روايات

رواية منك وإليك اهتديت الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم زيزي محمد

رواية منك وإليك اهتديت الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم زيزي محمد

رواية منك وإليك اهتديت الجزء الرابع والعشرون

رواية منك وإليك اهتديت البارت الرابع والعشرون

رواية منك وإليك اهتديت
رواية منك وإليك اهتديت

رواية منك وإليك اهتديت الحلقة الرابعة والعشرون

-لسه زعلان ان رفضت خطوبتك.
كور زيدان قبضته بعدما دفعه شعور متهور بإخبار سليم الحقيقة، وبطبيعته المتهورة وعدم استيعابه للموقف الذي يمر به سليم حاليًا وجد راحته في اخباره بكل شيء حاليًا:
-سليم أنا…
وقبل أن يُكمل باقي حديثه وجد صوت سليم يخبره بضرورة اغلاقه للاتصال بعدما طلب منه أحد الاطباء الحديث معه، اغمض زيدان عينيه بقوة مفكرًا ماذا لو انتظر قليلاً واخبره بكل شيء..لِمَ يشعر بظلمة شديدة تجتاح صدره تمنعه من التلذذ بحلاوة وجود مليكة بجانبه..ولوهلة فكر أن قرار الصداقة الذي اتخذته مليكة يفيده قليلاً، فهو لم يريد الانغماس بعلاقتهما الزوجية وهناك أشياء ثقيلة بداخله تجعله قلق دومًا من الغد.
خروج مليكة من الغرفة جعله ينتبه لها فقد ارتدت ثيابها واستعدت لاستكمال سنة الامتياز خاصتها بالمشفى الصغير الموجود في البلدة..ابتسم لها بحب، فردت له نفس الابتسامة..ورغم انه كان يشعر بالقلق حيال عدم تأقلمها بالبلدة إلا أنها تبدو سعيدة صافية عما كانت فيه بالقاهرة..ورجح أن ذلك الأمر يعود لزوج والدتها وهنا تذكر مكالمته له بالأمس واطمئنانه عليها معبرًا عن شعوره بالاستياء من اختفائها واغلاقها للهاتف.
-بابكي اتصل امبارح ونسيت اقولك كان بيطمن عليكي.
تبدلت ملامحها المبتسمة لشيء باهت لم يستطع تفسيره، ولكنها ردت بذكاء:
-أكيد زعلان مني عشان قافلة تليفوني صح!
أومأ برأسه مؤكدًا على حديثها والتزم الصمت، فاقتربت منه تجلس فوق مقعد مجاور، بينما داخلها في صراع كبير تحاول بقدر الامكان أن تظل ثابتة أمامه وألا تثير الشك بها فقالت بهدوء:
-كنت عايزة رقم جديد غير اللي معايا؟!
-ليه؟!
سؤال بسيط خرج منه، فهزت كتفيها تعبر عن استيائها:
-اللي كانوا معايا في المستشفى مش هيبطلوا يكلموني ويسألوني اتنقلت ازاي وروحت فين ..وأنا بحب الخصوصية فقررت اريح دماغي واقفل الخط دا خالص.
هز رأسه بتفهم ثم نهض وهو يتنهد بقوة معطيًا إياها هاتفه:
-تمام هجبلك رقم جديد النهاردة، خدي كلمي بابكي وطمنيه عليكي لغاية ما اغير هدومي.
التقطت منه الهاتف بسعادة وأجرت اتصالاً سريع بالسيد مصطفى الذي ما ان استمع لصوتها وبدأت اسهم العتاب ترشق بقلبها:
-خلاص يا بابا حقك عليا.
-وحشتيني جدًا يا بنتي، والبيت من بعدك بقى كئيب ومش قادر اعيش من غيرك.
اغرورقت عينيها بالدموع وهتفت بصوت مبحوح لتأثرها الشديد بكلماته الأبوية الحزينة:
-وحضرتك كمان وحشتني اوي، متقلقش اول اجازة هجيلك واقعد معاك.
صمت طويل من ناحيته فشعرت بضرورة كسر حاجز الحزن بينهما وسألته بضحكة خفيفة:
-هتتجوز امتى يا قمر أنت؟
تخيلت ابتسامته الخجولة وكما توقعت هتف بتوتر:
-حاسس نفسي مش قادر الخطوة دي، هو أنا اتسرعت يا بنتي لما قولتلك كدا.
