روايات

رواية خطايا بريئة الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الفصل الخامس والثلاثون 35 بقلم ميرا كرم

رواية خطايا بريئة الجزء الخامس والثلاثون

رواية خطايا بريئة البارت الخامس والثلاثون

رواية خطايا بريئة
رواية خطايا بريئة

رواية خطايا بريئة الحلقة الخامسة والثلاثون

يغيبون عن اعيننا ولا يعلمون بمدى الالم الذي نتجرعه بغيابهم والادهى والامر حين يعودون يعودون ببرود وكأن غيابهم كان بارد.
—————-
-هتجبرني يا خالي
حانت منه بسمة خبيثة لأبعد حد وتهكم قائلًا:
-الچواز سُترة يا بتي…وبعدين كل طلباتك مچابة هعملك فرح يتحاكا بيه أهل البلد لسنين جدام وهچبلك دهب يوزنك
ده غير أن هجهزلك الچناح الغربي كلاته على ذوجك
نفت برأسها وقالت برفض قاطع وهي تهب من مقعدها:
-لأ مينفعش يا خالي مينفعش ارجوك متضغطش عليا علشان مستحيل يحصل
زفر “عبد الرحيم” بغيظ من رفضها ونهض يتقدم منها قابض على ذراعها بقوة آلمتها مهسهس بنبرة تقطر بالوعيد:
-مفيش حاچة اسمها مستحيل واللي انا رايده هو اللي هيحصل برضاكِ أو غصب عنيك يا بت خيتي هتچوزي “حامد”وبالجوة لو حكم الأمر
-عايز تجوز مراتي وهي لسة على ذمتي يا حج…
قالها هو بصوت جهوري واثق يكمن خلفه غضب حارق يكاد يهلك بنيرانه الأخضر واليابس حين دفع باب المندرة بقوة نفضتهم وجعلت قلبها يهوي بين قدميها وهي تراه يقف امامها بكامل هيبته وتحاوطه تلك الهالة الطاغية التي دومًا يشملها بها، بينما عن “عبد الرحيم” فقد جمدت الدماء بجسده وكادت عينه تخرج من محجرها و تلعثم بحروف متقطعة تنم عن صدمته:
-الغَريب…
عدل هو بنبرة غاضبة متهكمة:
-ما غريب إلا الشيطان اللي فاكر أنه هيقدر يستغل غيابي لصالحه ويطيح في شره
زاغت نظرات “عبد الرحيم” من تهكمه وتسأل بغيظ وهو يترك ذراع تلك المتخشبة من شدة صدمتها:
-رچعت ليه أنت طلجتها!
اجابه “يامن” بكل ثقة وبصوت جهوري متملك:
-رديتها… و”نادين” دلوقتي مراتي غصب عن عين أي حد
حقًا تدافع عني الآن وتعلن ملكيتك لي فأين كنت حين اعتصر قلبي قهرًا وجف دمعي في غيابك…أين كنت عندما أحرقت الذكريات قلبي وبعثرت رماده…أين كنت وانا بأْمس الحاجة اليك يا صاحب الوعود الواهية…
ذلك ما كان يدور برأسها وهي تراه
يقترب بخطوات واثقة نحوها ومع كل خطوة له وجدت ذاتها تتراجع مثلها بعيون جامدة تحجر بها الدمع من شدة صدمتها فكانت تظن انها في حلم من احلامها المعتادة التي تجمعهم سويًا ولكن هاهي بكامل وعيها وهو واقع ملموس أمامها يطالعها بنظرات إِن لم يكن تخلى عنها كانت سوف تظنها عاشقة ملتاعة يفيض منها الندم…إيظنها ساذجة كسابق عهدها وسوف ترتمي بين يده وتتغاضى عن ما أذاقه لها لا هي لن تنخدع من جديد وستصمد أمامه، ذلك ما كانت تنوي فعله ولكن كان لعقلها رأي أخر وقرر الفرار هاربًا حين لم يعد يفصلها عنه سوى خطوة واحدة فقد شعرت بغمامة سوداء تخيم على عيناها و دفعتها للاستسلام لرغبة عقلها حين سقطت مغشي عليها بين يديه التي احالت بينها وبين ارتطامها بالأرض وكان آخر شيء وصل لها هو صراخه المتلهف بأسمها.
—————
تململت بفراشه بكسل وهي تشعر براحة لا مثيل لها ففكرة أن جسده كان يستقر هنا قبلها تجعل السَكينة والدفء يدب في قلبها…فقد أفرجت عن فيروز عيناها وحانت منها بسمة حالمة وهي تتطلع لمحيط غرفته التي أصرت أن تبيت بها بإعجاب شديد فكل شيء بها مميز ومفعم بذوق رجولي خشن يشبهه، مالت برأسها دافنة وجهها بوسادته تستنشق رائحته الرجولية العالقة بها بأستمتاع تام وبتنهيدات حارة تنم عن فيض قلبها الذي مازال يرتجف متخوفًا أن تحرم منه ويفرض عليها الفراق…وعلى ذكر الفراق تذكرت صديقتها وتساءلت ترى ما حل بها وتذكرت ايضًا تلك الزيارة الغير متوقعة التي فاجأتهم بالأمس لذلك الغائب الذي عاد بعد طول أنتظار، مررت يدها بخصلاتها وتمددت على ظهرها تسلط نظراتها على نقطة وهمية في سقف الغرفة وشردت تسترجع ما دار بينهم حينها فعندما فتح “محمد” باب الشقة تفاجئ به قائلًا:
-أنت معقول!
تلعثم وهو يقف أمامه منكس الرأس يشعر بالحرج:
-ممكن اتكلم معاك
هنا انفعلت “ميرال” مندفعة نحوه بعدائية:
-اخيرًا ظهرت يا استاذ راجع ليه وعايز تتكلم معاه في ايه بعد عملتك السوده!
رفع “يامن” ناعستيه الثائرة نحوها وعقب بنفاذ صبر:
-عملتي! مكنتش اَسود من عاملت صاحبتك اللي انتِ محموقلها انا مكنتش عايز ألجأ ليكِ بس مضطر انا روحت ل “نغم” وملقتهاش واتصلت بيها قالت انها مسافرة مع باباها يومين بلدهم و قالتلي أنك معاكِ تسجيل لازم اشوفه روحتلك القصر وعرفت أنك سبتيه وجيت ل “محمد” هنا علشان يوصلني ليكِ وكويس إني لقيتك فياريت تهدي علشان نعرف نتفاهم
تدخلت “شهد” بإندفاع كعادتها:
-مع انك ندل ولسة من شوية كنت بقول أنك متستهلش البت بس من حقك تعرف الحقيقة علشان تضرب نفسك ألف جزمة انك سبتها
جز “يامن” على نواجذه وسيطر على أعصابه كي يتغاضى عن اهانتها له، في حين لاحق “محمد” الوضع ناهرًا إياهم بصرامة:
-“شهد” لمي لسانك وكفاية أنتِ وهي خلاص اللي حصل حصل والراجل رجع و هيصلح كل حاجة بلاش تتحملو عليه
اعترضت “ميرال” بحدة وهي تنظر للأخر شذرًا:
-انت بتدافعله بعد كل اللي عمله
نظر لها نظرة صارمة اخرستها حين هدر بأسمها:
-“ميرال” قولت اهدي
زفرت هي وحاولت التحكم بأعصابها…بينما هو وجه نظراته ل “يامن” واستأنف وهو يجذب “ميرال” برفق خلف ظهره كي يفسح له المجال :
-تعالى ادخل خلينا نتكلم
تقدم هو مطرق الرأس يرغب في أن تنشق الأرض وتبتلعه بين جوفها من ذلك الموقف السخيف الذي وضع ذاته به…ولكن هو قد اقسم منذ أن شَهد على انهيارها ذلك اليوم وقت المغيب أن يسعى لحقيقة الأمر بذاته فبعد رؤيته لها واستماعه لكل كلمة تفوهت بها كانت بمثابة اعصار قوي أخذ معه غضبه وثورته وانتقامه وتلك الغشاوة التي كانت تخيم على بصيرته وابقى له ذلك القلب الذي مازال ينبض بعشقها تائه، ضائع، بلا مأوى يفتقد نعيم ظلالها.
-اتفضل…
قالها “محمد” وهو يؤشر له على أحد المقاعد ويجلس مواجه له لتهدر “ميرال” وهي تنظر له بغيظ:
-اسأل وانا هجاوب
ليتلعثم هو مُصرح عن واحد من تلك التساؤلات العدة التي لطالما طمح في معرفة اجابتها:
-هي كانت على علاقة بالكلب ده فعلًا ولا هو اللي كان بيفرض نفسه عليها؟
ابتلعت “ميرال “غصة بحلقها وتبادلت النظرات مع “محمد” ولم تجب…لتحين منه بسمة متألمة تنم عن خذلان عظيم ويستأنف متسائلًا بسخرية مريرة ودواخله تنتفض خوفًا من ردها:
-طب هي كانت فعلًا بتحبه و بتمثل عليا؟
تنهدت “ميرال” بعمق واخبرته بصدق:
-هي عمرها ما حبت غيرك
تهكم ببسمة ممزقة بائسة:
-وعلشان كده خانتني صح
دافعت هي:
-هي عمرها ما خانتك “طارق” اللي كان بيفرض نفسه عليها وصدقني حاولت تبعده عنها بس معرفتش هي كانت غلطانة بس عمرها ما خانتك وكانت هتموت وتحافظ عليك هي فعلًا مظلومة أنا هحكيلك بالتفصيل كل حاجة حصلت وهوريك فيديو ليها هيأكدلك كلامي.
وبالفعل قصت “ميرال” إليه كل شيء ذاكرة أدق التفاصيل واخبرته أن “نادين” ندمت اشد الندم و كانت تنوي أن تخبره وتترك الخيار له…وجعلته ايضًا يشاهد ذلك المقطع الخاص بالجراچ التي حصلت عليه واحتفظت به من أجل إثبات براءة صديقتها حتى أنها اخبرته ان تلك الصورة التي استعرض بها “طارق” امامه اتخذت عنوة و”نادين” بذاتها اخبرتها بذلك واخبرتها ايضًا انها قامت بصفعه يومها وتهديده كي يبتعد عنها ولكن الأخر لم يستجب وكاد المكائد لها حتى انه كان ينوي استغلال ضعفها واستغلال ما فعلته “نادين” بها كي تقوم هي بفضحها…اخبرته الكثير والكثير ولم تترك شيء إلا وذكرته حتى انهيارها بغيابه وذبولها…حتى ذلك الثوب التي كانت تحتضنه وكأنه كافة احلامها اخبرته عنه مما جعل ناعستيه تغيم ويحتل الندم معالم وجهه وكأنه اصبح كهل يقع على عاتقه هموم العالم أجمع
حين اضافت “ميرال”:
-هي اتعذبت بما فيه الكفاية وانت كنت اناني اوي بقرارك
اغمض عينه بقوة وهو يلعن ذاته ربما للمرة الألف بعد المائة ثم همس بقلة حيلة وبنبرة ممزقة تضاهي نياط قلبه:
– مش لوحدها اللي اتعذبت صاحبتك صعبتها عليا اللي عملته مفيش راجل في الدنيا يعرف يتقبله ولا يتعايش معاه حتى لو كان روحه وقلبه في اللي بيحبها
