روايات

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل العشرون 20 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل العشرون 20 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء العشرون

رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت العشرون

رواية بنت المعلم
رواية بنت المعلم

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة العشرون

تسابقت قطرات المطر تنهمر منذ بداية اليوم، مع صوت الرعد المجلجل بضجيج مفزع…. امتلأت الشوارع ببرك المياه، واغلقت الازقة بواسطة التربة الطينية… تسارعت كل قطرة في الهبوط لتصنع رنة وكأنها تعزف لحن ممزوج برائحة المطر، لمعت أوراق الأشجار مع تلك القطرات التي تتزحلق على غصونها، تزيل الطبقة الترابية من فوق أوراقها، وكأنها جاءت لتخلع ثوب الشؤم عنها….
بداية يوم يهب بعاصفة خافية ربما ستنتهي كما جاءت أو تكون بداية لنهاية أخرى…
منذ ليلة أمس يجلس متكأ على عصاه، يحدجه بثبات بعد أن جاء به إلى مخزن مصنعه…. نظرات هادئة تخفي حرب مشتعلة بينه وبين أفكاره، جمود صامت يتملك من تعبيره، التي جعلت سيف يهمس بتوجس بعد خمس ساعات متسمر محله، محاوط ملقتي تتفحصه باقتضاب:
أنا مش فاهم وجودي هنا هيفيد بإيه
واستطرد وهو ينقل بنظره الي ساره الجالسة في إحدى الأركان بإرهاق بادي على عينيها الناعسة :
أنا كنت رايح وعايزها تساعدني يعني مفيش اي نيه للغدر ولا كنت أعرف أن عمر معاه الشنطة
اعتدلت سارة في جلستها وهي تحرك شفتيها بحركة سوقية متمتمه بحنق :
جاي تقوله أن أخوك هيخطف بناته ومش ناوي على غدر
حرك سيف رأسه يمينا ويسارا مردد بخوف :
هو لما قالي كدا أنا رفضت وطرني وهددني هيقتلني لو شافني تاني
عند إذا تحدث عمر بسخرية مشيراً على الحقيبة :
سبحان الله يوم ما ألاقي الشنطة أخوك يطردك وتيجي تكشفه للمعلم سالم عشان تطلع منها براءة
ود سيف ان يدلف الي عقل ذلك الساكن يعرف ماذا يدور في رأسه الآن، صمته لا يدل على خير أبدا، مهما كان حديثه سيكون أهون من ذلك الصمت المريب…. احتدت نبرته وهو يرد على عمر بضيق :
ياعم قولت إني بقالي 3 ايام في الشارع وملقتش حد غيرها ممكن يساعدني لحد ما اشوف حته تلمني
وأخيراً صدح صوته الهادئ قائلاً بأمر :
روحي أنتِ يا ساره ولما احتاجك هبعتلك
نهضت تنفض عباءتها مردفه بخشية وهي تفتح باب المخزن :
ياحوستي دا أنا عايزة غواصة عشان أعرف اروح في الشوارع دي
أشار الي أحد رجاله متمتم باقتصار :
وصلها بالعربية
انصاع الرجل في آليه مخرجا مفتاح السيارة، عندما اقترب من ساره أشارت الي اخر الممر مغمغمه بدلال :
ما تشلني لحد العربية بدل العباية ما تتبل
جحظت أعين الرجل بذهول، فضحكت بميوعة مردده وهي تمر من أمامه رافعة عباءتها قليلا كي لا تلامس الأرضية المبللة :
صحيح رجالة هبلة وبتصدق اي حاجه
اتبعها الرجل في سكون، فمن المؤكد لن يرد عليها مهما بدر منها ويصبح اضحوكة القرية لأشهر قادمة…
في الداخل تبقى سيف وعمر والمعلم سالم بعد أن أشار الي رجاله بأن يخرجوا، ثم أشار الي الحقيبة متسائلا بجمود :
ايه حكاية الشنطة دي؟؟ طبعآ لو كنت عايز تخرج من هنا!!
: معرفش غير أن في 3 شنط فيهم سبايك دهب دولارات بالتساوي ومحدش يعرف مكانهم غير ابويا
سأله مجدداً بتهكم :
اومال عمتك عرفت مكانهم ازاي؟؟ وهي الشنط دي مكتوب عليها عشان تعرفها قبل ما تفتحها؟؟
جف حلقه وهي يرى الشك مصوب اتجاهه، ثم قال بتلجلج :
الشنط دي ضد المايه وصعب تتقطع أنا اللي جيبها لما كنت مسافر
هتف عمر يسأله بعد فهم :
ايوا برده لما أبوك هو اللي يعرف مكانهم امي عرفت ازاي؟!! وفين الشنطتين التانين؟؟
حدق سيف بالمعلم سالم مردفا بقلق :
معرفش مكانهم أساساً عشان أعرف الشنطة دي طلعت ازاي
واستكمل بارتباك :
لكن أنا ممكن اخد الشنطة وأوديها لي عز ووقتها مش هيفكر يخطف حد والموضوع ينتهي وتسبني امشي
ضحك المعلم سالم مردد بهدوء :
وليه تتعب نفسك وأنا موجود
فرك سيف وجهه بتعب، مدرك أن خروجه من هنا أمرا مستحيل، لم يتحكم في صمته عندما رأي تلك الحقيبة بين يدي عمر، جاء في عقله أن تلك الطريقة المثالية لكسب المعلم سالم وإيقاف أخيه قبل أن يلقى بهم في النيران المتأججة……
؛ ********
صعد علي السلم الخشبي يغطي تشققات السقف، فقد أصبح منزلهم حوض سباحة بسبب أن تلك المياه المتدفقة من الثقوب … تقدمت والدته تعطيه ما ينفع لمنع تلك المياه قبل أن يسقط ما تبقي من المنزل عليهم،
: أمته نقعد في بيت عليه القيمة ونرتاح من القرف دا
نظر إليها منير قائلاً بحماس :
هانت ياما كلها شهر ونقبض الجميعة وهعملك بيت محدش دخله في البلد
تنهدت والدته مردفه بأسي :
يارب يا منير اعيش وأشوف اليوم دا
هبط برفق مغمغما بعتاب :
هتعيشي وهريحك من تعبك واللي شوفيته
رتبت علي كتفه بحنو وهتفت بزهو :
عارف بقا لو تريح قلبي وتقولي أنك صرفت نظر عن الهبل اللي في دماغك، هدعيلك ربنا يوقفلك ولاد الحلال
ابتسم منير وهو ينظف ثيابه قدر المستطاع ثم أخذ بعض الدفاتر، فسألته والدته بعدم فهم :
أنت رايح فين في الجو دا ؟؟
اجابتها مهندم خصلاته في مراه صغيرة معلقة علي الحائط المتهالك :
عندي كورس ومش هينفع مروحش أنا مستأذن انهارده من المعلم سالم بالعافية
: هو أنت فاكر كدا أنها هتبصلك !! يا بني بص تحتيك بدل ما تقع علي جدور رقبتك
نظر إليها بضيق وقال بحنق :
ايه لزوم التقطيم علي الصبح كدا
ردت عليه باقتضاب الي تفتح أحدي النوافذ تشير الي المصنع الذي يقع علي مسافة ليست بعيدة من منزلهم :
عشان تفتح عينك علي حقيقتك علي ياخويا
حرك رأسه باقتصار وهو يشير إلي المياه أسفل قدميها، وتمتم بتهكم:
علي الله يطلعلك سمكة قرش من نهر الامازون اللي تحت رجليك دا زي ما أنتِ كسره نفسي دايما
سمع سابها المعتاد وهو يخطو في الشارع، ثم وضع دفاتره أسفل ملابسه، وبدأ يقفز بحرص شديد كي لا يتسخ لحين خروجه من شارعهم الذي أصبح بركه طينية ….
