روايات

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة واثنى عشرة 112 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الفصل المائة واثنى عشرة 112 بقلم ياسمين عادل

رواية أغصان الزيتون الجزء المائة واثنى عشرة

رواية أغصان الزيتون البارت المائة واثنى عشرة

رواية أغصان الزيتون
رواية أغصان الزيتون

رواية أغصان الزيتون الحلقة المائة واثنى عشرة

||^ أغـصان الـزيتـون ^||
الفصل المائـة وأثنى عشر :-
الجُـزء الثـانـي
“إياك أن تحفر حفرة قد تسقط أنتَ فيها.”
____________________________________
عيناها لأسفل في استحياءٍ حزين، وهيبة المكان قد أصابت بدنها كله برجفةٍ، رفعت طرفها قليلًا ونظرت نحو اسمه المحفور، فـ ترقرقت دمعة من بين جفنيها وهي تهمس بخفوتٍ :
– الله يرحمك يا راغب.
ثم تنفست بصوتٍ مسموع لتقول بعدها :
غيابك كانت مفاجأة مكنتش عامله حسابي عليها خالص.
مسحت على بشرتها برفقٍ، مستعيدة ذلك الجمود الذي أتت إلى هنا وهي تحمله بين ضلوعها، وفي شموخٍ استقامت في وقفتها عقب سماعها صوت أقدامهِ تلمس بلاط المقبرة. وقف إلى جوارها للحظات دون أن يرمش، ثم رفع أكُفه أمام وجهه وبدأ يقرأ الفاتحة في خشوعٍ حزين، وإذا به يتذكر آخر لقاء بينهم، آخر كلماتهِ إليه، وكأنه يودعه وقبل ذلك أراد إبراء ذمتهِ.
(عودة بالوقت للسابق)
(من أول يوم عرفتك فيه وانا مش ناوي أذيتك.. قضيت معاك سنين وكل هدفي إني أسمع منك وبس، وداني كانت هي همزة الوصل، ولا عمري خططت ضدك، ولا كان هينفع تعرف عني حاجه غير إني صاحبك.. ده عدل ربنا اللي كان لازم يتحقق يا حمزة.
ضحك “حمزة” ضحكة مكتومة، اغتصب بها غضبهِ منه ونقمته عليه :
– فين العدل في إنكوا تجروا رجلي في قصصكم القديمة.. انت مصدق نفسك يا راغب!.)
كانت كلماتهِ الأخيرة ترنّ في آذانهِ، يراه نصب عينيه وكأن الموقف كان منذ لحظات، انتابه شعور بالذنب، وأحس بتقاعسهِ حتى عن مسامحته؛ لكنه أيضًا أصيب بخذلانٍ لا يعوضه شئ. مسح “حمزة” على وجهه وأخفض ذراعيهِ لجواره وهو يهمس بـ :
– وأخرتها إيه يا سُلاف؟؟.. مش كفاية اللي احنا الأتنين خسرناه!.
أسبلت جفونها ولم تُجبه، فـ التفت رأسه نحوها ليتابع :
– اللي انتي عايزاه حصل، وحقكم رجع، عايزين إيه تاني؟.
حررت زفيرًا محتقنًا من صدرها وهي ترد :
– مش عايزين يا حمزة.. خلاص كل حاجه خلصت، ليه مصمم إن في استمرارية مننا!.
قطب جبينه مستنكرًا ردها :
– أمال إيه معنى إنك عايزة تمشي وتسيبي زين لوحده؟؟.
تلك نقطة الضعف التي لن تتحمل الضغط عليها من خلالها، فـ أرادت الإنسحاب من مواجهة قد تكون هي الخاسرة فيها، قبل أن ينشب بينهما ذلك الحوار. سحبت نفسها للخروج من هنا، فـ سار من خلفها حتى بلغت البوابة وعبرتها، ثم استوقفها بالوقوف أمام طريقها ليهتف بشئ من الإنفعال صاحبه تعابير الوجه الحازمة :
