روايات

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل التاسع عشر 19 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل التاسع عشر 19 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء التاسع عشر

رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت التاسع عشر

رواية بنت المعلم
رواية بنت المعلم

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة التاسعة عشر

كان في طريقه إلي الخارج كي لا تفوته صلاة المغرب في المسجد، فأوقفته سميه قائلة بحرج :
بابا عبده ممكن ثواني
التفت إليها مبتسماً لوصفه بوالدها، فأكملت سميه حديثها بأدب :
ممكن تساعدني أقعد سعد علي الكرسي
عقد عبده حاجبيه باستنكار وسألها مستفسرا:
ليه ؟؟ هو عايز يروح فين ؟!
توترت قليلاً وهي تردف بخجل :
لا أنا بس شوفته مش بيتحرك من السرير، قولت أخرجه في الصاله شويه
أخفي كَدَره وأشار إليها بأن تتقدم معه، فمنذ أن كشف كذبة سعد وهو يتجنبه قدر المستطاع، لا يضمن تحكمه في غضبه إذا رآه مجدداً….. علي الجهة الأخرى اعتدل سعد في فراشه، فهتف عبده بمزاح :
مراتك خايفه تزهق من قعدتك في الاوضة وعايزه تخرجك للصالة
رسم سعد شبه بسمة علي شفتيه وهو يرمق سميه بتوتر، عندما استكمل عبده حديثه قائلاً :
معلش يا بنتي تجيبي كوباية مايه
أمأت سميه وتحركت للخارج، فقد فهمت أنه لا يريدها أن تراه وهو يحمل ابنه للمقعد المتحرك …. بينما في الغرفة وعلي غفلة سقط عبده بعصاه علي جسد سعد، الذي قفز من الفراش مردد بغيظ :
يابابا العصا بتوجع
رد عليه بهمس كي لا يصل الي سميه :
اتنطط كمان يالا عشان نتفضح
رفع سعد حاجبيه باستنكار وغمغم ساخراً :
لا اقعد لحد ما تيجي العصا في نص دماغي
أشار عبده علي المعقد المتحرك وهتف بصرامة:
وهو أنا لو عايز اجبها في نص دماغك تنطيطك دا هيحوشني، اتنيل أقعد
نظر إليه بشك وهو يتقدم خطوة ببطيء، ثم خطي بهدوء إلي أن جلس المعقد متمتم بتهكم :
يكون في علمك أي حركة غدر هقوم اجريلك في البيت، وساعتها سميه تعرف وتروح تقول لابوها، واعمامي يعرفوا أنك معرفتش تربي، وان عيالك بيستغفلوك وهيكون شكلك وحش
حدجه عبده بحده، واقترب منه مائل بجزعه ليكون علي أمامه مباشرة… فعاد سعد بظهره متمتم بخوف :
ايه يابا أنت هتتحول
لم يكترث إليه، وظل يقترب حتي أصبح أمامه ثم همس بوعيد غليظ :
عارف لو حصل اللي أنت قولته هعمل فيك ايه
حرك الآخر رأسه يميناً ويساراً ببلاهة، فاستطرد عبده مؤكداً بشراسة :
هشلك بحق وحقيقي يا سعد
رفع ظهره عندما شعر بوجود سميه خلفه، ثم رتب علي كتفه مصطنع المزاح :
ابقا قلل أكل شويه أحسن ظهري اتقطم
قدمت سميه كوب الماء، فأخذه عبده وارتشف منه القليل، ثم أردف بترحاب :
تسلمي يا غالية، أنا هخرج ألحق الصلاة وهاروح العزا
خرجت سميه معه توصله الي باب الشقة، ثم دلفت الي سعد مرة أخري مردده بحماس وهي تدفع الكرسي :
تعالى هشغلك الفيلم وأروح فشار
ترك حرية التصرف إليها في تلك الأيام، مستمتعاً باهتمامها اللطيف، ودلالها الغير معهود إليه أبدا في ظروف عائلته…. أما هي كانت تود أن تعطيه كل ما في وسعها، ودت أن تعوضه عن عجزه، ولعلها تستطيع التخفيف عنه وتتحسن حالته قريباً…
؛***
في الأعلى
تسمرت ميادة محلها محدقة في زوجها الجالس في بهو المنزل، يتحدث في الهاتف وصوت ضحكاته يصل إليها بصخب …. لم تحدد أي شعور يعصف بها الآن، كُره، أم حزن، ربما حسره مزقت قلبها لقطع متناثرة علي أرض بور، ارتوت بدماء نزفت من شقوق روحها … منذ بداية زواجهم وهي تعلم أن قلبه مِلك لغيرها، ولكن تماديه في تلك التصرفات الطائشة، جعلها تندم علي قرارها في الرجوع الي منزله مرة أخري، ما من مشاعر تصف شعور امرأة تستمع الي مغازلة زوجها بأُخرى، الي ضحكاته، مزاحه، كلماته الحنونة، الي كل ما هو خاص بها، يصبح الآن خاص بأُخرى تشاركها فيه …..