؛***********
بعد ساعتين بدأ الطقس في التحسن، فألحت مي على خلود ان تصاحبها إلى منزل عمها…. وها هي تجلس مع بنات عمها بعد أن بدأت الحديث باعتذارها على سوء تعاملها معهن، وأنها أدركت خطأها التي ندمت على اقترافه، كان حديث سهل عليها اخراجه امامهن، لكن كان سكين حاد يمزق ما بين ضلوعها وهي تبتسم بلطف ممزوج بسُم مندرج داخلها….. أدركت أنها شخص سيء الي درجة التقزز، لأول مرة ترى الوجه الآخر من ذاتها على حقيقته المفجعة،
: يا بختك يا ست خلود هتسافري وتشوفي حياة تاني
ابتسمت خلود على حديث خيرية وعقبت بضيق :
بالعكس والله مش مبسوطه خالص اني هبعد عن هنا
دار الحديث المختلف حولها وهي تفكر في سبب ما يجعلها تستطيع الخروج من المنزل بصحبة احداهن قبل أن تمر الساعة المحددة إليها….. فقالت بتعلثم تحاول التحكم به :
بنات عيد ميلاد ربيع بكرا ممكن واحده فيكم تيجي معايا نختار هديه لان مش عارفه اجيب ايه
انكمش بين حاجبي مروه مردفه بسخرية :
سلامتك يا مي، مش شايفه الجو بره عامل ازاي
اضافت حسناء بسلاسة :
ممكن تختاري هدية من اي محل ونطلب منهم يجيبوها وخلاص
أمأت اليهن بفتور وهي تبتسم بتوتر، وكغريق يتشبث في احبال نجاته، وفجأة تنقطع تلك الاحبال وتسحبها الأمواج الي دوامة الموت….. وكأنه يريد إثبات انه الموت القادم، رأت رقمه يعتلي شاشة هاتفها، فنهضت مستأذنه أنها ستجيب على زوجها،
بعد دقيقة من سردها لمحاولتها الفاشلة في إخراج احداهن من المنزل هدر بها متوعد كظيم :
صدقيني لو عدت الساعة 3 من غير ما اشوفك واقفة مع واحده من بنات عمك لتكون نهايتك على أيدي، وفي فيديو حلو هيتبعتلك اول ما اقفل عشان اثبتلك حُسن نيتي
كتمت شهقاتها عندما وجدت امل تركض خلف ابن أختها مغمغمه بغيظ :
أقف يا سامر وكفايا لعب يإما هكلم جدو وقوله يزعل منك
ضحك ذلك الارعن متسائلا بلؤم :
مين الكتكوت؟؟
لم ترد عليه مي فعاد سؤوله بحده :
مش بحب اعيد كلامي، مين الواد ده؟؟
تمتمت بتلجلج غير مدركه مغزى سؤاله :
ابن مها
جاء صوته الخبيث وهو يقول بفحيح :
واكيد جدو مش هيقدر على بعده
فتحت مي عينيها على وسعهم عندما فهمت ما ينوي عليه، حاولت التحدث فقاطعها بصرامة :
نص ساعة وتطلعي بالولد على أول البلد من جهة الأراضي الزراعيه، واهو هيخف عنك بدل ما أنتِ مش عارفه تعملي حاجه مع خالاته
استمعت الي إنذار إغلاق المكالمة، ومن ثم إشعار برسالة تحتوي على رابط تحميل، ضغطت عليه بيد مرتعشة… وما هي إلا ثوان ورأت عدت صور فاحشة، كاد من يراها يجزم أنها حقيقة من احتراف تركيبها….. جففت عينيها واتجهت الي أمل تخبرها بأن تترك سامر يلعب معها وتدلف هي، ولضجر أمل من تصرفات سامر المشاغبة واقفت لبضع دقائق….
: بقولك ايه تيجي معايا أوريك لعب رشدي الجديدة
ابتسم الصغير بحماس مردد بفضول :
لعب ايه
أمسكت يده تسحبه للخارج وهي تهتف بأسلوب أثار فضول الصغير أكثر :
لعب جديدة لسا منزلش هنا
: بس أنا مقولتش لي ماما
بلعت غصتها وهي تردف بفتور :
متخفش انا قولتلها
اطمأن الي حديثها واتبعها الي أحدي الشوارع التي تعتبر نظيفة الي حد ما كي يعرفوا أن يسلكوها سيرا … علقت كفه الصغير بين قبضتها، وهي تتحرك بآليه، شعرت بأنها تمشي علي جمر كلما خطت خطوة للأمام، راودها الرعب وهي تتخيل ما الممكن حدوثه عندما تصبح تحت يد ذلك البغيض، وما مصيرها بعد أن يعلم عمها بأنها من دفعت بحفيده الي الخطر ….