-يا بابا يا حبيبي خلاص أنا اتجوزت وكمان استقريت، أنت كمان لازم تتجوز وتستقر في حياتك، متزعلنيش بقى وأنا لسة عروسة..وياريت من بكرة تمشي في اجراءات جوازك، عايزة لما ارجع اول زيارة ليا تكون ليك وحضرتك متجوز.
بعد ثوان جاءها رده الهادئ المستسلم:
-حاضر يا بنتي.
جذبت نفس عميق لنجاحها في اقناعه بإتمام حياته كما كان يتمنى، ومن بعدها قررت التطرق للأمر هام يقلق منامها أحيانًا:
-بابا لو سمحت أي حد يجي من المستشفى يسأل عليا روحت فين أو رقمي الجديد ايه ياريت متبلغش حد بحاجة خالص.
-حاضر يا بنتي بس ليه؟!
ابتلعت لعابها وهي تجيب بثبات:
-مفيش حد فيهم كان بيحبني وأنا عايزة ابعد عنهم وعن مشاكلهم.
ورغم تعجب مصطفى من حديثها إلا انه قرر ألا يحاصرها بأسئلته بعدما اصبحت لديها حياة جديدة ومسئوليات أخرى فالتزم الصمت وفقًا لرغبتها واخبرها بتفهمه للأمر.
***
هبطت نهى من الطابق العلوي الذي كانت تقيم فيه منذ مجيئها مع خالد لمرسى مطروح.. استقبلهما أحد أصدقاء خالد المقيم بأحد المناطق المطلة على البحر مباشرةً، ووفر لهما سكن بطابقين بناء على طلب خالد..أقام خالد بالطابق السفلي واعطى لنهى الحرية كاملة بالطابق العلوي..وهذا ما جعلها تشعر أكثر بالراحة والاطمئنان.
بحثت عن خالد في أرجاء المكان لم تجده، اقتربت من الشرفة المفتوحة على حديقة صغيرة ومن بعدها شاطئ البحر..وجدته على الرمال يجلس يشكل بيوت صغيرة فوق الرمال فبدا كالطفل الصغير وهو يلعب بالرمال..ضحكت رغم مرارة ما يحدث لها وتعلق عقلها بأحداث الامس مع انقباضة قلبها خوف أن يكون حدث شيء كبير لوالدتها.
اختصرت المسافة بينهما ثم قالت من خلفه بصوتها الناعم:
-ممكن العب معاك.
استدار بنصف جسده حيث كان جالسًا على ركبتيه، وخصها بابتسامة عميقة وهو يقول:
-مبحبش حد يلعب معايا بس لو بنوته حلوة زيك تمام تعالي.
ضحكت بنعومة وهي تشاركه الجلوس قائلة بمزاح:
-يعني وأنت صغير كنت بتلعب مع بنات بس، معقولة وأنا اللي قولت عليك مؤدب.
-مفيش ولد مؤدب..
رفعت حاجبيها معًا باندهاش، فاكمل هو بشقاوة:
-او أنا تحديدًا مكنتش مؤدب.
عقدت ذراعيها أمامها وسألته بتعجب:
-دا أنت صريح جدًا.
-اكدب يعني، أنا حقيقي عمري ما كنت مؤدب، زمان كنت واخدها بالطول والعرض بنات تلاقي صياعة تلاقي….عملت كل حاجة نفسي فيها!
كان استرساله في الحديث عن انجازاته بصغره ينم عن فخره بنفسه، وهذا ما أدهشها فأردفت:
-المفروض انه ماضي مشرف يعني!
-كل واحد فينا في حياته في نقطة سودا ولازم يتقبلها عشان يقدر يتخطاها ويكمل وينجح في مستقبله.
تنهدت بعمق قبل أن تسأله بنبرة طغى عليها الحزن:
-طيب ولو مقدرش يتخطاها يا خالد ممكن يقدر ينجح في حياته!
هز رأسه بنفي وترك الرمال من يده قبل أن يرفع رأسه ويجيب برزانة:
-مظنش، مهما كان نجاحاته في النهاية عمره ما هيكون راضي عن نفسه.
بلت طرف شفتيها قبل أن تسأله بصوت غلب عليه الارتجاف:
-طيب ويعمل إيه عشان يقدر يتقبل ماضيه؟!
هز كتفيه بهدوء ورسم ابتسامة جذابة فوق ثغره الصلب قبل أن يجيب ببساطة:
-يتصالح مع نفسه ويعرف أنها مش نهاية الكون وان نفسه ليها حق، مينفعش يفضل ساجنها في دوامة الماضي.
ظهرت ملامح الحزن فوق تقاسيم وجهها تزامنًا مع اخراجها لتنهيدة قوية وهي تحول بصرها للبحر وكأنها تخبره بهمها:
-طيب لو كان ماضيه متعلق بقلبه..وقتها يكون إيه الحل؟!
بعدما ادرك وجعها الذي تحاول اخفائه عنه ولكنه بمهارة صياد بارع استطاع أن يرمي شباكه حولها فبدت محاصرة وهي تخبره بوجعها بطريقة غير مباشرة لذا فضل السير على نفس المنوال كي لا تهرب منه وتترك شباكه بلا عودة:
-يسمح لنفسه بالمواجهة ميتجاهلش أمور كانت ممكن توصل لأذية نفسه، مفيش حب حقيقي بيأذي..والحب عمره ما كان نقطة سودا في حياة حد..إلا ووقتها مكنش…
قطعته وهي تنظر له بادراك وهمست بثقل:
-حب..مكنش حب.
هز رأسه بالإيجاب وعاد يشكل الرمال، فسمحت لدمعة كانت تحارب عيناها للسقوط ولكنها مسحتها سريعًا وهتفت بمزاح مهزوز:
-وأنت بقى كنت ليك علاقات كتير بالبنات زمان، أصل من الواضح خبرتك يعني؟
-طيش شباب كنت مقضيها لدرجة أن مش فاكر ولا واحدة منهم..مفيش واحدة علمت في قلبي عشان افضل فاكراها.
أصابها التردد قليلاً قبل ان تقول:
-هو أنا ازاي مكنتش اعرفك كدا، أنا…
قطع حديثها بلوم:
-كنت مهتمة اوي بعيلة امك، لدرجة انك نسيتي عمتك وابن عمتك ومحاولتيش تهتمي انك تقربي مننا.
اخفضت بصرها نحو الرمال بخجل شديد ثم همست:
-عندك حق…
ولكنها رفعت رأسها بابتسامة صغيرة قائلة بتبرير:
-اعتبره طيش شباب.
زفر خالد بقوة ثم رفع رأسه يسألها بصراحة:
-لو مش مرتاحة هنا، ممكن اوديكي عند بيت خالك.
حركت رأسها في نفي وبنظرة رجاء قالت:
-لا عشان خاطري خليني معاك، أنا مبسوطة هنا.
-وخطيبك؟
استمر في محاصرتها، فردت بعنفوان:
-مفيش..مش موجود في حياتي!
-ليه؟!
فتحت ثغرها لإخباره بكل شيء ولكن تشابكت الحروف والكلمات ببعضها ولم تقوَ على اخباره بشيء، ربما كانت تخشى رد فعله عن ساذجتها بالحب، أو أنها ترفض تقبل شفقة منه هو تحديدًا..لذا قالت بمزاح باهت:
-هتخليني العب معاك ولا اشوف حد غيرك.
ابتسم باستنكار لمحاولاتها في تغيير مجرى الحديث بطريقتها البلهاء تلك، وفي ذات الوقت أدرك انها لم تستطيع تقبل ندبات قلبها، فقرر اعطائها فرصة أخرى وهز رأسه موافقًا مشاركتها اللعب أو بمعنى اوضح سمح لها بالهروب من معقل أسئلته.
***
بعد مرور يومين..
أعدت مليكة وجبة عشاء بسيطة بناء على تعليمات شهيرة بعدما تجرأت وطلبت منها المساعدة وشهيرة بالطبع لم تبخل…بمرور الوقت استطاعت مليكة تفهم شخصيتها أكثر..هي مجرد امرأة عانت من الوحدة التي تخالف طباعها الشخصية فهي ودودة محبة لإناس والاختلاط، بالإضافة انها تشعرها بالأمان لوجودها دائمًا هي وشادي أغلب الوقت الذي يقضيه زيدان بعمله وتحديدًا أن أحيانًا عمله يصل لساعات متأخرة في الليل.
تركت مليكة الاطباق فوق السفرة واتجهت صوب هاتفها تحادث زيدان عن طريق احدى وسائل التواصل الاجتماعي تخبره بانتهائها للعشاء فجاءها رده السريع واخبرها أن اقتربت عودته للمنزل.
جلست فوق الأريكة المقابلة للتلفاز وهي تعبث بهاتفها وتحديدًا على منصة التواصل الاجتماعي ” الفيس بوك” مررت بطرف اصبعها تقرأ الاخبار في سرعة ولكن جذب انتباهها منشور من مجهول لصفحة كبيرة خاصة بالمشكلات الاجتماعية فبدأت تتفاعل وتقرأ جميع التعليقات باهتمام كبير ولكن كل اهتمامها كان منصب من أجل رغبة قوية بإرسال مشكلتها لتلك الصفحة..تركت الهاتف ثوان تفكر بهما بتروٍ قبل أن تأخذ تلك الخطوة وكي تكون أكثر راحة بدأت في انشاء حساب جديد في سرعة ثم دخلت لتلك الصفحة وكتبت مشكلتها في عبارات محددة..
ومن بعدها أرسلتها للبريد الخاص بالصفحة وانتظرت قبولهم للمشكلة..استمعت لجرس الباب فنهضت ترى من الطارق ووجدته شادي يقف يحمل لعبة عبارة عن ضابط مشوه الملامح..هبطت لمستواه قائلة بترحيب:
-اهلا يا شادي تعالي..بس اوعى يكون بيسو معاك.
هز رأسه بنفي قائلاً:
-لا مجبتوش، ماما قالت لبابا انك بتعملي عشا حلو عايز آكل معاكم.
ضحكت بخفة قائلة وهي تفسح له المجال:
-تنور يا حبيبي..ادخل.
-عمو زيدان جه ولا لسه؟
تحركت خلفه وهي تجيب على سؤاله:
-لا لسه جاي في الطريق.
التفت بمكر واقترب منها بحماس:
-ايه رأيك نعمل فيه مقلب ونضحك معاه.
مسدت فوق خصلات شعره وهي تقول بلطف:
-يا حبيبي عمو زيدان مبيحبش المقالب وهيتعصب علينا.
أمسك بنمامتها القطنية يرسل لها نظرات الرجاء وهو يقول:
-عشان خاطري انا بحبه وبحب اعمل فيه مقالب.
زمت مليكة شفتيها قائلة باستسلام:
-طيب هتعمل ايه؟
همس بمكر طفولي وهو يشير لها كي تدنو لمستواه :
-هقولك.
***
بعد مرور عدة دقائق..
صعد زيدان درجات السلم بوجوم استعدادًا لمقابلة شادي السخيف كما يلقبه دائمًا بداخله، ولكن هذه المرة لم يكن موجودًا فهمس بتساؤل:
-معقولة نام بدري!
ضيق عينيه وهو يمرر بصره لأعلى حيث الطوابق العالية ولأسفل مرة أخرى ولكنه لم يجد أحد، ولوهلة شعر نفسه بفيلم رعب فأكمل حديثه بحقد:
-الله يحرقك يا شادي الكلب، مخليني عيني في وسط راسي.
وقبل أن يفتح الباب بمفاتيحه تلقى اتصالا للمرة الألف من ميرفت..ضغط فوق اسنانه بقوة وغيظ مستكملاً همسه:
-الله يحرقك أنتي كمان، هو أنا ناقصك.
رفض الاتصال كالعادة بعدما تأكد من عدم وجود نهى بجانبها بالمشفى وهذا يعني انها لا زالت خارج البلاد، فرجح أنها تريد مساعدته للقبض على من فعل بها ذلك وهو في حقيقة الأمر سعيد بذلك جدًا لذا لن يقوم بمساعدتها اطلاقًا فهمس بكره:
-اتحرقي في نار جهنم.
زفر بقوة بعدما افسدت مزاجه الذي كان يريد أن يقابل به مليكة وللمرة التي لا يعلم عددها عاد لنقطة الصفر..فبدا صدره مشحون بمشاعر متناقضة ما بين الغضب لضعفه مع نهى وضيقه من اختفائها فلم يستطع انهاء الأمر معها، مرورًا بزواجه من مليكة وعدم اخبار سليم بأي شيء سواء عن نهى او عن مليكة، تشابكت خيوط حياته بشكل معقد والراحة التي كان يبحث عنها بزواجه من مليكة أصبحت باهتة تفتقد للروح بسبب كم الأسرار المتساقطة في بئر حياته والذي أصبح بلا قاع..
حرك رأسه يمينًا ويسارًا محاولاً نسيان ما يضيق به صدره مؤقتًا…فتح الباب ثم دخل في خطوات ثقيلة للغاية نحو الصالة، جلس فوق الأريكة ووضع يده فوق رأسه بندم مزق عقله بعدما اقدم في لحظة تهور على فعل شيء لم يكن يريده..شعر بأصابع رقيقة تربت فوق خصلات شعره البنية، رفع رأسه يطالعها ببسمة صغيرة، فبادلته بابتسامة واسعة وعينيها المشاغبة ترمقه باستفهام:
-جبتلي شيكولاتة ولا لأ؟
مد يده بعد أن أطلق تنهيدة قوية للهواء، وجذبها من جيب سرواله، يلوح لها ملتزمًا الصمت، فاغتاظت وهي تقترب منه تنحني بجذعها العلوي نحوه، تقبله في وجنته قبلة بريئة عفوية:
-بوسة أخوية من اللي قلبك يحبها.
خرجت ضحكة صغيرة منه وهو يقول:
-أي حاجة منك يا مليكة بحبها.
تلونت وجنتيها بحمرة طفيفة وضربته بيدها في كتفه:
-قولتلك متقوليش الكلام دا بتكسف.
هز رأسه بصمت وهو ينقل بصره بعيدًا عنها، فتحركت بجانبه تسأله بقلق:
-مالك شايل طاجن ستك فوق راسك ليه؟
خصها بنظرة تعبر عن استنكاره، فضربته مرة أخرى بكتفه:
-يا زيزو أنا بتكلم معاك بالحب..يعني اقصد بالعشم، أصلك أنت دماغك بتحدف شمال على طول.
اقترب منها قليلاً قائلاً بنبرة يغلب عليها الرجاء:
-طيب وبمناسبة العشم اللي ما بينا، ينفع اطلب منك طلب.
أومأت له بصمت فانطلق يطلب منها بنبرة خافتة متعبة:
-خديني أنام على كتفك شوية.
نظرت له ببلاهة، تحاول استيعاب ما يقوله، فبدا وكأنه مجنون:
-انت كويس…
مدت يدها تستشعر درجة حرارته:
-لا حرارتك زي الفل مالك في إيه!.
-اعتبريني زي أخوكي.
ضغط فوق أسنانه فخرجت حروفه مثقلة وكأن عقله يرفض ما تفوه به، فأكدت هي على حديثه بوجه جامد وراحت تذكره بأمر صداقتهما:
-ما أنت أخويا فعلاً.
-متضغطيش بس وحيات أبوكي على كلامك دا عشان مش مقتنع بيه.
قالها بحنق وهو يشير نحو إصبعها، حيث يتوسطه حلقة ذهيبة، وتابع ما يقوله بضيق:
-امال دي إيه! خيال، يا بنتي نفسي مرة تعامليني كجوزك أحس بقيمتي.
-قيمة إيه، ده أنت بيستي يا زيدان، أنا كان نفسي في البيست الحلال وربنا حققلي أمنيتي.
جذب زيدان نفس طويل وحاول إخراجه على مهل:
-طيب ما تحققي أمنيتي واخليني أنام فوق كتفك، ده أنتي قلبك حجر يا شيخة.
رمقته بتفكير للحظات ثم اعتدلت بجلستها وهي تشير له كي يضع رأسه فوق كتفها، فنفذ على الفور ولكنه وضع رأسه فوق صدرها وحاوط خصرها بيدها، قائلاً بعناد تلبسه:
-الجدع يبقى يخرجني من هنا.
حاولت تحريك جسدها من قبضته وهي تبعده عنها بضيق وحرج:
-كدا عيب ابعد، انت استغليت طيبتي.
– والصراحة أنا أسوأ حاجة فيا الاستغلال.
قالها وهو يضغط برأسه فوق صدرها، وكأنه يلقي بهمومه الصامتة عليها، وعاد مجددًا للغرق في أحزانه، كيف سيخبر سليم بأمر زواجه من مليكة وخطبته من نهى؟ حتمًا سيصيب بذبحة صدرية.
قطعت مليكة عليه لحظة استرخائه وقالت بخجل محاولة الفرار منه رغم أنه يضع رأسه فوق صدرها الا انه يحيطها بذراعيه كالطفل الصغير:
-أنا عملت عشا حلو اووي، قوم غير هدومك يلا.
رفع رأسه يطالعها برفض:
-لا انا مش جعان الحمد لله.
ضربته بخفة فوق كتفه قائلة بعتاب:
-والله عاملة أكل حلو، شهيرة علمتني على فكرة وقالتلي نفسي حلو.
-من يومين دي منافقة اوي.
ابعدته عنها بغيظ شديد وقد سمح لها بذلك حينما أرخى قبضة يده حولها، فاندفع بجسده للخلف مما جعل خصلات شعره القصيرة تسقط فوق جبينه بعدما تبعثر اثر اندفاعه..
-عارف يا زيدان انت لو مأكلتش من أكلي وشكرت فيه اوي هعمل ايه؟
وضع يده اسفل ذقنه وهو يردف باستنكار:
-ايه؟!
-مش هتعلم حاجة من شهيرة وهجرب فيك واستحمل بقى.
نهض وهو يرفع يده باستسلام:
-لا وعلى ايه الطيب أحسن..
صمت لبرهة يتظاهر بالاستنشاق قائلاً:
-ايه دا في ريحة حاجة بتتحرق.
نهضت بفزع وهي تلتفت نحو المطبخ قائلة بسرعة:
-يالهوي..
ولكنها توقف بالمنتصف حينما أدركت انها كانت قد انتهت بالفعل من اعداده فاستدارت بغضب عارم وجدته يكتم ضحكته الساخرة فكورت يدها بغيظ ولكنه لم يعير لها أي انتباه بل قال وهو يتجه نحو غرفة نومهما:
-كمان ناسية انتي طافية عليه ولا لا..ست بيت شاطرة اوي.
امسكت وسادة والقته نحوه بعنف قائلة بخفوت محترق:
-والله حلال اللي يعمله فيك شادي.
دخل زيدان للغرفة وهو يقوم بخلع قميصه ثم ألقاه صوب الفراش ولكن جذب انتباهه لعبة عبارة عن ضابط وجهه مشوه بالكامل وثيابه متقطعة، مد يده وأمسك باللعبة ناظرًا إياها بعدم فهم وهو يقلبها بين يده..استمع لصوت بسيط في أحد جوانب الدولاب الكبير فاتجه نحوه ببطء ثم فتح بابه لم يجد شيء ولكن لم يمر سوى ثانية وظهر شادي بصراخ عنيف من خلف الثياب المرصوصة خلف بعضها..لم يتراجع زيدان للخلف ولم يظهر له أي تعبير بل ظل واقفًا كالصنم ينظر لشادي الغاضب من رد فعله:
-انت ازاي مخوفتش مني!
رفع زيدان اللعبة عاليًا وهو يشير نحوها بينما كانت كلماته ثقيلة للغاية:
-اللعبة دي مين عمل فيها كدا؟
-أنا..وسميته عمو زيدان الرخ…اقصد العسل.
امسكه زيدان من مقدمة ثيابه وبدأ في تحريكه للأمام والخلف في وتيرة سريعة مردفًا بحقد:
-أنت ياله اعمل فيك، قولي عشان أنا زهقت.
اندفعت مليكة للغرفة تبعده عن الصغير بينما قال شادي بخوف:
-عمو زيدان كان عايز يموتني.
-لا يا حبيبي متخفش هو بيلعب معاك.
هز زيدان رأسه بضيق وأردف:
-لا مكنتش بلعب.
لكزته مليكة بخفة ثم وجهت حديثها للصغير:
-تعال يا حبيبي برة أنا جهزت الأكل لغاية ما عمو زيدان يغير هدومه.
-لو أكل معانا اعتبري أنا مش هاكل.
دفعت الصغير للأمام كي تخرجه للصالة وقبل أن تغادر هي الأخرى مالت نحو زيدان هامسة نحوه بتوعد:
-هتاكل يا زيدان وهتشكر في الأكل كمان.
أنهت حديثها بنبرة تنم عن التهديد الصريح بينما ألقى زيدان باللعبة أرضًا وقال بغيظ:
-هنشوف كلام مين هيمشي.
***
بعد مرور عدة دقائق…
وضع زيدان ملعقته جانبًا بعدما أنهى طعامه وأردف بضيق:
-تسلم ايدك الأكل حلو.
خصته بنظرة ثقة امتزج فيها السعادة فعادت تسأله بشك:
-بجد عجبك ولا أي كلام وخلاص.
هز رأسه نافيًا حديثها ثم قال بصدق:
-هو حلو بس كان هيبقى أحلى لو الواد دا مكنش موجود.
تجاهله شادي عن قصد، ثم أمسك بيد مليكة وقبلها قبلة صغيرة مردفًا بصوته الطفولي:
-تسلم ايدك يا طنط مليكة اكلك احلى من ماما.
-طلعت منافق أكتر من أمك نفسها..
تمتم بها زيدان بضيق عارم فضربته مليكة بقدمها من أسفل الطاولة وحذرته بعينيها عن تماديه في الحديث..فرفع رأسه لأعلى وقال بعدها:
-ابلع يا شادي يا حبيبي الاكل اللي في بوقك الاول.
وقبل أن يتحدث شادي شهق باختناق وبدأ في ضرب الطاولة عدة مرات، فانتفض كلاً من مليكة وزيدان بقلق وخوف كبير محاولين انقاذه..فظهر صوت زيدان المرتبك:
-اتنفس يا شادي..اتنفس..
وقبل أن تفعل مليكة الاسعافات الاولية وجدت شادي يعود للخلف ضاحكًا بقوة على هيئة زيدان:
-ضحكت عليك…ضحكت عليك.
ضرب زيدان الطاولة بانفعال شديد متمتمًا بشتائم عديدة ومن بعدها دخل للغرفة مغلقًا الباب خلفه بقوة، فانتفضت مليكة بخوف وعادت لوعيها قائلة بعتاب:
-شادي اللي أنت عملته دا مينفعش!
-انا بضحك معاه.
-يا حبيبي مش كل حاجة ينفع فيها الضحك والهزار أنت خوفتنا عليك..
حاولت تصحيح مفاهيمه ولكن اجاب بلامبالاة:
-عادي على فكرة هما بيعملوا كدا في اليوتيوب.
-مين دول؟!
تساءلت بعدم فهم، فأجاب على الفور:
-اللي بتفرج عليهم، بيعملوا مقالب والناس بتضحك وبتتبسط.
تنهدت مليكة بقوة ثم قررت أن تخبر شهيرة بما حدث وتقديم نصيحة لها، فيجب أن تمنع شادي من متابعة مثل هذه الاشياء والتي ستفسد اخلاقه وهو لا زال في مرحلة مبكرة للتفريق بين الصواب والخطأ.
بعد مرور عدة دقائق ودعت فيها مليكة لشادي وضبت الطاولة…انتبهت إلى اشعار من هاتفها..تذكرت أمر الصفحة التي ارسلت لها مشكلتها وبالفعل وجدتها قد عرضت للأعضاء الصفحة، بدأت مليكة في قراءة التعليقات والتي كانت أغلبها تنص على عدم اخبار زوجها بشيء والبعض الأخر يشك بمشكلتها كونها هي من أخطأت مع الطبيب منذ البداية وسمحت له بالتمادي..والقليل من اخبرها بضرورة اللجوء لشخص تثق فيه لتطلب منه المساعدة.
زفرت بقوة وهي تقول بحنق:
-بردوا معرفتش هعمل ايه!
عادت تقرأ من جديد بتركيز ولكنها لم تصل لشيء سوى أنها عادت لنقطة الصفر من جديد واستسلمت بالنهاية أن تخفي ذلك الامر عن زيدان محاولة أن تقنع نفسها..أنها ابتعدت مئات الأميال عنه وهو لن يعرف بالتأكيد أين انتقلت فبالتأكيد سيبحث عن غيرها وينساها، ارتاح قلبها لذلك الحل حتى لو كان مؤقتًا فعادت تهتف لنفسها بحروف تنم عن الفشل:
-حوار النت دا طلع فشنك.
***
بعد مرور أسبوع…
قضته نهى أغلب الوقت في الطابق الخاص بها، في الصباح تغرق في النوم بلا هدف مجرد هروب من الواقع ومشاكله..وليلاً تشكي للبحر همها في صمت مزق نياط قلبها..وها هو الليل يسقط بظلمته على مياه البحر الصافية فتختفي الوانه المبهجة وسط الظلام الشديد ويتحول منظره من الالوان المبهجة للسواد المخيف..مثلها تمامًا تحولت من زهرة كانت تبحث عن الحب والأمان لأخرى ذبلت بسبب وحشية الحياة فاختفت ألوانها المبهجة واصبحت باهتة تفتقد للروح تسقط اوراقها واحدة تلو الأخرى.
لم تختلط بخالد كثيرًا خلال هذا الأسبوع بل اكتفت بالجلوس وحيدة، تواجه ذاتها بكل ما اقترفته بحق نفسها، تبحث عن السلام الكامل الذي تحدث عنه خالد، وبعدما فشلت في التصالح مع ذاتها المنكسرة قررت أن تكسر حاجز الوحدة وتهبط للأسفل حيث الطابق الذي يقيم به وتجلس معه قليلاً فقد اشتاقت لحديثه الساخر وللأمان الذي تجده معه وحده.
ارتدت فستان صيفي باللون الأحمر وحجاب يتناسب معه وقبل أن تهبط للاسفل طرق عليها فكرة اعداد فشار..فأحضرت طبق كبير وأعدته في دقائق بسيطة..ثم حملته وتوجهت للأسفل، جذبت نفس عميق ومن بعدها طرقت فوق باب شقته عدة مرات ولكنه لم يجيب، عقدت حاجبيها وهي تبحث عنه وكالعادة وجدته يجلس بالحديقة يحمل حاسوبه فوق ساقيه يتابع فيلم أجنبي باهتمام..ابتسمت للصفاء الذي يمر به وتنمت أن تحصل على ربعه.
اقتربت منه ثم جلست بجانبه فوق الأرض تضع الطبق بينهما وهي تقول:
-ممكن اتفرج معاك؟
رمقها بنصف عين ثم قال بعبوس:
-انتي قعدتي خلاص.
عقدت ما بين حاجبيها بقلق ثم سألته:
-أنت زعلان مني في حاجة؟!
هز كتفيه ببرود وهو يتابع مشاهدة الفيلم:
-لا مفيش هزعل ليه؟!
حاولت التبرير ولكنه أظهر مدى سذاجتها:
-أنا مشوفتكش بقالي فترة كبيرة ومظنش ان انا…
انفجر بها غاضبًا:
-هو دا اللي أنا زعلان عشانه، انتي بتعامليني كدا اغلب الوقت قاعدة لوحدك، رغم أن دي مش المفروض تكون معاملتك ليا..
هتفت بضعف وهي تخفض بصرها بعيدًا عنه:
-أنا عارفة ان كنت قليلة الذوق بس غصب عني بنام كتير وبليل بتكسف انزل اقعد معاك.
رمقها بضيق ساخر وأردف:
-ما انتي قاعدة اهو فين كسوفك طار!
زمت شفتيها بضيق مماثل وهي تخبره بصدق:
-لا بس كنت حاسة ان عايزة اشوفك واقعد معاك.
صفق باستهجان واضح منها:
-طيب هايل.
تفاقم غضبها وراحت تقول بعتاب طفيف:
-خالد لو سمحت متعاملنيش كدا، أنا لسه مش مستوعبة أنا فين وبعمل ايه بحاول اتأقلم…
قطعها بغيظ مردفًا من بين أسنانه:
-قولتلك يا بنت الحلال اوديكي عند بيت خالك لو مش مرتاحة.
صرخت بانفعال:
-وأنا مش عايزة اروح.
تجاهل انفاعلها وبدأ يضغط أكثر على جراحها كي تخرج من قوقعة الصمت التي ادخلت نفسها بها:
-ليه ابن خالك ممكن يساعدك بردو.
تحولت نبرتها من الصراخ للضعف وكأنها تتأرجح بين مشاعرها المتناقضة:
-مش هقبل المساعدة دي الا لو منك.
رغم أن كلماتها الصريحة الصادقة داعبت قلبه الا أنه استمر في مواجهتها:
-يا سلام وليه مع انه كان خطيبك والمفروض انك كنتي بتحبيه.
هتفت بنبرة ضعيفة امتزج فيها الرجاء المبطن كي يغلق ذلك الموضوع:
-انت ليه مصر تضغط عليا؟!
-لا براحتك خالص، حاضر هرجع لحدودي تاني واسكت واقولك كمان شكرًا على الفشار.
القى نحوها بسمة ساخرة لضعفها البائن والتي حاولت عدم اظهاره ولكنها فشلت حيث قالت بصدق:
-أنا مقصدتش اعمل حدود.
-لا دا من حقك عادي خالص.
-وانا بقولك مكنتش اقصد اعمل أي حدود، بس أنا مش قادرة احكي..م…مش قادرة، هقولك ايه؟!
تلعثمت وهي تخبره بضياع عما تشعر به ولكنه تمسك بطرف الصمت كي يفسح لها المجال وتخرج جميع مشاعرها المدفونة وقد ظهر ذلك على ملامحها حينما تأثرت وهي تخبره بنبرة باكية تقطعت في البداية بسبب أوجاعها الملتهبة بنيران الخذلان:
-هقولك ان كنت اكبر مغفلة وكنت بحبه من طرف واحد، انا زعلانة على نفسي وعلى كل لحظة اوهمت نفسي ان بحبه، زعلانة ان كنت هضيع نفسي وانهي حياتي عشان مقدرتش اتقبل انه رافضني.
رمقها باهتمام كبير ورغم عنه تعلقت عيونه بخاصتها الباكية مرورًا بدموعها الساقطة من عينيها بلا توقف وكأنه السد المنيع الذي كان يمنعها فتحت ابوابه وعبرت فوق خديها بغزارة، حتى أنفاسها بدأت تتقطع بشكل اقلقه وكأنها تحارب القيود المفروضة على لسانها، شعر بحاجتها للانفجار والصراخ بكل شيء يكمن داخلها..وقد كان مع أول لمسة من يده ليدها المرتجفة بدأت في سرد احزانها واحد تلو الأخر:

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية منك وإليك اهتديت)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!