة وأنا بحاول اخفف عنك.
رفعت رأسها لأعلى تنظر له بعدم فهم، فابتسم بحب وقبل جبنيها عدة قبلات قبل أن يهمس بنبرته الرجولية الجادة:
-في مرة من المرات اللي مبتتكررش كتير وأنا قاعد بتفرج على التلفزيون شفت واحدة بتتكلم عن انه لما صديقك او حبيبك يبقى تعبان او مشغول او قلقان من حاجة لازم تخفف عنه بأي طريقة.
ضحكت برقة ثم قالت:
-يعني مقالتش بالحضن.
-لا هي قالت أي طريقة، وأنا مبعرفش اعبر الا كدا.
كانت اجابته بسيطة تخفي مكر شديد أسفل قناع الهدوء والصداقة الذي تلبسه فجأة، فتابع حديثه وهو يعيد رأسها الى موضوعه فوق صدره:
-غمضي عينك وسيبي نفسك ومتفكريش غير اننا صحاب وبس.
صدقته كالبلهاء وسارت خلف كلماته تبحث عن راحة كاملة وطمأنينة هجرت قلبها المسكين، فتمسكت به تزامنًا مع اخراج تنهيدة قوية من صدرها تعبر عن حالتها الآن…لم يشعر زيدان كم مر من الوقت حتى شعر بتراخي جسدها بين يديه واستكانة ملامحها، فقبل خدها بحب شديد ثم حملها ووضعها فوق الفراش برفق..انكمشت في مكان صغير وهي تغرق في السبات العميق بينما هو هبط بجسده نحوها وقرر سرق قبلة صغيرة من ثغرها، اسكرته بخمر شفتيها وانعشته كمن قابل نسمات الصيف الرائعة فابتسم بسعادة مقررًا أن يكررها كل ليلة حتى لو أصبح لص سارق للقبلات ليلاً.
دار حول الفراش ونام بالطرف المقابل محتفظًا بمسافة بينهما حتى لا تستيقظ ليلاً وتشن هجومًا سافرًا عليه وينتهى به الحال في الصالة، سيثبت لها حسن نيته والتزامه بقواعد صداقتهما البائسة، فبالنهاية هو سـ يسقي فؤاده من ينبوع شفتيها كل ليلة دون أن تشعر به.
***
في اليوم التالي..
صاحت ميرفت بغضب عارم وهي تقول:
-انت بتستهبل يا ابراهيم ادور عليها فين!، البت هربت من تحت ايدك وجاي في الاخر بتزعقلي عشان مبدورش.
استمعت لصوته المردد بغضب مماثل فشهقت بقوة وهي تقول من بين اسنانها:
-مراحتش هناك يا اخويا، اكيد هربت مع ابن اختك الصايع.
-فلوس الشيخ هتروح مننا، مبقتش عارف اقوله ايه وهو بيسأل عنها!
صمتت لثوان تستجمع بها هدوئها الهارب منها حتى قالت:
-مش عارف تتصرف، تبعتلي رقم الشيخ قاسم وأنا هعرف اتصرف معاه كويس لغاية ما الاقيها.
انتباهه الشك للحظات ولكنه لم يملك أي طريقة أخرى لذا استسلم وأرسل لها رقم الشيخ معطيًا لها كافة الصلاحيات للتعامل معه بشرط ألا يفقد الشيخ شغفه نحو نهى.
أغلقت ميرفت الهاتف ومن بعدها بدأت تردد بالشتائم لزوجها وابنها ونهى الهاربة، حتى طرقت الخادمة الباب ثم دخلت:
-في واحد برة عايزك يا هانم.
ردت بصرامة:
-مين؟!
-اسمه خالد وقريب ابراهيم بيه.
نهضت سريعًا وهي تسألها بحماس:
-البت نهى معاه.