: هو احنا جايين هنا ليه يا خالتو ؟؟
انعقد لسانها ولم تجد ما تتفوه به، وعندما وقفت في المكان المعهود، وقدمت نفسها الي حافة الموت بيدها، شعرت بالذعر يتملك أوصالها… وفي عجلة أخرجت هاتفها تأتي برقم أخيها، لا تفهم هل تريد من ينقذها أم تريد بأن تعتذر منهم قبل أن تختفي للأبد….
؛؛؛؛؛؛؛
كان يقود السيارة بهدوء منذ أكثر من ساعة بعد أن وصلت بهم الطائرة للقاهرة، نظرت نيره للجهة الأخرى تتأمل الطريق بشرود، ورغم اصرارها على إلغاء رحلتهم والعودة، ينتابها الضيق لإفساد كل لحظاتهم معا…… صدح رنين هاتفه فأجاب دون أن يري من المتصل، وعلى حين غرة وقف فجأة حتى كادت نيره أن تصطدم بالزجاج، وصاح بقلق بالغ :
اهدي وفهمني بتعيطي ليه
كانت كلمات متقطعة وغير مرتبه، ولكن وجود اسم عز في الأمر، فمن المؤكد لن يكون خير، حاول سالم تمالك اعصابه قائلاً بهدوء :
ارجعي يا مي بسرعة وملكيش دعوة بكلامه
ردت عليه من بين بكائها بصوت متهدج :
مركب فيديوهات كدب والله يا سالم
ضغط سالم علي أسنانه وهو يهدر بقلق :
تولع الفيديوهات والصور
واسترسل باضطراب :
ارجعي مع سامر ولا صوتي ولمى الناس وأنا هكلم الرجالة تجيلك
لم يجد رد منها فصاح يناديها بخوف وهو يضرب المقود بغضب…. على الجهة الأخرى وقفت سيارة سوداء أمامها مباشرة، وهبط منها رجلين قويان البنيه، بلعت مي لعابها وهي تتشبث في ملابس سامر بقوة، وعندما أمسك أحدهم الصغير صاحت ببكاء :
مش هسيبه لوحده
نظروا الي بعضهم ثم أمسك أحدهم سامر، وأخذ الاخر الهاتف من بين يدها يلقيه بعيدا، قبل أن يدفعها الي داخل السيارة، التي تحركت بسرعة مريبة إلي المكان المحدد بواسطة رئيسهم… عندما عم السكون في المكالمة صاح سالم بصوت عالي :
ربنا يخدك يا شيخة، وربي لأقتلك لو فضلتي عايشه
أشعل المقود مجدداً وتحرك بأقصى سرعة محاول الاتصال بابن عمه، فتماسكت نيره في مقعدها بخوف متسائلة بقلق :
في ايه يا سالم؟؟
لم يرد عليها فعادت تسأله بحده طفيفة :
مين الأنت كنت بتكلمها دي؟؟ ايه بيحصل فهمني؟؟
غمغم بضيق دون أن يلتفت إليها :
اسكتي دلوقتي
انكمشت قسمات وجهها من أسلوبه فقالت بتذمر :
لا مش هسكت غير لما تفهمني
واسترسلت حديثها الاهوج بسخرية :
ولا دي حركة منك عشان تنسيني عملتك
ذاد اضطرابه عدم إجابة محمود أو سالم علي اتصاله، فجاء برقم عمه ولكن قبل أن يجري الاتصال، اختطفت نيره منه الهاتف وهي تردف بعناد :
كلمني زي ما بكلمك
ضغط علي المقود أسرع وهو يهدر بغضب جلي جعلها تعود للخلف في مقعدها :
هاتي التلفون ومش عايز اسمع صوتك
انتفضا الاثنين علي صوت سيارة ظهرت أمامهم فجأة، فصرخت نيره تخبره بأن ينتبه قبل أن يصطدم بها، حاول سالم التحكم في سرعة سيارته ولكن خرج عن الطريق واصطدم بحجرة ضخمة جعلت مقدمة السيارة تتحطم بشكل مفجع ….
؛ ***** بقلم حسناء محمد سويلم
: يعني هو الكلام اللي عندك مكنش ينفع جوه
حركت رأسها بالنفي وهي تبتسم ببلاهة، فقطبت هند جبينها تسألها باستغراب :
مالك يا رحمه؟؟
جاء الرد من خلفها عندما ظهر موسى فجأة مردد بشغف :
بصراحه رحمه عملت حاجه عمري ما هعرف اشكرها عليها
اقتضبت ملامح هند وهي ترمق اختها بضيق، فأسرعت الأخرى تقول برجاء :
عايز يديكي حاجه قبل ما يمشي
عقدت هند ذراعيها تسأله دون أن تنظر اليه :
وايه الحاجه دي بقا؟؟
قدم إليها علبة تحتوي على كريم تجميل اتي إليه للتو من الخارج بعد بحث مكثف :
دا كريم تجميل كل الدكاتره رشحوه وبيقولوا نتيجته مضمونه
رسمت شبه بسمها على شفتيها متمتمه بخيبة أمل :
مش دا نفس الكلام اللي قولته على الكريم اللي معايا
واسترسلت باستياء :
شكرا ليك بس متتعبش نفسك لاني خلاص تقبلت الأنا فيه
تحدثت رحمه مضيفة باندفاع :
مش يمكن دا تكون نتيجته مرضيه ليكي
رد عليها موسى بهيام :
والله هي مرضيه في كل حالتها
ضحكت رحمه بخفوت، بينما احتدت نظرات هند وهي تنتشل العلبة من يده مردفه بجمود :
شكرا على تعبك مرة تانيه
ابتسم مغمغم بعاطفة بالغة من نبرته المتيمة :
ياريت تعبي كله يكون ليكي
