روايات

رواية أشلاء القلوب الفصل الخامس 5 بقلم ندى محمود

رواية أشلاء القلوب الفصل الخامس 5 بقلم ندى محمود

رواية أشلاء القلوب الجزء الخامس

رواية أشلاء القلوب البارت الخامس

أشلاء القلوب
أشلاء القلوب

رواية أشلاء القلوب الحلقة الخامسة

_ الفصل الخامس _
وأستدارت لترحل تاركة الأخير مستمرًا يتابعها وهى تغادر المنزل بأقصى سرعة …. !!
شعر برجولته تتهمه على تلك الجريمة الذى سيفعلها أن ترك تلك القطة الصغيرة تسير ليلًا وتتجول فى الشوارع لتكون فريسة للكلاب، فأستغفر ربه وركض خلفها ليقبض على ذراعها ليوقفها هاتفًا على مضض :
_ مفيش خروج ياملاك ادخلى جوه يلا ، أنا آاااا.. مكنتش أقصد أنا بس بتعصب بسرعة اليومين دول
ضحكت بخفة قائلة متغطرسة :
_ إيه مش كنت دلوقتى اتفضلى مش همنعك إيه اللى اتغير، ثانيًا أنت مالك أنت وبصفة إيه تقولى مفيش خروج هااا، ثالثًا وده الاهم شكرًا جدا يا أسيد بيه على التوصيلة أنا المكان اللى هروحه قريب من هنا أصلًا يعنى وفرت عليا المشوار ولو ريان أتصل قوله مشيت وهو هيعرف أنا روحت فين!
لم يتمكن من التحكم فى أنفعالاته فصرخ بها فى غضب عارم :
_ ايوة يعنى هتروحى فين فى نص الليل دلوقتى، ادخلى ولو عايزة تمشى ابقى امشى الصبح يلا
انكمش جسدها من صراخه بها وهتفت بصوت تخنقه العبرات وأعين دامعة :
_ مش عايزة ادخل، وابعد عنى لو سمحت !
تفهم خوفها منه وأنها كطفل صغير لا تتحمل صراخ احدهم بها، ولا تأتى بالعنف والشدة بل بالأرضاء واقناعها بطريقة حانية، فصر على اسنانه متشدقًا بصوت هادئ تمامًا :
_ طيب ادخلى يلا مش هقعد اعيد وازيد فى كلامى كتير ياملاك، مش هاكلك أنا.. فى الواقع كان نفسى يبقى أول لقاء لطيف بس انتى عنيدة وهتتعبينى فبلاش عند واتفضلى
ببكاء حار يشبه بكاء الاطفال صاحت فى صوت متشنج :
_ قولتلك مش عايزة اقعد معاك ، أنا قولت لريان اصلا ميسبنيش معاك وبرضوا مشى وسابنى، وابعد بقى من قدامى كده يا اسمك إيه خلينى امشى !!!
جملتها الاخيرة جعلت الضحكة القوية تخرج اخيرًا منه التى لم تخرج منذ وفاة زوجته لتعيد الجمال لوجهه مجددًا ويجيبها ضاحكًا :
_ أُسمى أسيد، مكنتش متوقع أنى بخوف زي كده، بعد كده هبقى اخد بالى لما اتكلم معاكى لانك واضح أنك حساسة زيادة عن اللزوم، على العموم حقك عليا يلا بقى !
كما توقعها طفلة، أن كنت تريد ارضائها فتعامل معها بكل لطف، سارت معه الى الداخل وهى تجفف عبراتها بظهر يدها بينما هو فمسح على وجهه وشعره وهو يزفر بشئ من الضيق حتى دخلا إلى المنزل فقابلوا كل من أسمى وليلى الذين هبوا واقفين يحدوقون بتلك الفتاة المجهولة فى أستغراب وأعين متسائلة حين قالت ليلى بريبة شديد :
_ مين دى يا أًسيد ؟!
