روايات

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الثلاثون 30 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الثلاثون 30 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء الثلاثون

رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت الثلاثون

رواية بنت المعلم
رواية بنت المعلم

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة الثلاثون

مقدمة تعريفية بما أن ظهر شخصيات جديدة قريب :
-أولاً المعلم سالم أكبر أولاد الحاج عثمان سويلم (متجوز من صباح ونادية ونجاة .. بناته بالترتيب:
1- هند = طليقة أحمد ابن عمتها
2- مها = زوجة مرتضى
3- خيريه
4- مروه
5- أمل= خطيبة سفيان
6- رحمه = خطيبة علاء ابن هانم
7- حسناء= خطيبة يعقوب
-ثانياً جابر متزوج من زينب وأولاده:
سالم على اسم عمه تقديرًا ليه = متجوز نيره
خلود = خطيبة أكرم
مي = زوجة ربيع رشدي مطاوع
-ثالثاً عبده متجوز رحاب وسحر ، أولاده:
سالم = متجوز ندى
محمود = متجوز مياده
سمر وتوأمها سعد = متجوز سميه عزيز الجبراوي
-دولت الأخت الأولى للأخوة الثلاث متزوجة صبري أولادها:
أحمد طليق هند وحالياً اتحبس
ريهام
معتصم
-حنان الأخت الثانية متجوزة إبراهيم الخولي واتوفت من فترة طويلة، ابنها الوحيد يونس الخولي
-عزيز الجبراوي متجوز حسنيه :
يعقوب = خطيب حسناء
علي = متجوز بنت عمه منال
عبدالله= متجوز ميمونه أخت منال
مايسه = زوجة شريف
فايزة = زوجة سليمان
سميه = زوجة سعد
-عامر الخولي ليه أخت واحده هاجر وابن عم يونس : حالياً مستني البيت الجديد وبيته هيرجع ملكيته لي ممدوح ابن عباس العمدة القديم واللي عز قتله، ودا لأنه اشترط على المعلم سالم يرجع البلد مقابل أنه يعرفه مكان مرات عز اللي هي ليلى
-عبدالخالق سويلم وأخته هانم اللي أولادها:
محمد = خطب ريهام بنت دولت
ضياء = خطب ساره أبو الفضل
علاء = خطب رحمه
وحسام وفادي
-سفيان وطلال وهيفاء ولاد عادل اللي اتوفى وكلنا عارفين ليه
-مرتضى وخليل وتغريد من أسرة واحدة عشان منتلغبطش في أسامي حد
-ربيع رشدي مطاوع زوج مي جابر وعنده أربع أطفال من زوجته المتوفيه، ومؤمن أخوه عشان لو أتذكر تكون فاكرين اسمه
-موسى الأحمدي والدته كوثر اتجوزت من محمد الصفواني والد عليا يعني عليا وموسى مش أخوات لكنهم اتربوا مع بعض
-وأخيراً العيلة الكريمة آل عزب :
أولا منصور عزب ودا اللي انتحر، أولاده:
عز كان متجوز بنت عمته هاديه وأولاده زياد ويزيد واتوفت ومتجوز ليلى ومخلف لوجينا
سيف قصته معروفه أكيد
-ثانياً هاديه ولسا مختفيه لكن ظهر ليها كام مشهد مع حد قريبها وهو دا الشخص اللي اخدها من المستشفى أولادها:
أماني زوجة عز
عمر
( تقريباً دول كل الأشخاص اللي مهمين معانا + في خديجة ودي البنت اللي عمر ساعدها تهرب من عز لما كشفوا أنها بتنقل الاخبار لي سالم جابر + وأكيد لازم نفتكر منير لان قصته لسا مكملة معانا ولحد الآن مقابل الفلوس قرر يعترف ويشيل قضية يعقوب، سوزي زوجة طلال ونسرين وإصرارها على حبها، رنا عايشه في عالم موازي، وأكرم مستني يرجع من استراليا يكتب الكتاب وياخد خلود ويسافر، وأيمن مختار لسا مكمل في إثبات إخلاصه للمعلم سالم )
دا لأن في ناس بتتلغبط من الأسامي وبيتوهوا حتى بعد ما وصلنا لنص الجزء الثاني،
؛*********
الفصل الثلاثون (30):
إن الله قد خلق لكل روح من الأرواح روحًا أُخرى تُماثلها وتُقابلها وتسعد بلقائها وتشقى بفراقها.
_المنفلوطي
؛*******
تهجم وجه عليا وهي ترى الاتهام المصوب إليها في نبرة موسى، لم تتمهل وأجرت اتصال وهي تفتح مكبرات الصوت أمام كوثر وموسى …. ردت ريم بصوت ناعس اختفى عندما صاحت عليا بغيظ:
أنتِ مين سمحلك تفتشي في فوني بدون اذني ؟؟!
لم تنتظر إجابتها وصاحت بانفعال:
لا وكمان كذابة ومصدقة نفسك
: عليا في ايه ؟؟ مش فاهمه بتتكلمي عن ايه !!
اجابتها بغضب قبل أن تغلق المكالمة :
اوكى ياريم كدا صداقتنا قفلت ومش عايزه أشوفك في بيتي، وحالاً هبلغ أمن الكمبوند ممنوع يدخلوكي عشان تحوري على عليا الصفواني كويس
عندما أغلقت المكالمة سألتها كوثر بحده طفيفة:
هو دا دلوقتي الحل ؟؟
حركت عليا كتفيها بلامبالاة وهي تردف ببرود :
آه اتحل من وجهة نظري
تطلعت إلى موسى وهي تستكمل بتفكير :
وأنا هكلم هند وأقولها أنها أخدت الرقم مني من غير ما أعرف وكل الكلام اللي قالته كذب
حرك رأسه نافياً ونهض مردد بوجوم:
لا محدش يكلمها
جالت بنظرها مع خطاه تجاهد في ملاحظة تعابيره المقتضبة، هدوء لم تتوقعه في ذلك الوقت لذا شعرت أنه لا يبالي بالأمر من الأساس، لكن نظراته القاتمة وقسمات وجهه الحادة تدل على غير ذلك ..