استشاطت غيظا فقالت بحده :
وبعدين معاك أنت مش هتبطل طريقتك دي
صمت لبرهة يرمقها بمشاعر مضطربة وهتف بمقولة كانت موجودة في دفتر يومياتها:
“‏كُفِّي عن التَّمثيلِ ولا تتقمصي دورَ القتيلِ وقلبُكِ القتَّالُ”
انبهرت رحمه بكلماته العميقة، بينما توترت هند من تذكره لكل تفاصيل دفترها … وقبل أن تخرج الحروف من بين شفتيها، صدح صوت ساخر وقف صاحبه بشموخ واضع يده في جيب جلبابه الابيض :
لا يا جماعه بلاش سيرة القتل أحسن جتتي بتتلبش
خطي للداخل مستكملا بخبث وهو يرمق هند التي جفت الدماء في عروقها :
بس ملكش حق يا موسي بقا قلبها القتال بس
اقتضبت ملامح موسي مزمجر بحده:
هو أنت مش بتعرف تتكلم غير مع الحريم
ابتسم بسمة صغيرة مؤكداً علي حديثه باستفزاز :
عشان كدا جيت اتكلم معاك
اقترب موسي يقف أمامه ببسالة وغمغم بسخرية:
وأنت عرفت تيجي لوحدك ولا رجالتك وصولك
كان يقصد اختباءه من أعين الشرطة، ولأنه لم يأتي إليه تحكم في غيظه، وتجاهله وهو ينظر إلي رحمه التي كادت أن تفر الي الدرج :
متنسيش يا حلوه تبلغي بابا أن الكتكوت الصغير مشرفني
تسمرت محلها وهي ترمق هند بعدم فهم، فسألته هند بتوجس:
تقصد مين ؟؟
جلس علي الأريكة يضع قدم فوق الأخرى مردد بعنجهية:
ابن أختك يا احلي خالتو
ما إن أنهي جملته ظهروا رجاله حاملين أسلحة نارية وهم يقتحموا المنزل …. شهقت رحمه بهلع وهي تختبئ خلف أختها التي نظرت إلي موسي بفزع، الذي هدر بوجوم :
ياخي كل مره بتثبت أنك واحد عاجز بيتحمي في أشباه رجاله
دفعت هند أختها بأن تصعد الدرج تستغيث بوالدها، وما هي إلا دقيقة وهبطت مها تصرخ باسم ابنها … وبصعوبة امسكتها هند كي لا تخرج وسط هؤلاء المجرمين، حين إذا ضحك عز مردفاً بمراوغة:
مش عارف اوصفلك احساسي وأنا سامع العياط دا
انتفض موسي من محله يفرغ كل غضبه، لكن مانعوه مجموعة من الرجال مقيدينه بقوة، فاستكمل عز بحزن مصطنع :
لا عيب عليك التصرفات دي واحنا في بيوت راجل محترم
خرجت كوثر مع عليا بعد أن استمعوا إلي ضوضاء أثارت ريبتهم… شهقت كوثر بخضة وهي تري ابنها مقيد من قبل رجال يرسم الإجرام علي وجوههم، في حين تجمدت عليا محلها عندما لمحت نظرات عز الوقحة،
نهض يتمخطر باتجاهها قائلا بمكر جعل موسي يهيج بغضب جلي:
عليا أنتِ عارفه وحشتيني ازاي
عادت عليا للخلف بزعر فأمسكها من خصرها قبل أن تبتعد أكثر وسحبها إليه بعنف، وعندما حاولت كوثر اعتراض طريقه دفعها بقوة جعلتها تسقط أرضاً… ركضت هند تساعدها علي الوقوف واخذتها بالقرب من والدتها، عندما رأته يأمر رجاله بأن ينهوا حياتها إذا خرج منها صوت …
: والله يا عز لاندمك …
أراد عز استفزازه أكثر، فحرك يده يتحسس خصر عليا بوقاحة من بين دموعها المرتعبة:
هتندمي ازاي
كست الحمرة ملقتي موسي وهو يحاول فك حصاره قائلاً بشراسة :
خاليهم يفكوني وأنا أعرفك
أشار عز لأحد الواقفين فسدد الي موسي لكمة عنيفة، وبعدها انهال عليه أكثر من خمس رجال بالضرب المبرح في أنحاء جسده … تحت صراخ والدته وأخته المعلقة بين يد ذلك المغلول، وبكاء نساء منزل المعلم سالم بخوف،
ابتعدوا عنه عندما دلف المعلم سالم، فهتف عز بحفاوة :
ياه عاش من شافك يا معلم سالم
تطلع المعلم سالم الي نزيف موسي وهو يجاهد نفسه في النهوض، لكن غلبته آلام جسده وسقط مجدداً … هرعت كوثر تمسح دمائه وهي تبكي بحرقة، ومن ثمّ نقل نظره الي مها التي ركعت علي ركبتها تتمتم باسم ابنها بهستيريا ودموعها تتسابق علي وجنتيها …
: ايه يا معلم سالم مش هترحب بيا
حدجه بجمود قائلاً بثبات :
ترحيبي بيك مش دلوقتي يابن منصور
أشار عز الي أحدي رجاله فتقدم الآخر يرفع شاشة هاتفه أمام أعين المعلم سالم … رجل ملثم يمسك سكين يضعه علي عنق سامر الذي يبكي بخوف، وكأن رجفة سامر وصلت إلي جده الذي شعر بأن السكين توجد علي عنقه الآن، لم يخفي قلقه ولن يحاول اخفاءه فلن يتحمل أن يصيب حفيده اي مكروه …
سأله بوجوم :
عايز ايه ؟؟
قطب عز جبينه باستنكار متسائلاً بسخرية :
معقول مش عارف ؟!!
أشار المعلم سالم علي الباب الحديدي، فولج عمر ومعه الحقيبة الذي ألقاه أمام عز …. هتف المعلم سالم باقتصار:
أظن عارف الشنطة دي فيها ايه
تطلع عز إليهم بصدمه طغت على قسمات وجهه وصاح بحنق:
الشنطة دي وصلت هنا ازاي
ولج مرتضي وهو يلهث ودون سابق إنذار قيده رجلين بعنف، تقدم عز يتأكد من الحقيبة، فأردف المعلم سالم بوعيد :
لو حد لمس شعره من حفيدي مش هيطلع عليك صبح
ضحك عز وهو يلمس السبائك الذهبية مردد بتهكم:
لا كدا الكلام اختلف، مش لما اعرف فين الشنطتبن التانين الأول يا معلم
ضرب المعلم سالم بعصاه أرضاً، وما هي إلا ثوان معدودة وظهر عدد مهول من الرجال الحاملين الاسلحة المتخلفة، وتبعاً لإشارة المعلم سالم التفوا حول المنزل …. كادت أن تغلق شوارع القرية من عددهم، أو أغلقت بالفعل وهم يزدادوا عدداً بشكل مُهيب … جيش لا يهاب الموت، ولا يعرفوا معني الخوف، ليسوا رجاله فقط، كل من يعرف بوجود خصيم كبيرهم، انضم الي الحشد حتي وإن كان فارغ اليدين …
: كل صبر وليه آخر يا بن منصور وأنا جبت أخري
؛*****

سرت رجفة في أوصاله متطلع حوله باضطراب، وعلى الرغم من حرصه على جعل كل السبل تؤدي اليه، الا أن ذلك الحشد الدي يقف كحصن يحاوطه بسوط الموت…. جعل ذلك الارتباك خلف قناع البرود وهو يقول بتهكم :
يكون في علمك يا معلم أن مش فارق معايا سواء طلعت من هنا أو لا، لكن على ما اظن إنك راجل كبير ومش هتستحمل تشوف راس حفيدك ولا بنت أخوك في وضع استغفر الله العظيم
اقتصر المعلم حديثه مزمجر بجمود :
ومين قالك اني هكتفي بخروجك من هنا
لم يريد عز أن يظهر فضوله في مقصده، وهتف باقتضاب :
أعرف فين الشنطتين الباقيين وحفيدك يرجعلك
اقترب المعلم سالم منه بضع خطوات مردد بصرامة :
أنت عارف إن ابوك هو اللي يعرف مكانهم
ضحك بسخرية وقبل ان يتفوه قاطعه المعلم سالم بإشارة من يده مستكملا بشراسة :
من رأى تتصل تطمن على المدام والولاد
بهتت ملامح عز وهو يرمقه بدهشة مردد بترقب :
لا متقلقش المدام والولاد في مكان أمان
ابتسم المعلم سالم بهدوء مردفا بمكر :
معلش اتأكد
عند إذا أدرك عز أن هناك أمر مريب يحدث حوله دون علمه، وبقلق ملحوظ أخرج الهاتف على أمل أن يستمع أن ما الرقم الذي يحاول الاتصال به مغلق، ولكن انكمشت قسمات وجهه مع سماعه لرنين المكالمة، ثوان واجابته ليلى فسألها بصدمه :
أنتِ مش على الطيارة ليه؟؟
: طيارة!! هو مش أنت طلبت من سيف يكلمني واستناك في المطار لحد ما تيجي
ضغطت عز على الهاتف بعد أن اغلقه، فهتف المعلم سالم مبتسما :
عايز أقولك أنه بيكلمها عشان يعرف مكانها زي ما هو ولا لا، لكن المدام كفت ووفت وعرفته أنها مسافره وأخوك قام بالواجب بقا
واستكمل بوعيد :
وطبعاً أنت عارف إنك مش لوحدك اللي ليه حبايب في كل مكان
برزت عروق وجهه عز بغضب جلي، ثم صاح بغل :
لو حد فكر يقرب منهم قول على حفيدك يارحمان يا رحيم
صدح أصوات متداخلة من الحشد بغضب على ما بدر من عز، فأشار إليهم المعلم سالم بالتزام الهدوء مردفا :
قدامك عشر دقايق وتكون قررت يتنهي اللعبة
واسترسل بحده :
يا أنا هنهيها
ظهرت صوت أنفاسه العنيفة وهو يقبض على كفة بقوة، ود أن يأمر رجاله بأن يطلقوا الرصاص عليهم جميعاً ويفتك بهم، كل هذا اُفسد بسبب غدر سيف الذي لو أراد لقتله في هذا اليوم بدلا ما فعله الحين….
: ماشي هننهي اللعبة دلوقتي لكن لقينا معاد تاني
رسم المعلم سالم شبه بسمة مغمغم بتهكم :
ومين عالم يابن منصور
حرك عز رأسه مؤكدا إليه وهو يقول بوجوم :
في الدقيقه اللي هخرج منها من البلد حفيدك وبنت أخوك هيكونوا علي وصول الي هنا
واسترسل بعبث :
إلا لو حبيت تسيب بنت السولمة معايا شويه
احتقن وجه جابر بحمرة الضيق، وهو لا يعلم ما سبب وجود مي مع سامر حتى يقعا في عرين عز من الأساس،
: وتفتكر أنت راجل كفايا عشان أخد بكلمتك
قطب جبينه باستنكار وسأله بعدم فهم :
يعني ايه؟؟
اجابه بحنق :
يعني مش هتتحرك من هنا غير بوجود سامر ومي
رفع عز كتفيه ببراءة قائلاً بمراوغة:
برحتك
أنهي كلمته غامزا فتحرك أحد رجاله صوب المعلم سالم، ورفع شاشة هاتفه أمام وجهه يريه ذلك الملثم الذي اقترب من مي بإشارة من عز … دفعها أرضاً وخلع حجابها رغماً عنها، فانتفض المعلم سالم يمسك عز من جلبابه هادر بوعيد :
لم كلابك أحسن ليك يا عـز
ضحك عز وأشار إلي رجله بأن يتوقف، وهتف بخبث :
ليه كدا كنت عايز اشوف التكملة
قبض المعلم سالم علي عصاه والتفت الي رجاله يأمرهم بالابتعاد، اعترض عبده وجابر علي ما ينوي أخيهم علي فعله، ولكن لصرامة أمره تنحوا جانباً علي امتعاض، وخاص أن جابر لا يريد أن يترك فرصة لذلك الأرعن ليهرب من براثنهم ….
تنفس الصعداء مع بدأ بصيص أمل لنجاح خططته، فهو يعلم أن المعلم سالم لن يتخطى مبادئه ويساومه علي ليلي مثلما يفعل هو :
طبعاً أنا مقدرش اغصب عليك تصدق كلامي لكن ممكن تيجي معايا بنفسك وتاخد مي وسامر
تبادلت النظرات بين الجميع بدهشة، ومنهم من فهم أن ذلك الأرعن يخطط لشيء ما، عكس المعلم سالم الذي قال دون تفكير :
جهزوا العربية
كل همه بأن يعود حفيده دون أن يمسسه اي ضرر، لن يتحمل رؤية جابر يتألم بفقد ابنته … صاح عبده بغضب:
مش هتروح لوحدك يا معلم
قهقه عز قائلاً ببرود طاغي :
ومين قال إن المعلم سالم هيكون لوحده
واسترسل مشيراً علي بناته:
المعلم ليه يختار اي سندريلا عشان تكون معاه
صمت المعلم سالم لبرهة وغمغم بهدوء أصاب عز الغيظ الشديد :
هو أنت فاكر اني لو ناوي علي غدر، هقف عشان بناتي ولا فاكر اني مقدرش فعلا أخد مراتك وعيالك واخليك تلف حولين نفسك بقيت عمرك
حدق عز برجاله مردف باقتصار :
هو دا آخر كلام عندي
حمل أحد الرجال الحقيبة منتظر إشارة الخروج، ونظر المعلم سالم الي بناته بقلة حيلة باديه، ومن ثمّ نقل نظره بين الواقفين بحيره …. أخذ نفس عميق وردد باستياء:
مكنتش أحب أدخل في طريق زي دا لكن أنت المصمم
لم يفهموا مقصده إلا مع ولوج ممدوح بصحبة أيمن مختار… ابتسم ممدوح بخبث وهو يرمق عز بحقد دفين، بعد أن اقتنع بفكرة أيمن والذهاب إلي المعلم سالم لاكتساب صفحة جديدة معه، فكان رجل أيمن مازال يتبع ليلي الي المطار، وبصعوبة دفع مبلغ باهظ الي أحد عمال النظافة كي يظل يراقبهم كي يظلوا علي معرفة بحط تحركهم حتي داخل المطار، وعندما جاء اتصال سيف إلي ليلي كان في نفس الوقت اتصال ايمن يخبر المعلم سالم بأنه في صفه مع ممدوح ويستطيعوا المساعدة، ولأن ليلي لم تكن بالقدر الكافي من خبث عز وعائلته، لم تشكك في حديث عامل النظافة عندما أخبرها بأن زوجها أرسل إليها سيارة بالسائق تنتظرها بالخارج ….
: طبعاً مش عايزك تقلق لان المدام في عنينا
لم يعقب عز علي حديث أيمن وظل يرمقهم بجمود، فاقترب المعلم سالم منه مغمغم بسخرية :
شوف سبحان الله ربنا مسلط عليك عباده في وقت واحد
واسترسل برزانة:
من غير ما اعرف تخطيطك ولا نوياك أخوك يجي يفتح عيني في نفس وقت اللي عمر يجي ومعاه الشنطة واللي نفس وقت ما ممدوح قرر يكون في صفي ويبلغ أيمن أنهم يعرفوني عنوانك ومكان مراتك
رتب علي كتفه برفق مستكملا :
” مهما بلغت في تفيكرك وتخطيطك اللي لا يمكن يفشل، تدبير ربك غير، واللي ربنا رايده هيكون ”
تجاهل عز حديثه وقال بصرامة:
هتيجي معايا لوحدك في عربيتي
كاد الاعتراض من الرجال فأشار إليهم بالهدوء، ثم أشار إلي عز بالتقدم ليتبعه في هدوء …. صراخهن الفتيات بخوف علي والدهن، واراد مرتضي أن يلحقهم بسيارته، ولكن أمره بأن يجلس بجانب زوجته لحين عودته، كاد عبده أن يصاب بالجنون من تهور تصرف سالم كما وصفه، فذلك المعتوه لن يصعب عليه خدعاهم، بينما جلس جابر بوهن علي الأريكة وبجانبه عزيز، الذي حاول الحديث بكلمات ليطمئنهم بأنها مسألة وقت وسيعود المعلم سالم بخير مع سامر ومي،
في حين اقترب محمود وأخوه من موسي يحملونه إلي الداخل، لحسن الحظ هناك طبيب في وسط الحشد سيقوم بفصحه حتي إرساله الي المشفى، ولج يعقوب من بين الجميع يقف بجانب حسناء مرتب علي كفها بحنو، متمتم بكلمات لطيفه لعلها تكف عن البكاء، ولكن لفت نظره سيف الذي تغيرت ملامحه المتأسية الي ثعلب خبيث، كيف لهم أن يغفلوا عن وجوده بينهم !!
كاد أن يخطو إليه ولكن قاطعه والده يطلبه للذهاب مع مرتضي ليلحقوا بالسيارة عز قبل أن يختفي آثارها… ومن شدة شرود يعقوب لم يخبر أحد بشكوكه اتجاه سيف، أو علي الأقل كان أخرجه من محيط المنزل … لم يفهم عمر ما وقع به، أفصح المعلم سالم عن هوية ممدوح أمامه، نعم إنه نفس الشخص الذي اتي الي المشفى يطمأن عليه هادية، لكن ما صلته بما يحدث ؟؟ ولِما نظرات الكراهية بينه وبين عز !!
؛*********** بقلم حسناء محمد سويلم
في غرفة مظلمة لا ترى فيها سوي نور تسلل من تشققات الباب….. تورمت عينيها من كثرة البكاء، فهو وسيلتها الوحيدة لتخفيف فزعها، ترى ماذا يحدث الآن؟! هل اكتشف والدها أنها سبب كل ما يدور حولهم الآن؟؟ ألف سؤال لا تحد إجابة لهم، تخطت مشاعرها اضطرابها حتى أنها لا تشعر سوي بالفراغ…
: متخافيش يا خالتو، جدو هيجي يخودنا
مسحت مي وجهها وهي تحرك رأسها إليه مؤكدة أنها لن تخف، فأكمل سامر حديثه قائلاً بهدوء :
ماما كانت بتقولي لما أخاف اقرأ آية الكرسي، اقرأيها أنتِ كمان ومش هتخافي خالص
وكيف تخبره أنها لا تعلم ما هي آية الكرسي، دائماً تسمع عن فضل قراءتها، ولكن ولا مرة كلفت نفسها بالبحث عنها، أو علي الأقل تعرف في أي سورة ذكرت …. قالت بصوت محشرج:
قولها وأنا هقولها معاك
عجبا لصغير يتلو ما حفظه عن رحابة صدر، مبتسماً وكأن السكنية أخذت مسكن لها في قلبه لتطرد الخوف بما يتلوه من آيات قرآنية… كانت تقول مثلما تسمع من سامر، وهي تبكي بحرقة، تبكي علي تلك الأيام التي عاشتها علي خطئ، تبكي علي جهلها لدينها، تبكي علي ما فعلته وتدفع ثمنه حتي الآن …
بعد أن انتهي قال بحماس كبير وكأنه سعيد بإخباريها بما يمتلك من معلومات :
عارفه لو قرأتيها كل يوم الصبح وبليل ربنا بيحفظك، ماما دايما تقولنا كدا
ملست مي علي خصلاته مردده بهمس :
هحفظها واقولها زيك
فُتح الباب علي مصراعيه ودلف رجلين، واحد حمل سامر متجاهل صراخ مي، والاخر قبض علي معصم مي يجرها للخارج …
؛*******
تحامل علي ألمه وخرج من الغرفة يبحث عن أحد يدله علي غرفتها … تحرك في الممر بصعوبة وهو يضغط علي حرج رأسه بقوة، فقد أصاب بجرح غائر في مقدمة رأسه، ولم يشعر بشيء بعدها الا عندما آفاق وأخبرته الممرضة أنه انتقل مع زوجته بعد حادثهم بواسطة المارة …
: يا لو سمحت أنا بلغتك تلزم سريرك لحد ما الدكتور يشوفك بنفسه
تجاهل حديثها متسائلاً بقلق بالغ لا يتركه سواء في أمر زوجته أو أخته:
مراتي فين ؟؟!
مطت الممرضة شفتيها بضيق من تجاهلها، وقالت بأليه :
المدام في غرفة التحاليل
عقد حاجبيها متسائلاً بتوتر :
هي كويسه ؟؟
حركت رأسها بهدوء مردده :
ايوا، لكن بنطمن علي وضع الجنين
أمأ إليها والتفت يجلس علي المقعد يتصل بأحد يطمأنه علي مي … وعلي حين غرة انتفض وهو يردد اخر كلماتها بصدمة :
جنين !! جنين ايه !!!!
ثم صاح بعلو صوته يسألها بعدم استيعاب:
جنين مين ؟؟ أنا بسألك عن الست اللي كانت معايا في العربية !!
دارت الممرضة ترمقه بتعجب وعادت بضع خطوات وهو تردف بضجر :
وأنا مقولتش غير كدا والله، ولو ممكن توطي صوتك احنا في مستشفى
رفع سالم حاجبيه باستنكار وسألها باستهجان:
يعني هو أنا قولت أننا في ملاهي !! فين مراتي ؟؟
أشارت إليه علي أحدي الغرف وتركته ورحلت بتذمر، بينما تحرك سالم الي الغرفة بكدر من أسلوب كهذا من مشفي خاص لها اسم ممروق … لم يطرق الباب وفتحه بضيق، وجد نيره تعتلي فراش وبجانبها طبيبة تتحدث معها، ومن الواضح علي نيره الصدمة التي لم يصدقها عز حتي الآن..
: ايه دا، أنت ازاي تدخل غرفة الكشف بالطريقة دي
لم يتحرك من مكانه قائلاً بصرامة :
مراتي وداخل اطمن عليها
واسترسل وهو ينظر إلي نيره :
قومي ياله لازم نمشي
قطبت الطبيبة جبينها باستغراب وسألته بعدم فهم:
ازاي تمشي في وضعها دا ؟؟!
نهضت نيره من الفراش وهي تقول بصوت محشرج:
سالم أنا حامل
اجتمعت العبرات تملئ ملقتيها بفرحة عارمة، نظر سالم إليها تارة والي الطبيبة تارة متسائلاً ببلاهة :
حامل ازاي يعني ؟!!!!!
ضحكت الطبيبة وهي تهتف بمزاح:
المدام قالتلي أنكم متعرفوش بحملها لكن مش للدرجة دي
شعر بالارتباك يتمكن منه، هناك أسئلة عدة تدور في عقله، ولكن شروده في أمر مي جعله يفقد كل تركيزه، نظر إلي نيره قائلاً بعجلة :
خاليكي هنا كملي تحاليلك لحد ما ارجع
لم ينتظر ردها وخرج مغلق الباب خلفه، فوقفت هي تطلع إلي الباب بذهول، أهذه ردت فعله علي خبر حملها بعد تلك المدة ؟؟ هل هذه فرحته بحملها المفاجئ!! بدلاً من وجوده معها ليطمئن علي حالتها الصحية ذهب وتركها وحدها في اجمل لحظاتهم …. خرجت من أفكارها علي صوت الطبيبة وهي تخبرها بأن تصعد للفراش لاستكمال التحاليل اللازمة ،
؛*******
أخذ أنفاسه بصعوبة وهو يلهث من ركضه حتي صعد إلي الطابق المخصص، ود أن يعرف مكان الحقيبتين لعله يساعد في إشغال عز عن أفعاله…. اتجه إلي غرفتها بعجلة، وما أن فتح الباب وجد الغرفة فارغة !!!
تقدم عمر داخل غرفة والدته بدهشة، جال بنظره بتعجب ثم خرج ينادي الي أحدي الممرضات…
: لو سمحتي فين الست اللي كانت في الاوضة دي !!!
تطلعت الممرضة إلي رقم الغرفة مردفه :
الحاجه هاديه خرجت امبارح بليل
” خرجت !!!! ” رددها بصدمه، وسألها بعدم فهم:
خرجت ازاي ؟!! وراحت فين ؟!
رفعت الممرضة كتفيها بلامبالاة وهو تقول :
طلبت تخرج والدكتور سمح ليها
حرك عمر رأسه بعدم استيعاب مردد باستنكار :
يعني ايه سمح ليها !! هو أنتو مش قولتوا أنها لازم ليها رعاية خاصة !! وازاي تخرجوا واحدة مش بتتحرك أساساً!