هزت الخادمة رأسها بنفي ثم خرجت، جذبت ميرفت انفاس عميقة قبل أن تخرج للقاء خالد وارتدت قناع الجمود والبرود وهى تتحرك للخارج حيث كان جالسًا..رأته يجلس يضع ساق فوق الأخرى بصره معلق بها حتى جاءت للمقعد المفضل لديها بجانب نارجيلتها ” شيشة” المصنوعة من الكريستال ومطلية بالذهب امتلكتها من مزاد كبير وتخشى أن يقترب منها أحد حتى أنها تقوم بتنظيفها بنفسها..تتباهى بها امام أي شخص كان، تضعها بجانب مقعدها المفضل الذي يرافقه خلفه مباشرة صورة كبيرة لها موضوعة في اطار من الذهب.
جلست بترفع تضع ساق فوق الأخرى تنظر له ببرود:
-اتغيرت يا خالد.
-وانتي لسه زي ما أنتي، الزمن مهدكيش.
رفعت أحد حاجبيها لوقاحته ثم ارتفعت بضحكاتها:
-لا كدا نظرتي اول مرة تخيب، لسانك المتبري منك لسه زي ما هو، رغم ان انا قولت انك كبرت وعقلت وبقيت تتعامل زي ولاد الناس.
ألقى بسمة مستفزة نحوها وهو يرد بقوة:
-أنا بعرف امتى اتعامل باحترام مع الناس اللي تستحق، وبعرف بردو امتى اقل ادبي ويبقى لساني متبري مني زي ما أنا بتكلم معاكي دلوقتي.
ضيقت عينيها بشر وهي تقول:
-طب راعي فرق السن!
-وانتي بتراعي أي حاجة.
رد بحقد مماثل، مما جعلها تستفز بطريقة كبيرة، جذبت يد النارجيلة وبدأت في استنشاق الدخان..ومن بعدها سألته بهدوء:
-نهى فين؟!
-معايا.
رد ببرود استفزها لدرجة أنها قالت بوقاحة:
-بجح..ومش خايف ابلغ الشرطة انك خاطفها.
-عندي استعداد اعملها لو عايز، وانتي عارفة كويس ان مبخفش من حاجة.
ضحكت بسخرية وهي تردد:
-اه اصلك صايع قديم، الطبع لسه غلاب.
-الله ينور عليكي، فحافظي بقى على حدودك معايا، عشان أنا ببساطة خلقي ضيق، وانتي عارفة أنا ممكن اعمل ايه واوعى تفتكري ان للحظة هعمل حساب لبشر..فاقعدي هادية كدا واسمعيني.
ضغطت بقوة فوق اسنانها وهي تلتزم الصمت على مضض، لم يقدر أحد على مواجهتها بشراسة هكذا سوى ذلك الوقح خالد وسليم الشعراوي..اضطرت أن تستمع له وقد كشف لها من خلال حديثه عن الشيخ قاسم ومدى مساوئه وصفاته القذرة في تعامله مع زوجاته وأن مال الدنيا لن يعوضها عن ابنتها الوحيدة..وبعد انتهائه من حديثه رسمت الصدمة على ملامحها ببراعة وهي تقول غير مصدقة:
-لا مش معقول ابراهيم مقاليش عنه كدا! يعني بيكدب عليا.
غير أن ذكائه دفعه لعدم تصديقها احساسه ايضًا بتمثيلها اكد له ذلك، فقرر مجاراتها في الحديث وبداخله اقسم على أن لا يسلمها نهى اطلاقًا..فعاد انتباهه لها عندما قالت:
-البت دلوقتي تقول اهلي كانوا عايزين يخلصوا مني مع واحد زي دا، ربنا يسامحك يا ابراهيم انت وسمير الكلب.
هبطت ببصرها نحو خالد الجالس بهدوء يتابعها حتى قالت بقهر زائف:
-ضحكوا عليا وقالوا هيدينا مهر كبير وبيحبها قولت مش مشكلة السن المهم حد يحافظ عليها ويتجوزها، هي فين يا خالد أنا عايزة اشوفها.
رمقها بنظرة غامضة قبل أن ينهض مقررًا قطع مسرحيتها وهو يقول:
-ان شاء الله هجبهالك على طول.
