روايات

رواية منك وإليك اهتديت الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم زيزي محمد

رواية منك وإليك اهتديت الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم زيزي محمد

رواية منك وإليك اهتديت الجزء الثالث والعشرون

رواية منك وإليك اهتديت البارت الثالث والعشرون

رواية منك وإليك اهتديت
رواية منك وإليك اهتديت

رواية منك وإليك اهتديت الحلقة الثالثة والعشرون

الساعة الرابعة فجرًا…
فتحت الخادمة الباب ببطء شديد ثم أخرجت رأسها من فتحة صغيرة تتأكد من وجوده..وبالفعل وجدت خالد يقف في زاوية ما تنخفض بها الإضاءة وبجانبه خمس رجال ملثمين..أشارت له بهدوء فتقدم هو أولاً ودخل في خطوات هادئة للغاية حتى توقف امام غرفة نهى وقبل أن يدخل توقف قائلاً بهمس:
-ادخلي صحيها الاول وخليها تلبس طرحتها.
رمقته بنظرة إعجاب وسعدت كثيرًا بقرارها حينما لجأت اليه، تركته بالخارج ثم دخلت سريعًا توقظ نهى النائمة بعمق منذ مجيئها حتى أنها غفت بثيابها بعد أن القت حجابها على الفراش، فتأكدت أن نومها مجرد هروب من الواقع..
اقتربت منها في حذر وبدأت في إيقاظها:
-ست نهى اصحي، ابوس ايدك اصحي.
استيقظت نهى بعد عدة محاولات وفرقت جفنيها في صعوبة تستوعب مين يصر على إيقاظها بهذا الشكل، فوجدت الخادمة تهبط بجسدها العلوي نحوها تمسك بحجابها في يدها، رفعت نهى نصف جسدها لأعلى وهي تهتف بصوت مبحوح قلق:
-في ايه؟
وضعت الخادمة الحجاب فوق رأسها ولم تستطيع إحكامه بشكل كامل ثم تركتها وخطت بخطوات واسعة نحو الباب تحت انظار نهى المتعجبة، وما هي إلا ثوان ودخل خالد متجهًا نحوها في سرعة جعلتها تعود للخلف، فرفعت أصابعها نحو عينيها وبدأت في فركهما بقوة تحاول استيعاب ما تراه، وكعادتها الساذجة دفعها عقلها الشبه غافل أنه حلم جديد يتعلق به..فابتسمت ببلاهة له وهمست باسمه حينما مد يده وامسك بيدها يحاول مساعدتها للنهوض:
-قومي بسرعة، خلينا نمشي.
-خالد…
مجددًا كررت اسمه دون وعي، فهز رأسه وأكد بصوته الخافت:
-اه أنا، يلا بسرعة قبل ما امك تقوم.
-انا بحلم بيك.
هتفت بها في سذاجة لم تحرك مشاعره التي سجنها مؤقتًا كي تسير خطته وفقًا لما يريده، فدفعها للنهوض بشراسة:
-لا مش حلم، واخلصي بسرعة قبل ما العقر*بة أمك تصحى.
رمشت بأهدابها تحاول استيعاب ما يحدث من حولها، وفي لحظة لم تتوقعها وجدت كوب المياه الموضوع بجانبها يندفع نحوها في قوة مما جعلها تشهق بنعومة وقبل أن تتحدث وجدت صوت خالد الخافت يخترق حواسها ويشعل بقايا خلاياها المخدرة لتستيقظ وتجد نفسها مجددًا على مشارف ورطة كبيرة:
-امك الصبح هتجوزك لقاسم اللي زمانه جاي على أول طيارة، قدامك خيارين تيجي معايا وتنسي امك وعيلتك خالص، يا أما تفضلي وهتتجوزي قاسم بسلاطته وبابا غنوجه.
هتفت سريعًا بنفي تام وأنفاسها تتسارع بخوف:
-لا اجي معاك طبعًا، متسبنيش.
-قومي بسرعة..شنطتك فين؟
أشارت نحوها فوجدها لا زالت مغلقة وبكامل ثقلها، فيبدو ان الخادمة لم تفرغها وهذا ما أسعده كثيرًا، احتضن يد نهى وباليد الأخرى حرك الحقيبة خلفه، خرج للصالة فوجد الخادمة تمسك بحقيبتها هي الأخرى..ابتسمت نهى بسعادة وهمست بحماس:
-هتيجي معانا؟
-لا هروح بلدي يا هانم..المفروض اصلا اكون في البلد بس أنا فضلت في الشارع لغاية ما خالد بيه جه وفتحت بالمفتاح بتاعك ودخلته.