– كفايه هروب مني، أنا عارف إن وجودك دلوقتي مؤقت ووراه هدف.. عشان كده مش عايز أسيب مصيري معاكي متعلق في الهوا.
زادت عيناها في حدتها، وترآى له ذلك اللمعان البازغ فيهما وهي تقول :
– أنا موعدتكش إننا مع بعض!.
استشعرت ذلك الإصرار في نبرتهِ المصممة على الإحتفاظ بها، لا سيما أصابعهِ التي ضغطت على معصمها قليلًا :
– وأنا نش هتنازل عن أقل من كده.. وجودك أمر مفروغ منه، بس انا كنت عايزها تيجي منك وبرضاكي، بس لو عايزاها غصب أنا موافق.
حرر أصابعهِ عنها حينما كانت ترد على تهديده :
– انا مبعملش حاجه غصب عني.. متهيألي أنت أكتر واحد عارف الموضوع ده ومجربه.
تجاوزته دون أن يرف لها جفن، واستقرت بسيارتها لتبدأ التحرك خلال بضعة ثواني، كان خلالهما متسمرًا في مكانه دون حِراك، وهو الذي ظن إنه على بُعد خطوة واحدة منها، وإذ به يفسد كل ذلك بعدما اخرط خلف اندفاعه الأهوج الذي حرضه ضدها. راقب “حمزة” انصرافها ودمائه تغلي في عروقهِ، وكيانهِ كله مزلزل، بين خططهِ الإنتقامية التي يسعى لتنفيذها، وبين رغبته الجامحة في السعي خلفها لضمان إبقائها معه!. بتر عليه تفكيره صوت الهاتف الذي اهتز بداخل جيبه، فأخرجه بتلهفٍ ليجيب على الفور :
– أيوة يا زيدان.. عملت إيه؟.
تحفزت حواسه وهو يخطو نحو سيارتهِ، وقد تدفق الأدرينالين في عروقهِ كافة، مشكلًا طاقة عدوانية شديدة القوة :
– عرفت تحجزلنا في الفندق؟!.. جدع، لألأ أنا جايلك.. خليك عندك مش هتأخر عليك.
*************************************
كان جالسًا خلف المقوّد، ينتظر خروج “زيدان” من هناك بفارغ صبر، وكأنه يجلس على جمراتٍ من النار لا يتحمل المكوث هنا أكثر من ذلك. نظر لساعة يده، لقد تخطت السابعة مساءًا، موعد ملائم تمامًا لدخول الفندق والتسكين فيه ومن ثم بدء التدبير للمواجهة الأكثر تشويقًا. تأفف “حمزة” وأمسك هاتفه ليتحدث إليه؛ لكن ما حدث أفقده القدرة على التركيز والتفكير وحتى التعقل. انفتح باب السيارة المجاور له من الجانب الآخر وجلست “سُلاف” بجواره وبين يديها طفله الرضيع، رمقها مستهجنًا وجودها هنا الآن تحديدًا، وبقى صامتًا للحظات يحاول التغلب على الصدمة التي غلفت حواسه كلها، إلى أن بترت ذلك الصمت المشدوه قائلة :
– أنا قررت إننا هنتعشى النهاردة مع بعضينا.
ارتفع حاجبيه وقد أصابه شئ من الغباء اللحظي :
– مش فاهم؟!.
فأشارت نحو الطريق وهو تفسر :
– يعني سوق بينا على أكبر مطعم سمك، أنا عايزة sea food.
– انتي أكيد عندك Schizophrenia “أنفصام في الشخصية”.
أصرفت عيناها عنه وهي تعترف بذلك :
– أحيانًا.. المهم ناكل دلوقتي وبعدين نتناقش في الحاجات الفرعية دي.
أرخى ظهره للخلف وهو ينظر أمامه، وكأنه تذكر للتو ما الذي ينتظره داخل ذلك الفندق :