اتجه صوب الباب وهي خلفه تحاول اقناعه بضرورة رؤيتها لنهى وما ان فتح الباب حتى تفاجأ بنهى أمام الباب، تسمر خالد بصدمة وتفاجئت ميرفت حتى اصابتها السعادة، فتخطت خالد واحتضنت نهى مردفة:
-يا حبيبتي تعالي نورتي بيتك، ادخلي.
قبل أن تدخل اوقفها خالد بيده ثم وجه بصره نحو ميرفت وبنبرة حادة خشنة قال:
-عايز اتكلم معاها لوحدنا.
ضغطت ميرفت على نفسها وأومأت بالموافقة بينما أمسك خالد بيدها وهو يردف بغضب ناري:
-ايه اللي جابك ورايا.
-مالوش لزوم افضل في الاوتيل، ما أنا هرجع بيتي في الأخر.
ردت بضعف تحاول ألا تمنع نفسها من البكاء، فاقترب منها وهو يهمس بعنف:
-لا مكنتش هرجعك، الحر*باية امك انا مش مرتاحلها.
-محدش هيقدر يعمل فيا حاجة غصب عني، متقلقش.
امسكت بيده وهي تحاول الابتسام كي تخفي خوفها من القادم، وذلك بعد أن قررت ألا تهدم مستقبله معها.
-طول ما أنتي معايا محدش يقدر يقرب منك، بس وانتي هنا…
قاطعته بخفوتها الناعم:
-هما أهلي ودي أمي والشيخ دا هناك في قطر مش هيجي ورايا.
-نهى تعالي معايا..
ظهر صوت ميرفت من خلفه وهى تقول بحزم:
-تيجي معاك بصفتها ايه يا خالد..
اقتربت تجذب نهى الى صدرها تحتضنها وتواصل باقي حديثها:
-خلاص عملت موقف بطولي وشهم وانقذتها من جوازة مهببة كتر خيرك..هي دلوقتي رجعت بيتها.
تركت نهى يد خالد واغلقت عينيها الباكية وهي تضم يدها التي لامست كفه لصدرها..فاستسلم خالد ورجح أن عودتها لمنزلها ليس سوى محاولة عودتها لزيدان..
ضغط على نفسه وهو يرفع انفه بكبرياء قبل أن يغادر ويختفي تمامًا عن انظارهما..
انتبهت نهى لصوت والدتها:
-بتعيطي ليه، خايفة اجوزك الشيخ؟!
رفعت نهى رأسها بضعف وخوف حقيقي امتزج فيه الحزن بعدما فارقت خالد، بينما استكملت والدتها حديثها:
-متخافيش الموضوع دا اتقفل، ادخلي اوضتك وغيري هدومك يلا، شكلك تعبانة.
وافقت نهى فحاجتها للجوء لنوم كبيرة الآن وخاصةً حينما القى خالد نحوها نظرات غاضبة امتزج فيها الخذلان وما إن دخلت نهى لغرفتها ومن خلفها الخادمة تحمل الحقيبة حتى اختفت ميرفت في غرفتها هي الأخرى تجري اتصالاً بالشيخ قاسم الذي قالت له بعدما تخطت مراحلة التعارف:
-لا هي عندي هنا في البيت..تعال بس على اول طيارة راجعة مصر ومتقولش لابراهيم ولا حد…أنا هجهز المأذون وكل حاجة.
صمتت تستمع لحديثه ثم قالت من بعدها بسعادة بالغة:
-مستنياك..سلام.
***
جلس زيدان فوق طاولة المطبخ يحمل هاتفه بتركيز بينما كانت مليكة تركض في كل مكان بالمطبخ..حتى صاحت بانفعال:
-وقف الفيديو بسرعة.
اغلق الهاتف قائلاً بحنق:
-ما نتصل على ماما احسن من الزل دا، مكنتش مكرونة هناكلها.
التفتت له وهى توجه له الملعقة الملطخة بالصلصة:
-انت فاكر المكرونة دي سهلة ولا ايه، دي محتاجة تركيز.
– بدليل اننا دخلنا على اليوتيوب نشوف مية طريقة ليها..بصراحة أنا زهقت احنا من الصبح في المطبخ..ما تيجي نقعد نتفرج على التلفزيون..أنا من بكرة نازل الشغل.