: عمري ما توقعت كدا من ريم أبدًا
همست عليا تؤيد حديثها :
وأنا كمان يا مامي مفكرتش أنها تتجرأ للدرجة دي
حاولت كوثر التهوين عليها وهي تقول بحنو :
متزعليش حبيبتي أنا عارفه أنها أقرب واحدة ليكي، وبكره تنسوا وترجعوا تاني
احتقن وجه عليا وهي تردف بحده :
؛ impossible
أقرب من بنت تفكيرها شرير كدا !! أكيد لا حتى لو فضلت وحيده من غير صحاب
أرادت كوثر تغير الحديث فسألتها مستفسرة:
فين زياد ويزيد ؟؟ أكلم الدادة تشوف بنوته تيجي تقعد معاهم لحد ما يسافروا مع عمر ؟؟
انكمش بين حاجبيي عليا وهي تقول ببسالة :
لا طبعًا أنا معاهم وهاخد بالي منهم
وقفت وهي مسترسلة بحماس :
مش أنتِ قولتي لازم اتعلم أعمل كل حاجه بنفسي
حركت كوثر رأسها وهي تبتسم بحب، من يتوقع أن عليا الفتاة المدللة تخرج من حياة الرفاهية الزاهية بكامل إرادتها… ربما ظروف عمر ليست مثالية إليها، ولكنها لا ترى سوى أن عمر الشاب المثلي إليها،
؛*******
فتح عامر عينيه بعدم تصديق وهو يحدج يونس الذي قال مبتسمًا:
أخيرًا شوفتك قبل ما أسافر
تمتم عامر بذهول والصدمة مازالت طاغية على وجهه :
أنت بتعمل ايه هنا ؟؟
وضع يونس المنشفة على حافة المقعد :
يا سيدي شوقتني بكلامك وحكاياتك عن العيلة الكريمة ومحستش بنفسي غير وأنا جاي على هنا
قطب عامر جيبنه باستغراب وسأله بتعجب:
لا يا شيخ ؟؟ وليه مقولتش ولا حتى اتصلت ؟!!
: قولت هشوفك أول ما أوصل
بدأ الاستيعاب يحل محله وهو يهدر باستهجان:
بالبساطة دي وفين كلامك أنك عمرك ما فكرت تيجي هنا
انكمشت قسمات وجه يونس متسائلاً باستنكار:
مالك مضايق ليه ؟؟
رفع عامر حاجبيها بدهشة ثم غمغم بسخرية بالغة:
لا أبدًا خلتني أكذب على الراجل بكل ثقة، ومع إني اتحيلت عليك تيجي معايا مرة واحدة ألقيك هنا فجأة
لم ينتظر سماع تبريره وغادر بعجلة، حمد الله أن المعلم سالم عاد إلى الداخل فلن يستطيع الوقوف أمامه بعد كذبته إلا عندما يتأهب لرد يوضح به موقفه …
؛**********
في نفس الوقت جلست مايسه تبكي أمام والدها، تترجاه أن يتركها معهم وتسافر بعد يوم الجمعة كي تذهب مع يعقوب لاختيار الذهب … شاهدها يعقوب وهو يضع يده أسفل ذقنه متأملًا صياحها بملل، بينما شرحت والدتها أن وجودها لن يكون مهمًا لأن يعقوب سيذهب وحده لاقتصار المناسبة إلى أقصى حد ..
: يعني ايه يروح لوحده هو مقطوع
رد عليها عزيز بحنق :
محدش رايح ريحي نفسك
اضافة حسينه بهدوء :
يا بنتي عمك سالم هيجيب دهب رحمه وباقي دهب أمل ودهب خطيبة أخوكي كله في يوم ومحدش رايح غير العرسان
نظر شريف إلى مايسه منتظر أن يجد آخر تلك المناحة، التي لن تنتهي إلا بما تريده كما تفعل كل مرة … لكن رده الآن لم يسبق منه إذا أصرت على عدم سافرها، قد طفح الكيل ونفذ صبره من تيبس رأسها فقال بحزم ينتهي ذلك الجدال:
حتى لو حد رايح مش هينفع تستني لأننا لازم نسافر
أشارت إليه بلا اكتراث وهي تردف بلامبالاة:
مش مشكلة سافر وأنا وأجي بعدك عادي يعني
رد عليها شريف بصرامة:
لا مش عادي وهنسافر كلنا بكره
كادت أن تفتح فمها فصاح عزيز بحده :
مش عايز اسمع صوتك وقومي حضري الشنط
ضغطت مايسه على شفتيها بغيظ ونهضت بتبرم وهي ترمق شريف بسخط …. تطلع علي إلى يعقوب وسأله باهتمام :
كلمت المحامي انهارده ؟؟
أومأ يعقوب وردد بقلة حيلة :
الجلسة كمان اسبوع وبيقول ممكن يكون في كفالة
: محددش قد ايه ؟؟
حرك رأسه نافياً فقال عزيز بكدر :
كفالة وبناية بيت وشهريه وفلوس دهب ولا كأننا قعدين على بنك
واسترسل وهو يحدج يعقوب :
شيل فلوس دهبك أنا مش هلاحق على اللي بيطلع من تحت الأرض كل شويه
رفع يعقوب حاجبه متسائلاً باستنكار:
أي فلوس بتدخل المحجر بتيجي الدرج جوه، أنا أجيب فلوس منين ؟؟
رد عليه بتهكم :
زي ما حوشت واشتريت أرض باسمك، طلع من اللي حوشته وادفع لبنت سالم
واستطرد بنبرة ساخرة جعلت يعقوب يدرك وضعه :
ولا بتشيل عشان تبني بيتك
ابتسم بهدوء وهو يشير على إخوته:
أشيل ولا أحوش ولا حتى أصرفهم في الهوا، أنا باخد زي أخواتي كل أول شهر مبلغ، وأي فلوس تانيه بتكون معاك يابا
استكمل برزانة وهو يقف مستعد للرحيل :
ولا عمري طلبت فلوس ولا اعترضت إني باخد زي علي وعبدالله مع أنهم مش شغالين نصي، وعلى العموم ربنا يطول في عمرك ويبارك في صحتك ونفضل عايشين في خيرك يا حاج
لحقه شريف للخارج بعدما استأذن من عزيز، الذي احتقن وجهه بضيق من تدهور علاقته بابنه .. لا يعترض على زيجته ولكن فكرته في الانعزال عنهم والمكوث في منزل منفصل تجعله يتعامل معه بجفاء ليتراجع عنها،
؛*********
في الصباح الباكر انبعث من المطبخ رائحة مخبوزات شاهيه، امتازت بها ناديه التي تتفنن في صنعها بكل أنواعها.. بعد آخر صينية خرجت من الفرن الكهربائي، سكبت كوب الشاي ونقلت بعض الفطائر والمعجنات داخل الأطباق… حملت الصينية ودلفت إلى الغرفة قائلة:
الفطار يا أبو هند
أغلق الدفتر الذي كان يقرأه، ووضع النظارة الطبية جانبًا يفسح إليها المجال لوضع الصينية:
تسلم ايدك
: تسلم من كل شر
جلست أمامه تنتظر أن يأكل فسألها باستغراب:
مش هتفطري ؟؟
ابتسمت وهي تردف بضيق طفيف:
الرجيم مش مكتوب فيه الأكل دا
قدم إليها قطعة من الفطائر:
كُلي يا ناديه وسيبي الكلام دا لبناتك
أخذت منه القطعة وهي تهتف برجاء :
مصدقت يعدي أسبوع ومش عايزه استسلم لنفسي
ضحك بخفة مغمغمًا بدهشة :
تستسلمي مرة واحده
لم تكبح فضولها أكثر، وتسألت بتلجلج :
أنا مش قصدي أتدخل بس مروه قالت أنك طلعت عند نجاة وبعدين نزلت عندي، هو في حاجه ؟؟
رد عليها باقتصار لم يفيد فضولها :
طابق على نفسك ممكن أمشي
حركت رأسها بالنفي وهي تتمتم :
لا يا خويا دا أنت منور الدنيا عليا
عم السكون دقيقتين يتناول وجبته في هدوء … لا تملك الوقت الكافي لإيجاد إجابات أسألتها قبل يوم الجمعة، وانتظارها للدقيقتين دون أن تتحدث كلفها جهد كبير :
هي رحمه هتجيب بقد ايه دهب ؟؟
أجابها بلا اكتراث:
١٠٠ ألف
جحظت أعين ناديه وهي تصيح بصدمه:
ايه ١٠٠ ألف بس دول يجيبوا ايه، دا اللي عندها قد الفلوس دا يجي خمس مرات
رد عليها بضيق طفيف:
وطالما عندها ايه لازمك تاني
: اللي لازمني أن بنتي تتقدر ويعرفوا هما بينسبوا مين
ضحك بسخرية قائلاً بصرامة:
مش برده أنتِ فضلتي تزني عشان الجوازة تكمل
ضغطت ناديه على شفتيها تعلم أنها لن تأخذ منه ما تريد ولن تغير رأيه إذا قرر، فهتفت متسائلة بكدر :
وحسناء هيجيلها قد ايه ؟!