كانت هى تطرق ارضًا فى حياء وقلق حتى سمعت نبرته التى مازالت تخيفها حتى الآن وتجعلها ترتعب عندما يتحدث:
_ دى ملاك بنت عمتى فردوس هتقعد معانا لفترة كده
همت بأن تجيبه ليلى فى نظرات تنم عن أعتراض وأستياء منها فأكمل هو مقاطعًا بصرامة وصوت يهتز له البدن :
_ وقبل ما حد ينطق يحرف أنا قولت هتقعد معنى كده أن الأمر صدر خلاص ومفيش مجال للنقاش !
_ يعنى ايه مفيش مجال للنقاش ، واتلميت عليها فين دى ولا أنت نسيت كلام عمك وجدك.. البنت دى مش هتقعد فى البيت هنا يا أُسيد أنا إيه عرفنى كانت عايشة ازاى مش يمكن تكون زي امها!
رفعت نظرها بهم ومن ثُم به فى أعين منكسرة وهمت بالاستدار والرحيل، فغرز يده الفولازية فى رسغها وهو يهتف بشئ من الصياح :
_ أمى.. أنا قولت اللى عندى خلاص وعلى الله حد يدايقها، دى ضيفة هنا واحترام الضيف واجب ولا إيه ياصاحبة الواجب.. خوديها يا أسمى على اوضتها
حول نظرته الهادئة لها يشير لها بالذهاب معها وكأنه يقول لها ” لا تقلقى ” …….!!!!
***
اصطحبتها أسمى الى أحد الغُرف لترمقها بنظرة بغيضة مغمغمة :
_ وأنتى عرفتى أُسيد من فين بقى ؟؟
لم يخرج صوت منها، أكتفت بملامح وجهها المنكسرة والضعيفة وهى تحدقها بصمت فأكملت أسمى حديثها فى إبتسامة أستنكار :
_ هتقولى ازاى، ولا ليكون هدفك هو أنك تاخدى حق امك وابوكى احب اقولك أنك مش هتطولى هنا يعنى مش هتلحقى تعملى حاجة أاااااا……….
اتاها صوت اخيها الجهورى وهو يهتف بنظرة اوقعت الرعب فى قلبها :
_ أسمى أنا قولت إيه تحت، اتفضلي على اوضتك يلا وحسابى معاكى بعدين !
صرخت به لاول مرة فى مرارة وسخط هادر ممزوج بصوت تخنقه العبرات :
_ لا مش همشى يا أُسيد أنت نسيت أن عمتى دى هى السبب فى موت بابا وعمى عزت، وأنت جايبلنا بنتها وعايزين نتعامل معاها بحب ونرحب بيها أحسن ترحيب
جذبها من ذراعها بعنف وهو يصيح بها بأنفعال :
_ انزلى تحت استنينى وأنا جايلك
أستقرت نظرة شرسة منها على ملاك المتصلبة وعبراتها على وجنتيها غزيرة، ثُم هبطت لأسفل كما اخبرها … فتوجه هو لها ليجدها تطفق بصوت مبحوح :
_ أولًا أنا ماما مقتلتش حد فاهم، ثانيًا أنا مش عايزة اقعد هنا أنا مهربتش من أكرم ومن تعذيبه ليا علشان آجى للانيل منه
زفر بخنق وهو يمسح على شعره الاسود الغزير ليجيبها بشئ من الحدة :
_ أكرم هتطلقى منه زى ماعدناكى أنا وريان وأنك تتخيلى أنى اسيبك تمشى بليل دلوقتى فأنا بقترح أنك تفضلى تتخيلى كده لأنه مش هيحصل قولتلك بكرة الصبح عايزة تمشى امشى
تكلمت عيناها بالنيابة عنها لترد بأعتراضها عليه لتقابل نظرته الثاقبة كالصقر التى لا تنم عن أى تنازل منه لما قاله ، اقنعها عقلها بأن الذهاب صباحًا سيكون فى صالحها أكثر … خرج صوته الخشن قائلًا :
_ نامى والصباح رباح أن شاء الله، ولو عوزتى حاجة أنا موجود فى الاوضة اللى قدامك دى
أصبح عقلها يتساءل بشدة حول ماهية هذا الرجل لحظات تجده يعاملها بقسوة ولحظات بحنان وهدوء، حقًا أنه رجل غريب الأطوار لا يستطيع أحد فهم طريقة تفكيره بسهولة.. نظرت حولها باحثة عنه فلم تجده فرجحت أنه ذهب بينما هى تقف شاردة بأمره……………
***
فتح الباب على مصراعيه لينتفضوا بفزع من هيئته المرعبة وبالاخص أسم، أزداد رعبهم عندما صرخ فى صوت مهيب :
_ اللى عملتيه ده ايه معناه، ممكن افهم يا أسمى هانم
أنتصرت لها ليلى لتهتف بثبات تام :
_ مغلتطش فى اللى قالته ابوك قعد يحمي عمتك دى لغاية ما مات بسببها وأنت دلوقتى بتحمى بنتها إيه مش هامك لا أنا ولا اخواتك
ضرب بقبضة يده القوية على الحائط وهو يهتف فى أنفعال جلى :
_ امى كلنا عارفين كويس أوى أن عمى عزت مات ليه انتوا اللى مش عايزين تصدقوا وبتحاولوا ترموا اللوم على عمتى وبابا مات موتة عادية زى أى أنسان ومش هتعرفوا اكتر منى لأنى كنت معاه فى اللحظة دى.. لو مش عاملين احترام ليا أنتى وبنتك اعملوا احترام لياسر الصاوى الله يرحمه وأنه هو السبب أنى اجيب ملاك هنا البيت وانتوا فاهمينى كويس!
غارت عليه كالوحش الهائج وهى تصيح بأعتراض قاطع :
_ لا مش فاهمين يا أسيد، وأنا مش عايزة البنت دى تقعد فى البيت هنا ومش هتقعد زى ماجبتها تمشيها بكرة!!
أنتصب وقفته وهو يحدقها بشموخ وأعين ثابتة تمامًا لم تعى أى أهتمام هامسًا :
_ مش هتمشى يا أمى إلا بمزاجها، واتمنى أن اللى حصل ده ميتكررش تانى لا منك ولا من الهانم اللى وراكى
دخل مراد فى تلك اللحظة وهو يهتف بأستغراب شديد :
_ فى إيه صوتكم عالى كده ليه ؟!
وجد أمه تصرخ بأخيه قائلة :
_ بتعصى اوامرى يا أُسيد، دى اخرتها يا ابن ياسر !
تصنع البرود التام وهو يهتف بحدة :
_ أنا قولت اللى عندى ومعنديش حاجة اقولها تانى
وسرعان ما أستدار وغادر تاركًا ليلى وأسمى يشتعلون من الغيظ لتهتف ليلى بنظرات تحمل فى طيأتها الوعيد :
_ تمشى بمزاجها، وأنا هخليها تمشى بمزاجها، أنا بتعصى اوامرى يا أُسيد لا وبتوقف فى وشى علشان البنت اللى امها السبب فى موت ابوك !!!
خرج صوت مراد المصدوم متشدقًا:
_ هى ملاك هنا !؟
وقع نظر أسمى عليه التى حدقته بغيظ وتمتمت بأستياء :
_ إيه هو أنت تعرفها كمان !؟
صاحت ليلى متغطرسة :
_ اهااا مهو هيختلف إيه عن اخوه !
لم يعيرهم أهتمام فقد حدق فى اللاشئ بشرود يتأمل الأمر ويتساءل حول ماذا حدث حتى جعل أُسيد يجلبها المنزل !!! …………
***
دلف الى غرفته ونزع سترته عنه ، ليزفر بقوة فى أقتضاب .. ألقى بجسده الصلب على الفراش محدقًا فى سقف الغُرفة داخله أعاصير، دومات تعافر فى أزالة كُل ماهو مثمر وجميل، جاهدًا هو فى الصمود امامها وبالفعل تخطاها ولكن بعد أن تركت أثرًا لا يمكن محوه بسهولة.. تلك الاعاصير التى نشبت فور موت حبيبته وزوجته مستمرة فى نشاطها حتى تحقق هدفها ….. !!
جلس منتصبًا ثُم فتح أحد الادراج وأخرج منها عُقدًا يبدو باهظ الثمن تحسسه بأصابعه فى إبتسامة مريرة يسترجع لحظات حياته السعيدة ..!
“” _ ده ليا يا أُسيد !؟
تقدم نحوها خطوة ليهمس فى نبرة تقطر حنانًا وعشقًا :
_ طبعًا ليكى ياروح أُسيد امال لمين يعنى !
تفحصت العُقد جيدًا بنظرها ثُم عاودت النظر له وهى تردف برقة أشعلت نيرانه :
_ بس ده باين عليه غالى أوووى ملوش لزمة لو كنت جبت أى حاجة كانت هتعجبنى أو أساسًا مكنتش جبت حاجة كفاية أنك معايا
مد أصابع يده ليزيج خصلة شعرها المُتمردة من على عينها ويمرر ابهامه على وجنتها بحنو مغمغمًا بصوت رجولى جذاب :
_ الغالى يلبس الغالى ياقلبى ثُم أنى عندى كام مريم يعنى هى وحدة لو طلبت نجوم السما اجبهالها
ارتمت داخل احضانه بعاطفة عشق جياشة وهى تهمس له بصوت انثوى هادئ :
_ ربنا يخليك ليا ياحبيبى وميحرمنيش منك يارب
ابعدها عنه بهدوء ليديرها حتى أصبح ظهرها فى وجهه ، ولف العقد حول عنقها ثُم انحنى بجزعة للامام ليحتضنها من الخلف هامسًا بجانب اذنها فى مكر بسيط :
_ هياكل حتة منك، على الله اشوفك طالعة بيه ده يتلبس فى الاوضة هنا بس مفهووم ! “”
افاق من شجونه الحزينة فتأفف بشدة من فرط مشاعره التى تتحرق لرؤيتها مرة وحدة ولكن هيهات فماذا عساه أن يفعل سوى القبول بتلك الحقيقة وهى الموت، مسح على وجهه وهو يهمس بصوت خرج من صميم قلبه :
_ يا الله أنت العالم بحال عبدك فهون عليه تلك المصائب !
***
فى أحد محافظات الصعيد ……
يجلس احدهم على مقعد فاخر وبيده كأس نبيذ هتف وقد بدأ تأثير الكحول يظهر عليه وهو يتحدث الى صديقه قائلًا :
_ لسا مشوفتوش حاجة يا عيلة الصاوى ، واحد واحد بالدور وهبدأ براس الأفعى محمد الصاوى وبعده ثروت وبعده ريان افندى اللى عاملى فيها سبع رجالة فى بعضها وأما ياسر بقى فاللى خلف مماتش مراد ده مش هيملى عينى ولا يطفى نارى خلينا فى الابن الأكبر أُسيد بيه
اجابه صديقه بنبرة رخيمة فى احتجاج :
_ قوم يامعتز شكلك كترت العيار النهردا
خرجت ضحكته القوية وهو يطفق ساخرًا :
_ فاكرنى بهزر ولا إيه لا أنا مبهزرش يا خالد حق ابويا اللى قتلوه هاخده بس مش هيكفينى واحد بس يعنى راس قصاد راس لا ده أنا هنهيهم كلهم، ومش حق ابويا بس لا حتى حق اختى ومرات ابويا المسكينة دى، اتحرمت من اختى بسببهم ياخالد فاهم يعنى إيه معرفش عنها حاجة فيها بتعمل إيه معرفش أى حاجة قلبت عليها الدنيا برضوا ملقتهاش وهما اللى هيدفعوا التمن … !!!
***
فى صباح يوم مشرق ….. !!
أستيقظت وهندمت من مظهرهها جيدًا وهبطت إلى أسفل لكى تغادر ذلك المنزل الذى لا مكان لها فيه، أعترى طريقها حراس المنزل وهتف احدهم :
_ على فين ياهانم الأوامر أن محدش يطلع من البيت من دون أذن أسيد بيه وهو مسمحش لينا أننا نخليكى تخرجى
أنفعلت عليه ملاك صائحة لتظهر عن مخالبها :
_ أُسيد إيه ده، عدينى يا أستاذ بالذوق أنا مش ناقصة!!
ألتفتت خلفها عندما سمعت صوت ليلى القادمة نحوها وهى تقول بلؤم بسيط :
_ إيه الصوت العالى ده فى إيه !؟؟
تجاهلتها تمامًا وهى تزفر بنفاذ صبر لتنظر الى الحارس قائلة بشئ من الانفعال :
_ اتصلى بأُسيد لو سمحت اكلمه !
أخرج الرجل هاتفه واجرى أتصال بسيده ثُم اعطاه اياها فأجابت عليه فى زمجرة :
_ على أساس أن الصبح لو عايزة امشى همشى إيه غيرت رأيك ولا إيه يا أُسيد بيه
خرجت نبرة صوته الرجولية القوية قائلًا :
_ لا يا ملاك أنا عند كلمتى، أنتى عايزة تمشى دلوقتى يعنى؟!
هدأت ثورتها فورًا وتمتمت بخفوت بعد أن عادت لنبرتها الرقيقة :
_ ايوة والحراس مش عايزين يطلعونى، أيه معناه ده ؟
تنفس الصعداء فى عبوس فقد ملت نفسه من كل شئ، أجاب بإيجاز :
_ ماشى يا ملاك ممكن تصبرى لما ارجع البيت وأنا هاخدك واوديكى المكان اللى عايزاه لأنى دلوقتى ورايا اجتماع ومش فاضى
كادت أن تجيبه فوجدته أنهى الاتصال ، فصاحت فى ضجر :
_ بيستهبل يعنى، بقولك إيه انت هتطلعنى غصب عنك مهو أنا مش مسجونة هنا ومجبورة استنى الباشا لما يجى!
اتاها نبرة ليلى الصارمة وهى تهتف بنظرة مريبة :
_ واضح انك مش ساهلة وهتتعبينا، قالك مش هتطلعى غير لما يسمح أُسيد بكده يعنى مفيش خروج عاملة غارة ليه.. هتقعدى هنا يبقى تعيشى على عيشتنا فاهمة وبلاش الصوت العالى ده هااا
حدقتها بأعين سابحة بها العبارات ولكنها لم يكن لديها الجرائة الكافية للإجابة عليها سوى بقولها الضعيف :
_ ومين قالك أنى هقعد هنا اساسًا !
لوت فمها ليلى مبتسمة بخبث مردفة :
_ يبقى احسن برضوا والله !!!
تركتها ملاك وسارت مسرعة الى غُرفتها وهى تحاول منع عبراتها من السقوط …!
***
فتح مروان باب المنزل بوجه مشرق ليدخل وينزع حذائه عنه وهو يصيح على أمه شبه ضاحكًا :
_ انتى فين يا لولو ، ياحلوم طيب !!
خرجت من المطبخ لترمقه بنظرة تتصنع الغضب :
_ حلوم فى عينك، عايز إيه يازفت!!
تهجمت ملامح وجهه وأبدى الدهشة وهو يطفق بضيق :
_ زفت بقى دى اخرتها يانبع الحنان طاب أنا غلطان كنت جايبلك خبر حلو !
أسرعت أحلام نحوه فى نظرات شغوفة وقد تزين وجهها الجميل وهى تقول :
_ اوعى يكون اللى فى بالى يامروان ؟
ضحك بقوة وضمها لصدره وهو يقبل جبينها بنعومة هامسًا بصوت ينسدل كالحرير ناعمًا :
_ ايوة هو ياست الكل، جهزى نفسك يلا اخر الشهر ده هاخدك ونروح نعمل عمرة
تلألأت العبرات فى مُقلتيها وضمت ابنها بشدة وهى تقبله فهمس هو بحنان :
_ خلاص بقى يا أمى أنا معملتش كدا علشان اشوف دموعك، بدل ماتعيطي ادعيلى دعوة حلوة
قال اخر جملة له بشئ من المرح فكفكفت دموعها وهى ترفع كفيها إلى اعلى هاتفة بصوت ينبع من صميم قلبها ودعوة صادقة :
_ ربنا يكرمك يا مروان يا ابن بطنى ويبعد عنك ولاد الحرام ويفتح فى وشك أبواب رزقه يارب
تأفف بخنق هاتفًا فى عبوس :
_ مش هى دى اللى عايزاها ياحجة، ادعى كده بأيه ربنا يكرمك ببنت الحلال اللى قلبك رايدها
رفعت كفيها مُجددًا تكرر ماقاله بنفس نبرتها السابقة فى عدم وعى لما تقوله وبعد انتهائها نظرت له وهمست بلؤم وهى ترفع أحد حاجبيها :
_ وهى مين دى بقى اللى قلبك رايدها يا واد !!؟
هتف مازحًا فى إبتسامة صافية :
_ وأنتى مالك انتى بقى، أنتى عليكي الدعوة بس معلكيش غير تدعى
ضربته بقوة على ذراعه وهى تغمغم بحنو امومى :
_ طاب امشى يلا غير هدومك علشان احط الغدا
***
كان مستلقيًا على فراشه فى صمت تام يعقد كفيه خلف رأسه يحدق فى اللاشئ بشرود، جزء من عقله استحوذت عليه تلك ” الملاك ” ، تمنى لو كانت معه الان أمام عينيه، حتى يكون متفرغ لمراقبتها وسلامتها، تلك الوردة الصغيرة التى تلمع كالجوهرة عندما تشرق وتضحك لا تستحق سوى رجل يتقن جيدًا الاعتناء بتلك الورود.. فتحت ” أشجان ” الباب بقوة ودخلت كالعاصفة وهى تهتف :
_ أهلا يا أستاذ ريان ، ليه تاعب روحك وچاى البيت تشوف امك وابوك .. خليك قاعد فى القاهرة علطول عند ولاد عمك، عاملين إيه ليكم عايزة افهم حتى اختك عاچباها القعدة هناك
زفر بنفاذ صبر وهو يمسح على وجهه، ثُم هب واقفًا على قدميه هامسًا :
_ أمى بالله عليكى أنا مش حامل كلمة، سبينى فى حالى وروحى شوفى وراكى إيه!
صاحت به فى أندفاع وهى تتجه نحوه :
_ ليه مالك أن شاء الله، أنا مش مرتحالك أصلًا الفترة دى ياريان وروحتك كل يومين عند أُسيد مش مريحانى!
تكدر صفوه همس وهو يجاهد فى السيطرة على انفعاله :
_ انا مش صغير هااا مش عيل لسا عندى 10 سنين، قوليلى مين هيتولى الشغل غيرى أنا وأُسيد، مروان اللي اخره يساعدنا فى حجات بسيطة ولا مراد اللى عايش لنفسه.. وخدى على الوضع ده لأنى هاجى يومين وامشى تانى وسبيني في حالي بقى يا أمي
قبضت على ذراعه بعنف وادارته لها لتستقر نظرة ملتهبة منها فى عيناه وهى تطفق بترقب :
_ لتكون بتروح تقابل عمتك وبنتها، عارف جدك وابوك لو عرفوا هيعملوا إيه، اوعى يكون صح ياريان
ازاح يدها عن ذراعه بنظرات متمردة وغاضبة لينحنى ويقرب وجهه من وجهها هامسًا بنبرة لا تحمل ادنى خوف أو تردد:
_ ابقى روحى وقولى لجدى وابويا أن ريان مبيخفش
ثُم تركها ورحل فجلست على الفراش وهى تطلم بخوف :
_ يامرارى هو ده اللى كنت خايفة منه، ده عمى محمد لو عرف هيقلب البيت !
***
كانت تتحدث فى الهاتف بشئ من الصياح :
_ ريان انا مليش دعوة سواء جيت او مجيتش أنا مش هقعد هنا ثانية واحدة
اجابها متسائلًا فى زهو :
_ ايوة أنا عايز افهم عايزة تمشى ليه حد دايقك، أُسيد دايقك يابنت الناس ؟!
همست بتبرم و تمرد واضح :
_ لا أمه مشوفتهاش بتكلمنى ازاى، أنت ليه سبتنى ومشيت أصلًا!
صرخ بصوت رجولى في أنزعاج شامل، جعلها تنتفض من نبرة صوته :
_ ما قولتلك ياملاك تعالى معايا واقعدى هناك وملكيش دعوة بيهم أنتى اللى قولتى مش عايزة اقعد عند الناس دول، ودلوقتى مش عايزة اقعد عند أُسيد امال عايزة تقعدى فين يعنى، بلاش شغل العيال ده ياملاك استحملى يومين لغاية ما آجى، واياكى تمشى من عند أُسيد فاهمة، مش هتروحى تقعدى فى بيت وحدك ياهانم
تلألأ بؤبؤى عيناها بالعبرات ولمعت عيناها العسلية وهى تهتف بصوت يكاد لا يخرج يغلبه البكاء :
_ أنت بتزعقلى ليه ياريان، أنا غلطانة أنى كلمتك أصلًا وملكش دعوة بيا اعمل اللى أنا عايزاه
ثُم ألقت بالهاتف على الفراش وهى تهز قدميها بشدة من الغيظ وعيناها تشبه جمرتين النيران المشتعلة ، ملامحها الصغيرة والبريئة كافية لجعل أى رجل ينصاع لتلك الدموع الطفولية وهذا ماحدث عندما سمعت طرق الباب وهرولت لتفتح ظنًا منها أنها ” سارة ” ولكن صدمت بأُسيد الذى دقق النظر فى وجهها لبرهة من الزمن هامسًا بصوت رخيم :
_ مالك ؟!
أطرقت أرضًا كى تخفى دموعها التى تسيل كالشلال وهى تهمس بتشنج يحتوى على رجفة وصوت متقطع :
_ كل..مت ريان وزعقلى لما قولتله أنى عايزة امشى
استقرت نظرة ملؤها الدفء وهو يهمس بشئ من المرح :
_ وده كله علشان زعقلك ولا علشان مش عايزك تمشى !
التمست فى نبرته السخرية فهتفت بضجر هادر :
_ أنت بتتريق صح، ما أنت مشوفتش الصبح م…….
صمتت قبل أن تُكمل كلمتها وهى تتنهد بعمق لتتابع بحدة :
_ أنا لسا عند قرارى وعايزة امشى وافتكر أنك وعدتنى
_ طيب أنا معاكى هخليكى تمشى وبعدين هتروحى فين هااا
صمتت لبرهة من الوقت تفكر فى حديثه ثُم هتفت بعناد شديد :
_ هروح مكان ما اروح محدش ليه دعوة!
أُسيد بنظرة حازمة فى غضب :
_ مفيش حاجة اسمها محدش ليه دعوة، متنسيش أنك لسا متجوزة ومطلقتيش، بكتيرها بكرة أو بعده هقولك يلا علشان ننهى الموضوع ده وتتطلقى، فتخيلى أنك تروحى تقعدى فى بيت وحدك اكرم ممكن يعمل إيه لو عرف مكانك، علشان كده القعاد وسطينا لصالحك.. اعقلى ياملاك وبلاش عند لو عايزة لسا ومصممة تمشى أنا معاكى روحى البسى يلا
تسمرت بأرضها تحدق به فى تردد، فهى لا تخشى شئ سوى ذلك الحيوان ” أكرم ” يكفيها ما رأته منه، قلبها يسحق تحت الأسى والشجن ويمزقه الالم.. وكأنه قرأ افكارها فهمس بخفوت فى إبتسامة عذبة وهو يناولها هاتف يبدو باهظ الثمن :
_ كويس طلعتى عاقلة اديكى، خدى التلفون ده علشان لو عوزت اكلمك أنا سجلت رقمى عندك !
توردت وجنتيها من الخجل وطفقت تقول برقة :
_ شكرا يا أُسيد انا أاااا ………
رأت نظرة فى عيناه كافية لجعلها تصمت فورًا وتأخذ الهاتف من يده وتغلق الباب فى أرتيعاب …. !!
***
خرج مراد من باب المنزل وهو يهندم من مظهره الرجولى الجذاب ، يستعد للذهاب إلى أنهاء بعض الاعمال وبعدها لسهرته الليلية كعادته مع تلك المرأة، لمح بعينه سارة التى تقف فى أحد اركان الحديقة وتتحدث فى الهاتف، اقترب منها بخطواط هادئة دون أن تشعر فقد تعشش الشك بداخله منذ تلك الليلة.. سمع صوت ضحكاتها الشبه عالية وهى تهتف ببراءة :
_ بتستهبل أنت يا اسلام والله !

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أشلاء القلوب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى