رواية كواسي الفصل السابع 7 بقلم نسمة مالك

رواية كواسي الجزء السابع

رواية كواسي البارت السابع

رواية كواسي الحلقة السابعة

لحظة إدراك أن كم الأڈى التي تعرضت له كواسي في الفترة الأخيرة من حياتها كان على يد عائلتها!
رباه!!
لم يصدقها أحدًا منهم حتى والدتها و والدها! هم من قاموا بتقيدها في الفراش بسوط غليظ بأبشع الطرق المهينة، خشوا من حديث الناس و لم تأخذهم الرأفة بابنتهم!
تعاملوا معاها على أنها حقاً مچنونة، و أعلنوا استسلامهم لأمر هم من فرضوه عليها، لم ينصفها أحدًا منهم مطلقًا، حطموا نفسيتها و مزقوا قلبها بمبرر الخۏف عليها،
لم ترتكب خطأ واحد بحقهم، لم تجد سند من أهلها، و لم تحظى بصداقة حقيقية حتى وصلت إلى مرحلة اليأس وكادت أن تنهي حياتها، لكن بريق أمل يدعو “عُبيد” التقطها من قاعها المظلم في محاولة منه ليخبرها أنها ستحصل على مكافأة خاصة بها وحدها، لن يحصل عليها أحدًا غيرها.
“ بمنزل كواسي”..
حالة من الهرج و المرج تحتل المكان، تركض” صفية” بانحاء المنزل تبحث عن ابنتها بأعين منذهلة، و ملامح يظهر عليها الصدمة، و زوجها “سيد” و بناتها اشقاء “كواسي” جميعهم يبحثون معاها،
الجميع في حالة فزع و ړعب و سؤال واحد يدور بذهنهم كيف تمكنت “كواسي” من فك قيود يديها و قدميها و الخروج من الغرفة دون أن يراها أحدًا منهم؟!
“بسم الله الحفيظ.. بت يا كواسي أنتي فين يابنتي”.. قالتها جدتها التي تبحث عنها هي أيضاً،
صوت صرير أسنانهم يدوي في المكان من شدة فزعهم..
“أنت اللي فكيت البت يا سيد؟”.. وجهت “صفية” سؤالها لزوجها وهي ترمقه بنظرة بدت حاړقة، ليحرك “سيد” رأسه لها بالنفي و يجيب بنبرة مرتعدة..
“والله ما دخلت الأوضة عليها انهارده يا صفية.. مقدرتش أشوفها تاني وهي مربوطة و قولت مش هدخل غير واحنا رايحين للدكتور عشان افكها”..
لطمت “صفية” خديها و هي تقول..
“بنتك هربت و هتفضحنا في وسط الناس أكتر ما هي ڤضحانا.. و معاد الدكتور أبو ألف جنيه هيروح علينا يا سيد”..
رمقتها حماتها بنظرة لو كانت سهم لماټت “صفية” في الحال و تحدثت بشمئزاز قائلة..
“كل اللي يهمك كلام الناس و الألف جنيه بتوع الكشف! و مش همك بنتك يا صفية يا مفترية.. أخس عليكي أنتي و أبوها اللي سيبك تعملي في البت كل ده”..
“و أنتي هتخافي على بنتي أكتر مني ولا ايه يا ست أنتي”.. قالتها “صفية” پغضب عارم و من ثم وجهت نظرها لزوجها و تابعت بتحذر قائلة..
“سيد أبعد أمك عن وشي الساعة دي بدل ما ارتكب چريمة”..
هم “سيد” بفتح فمه والرد عليها إلا أن الصدمة اخرستهم جميعاً حين وصل لسمعهم صوت “كواسي” يأتي من أسفل طاولة الطعام تقول بعفويتها المعهود..
“قولت مېت مرة بلاش خناق و العبوا مع بعض يا سيد أنت وصفية”..
لحظات من الصمت مرت و الجميع متسمرين محلهم، يتنقلون بنظرهم نحو الطاولة و بعضهم البعض..
“ب ب بت يا كواسي أنتي تحت السفرة إزاي و أنا لسه مدورة عليكي تحتها!”.. قالتها “صفية” بصوتٍ مرتعش..
قالت “كواسي” بغصة يملؤها الألم :
“و ده إسمه كلام برضوا.. يعني أنتي هتصدقي عيونك وأني موجودة قدامك و تكدبي الناس اللي اقنعوكي إني مچنونة و هربت يا ماما!”..
ظهر الندم على وجهه كلا من “صفية” و زوجها، و من ثم تحركوا على مضض بأقدام ترتجف و مالوا سويا ينظرون أسفل الطاولة، لتجحظ أعينهم عندما لم يجدوا “كواسي” بالأسفل!!
شهقوا بنفس واحد وقفزوا خلف بعضهم مبتعدين عن الطاولة حين قالت “كواسي” الجالسة بأريحية فوق مقعد الطاولة :
“هتاكلوا معانا ولا ناكل إحنا ؟”..
انكمشوا جميعهم يختبأون في بعضهم البعض، و قد تمكن منهم الخۏف الشديد من هيئتها الجديدة عليها كليًا،
هم على ثقة أن تلك الجالسة أمامهم مستحيل تكون هي ابنتهم التي فقدت رونقها و انطفأت ملامحها و هزل جسدها، كيف ومتي إستعادة جمالها و حيويتها هكذا!
بل أنها أصبحت أجمل من ذي قبل، خاصةً عينيها تضوي بفرحة غامرة غريبة و مخيفة في آنٍ واحد ،
بدأت تأكل بتلذذ من الطعام الذي كان موضوع على الطاولة وهي تقول بتعجبك موجهه حديثها ل “سيد” والدها:
“ماله شعرك يا سيكا مزيكا أنت عامل قصة رجل الديك؟!”..
وجه الجميع نظرهم إلى “سيد” ليجدوا خصلات شعره أصبحت مشعثه للغاية.
حاول “شي” التقاط أنفاسه و رفع يديه و مسح على شعره پغضب وغيظ و تحدث پبكاء مصطنع قائلاً:
“شعر راسي وقف من الخضة يابت يا كواسي.. هتوقفي قلبي من الړعب يابنت صفية المفترية”..
تعلقت “صفية” بعنق زوجها بكلتا يديها و همست داخل اذنه بهلع:
“بسم الله الرحمن الرحيم.. البت بنتك مخاوية عفريت بجد ولا أيه يا راجل؟”.
“مټخافيش يا ماما و تعالي كلي معانا”.. قالتها “كواسي” برقة جعل أفواه الجميع كادت أن تسقط ارضًا من شدة تعجبهم، يتطلعون لها على أنها غريبة الأطوار، كأنها برأسين، و تحدثوا بنفس الوقت قائلين:
“معانا!هو أنتي بتاكلي مع حد يا كواسي؟”..
تناولت الطعام بغنچ عكس طبيعتها تمامًا، لترتفع شفاه جدتها التي قالت بسخرية:
“و مالك بتاكلي بمياصة كده ليه يابت؟ .. الله يرحم لما كنتي بتغطسي ف طبق الشوربة بوشك و بتاكلي ورك الفرخة على قطمة واحدة!”..
توردت وجنتي” كواسي” بحمرة الخجل،و عضت على شفتيها و هي تنظر لمقعد بجوارها و همست بصوتٍ مبحوح من فرط خجلها:
“ كان نفسي أقولك متصدقهاش بس تيته بتقول الحقيقة ”..
هذا المقعد يرونه فارغ، لا أحد يجلس عليه، و هي بالنسبة لهم تحدث نفسها، لكن هي بمفردها التي ترى “عُبيد” شبحها الوسيم، الذي يجلس بجوارها و يتأملها بنظرته التي تُزلزل كأنها كله دفعة واحدة..
أهداها ابتسامته الجذابه و هو يقول:
“ عجباني.. في كل حالاتك هتفضلي عجباني يا كواسي”..
ضحكت باتساع و سعادة بالغة أمام الأعين المتربصة لها، لينظر هو نحوهم و يتابع حديثه برجاء قائلا:
“يالا أعملي اللي اتفقنا عليه”..
أخذت “كواسي” نفس عميق قبل أن تهمس له بحماس قائلة:
“متقلقش عليا أنا هقنعهم أني ست العاقلين حالاً”..
انتصبت واقفه ليكتموا جميعهم صراخهم من شدة فزعهم، فتحت فمها لنتحدث إلا أن” عُبيد”اوقفها حين نهض هو الأخر و بدأ يهندم لها منامتها و شعرها هامساً بأذنها:
“ دول عايروني و قالولي أسمر اللون يا لالي ”..
غنت ” كواسي” معه مكملة بفرحة طفولية:
“ صحيح أنا أسمر وكل البيض يحبوني يا لالي”..
تعمق بالنظر لعينيها و تابع باهيام:
“يا عيني يالالي ”..
اكملت “كواسي”..
“يا سيدي يالالي”..
غنوا عائلتها معاها بدون ارادتهم:
“يا روحي يالالي”..
صوتهم قطع نظراتهم لبعضهما،خاصةً صوت جدتها التي قالت :
“انتي يابت يا سمرة اللون بقيتي مسهوكة كده أمتي؟ ”
توجهت “كواسي” بنظرها نحوهم على مضض و رمقتهم بنظرة متغاظة و من ثم ضحكت ضحكة مصطنعه وهي تنظر لجدتها و واقتربت عليها و اخفت يدها بجيب منامتها و أخرجت منه شيئا و أعطته لها مردفة:
“اتفضلي يا تيته جبت لك دي هدية عشان تسرحي بيها حواجبك ”..
أخذتها جدتها و فحصتها بأعين متسعه مرددة بعدم تصديق:
“دي زعافة! جيبالي زعافه اسرح بيها حواجبي يابنت صفية المترية! و كنتي حطاها في جيب البچامة ازاي يابت! ”..
“حلوة يا أمه.. خديها منها لتضربنا بيها”.. همس بها “سيد” بأذن والدته لتتراجع الجدة پخوف و تختبئ في ظهر ابنها..
رسمت “كواسي” الجدية على ملامحها، و تحدثت بهدوء و تعقل ابهرهم:
“أنا بعتذر لكم كلكم على كل اللي فات و اللي عملته فيكم، وأوعدكم إني هبقي عاقلة ، بعترف لكم إنكم كنتم على حق”.
وقف “عُبيد” بين أفراد عائلتها أمامها مباشرة، نظرت له بعينيها و تابعت بابتسامة صافية مكملة بنبرة مبهمة:
“أنا كنت مجنونه لما قولت في عفريت”.. صمتت لوهلة و تابعت بسرها بتنهيدة ارتياح:
” عُبيد مش ممكن يكون عفريت”.
تهللت اسايرهم جميعاً و أقبلوا عليها بلهفة و فرحة :
“بجد يا كواسي.. يعني عقلك رجع لك يا بنتي”.
تنقلت بعينيها بينهم ترمقهم بابتسامة تخفي بها نظرة الخذلان :
“أيوه بجد.. اطمنوا اللي حصلي على أيديكم علمني الأدب و رجع لي عقلي”..
تظاهروا بتصديقها و لكن نظرتهم لها تفسر ما يدور بخاطرهم، لينقبض قلبها فجأة حين لمحت تغير ملامح “عُبيد” و ظهور الڠضب على قسماته، تطلعت له بنظرة متسائلة،
بلمح البصر كان وقف “عُبيد” خلفها و احتواها بين ذراعيه، فأصبحت مستنده بثقل جسدها عليه ظهرها مقابل موضع قلبه،حسها على السير نحو غرفتها، فانصاعت على الفور تحت نظرات والديها وجدتها المترقبه،
ليميل هو على أذنها هامساً:
“عزة اللي عمرها ما كانت ولا هتكون صحبتك وصلت تحت البيت، وأنا كنت مستني اللحظة دي”..
“هتعمل فيها أيه يا عُبيد”..
همست بها “كواسي” بنبرة يظهر بها القلق، ليربت هو على وجنتيها بأنامله مطمئنًا أيها :
“هنعمل.. أنا وأنتي يا كواسي هناخد حقنا عن كل غلطة غلطتها في حقك”..
صمت لبرهةً و تابع بنبرة لا تقبل الجدال:
“أنا و أنتي بقينا واحد.. تلاقي الأرواح.. روحي و روحك يا كواسي”..
إنها كيمياء القلوب التي يحدثنا عنها الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم، فيقول “الأرواح جنودٌ مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف” فتعارفُها أمرٌ جعلها الله عليه، ولُقياها قدرُ الله لها في هذه الفانية، واجتماعها حكمُ الله فيها،
كثير منا ينظر لشخص ما على أنه آية من الجمال وعندما تختلط به وتعرف خفايا روحه تجد أن هذه الروح غير جميلة ومنفرة أو مريضة لذلك أبداً لا يغرك جمال المظهر أو الجسد فالجمال الحقيقي ينبع من جمال الروح بأخلاقها وأدبها وبإيجابيتها.