لتعقب” شهد” مؤنبة اياه:
-حتى لو معاك حق بس كان لازم تسمع أسبابها قبل ما تفكر في عقابها
طالعها بنظرات غائمة ضائعة وكأنه فاق للتو من غفلة عقله ثم همس بذات النبرة المتألمة التي تفيض بالندم:
-أنا فعلًا كنت اناني بس صدقيني أنا كنت بتعذب اكتر منها
تدخل “محمد” بعقلانيته المعهودة:
-أنا عذرك وفاهم انت حاسس بأيه بس أنت برضو غلطان كان لازم تسمع منها في وقتها ومتتسرعش وتطلقها
تناول نفس عميق نابع من شتات قلبه ثم زفره على دُفعات و غمغم بنبرة مختنق وعيناه يتغرغر بها الدمع:
-كنت غبي و فاكر إني بنتقم لكرامتي وإني هعرف اتخطاها واخرجها من جوايا ليكوب رأسه بكفوف يده بإنهزام تام ويقول بإنهاك وبقلب منفطر يتداعى بين احشائه من دونها:
-بس مقدرتش وبدل ما انتقم منها كنت بنتقم من نفسي
هيئته النادمة جعلت “شهد” تتراجع عن هجومها وبشكل ما وجدت ذاتها تتعاطف معه وخاصًة عندما لاحظت دمعاته التي يحاول أن يخفيها عن اعينهم لذلك عقبت بعيون دامعة متأثرة :
-يا عيني عليكم والنعمة انتو الاتنين حالكم يصَعب وكل واحد فيكم خد كفايته…
“ميرال” ايضًا استشفت صدق ندمه ورغم حنقها السابق منه إلا أنها هدرت تؤازره:
-المهم دلوقتي تروح تجبها من هناك
رفع رأسه ببطء ومرر يده على وجهه يزيح تلك الدمعات التي فاضت منه دون ارادة من شدة ندمه وتسأل بريبة شديدة:
-هناك فين؟
وضح “محمد”:
-عند خالها بعد ما انت بعتلها ورقتها خالها خدها معاه البلد
تجهمت معالمه ونفرت عروقه وهو لا يصدق في حين تسألت “ميرال”:
-هي مامتك مقلتلكش لما رجعت البيت
نفى برأسه بحركة هستيرية وأجابها بأنفاس متعالية وهو يهب يدور حول نفسه شاعرًا بالدماء تتدفق وتغلي برأسه من شدة عصبيته:
-أنا مروحتش البيت… وأمي زعلانة مني بسببها…وكنت عايز الاقي إجابات للأسئلة اللي في دماغي قبل ما اواجهها
نهضت “ميرال” وحفزته:
-أنت لازم تروح تجيبها اللي اعرفه أن خالها ده مش سهل ابدًا وكان في مشاكل بينه وبين باباها على ورث مامتها
هز رأسه يؤيد حديثها وقال باستماتة لا مثيل لها:
-محدش عارف نوايا خالها زي ويا ويله مني لو فكر يأذيها وعلشان كده مش عايزك تقوللها إني جيتلك انا مضمنش رد فعلها ولا عايز خالها يعمل احتياطه انا هروحلها وهرجعها بس لازم اعمل مشوار صغير اصلح بيه كل حاجة.
عادت “ميرال” من ذكريات أمس و تنهدت بعمق داعية لهم بسرها أن يجمع بينهم ثم نهضت كي تتوضأ وتؤدي فردها كما اعتادت مؤخرًا وهي تنوي بعدها أن تقضي اليوم بأكمله معه قبل عودتها لقصر أبيها فحقًا اشتاقت لأحاديثه ومشاكسته كثيرًا وتود أن تنعم بقربه أطول وقت ممكن قبل عودتها فهي لا تضمن رد فعل ابيها ولا تعلم ما ينتظرها هناك.
————————-
-لع ملوش لزوم تچيب حكيم هي هتبجى زينة هملها وانا هفوجها
قالتها “قمر” وهي ترى لهفته الصادقة وخوفه عليها بعدما حملها وصعد بها للغرفة التي تمكث بها…فقد وضعها على الفراش برفق وظل يهمس راجيًا وهو يكوب وجهها تارة وتارة أخرى يملس على شعرها:
-“نادين” ردي عليا…”نادين” فَتحي عيونك علشان خاطري..
زمجر “عبد الرحيم” غاضبًا من تودده لها:
-سَكر خشمك ده واتحشم و جوم من مُطرحك وهِم معايا لازمنًا نتحدت ليوجه نظراته ل “قمر” ويستأنف بغطرسة أمرًا اياها:
-وانتِ يا غراب البِين غوري چيبيلها كولونيا
هزت “قمر” رأسها بطاعة وطمئنت “يامن” بخفوت ما أن ولاهم “عبد الرحيم” ظهره وفي طريقه لمغادرة الغرفة:
-بركة أنك رچعت…متجلجش هتبجى كويسة وانا هبجى وياها
تعلقت عين “يامن” بها ثم مال عليها وقبل جبهتها قبلة مطولة وهو مغمض العينين وكأنه يتوسلها بها كي تستعيد وعيها ثم نظر ل “قمر” يوصيها عليها بنظراته واتبع “عبد الرحيم” حانقًا…وبعد دقائق قال “عبد الرحيم” بغطرسة وبنبرة متجبرتة ما أن اجتمع هو و”حامد “معه بأحد الغرف:
-چيت ليه يا غريب انت مش طلجتها وخُلصنا
-جيت علشان أخد مراتي
-ومين جالك إني هوافج يا غريب رچوعك ليها ده باطل وكان لازمنًا تكتب عليها من الاول ويكون في حضورها وحضور الولي عليها
زفر هو حانقًا، وظل يدور حول ذاته في محاولة بائسة منه للتحكم بأعصابه كي لايتهور ويحطم رأس ذلك المتبجح في حين تدخل “حامد” بعقلانية:
-لع ينفع يا بوي لو زي ما هو جال يبجى طلاجه منيها رچعي ويحِج ليه يردها من غير حتى موافجتها طالما لساتها في عدتها
استنكر “عبد الرحيم” وهو ينظر ل “يامن” نظرات حاقدة:
-ممصدجش أني الحديت ده اكيد وراه ملعوب منيه هو وامه
احتدت نظرات “يامن” نحوه ورد محذرًا بغضب أهوج وبنبرة قاطعة كحد السكين:
-إياك تجيب سيرة أمي انت فاهم …وبعدين ملعوب ايه اللي بتتكلم عنه أنت اخر واحد ممكن يتكلم عن الخطط والمؤامرات
وهنا طفرت نوايا “عبد الرحيم” على حديثه حين قال مندفع دون تفكير:
-أني عاوز الصالح ليها وابن خالها اولآ بيها وبمالها منيك
زمجر هو غاضبًا وركل الطاولة التي أمامه بقدمه ثم زعق بصوت جهوري رجت له حيطان المنزل وهو يكاد ينقض عليه لولآ إحالت “حامد” بينهم:
-اللي بتتكلم عنها دي مراتي وعلى ذمتي ومفيش حد في الدنيا اولآ بيها غيري وكلمة كمان قسم ب الله متلومش غير نفسك
حاول “حامد” ردعه بعقلانية وطولة بال:
-استهدى بالله يا چوز بت عمتي و رَوج ابوي ما يجصدش وأني متچوز ومرتك كيف خيتي تمام
صرخ “يامن” منفعل وعروقه نافرة من شدة غضبه:
-لأ يقصد ابوك راجل جشع وكان فعلاً عنده استعداد يجبرك ويجبرها علشان الفلوس وبس وفاكر أن فلوسها حق مكتسب ليه وان أي حاجة هي بتملكها هو احق بيها علشان في الأصل بتاعة اخته…وفكرة انه عايز مصلحتها دي كدبة حقيرة منه عمري ما صدقتها ولا صدقت حنيته عليها وكنت عارف نواياه من زمان
زاغت نظرات “عبد الرحيم” بتوتر بينما حزن “حامد” من حديثه بالسوء عن ابيه وباغت “يامن” بذلك السؤال الذي عبث بثباته:
-طالما حديتك صوح وكنت خابر اللي في ضميره طلجتها ليه وهملتها!
ابتلع غصة مريرة بحلقه وعجز عن الرد ليستغل “عبد الرحيم” الأمر بتبجح:
-بت خيتي مش لعبة في يدك يا غريب ويكون في معلومك هي مبجتش ريداك وهي اللي چت معايا بخاطرها عشان إحنا اهلها وناسها وكلمة ملهاش تنين بت “غالية “مهتخرجش من داري وغصب عنيك هطلجها وهتغور من إهنه
زمجر “يامن” غاضبًا وعقب على تهديده بنبرة تحمل أصرار وثقة لا مثيل لها:
-عشم ابليس في الجنة أنا مش هتحرك خطوة واحدة برة البيت ده غير ومراتي معايا ومفيش قوة على وجه الأرض تقدر تجبرني أطلقها
-بس أنا مبقتش عايزاك يا “يامن”
وهتطلقني زي ما خالي قال
قالتها هي بعدما استعادة وعيها ولملمت شتاتها ووقفت أمامه تستند على ذراع “قمر” تنظر له بشموخ وبرأس مرفوعه عاليًا تنم عن ثورتها، بادلها هو بأخرى مشدوهة معاتبة لا يصدق ما تفوهت به لتوها
هلل “عبد الرحيم” فرحًا بشماتة:
-يا فرچ الله أهي چت منيها وجالتلك مبجتش ريداك ياريت تغور وتحس على دمك
اعترض “حامد” على عجرفة أبيه:
-بكفياك يا بوي هَمل الراچل يتفاهم مع مرته وتعال معاي
استنكر “عبد الرحيم”:
-متجولش مرته
عاتبه “حامد” وهو يجذبه من يده كي ينصاع له:
-لع مرته بلاش تضلل نفسك يا بوي أنت حاچچ بيت رَبنا وخابر زين أنها لساتها مَرته
زاغت نظراته وظل على مكابرته ولكن مع محاولات “حامد” استطاع أن يجعله ينصاع له ويخرج معه بعدما أرسل ل “قمر” نظرة تفهمت المغزى منها وراحت تجلسها على أقرب مقعد وتهرول للخارج مغلقة الباب خلفها كي تمنحهم بعض الخصوصية
بينما عن صاحب الناعستين فقد دام تشابك نظراتهم وتحاكت بالكثير حين همس بخزي من نفسه قبل أي شيء:
-للدرجة دي كرهتيني يا “نادين”
نظرت له نظرة مطولة لم يتفهم مغزاها إلا حين أجابته بنبرة ثابتة يقطر العتاب منها:
-كرهت نفسي أكتر علشان صدقتك
تقدم منها وقال بصدق نابع من صميم قلبه وهو يجثو مقابل لجلستها:
-بس أنا عمري ما كدبت عليكِ وكل كلمة قولتها كنت أقصدها
حانت منها بسمة متألمة تفيض بالأسى وتهكمت وهي تتحاشى النظر لعينيه :
-أنت واحد كداب… وكل وعودك كدابة حتى الحب اللي عيشتني فيه وحاولت تقنعني بيه كداب زيك
هز رأسه وهو يحتضن كفوف يدها الباردة ويمرر ابهامه حول بنصرها يلحظ أنها نزعت دبلته التي وعدته ان لن تنزعها مهما حيت ليحتل الحزن ناعستيه ويستنكر إدعائها :
-مكدبتش أنا عمري ما بطلت أحبك أنتِ الحقيقة الوحيدة اللي في حياتي
تنهدت هي تنهيدة مثقلة بالكثير وقالت بسخرية مريرة وهي تنزع يدها نزع من بين يده وترشقه بنظرات قاتلة:
-صح بأمارة ما سبتني ورفضت تسمعني…وصدقت كلام الحقير عني…وشككت في برائتي مع انك كنت متأكد أنك أول راجل
اطرق رأسه وعجز عن الرد حتى أنه نهض و ولاها ظهره متهربًا من نظراتها فنعم هو لا يكذبها ولكن ماذا يفعل بتلك الهواجس والشكوك التي كانت تعصف به، لتستأنف هي:
-مسألتش نفسك ليه خليتك تقرب مني…
أدار رأسه لها و رفع ناعستيه يتأهب لأسبابها في حين صرحت هي بما كانت تأمل به:
-كنت هقولك بس كنت هموت وانا بتخيل إني ممكن اخسرك، وفكرت في كل الاحتمالات غير انك تبعد عني…قولت لو اتأكدت هيتشفعلي عندك وهيأكدلك أني عمري ما خُنتك… ولو حصل وخسرتك كنت هعيش على الذكرى دي طول عمري لتتناول نفس عميق نابع من حطام قلبها وتستأنف بنبرة مختنقة على حافة البكاء:
-بس أنت خذلتني…خذلتني…واتخليت عني في أكتر وقت أنا كنت محتجالك فيه… أنت وقفت تتفرج عليا من بعيد وانا بموت بالبطيء ومفيش حاجة اتشفعتلي عندك… وطلقتني لتتمسك مكان خافقها الذي يعتصر من شدة خذلانه لها وتضيف ودمعاتها تعصاها وتفر هاربة من سجن عيناها:
-طلقتني وكأنك عمرك ما حبتني ولا وعدتني بألف وعد أنك عمرك ما هتسبني…
حاول التبرير قائلًا بنبرة ممزقة وهو يقترب يحاوط ذراعها وعيناه تتوسلها لتتفهمه:
-كان غصب عني
صرخت به بأنهيار وهي تنفض يده وتهب من جلستها:
-مفيش حاجة اسمها غصب عنك أنت كنت اناني ومفكرتش غير في نفسك وفي كرمتك ومشغلتش بالك غير بأنتقامك مني ولا فرق معاك أن بمر بأيه من غيرك…
نفى برأسه مستنكرًا واقترب من جديد يكوب وجهها مدافعًا عن ذاته بعيون راجية يلتمع بها الدمع:
-“نادين” ارجوكِ اسمعيني اللي حصل مكنش سهل عليا ابدًا
نفضته عنها من جديد وقالت ودمعاتها تزف عتابها:
-ولا كان هين عليا بس الفرق بيني وبينك أنك انت كرامتك وكبريائك كانوا اهم مني
مرر يده بين خصلاته بعصبية وهو يشعر ببراكين ثائرة برأسه حين تذكر الأمر وعقب على اتهامها موضحًا دوافعه بنبرة متألمة مفعمة بخيبة الأمل:
-أنا طول عمري محاوط عليكِ وكنت فاكر إني كده بحميكِ… الهوا الطاير جنبك كنت بحسده علشان بيقدر يلمسك وأنا لأ ومكنش هين عليا اشوفك شبه عريانة و بين ايده…لتختنق انفاسه ويستأنف بإنهزام نابع من هشيم كبريائه:
– فكرة أن راجل غيري لمسك كانت هتجنني انتِ متعرفيش المشهد ده اتكرر في دماغي كام مرة من ساعتها انا عقلي كان هيتشل…هيتشل
كرر آخر كلمة وهو يضرب بكفوف يده على رأسه وكأنه يريد نفض ذلك المشهد اللعين الذي يعذبه عن رأسه، في حين غمغمت هي وجسدها يرتجف تتذكر ذلك الشعور اللعين التي مرت به وقتها:
-أنا مكنتش معاه بمزاجي هو خدرني وخطفني أنا كنت بستنجد بيك وقتها واترميت في حضنك…أزاي قلبك طاوعك تصدقه وتكدبني
فرت دمعاته تضامنًا مع انهيارها واقترب يكوب عنقها بكفوف يده هامسًا بقلة حيلة وهو يستند برأسه على جبهتها :
-لما قالي الكلام ده عليكِ في وقتها مكنتش قادر أميز او افرق والشيطان هيئ لي حاجات كتير وكل اللي كان في راسي وقتها أن كلامه منطقي… تعلقت بيده التي تكوبها وتراجعت برأسها تنظر لناعستيه الثائرة المغلفة بالدموع بنظرة مؤنبة زلزلت كيانه واشعرته انه المذنب الوحيد لذلك اضطرته يذكرها بفداحة أفعالها التي دفعت أفكاره لذلك:
-متبصليش كده … أنتِ كنتِ بتقابليه وانتِ على ذمتي، كنتِ بتعشميه وبتسهري وبتضحكي وبترقصي معاه وبتستغفليني…لتتهدل معالم وجهه بحزن مميت ويضيف:
