روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وأحد عشرة 111 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة وأحد عشرة 111 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء المائة وأحد عشرة

رواية أغصان الزيتون البارت المائة وأحد عشرة

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة المائة وإحدى عشرة

||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل المائـة وحادي عشر:-
الجُـزء الثـانـي.
“كان على أحدنا أن يبادر بالتضحية، ومن الواضح إنه حان دوري لتلك المبادرة.”
____________________________________
حنانهِ عليها في أوّج أزمتها النفسية لم يكن سوى مستثيرًا لحساسيتها المفرطة، ومحفز لمشاعر العداء ضدهِ، وهي ترى فيه “صلاح القُرشي” مرة أخرى، وكأنه بُعث من الموت ليؤرق عليها أنفاسها.
انتشلت “سُلاف” نفسها من بين ضعفٍ كاد يتغلب عليها في لحظة، ونفرت من لمساتهِ الخبيرة والمتعمدة الوصول لأوتارها الواهية. رمقتهُ بإستنكارٍ تحلّى ببعض الفتور، وأردفت بسخريةٍ :
– مفيش حد يعوض أبويا يا حمزة.. أنسى اللي بتحلم بيه ده يحصل، انت مش هتكون أي حاجه بالنسبالي.
لم يقوَ “حمزة” على الخروج من ذروة مشاعره التي يعيشها بصدقٍ منذ لحظات، بالرغم من صدمته إلا إنه بقى محاصرًا بين بقايا عاطفته، التي انجرفت خلف رغبته في القرب منها، رآها تخرج بإندفاعٍ هاربة من تأثيره الذي بدأ يطغى على كراهيتها، أجل إنه يشعر بها، وحتى أنفاسها المتهدجة في حضرة قُربه يستشعرها؛ لكنه على علم أيضًا أن الأمور لن تسير معها بهذه السهولة، لن تخنع لمحاولاتهِ قبل أن تستنزف منه مجهودًا سيكلفه عناء ليالٍ طويلة. تأفف “حمزة” عائدًا إدراجه، ومسح على رأسه ليحس بتلك السخونة المنبعثة منها، فـ مدد جسدهِ على الفراش ووضع على رأسه قطعة من القطن البارد، عساها تخفف من حرارتهِ، وحتى إن تراجعت حرارة جسده ستبقى حرارة عقلهِ باقية.
***********************************
مضت أيام عديدة، لم يرى فيها “مصطفى” شيئًا سوى أربعة جدران تغلق غرفة ولدهِ الفقيد، لم تكن مواجهة الحياة بتلك السهولة حتى يستطيع التجرؤ والمعيشة مع نكبتهِ. خرج “مصطفى” من الغرفة أخيرًا، وعيناه تبحث من حولهِ عنها، اشتهى بشدة رؤيتها في التو واللحظة؛ لكن المكان كان خاويًا من أي أحد، فـ اضطر أن ينادي بأعالي صوته :
– سُــلاف.. يا نـضال ؟.
كأنه استمع لصوت وقع الأقدام من الأسفل، فـ انتظر حتى رأى “عِبيد” مُقبلًا عليه واللهفة تغطي تعابير وجهه :
– حمدالله على سلامتك ياباشا.
لاحظ “مصطفى” ذلك الأحمرار البارز على وجهه، گمن خرج لتوهِ من معركة حامية، فسأله بنبرة خالجها القلق :
– إيه اللي عمل في وشك كده يا عِبيد؟؟.
اكفهر وجهه وهو يُصرف عيناه عنه، ثم تحسس بأطراف أصابعهِ مواضع اللكمات التي توجهت له :
– بسيطة متشغلش بالك.
أخفض “مصطفى” عيناه لأسفل وهو يعرض رغبته المُلحّة :
– عايز أروح لراغب.. وديني دلوقتي يا عِبيد مش قادر استنى لبكرة.
قطب الأخير جبينهِ مستنكرًا :
– الصبح له عنين يا باشا.. دي الساعة داخلة على ١١!.
أصرّ “مصطفى” على رغبته وقد تبيّن ذلك على وجهه :
– مش قادر أصبر.
ثم نظر من حوله وهو يسأل :
– سُلاف فين؟؟.. نادي عليها وقولها تجهز عشان نروح.
حاول “عِبيد” إخفاء ربكتهِ، لئلا يوضح له بإنها ليست هنا، متحايلًا على الموقف بحجتهِ الواهية :
– سُلاف مبتنامش كويس ليها كذا يوم!.. معتقدش يعني هتقدر تيجي خصوصًا دلوقتي.
تعمقت نظرات “مصطفى” المتفحصة عليه، ليقرأ تعابير الغموض التي أحاطت بوجه “عِبيد”، لا سيما إنه تعهد بنفسه لتربية “عِبيد” وكأنه واحدًا من أفراد أسرتهِ، ويعرف جيدًا متى وأين يذهب لون وجهه هكذا كما هو الآن. تنبأ بوجود أمرٍ عظيم يختفي وراء هذا القلق البيّن عليه، فسأله مباشرة :
– مخبي عني إيه يا عِبيد؟.