كان صوت الخادمة منخفض لدرجة كبيرة، تخبر نهى بخطتها الموضوعة من قبل خالد، حيث اتصل بها ليلاً وطلب منها ترك الشقة بطريقة لا تثير الشك بها، وبالفعل توجهت لميرفت وطلبت اجازة بسيطة ولعلمها بشخصية ميرفت طلبت منها الاخرى تسليم المفاتيح الخاصة بها فوضعتها الخادمة أمامها وبحقيبتها كان يوجد مفتاح نهى..والذي كانت قد وجدته بالصدفة في أحد ادراج السراحة الخاصة بنهى..وبالفعل غادرت تحت انظار ميرفت ثم جلست بأحد الكافيهات حتى ميعاد عودتها مرة أخرى كما هو متفق عليه.
أشار خالد للخادمة بالتحرك وبالفعل ودعت نهى وكان ذلك بمثابة الوداع الأخير وقبل ان تتركها همست بأذنيها بكلمات اعتبرتها نهى أنها بمثابة وصية لها:
-خلي بالك من نفسك يا ست نهى، ومترجعيش تاني عشان أنا مش هرجع خالص، مش هتلاقي اللي ينقذك منهم، وياريتك تخليكي مع أستاذ خالد.
أومأت نهى برأسها وعينيها تهدد بسقوط دموع حزينة بعد أن تأكدت أنها أخر مرة ترى بها من حاولت انتشلها مرارًا وتكرارًا من بحر ظلمات عائلتها..
غادرت الخادمة تحت انظار نهى الباكية في صمت، ومن بعدها دخل خالد للشقة مرة أخرى فأشار نهى للمجيء خلفه..اتجهت نحوه بسرعة تستعد لهروب جديد معه ولكنها تفاجأت بدخول رجال ملثمين للشقة توقفت على أعتاب الباب تنظر لهم برعب حقيقي حتى أنه توقف الاستفهام على طرف لسانها وذلك عندما وجدت خالد يتجه لمنتصف الصالة وتحديدًا أمام النارجيلة الخاصة بميرفت وباقي الرجال توزعوا في ارجاء الشقة عدا غرفة ميرفت المغلقة…وبحركة واحدة رفع خالد نارجيلة ميرفت” الشيشة” لأعلى ثم انزلها بسرعة للأرض فتهشمت ومن بعدها اتجه أحد الرجال لكسر صورتها المحاطة بحواف ذهبية…خرجت صرخة صغيرة من نهى وانظارها تعبر عن مدى صدمتها، ولكن خالد انتشلها من صدمتها التي جعلت ساقيها تتشبث بالأرض بقلق عارم عما سيحدث فيما بعد…حتى أنه جذبها بقوة خلفه وهبطا درجات السلم بسرعة كبيرة حتى وصلا لسيارة مصفوفة في أحد جوانب الطريق..اخيرًا خرج صوتها مرتجف تسأله:
-خالد..هما هيعملوا ايه في ماما..
-هيحرقوا قلبها بس.
رد عليها وهو يشغل محرك السيارة ويتحرك بها سريعًا يبتعد عن البناية..ولكنها عادت تسأله بقلق اكبر:
-ازاي؟! هيضربوها! لا اوعى..
قطع صوتها المرتبك برد حاسم وابتسامة ماكرة تحلق فوق شفتيه:
-لا مش هتوصل لكدا، هما هيكسروا الشقة بس..ودا ابسط عقاب ليها على اللي بتعمله فيكي.
شهقت بقوة وعينيها تتوسع بخوف شديد:
-ماما كدا هيجرالها حاجة فيها، كل حاجة في الشقة عزيزة عليها!
توقف بالسيارة في أحد جوانب الطريق ورفع يده لأعلى قائلاً:
-ياريت تم*وت واخلص من خلقتها، وبعدين انتي خايفة عليها بعد اللي كانت عايزة تعمله فيكي.
-دي أمي..
همست بها دون وعي ثم توقفت الكلمات بحلقها لم تستطع اخراجها..حيث فشلت في تفسير مشاعرها التي ضربها التناقض بشكل كبير..ولكن صوت خالد الحازم أخرجها من صمتها قائلاً:
-حبك لأمك طبيعي عشان دي مشاعر طبيعية ربنا زرعها فيكي، بس أمك هترميكي في التهلكة وأذتك كتير يبقى دا ابسط رد ليها.. وبعدين حاولي تنسي انها موجودة لان في كل مرة هتحاولي ترجعيلها اذيتها هتزيد…أمك متحبش حد ولا ابوكي ولا اخوكي ولا انتي..مبتحبش الا نفسها وبس أنانية بشكل كبير وشخصية مؤذية حتى لو حساب اقرب الناس ليها..انسيها احسن ليكي.