– مش وقته.. بعدين هبقى أرضي رغباتك المفاجئة.
فردت بإصرارٍ :
– لأ دلوقتي.
التفت إليها يرمقها حانقًا، وقد ارتفعت حرارة جسدهِ وهو يحاول كبح انفعاله عنها :
– قولت مش وقته.. أنا مش فاضي للعب العيال ده.
انفتح الباب الخلفي للسيارة وركب أحدهم.. فـ استدار “حمزة” كي تغتال الدهشة كافة معالم وجهه، وهو يرى “نضال” جالسًا بهذا الهدوء والثبات من خلفه :
– مساء الخير.
وزع “حمزة” نظراتهِ المستنكرة بينهم وهو يصيح بـ :
– هو إيه اللي بيحصل بالظبط؟!.
فأجاب “نضال” بهدوءهِ المعتاد :
– ولا حاجه.. سمعت إن فيها عشا فقولت إني أولى من الغريب.. يلا بينا نروح للبحيري، ده أعلى واحد بيعمل استاكوزا يا سُلاف، هتاكلي صوابعك وراها.
لحظات وكان “زيدان” واقفًا جوار السيارة وقد رأى ذلك الجمع المريب، فـ انفرجت شفتيه ببسمةٍ بلهاء وهو يعقب على رؤيتهم معًا :
– الصلاة عـ النبي أحسن.. إيه العبارة ياأبو البشوات!.
***********************************
كان ذلك هو موعد نزوله لجراج الفندق، حيث يركب سيارته ويطير بيها حيث يذهب، ثم يعود مع شروق الشمس، هكذا ينطوي يومه في كل ليلة. مشى “حاتم” بخيلاء هكذا، كأنه الطاووس المغرور، حتى بلغ سيارته الفارهه، فتحها وجلس خلف المقود، وقبل أن يحرك ذراعهِ كانت تلك اليد الغليظة تُكمم أنفاسهِ، ونصل السكين يوضع على رقبتهِ، وهذا الفحيح السام بجوار أذنيه وقد اخترقت رائحة التبغ العفن حاسة الشمّ لديه، وأحس بالموت وكأنه يحلق فوق رأسه گالطير المشؤوم. لم يفيد تخبطهِ يمينًا ويسارًا بشئ، وقد أُحكمت عليه تلك القبضة، وخشى أن يُصيبه مكروهًا إن تزحزح نصل السكين على جلد عنقه الرقيق، فـ هدر بصوته المكتوم وهو يشير إليه ليتركه دقيقة، فحررهُ “عباس” قليلًا وهو يسأله :
-عايز حاجه قبل ما تقابل وجه كريم!.
تهدجت أنفاس “حاتم” وضاقت عليه أضلعهِ وهو يسحب شهيقًا لصدرهِ، ثم هتف بصوتهِ المتحشرج :
– عايز مني إيه؟؟.. قولي خدت كام وانا أدفعلك الضعف وقتي.
إنها الثغرة، نقطة الضعف التي تخصه. برقت عينا “عباس” بتحفزٍ وهو يداعب عنق “حاتم” بطرف السكين الحاد، ثم أردف بـ :
– أنا خدت فيك خمس أرانب.. أنت بقى تشتري عمرك بكام؟؟.
لم يفكر “حاتم” مرتين، وعرض عليه ثلاثة أضعاف ما حصل عليه :
– عشرين.. ليك مني عشرين مليون وتسلمني رقبة اللي زقك عليا دلوقتي.
صوت ضحكة سمجة مُقيتة، وهو يبعد السكين قليلًا عن رقبته ويقول بكل سهولة، وكأن دماء الإنسان أيسر ما يُهدروه :
– اعتبر الرقبة في حُضنك يا عمنـا.. بس أقبض الكـاش الأول…
*******************************

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

الرواية كاملة اضغط على : (رواية أغصان الزيتون)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى