روايات

رواية بك أحيا الفصل الثامن عشر 18 بقلم ناهد خالد

رواية بك أحيا الفصل الثامن عشر 18 بقلم ناهد خالد

رواية بك أحيا الجزء الثامن عشر

رواية بك أحيا البارت الثامن عشر

رواية بك أحيا الحلقة الثامنة عشر

الفصل الثامن عشر…. ” كما هي! ”
اتجهت معه للمطبخ النائي قليلاً عن صالة المطعم و المصمم على الطراز الأمريكي حيث تُصنع المشروبات هناك عكس المطبخ المغلق المخصص لطهي الطعام، وقفت تجاوره وهو يشير لها للمكان حوله بينما يشرح موضحًا:
_ شغلك كله هيبقى هنا أنتِ والبنت الي هتيجي كمان شوية، هتعملوا المشروبات وانا هاخدها للزباين، زي مانتي شايفة الي قاعد في الصالة برا مش هيكون شايفكوا، واعتقد ده أفضل عشان تكونوا على راحتكوا.
نظر لها بعدما كان يتجنب فعل هذا أثناء حديثه، فقد أراد التركيز في الحديث ولن يحدث هذا وهو ينظر لها أبدًا، والآن فقط فعلها وهو ينظر لها بأعين تلتمع حنينًا، وحبًا، وشوقًا لها إن رأتهم لشعرت حتمًا بشيء خاص يسكن نظراته، شيء كان سيثير ريبتها، وحمدًا لله أنها لا تنظر لعيناه دومًا، بل مجرد نظرة عابرة قبل أن تشيح بنظرها لأي مكان آخر كما فعلت الآن قبل أن تجيبه براحة:
_ ايوه افضل كتير، مبحبش احس ان في حد متابع تحركاتي.
ابتسم ثغره بحنين وهو يراها ما زالت متمسكة بنفس خصالها القديمة، مازالت كما هي، لطالما أخبرته حين كانت طفلة أنها لاتحب أن تُسلط الاضواء عليها، ولهذا لم تحبذ تلك الفقرة التي تخرج فيها امام المدرسة باكملها تحت مسمى الإذاعة المدرسية، ودومًا أرادت الهرب منها لولاه هو من كان يدفعها لفعل هذا ويشجعها الليل بأكمله حتى تستطيع فعلها في صباح اليوم التالي، ويبدو أنها رغم قربها من العشرين لم تتخلص من تلك العادة.
_ زين.
التفتا على صوت “طارق” الذي علىَ ينادي على الأخير وبجواره وقفت فتاة في منتصف العشرينات تقريبًا، ذات شعر أسود وبشرة بيضاء وملامح جميلة لحد ما، وثيابها المتكونة من تنورة تصل فوق ركبتيها تمامًا ذات لون بني فاتح، وكنزة بنصف أكمام وفتحة عنق واسعة بلونها الأخضر المنعش، مع حذائها ذو الكعب العالي التي أصدر صوتًا مسموعًا فوق الأرضية، ورغم عدم حبها لما ترتديه إلا أنها شعرت براحة من ملامحها التي بدت بريئة وهادئة لحد ما، وجدت “طارق” يشير لها وهو يعرفها قائلاً:
_ دي رنا الي هتشتغل معاكِ في القسم هنا يا أنسة خديجة.
اومأت برأسها تفهمًا وهي تقول بهمس مسموع:
_ اهلاً بيكِ يا رنا.
ابتسمت لها المدعوة “رنا” بهدوء وهي تجيب تحيتها بمرح طفيف:
_ اهلاً بيكِ أنتِ يا خديجة، إن شاء الله نعمل شغل حلو سوا.
ابتسمت لها “خديجة” وشعور الراحة يزيد داخلها:
_ ان شاء الله.
تركهم “طارق” بعدما انهى مهمته ولكن قبلها أشار ل “مراد” ليلحق بهِ، فاستأذن منهم وهو يقول:
_ هسيبكوا أنا بقى، نورتي يا رنا، أنا زين هكون معاكوا هنا.