انفجرت نهى باكية وهي تقول من بين شهقاتها الضعيفة:
-بحاول أك…أكرهها…مبقدرش.
-أنا مقولتش اكرهيها..قولت حاولي تنسيها..او ادعيلها بالهداية.
أومات نهى بضعف ثم رفعت رأسها برجاء:
-ممكن تطلب منهم يسبوها ويمشوا.
بان الرفض في عدستيه المتلبدة حيث قال بوضوح جاف:
-لا… وبعدين محدش هيقربلها ولا يلمسها، بس تكسير الشقة اعتبري رد لتار قديم بيني وبينها.
لم تدرك معنى حديثه وعقدت حاجبيها بعدم فهم، ولكن الصمت المطبق من ناحيته جعلها تتراجع بصمت هي الأخرى وعلمت أنه لن يزيد حرف آخر يرضي فضولها، حاولت تهدئة ذاتها حيث اقنعت نفسها أن هؤلاء الرجال لن يقوموا بأذيتها ولكن مجرد تكسير خالد لنارجيلتها وصورتها هذا يعتبر بحد ذاته ضربة قاضية لها.
تنهدت بقوة ثم حولت بصرها للجهة الأخرى تفكر فيما جرى منذ دقائق ولكن صوت المذياع الذي فتحه بأعلى صوت في السيارة تنبعث منه أغاني صاخبة جعلت الصدمة تحفر مكان لنفسها فوق ملامحها حيث حولت بصرها نحوه باستفهام فوجدته يغمز بطرف عينيه بشقاوة وهو يقول بابتسامة جذابة ساخرة:
-روحتي مرسى مطروح قبل كدا.
شملته بنظرات يغلب عليها الارتباك ولكنه تجاهلها وأردف بمزاح:
-هنروح نصيف.
تمتمت بقلق عارم وجدية:
-خالد المفروض اننا هربانين.
ضحك ضحكات متقطعة بسعادة مفرطة:
-أحلى هروب في الدنيا..الميه والسما والوجه الحسن..
ألقى نحوها قبلة تعبر عن مزاحه وغمزة صغيرة من عينيه العابثة ثم بعدها بدأ في ترديد كلمات الأغنية بصوت عالي…انكمشت نهى بالمقعد تراقب حالته المزاجية وشعرت حينها بمدى جنونه فقد تخطى جميع التوقعات وخالف شخصيته الهادئة بطباع جديدة أكثر جنون..
***
قبل قليل..
كانت ميرفت تغط في نوم عميق استعدادًا لصباح مبهر بكل تفاصيله..فقد اختلطت أحلامها بأمورٍ عديدة كانت نسيج هائل من عقلها الباطن..المال سحق ضميرها في زاوية وافسح المجال للطمع ليسيطر على جميع خصالها..أنانيتها لم تجعلها تفكر ولو واحد بالمئة في رد فعل ابنتها عندما تتفاجأ بالمأذون والشيخ قاسم أمامها..الأهم هو ما ستجنيه لتحقق ما تسبب به سليم من خسارة كبيرة لمحلات الذهب الخاصة بها..
تداخلات أصوات عديدة لعمق أحلامها المتتالية دون توقف وفي كل مرة كانت تتجاهلها بانقلاب على جانبها الأيمن مرة والأيسر مرة أخرى ولكن صوت تكسير حاد اخترق حواسها الغافلة ففتحت عينيها ببطء تمرر بصرها في ارجاء الغرفة ولكنها لم تجد أحد..فعقدت حاجبيها بضجر بعد أن ظنت أن ذلك صوت التلفاز فهمست بحقد:
-نهى يا بنت ال***، مشغلة التلفزيو…
لم تكمل جملتها بسبب صوت تكسير متتالي لم يتوقف، انقبض قلبها بخوف وهي تتجه صوب باب الغرفة تفتحه بقوة وعندما رأت رجال ملثمين ينتشرون في الشقة يقومون بتكسير أي شيء تطاله يديهم صرخت بقوة وهى تخرج كالثور الهائج دون خوف تردد بصياح عالي:
-يالهوي…بيتي..بتعملوا ايه، يا ناس الحقوني.