لم تتحمل ميادة أكثر، ودارت تعود للداخل وهي تغلق باب الشرفة بعنف، فالتفت محمود ينظر إلى الشرفة بانتصار … رآها منذ أن وقفت تتابعه، وبعدها بدأ في الحديث المعسول ليثير استفزازها، كما فعلت هي وعادت بشرط عدم وجوده معها في الشقة مهما كانت الظروف، وكأنه شيء تشمئز منه …
: محمود أنت روحت فين
آفاق من شروده علي صوتها، فقال بضجر :
يا بنتي ما تتهدي بقا
ضحكت رنا وهي ترد عليه بهيام :
مش هتهد غير لما أشوفك
: انسي يا رنا اللي في دماغك
جاء ردها وهي تضيف بتوسل :
عشان خاطري يومين بس تعالى في أي فندق، ولو مش عايز بيتي موجود
زفر بملل وهتف باقتصار:
بقولك ايه ما تسيبك من الكلام الفاضي دا لأنها لو طولت ولا قصرت مش هيحصل
صمتت لثوان ثم سألته باقتضاب :
ليه يا محمود مش هيحصل ؟؟ أنا ناقصة ايه عشان متتجوزنيش ؟!!
تمنى أن تكون أمامه الآن ليري تعبير وجهها، هل هي جادة ام تمزح بسخافة … لكنه لم يأخذ الكثير في التفكير للرد عليها بسخرية طاغية في نبرته :
لأن أنتِ عارفه من الأول إنها مجرد تسليه ليا وليكي
واستطرد حديثه بفظاظة:
وبعدين أنتِ شيفاني مختوم علي قفايا عشان أخد واحده بتمشي مع كل واحد شويه
تلك المرة لم تكن علاقة عابرة بالنسبة إليها، تعلقت بوجوده في يومها غير عادتها مع باقي من كانوا في حياتها، كانوا مجرد فترات تسلي بيها أوقاتها…. أما هو غيرهم، أعجبت بشخصيته الصارمة، ربما رأت اوسم منه ولكن لم يلفت انتباهها مثله، لديه جاذبية أسرتها كالجدباء،
: يبقا مفيش داعي تضيع وقتك اكتر من كدا
لم يُعقب محمود علي حديثها، ولا حتي اكترث بنبرتها الحزينة، وأغلق المكالمة ببرود … ومن ثمّ نهض يخرج الي مقابلة أحد أصدقائه ببال رائق، لم يشغله ما يحدث حوله من قبل، ولن يشغله الآن …..