يالها من عينان لم تراها من قبل! هل هما خضرواتان أم زرقاوتان لا.. يبدو أنهما رماديتان! ام مزيج من كل هذا!، تشعر وكأنه بطل سنيمائي خرج لها من أحد الأفلام الأجنبية التي تعشقها، ابتسم ثغرها تلقائيًا وهي تجيبه بوله:
_ والله العظيم نورك يا زين.
لم يشغله حديثها ولا نظراتها التي أوحت بانجذابها له، فهو معتاد على ما هو أكثر من هذا بكثير، لذا اكتفى بابتسامة مقتضبة لها قبل أن ينسحب من أمامها بهدوء، وبالطبع لم ينسى إلقاء نظرة أخيرة على خديجة التي كانت تكبت ضحكتها بصعوبة على الجملة الحمقاء التي هتفت بها تلك الغريبة.
اقتربت منها بعدما ذهب وهي تسير بظهرها ونظرها محل اختفاءه حتى أصحبت جوار “خديجة” فهتفت باندهاش وتلقائية جعلت ثغر “خديجة” يتدلى تعجبًا منها:
_ يا خرابي، ايه ده؟ حلويات مولد النبي دي؟
لم تجيبها بل ظلت صامتة، وهذا ما جذب انتباه الأولى لتنظر لها فوجدت معالم الدهشة تزين وجهها، فضحكت وهي تدرك سبب دهشتها وهذا ما دفعها للتوضيح وهي تقول:
_ لا فُكي كده، احنا هتبقى خلقتنا في خلقة بعض ١٠ ساعات فلازم نشيل الحواجز الي بينا.. بزمتك الواد مش مُز؟
ابتسمت “خديجة” وهي تهز رأسها بقلة حيلة يبدو أن هذه الفتاة كارثة متحركة، اجابتها بحذر:
_ معنديش مانع نشيل الحواجز، ونتكلم مع بعض زي ما تحبي، بس سوري مبحبش اتكلم في الحاجات دي.
قطبت حاجبيها بعدم فهم وهي تسألها:
_ حاجات ايه يا اختي؟
ضحكت بخفة وهي توضح:
_ قصدي الي قولتيه عن استاذ زين، مبحبش اتكلم بالطريقة دي عن شاب، مفيش داعي ناخد ذنوب على حاجات تافهة نقدر نتجاهلها.. حتى لو جواكِ حسيتِ ان شكله حلو بلاش تقولي ده.. يعني مش بايدك تمنعي نفسك تقولي رأيك فيه بس في ايدك تتحكمي في لسانك، ولا ايه؟
رفعت حاجبيها باعجاب بها وهي تقول:
_ شكلك نضيفة يا خديجة، وده نادرًا ما بلاقيه، هو عمومًا مش قصدي حاجة وحشة، انا خدتها من باب ال fun مش اكتر.
اومأت برأسها متفهمة وهي تعقب:
_ فاهمة، بس ال fun (المرح) الي يشيلنا ذنوب بلاش منه، كفاية الي احنا شايلينه.
ابتسمت لها “رنا” بود وهي تقول:
_ لا بقى ده أنتِ good girl جدًا. (فتاة جيدة)
ضحكت “خديجة” وهي تعقب:
_ وانتِ شكلك مسلية جدًا، مقابلتش حد زيك في حياتي.
رفعت منكبها بسأم وهي تذم شفتيها:
_ يبقى حياتك كئيبة يا اختي.
حركت رأسها بقلة حيلة:
_ للاسف مش بأيدي، واضح انك ربنا يسعدك يعني، حياتك كويسة.
ابتسمت بجانب شفتيها وهي تخبرها بمرح يحمل سخرية كبيرة:
_ جدًا، ده انا حتى واحدة مُطلقة ومعايا طفل عنده سنتين، وانا لسه عندي ٢٣ سنة، المفروض بربيه وانا لسه ناقصة تربية.
ضحكت بخفة في جملتها الأخيرة، تحت نظرات “خديجة” المصدومة بما عرفته عنها، لم تتوقع أبدًا أن هذه الفتاة التي بدت مرِحة تحمل في جعبتها الكثير…
ابتعد في هدوء بعدما اطمئن من تلك الفتاة التي أتى بها “مينا” للعمل يبدو أنها جيدة وستكون خير ونيس لخديجة الفترة القادمة، ابتسامة غزت وجهه وهو يتذكر حديثها لها عن عدم حبها للتحدث عن شاب بطريقة كتلك، امتلأ صدره فخرًا بصغيرته التي يبدو أنها تحمل الكثير من الأخلاقيات التي لم يسمعها عنها يومًا.
________________
لأول مرة والدتها تفعل شيء في صالحها، لأول مرة تعنتها وجبروتها يكن في صالحها.. او هذا ما صوره لها عقلها المعمي بحبه!
فركت كفيها بتوتر وهي تنظر له في الخفاء بينما المأذون يغلق دفتره وينهض ناويًا الذهاب، هل أصبحت زوجته؟ هل حقًا تحقق حلم طفولتها أخيرًا وباتت له وكُتبت على اسمه؟ تذكرت ذلك الشجار الطويل والعنيف الذي دار بين “سرية” وشقيقها ” منصور” حين وضعت الأولى ذهابها لجامعتها أمام زواجها من “ابراهيم” تتذكر جملتها النكراء التي قالتها وهي تقف في مواجهة شقيقها حين قالت
“أنتَ رايدها تدخل الجامعة من غير ما تكون مرته، وأبصر تجابل مين هناك ووجتها نلاجيها داخله علينا بعيل مايع وتجولك رايده اتجوزه، لاه مهيحصلش ياخوي البت دي لازمن تتربط بابن خالها جبل “قبل” الجامعة ياما مفيش جامعات وده اخر حديت عندي”
ورغم أنها شعرت بالحزن والغضب لعدم ثقة والدتها بها، وشعرت بأنها باصرارها هي على الزواج أنقصت من قدرها وكرامتها، ولكن رغم هذا شعور خفي بالسعادة تسرب إليها وهي ترى حلمًا بعيدًا بات أقرب مما تتصور، فارس أحلامها، رفيق طفولتها، وحب حياتها سيصبح ملكًا لها أخيرًا، وربما هذا ما دفعها للوقوف أمام خالها معربة عن عدم اعتراضها على شرط والدتها، وخاصًة حين رأت الأمر سيتطور لدرجة أن خالها كان مقبلاً لضرب والدتها، وقتها انتفضت واقفة بينهما وأخبرت خالها بخجل أنها لا تمانع من الزواج في الوقت الحالي طالما أنه مجرد عقد قرآن، وبالفعل هدأت ثورة خالها وهو يوافق على الأمر مضطرًا وهذا ما اظهره في العلن فقط! أم بداخله فكان هناك أمر آخر دفعه للموافقة..
_ خلاص عملتِ الي ريداه؟ يلا طرجينا بجى.
نظرت لشقيقها بدهشة هل طردها للتو؟ نهضت عن الكرسي وهي تشير لذاتها بدهشة:
_ بتطردني من بيتك ياخوي؟
بملامح جامدة كان يكرر جملته:
_ روحي بيتك، سيبي البت رايد اتحدت وياها.
ضغطت على أسنانها بغيظ وهي تومئ برأسها منسحبه من أمامهم بعد أن ألقت نظرة أخيرة لابنتها وهي تخبرها:
_ متعوجيش “متتأخريش”.
أشار لهما للجلوس بعد أن ذهبت “سرية” فجلسا بتعابير وجه مختلفة تمامًا، ف “فريال” كانت خجِلة، متوترة، تشعر بمشاعر كثيرة متضاربة ولكن جميعها ترجع لفرحتها الداخلية.
وأما عن “إبراهيم” فقد كان وجهه لا يحمل أي شيء، أي شيء تمامًا، وكأن عقد القرآن الذي حدث منذ قليل لا يخصه.
أخذ “منصور” نفس عميق وهو لا يعرف هل ما فعله صواب أم خطئ، ولكن ماحدث قد حدث، والآن يجب وضع النقاط فوق الأحرف، فقال موجهًا حديثه لهما:
_ لازمن دلوجتي نوضح الفترة الجاية هيكون التعامل بينكوا ازاي، مش معنى أن الظروف عجلت بجوازكوا أن الوضع اتغير، لاه، الوضع هيبجى زي ما هو…
وجه حديثه ل”ابراهيم” وهو يخصه بالحديث:
_ بت عمتك هتعاملها كأنها خيتك بالضبط، معاوزش تجاوز بأي شكل، واظن فاهم جصدي.
اومئ برأسه بملل وهو يجيبه:
_ فاهم يا حاج، متجلجش، بعدين ماهي هتدلى “هتروح” مصر، يعني مهشوفهاش غير كل فين وفين.
شدد على حديثه وهو يقول:
_ حتى لو شوفتها، انسى انها بجت مرتك..
وهنا دقَ قلب تلك المسكينة التي عشش حبه في قلبها حتى أهلكه تمامًا، دقَ قلبها بفرحة طاغية وهي تستمع للقبها الجديد من فم خالها، واحمرت وجنتيها بشدة من فرط مشاعرها، ولكنها تماسكت قليلاً وهي تجد ضفة الحديث تتحول لها وخالها يقول:
_ وأنتِ يا فريال لو جربلك ولا عملك حاجة معجبتكيش تجوليلي طوالي، سامعة؟
اومأت سريعًا بتأكيد أنها ستفعل، تحت نظرات السخرية التي انطلقت من أعين “إبراهيم” ما له والده يعامله كأنه الوحش الذي سينقض على الجميلة!! هو لا يحترق شوقًا للقرب منها مثلاً!
_ يلا جوم وصلها يا إبراهيم.
نهض بتحفز فها هو والده قد اعطاه الفرصة على طبق من ذهب، وقفت هي الأخرى مصحوبة بخجلها الذي كاد يفقدها وعيها، فلأول مرة ستسير معه في طريق واحد منذُ وصلوا للمرحلة الاعدادية، بل وأصبح زوجها! ياله من لقب حلو الوقع على نفسها وقلبها!
بخطى متريثة، خجولة كانت تجاوره في طريقهما لبيتها، تنتظر حديثه بفارغ الصبر، أليس عليهِ أن يعبر عن شعوره تجاه ما حدث!؟ أليس من المفترض أن يغازلها أو يطرب أذنيها ببعض الحديث العذب في مناسبة كهذه!؟
طال صمته حتى قارب الطريق على الانتهاء، وحين فتح فمه ليتحدث كان يقول بنبرة عادية:
_ حديت ابوي الي جاله ولا كأنك سمعتيه، اي حاجة تحصل بينا محدش تالت يدرى بيها، المفروض انك مش صغيرة وخابرة زين أن الي بين الراجل ومرته ميطلعش لحد واصل مهما كان مين.
لم يغازلها، ولم يلاطفها، ولم تسمع حديث عذب، ولكن نبرة صوته التي تذوبها تكفي، لفظ الرجل وزوجته الذي اطلقه عليهما جعل دقاتها تعزف مقطوعة رائعة، ربما الأمر لا يستدعي كل هذا، ولكن شدة شوقها لكلمة طيبة منه، يجعلها ترى حديثه العادي حديثًا يطربها.
ابتلعت ريقها قبل أن تجيبه بهدوء:
_ خابرة، متجلجش محدش هيدرى باللي بينا.
نظر لها بعدما توقفا أمام بيتها، هي جميلة، ربما لكنه يرى جملها عادي، أو ربما هذا ليس الجمال الذي يجذبه! لا يعلم ولكن على أي حال لا يشعر بانجذاب نحوها كانجذاب رجل لأنثى! ويتمنى أن يتغير هذا قبل الزواج الفعلي وإلا كيف ستكون علاقتهما طبيعية على النحو المطلوب!
أشار لها للدلوف للبيت، فتحركت بقلبٍ سعيدٍ، تشعر بذاتها تحقق ما طمحت إليهِ دومًا، حتى وصلت للباب فالتفت لتشبع عيناها بنظره أخيرة ولكنها وجدت ظهره هو ما يقابلها وهو يسير عائدًا لبيته القريب لحد ما، لِمَ هو متعجل في الذهاب هكذا!؟
“فريال” بداخلها صوت يهمس لها بأن “إبراهيم” لا يحمل لها ربع ما تحمله من مشاعر، لكنها دومًا ما تكتم هذا الصوت مقنعة ذاتها بالعكس.
______________
_ همشي أنا بقى، هروح اظبط المخازن، هو حضرتك هتحضر التسليم ازاي ووقتها هتكون هنا!!؟
هذا ما قاله “طارق” وهو يقف أمام “مراد” في غرفة المكتب، ليجيبه” مراد” بهدوء:
_ المطعم بيقفل ٢، وميعاد التسليم ٢، فأنت هتخرج تقولهم إن النهاردة عشان أول يوم شغل هيقفلوا بدري ساعة يعني ١.
هز رأسه بعدم اقتناع وهو يخبره:
_ والشحنة الي جاية بكرة، ميعاد تسليمها ١١ هتعمل فيها ايه؟
أجابه بملل:
_ مفيش مانع تروح تستلم مكاني.
كتم ابتسامة ساخرة كادت تزين ثغره وهو يقول:
_ طيب، في معلومة وصلتني من شوية يمكن سعادتك معندكش عِلم بيها.. الشحنة بتاعت بكرة الشخص الي البوص الكبير باعته من طرفه هو دياب الحلاوني.
تغيرت معالم وجهه مائة وثمانين درجة، من هادئة غير مبالية، لاشتعال تام وغضب اختلط بنظراته التي تكاد تصدر شرارًا، برزت عظام صدغه من شدة ضغطه على أسنانه قبل أن يقول:
_ ابن ال*****، هو رجع من الداهية الي كان فيها امتى؟
اجابه “طارق” بهدوء:
_ عرفت انه رجع من يومين، الشغل الي كان بيخلصه للبوص في ايطاليا خِلص، فرجع.
_ خِلصت روحه.
رددها “مراد” بنزق كبير، فذلك “دياب” بينهما حروب القوم، منذُ انضم “مراد” للعمل معهم وهو لا يستثيغه أبدًا، ولا الآخر فعل، كره متبادل بينهما، كانت نتيجته غير محمودة أبدًا، حتى أن “دياب” كاد يتسبب في سجن “مراد” ذات مرة، و”مراد” حين ردها له كاد يتسبب في موت الأخير!
_ خلاص روح أنتَ دلوقتي وبكره نشوف.
اومئ “طارق” بقلة حيلة وانسحب من أمامه مجبرًا، فطالما وصلَ “مراد” لهذه الحالة المزاجية السيئة من الأفضل له اجتنابه.
________________
في المستشفى…
نظرت له باشمئزاز قبل أن تقول بامتعاض جلي:
_ يا سم! مش حلوة على فكرة وبايخة.
لوى جانب فمه بابتسامة باردة وهو يعقب:
_ مهي مش نكتة! هو مجرد رد على طريقتك المستفزة، بتساوميني على قهوة! طب خليها حاجة عليها قيمة.
تنهدت بضجر مقررة انهاء الحديث في هذا الأمر، فسألته بهدوء:
_ لا بجد قولي حالتها ايه؟
وهنا كان يجيبها بجدية:
_ زي ما الدكتور قالك على فكرة، هي كانت جلطة بسيطة بسبب دواء معين اخدته، بس الحمد لله لحقوها وهي حاليًا حالتها مستقرة.
_ هي خدت دواء مسكن وكان ضغطها عالي، الدكتور قال مكنش ينفع تاخده والضغط عالي كده، طب هي ليه مبتفوقش؟
رددت الأخيرة بحزن ظهر واضحًا في عينيها، فأجابها بتريث:
_ بصي، الغيبوبة مهاش دليل أبدًا على سوء وضع المريض، أحيانًا بيكون سببها نفسي، وأحيانًا بتكون مجرد راحة تامة للجسم، واوقات تانية بيكون الجسم لسه مستعادش كامل نشاطه، وده غالبًا وضع والدتك، هي لسه جسمها مش جاهز، بس هتفوق في أقرب وقت، يعني يمكن في خلال يومين ان شاء الله، لأن كل المؤشرات الحيوية كويسة.
تنهدت براحة كبيرة وهي تردد:
_ الحمد لله، متتخيلش مرعوبة عليها ازاي.
ابتسم لها بهدوء قائلاً:
_ لا الموضوع مش مستاهل كل ده، الوضع ابسط من كده، أن شاء الله هتقوم بالسلامة.
اومأت برأسها مؤمنه على جملته الأخيرة، ثم نظرت له وهي تمد كوب القهوة ناحيته وتردد بابتسامة:
_ كده حلال عليك القهوة.
التقطه منها وهو يهتف بمرح خفي اظهره في غيظ مصطنع:
_ هاتي ربنا ما يحكمك على ولايا.
ضحكت بخفة وهي تشاركه احتساء القهوة ويتبادلان أطراف الحديث من حين لآخر.
____________
مساءً… تحديدًا في الثانية عشر منتصف الليل..
في أحد الملاهي الليلية في مدينة شرم الشيخ..
وضعت الكأس من يدها وهي تنفض خصلاتها الحمراء المجعدة للخلف، ومشطت المكان بعيناها الخضراء الواسعة قبل أن تنطلق نحو جهتها ألا وهو الحمام، وشفتيها المكتنزة باغراء تدندن مع كلمات الأغنية التي صدحت في أرجاء المكان، حتى وصلت للحمام، دلفت لدقيقة تقريبًا ثم خرجت، لتشهق متفاجئة حين وجدت أحدهم يجذبها من ذراعها لتصبح مستندة بظهرها على الحائط، وهو مقابلها، ملسَ بكفه على وجنتها وهو يردد بسُكر:
_ ايه الجمال ده كله، في حلاوة كده! ما تيجي نسهر مع بعض شوية، هتتبسطي صدقيني.
توترت، وارتبكت من قربه المبالغ بهِ، لتحاول الحديث علّه يبتعد..
_ عديني لو سمحت ميصحش كدة، انتَ فاهم غلط انا مليش في الحاجات دي.
قالتها بارتعاش وهي تحاول الفرار من ذلك السكير الذي احتجزها بينه وبين الحائط، وأين؟ أمام حمام النساء، ياله من عديم تربية!
_ ليه بس دي الحاجات دي حلوة اوي، بعدين ملكيش فيها ايه، هو احنا واقفين في مدرسة ده احنا في كبارية!
رددها بسخرية وهو يقترب منها أكثر واضعًا كفه فوق خصرها لتتململ في وقفتها بخوف وهي تحاول ابعاده عنها بقدر الإمكان ولسانها يردد بدموع:
_ مش كل الي بيروح كبارية له في الحاجات دي، بعدين انا كنت جاية مع صاحبتي بس هي مشيت.. ابعد لو سمحت وسبني امشي.
والعكس تمامًا هو ما فعله حين زاد اقترابه منها ناويًا تقبيلها رغمًا عنها ورغم تململها ومحاولاتها للفرار، وقد بدأت في الصراخ بقوة علَّ أحد ينقذها، رغم معرفتها لاستحالة هذا، فأولاً صوت الأغاني يعلو صوت صراخها بكثير فلن يسمعها أحد، ثانيًا حتى وإن سمعها أحد فكل من هنا سُكارى لن يتقدم أحد لانقاذها وسيظنون أن ما يحدث ملاطفة من نوع خاص بينها وبين رفيقها!
كانت تنشب بأظافرها في وجه علّه يبتعد، لكنه لم يفعل، وبدى على بُعد سنتيمتر واحد من ثغرها المذموم بقوة في محاولة منها لتجنب حدوث ما يريده، وفجأة.. شعرت بأحدهم يجذبه بقوة من فوقها ولكمة قوية كانت كفيلة بطرحه أرضًا مع سُكره، وبعدها وجدت ذلك الرجل يتقدم منها وهو يسألها بحذر:
_ أنتِ كويسة يا أنسة؟
رأته بصورة مشوشة وقبل أن يقترب أكثر أو أن يستمع لاجابتها كانت تسقط فاقدة الوعي بين أحضانه التي اسرعت بالتقاطها..
____________________
وقف أمام الطاولة العريضة التي تفصل بينه وبينهما، ينظر لها بعينيهِ اللتين تحتويها بقدر المستطاع، عقله مازال لا يصدق أنها أمامه ومعه، ومتأكد من أنه بمجرد عودته لمنزله والخلود للنوم، في صباح الغد سيستيقظ خائفًا من أن يكون كل ما عاشه أمس مجرد حلم، لن يقر بواقعيته إلا حين يأتي للمطعم ويراها مرة أخرى، خرج عن صمته وهو يهتف بسؤال هادئ:
– ها كله تمام!؟
رفعا رأسهما له بعدما كانا يعدان أحد المشروبات كي تتعلم “خديجة” أكثر، وقالت “رنا” بابتسامة واسعة ما إن أبصرته:
_ تمام جدًا، خديجة شطورة اوي و بتتعلم بسرعة.
كان ينظر ل “رنا” أثناء حديثها، مما سنح الفرصة ل “خديجة” للنظر إليهِ، ليس لشيء سوى لشعورها بأنها تعرفه، عيناه تشبه.. ربما نسيت كل ملامحه لكن عيناه المميزتان لم تنساهما أبدًا، وكيف تفعل وهي تراهما في كوابيسها شأنهما شأن سارة! غير قلبها الأحمق الذي يخبرها بأنها تعرفه، رأته سابقًا ربما، وقع بصرها عليهِ صدفة ذات مرة! لا تعلم، كل ما تعلمه أنها تشعر بالألفة تجاهه، لدرجة تثير حيرتها بشكل مُربك لقلبها ولعقلها!!
“التواصل الروحي بعضنا يؤمن بهِ والبعض الآخر يعده من الخرافات، وبين هذا وذاك ضاعت الحقيقة، ليبقى لنا خيار واحد لمعرفة الصواب من الخطئ وهو التجربة، التي قالوا أنها خير دليل!”
وتجربة “خديجة” كانت بالفعل خير دليل لحالتها، فقد نجح ذلك التواصل الروحي معها!
انتبهت لجملة” رنا” وهي تقول بود:
_ مش كده وبس، ده احنا كمان بقينا صحاب، مش كده يا ديجا؟
” ديجا” لم يكن عليكِ قولها يا رنا.. أبدًا!
________________
وضعها في فراشه في تلك الغرفة التي أجرها في الفندق الذي هو أحد نزلاءه، وجلس جوارها لعدة دقائق حتى أتاه اتصال هام، فاضطر للخروج تاركًا اياها بالغرفة، مقررًا العودة سريعًا ليعلم قصة تلك الفتاة التي انقذها من حادثة تحرش للتو!
مجرد شعورها بغلق الباب فتحت عيناها سريعًا وهي تثب من فوق الفراش واقفة، واتجهت للباب تضع أذنها فوقه لتجد صمت تام بالخارج فتأكدت من ابتعاده، وهنا بدأت رحلة عملها، اتجهت للخزانة الكبيرة تفتحها فوجدت ضالتها، خزنة صغيرة برقم سري تمتلكه، وضعت الأرقام لتُفتح الخزنة، فعبثت بمحتوياتها حتى حصلت على مبتاغها، اوراق تخص شحنة هامة للمنظمة التي تعمل معها، كان يحتجزها ذلك الحقير ليبعثها للمنظمة التي يعمل لصالحها والتي هي نِدًا للأولى، اغلقت الخزنة والخزانة، واتجهت للباب بعدما وضعت الأوراق في ظهر كنزتها، بين ظهرها وقماش الكنزة المحكوم نهايتها بالتنورة التي ترتديها، اتجهت بخطى حذِرة للخارج حتى اطمأنت للوضع، ففتحت الباب وخرجت بكل ثقة تمشي في طرقات الفندق حتى خرجت منه تمامًا، كانت هناك سيارة تنتظرها فاستقلتها على الفور، لتنطلق بها السيارة بعيدًا، وحينها ازالت ذلك الشعر الأحمر المستعار ليظهر شعرها الأسود وبهِ بعض الخصلات البُنية، وبالمحرمة ازالت مستحضرات التجميل التي غيرت شكلها تمامًا، فظهرت بشرتها الخمرية، ثم تخلصت من لاصق العيون الأخضر لتظهر عيناها السوداء بوضوح، وجدت السائق يمد يده لها بالهاتف، لتلتقطه وهي تجيب على الفور، وبعدها كانت تقول بفخر واعتزاز بذاتها:
_ طبعًا done “تم” يا بوص، ده انا هاجر الحديدي هو انا أي حد؟!!
“إحذر من مكر حواء، وإحذر من برائتها الزائدة، فكلاهما قد يوديان بكَ إلي شر أعمالك!”

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بك أحيا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!