في ظل محاولاتها للاستنجاد بسكان البناية كان قد بدأ الرجال في الهروب واحد تلو الأخر بعد أن غرقت الشقة في الزجاج المهشم وانتشر في أرجاء الشقة..
لم تتحدث إليهم ولم يحاولوا التعرض لها..فبقيت الصدمة على وجهها وأنفاسها تختفي تدريجيًا، لم يساعدها أحد لخلو الطابق الموجودة به من السكان والطابق الذي بأسفلها أيضًا خالي..وقفت مكانها كالصنم تتابع أثاث الشقة المهشم..فوقعت عيناها على نارجيلتها المهشمة لقطع صغيرة، فصرخت بقوة وحسرة حقيقة مزقت قلبها:
-الشيشة يالهوي… الشيشة باظت..يا ناس الحقوني، هموت.
انقطع صوتها حينما رأت بقايا صورتها متناثرة في كل مكان والاطار منكسر لقطع عديدة، فعادت صراختها تتوالي بشكل جنوني فقد تحطم أكثر شيء تحبه في هذه الحياة..ومن بعدها شعرت بآلام حادة في صدرها تزداد بعنف شديد وما هي إلا ثوان وسقطت فاقدة للوعي اثر تأثرها بتلك الصدمة.
***
نهضت شمس بصعوبة من الفراش، تحاول الاتزان بقدر يكفيها للمغادرة تلك الغرفة بعد أن لازمتها عدة أيام بسبب توصيات الطبيب..وذلك خوف من تدهور حالتها فقد عانت من مشاكل صحية عديدة في اخر شهور حملها، فاضطرت للرضوخ لتعليمات سليم الشديدة ولازمت الفراش رغما عنها، شعرت بالضجر من وحدتها معظم الوقت بسبب أن سليم حاول فرض الهدوء حولها كي تنعم بوقت هادئ يريح اعصابها المشدودة بسبب قرب معاد ولادتها، ولكنها سأمت الالتزام وكرهت الاستسلام لأوامر الطبيب وقواعد سليم الصارمة فقررت المجازفة والخروج للصالة ومشاركة عائلتها الصغيرة ابسط الأمور وهو الجلوس معهم رغم أنها تشعر أن اليوم تحديدًا يزداد الألم بشكل قوي عليها.
وفور مغادرتها للغرفة اصطدمت بها وسادة بقوة فأنت شمس بصوت واضح وأمسكت بطنها المنتفخة على اخرها..رفع سليم رأسه حيث كان مختبئ في مكان ما من أنس الذي كان يلاعبه ويتراشقا الوسادات معًا في جنون..توسعت عينيه بقلق حقيقي وهو ينهض من مكانه متوجهًا نحوها:
-ايه اللي خلاكي تقومي من مكانك.
رفعت رأسها وحاولت رسم بسمة واسعة على ثغرها تخفي آلامها عنه حتى لا يصدر أمر بعودتها للغرفة مرة أخرى:
-سمعت صوتكم بتلعبوا..حبيت اخرج اقعد معاكم.
فرض سليم حصاره عليها بقوة مُصرًا على إعادتها للغرفة ولكنها رفضت بعناد قائلة بصوت يغلب عليه الإرهاق:
-أنا محتاجة اقعد معاكم بجد، متحرمنيش منكم.
لم تعرف لِمَ تجمعت الدموع بمقلتيها ربما بسبب آلامها التي بدأت تفوق قدرتها على التحمل أو بسبب خوفها لفقدانهما..فقد لعبت بها أفكارها السوداء ودفعتها نحو نهاية مأسوية تنتهي بموتها..وهنا سقطت دمعة ساخنة ألهبت بشرتها الباهتة ومشاعرها المرتبكة تنظر له برجاء ضعيف:
-عشان خاطري سيبني اقعد معاكم.
مد سليم يده نحوها يحتضنها بقوة، مقبلاً رأسها بلطف كبير ثم ساعدها بالتوجه نحو أقرب اريكة وبعد أن جلست سمحت لأنس بعناقها، فكم عناقه دافئ وجميل للغاية لدرجة أنها اقسمت أن يده الصغيرة المربتة فوق ظهرها بمثابة بلسم رائع لمعالجة جميع آلامها النفسية قبل الجسدية فتمتمت بصوت مبحوح:
-حضنك وحشني اوي يا أنس.
ابتعد الصغير عنها وابتسم ببساطة:
-ما أنا بحضنك كل يوم يا مامي.
-بس الحضن دا أحلى من كل مرة، عارف ليه؟
رمقها بفضول شديد فأجابت بهمس:
-عشان حضنتني اوووي.
ضحك بسعادة وهو ينظر لوالده المراقب لحديثهما بشغف كبير، فصدح صوت أنس يردد تعليمات والده:
-بابا بيقولي بلاش احضنك اووي عشان قمر متتعبش.
عبست بوجهها وهي تسألهما:
-قمر مين؟
-بنتنا.
أجاب سليم ببساطة وهو يمسد فوق بطنها المنتفخ بلطف ونظراته الشغوفة تشملها بحب، فسألت بهدوء:
-هو أنت قررت تسميها قمر؟
أومأ برأسه في صمت وقبل أن تبدي اعتراضها، وجدت أنس يعبر عن إعجابه الكبير بالاسم:
-أنا اللي اخترت الاسم..عشان يكون عندنا مامي شمس واختي قمر.
هزت رأسها بتفهم ثم قالت بمكر انثوي وهي ترمق سليم بطرف عينيها:
-اه ياعني بابا وافق عشان انت اللي اخترته، لكن أنا اختار اي اسم يرفضه.
تجاهل سليم حديثها عن قصد واستمر في تحريك يده بلطف فوق بطنها فقالت بعبوس زائف:
-أنا بتكلم على فكرة!
-الأسم مش عاجبك يعني؟!
سألها بهدوء ورغم تعبها ردت بعناد مصطنع:
-اه مش عاجبني، هتغيره؟!
-لا..
رفعت أحد حاجبيها باندهاش حينما رد سريعًا دون حتى ان يتظاهر بالتفكير، ولكنه واصل حديثه بمكر:
-الاسم عاجبني وعاجبك ولا هو اي جدال وخلاص.
مسدت شمس فوق رأس صغيرها وهي تقول بنعومة:
-روح يا قلبي العب على تاب شوية.
هز الصغير رأسه موافقًا على فكرتها العظيمة، بينما علم سليم أنه بداية حصار ستفرضه عليه ومن بعدها تبدأ في شن هجومها الشرس عليه، فقبل أن تفتح فمها سارع بتقبيلها فوق ملامح وجهها..مستخدمًا أساليبه الخاصة في دفن اعتراضها الجديد مع بقية اعتراضاتها الأخرى.
-الأسم جميل اوي وهي هتبقى جميلة زيك.
-كنت عايزة اختار اسمها بنفسي.
همست بها فاقترب منها أكثر وهو يتمتم بصوت هادئ يلعب به فوق أوتار قلبها المتعلق بأنس:
-وترضي تزعلي أنس منك..دا هو اختار الاسم بنفسه.
-وابو أنس عاجبه الاسم طبعًا فوافق..ومش مشكلة رأي شمس الغلبانة.
رمته بنظرة عميقة تخبره كم هي خبيرة بشخصه وأساليبه في اقناعها ثم تابعت بعتاب:
-وعشان عارف ان انا لا يمكن ارفض لأنس حاجة فأكيد هوافق.
وبمهارة القى نحوها عتاب مماثل جعلها تتراجع معلنة استسلامها:
-يعني أنا لو أنا اللي اخترت الاسم هترفضي!
-أنت عارف ان مبقدرش ارفضلك حاجة يا سولي.
قالتها بنعومة وهي تداعب جانب وجهه، فبدت ملامحه ممتعضة بشكل ملحوظ:
-لو تبطلي كلمة سولي دي هعرف أتبسط بكلامك.
-حاول تتبسط بقى عشان مش هبطلها.
ضحك بخفة على مداعبتها، ولكنه لاحظ أثار الاعياء على وجهها فسألها بقلق:
-انتي تعبانة؟!
أومأت برأسها دون تفكير وقالت بصوت مكتوم:
-محتاجة نعمل زيارة للدكتور، حاسة نفسي النهاردة تعبانة أكتر.
نهض فورًا يساعدها في النهوض فقالت محاولة تخفيف حدة التوتر لديه:
-براحة يا سليم خلينا نظبط امورنا قبل ما نروح المستشفى.
رمقها بتوتر أكبر فقالت بهدوء فجر الخوف لديه:
-خلينا نطمن على أنس عند جيرانا..ومن بعدها نروح المستشفى عشان لو ولدت.
أومأ برأسه في صمت وضربات قلبه تزداد حدة ورغم أنه يتمنى اللحظة التي تضع بها شمس مولدتهما إلا أنه يعاني من رهاب قوي منها..بسبب مشاكل شمس الصحية لذا يحاول بقدر الامكان أن يظهر قوي حتى لا يربكها فيكفيها ما تعانيه من آلام نفسية وجسدية.
***
صباحًا..
استيقظ زيدان في الصباح الباكر استعداد لاستلام مركزه الجديد بقسم الشرطة التابع للبلدة، فقد انتهت اجازته التي مرت مرور الكرام بداية من الرعب الذي تلقاه منذ مجيئه للبلدة حتى انخراطه في أمور النظافة وصولاً لشوكت وعائلته المريبة وما ان تذكر شجاره بالأمس مع شادي على قطعة لحم معينة من البط حتى ضحك بصوت مسموع مما جعل مليكة تستدير بخفة تقابله بعيون ناعسه وبصوت ناعم سألته:
-صباح الخير، بتضحك على إيه!
حول بصره نحوها وهو يقول بشقاوة:
-على شادي لما حرقت دمه واخدت الورك منه.
ابتسمت قائلة.
-انت مسبتش حاجة بتضايق الولد الا وعملتها يا زيدان.
-وياريته اتهد..كب عليا العصير الحيوان.
قالها بحقد شديد فضحكت قائلة:
-معلش..ولد صغير هنعمل ايه!
امسك بالوسادة الموضوعة بالمنتصف والقاها بالأرض قائلاً بحماس:
-اقولك نعمل ايه..نجيب بيبي ينسيني غتاتة شادي.
دفعته بعيدًا عنها وهي تنهض من الفراش بخفة قائلة بصرامة:
-زيدان احنا قولنا إيه؟!
-قولنا إيه! مش فاكر الصراحة.
رمته بنظرة استنكار فأردف ببرود:
-أنا الصبح بنسى أي اتفاقات.
وقبل أن تتحدث استمعا لصوت جرس الباب فاستدارت بجسدها ولكنه اوقفها قائلاً:
-رايحة فين أنا هفتح.
افسحت له المجال واعتبرت أن ذلك مجرد هدية للهروب منه بعد أن تطرق لطبيعية علاقتهما..
اتجه زيدان بوجه عابس لباب وما ان فتحه حتى وجد شادي يحمل صحن مغطى بورق قصدير..وابتسامة غريبة حلقت فوق شفتيه الصغيرة:
-صباح الخير يا عمو زيدان يا عسل.
ضيق زيدان عينيه بقلق قائلاً بوجوم:
-عايز إيه يا عيل يا سئيل.
-أكيد أنا مش أسئل منك يا عمو زيدان يا عسل.
جز زيدان فوق أسنانه مردفًا بشر:
-ياض هرزعك قلم على بوزك اقسم بالله.
قدم شادي الصحن قائلاً بتهذيب:
-ماما بتقولكم خدوا افطروا كيك.
تناول زيدان منه الصحن متمتمًا بضيق للإصرار تلك السيدة على فرض ذاتها عليهما رغم أنهما حاولا كثيرًا اخبارها بحاجتهما للخصوصية ولكنها لا تع ذلك بل تفعل كل ما هو عكس..
-شكرًا، بلغ امك…اه اقصد ماما واقولها شكرًا.
أومأ الصغير ببسمة ماكرة ثم غادر نحو شقتهما..بينما اغلق زيدان الباب واتجه صوب المطبخ مردفًا بصوت عالي:
-مليكة تعالي افطري كيكة.
خرجت مليكة من الغرفة تسأله باهتمام:
-مين جابها؟!
-شهيرة..وباعتتها مع شادي الرخم.
ضحكت بخفة قائلة:
-طيب هعمل شاي…
في ذات الوقت كانت أصابع زيدان تزيل ورق القصدير حتى تفاجأ بسيارات صغيرة مخصصة للأطفال موضوعة بالصحن ولم يجد قطعة كيك واحدة وورقة صغيرة بها وجه تعبيري ساخر يخرج لسانه وبجانبها اسم شادي بخطه..
-متعمليش حاجة.
-ليه؟!
قالتها وهي تنظر للصحن فرأت ما فيه وانتابتها الصدمة في بداية الأمر من وقاحة الصغير حتى ضحكت بقوة وهي ترى وجه زيدان الغاضب فاستطاع شادي استفزازه ببساطة، حاولت كتم ضحكتها حينما قال بتهديد لاذع:
-اقسم بالله هروح اعجنه ضرب في بيتهم.
-معلش يا زيدان.
قالتها وهي تضع كفها فوق فمها فاغتاظ بشدة قائلاً:
-لا أنا هروح اقول لأبوه عشان يربيه.
-بلاش تروح..استاذ شوكت اصلا بيموت في جلده منك.
اوقفته برجاء وابتسامتها لا زالت على ثغرها، فعبس بوجه متسائلاً:
-الراجل دا عليه حكم قبل كدا ولا ايه!
هزت رأسها بنفي وهي تقول بضحك:
-لا شهيرة قالتلي ان له اه اخ توأم كان بتاع مشاكل وفي مرة الشرطة جت عشان تاخده لقت شوكت اخدوه وفكروا انه هو وضربوا في القسم وقضى ليلة سودا ومن وقتها بقى يشوف أي ظابط او عسكري وهو بيتصرف كدا، وبعدها ساب القاهرة وقبل بالشغل هنا.
عقد حاجبيه بتعجب ساخر وهو يقول:
-اتصاحبتي على شهيرة لدرجة دي!
-من غير ما اسألها هي بتحكي كل حاجة.
ردت بعفوية صادقة..فعقب زيدان بغل:
-بردو يا اضربه يا اقول لأبوه.
-في حل تالت..اعملك كيك النهاردة يعوضك عن مقلب شادي.
سارع بالرفض متذكرًا طعم المعكرونة المحترقة بالأمس حينما أصرت مليكة على تذوقها فقد كانت لها القدرة على محو طعم البط الجميل مما بقي في حلقه طعم المعكرونة اللاذع.
-لا أنا اصلاً مبحبش الكيكة.
ارتفع رنين هاتفه وكان يزن فقد كان منقذًا له من مليكة واصرارها على تعلم الطبخ به..
– براحتك، هدخل اخد شاور.
-تمام وأنا هرد على يزن.
دخلت لغرفتهما بينما زيدان رد على يزن الذي جاء صوته مرحًا كعادته:
-صباح الفل يا عريس.
-صباح النور..اخبارك ايه انت وماما؟
حمل زيدان احدى السيارات الصغيرة يتلاعب بها بأصابعه وهو يتحدث مع يزن عن اخبارهما واختار اقرب مقعد وجلس عليه بينما استمر يزن في الحديث ببساطة:
-وماما كويسة وفرحانة اووي.
-ليه؟!
-الخبر الاول في بلطجية كسروا شقة عمتك وجابوا عليها واطيها ومن حظها الاسود الكاميرات كانت بايظه ومفيش حد شافهم ولا هما بيدخلوا ولا هما بيخرجوا.
التفت زيدان برأسه للخلف حيث غرفة نومه يتأكد من عدم وجود مليكة بها ثم سأل بهدوء:
-ونهى رجعت من السفر ولا لا؟!
-هي كانت مسافرة اصلا؟!
اجاب بهدوء شديد دون ان يثير شك يزن:
-اممم كنت عرفت انها سافرت لأبوها.
-عشان كدا لما حاولت اتصل بيها اطمن عليها كان تليفونها مقفول.
رد يزن بتفهم عن سبب غيابها أما زيدان كان يحاول تهدئة ذاته فالأسرار على وشك الخروج من بركانها الخامد ويجب عليه انهائها بأقصى سرعة ولكن كيف ونهى ما زالت مسافرة تبعد عنه أميال..فلم يجد سوى الانتظار وبالنهاية خطبته منها مجرد خطة لإنقاذها فلم يعدها خطبة حقيقة ستجرح مليكة ان علمت بها وهو كان قد اتخذ قراره قبل زواجه من مليكة بإنهائها تمامًا من حياته ولكن يجب عليه مواجهة نهى اولاً وتقديم مبرراته لها على فعله وذلك هون عليه كثيرًا في عذاب ضميره.
-روحت فين يا برو؟
-معاك..ها والخبر التاني.
-في فرد جديد شرف العيلة..اسمها قمر.
للحظة لم يستوعب ما يقوله يزن حتى واصل يزن حديثه بسعادة كبيرة:
-شمس ولدت وجابت قمر..سليم صورها وبعت صورتها طالعة مزة لعمها.
نهض زيدان بصدمة ممزوجة بالقلق وهو يردف:
-انت فرحان كدا ليه؟! عارف دا معناه ايه؟
-معناه انك تهدى…البيبي لأسف عندها شوية مشاكل في الرئة هتقعد في الحضانة فترة كبيرة.
انتابه القلق من نوع أخر فلم يتعلق به بل كان متعلقًا بابنة سليم:
-يعني البنت هتكون كويسة ولا ايه؟!
-اه ان شاء الله هناك المستشفى كبيرة وصوت سليم رغم انه زعلان بس في نفس الوقت مطمن وأمك بتقولي ان في اطفال كتير كدا وبيخرجوا وبيبقوا زي الفل.
جلس مرة أخرى محاولاً تهدئة ذاته فاستمع لصوت يزن:
-كلم اخوك باركله على قمر واطمن على شمس.
-تمام.
أغلق مع يزن وزفر بقوة بعد أن احس بضجيج يسيطر على تفكيره فلم يعد قادر على تحديد مشاعره هل هي تنتمي للسعادة ام القلق من عودة سليم واصطدامه بخبر زواجه من مليكة أم خوفه على ابنة سليم رغم ان يزن حاول اطمئنانه لا يعرف حقًا ولكن كل ما يعرفه هو انه يجب عليه اجراء اتصال بسليم وبالفعل ضغط فوق شاشة هاتفه مجريًا اتصالاً بيه حتى جاء رد سليم بصوته الرزين الهادئ فسارع زيدان بقوله:
-الف مبروك يا سليم.
-الله يبارك فيك يا زيدان..بعتلك صورها.
-لسه مشوفتهاش اول ما يزن قالي كلمتك على طول، شمس عاملة ايه؟!
-الحمد لله..الدكاترة قالوا لازم تفضل تحت الملاحظة فترة لغاية ما نطمن عليها.
-وقمر عاملة ايه؟، يزن قالي انها في الحضانة.
لاحظ سليم نبرة القلق المسيطرة على صوت أخيه:
-اه بس متقلقش ان شاء الله خير.
-اول ما تخرج من الحضانة هترجعوا مصر؟
-لسه مش هقدر احدد قمر ممكن تطول في الحضانة شهر او اكتر يعني على حسب استجاباتها.
-ربنا يرجعكم بالسلامة..
توقف صوت زيدان عن الحديث فلم يجد اي كلمات معبرة لمساندة أخيه في مثل هذه الظروف.
-اخبارك ايه بقالي كتير مش كلمتك!
تمتم سليم في هدوء فأخرج زيدان صوته بصعوبة:
-تمام!
-لسه زعلان ان رفضت خطوبتك.
كور زيدان وحثته رغبة متهورة بإخبار سليم الحقيقة، وبطبيعته المتهورة وعدم استيعابه لموقف الذي يمر به سليم حاليًا وجد نفسه راحته في اخباره بكل شيء حاليًا:
-سليم أنا عايز اقولك ان…
***
بإحدى غرف المستشفى..كانت ميرفت ترقد فوق الفراش وبيدها مثبتة محاليل طبية واثار الاعياء الشديد فوق وجهها..وامامها ضابط مسئول يواصل حديثه بعملية:
-شاكة في مين يعمل كدا، خصوصًا أنها مش محاولة سرقة.
هزت كتفيها بعدم معرفتها وعيونها تتلبد بغيوم مخيفة موجهة بصرها للأمام فقد كانت تعاني من جلطة اثرت على نصفها الايسر، فتابع الضابط حديثه:
-لقينا الورقة دي في بيتك.
وضعها فوق ساقيها، فهبطت ببصرها تقرأ محتواها الذي نص على كلمات مكتوبة عن طريق حاسوب
“عرفتي انا بعرف افرق بين الناس المحترمة ولا لا، هي دي المعاملة اللي تستحقيها”
قبضت فوق الورقة بيدها اليمنى تقرأها مرارًا وتكرارًا ودفعها عقلها لحقيقة واحدة..هو أن المتسبب في ذلك هو خالد..كتمت تعابيرها وتأكدت من ظنونها فمنذ افاقتها بالصباح وعدم وجود نهى وكأنها لم تأتي من الأساس جعلها تتأكد أنها غادرت معه على محض ارادتها…هي تعرف ابنتها جيدًا فقد وجدت ملاذ أخر غير زيدان تهرب من أجله.
انتبهت على حديث الضابط:
-اكيد انتي عارفة ان لو ليكي اعداء هتقولي وتساعدينا أكتر اننا نقبض على اللي عمل كدا.
لقد حسمت قرارها..لن تخبره بشيء ربما يتم القبض على خالد ولكن ابنتها ستنقذه لا محال وحينها ستخسر كل شيء، ستنهي ذلك الامر علنًا ولكنها بداخلها عزمت على رد الصاع صاعين لخالد وابنتها الهاربة، فنظرت للضابط قائلة بصوت ثقيل:
-لا معنديش اعداء…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية منك وإليك اهتديت)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!