: اللي هتختاره هيسحبوا عليه
ترك كوب الشاي من يده ونهض يبدل ثيابه، ويرحل من أمامها قبل أن يفقد صبره، لكن هدوئه وسلاسته وهو يخبرها بالفرق بين الاختين جعل ناديه تشعر بالغضب من الاستهتار بابنتها ولكنها لا تملك الجرأة والشجاعة لتخبره بشعورها … فوقفت خلفه تتساءل باستنكار:
واشمعنا رحمه هي اللي يتحددلها مبلغ ؟!
حدجها بحده دون أن يرد على حديثها الساذج، ثم تحرك لخارج الغرفة دون أن يكمل تبديل ثيابه…. خرجت خلفه وهي توضح سبب انفعالها، وجد رحمه تجلس مع أمل على مائدة الإفطار فسألها باقتصار وهو يشير إلى ناديه :
والدتك معترضة على مبلغ الدهب وشايفه إني ظلمتك، وكنت عايز أعرف رأيك ؟؟
تطلعت رحمه إلى والدتها وهي تقول بتعلثم:
أنا مش فارق معايا دهب
أشار المعلم سالم إلى ناديه، التي أردفت باستغراب:
وليه مش فارق معاكي !! مش زي البنات أنتِ
انكمش بين حاجبيي المعلم سالم وهو يهدر بحده :
أنا مش فاهم ايه سر اصرارك على ابن هانم
استكمل وهو يرمق رحمه :
بنتك هتعرف تساير هانم، دا انتوا عملتوا رباطيه عليها ومقتدرتوش تستحملوا يومين ما بالك بعيلة من دور ولادها
لم يتمهل لاستماع الإجابة وسأل رحمه بهدوء :
هتقدري يا رحمه تبعدي عننا ؟؟ هتعرفي تعيشي وأنتِ لوحدك ؟!!
خمن إجابتها قبل أن تتفوه ولكنها صدمته عندما خيبة حسه وقالت برجاء :
لو سمحت يا بابا بلاش ترفضه
نظر إليها بثبات يتفحص تعابيرها المضطربة لثوان .. لهذا الحد تريد الابتعاد !! أم أنها لا تدرك ما هي قادمة عليه ؟!
ربما شعورها بالسعادة لأنها العروس جعلها تقفد صوابها!!،
شعرت رحمه بالارتباك من نظراته، وظنت أنه سيثور لا محال وتقع تحت بطشه … سرت رعشة ضربت أوصالها عندما طلب من ناديه وأمل أن يتركوهم بمفردهم، تيقنت أنها اقترفت خطأ عندما صرحت بتمسكها بـ علاء… سحب المعلم سالم مقعد مجاور إليها وجلس وهو يسألها بهدوء ونبرة حنونة :
أنا حرمتك من حاجه قبل كدا ؟؟
رفعت عينيها ترمقه وهي تحرك رأسها بالنفي، فعاد يسألها مستفسرًا:
شايفه إني ظلمتك رغم كل التصرفات اللي أنتِ عملتيها ؟؟
همست بصوت مرتبك بعض الشيء:
خلاص يا بابا لو عايز ترفض علاء مش مشكلة
انكمشت قسمات وجهه باقتضاب وردد بسخرية بالغة:
شوفي أنا بقول ايه وأنتِ بتفكري في ايه
واسترسل بلا اكتراث:
مفيش مشكلة اتحملي اختيارك عشان ميجيش وقت وتقولي أنت السبب
أخفضت رأسها دون أن تُعقب، فكان صمتها خير إجابة على إصرارها… من عادته إحضار هدية عند خطبة إحدى الفتيات أو شباب العائلة ويترك إليهم الاختيار، أخبرته أمل وحسناء عن هداياهم ولم يتبقى سواها فسألها باقتصار:
أخواتك كل واحده اختارت هديتها
قاطعته بعجلة مردفه بحماس :
وأنا أخترت طقم دهب عاجبني
أمسكت هاتفها تخرج صورة طقم الذهب الذي وضع بجانبه ثمنه الباهظ … فنظر إلى تصميمه العتيق وقال بتهكم :
عايزه طقم دهب بـ ٢٥٠ ألف هدية خطوبة، اومال لو كان بيهمك الدهب كنتي طلبتي سبيكة بقا
استكمل حديثه برزانة لم تفهما رحمه :
أخواتك الاتنين طلبوا حاجات بـ ٥٠٠ج وهما أحرار مش بقارنك بيهم بس لازم أعرفك، ثانيا عشان أنا اللي مديكم حرية اختيار الهدية هجبلك اللي أنتِ اختريته بعد ما أخد الـ ١٠٠ ألف اللي كنتي سبب في خسارة منير ليهم
واسترسل يسألها بجمود:
مش كدا أفضل أنك تساعديه بيهم يبني بيته ويبدأ حياة جديدة بدل ما يتركوني في علب الدهب زي اللي عندك ؟؟
أومأت في سكون وهي تكتم غيظها الشديد، جلست محلها تضغط على فكها بعنف تنتظر خروجه من الشقة بعد أن يبدل ثيابه…. ما أن تأكدت من هبوطه للدرج، ركضت إلى غرفة أمل وهي تصيح بغضب، فتحت أمل الباب بتعجب فقال رحمه بعدم فهم:
أنا عايزه أعرف إيه هديتك أنتِ والست حسناء اللي مكلفة ٥٠٠ج
رفعت أمل كتفيها بلامبالاة وهي تردف بعفوية:
أنتِ مالك بينا، على العموم أنا طلبت انسيال فضة بشكل معين وحسناء تقريبًا بوكس شيكولاتة
تطلعت رحمه إلى والدتها التي خرجت على صوتها:
اتفضلي طلبين ايه هدية خطوبة
عادت ترمق أمل مستكملة بسخط :
انتو مجانين ؟؟! ما كل الحاجات التافهة دي موجوده طول حياتنا ولا إحنا بنتخطب كل يوم !!
جاء صوت مروه الساخر من خلفها :
ما كل واحد حر ولا لازم يطلبوا هدايا بـ ٢٥٠ ألف
توسعت ملقتي أمل وهي تجول بنظرها بينهما، بينما تخصرت رحمه مردده بغرور :
كل واحد وقيمته
قطبت أمل جبينها بصدمه متسائلة بعدم تصديق:
أكيد بتهزروا مش معقول طلبتي حاجه بالمبلغ دا ؟؟!
ردعتهم ناديه وهي تصيح بحنق :
بس أنتِ وهي، محدش ليه دعوة بالتاني
أردفت أمل بصرامة وهي تشير إلى رحمه :
لو دا حصل أنا اللي هتكلم مع بابا، وكفايا دلعك الزيادة طول حياتك
أشارت على غرفتها مستكملة بغضب :
بدل التلفون تلاته ولابتوب وايباد واوضتك بتتغير كل سنه ولبسك يكفينا كلنا وفوق كل دا مش بتشبعي فلوس ولا دهب وياريتك عندك عقل تفكري بيه قبل ما تتكلمي وتطلعيه الأب المفتري اللي ظالمك ومفضل الكل عليكي
أخذت أنفاسها بعنف وهي تعود لغرفتها، تسمرت رحمه محلها بذهول .. أمل الهادئة خرجت عن صمتها ودفعت شراستها في وجههم بقوة بعد أن نفذ صبرها، خطت مروه باتجاه غرفة أمل وهي تضحك بصوت مرتفع، حدقتها رحمه بغضب واتجهت إلى غرفتها هي الأخرى تاركه ناديه تقف وحدها غير مصدقة أن أمل تملك لسان من الأساس…
ولجت مروه وهي تضحك ثم اقتربت من أمل تقبل رأسها:
يا شيخه كان فينك من بدري
: أنا خلاص جبت أخري من أسلوبها وطريقتها
ابتسمت مروه بثقة وهي تهتف بتشفي :
كفيتي ووفيتي بالكلمتين دول بصراحه
نظرت أمل إليها لبرهة ثم هتفت بنبرة حزينة :
طلال كلم سفيان امبارح
قطبت مروه جبينها باستغراب من تغيرها لمجرى الحديث فجأة، ومن ثمّ سألتها بقلق بسبب الحزن الواضح عليها :
مالك بتقوليها وأنتِ زعلانه كدا ؟؟
ترقرقت العبرات في أعين أمل وهي تهمس بصوت محشرج :
سوزي عملت حادثة وهي راجعه البيت
شهقت مروه بفزع متسائلة بتوجس:
هي كويسه صح ؟؟
حركت أمل رأسها بالنفي وهي تحكي إليها ما قاله سفيان قبل أن يتجه مع والدته لتجهيز مراسم الدفن …
« فلاش باك »
وصلت إلى القاهرة في وقت متأخر بعد أن رفضت أن تذهب مع سفيان ووالدته للمنزل، رغم إصرارهم على بقائها للصباح لكنها لم تتحمل أن تنتظر بعيدًا عن المكان الذي جمع بينها وبين طلال على أملً أن يعود الليلة… أغلقت المعطف بحرص وهي تلمس بطنها الصغيرة، برودة الطقس فاقت الليالي الماضية، رفعت معصمها وجدت الساعة العاشرة مساءً فأسرعت بخطى مرتبكة من ذلك الشارع الشبه مجهور … عندما وصلت إلى الطريق المؤدي لموقف السيارات شعرت ببعض الراحة من صوت الركاب، لكنها توقفت تخرج هاتفها عندما صدح صوت رناته :
أنتِ فين يا سوزي وقفله تلفونك ليه ؟؟ جوزك كلمني وقلقان يا بنتي ؟!!
تهللت أسرار سوزي وهي تهتف بسعادة:
طلال كلمك بجد ؟؟
اجابتها والدتها وهي تسألها بقلق :
أنتِ فين لحد دلوقتي ؟؟ وليه خرجتي من شقتك من غير ما تعرفي طلال ؟؟
لم تهتم سوزي سوى أن طلال عاد أخيراً إلى شقتهم ولاحظ غيابها، لكن السعادة لم تمكث كثيرًا عندما انتبهت إلى أصوات آتيه من خلفها .. التفت بفزع على صوت صفير وكلمات غزل وقحة من شبان يركبان دراجة نارية،
: ماما أنا هقفل دلوقتي ولما ارجع هكلمك
سألتها والدتها بخوف من نبرتها المهزوزة :
مالك أنتِ تعبانه ؟؟
بدأت تسير بأقصى قدراتها عندما شعرت بهما يتحركا خلفها :
فين اتنين ماشيين ورايا
: أنت فين بالظبط؟؟ وادخلي اي محل ولا وقفي حد معدي
شرحت سوزي مكانها ولكن لم تستطيع تنفيذ النصيحة الثانية… أسرع قائد الدراجة النارية للاقتراب منها والسماح لصديقه الآخر باختطاف حقيبتها عنوة، لسوء الحظ علقت يد الحقيبة في المعطف وسحبها بقوة إلى أن خارت قواها وسقطت أرضاً أمام سيارة ظهرت فجأة طريق معاكس،
عندما استمعت والدتها إلى أصوات متداخلة مع اختفاء ابنتها، أجرت اتصال بـ طلال تقص إليه ما حدث وحددت مكان سوزي بالتفصيل كما أخبرتها قبل أن تفارق الحياة … أسرع طلال للمكان المحدد وبالفعل أكدوا إليه أهل المنطقة الحادثة ودلوه على المشفى التي نقلت إليه،
« بــاك »
أنهت سردها مردفه ببكاء :
راحت المستشفى كانت متوفيه، سفيان ووالدته اتحركوا من هنا الفجر عشان يكونوا مع طلال وأهلها
شاركتها مروه في البكاء وهي تتمتم بصدمه :
جات امبارح تكشف الحقيقة زي ماتكون حاسه أن هي خلاص هتمشي
واسترسلت بأسى :
زمان أهلها مش مستوعبين ولا طلال مش بعيد يحس بالذنب من نفسه
مسحت أمل دموعها وهي تنهض :
هقوم اصلي وادعلها
: مش بابا لازم نعرفه
اجابتها وهي تتجه إلى المرحاض :
عرفته وحاول يكلم سفيان عشان يعرف مكانهم بس تلفونه مقفول من الصبح
انكمشت مروه على نفسها تتذكر تعابير وجه سوزي وهي تحكي قصتها المريرة، وها هي لا تحظى بفرصة أخرى وتنتهي قصتها بسرعة البرق … لو يدرك الإنسان حقيقة أمره لكان انتهى الخراب من العالم، ظلت تبكي بحرقة حزنًا على تلك المسكينة حتى خرجت أمل ونصحتها بأن تدعو إليها فالبكاء لن ينفعها …
؛**********
حاول المعلم سالم الوصول إلى سفيان بشتى الطرق، وطلب من صباح بأن تذهب لمنزلهم لعلها تأتي بالعنوان .. لم يكن سوى هيفاء ولا تعرف العنوان بالتفصيل كذلك أخبرته صباح بعد أن عادت .. عند إذًا قرر الانتظار لحين عودتهم واتجه إلى المصنع، وهناك استقبله مرتضى الذي أخرج بعض الأوراق التي تحتاج توقيعه :
هو في غلط في ورق المراجعة يا معلم ؟؟
رد عليه وهي يوقع الأوراق :
مش هنكون بدأنا في شهر الجديد والقديم في غلط يا مرتضى
قطب مرتضى جبينه باستفهام متسائلاً بتعجب:
طيب ليه عمر دخل امبارح المخزن وكان بيراجع تاني ؟؟!
أعطاه الأوراق بعد أن انتهى :
هو فين ؟؟
: مع سالم بيطلعوا طلبيه
شرد لبرهة ثم هتف متسائلاً بشك :
مش ملاحظ حاجه عليه ؟؟ طريقته ؟؟ بيغيب ويرجع ؟؟ بيسأل أسئلة متخصهوش ؟!!
حرك مرتضى رأسه نافياً وهو يردد بتفكير :
العادي لأي واحد شغال في المصنع
واستكمل متسائلاً باستغراب :
هو عمل ايه ؟؟!
: ما المشكلة أنه معملش
ظهر الاستفهام على وجه مرتضى، وقبل أن يسأل عن مغذى حديثه، قاطعه متسائلاً بحده طفيفة:
فين الولاد ؟؟ بقالهم يومين مجوش !!
ضحك مرتضى وهو يقول بمزاح :
مها عمله حظر تجوال لينا في البيت عشان تعرف تذاكر
عاد بظهره يستند على المعقد مغمغم بحنو:
هما اللي بيهونوا اليوم عليا
طرق أحدهم ليخبره بوجود أيمن مختار بالخارج، استأذن مرتضى واتجه للداخل يتابع العمال … بينما ولج أيمن ملقي التحية بحفاوة، ومن ثمّ جلس وهو يردد باقتصار :
تابعت بنفسي الموضوع واتأكدت أن عوف مش قريب منصور نهائي
نظر إليه متسائلاً بأهمية:
عرفت مكان عوف ؟؟
ضحك أيمن بثقة وهو يخرج بعض الصور التي تخص عوف مع عائلته استطاع رجال أيمن التقطها :
كلفني كتير بس رجالة أسيوط عرفوا يجيبوه
ألقى نظرة سريعة على الصور وهو يسأله بدهاء :
وهاديه ؟؟
: في مشكلة صغيرة واقفه معايا في موضوعها
مال المعلم سالم يخرج حزمة نقود من درج المكتب وهو يردف بجمود:
مش قولت ليك رجالة في كل حته
حرك رأسه يؤكد إليه وهو يهتف بزهو :
لو رجع في بطن أمه أعرف أتابع اي حد بإذن الله
واسترسل موضحًا :
بس عشان أتابع هاديه محتاج أشوف تسجيل كاميرات المراقبة بتاعت المستشفى، لزوم رقم العربية عشان أتابع خط سيرها وكام صورة للناس اللي كانوا معها
رسم شبه بسمة علي شفتيه مغمغمًا بسخرية:
ولما أجبلك المعلومات دي هتكون لازمتك ايه
واستطرد بتفكير :
طالما عوف بعيد عنها يبقا أمرها سهل
ضيق أيمن عينيه بشك متسائلاً باستنكار:
اشمعنا ؟؟! المشكلة في هاديه ولا في غيرها !!
: التعلب لما يشوف إنسان وهو لوحده بيخاف ويجري، إنما لو لقى واحد من فصيلته بيقف ويحس بالشجاعة الكذابة
ابتسم أيمن وهو يقول بانبهار :
وهاديه وعوف من نفس الفصيلة
أومأ إليه بهدوء وهو يشير إليه بأخذ النقود .. دخل جابر وعبده في نفس الوقت الذي وقف أيمن للرحيل، بعد أسئلة عبده التي لا تنتهي عن سبب وجود أيمن، شعر بخيبة الأمل في تحدث المعلم سالم عن ذلك الموضوع فقال باقتصار :
هو أبو مرتضى اتكلم معاك في موضوع سمر وخليل
رد عليه بتهكم :
وأنت مدي لحد فرصة يتكلم غيرك
نظر عبده إليه وإلى جابر بكدر وهو يقول بحده طفيفة :
ومين ليه حق يتكلم بخصوص بنتي
علم جابر ما ينوي عليه عبده وأن تلك الجلسة ليست للتفاهم في رفض سالم لزيجة سمر من خليل، هتف بجمود قاصد عبده الذي صمت متبرمً :
لما جيت قولت أنك عايز تفهم ايه سبب رفض أبو هند مش عشان ترمي كلامك في وشنا
أردف المعلم سالم بضيق معقب على حديث جابر :
مش معنى أن مرتضى كويس أن خليل لازم يكون زيه دا مش مقياس للجوازه أبدًا
سأله عبده بعدن فهم:
هما الاتنين أخوات والبيت اللي طلعين منه واحد، يبقا وحش ليه ؟؟ مرتضى شايل مها من على الأرض شيل هيكون أخوه ايه ؟!!
حدق سالم به وهو يهدر بصرامة :
طالما مصمم على قرارك جاي ليه
رد جابر بهدوء وهو يمسك يد عبده كي يصمت :
لأن مفيش حاجه هتم غير لما توافق
: وأنا مش موافق
اقتضبت قسمات وجهه عبده بضيق شديد، ورغم عنه صمت دون أن يرد بسبب نظرات جابر … رؤية جابر للتوقيت الغير مناسب لجدال منهي، لا تتماشى مع حنق عبده لعدم احترامهم لرأيه حتى مع أولاده…
؛******
لم يجد حل بعد حديث المحامي وتهديده الصريح سوى بالهرب قبل أن يخرج عز وينفذ وعيده.. تغاضى عن صياح ليلى وأخذ حقيبته للخارج، وحين عاد يرتدي حذائه وجدها تقف عاقدة ذراعيها وهي تقول بغضب:
مش هتمشي وتسبني لوحدي
أكمل سيف ما يفعله فصاحت بغيظ :
دا أنت تستاهل اكتر من اللي حصلك
أمسكت مرفقه عندما وقف مستعد للرحيل وهتفت بتوسل :
مليش حد ومش عارفه اعمل ايه
: اعملي زي المحامي ما قلك
أبعد يدها وأخذ حقيبته، لا يعلم أين واجهته الجديدة، لكن لمجرد الابتعاد عن عز وما يخصه، أمان إليه حتى وإن ظل يتنقل بين الطرقات…
؛********بقلم حسناء محمد سويلم
وقف عامر أمام السيارات الناقلة للآلات الجديدة ليتأكد من أنها نفس الآلات المطلوبة… مر يونس بصحبة سالم عبده، عندما لمحهم عامر التفت للجهة الأخرى ممتعض من فعل يونس الذي اقترب منه وهو يقول بهدوء:
بلاش تتقمص على الفاضي وتعالى نقعد شويه قبل أن أسافر
: مفيش كلام بينا
عقد يونس جبينه باستفهام وسأله باستهجان :
ودا من أمته ؟؟
حدجه عامر شزرًا مزمجرًا بحده :
من امبارح يا ابن عمي
طلب يونس من سالم بالتقدم، فالحديث الآن لن يجدي نفعًا .. رغم أن سالم لم يفهم ما يدور بينهما ولكنه احتفظ بفضوله واستمر في السير إلى منزل مبروكه .. ثلاث دقائق ووقف سالم أمام منزل صغير يطرق بابه برفق، آفاق يونس من تأمله للمنزل على سيدة عجوز تفتح إليهم الباب، خرجت نبرتها المُتَهَدِّمة :
ازيك يا بن رحاب ؟ أمك عامله ايه لسا ربنا مهدهاش بعد أبوك ما اتجوز عليها ؟؟!
ابتسم سالم رغم عنه وهو يقول باقتصار:
سيبك مني ومن أمي يا حاجه مبروكه وخليكي مع الضيف
نقلت مبروكه نظرها إلى يونس الذي هتف مبتسمًا:
كان نفسي اتعرف عليكي من بدري
عقدت مبروكه جبينها باستغراب فأردف سالم بهدوء قبل أن يخرج مغادر :
يونس ابن عمتي حنان
لم يظهر أي تعابير على وجهها عكس تخمين يونس، وكذلك سالم الذي تعجب من ثباتها، ود أن يجلس معهما ولكن سمر تنتظره في المنزل لإيجاد حل مع عبده كي يغير رأيه عن أمر زواجها من الأساس بحجة أنها مازالت صغيرة … أشارت مبروكه إلى يونس بأن يغلق الباب خلف سالم، عند عودته لم يجدها كما كانت، فجلس بقلة حيلة ينتظر تلك المسنة غريبة الأطوار ..
: أبوك عامل ايه ؟؟ لسا عايش !!
رفع يونس حاجبيه وابتسم قائلاً:
لسا عايش وكويس الحمدلله
رمقته تتأمله وهي تقول بهدوء :
شبه خالك عبده وهو صغير، أصل حنان كانت دايما تبصله
: مع أن الكل بيقول أن شبه محمود
ابتسمت مبروكه وهتفت بنبرة ساخرة:
ما هو طالع لأبوه حتى في الزرزه
: بابا دايما كان بيحكيلي عنك وأنك ساعدتي أمي في ولادتي
حركت مبروكه رأسها وهي تسأله بريبه :
قعدتك مطوله عند خالك ؟؟
لم يشعر يونس بشيء من سؤالها وقال بعفوية:
لا مسافر بليل عشان بابا لوحده، لكن أكيد مش آخر مره
: اطلب حقك من خالك قبل ما تمشي
انكمش بين حاجبيي يونس وهو يسألها مستفسرًا:
حق ايه ؟؟ زيارتي لأهلي مش مقابل حاجه
إجابته مبروكه وهي تردف بتهكم :
اومال أبوك بعتك ليه ؟؟! ولا يكون صحي فجأة وافتكر البلد وأهلها
لم تروق طريقتها الساخرة إليه وخاصة أن والده ذكر في حديثها :
والدي ملوش علاقة بزيارتي، واتشرفت بمعرفتك
كاد أن ينهض فألقت مفاجأتها التي جعلته يتسمر محله بدهشة:
مش هتقعد لما تعرف ليه أبوك أخد أمك ومشوا من البلد
رفع يونس كتفيه بلامبالاة وهو يردف بجدية :
مش فارق معايا والدي معرفني كل حاجه
اقتصر الجلسة وهو يخرج يقف أمام المنزل، ابتعد بعض خطوات ووقف ينتظر سالم بعد أن هاتفه.. لا يعلم لِما شعر بالضيق من تلك الزيارة، توقع أنها إمراه بسيطة سيسعد برؤيتها ليكون حقق رؤية كل ما ذكره والده، لكن اسئلتها المريبة وحديثها الغريب جعله يندم على مجيئه .. لم تثير فضوله قطعًا فقد جاء محدد هدف الزيارة، وكثرة حكايات والده عن القرية وأهلها أشبع بصيرته …. لم يتأخر سالم عليه وأخذه إلى المصنع لمقابلة المعمل سالم قبل أن يغادر،
؛********
في القاهرة
دلفت رنا حاملة أكياس كثيرة فوجدت محمود يجلس بأريحية أمام التلفاز، وضعت الأكياس على الطاولة وهي تقول بملل :
تعبت بجد أول مرة أنزل سوبر ماركت
اعتدل في جلسته دون أن ينظر إليها، فاقتربت تجلس بالقرب منه وهي تسأله بشوق :
عامل ايه ؟؟ تصدق وحشتني
تجاهلها وكأنها غير موجودة فسألته بقلق :
مالك يا محمود ؟؟ باباك كلمك ولا ايه ؟!!