تنهد “عِبيد” دونما يُحيد عما تم الإتفاق عليه :
– مفيش حاجه ياباشا.. سُلاف هربت من اللي حواليها في وسط شغلها والقضايا بتاعتها، تقريبًا مش بتيجي البيت من ساعة اللي حصل.
تسطّر حاجبي “مصطفى” مذهولًا ليقول :
– إزاي الكلام ده؟.. يعني سُلاف دلوقتي برا البيت؟؟.
أتى الجواب على سؤاله من حيث لا يتوقع أحد :
– أنا جيت أهو يا عمي.
وبخطواتٍ متعجلة كانت تخطو نحوه بعدما تركت الحقيبة جانبًا:
– طمني عليك عامل ايه؟.
وانحنت تُقبلّه، فـ مسح بيده على ظهرها وهو يقول :
– نحمد ربنا.. انتي كنتي فين لحد دلوقتي؟.
لم تستغرق وقت في التفكير أو تدبير الجواب الكاذب، فـ طرحت عليه إجابتها الجاهزة على الفور :
– في المكتب.. شغلت نفسي بحاجه تنسيني اللي إحنا فيه.
جلست قبالته كي تعرض عليه ما أتت خصيصًا في تلك الساعة لأجله :
– أنا عايزة أتكلم معاك في موضوع يا عمي.
أحس “مصطفى” في نبرة صوتها ذلك الحزم الذي يعرفه جيدًا، فأمتلأ صدره بالفضول من الأمر الجاد الذي يتطلب التحدث بشأنه في هذه الساعة :
– موضوع إيه؟.
تحفزت حواسها، ونبضت تعابيرها بإيماءات الغضب الواضحة وهي تردف بـ :
– حـاتم.
شبك “مصطفى” كفيه معًا وهو يسأل بترقبٍ :
– ماله؟؟.
فسألته سؤالًا يجيب على تساؤله :
– فين حقنا عنده؟؟.. لولا حاتم واللي عمله كان زمان راغب معانا دلوقتي ياعمي.
شحبت بشرته، ووجد صعوبة في ابتلاع ريقه، وهو يجبر ذاكرته على استعادة الحدث المؤلم الذي يعيشونه، بينما لم تكفّ “سُلاف” عن بخّ السُم في عقله حتى تقنعه بضرورة التحرك ضد “حاتم” :
– من أول ما قتل يسرا وبعت….
لم تستطع نطقها في بادئ الأمر، ثم أجبرت نفسها على ذلك كي لا تنحاز عن مسار الحديث :
– وبعت راسها عند راغب عشان يلبسه القضية.. كان المفروض نتحرك ضده من وقتها.
رفع “مصطفى” عيناه إليها متسائلًا :
– عايزة تعملي إيه يا سُلاف؟ .. واضح إن في حاجه في راسك.
فصرحت بصراحة شديدة :
– حقنا.. انت عارف يا عمي، إحنا مش بنسعى غير عشان حقنا وبـس…
*************************************
كانت في غرفتها مع طلعة النهار التالي، تحتضن صغيرها وتهتم به قبل أن تبدأ يومها الجديد بإصرارٍ وعِناد، تمرر الدقائق الوجيزة في التفكير المُحكم حول خطواتها التالية، بل وبدأت في تنفيذ تلك الخطوات بالفعل. أشرفت على إعداد الإفطار بنفسها عندما دقّت الساعة التاسعة صباحًا، وفي غصون نصف ساعة كانت تتشارك معه المائدة لأول مرة. جلست على بُعد مسافة محددة لتتناول بضعة لُقيمات دون أن تشعر بشهيتها، محافظة على اختلاس النظر إليه من حينٍ لآخر، وهي تراه مهتمًا بإطعام “زين” أولًا قبل أن يأكل هو. ترك “حمزة” الملعقة الصغيرة وتناول منديل زرقي ليسمح به بقايا الجزر المهروس التي بقيت على ذقن الصغير، ثم ابتسم إليه وهو يرى تعبيراتهِ المرتاحة، وهو ينظر له وكأنه يعلم هويته. رفع “حمزة” عيناه نحوها فرآها تسكب الماء في الكأس وتبدأ في الإرتشاف منها، فسألها بفضول لم يقوَ على التحكم فيه :
– روحتي فين بالليل!؟.. اتفاجئت إنك خرجتي فجأة.
مسحت فمها بالمنديل وأجابت دون أن تنظر نحوه :
– مشوار مهم كنت بخلصه.
نهضت عن جلستها واقتربت منه وهي تمد له يدها :
– هات الولد.
فأبعده قليلًا عن مستوى يديها وهو يقول :
– سيبيه أنا ملحقتش أقعد معاه.
تراجعت خطوات للوراء قبل أن تجلس مرة أخرى، ثم نظرت لهاتفها وفي داخلها تشوقٍ لأمر تنتظره؛ لكنه لم يحِن بعد. وأثناء ذلك كانت غافلة عن عيناه التي تعلقت بها لحظات ثم انصرفت عنها، ثم تعلقت بها مرة أخرى ثم انصرفت عنها من جديد.. وهكذا. على حين غرة، وبدون أدنى مقدمات، تذكر لمحات خاطفة من ذكرياتهِ على هذه المائدة، وكم مرة جمعت شمل عائلتة التي أُهدرت، عبست ملامحه، وعاد الهمّ يُثقل أكتافه من جديد. حرر “حمزة” تنهيدة حارّة من صدره وهو يبعد أنظارهِ عن الإمتداد لطول المائدة، ثم تأهب للنهوض عنها بعدما أحس بأنفاسهِ تضيق عليه :
– أنا رايح المكتب ومش هتأخر.
تطوعت “أم علي” لتحمل الطفل عنه، ثم خرجت به حينما كانت “سُلاف” تنهض هي أيضًا :
– هاجي معاك.
قطب جبينه بدون أن يفهم معنى كلمتها تحديدًا:
– تيجي فين؟.
عقدت ذراعيها أمام صدرها وهي ترد :
– مكتبك.. عايزة أشوف المكتب الجديد، من ساعة ما مكتبك القديم اتحرق عمري ما فكرت أزورك.
طيف ابتسامة صغيرة ظهرت على محياه قائلًا :
– أنا موافق.. معنديش مانع لو عايزة تاخدي أوضة فيه كمان.
بعثت بأحلامهِ البعيدة لخلف الشمس بـ ردّها الحاسم :
– لأ مش للدرجادي.. مكتبك ميناسبش ضميري يا متر، إحنا الأتنين مش على مقاس بعض.
إشعار برسالة جديدة واردة، فـ تناولت الهاتف دون أن تُظهر لهفتها عليه، وقرأتها في عجلٍ، لتردف بعدها قائلة :
– عقبال ما تلبس أكون أنا كمان لبست.
ثم أولتهُ ظهرها وخرجت، فجلس من جديد على مقعدهِ يفكر في كلمتها التي ضربت وجهه، دون أن تنتقيها بعناية، حتى وإن كانت صادقة فيها. فرك “حمزة” جبهتهِ بعدما أحس برغبةٍ جامحة ليحكها، ثم غمغم في خفوتٍ مستاء :
– شكل الطريق معاكي هيكون طويل يا سُلاف.. بس أنا وراكي وراكي ومش هسلمّ بسرعة زي ماانتي فاكرة.
خرجت “سُلاف” من بوابة المنزل بهرولةٍ قبل أن يكتشف “حمزة” خروجها، وسعيت خطواتها لبلوغ منزلها القريب في نهاية نفس الشارع. تهدجت أنفاسها وهي تسارع للحاق بهم، حتى صادفت “نضال” أمام المنزل، فسألته وهي تتنفس بشئ من الصعوبة :
– إيـه الأخبار؟.
فأشار لها نحو الداخل :
– جوه مع الرجالة وعِبيد معاهم.
زفرت “سُلاف” بصوت مسموع وهي تسعى بسرعة للدخول، حتى أصبحت أمام الباب مباشرة، فوقفت هنيهه تلتقط أنفاسها رويدًا رويدًا، حتى استجمعت نفسها جيدًا، ثم خطت للداخل بشموخٍ وتعالِ، ترنو إليه بجراءةٍ تثير الريبة في النفس.
شمل “عباس” المحيطين بنظراتهِ المترددة وهو يُعقب على رؤيتها :
– الصراحة مكنش في بالي إني هقابل حُرمة!.. افتكرت البيه الكبير هو اللي مستنظرني.
ابتسمت “سُلاف” في عبثٍ لئيم وهي تقف قبالتهِ بهدوءها المثير للأعصاب :
– واحد يا عباس.. أنا وعمي واحد.
حكّ “عباس” طرف ذقنه وهو يتأملها لحظات، ثم همهم بتشوقٍ غير مسبوق وهو يسأل :
– فطميني إيه العبارة ياست الكل؟!.. عدم لامؤاخذة أنا بقلق من الشُغل ما النواعم!.
دست يديها في جيب بنطالها الأسود الأنيق، ثم سألته بدون مراوغة :
– تفتكر في راجل في الدنيا يسوى خمسة مليون جنيه؟!.
تلألأت عيناه وظهر بريقهما الجشِع وهو يعقب :
– الصلاة على النبي أحسن… دي شكلها شغلانة تروي العين، أدخلي عليا بالمعلومة بسرعة.
أخرجت “سُلاف” ورقة مطوية من أحد جيوبها، ثم فتحتها أمام عينيه ليرى بنفسهِ المبلغ المدوّن فيها وهي تقول :
– واحد عايزة أخلص منه.
اختطف “عباس” الورقة (الشيك النقدي) من يدها وهو ينظر إليه گمن يسيل لعابه :
– أسمه وسكته فين واعتبريه في عداد الميتين ياست الكل ياأميرة.
مرّت لحظات من صمتها، مما جعله يرفع عيناه إليها وكأنه يُعيد سؤاله من جديد، فآتاه صوت “ِعبيد” من خلفه وهو يردد اسمه :
– حـاتـم….
************************************

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!