: حضرتك في عربية جات أخدت الحاجه وكان معها ممرضة خاصة وقالت للدكتور أنها رايحه مكان في إمكانية تكمل بقيت جلساتها
كل يوم تثبت إليه أنها كفيلة بالسيطرة علي بلدة بأكملها، حتي وهي علي فراش المرض تخطط كما تشاء، كلما حاول بدأ صفحة جديدة معها، أمسكت الدفتر وألقته علي ابعد يدها …. لا يفهم ما تنوي إليه تلك المرة، ولكن لن ينتظر منها إجابة، ولن ينتظر عودتها من الأساس، حتي التفكير في مكانها لن يشغل نفسه به، نهض يخرج من المشفى يعود إلي منزل المعلم سالم، سيبدأ تلك المرة حياة جديدة بعيده عن تلك العائلة…
؛**********
قاد السيارة إلي مكان بعيد عن المناطق السكنية، وعندما اقترب وجود رجاله، سأله بجمود :
تفتكر لو قتلتك دلوقتي هتعيش ؟؟
أجابه دون أن يلتفت إليه :
مش هتقدر
أوقف عز السيارة بعنف مردد بحنق:
أنت دلوقتي بين أيدي فبلاش تستفزني
نظر إليه المعلم سالم مردفاً بسخرية لاذعة:
إن خوفت متعملش وإن عملت متخفش
واستكمل بوجوم :
أنت دلوقتي مش بتفكر غير في خروجك من الموضوع بأقل الخسائر مع مراتك وعيالك
عاد عز يشعل مقود السيارة وهو يهتف بتهكم :
ما أنت كمان خايف علي حفيدك ودا دليل أنك جيت معايا لوحدك
: الخوف والقلق والتفكير والمشاعر عمتا غريزة في الإنسان الطبيعي، إنما اللي بيحاول يخفي ضعفه دا واحد عايز يخلع ثوب الإنسانية ويرسم جماد عكس طبيعته
لوي عز جانب شفتيه مغمغما بسخرية:
أنا آسف اني هقطع عليك درس الطبيعة والاحياء دا
ابتسم إليه بهدوء مردد بهدوء :
متقلقش عارف اني كلامي للناس اللي عندها عقل
احتقن وجه عز متسائلاً بغيظ :
وأنا عندي قلقاسه علي كدا ؟؟
: خرابه
استكمل حديثه بجدية جعلت عز في قمة غضبه من هدوء ذلك الرجل الذي سيكون سبب إصابته بالشلل حتماً:
خرابه فاضية ومش لاقيه حاجه تشغل نفسها بيها غير أنها ترازي في الناس
علي مرمي بصره وجد سيارة سواء تقف بجانب الطريق، وما أن اقتربوا هبط منها رجلين ومعهما سامر ومي ….
: فين ليلي ؟؟
أجابه باقتصار وهو يهبط :
تقدر تكلمها وهي تقولك
ركض سامر إليه وهو يهتف بسعادة، ولكن قبل أن يصل إليه رفع عز سلاحه باتجاهه مردد بمكر :
ايه رأيك نضيف شوية اكشن
احتدت نظرات المعلم سالم وهو يري الذعر في عين سامر عندما توقف بخوف، وصاح بغضب:
افتكر أن عيالك مش اغلي من حفيدي يا عز
ضحك بتشفي وهو يري الخوف يتراقص علي قسماته، ثم ابعد سلاحه واتجه الي الجهة الأخرى بجانب رجاله…. تحركت مي بسرعة الي عمها لكنها تسمرت محلها عندما تذكرت ما يحلمه ذلك الخبيث، عادت إلي عز تقف أمامه وهي تسأله بصوت مختنق :
فين الصور ؟؟
فرك ذقنه مردد بمراوغة:
صور ايه معلش !!
صدح صوت عمها في المكان يناديها بحده، التفت تخطو الي الجهة الأخرى بعجلة، فوقفت أمام عمها متمتم بخفوت:
معاه صور بيهددني بيها …
بترت جملتها عندما استعمت إلي صوت سيارات الشرطة التي حاوطت المكان فجأة… تطلع عز حوله بصدمه ثم حدق بالمعلم سالم الذي ابتسم بخفة، أصبح فريسة في منتصف دائرة رسمها صيادها، لم يجد ملاذ للفرار منه، فأخرج سلاحه مصوبه علي المعلم سالم، فإن كانت النهاية اليوم لن تكون نهايته لوحده …
حاوطوهم رجال الشرطة وهم يأمروهم أن يتركوا أسلحتهم أرضاً، في حين سحب المعلم سالم حفيده خلفه خوفاً من نظرات عز التي تخبره أنه حسم أمره، وعلي حين غرة أطلق رصاصة لم تخيب هدفها، ثم صوب السلاح علي كتفه وأطلق رصاصة أخري ليسقط أرضا هو الآخر….
؛*******
لم تجد مفر من خوفها المسيطر عليها سوي سجادة الصلاة، جلست في احدي الأركان تبكي في صمت، تدعو الله بأن يعود والدها بخير مع ابن أختها… مسحت وجهها بسرعة ونهضت عندما استعمت إلي صوت أحد ما قادم،
ظنت أنها والدتها أو أحدي أخواتها فخرجت تسأل بتوتر :
ها في جديد ؟؟
تسمرت محلها بفزع مردده بتوجس :
أنت دخلت هنا ازاي ؟؟
ابتسم سيف قائلاً بسلاسة :
شباك المطبخ كان مفتوح من الجهة التانيه
قبضت حسناء علي يدها بقوة وهي تسأله باقتضاب:
وداخل ليه ؟؟
واسترسلت بغضب :
اتفضل اطلع بره
اقترب منها فعادت الي الخلف متمتمه بوعيد :
اطلع بره أحسن ليك
لم يمهلها وأمسك بها واضع يده علي فهما يمنع صراختها، ثم هتف بخفوت :
مش هأذيكي بس اسمعيني
حاولت حسناء التخلص من قبضته بهلع، لا تفكر سوي في ابشع ما يحدث إليها الأن … حركت يدها بعشوائية وهو يحكم كتم صوتها كي لا يصل الي مسمع من في الخارج، وعلي حين غرة شعرت بأنه امسكت شيء مدبب في يدها من أعلي الطاولة الموجودة بجانبها، فرفعت يدها تدفعها به في وجهه كي يتركها …. حل عليهم هدوء ما قبل العاصفة، تراخت قبضته عنها فابتعدت بزعر، وهي تصرخ بصوت مرتفع، مع صراخ سيف المفجع لألم عينه الذي دلف ذلك الشيء المدبب في منتصف ملقتيه ….
وقف من في البهو بخضة وتقدم جابر وعبده إلي الداخل بعجلة، في نفس وقت دلوف أحد الصبية وهو يقول ببكاء :
المعلم سالم اتقتل
” المعلم سالم مات ”
؛********

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!