هزت رأسها برفض واردفت بإصرار:
-هعمل المكرونة يعني هعملها.
-يا مليكة ما هى هتكون وحشة اكيد تتعبي نفسك ليه؟؟
استدارت نحوه بعنف قائلة من بين اسنانها:
-انت ازاي تقول كدا من قبل ما تدوقها، وبعدين ايه كمية الجحود اللي انت فيها دي، ياريت تراعي كلامك معايا.
اشار نحوها مردفًا بغيظ:
-اهو قناة الاخبار حد فتحها تاني..دا كله عشان قولت رأي في حاجة.
تركت الملعقة جانبًا بضيق وامتلئت مقلتيها بالدموع بينما خرج صوتها يحمل بحة غلبت عليها البكاء:
-رأيك ان اكلي وحش، طيب أنا غلطانة اصلاً ان واقفة وبتعب نفسي..
استقام زيدان من مكانه وتحرك نحوها محاولاً تهدئتها:
-ايه اهدي أنا مقصدش أي حاجة، ليه كبرتي الموضوع كدا.
عاتبته برقة وهي تمسح دموعها المتساقطة:
-الحقيقة انك مكنتش المفروض تقولي كدا، المفروض كنت تستنى لما تدوقها وتقول رأيك.
رفع ذقنها لأعلى وبدأ في مسح دموعها هو الأخر بطرف اصبعه:
-لو حلوة؟!
ردت بخفوت ناعم:
-تشكرني عليها.
تساءل مجددًا بمكر:
-ولو وحشة؟!
اختلفت نبرتها الناعمة لأخرى شرسة تحمل التهديد المبطن:
-تشكرني بردو.
ترك وجنتيها وهبط بيده نحو يديها يرفعهما نحو فمه وهو يقول بنبرة عابثة:
-يعني في الحالتين أنا لازم ابوس الايد الحلوة دي انها عملت أكل ليا.
تعلق بصرها به وهي تقول بخجل واضح:
-يعني من باب الذوق.
-لا حاسبي أنا في الذوق معنديش يا ما ارحميني…
صمت لبرهة قبل أن يقترب برأسه نحو خدها الايمن يقبله برقة:
-ممكن بردوا نعمل كدا.
ثم انتقل نحو خدها الأيسر وطبع قبلة كانت اعمق من الأخرى وهمس بشقاوة:
-وهنا عشان الخد دا ميزعلش.
هتفت بضعف وهي تجاهد مشاعرها الملتهبة:
-زيدان احنا قولنا ايه!
اكد أمام عينيها البراقة بضحك ساخر:
-الصحاب بيعملوا كدا عادي.
تركت يده وابتعدت للخلف ثم قالت باستنكار:
-انت ممكن تنسى مفهوم الصحوبية دا خالص، دا بيختلط بحاجات…
سكتت تستنشق رائحة ما اخترقت انفها، حتى سأل زيدان بفضول:
-ايه؟!
صاحت بذعر:
-المكرونة اتحرقت…يالهوي..اطفي بسرعة.
ارتفع جرس الباب فتركها زيدان تواجه حقيقة ما تراه وحدها، وفتح الباب فوجد شادي يقف يضع يده في جيب سرواله وبنظرة تعالي أردف:
-طنط مليكة جوا.
-عايز ايه يا عسل؟!
-عايز ادخلها…اوعى.
اوقفه زيدان وهبط لمستواه وهو يقول بغيظ:
-انت عارف ياض كل ما احاول اتعامل معاك على انك طفل ارجع اندم، اقف عندك هنا وقول عايز ايه يا مقصوف الرقبة؟
أجاب الصغير بضيق طفولي:
-ماما بعتتني عشان اقولكم العشا جاهز.
-ما أنا قولت لابوك الصبح اننا مش جايين.
-وبابا قالها كدا…بس هي قالتله تعرف تنطقنا بسكاتك يا شوكت.
امتعض وجه زيدان وهو يسأله بترقب:
– وابوك عمل ايه؟
-سكت..يلا تعالوا عشان انا جعان يا اما هخلص البطة لوحدي، باي …يا عمو يا رخم.
وقبل أن يدخل لشقته اخرج لسانه لزيدان المصدوم من وقاحته, فسارع زيدان بتوبيخه:
-خد هنا يا ابن ال***
التفتت بحنق حينما استمع لصوت مليكة الواقفة خلفه تحمل طبق من المعكرونة:
-زيدان بتشتم مين؟!
-الواد شادي…يخربيته طلع أنيل من العفاريت.
امسكت يده وهى تجذبه نحوها قائلة بحماس:
-سيبك منه..بص لحقت شوية من المكرونة.
القى نظرة نحو الطبق الذي يبدو عليه أنه بقايا محترقة من المعكرونة وبالإضافة إلى رائحتها، دفن تعبيرات وجهه الحقيقة وهتف بجدية:
-لا انتي تنسي المكرونة دي ويلا بينا على جيرانا عشان مستنينا.
تركت يده بضيق مردفة من بين اسنانها:
-انا قولتلك مش عايزة اروح.
-والبطة نسيبها لمين؟!
رد بعفوية تعجبت لها، فسارع بتغيير حديثه قائلاً:
– اقصد كتر خيرهم انهم عزمونا وبعدين ممكن يزعلوا وبصراحة لو مروحناش هتكون قلة ذوق مننا.
هبطت ببصرها للطبق قائلة بحزن:
-طب والمكرونة.
-نسيبها على جنب ولما نرجع ناكلها، يلا غيري هدومك بسرعة.
***
دخل خالد لغرفته في الفندق يبعث بمحتويات حقيبته بسرعة كبيرة بعد أن تلقى اتصالاً أكد له ظنونه، أخيرًا وجد أجندة صغيرة يحتفظ بها ببعض الارقام الخاصة بأصدقائه قديمًا.. وجد مبتغاه ثم أجرى اتصالا بيه:
-الو، معاك خالد الشناوي..
-حبيبي يا خلود رجعت امتى مصر يا جدع.
-مش وقته يا مليجي..المهم أنا عايزك في خدمة.
-رقبتي يا حبيبي اومر بس.
-عايز كام واحد من حبايبنا في حوار كدا.
-يا خبر بسيطة اووي، قولي انت بس التفاصيل ومتشلش هم.
-أنا هكون موجود معاهم.
-خالد نازل الملاعب تاني.
-لا…لا يا مليجي..انا هخلص الحوار دا ونخلص…المهم الساعة ٤ الفجر يكونوا واقفين في المكان اللي هبعته في رسالة..سلام.
أغلق الاتصال ثم تحرك بالغرفة ذهابًا وإيابًا بغضب ناري متمتمًا بصوت شرس واغلب كلماته كانت وعيد قاس لميرفت أما أنفاسه كانت تتسارع بشكل جنوني بعد أن تلقى اتصالاً من الخادمة التي تعمل بمنزل ميرفت..تخبره أنها تعد لعقد قران مفاجئ في صباح اليوم التالي لنهى على الشيخ قاسم الذي سيصل في الصباح وعندما سألها عن نهى اخبرته انها تغط في نوم عميق لا تعِ بشيء وستتفاجئ بالصباح وترغمها والدتها على ذلك…توقف قلبه وهو يستمع لها وشكرها كثيرًا على ابلاغه بمثل هذه المعلومة..متذكرًا كيف تعرفت عليه فور مجيئه وتعريفه بنفسه، فقد كانت تستمع لمحادثات ميرفت مع زوجها وتردد اسم خالد كثيرًا أمامها..وقبل أن تدخل لميرفت لإخبارها بوجوده قررت أن تغامر وتطلب منه رقم هاتفه وبالصدفة كان خالد قد اشترى شريحة جديدة لتعامل بها..فأعطاه إياها الرقم وهو يدفن تعجبه منها ومن تصرفاتها ولكنه الآن أدرك أنها أكثر من يفهم ميرفت وأنها تعلم أن تلك الحرباء تخطط لشيء ما.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية منك وإليك اهتديت)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!