: ايه جابك ؟؟
مطت شفتيها وهي تردف باستياء:
قولت أشوفك لو محتاج حاجه
كاد أن يردعها لكن تذكر شيء ما عندما لمح الهاتف المعلق بين يديها :
عايز اتكلم دقيقة من تلفونك
مدت الهاتف بتلقائية دون تردد، أخرج محمود رقم أخيه ودونه في هاتف رنا .. حاول الاتصال مرارًا لكن دون جدوى، فأرسل إليه رسالة نصية بأن يجيب على اتصالاته فقد نفذت نقوده ولا يريد الاستمرار داخل منزل رنا، حذف الرسالة بعد أن أرسلها ثم قدم الهاتف بجمود..
: بكره همشي وتقدري ترجعي بيتك
انكمشت قسمات وجه رنا وهي تهتف بحزن :
ليه ما أنا عند صاحبتي لحد ما ترجع البلد
نظر بعيدًا وهو يهتف باقتضاب:
قومي امشي دلوقتي ولا أمشي أنا
نهضت بعبوس وهي تلقي نظرة أخيرة عليه لعله يغير رأيه، ودت أن تقترح عليه بالخروج مساءاً في إحدى المقاهي، أو حتى لتناول العشاء معا فقد أرسل والديها مصروفها الشهري للتو مثل أخوها الذي سافر مع أصدقائه من أسبوعين تقريبًا … لكن خيب أملها بطريقة الفظة،
؛***********
في المحجر انتهى يعقوب من وضع كاميرات المراقبة في كل مكان دون معرفة أحد، محاولة تأمين نفسه من تخطيط ذلك المجهول الذي يريد إذائه .. ربما يفكر الآن لتدبير أمر آخر بما أنه استطاع الإفلات من أول ضربة بأعجوبة، تنهد بصوت مسموع عندما تذكر منير وأنه الآن خارج الحبس بفضله، مهما كانا الأموال لا تعادل ليلة واحدة داخل جدران السجن …
أخذ هاتفه وسار بعيدًا عن المحجر إلى مكانه الهادئ والمفضل، ثم عاود الاتصال بها مجددًا بعد محاولته معها منذ الصباح .. اجابته بصوت ناعس فصاح بكدر :
لسا الهانم فاكره ترد
همهمت بصوت محشرج أثر النوم :
تصدق ساعات بنسى إني أعرفك
واستكملت تسأله بخبث :
مايسه عامله ايه دلوقتي لسا شايطه ولا عرفت تطفيها
رد عليها بوجوم وهو يجلس على الأرضية الخضراء أمام النيل :
أنتِ مرتاحة دلوقتي
اعتدلت حسناء في فراشها وهي تهتف بعدم فهم:
وأنا أعرف منين أنك مش معرف أختك إننا هنجيب الدهب
ثم سألته بحده طفيفة :
وليه أختك مش طيقاني ؟؟ عملت ايه عشان تكرهني ؟!!!
: خطفتي أخوها
حل هدوء مفاجئ عليهما بعد رده بنبرة هائمة جعلت حسناء تضحك بعفوية وهي تغمغم بخجل :
لا تاخد ١٠ من ١٠ ونجمة زي سعد ما قال
اختفت بسمتها عندما تذكرت الأيام الماضية وكيف كان يتجاهلها فصاحت بانفعال وهي تضغط على أسنانها:
أنت هتجنني ولا عندك انفصام ولا أنت ايه خلتك
أمسك يعقوب الهاتف ينظر إليه بذهول من تبدل أحوالها في ثوان ثم أردف بانزعاج :
ما كنا ماشيين كويس من غير جعفر
: أنا مبقتش فاهمه أنت أنهي شخصية، شوية أحسك عديم الإحساس معندكش ذرة دم، وشوية أشوفك حنون ورمنسي وبتتصرف بطريقة لطيفه، يا أخي دا أنا بنسى إني مخطوبة وبفتكرك صدفه من تجاهلك ليا
كتم ضحكاته مغمغمًا باقتضاب :
يعني أنا معنديش إحساس ولا دم
شعرت بالارتباك من نبرته الصارمة فهمست بتلجلج :
مقصدش يا يعقوب بس أنا بضايق لما بتنساني
ابتسم بخفة وهو يهتف بنبرة عميقة :
انساكي ازاي وأنتِ رفيقة روحي
استرسل حديثه بشغف :
مهما طال قلة كلامنا حاسس إني بقرب منك أكتر، في عز مشاكلي بفكر فيكي واهون على نفسي، بكون عارف لما تضيق بيا الدنيا هكلمك وتخفيفي عني، حاولت اقاوح مع نفسي وأقول لا دا كله لعب عيال، لكن مقدرتش اتاريني وقعت من بدري
أغلق عينيه بقوة وصدى كلمات عبدالله القاسية تضرب رأسه، عجز عن التفكير في تركها ونسيان تلك الفترة من حياته … لا يتخيل أن تكون لغيره وتصبح ملك أحدهم، ولا يريد أن يظلمها ويظلم نفسه، كانت كلمات خرجت في وقت غضبه لم يقصد أن يشكك في أخلاقها، فقط أراد معرفة سبب خروجها لأنه متأكد أن إجابة سؤاله عند سميه، دائمًا يتحكم في أعصابه لكن هل هناك إنسان معصوم من الخطأ ؟!!
: أنا آسف
اعتقدت أنه يعتذر لتصرفاته في الأيام الماضية، لكن يعقوب شعر بالضيق من نفسه فاعتذر لما بَدر من عبدالله في حقها …
: خلاص مش زعلانه
واستكملت تسأله بفضول:
مين هيجي معاك يوم الجمعة ؟!
اجابها بلا اكتراث :
مفيش حد
جاءت نبرتها المتوترة وهي تهتف باستحياء:
طيب ممكن أطلب منك طلب
رد عليها بترحاب :
تؤمري أمر
ضحكت تغمغم بخجل :
أنا كنت عايزه أجيب خاتم سولتير بدل الدهب
استطردت بتوضيح :
مش غالي يعني هو خاتم بس مش عايزه حاجه تانيه
قطب جبينه متعجباً وسألها مستفسرًا:
ازاي خاتم بس ؟؟ طيب لو أنا وأنتِ فاهمين أن دا ألماس الباقي هيعرفوا قيمته ؟!
شعرت بالانزعاج فسألته بحده طفيفة:
واحنا مالنا بغيرنا ؟؟!
رأى والده يقف يحدجه بضيق على بعد كافي منه، فأردف باقتصار :
بصي حكاية السولتير دي خليها بعدين وأنا هجبهولك في أقرب فرصة، هقفل دلوقتي ولما اخلص هكلمك
وضع الهاتف في جلبابه وهو يخطو باتجاه والده الذي هدر بصوت مرتفع عندما قصرت المسافة بينهما:
ما شاء الله شغلك بقا على التلفون
حافظ يعقوب على هدوئه وهو يقول :
كفايا عبدالله وعلي مش لازم كلنا
حمحم بخشونة مستكملًا بخشية من رفضه :
أنا محتاج مبلغ أكمل عليه فلوس دهبي
ضحك عزيز وهو يهتف بسخرية :
اديك قولت دهبك
أومأ يعقوب مردد بضيق :
أجيب منين يابا والفلوس كلها تحت إيدك
: هات على قد اللي معاك
تغلق الأبواب في وجهه وكأن الحظ يفر من أمامه، كانت نبرته تحمل اللوم والعتاب بشكل واضح عندما قال :
ازاي أرجع في اتفاق أنت اللي حكمت عليا بيه
عندما شعر عزيز بالحصار هتف بلا اكتراث:
اتصرف أجبلك منين وأنا لسا دافع للشال قضيتك
واسترسل بتهكم :
عمك كان عايز الأرض اللي أنت اشتريتها روح اعرضها عليه وبيعها طالما محتاج فلوسها
رمقه يعقوب لبرهة ثم هتف بجمود :
حاضر يابا هبعها
ابتسم عزيز بنصر عندما تحرك يعقوب من أمامه، كل ما يريده أن يتخلص من تلك الأرض التي تسببت في فكرة منزله المنفصل عنهم..
؛************
مر اليوم سريعًا وحل الظلام على القرية، ترأس المعلم سالم مائدة الطعام وهو شارد الذهن منذ أن جاء من زيارة طلال وسيفان بعد عودتهم من مراسم دفن سوزي .. بكاء طلال كطفل صغير فقد أمه، وحالة ووالدته حزنًا على ابنها، أفكار تراوده داخل رأسه وكأنها تتصارع بصخب، وضع الملعقة ونهض متجاهل نداء صباح، أغلق باب المكتب وجلس على المعقد وهو يتنهد بوهن، أحياناً يشعر بأن الموت قريب منه وأنه لم يأمن حياة بناته … وأحياناً يريد أن يزوجهن بسرعة كي يطمئن على مستقبلهن من بعده، لكن ما فائدة الزواج إذا كان الزوج لا يئتمن ؟!!
ظل محله إلى ما يقارب منتصف الليل، هرب النوم من جفونه، واستسلم عقله للأفكار السوداوية التي مكنت القلق منه .. حاول السيطرة على مشاعرة باتجاههن ولكن دائماً يضعف إذا تخيل أن يصيب إحداهن مكروه…
؛******
في المنزل المجاور
خرجت مي تمشي على أطراف أصابعها وهي تهمس بصوت منخفض :
الحمدلله نام
ابتسمت خلود وهي تهتف بسعادة :
ربيع متعلق بيكي جدا اكتر من أخواته
حركت مي رأسها وهي تمسك كوب العصير :
مش واعي على مامته زي أخواته الكبار
: فرحانه ومش مصدقه أنك قدرتي تكسبيهم
ابتسمت مي متمتمه بمزاح :
أنا جيت أبات عندكم انهارده بأعجوبة منهم ومن ربيع
غمزت خلود مردفه بعبث :
شكل ربيع متعلق بيكي زي عياله
ردت عليها بغيظ :
مش قد تعلقه بالبهايم بتاعته
ضحكت خلود فاسترسلت مي بارتباك :
هو غلبان وكويس وبيعملني زي عياله بس مشكلته أنه دقه قديمة أوي أوي، مش بيفكر غير في العجول والبهايم والمزرعة
: لكن قدرتي تقنعيه تسافروا وتغيروا جو يعني يجي منه
أومأت مي إليها ثم هتفت بنبرة حزينة:
هو أنتِ لما تسافري مع أكرم أنا هقعد كدا مع مين
تفاجأت خلود من حديثها ولمعت عينيها بالدموع وهي تغمغم بصوت مختنق:
بصي هعيط ومش هتعرفي تسكتيني
ضحك جابر خلف الباب وتحرك لغرفته، شعر بالراحة والاسترخاء بعد سماعه لحديثهن الذي بعث الاطمئنان إلى قلبه، تبقى سالم ونيره لينعم بالسكينة مع أسرته..
؛***
أوضاع الاستقرار في منزل جابر لا تمس حياة عبده الذي تشاجر مع رحاب للمرة الواحدة والثمانون قبل أن يخلد للنوم في طابق سحر … أما سعد فقد نال قسط من الراحة مع سميه عندما صعدوا إلى طابق سالم وندى، ومكث الثنائي الآخر في الطابق الأول ليكونوا بالقرب من سمر، التي نالت صفعه قوية عندما صاحت بعناد أمام عبده لرفضها للزواج بشكل بالمجمل ليس فقط لشخص خليل،
؛*********
وقف أمام النافذة ينتظر صلاة الفجر عندما فشل في النوم … أمسك مسبحته وأخذ يستغفر بصوت منخفض، لكنه تفاجأ بشخص ملثم ظهر فجأة أمام منزله، أغلق الإضاءة الخافتة من المصباح اليدوي، وعاد يحدق بذلك المجهول الذي يتجول بحركة عشوائية أمام الباب الحديدي ..
رآه يلقي ورقة داخل البهو وركض بسرعة قبل أن يلاحظه أحد، لم ينتظر المعلم سالم وتحرك يهبط الدرج بعجلة، خطى باتجاه الورقة التي رست محلها.. التقطها من الأرض الصلبة، وخطى يفتح الباب الحديدي يتأمل الطريق بثبات،
اختفى الملثم فجأة كما ظهر، ولا أثر لشيء غريب، سكون الليل مع برودة الطقس جعلت الهدوء يعم الشوارع… أغلق الباب الحديدي مجددًا ثم فتح الورقة بريبة، عنوان ما كتب بالتفصيل وأسفله ” شنط الدهب !! ”
؛**********
أعتقد أن ليلة وفاة والده لن يمر عليه أسوأ منها، لكن ها هو يعيش نفس لحظات الفراق مرة أخرى وفي وقت قصير .. عدم قدرتك على معرفة قيمة الأشخاص إلا بعد وفاتهم أقبح شعور يمر على المرء في حياته، أغمض طلال عينيه مستسلم للنوم فقد تغلب التعب والارهاق من بداية اليوم العصيب .. ربما أصبح النوم ملجئ للهرب من صدماته المتتالية، التي أخفت سوزي من حياته للابد
؛**********

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!