-الفترة دي انا كنت بتمنى منك كلمة واحدة تريح قلبي وكنت بعمل علشانك المستحيل علشان ترضي عني كنت بتحمل طريقتك وعجرفتك وكرهك ليا اللي كان واضح اوي في عيونك وقتها ولما عرفت اسبابك عذرتك وسامحتك بس عمر ما جه في بالي بعدها أنك تتغيري وتحبيني وكنت حاسس دايمًا إني في حلم وهصحى منه على كابوس وعلشان كده لما قالي أنك كنتِ بتمثلي عليا الحب صدقته علشان أنتِ خذلتيني مرة وكدبتي عليا ألف مرة قبليها وأي راجل لو كان مكاني كان قتلك وقتله
جذبت يده عن عنقها ودفعته بصدره بأعصاب تالفة صارخة باهتياج من بين شهقاتها الحارقة التي لم تنضب:
-أي راجل غيرك مش أنت…اه غلطت وندمت…ندمت… وعارفة أن ده مش كفاية بس مش مبرر ليك علشان تصدق خيانتي وتتخلى عني أنا كبرت قصاد عينك واتربت على ايدك
كانت تتحدث ومع كل كلمة يتشنج جسدها وتلوح بهياج تطرق على صدره بكل قوتها مما جعله يحاول تهدئتها ويسيطر على حركتها بضمه لها بقوة زارعها كي تستكين بين جنبات صدره هامسًا تحت مضهها وتلويها بين يديه:
-أنا بعدت علشان مخسرش نفسي واعذبها بقربك انا بعدت مش جُبن مني لأ انا كنت عايزك تعيشي زي ما أنتِ عايزة من الأول الحياة اللي اختارتيها وبدتيها عليا وخليتك متحترميش كوني جوزك واستهترتي بيا وبكرامتي وفضلتي عليا راجل تاني…هتقوليلي انت متأكد من عفتي هقولك فعلًا انا متأكد من عفتك بس عمر العفة ما كانت بالشرف بس يا “نادين” أنتِ خلتيني كرهت نفسي وكرهت قلبي اللي حبك و وثق فيكِ كان كان عندي استعداد اغفر أي حاجة إلا دي صدقيني كان صعب عليا استوعب كل ده وارجع أنت قتلتيني يا” نادين” قتلتيني
قال حديثه دفعة واحدة بنبرة ممزقة متألمة وهو يشدد على عناقها بقوة رافض تركها حتى حين تهدلت قدميها وخارت بها انزلق معها، فكانت تنتفض وتتلوى بين يديه بهستيرية جعلته يتمتم معتذرًا وهو يحاول جاهدًا تهدئتها:
-اهدي…حقك عليا…حقك عليا يا “نادين” انا مش هسيبك تاني ابدًا
همست بقهر من بين شهقاتها دون أن تستسلم لعناقه:
-طالما انا بشعة كده رجعت ليه بعد كل ده يا “يامن”… رجعت ليه؟
أجابها بصدق نابع من صميم قلبه الذي مازال ينبض من أجلها و هو يعتصر عيناه و يرتكز بشفاهه يقبل قمة رأسها، يحاول جاهدًا تثبيت جسدها بحركات حانية يأمل منها أن تستكين بين يده كسابق عهدها:
-علشان بحبك وعمري ما عرفت اكرهك ويعلم ربنا أني كنت بحارب كل ذرة فيا علشان ارجعلك…أنا لملمت اللي فاضل مني ورجعت دورت على الحقيقة اللي رفضت اسمعها منك وعرفتها وبعترف إني كنت غبي لما رفضت اسمعك وقتها بس وقتها الشيطان عماني ومكنتش شايف غير خيانتك قدامي وصورتك مع الكلب ده قصاد عيني ليتناول نفس عميق من عبقها ويستأنف بإنهاك:
-انا كنت مش باكل ولا بنام ولا عارف حتى اتنفس وانا بعيد عنك وكل حتة في جسمي كانت بتعاندني حتى لما قررت اسافر برة البلد رجعت من المطار ومقدرتش ولقيت نفسي بعدها بروح لكل مكان جمعني بيكِ… ليتنهد بحرقة جثت على صدره ويضيف بأنفاس خافتة :
-كنت بعاند وبكابر لغاية ما شوفتك يومها هناك حسيت إني مهما حاولت ابعد روحي متعلقة بيكِ وبوجودك جنبي…سامحيني
وخلينا ننسى ونرجع لبيتنا ونبدأ من جديد
استكانت بين يده وكانت تستمع له بهدوء مريب استغربه كثيرًا بعدما هدأت شهقاتها وتوقفت عن البكاء فظن أنها تفهمته واقتنعت بأسبابه ولكن هي كعادتها خيبت كافة أماله وفاجأته حين قهقهت بجنون وبكامل صوتها بين يديه ودفعته عن جسدها وهي تتعمد أن تذيقه مّر ما أذاقها فقد هبت واقفة وابتعدت عنه راشقة أياه بعيون دامية وبنظرات مستنفرة بعدما أزاحت بأناملها دمعاتها عن وجهها قائلة بنبرة قوية لا تضاهي انهيارها وضعفها السابق:
-نرجع… وننسى…أنا مش هرجع معاك ولا هتحرك من هنا أنت عمرك ما اهتميت بأسبابي وانا كمان ميهمنيش اسبابك ومفيش حاجة في الدنيا هتقدر تنسيني اللي عملته فيا
ذلك آخر ما تفوهت به تاركته يقف مشدوهاً بملامح واجمة وعيون حزينة نادمة ينظر لآثارها.