؛***********
منذ أن عاد بها من المقهى، وهي تجلس علي الفراش، تضم ركبتها وتبكي في صمت …. رغم محاولاته الفاشلة في شرح تصرفه، كرر إليها اعتذاره ووعدها بتعويضها باقي أيام الإجازة عن فعلته، ولكن تيبس رأسها ورفضت أن تتجاوب معه،
: يا بنتي كفايا عياط وقومي البسي وهخرجك
جلس بجانبها مستكملا بهدوء :
والله ما أقصد اخوفك ولا اهددك زي ما أنتِ فاهمه
خرج صوتها المبحوح وهي تمتمتم بنبرة متقطعة:
لقيت واحده عجبتك وروحت وراها صح
لتلك الدرجة لا تثق به، بهذه السهولة تشكك في حديثه… تمالك سالم زمام أموره متحكما في ما يتلفظ به، وهتف بجديه :
أنا اقسمتلك بالله إني مشوفت حد
واسترسل وهو يأتي بهاتفه كي يوريها صور عز :
وعلي العموم شوفي الصور يمكن تصدقي
شاهدت نيرة الصورة بلامبالاة وأردفت بتهكم :
ولحقت كمان تألف صور
ألقي الهاتف بعيداً، ومسح وجهه بضيق، مغمغم بوجوم :
حقك تزعلي بس مش كدا، دي مكنتش نص ساعة
دارت بوجهها للجهة الأخرى، فجلس مجدداً مقابل لها، ثم مال يقبل جبينها بحنو متمتم بطلف :
خلاص متزعليش، أنا مقدرش اسيبك وامشي ولا اقدر أشوف غيرك
ابتعدت عنه مردده بسخرية:
ما أنت شوفت زمان
عندما عاد إلي المقهى ووجدها تبكي بحرقة خوفاً من تنفيذ تهديده وأنه تركها ورحل، رق قلبه واشفق علي ما وصلوا إليه … فأراد أن يعوضها باقي أيامهم، لكنها لازالت لا تفهم، ولا تريد أن تفهم، حتي وإن كان أخطئ بتصرفه، اعتذر مراراً وأخذ ثرثرتها برحابة، لكن عند إذا فاض كيله وكي لا يتفوه بما لا يرضيها، نهض وخرج من الغرفة، متجه إلي الشاطئ القريب من الفندق … لعلها في الصباح أو حين عودته تهدأ ويقضيان يومين في سلام، بقلم حسناء محمد سويلم
؛***********
امتلأت صالة المنزل الكبيرة بعدد كبير من نساء القرية، والقري المجاورة لعزاء ومواساة زوجة الحاج عادل وابنته، ومن ضمنهم صباح وبصحبتها نادية ومروه وأمل … رغم اعتراض صباح لمجيء مروه وأمل، فأصرت ناديه أمامها بوجودهم معها كي يظهروا بشكل لائق مع والدتهن الجديدة….
نهضت هيفاء من جانب والدتها تتجه الي مروه، همست إليها بشئ ما، فنضهت مروه معها تتبعها في هدوء … وعندما وقفن في الردهة اردفت مروه تسألها باستغراب:
في ايه يا هيفاء ؟! مالك حبيبتي ؟؟
فركت هيفاء يدها بتوتر متمتمه ببكاء :
ممكن تطلعي معايا عند طلال تحاولي تهديه شوية
رفعت مروه نظرها الي الأعلى متسائلة بعدم فهم:
طلال فوق ؟؟ مش المفروض في العزا مع سفيان !!
ذادت في شهقاتها وهي تجيبها بتلجلج:
مقدرش يقف واعمامي طلعوه اوضته
واسترسلت برجاء:
بالله عليكي هو محتاجك دلوقتي
اقتنت كلمات رزينة وهي ترد عليها بحنو :
هيفاء مش هينفع اطلع أوضته ولا ينفع اتحرك في بيتكم كدا عادي
: هطلع معاكي ومش هسيبك
أمام إصرارها وافقت علي تَبَرُّم، تحركت هيفاء الي الطرقة المؤدية إلي درج الطابق الثاني، كلما اقتربت وضح إليها صوت بكاء مرير لم تعتقد أن صاحبه ذلك المتغطرس، التي لم تتخيل أن تراه في تلك الحالة المزرية … في ركن مظلم يحتضن نفسه، ويبكي بحرقة كطفل صغير، ربما ذلك الطفل الذي كان دائما يخفيه من شخصيته ويظهر الغرور الكاذب …
بكت هيفاء علي ما أصاب أخوها، فجعلت مروه تشعر بالتوتر أكثر نادمة علي اتخاذ خطوة كهذه، تجمد لسانها وهربت الكلمات من عقلها، بلعت لعابها ونادته بخفوت :
طلال
دار برأسه اتجاهها متمتم بصوت متقطع :
ابويا مات بسببي
حركت رأسها بالرفض وهي تهتف بهدوء :
لا دا عُمره ومكتوب، ادعيله هو محتاج دا دلوقتي
نهض بثقل وخطي بعدم اتزان مردد ببكاء:
مات وهو زعلان مني
أسرعت هيفاء تمسك يده كي لا يسقط أرضا، فأضافت مروه برفق :
مستحيل أب يزعل من ابنه وأنت اكيد مكنتش قاصد تزعله
لم يرد عليها وظل يحدجها بثبات، فاستأذنت مروه بالرحيل عندما شعرت أنها ستفقد شخصها ويظهر التوتر عليها…. لم تفهم لِما شعرت بالضيق من نظراته وكأنه شخص لا يقرب ذلك الباكي من ثوان،
أثناء سيرها في الطرقة وجدت رجل كهل يصعد مقابل لها، فوقفت احترام له تفسح الطريق… ولكن ما لم يكن في الحسبان، أن يقف ينظر إليها بضيق متمتم بصرامة:
لو متعرفيش يا بنت سالم أن مينفعش تروحي لاوضة عازب اديني بعرفك
رفعت كتفيها ببراءة مردفه بلامبالاة:
لا متقلقش بنت سالم عارف دا كويس
في نفس الوقت خرجت هيفاء من غرفة طلال، تحت نظرات ذلك العجوز الذي نقل نظره الي مروه المبتسمة بثقة، ثم تجاوزته تكمل سيرها تبرطم بحنق وهي ترسل رسالة الي أمل أن تخبر والدتها كي يرحلوا علي الفور ..
؛**********
جهز حقيبته وتأكد من أغراضه، ثم أشعل مقود السيارة، في نفس وقت خروج كوثر وهي تهتف بعتاب :
هتمشي وتسبنا يا موسي
وضع حقيبته في السيارة مردد بجمود :
وجودنا هنا كان لسبب واتحل، وبما انكم حبيتوا القعدة خاليكم
: عيب تصرفات العيال دي تطلع منك بدل ما تحتويها وتتفهموا سوا
أغلق باب السيارة بعنف، ثم وقف قائلاً بضيق :
ليه هي أساساً جايه تتفاهم ولا جايه بتعرفنا قرارها
رمشت كوثر بأهدابها عدة مرات متتالية، غير مصدقة أن الصدفة تقودهم الي هنا … بينما لاحظ موسي تعلق أعين والدته بشئ ما خلفه، دار بعفوية تلاشت بضيق بادي وهو يراه أمام الباب الحديدي…
لم ينتظر عمر وتقدم منهم متسائلاً بقلق :
هو المعلم سالم موجود ؟؟!
ضحك موسي بسخرية مغمغم باقتضاب:
ايه جاي تخطبها منه
بدلاً من الجدال وضع حقيبته علي مقدمة السيارة قائلاً بتلجلج :
ساعدني
واسترسل وهو يفتح الحقيبة:
مش عارف اروح فين بالشنطة ولا فاهم أعمل ايه
شخصت ملقتي كوثر بفزع مردده بخضة :
سرقها من مين ؟؟ وايه الدهب دا ؟!!
: والله ما سرقت، امي وصفتلي مكان وروحت علي أساس أنه طلب، واتفاجأت بالحاجات دي زي زيكم
تمعن موسي محتويات الحقيبة مردفاً بوجوم:
أمك من ورثة حتشبسوت ولا ايه
تعلثم عمر متمتم برجاء :
ساعدني انا مش عارف أعمل إيه، أو خاليك معايا لحد ما المعلم سالم يرجع
نظر موسي الي والدته وهتف بتهكم :
هو دا اللي الهانم عايزه تتجوزه
رتبت كوثر علي كتفه برفق وهو تقول بحنو :
شكله غلبان، حرام يا موسي خاليك معاه
احتقن وجهه بضيق وضغط علي أسنانه متمتم بحده:
ماشي يا أستاذ عمر ممكن تطلع بره وتسيب الشنطة لحد ما المعلم سالم يرجع
أمأ إليه والتفت يخرج بجانب المنزل، لا يهم الأن سوى التخلص من تلك الحقيبة المشؤومة، يشعر أن حياته معلقة معها، ولن يهدأ باله إلا عندما يعرف مصدرها، أو علي الأقل يجد من يطمأنه بخصوصها …
: كل ثانيه مصيبة شكل، مش ملاحق من أمه ولا من خاله ودا غير ابن خاله اللي هو أساساً سبب في موت اخوته، وبكل بساطة تيجي تقولي هتجوزه وهي أصلا اللي كانت سبب في كشفهم
نبرته القاتمة لا تصف مدى شعوره بالغضب، وخاصة لعدم اعتراض كوثر عن تلك الزيجة رغم أنه أخبرها بكل شيء، حتي سبب وجودهم في القرية…. ابتسمت كوثر وقالت بهدوء :
يبقا براحه عليها ونفهمها بهدوء عشان متقفلش دماغها وتفتكر انك مش عايز ليها الخير
أشار إليها بأن تدلف مردد باقتصار:
بعدين نتكلم يا امي
ونهض يضع حقيبة عمر داخل سيارته بحرص، ثم أخرج هاتفه محاولا الاتصال بالمعلم سالم، لكن جاء إليه بأن الهاتف مغلق… كاد أن يجلس لولا مجيء رحمه للحديث معه في شيء مهم كما ذكرت، لتمر عشر دقائق في أسئلة لم يفهم موسي سببها الآن، لكنه لم يبخل بإجابته السلسلة عنها، فكانت أول طريق لتغير مجري حياته علي يد من أحب،
؛********
بعد أن انتهي العزاء بدأ كل جمع من الرجال في الرحيل، وقبل أن يخرجوا من الصوان، نهض صبري يقول بعلو صوته:
ايه يا كُبرات البلد شايفين الغلط بعنيكم وساكتين
نقلوا نظرهم بينهم بتعجب، فاستكمل صبري حديثه الساخط :
ولو انتو هتسكتوا أنا مش هسكت وعايز حقي
تحدث أحد الجالسين قائلاً بتعجب :
هنسكت علي ايه !! وحق مين يا حاج صبري ما توضح كلامك !!
نظر صبري الي المعلم سالم وهتف بصرامة:
عايز حقي من سالم سويلم
وقف الجميع بصدمة علت علي قسمات وجههم، إلا المعلم سالم الذي ظل يجلس محله في هدوء مردفاً :
يبقا قعدة العرف هي اللي تحكم بحقك مش في وسط عزا يا حاج صبري
بهتت ملامح صبري عندما ذكر الجلسة العرفية، كان يعتقد أن يتحدث أحد الكبراء ويسترد جزء من كبريائه المهدور أمام كل رجال القرية …. ابتسم المعلم سالم مردد بهدوء مريب :
وعلي العموم اللي يتحكم بيه هنفذه وليك رضاوة كمان
بدأ الهمس من الجميع مؤيدين حديثه، وأنها الطريقة المثالية لفض جدال صبري، الذي جال بنظره بعدم تصديق أنه تورط في مأزق لن يخرج منه، ليس من السهل أن يرجع في حديثه أمامهم ويثبت ضعفه، مع العلم أن تلك الجلسة ستكون لصالح المعلم سالم وانبته، لان أحمد لم يخطئ مرة في حقهم، وكأنه مُصر علي إثبات نواياه لهم،
: عدَك العيب يا معلم سالم
عندما وجد معتصم أن أمرهم سينتهي قريباً، وحتماً سيطردون من القرية … خرج من الصف مردد بصوت مرتفع:
يا جماعة ابويا ميقصدش يقعد المعلم سالم في قعدة، لانه عارف أن الغلط ركبنا من سسنا لراسنا
جحظت أعين صبري من حديثه معتصم، خاصة عندما استكمل برزانة:
أحمد اخويا غلط بدل المرة عشرة، واحنا بنتحمل معاه نتيجة غلطه، اعذروا ابويا …
قاطعه صبري مردد بغضب جلي:
أنت بتقول ايه
رد عزيز عليه يضيف علي حديث معتصم :
بيقول الكلام المضبوط مش زيك
أعجب الجميع بتصرف معتصم قفال أحدهم ينهي الجدال الآن:
خلاص يا جماعة الرد عند الحاج صبري لما يقرر يبلغني والقعدة هتكون في مضيفة البلد
أنهي حديثه وهو ينظر إلي المعلم سالم، ليري ما أن كان هناك اعتراض لديه … نهض المعلم سالم وهو ينظر إلي صبري وغمغم بجدية :
اللي الحاج صبري يطلبه أنا جاهز ليه
وتحرك مغادر الصوان واتبعه الجميع، وكأنهم يثبتوا إلي صبري أن المعلم سالم يحظى بجيش لم يستطع الوقف أمامه قد …. التفت يرمق معتصم بغضب قائلاً بصرامة :
مش عايز أشوف وشك في بيتي
ابتسم معتصم بسخرية وجلس علي المعقد في منتصف الصوان الفارغ، طرد والدته أمس والآن يطرده، شعر بنظرات العمال حوله فهم ينتظروا رحيله ليبدأوا في فض الصوان … نهض يخطو الي منزل أهل زوجته كي يخبرها بأن تمكث يومين حتي يجد منزل يستأجره،
؛******** بقلم حسناء محمد سويلم
في منزل جابر
ألقت خلود الوسادة في وجهه مي وهي تهتف بضجر :
يا بنتي هو انا بكلم نفسي
ابتسمت مي بصعوبة فسألتها خلود بقلق :
مالك يا بنتي ؟؟ اتخنقتي مع ربيع ؟!!
حركت مي رأسها بالرفض، فعادت خلود تسألها بقلة حيلة:
اومال مالك من ساعة ما جيتي وأنتِ ساكته، حتي ربيع كان شكله مضايق لما جابك
ردت عليها بفتور وعقلها مشغول في مكان آخر:
زعلان عشان قولتله هقعد يومين هنا
واسترسلت بعدم فهم:
هي عمتو دولت قاعدة عندما من زمان
مطت خلود شفتيها مردفه باقتضاب:
دا تاني يوم ومن وقتها مش بطلت خناق مع بابا
واستكملت بإلحاح:
سيبك من كل دا واحكيلي مالك بقا
بصعوبة بالغة سيطرة علي لسانها، وقالت بتلجلج :
عادي يمكن زهق
واسترسلت بأسي أخفته ببسمة صغيره:
تعالي نروح لي حسناء نقعد معها شوية
قطبت خلود جبينها باستغراب وسألتها بتعجب :
حسناء ؟؟؟ اشمعنا ؟!
رفعت كتفيها بلامبالاة مردده بهدوء:
قصدي بنات عمك سالم مش شرط حسناء يعني
رأت الشك في نظرات خلود دليلاً انها غير مقتنع بحديثها، وكي لا تكشف تمتمت بعاطفة:
أنتِ عارفه إن علاقتي بيهم مش تمام، وعايزه اغير من نفسي وأبدا مع الكل من جديد
نهضت خلود تعانقها وهي تهتف بسعادة :
فرحانه بيكي اوي ومبسوطه انك بدأتي تتغيري
ترقرقت العبرات في ملقتيها، وهي تشعر أن سوط من نار يلتفت حول عنقها يمنعها من التنفس…. ابتعدت عنها عندما صدح رنين هاتفها، انتفضت من المقعد تخرج للشرفة مردده بتوتر :
دا ربيع
هزت رأسها بنظرات أن الأمر لا يخصها، فتحركت مي إلي الشرفة مغمغمه بخوف :
بالله عليك تبطل تبعت الصور
ضحك عز مردفاً بمراوغة :
يعني دي غلطتي اني عايز افكرك بأمجادك
واسترسل بوقاحة:
ما تيجي تعيدي اللي راح معايا واوعدك مش هتندمي
ضغطت على شفتيها تمنع شهقاتها متمتمه بتوجس :
منك لله يا شيخ، ربنا ينتقم منك
همهم الآخر لثوان وقال بعبث :
متعرفيش لما اسمع نبرة الخوف دي بكون فرحان ازاي
: أنت واحد مريض
زلزلة قهقهته الرجولية سماعات هاتفها وكأنها مدحته بتلك الصفة، وبعد أن انتهي رد بمكر تلاعب علي اوتار قلبها :
بصي بقا بكرا بعد العصر لو مطلعتيش ومعاكي بنت عمك هطبع كل الصور الحلوه دي واوزعها في البلد، وبالمره نعمل بيهم فيديو حلو زيك كدا وأنتِ في وضع مخل وانزله علي النت عشان الغلابة تتفرج
وضعت يدها علي فمها مغمغمه بتوسل :
هديلك كل الفلوس اللي أنت عايزها لكن متعملش كدا
: بنت عمك واسمع ردك في رسالة كمان نص ساعة
أغلق المكالمة ثم جهاز الكمبيوتر المحمول، عندما دلفت ليلي تحمل كوب عصير … نهض من مقعده يأخذ بعض الأوراق قائلاً بحزم :
عايزك تجهزي شنطكم عشان هتسفروا الفجر
سقط الكوب من يدها وهي ترمقه بذهول، فاقترب عز يبعدها عن الزجاج مردد بحنق:
هو أنا كهربتك وأنا معرفش
حدجته ليلي بصدمه وهي تسأله بعدم استيعاب:
هنسافر الفجر ؟؟ بالسرعة دي !!
قدم إليها الأوراق مردفاً بوجوم:
هتسفري أنتِ والولاد وأنا هحصلكم كمان يومين
انكمشت ملامحها متمتمه بتعلثم:
ازاي هنسافر لوحدنا، وأنت ليه مش جاي معانا
أخرج لفافة تبغ مردد بتبرم :
كل اوراقكم سليمة وأول ما تنزلي ايطاليا منتصر هيكون مستنيكم وبعدها بيومين هكون عندكم مش حوار هو
ظلت تقف أمامه تنظر إليه بقلق بالغ، فوقف يسحبها إليه واجلسها علي ركبته هامسا وهو ينفث دخان تبغه:
مش عايزك تقلقي منتصر هياخدكم بيته تقعدي مع مراته لحد ما اجي ونشوف بيت لينا
: طيب أنت مش هتيجي معانا ليه ؟؟
رمقها شزراً واجابها بانزعاج :
ما خلاص يا ليلي قولتلك يومين وهحصلكم
هزت رأسها بخفوت وهي تنهض بوجه عابس، وقبل أن تتحرك قيدها في جلستها … ألقي اللفافة وحاوط خصرها مغمغم بخبث :
هما العيال فين
دفعته بقوة عندما فهمت مغزى نظراته الوقحة :
هاروح أشوفهم يساعدوني في تحضير الشنط
فك حصارها مبتسم وهتف غامزا :
تعالي وأنا أحضرهم معاكي
كل من تعامل منصور فهم أن لديه عقل مدبر، ذئب لا يغفل، لذلك كان التعامل معه بحذر شديد، فالوقوع مع عز لن يكون هين …. أفكاره الشيطانية لا تكون لديها احتمال للفشل، تركيزه في أدق التفاصيل، وجحوده، كونوا شخصية ساخطة، لم تعرف معني الخسارة إلا علي يد ذلك المُهيب كبير آل سويلم، الذي دمر حصونهم وجعلهم يهربون أمامه كفئران تبحث عن جحر يأويهم،
؛***********
في منزل مرتضي
تسللت مها علي أطراف أصابعها تخطو بحذر باتجاه الشرفة، معتقده أنه مازال يتحدث في الهاتف، لكنها خيب أملها عندما وجدت الشرفة خاليه…. دارت تبحث عنه لتجده يقف خلفها عاقد ذراعيه ببرود طاغي علي ملامحه… وضعت مها يدها على صدرها مردده بخضة :
وقفت قلبي حرام عليك
ضيق عينيه متسائلاً بشك :
بتتسحبي زي الحرامية ليه ؟؟
قطبت جبينها باستغراب مردفه بلامبالاة مصطنعة:
مش بتحسب ولا حاجه، كنت جايه أشوفك اتأخرت ليه
قرص وجنتها مغمغم من بين أسنانه بغيظ :
ولما ابنك يشوفك وأنتِ بتعملي كدا ويعمل زيك
فركت وجنتها بألم قائلة بضيق:
ما أنت مش عايز تقولي ايه حصل بينك وبين أخوك وايه دخل بابا في اللي بينكم
رد عليها باقتضاب فقد أصبح الحاحها يزعجه :
مش لما أفهم انا الأول وبعدين اقولك
واستكمل بحيرة :
امي بتسأل خليل هينزل إجازة أمته رد قالها أن المعلم سالم كلمه وهدده مينزلش البلد وكلام غريب كدا
أشارت مها علي نفسها متمته بدهشة :
بابا قال لي خليل مينزلش البلد !!
حرك رأسه مضيف بقلة حيلة :
وطبعاً امي مقضيها عياط وبحاول اكلم الحيوان عشان افهم منه مش بيرد
: هاروح بكرا وأسأل بابا ايه حصل ..
قاطعها بحده طفيفة:
اوعي يا مها تدخلي نفسك
واقترب منها مسترسل بهدوء :
مهما يحصل بين أهلي وأهلك احنا بره الموضوع، طول ما بابنا مقفول علينا هنفضل كويسين حبيبتي
أمأت إليه ببسمة صافيه قائلة بشغف :
هاروح اخلص مذاكره عشان نسهر بليل
واتجهت إلي غرفتها تكمل ما تبقي لديها، لقد اقترب موعد مناقشة رسالة الدكتوراه الخاصة بها …. بينما ظل مرتضي يحاول الاتصال بأخيه ليفهم منه تفاصيل مكالمة المعلم سالم إليه،
؛***********
: والله يا معلم سالم ما كدبت عليك في حرف
جلس علي الأريكة مشيراً علي الحقيبة قائلا بجمود:
يابني تكدب ولا متكدبش الموضوع ميخصنيش
نظر عمر إليه مردد بخوف :
عارف لكن ساعدني
تطلع المعلم سالم الي موسي يسأله بهدوء :
لو أنت مكاني هتعمل ايه ؟؟
: هاخد الشنطة واطرده
توسعت ملقتي عمر بصدمة قائلاً بتعلثم :
يا عم قول كلمة عدله
رد عليه المعلم سالم باقتصار :
لو مش عايز تتحمل مسؤولية الشنطة وديها لوالدتك، وهادية مش محتاجه اكتر من كدا
واسترسل بحزم :
لكن أنها تستني في بيتي فأكيد لا
أشار عمر علي موسي متمتم بقلة حيلة:
خلاص خاليها مع استاذ موسي…
: سـلامو عـليكو
دلفت كقطر خرج عن مساره، فابعد عمر الحقيبة للجهة الأخرى… بينما تقدمت ساره قائلة وهي تلوك العلكة :
كويس إني لقيتك يا معلم
قطعت حديثها وهي تنظر الي موسي مردفه بدلال :
ازيك يا حلو
كتم موسي ضحكاته عندما رسمة ساره الجدية خوفاً من نظرات المعلم سالم الذي سألها بوجوم:
خير يا ساره ؟!
وضعت يدها أسفل ذقنها تفكر بصوت مسموع :
هو أنا مش عارفه هو خير ولا مش خير
واسترسلت ببلاهة :
بص هو في كل الحالات أنت محسود يا معلم، آه وربنا أصل اللي بيحصل معاك دا يإما عين يإما عمل
قاطعها بتهكم :
لا فيكي الخير يا بنت ابو الفضل
شعرت أنها تثرثر دون داعي فتمتمت بجدية :
حاسه اني بتكلم كتير علي الفاضي
والتفت تنادي أحد ما بأن يدلف دون خوف، وبالفعل ولج شاب ملثم يرمقهم باضطراب :
ابو عيون مش مستويه جالي عشان اساعده، لكن أنا قولت ابدا وجبته لعندك لما قالي أن في كلام مهم بخصوص بناتك
ازاح سيف الشال من علي وجهه، فاستكملت ساره :
أخوه طرده لأنه رفض يقف معاه قدامك
تجمد عمر محله بينما هتف المعلم سالم بتهكم :
وايه الكلام اللي جمد قلبك عشان تيجي لحد هنا
نظر سيف حوله بخوف وأردف بتعلثم :
اديني الامان الأول
رسم شبه بسمة علي شفتيه مغمغما بدهاء:
مقدرش بصراحه
ود سيف أن يخبره بأن يقدم إليه المساعدة مثل عمر مقابل كشفه لخطط عز، لكن تهدجت أنفاسه عندما لمح الحقيبة أسفل قدم عمر، ورفع يده متسائلاً بذهول :
الشنطة دي فيها ايه ؟؟
التقط عمر الحقيبة وهو يصيح بغضب:
آه قول أنك جاي تلعبها أنت واخوك لما عرفتوا
خطي سيف باتجاهه ليتأكد بنفسه من الحقيبة، لمن المعلم سالم له رأي ثاني ووقف يقطع طريقه مردفاً بوعيد :
لما تقف في أرضي متتحركش يا بن منصور
أشار سيف علي الحقيبة وهو يهدر بارتباك:
لو عز أخد الشنطة دي مش هيخطف حد من بناتك
؛******

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!