—————–
استغلت تواجد ابنائها بالمدرسة وذهبت لشراء احتياجاتها من الطعام بأحد المجمعات التجارية الضخمة، وأثناء سيرها ودفعها لعربة المشتريات لمحت تلك السيدة العطوف تقترب منها وتقول بود:
-ازيك يا بنتي
ابتسمت “رهف” وردت بأدب:
-الحمد لله يا طنط
-والولاد عاملين ايه؟
-كويسين الحمد لله…حضرتك صحتك عاملة ايه؟
-الحمد لله نحمد ربنا
أومات “رهف” ببسمة هادئة وقالت وهي تسير برفقتها تستأنف لملمت ما يناسبها:
-ربنا يديكِ الصحة ياطنط مبسوطة إني شوفتك
اجابتها “كريمة” ببسمة بشوشة مستفيضة بكل اريحية:
-انا اللي حظي حلو النهاردة إني شوفتك بصراحة كُنت زهقانة وقولت انزل امشي رجلي أصل مش بالعادة اجيب الطلبات دايمًا “نضال” اللي بيجبها
وبصراحة قولت اشيل عنه
تنهدت بضيق عند ذكره وتذكرت حديثه الصائب الذي اخجلها من ذاتها..لتبتسم بمجاملة كي تمرر الأمر وباشرت انتقاء مشترياتها بعناية ادهشت “كريمة” وجعلتها تتساءل:
-بسم الله ما شاء الله عليكِ يا بنتي دقيقة اوي في اختياراتك شكلك ست بيت شاطرة
اجابتها “رهف”:
– اكيد يا طنط مش عندي اطفال وبصراحة مش بحب استسهل واجيب الأكل الجاهز من برة
-وبتلاقي وقت تطبخي يا بنتي ليه مش بتخلي البنت اللي بتساعدك تطبخ هي
هزت “رهف” رأسها بنفي واجابتها بعفوية وبشيء من التحفظ مازالت متمسكة به:
-انا اتعودت انا اللي اعمل كل حاجة لولادي وعلشان كده بطبخ من بليل
لتبتسم” كريمة” بأعجاب قائلة:
-جدعة يا بنتي ….ربنا يقويكِ على ولادك ويجبر بخاطرك
تنهدت “رهف” وقالت بإمتنان لتلك السيدة العطوف وهم في طريقهم لدفع قيمة مشترياتهم والخروج :
-كنت محتجاها جداً الدعوة دي مرسي اوي يا طنط
-شكلهم تعبينك مش كده
-هما تعبني بس على قلبي زي العسل أنا مليش غيرهم وعايشة علشانهم
-ربنا يحفظهملك…
أمنت “رهف” على دعواتها واقترحت بود وهم بطريقهم للخارج:
-لو حضرتك معكيش عربية تعالي اوصلك معايا
-لو هتوصليني يبقى انا عندي طلب ونفسي متكسفنيش
-تحت امرك يا طنط
-هاتي الولاد وتعالوا اتعشوا معايا
زاغت نظرات “رهف” وحاولت التملص من طلبها قائلة بحرج وبتهرب من السبب الحقيقي لرفضها:
-مش عايزه اتعب حضرتك
و…
-“نضال” مش في البيت عنده نبطشية وهيرجع الصبح وانا مش بحب أأُكل لوحدي ونفسي متكسفنيش أنتِ كنتِ وعداني بزيارة من زمان
اصابها احراج شديد من إصرارها لا والأنكى أن تلك السيدة تفهمت ما يدور برأسها ومنحتها اجابات وافية دون سؤال منها وذلك الشيء اشعرها لسبب ما بالراحة فما كان منها غير أن توافق وتنصاع لرغبتها.
————–
جلس وحيد بغرفة مكتبه يطالع كومة الأوراق التي أمامه بنظرات خاوية فاقدة للشغف فمنذ حديث ابنته له وتركها له وهو يؤنب ذاته على حصاده الحقيقي الذي لم يثمر عن شيء سوى تلك الثروة الهائلة التي ظل يجمع بها طيلة حياته من أجلها وهو يظن أنه بذلك يمنحها ويؤمن لها كل سبل الحياة فقد اكتشف اخيرًا أنه كان مُقصر بتربيتها و أن أولوياته السامية بغير محلها فياليته زرع شيء آخر كان حصاده أنفع من تلك الوحدة الموحشة التي أصبحت تحاوطه الآن ولطالما كان يتخوف منها.
-تأمرني بحاجة يا بيه.
انتشله من شروده وحالة الجمود التي أصبحت تتلبسه صوت الخادمة الوحيدة التابعة ل “دعاء” وقد ابقتها في القصر بحجة أنها تثق بها ثقة عمياء…
تحمحم هو يزيح البؤس من صوته وأجابها:
-لأ…تقدري تمشي
لتعقب الخادمة مدعية أسفها:
-على عيني يابيه بس أمي بعافية ولازم أبيت الليلة معاها إن شاء الله الصبح بدري هبقى هنا
هز رأسه بلا مبالاة، لتضيف هي:
– الست “دعاء” بتبلغك انها اختارت طقم خدم جديد للقصر وهيبدأو شغل من بكرة.
لتمصمص فمها وتثرثر بنفاق:
– والله الست “دعاء” دي ست الستات وبتحبك يا بيه دي ناعية همك حتى وهي بعيد دي كل نص ساعة تتصل بيا تسألني عليكِ وقلقانة على جنابك
تأفف “فاضل” بضجر:
-خلاص…مش عايز كلام كتير واتفضلي بقى متوجعيش دماغي اكتر من كده
لوت الخادمة فمها وردت بطاعة:
-حاضر يا بيه انا هتوكل على الله
لوح “فاضل” بلامبالاه لتغادر الخادمة وتقوم بمهاتفة “دعاء” تخبرها أن هيئت كل شيء كما خططوا لتحقيق مكيدتهم الغادرة.
—————–
كانت مرتبكة في بادئة الأمر فهي لم تعتاد بسنوات زواجها على الأختلاط بأحد ولذلك كانت اعصابها مشدوده تتحدث بتحفظ وأقتضاب شديد ولكن عندما مر بعض الوقت وعندما استشعرت طيبة “كريمة” وعدم تكلفها معها ارتخت اعصابها وتعاملت بإريحية أكثر وخاصًة عندما اخبرتها انها كانت على معرفة وطيدة بزوجة عمها بحكم جيرتهم وحتى انها كانت تتبادل الزيارات معها قبل وفاتها فقد استفاضت معها بالكثير وهم يتناولون العشاء سويًا وإن انتهوا ساعدتها “رهف” في ضب السفرة وغسل الأطباق رغم أعتراض “كريمة” ولكنها أصرت، لتقوم “كريمة” بعمل كوبين من الشاي حين انتهت وجلسوا سويًا أمام التلفاز برفقة اطفالها الذي كانوا منشغلين باللعب على ذلك الجهاز الحديث الذي يُشغل الألعاب فكانوا يهللون صانعين ضجة و ونس بالمنزل جعل “كريمة” سعيدة للغاية بوجودهم ولتلك الروح التي منحوها للمكان فكانت تطالعهم بنظرات حانية للغاية اثناء لعبهم حين قالت “رهف” بحرج شديد تنبه الأطفال:
-ياولاد عيب كده وطوا صوتكم لتوجه نظراتها ل “كريمة” وتستأنف:
-آسفة يا طنط على الدوشة بس حضرتك اللي اصريتي تشغليلهم Play Station
اجابتها “كريمة” مستنكرة قولها بود شديد:
-ابدًا يا بنتي بتتأسفي ليه والله ده انا فرحتي بيكم متتوصفش
عملتوا للبيت حس
لتتنهد وتسترسل بعفوية:
-وبعدين سبيهم يلعبوا براحتهم عارفة لو كان “نضال” هنا…
فركت “رهف” يدها بتوتر لسيرته وقاطعتها:
-اكيد كان اضايق
لوت” كريمة” فمها ببسمة بشوشة تشابه خاصة ولدها ثم استطردت متهكمة:
-يضايق…ده كان قعد لعب معاهم وعمل دوشة اكتر منهم… ما هو المخروب ده بتاعه اُمال انتِ فاكرة ايه؟
كبت “رهف” بسمتها بأعجوبة وقالت بجهل:
-قولت يمكن بتاع حد من ولاده…
تنهدت “كريمة” بحزن واسترسلت بعفوية تستفيض معها:
-ابني ربنا ما كرمهوش بولاد
وقعد سنتين متجوز ولما مراته عرفت أن العيب منه والعلاج بتاعه هيطول زهقت و طلبت الطلاق.
مهلًا الأن أدركت فداحة كلماتها وأثرها عليه لتغمض عيناها بقوة تلعن غبائها وتسرعها فهي دون أن تقصد جرحته بحديثها، يا الله بكم اعتذار أصبحت مدينة لذلك ال “نضال”…حاولت أن تظبط ردود افعالها و نظرت لها لا تعلم بما ترد أو تجيب غير:
-ربنا يعوضه خير يا طنط…
ربتت “كريمة” على يدها قائلة ببسمة حانية مفعمة بالأمل:
-ربك كريم يا بنتي وقادر على كل شيء
أبتسمت “رهف” بسمة هادئة وهي تداري شعورها بالخزي واستفاضت بحرج:
– هو الدكتور قالك إني
قاطعتها “كريمة” بفطنة:
-قالي يا بنتي
-بصراحة أنا كنت قليلة الذوق معاه اوي وحاولت اعتذرله بس هو…
قاطعتها “كريمة” ببسمة عطوف متفهمة:
-“نضال” قلبه ابيض وبينسى بسرعة وإذا كان على العيادة هو قالي انه هيشوف شركة تانية تنفذها
ترجتها هي بشيء من الارتباك:
-لأ ارجوكِ يا طنط تكلميه “سارة” من يوم اللي عملته معاه وهي مضايقة مني وبصراحة انا غبية مكنش لازم اقول اللي قولته ده هو كان كلامه صح وجهة نظره اقنعتني وخلتني عايزة اشارك و انفذها
تنهدت “كريمة” وهزت رأسها قائلة:
-يبقى تقوليله الكلام ده بنفسك وهو اكيد مش هيكون عنده اعتراض
كانت تخفي خلف حديثها نية مسبقة تنم عن امنية بعيدة تعلم أن ولدها لطالما طمح بها، ولكن بالطبع “رهف” كانت غافلة عنها تمامًا لذلك قالت وهي تتنهد بقوة تحاول استجماع شجاعتها لفعلها:
-هكلمه بس على ضمانتك مش هيحرجني
نفت “كريمة” برأسها بثقة لتبتسم “رهف” وتستأذن منها بأدب بعدما شكرتها كثيرًا قبل أن يفاجئها الصغير قائلًا:
-مامي هو ينفع ابقى اجي ألعب مع “نضال” Play Station
زجرته “رهف” بنظراتها وعاتبته:
-عيب كده من امتى بننده حد كبير بأسمه
دافع الصغير برأس منكسة:
-هو اللي قالي ان “نضال” مش شتيمة وينفع اندهله بيها
هنا قهقهت “كريمة” قائلة:
-يوه سبيه يا بنتي هو “نضال” كده ميحبش الشكليات والرسميات وبيتعامل بعشم وشايل التكليف مع الناس كلها
-بس يا طنط…
-من غير بس وابقى خلي الولد يطلع في أي وقت متقلقيش عليه ده هيبقى في عيوني وبعدين بلاش حساسية زايدة انا زي امك
هزت “رهف” رأسها بحركة بسيطة ورغم سيرته واعتقادها السابق أنه يتطفل على حياتها إلا أنها شعرت براحة غريبة لتلك السيدة العطوف التي بررت دون قصد أفعال ولدها وجعلتها تتفهم كونه لا يفعل معها ذلك عن قصد.
—————–
أما عن ذلك الجشع صاحب الأطماع المتوارية فمازال الشيطان يغشي على عينه وقد اقسم أنه لن يقف مكتوف الايدي ويدع ذلك الغريب كما يدعوه أن ينتصر عليه لذلك زعق بصوت جهوري على أحد الغفر:
-أنت يا “حسان” يا جَالوس الطين
هرول “حسان” له قائلًا بطاعة وبأنفاس متلاحقة :
-انا چيت أها يا بيه اؤمرني
رشقه “عبد الرحيم “شذرًا وأمره بغطرسة:
-حضر العربية هنطلع الچبل
تسمر الغفير من ذلك الأمر العجيب المحفوف بالمخاطر الذي أخبره به سيده ولم يحرك ساكنًا لينهره “عبد الرحيم” جاعله ينتفض بوقفته:
-هِم يا چالوس الطين جبل العتمة ما تحل
إنصاع له مضطر وهرول من امامه بينما هو جلس يرتكز بذقنه على عصاه الآبنوسي ثم هدر بنبرة تقطر بحقد دفين:
-أنت اللي چيت لجضاك يا غريب…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية خطايا بريئة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى