روايات

رواية أشلاء القلوب الفصل السادس 6 بقلم ندى محمود

رواية أشلاء القلوب الفصل السادس 6 بقلم ندى محمود

رواية أشلاء القلوب الجزء السادس

رواية أشلاء القلوب البارت السادس

أشلاء القلوب
أشلاء القلوب

رواية أشلاء القلوب الحلقة السادسة

رفع حاجبه اليسار لاعلى مندهشًا وهو يهمس لنفسه فى زمجرة واضحة مع مزيج من الغطرسة :
_ اسلام بيستهبل لااا ملوش حق !
أسرع فى خطاه نحوها بأعين ملتهبة وبدون أنذار سحب الهاتف من على اذنها ، فأنتفضت هى كالذى لدغته عقرب ورمقته برعب جلى ، بينما هو فوضع الهاتف على اذنه يستمع الى هذا الوغد الذى يقول بنبرة عشق :
_ تعرفى ياسارة انا بحمد ربنا والله انه رزقنى بيكى مش متخيل حياتى من غيرك انا ممكن اموت
خرج صوته الرجولى الخشن وهو يقول ساخرًا :
_ متخافش هنيجى نعزى ونعمل الواجب !
الجمت الدهشة لسانه فهمس بشئ من الخوف بعد لحظات :
_ مين معايا ؟؟!
رأت فى عيناه البنيتين الأعصار المدمر وهو يصيح به يلقنه بألفاظ تتناسب مع تلك النوعية من الرجال :
_ سارة معاك يا ******
أنزل الهاتف من على اذنه ورمقها بنظرة نفثت الرعب فى قلبها وصرخ بها بأستياء :
_ إيه ده ياسارة هااا ، أنتى يطلع منك كده !
أنهمرت دموعها وهتفت فى توسل بنسيج مسموع:
_ انا اسفة يا مراد ، اسفة
أكمل صياحه المنفعل وهى يهتف:
_ لا وكلام حب ومعرفش إيه ، أنا مليش كلام معاكى ولا حكم عليكى أنا هقول لابوكى واخوكى وهما يتصرفوا معاكى
أجشهت فى البكاء وهى تقبض على ذراعه وتقول راجية ، يكاد البكاء يشقها الى نصفين :
_ لا متقولش لريان ابوس ايدك يامراد ، ريان لو عرف هيقطع راسى هو وابويا .. هو واعدنى أنه هييجى يتقدملى اخر الشهر ده !
صر على اسنانه ليبرز عن مخالبه المخيفة :
_ وأنتى بغبائك صدقتى طبعًا ، هو لو عايزك فعلًا هيفضل يتكلم ويحب فيكى فى التلفون ولا هييجى ويدخل البيت من بابه علطول، ردى عليا ياسارة هانم
صراخه المرتفع جعل جميع من فى المنزل ينتابهم الفضول حول ما يحدث وخرجوا ليروا سبب ذلك الصباح وصاحبه ، أزدردت سارة ريقها بتوتر جلى فوضعها لا تحسد عليه الآن ، ركضت نحوها ملاك فى فزع وتبعتها أسمى أمسكت ملاك بوجهها بين كفيها لتهتف بقلق :
_ مالك ياسارة بتعيطى ليه !؟
أرتمت داخل احضانها وهى تصدر شهيق مسموع ، فهتف أُسيد فى نظرة متقدة بحرارة :
_ فى إيه وبتزعق لبنت عمك ليه ؟
رمقها مراد بنظرة اوقعت الرعب فى قلبها جعلتها تدفن وجهها بين ثنايا صدر ملاك ، ليجيبه بلهجة صارمة:
_ مفيش حاجة ، هى عارفة كويس أنا بزعق ليه وأظن هى عرفت غلطها دلوقتى
حدقت ليلى بالجميع فى ريبة وهتفت بأستغراب :
_ طاب ماتفهمنا غلطت فى إيه يخلى صوتك عالى كده ! ، بعدين مش شايفها مش مبطلة عياط ازاى !
بنبرة جديدة تمامًا لم يعهدها أحدهم فى المنزل وصوت مرتفع قليلًا فى غضب عارم :
_ غلطت فى اللى غلطت فيه ، محدش ليه دعوة أنا وهي حلينا الموضوع خلاص
تفحصت ملاك هيئته فقد كان فارع الطول لديه نظرة توقع الرعب فى أى غريب لن يختلف عن اخيه كثيرًا ، لم تعد تخشى غضب واحد فقط فى هذا المنزل بل اصبحا أثنين اليوم بعد أن رأت ذلك الوحش الكاسر المتحول ! .. أستدار وغادر فلحق به أُسيد ليصيح مناديًا عليه بصلابة فتوقف والتفت له وهو يلوى فمه بخنق ، فرأى فى عينى اخيه نظرة نارية ملتهبة ثُم رفع سبابته فى وجهه ليقول منذرًا :
_ أى كان اللى عملته ملكش حق تزعقلها كده فاهم ، ومتنساش أنها ضيفة هنا كلها كام يوم وترجع البلد فأذا كان غلطت فى حاجة ابوها واخوها لما تروح هناك يتصرفوا معاها ، احنا ملناش دعوة هى مش أسمى على تزعق وتشخت فيها براحتك .. واضح الكلام يامراد على الله اللى حصل ده يتكرر تانى
اصدر تأففًا قوى وهو يحدجه ساخرًا بغيظ ثُم يتجه ويصعد بسيارته وينطلق بها .. بينما هى فأصطحبها كل من أسمى وملاك إلى أعلى وهما يحاولان تهدئتها………….!
أقتربت ليلى من أُسيد لتهتف بتبرم وهى تلوى فمها :
_ على اساس أن البتاعة اللى اسمها ملاك دى هتمشى النهردا ممشيت ليه ؟!
هتف فى أنزعاج شامل :
_ مش هتمشى يا أمى قاعدة ، إيه يا ليلى هانم خليكى رحيمة شوية اخليها تمشى وتروح فين يعنى ، تقعد فى الشارع واهلها قاعدين فى بيوتهم مرتاحين
صاحت به بوحشية :
_ واحنا مالنا ماتغور فى أى مكان ، يعنى هى بقيت علينا إذا كان جدها مش عايزها .. أنا البنت دى مش عايزاها تقعد فى بيتى أنا مش عايزة مشاكل ، إيه يضملى متكونش متفقة مع اخوها الحيوان ده ” معتز ” وعايزة تأذينا .. !
تمطع بعنقه للجانبين فى نفاذ صبر من هذا الشجار الذى لا ينتهى :
_ امى اقسملك بالله أنا فيا اللى مكفينى مش كل ماتشوفينى تنرفزينى كده ، قلتها كلمة ومش هتنيها ملاك قاعدة هنا ومش هتمشى ومش عايزة اسمع أنها اشتكت منك أو من أسمى ، هتسألى ليه هقولك علشان دى وصية بابا قبل ما يموت وأنا مش هكسر وصيته علشان سبب تافه زى ده !
***
خرج ريان من المرحاض وهو يدندن بأحد الاغانى الشهيرة ، يلف المنشفة حول نصفه السفلى ، عارى الصدرى وبيده منشفة صغيرة يجفف بها شعره الغزير ، ليقطع حالته المزاجية صوت رنين هاتفه فأجاب عليه هاتفًا :
_ الو خير عملت ايه ؟
_ عيب ياريان بيه قولتلك يومين وهتلاقى قراره قدامك عرفت مكانه قاعد فى قرية اسمها ( ….. ) فى نجع حمادى هتروح هناك وهتسأل عليه وهو هناك اشهر من النار على العلم هيدلوك على بيته علطول
تهللت أساريره وهو يتشدق :
_ عفارم عليك ، هو ده الشغل ولا بلاش
أنهى الاتصال معه وهمس لنفسه بنظرة متوعدة :
_ وقعت تحت ايدى يامعتز الكلب ، أنا هكتفى بتعذيبك بس لكن اللى خايف منه الصراحة أُسيد واللى هيعمله فيك ، علشان تتعلم بعد كده متلعبش مع ولاد عيلة الصاوى
ثُم أكمل دندنته وهو يرقص بخفة ويبدأ فى أرتداء ملابسه والحماس يكاد يصل الى اعلى مراتبه لديه لكى ينال من عدوه ……….. !!
***
داخل غُرفة سارة ………
هتفت أسمى متسائلة فى قلق :
_ سارة اهدى وفهمينا فى إيه ؟!
نقلت نظرها بينها وبين ملاك لترى فى عيناهم الفضول الشديد حول ماحدث فأستجمعت ما تبقى منها وهمست بخفوت وهى ترتجف من فرط بكائها :
_ أنا اعرف واحد من بدرى وبنتكلم أنا وهو وهو بيحبنى وأنا كمان بحبه وهو واعدنى أنه هييجى يتقدملى آخر الشهر والنهردا ، كنت بكلمه ومراد شافنى واخد منى الموبايل ورد عليه وهزقه وبعدين بهدلنى أنا وقالى أنه هيقول لريان وبابا وهما يتصرفوا معايا وريان لو عرف هيقطع رقبتى
تنفست الصعداء ملاك فى أقتضاب لتقول فى شئ من الأندفاع :
_ تصدقى تستاهلى اللى عمله فيكى ، أنتى هبلة يابت يعنى قالك هييجى يتقدملك وأنتى صدقتيه بكل سهولة هو لو عايزك فعلا هيكلمك تلفون ليه ! ، لولا أنى اخاف عليكى من ريان وجنانه كنت قولتله لكن أنا عرفاه كويس
فى هدوء تام وصوت رزين قالت أسمى :
_ متخافيش إذا كان مرضيش يقولنا احنا هيقول لريان وعمى، مستحيل اصلًا هو بيخوفك بس مش اكتر
اماءت برأسها لهم فى أرتياح بسيط فتشدقت ملاك بحدة بسيطة :
_ اياكى تكلمى الولد ده تانى فاهمة ياسارة وإلا قسمًا بالله أنا بنفسى اللى هروح اقول لريان، احنا إيه عرفنا ممكن يأذيكى بأى شكل من الاشكال
سارة بضيق زائف فى عبوس :
_ ايه ياملاك انتى معايا ولا عليا !؟
_ معاكى بس مش مع اللى عملتيه
أستقرت نظرة ساخرة فى عينى أسمى على ملاك لتردف بقسوة وهى تلقى الكلمات حجرًا :
_ واللى عملته عمتى إيه، وانتى الله اعلم كنتى فين وبتعملى إيه.. الافضل أنك تفضلى أنتى بذات ساكتة
وثبت واقفة وهى ترفع سبابتها محذرة وتهتف بغضب عارم :
_ أسمى احترمى حدودك فاهمة، ولو جبتى سيرة ماما تانى هتشوفى وحدة تانى ومش هيهمنى حد
تابعتها وهى تغادر بغطرسة فسلطت سارة نظرها علي أسمى فى أعين صارمة تلومها على ما قالته لتقول بغيظ :
_ إيه اللى قولتيه ده يا أسمى !!
بعدم أكتراث امتزج بغرور وهى تطفق :
_ مقولتش حاجة غلط !
فى أنزعاج شامل اجابتها سارة:
_ لا غلطانة أنتى إيه عرفك كانت فين بتتكلمى على اساس إيه، ملاك دى يابخته اللى عنده زوجة ولا أخت ولا بنت زيها تتحط كده على الجرح يطيب، وكانت متجوزة من واحد حيوان مشوفتيش جسمها واللى عامله فيها وعمتى أنا كنت بروحلها أنا وريان لو كنتى شوفتيها عمرك ما كنتى هتقولى اللى بتقوليه ده أنها السبب فى موت عمى، وحتى أُسيد ومراد يعرفوها لكن ملاك متعرفش غيرى أنا وريان علشان كده مش عايزة تقعد هنا، متبقيش أنتى والزمن عليها كمان يا أسمى خليكى حنينة معاها هى ملهاش ذنب فى أى حاجة بالعكس دى هى الضحية فى كل حاجة من بداية اللى عملته عمتى هى اللى دفعت التمن مش حد تانى
زفرت بضيق زائف بعد أن بدأت تشفق عليها قليلًا فهبت واقفة وأستدارت لتغادر فى وجه ينم عن عدم رضاها ……………
***
بعد مرور ساعات قليلة أرتدت ملابسها وهبطت الدرج سائرة نحو مكتبه ، لتطرق الباب عدة طرقات رقيقة فيأتيها صوته يسمح للطارق بالدخول، دلفت إلى الداخل وعقدت ذراعيها خلف ظهرهها وهى تفركهما ببعضهم بقلق، كانت رشيقة العود تنضج بشرتها بالبياض والملاحة ملابسها فضافضة لدرجة لا تظهر أى شئ من مفاتن جسدها حجابها يصل إلى أسفل ظهرهها من الخلف ومن الأمام حتى أسفل صدرها، شعرت بالدماء تصعد لوجنتيها عندما رأته يثبت نظره عليها منتظرًا منها إلقاء ماتريد قوله فهمست بصوت يكاد لا يسمع ومضطرب :
_ أُسيد أنا كنت عايزة اروح لوحدة صحبتى ممكن تقول للحراس يطلعونى
قال بخفوت فى هدوء :
_ فين بيتها صحبتك دى ؟
_ فى الشقة اللى قدام بيتنا القديم ، أنا مشوفتهاش من ساعة ما اتجوزت اكرم !
اجابها بودٍ فى خشوع وهو يهب واقفًا :
_ تمام يلا هوصلك فى طريقى أنا كده كده طالع ولما تيجى طالعة من عندها اتصلى بيا
قطبت حاجبيها لتتمتم بحيرة :
_ وأنت تعرف مكان بيتنا من فين ؟!!
جذب مقاتيح سيارته وهاتفه ليخرج صوته الاجشَّ قائلًا متجاهلًا سؤالها تمامًا :
_ انا هستناكى فى العربية بره
احدث صمته ضجيجًا فى نفسها وقد هيمن عليها الفضول حول معرفة الكثير من الاشياء وقررت أن تسأله عن كل شئ اليوم ولن تتركه يرحل بدون أن تفهم منه …….. !!!
***
بعد مرور ساعات قليلة حيث أستر الليل ردائه كاملًا وارتفع ضوء القمر فى السماء منيرًا قلوب البعض ليبشرهم بالنور القريب الذى سينير حياتهم وبعضهم يزيد من ظلامهم ، كان يجلس مراد فى الظلام الدامس يحدق فى النجوم الساهرة بشرود يشعر في قلبه بنغزة تكاد تقتله قتلًا لا يعرف سببها .. تسللت من خلفه أسمى فأقتربت من اذنه لتهمس باسمة :
_ العاشق الولهان سرحان فى ايه ؟!
التفت خلفه بشئ بسيط من الفزع ليطالعها بإبتسامة دافئة فتلتف هى لتجلس على الأريكة بجانبه رامقة اياها فى ريبة من أمره ، ففتح لها ذراعيه داعيًا إياها للأنضمام إلى احضانه فلبت طلبه بكل سرور ، أخذت تحدق معه فى السماء لدقائق ليس بقصيرة حتى قطعت ذلك الصمت المرير لتهمس بعد أن ابتعدت عنه :
_ مالك يامراد ؟ .. أنا ملاحظة أنك ليك كام يوم كده مدايق، أُسيد وعارفين سبب ديقته وعصبيته وأنه اتغير شوية بعد موت مريم طيب وأنت !؟
اجابها باسمًا بمرارة وقد سحق تحت الأسى والشجن :
_ على الأقل أُسيد عارف هو كده ليه لكن أنا مش عارف
أسمى بشئ من الغضب والانفعال :
_ لا أنت عارف بس بتضحك على نفسك، لسا بتفكر فى الزفتة دى صح بعد ده كله ولسا بتفكر فيها يامراد
تأفف بقوة فى خنق وتمتم فى أحضان الظلام بصوت حازم :
_ قومى يا أسمى من جمبى !
صاحت به فى أنزعاج شامل وقد تملكها الغضب :
_ لا مش هقوم ، مش هقوم يامراد … فى إيه اكتر من أنها حاولت تسرقك وراحت عند الدكتور وسقطت ابنك من غير ماتعرف وضحكت عليك وفهمتك أنها وقعت وعلشان كده سقطت وكله كوم وخيانتها ليك كوم تانى ، بعد ده كله ولسا بتفكر فيها ومش قادر تنساها ، تعرف أنى لو شفتها الحيوانة دى هشرب من دمها !!
خرج صوته الجهورى وهو يصرخ بها بصوت جعل اعضائها تنتفض :
_ قولت قومى يا أسمى
هبت واقفة ثائرة وهى تقول بأمتعاض :
_ خليك كده بتضحك على نفسك بدل ماتبص لحياتك قاعد بتفكر فى القذرة دى !
همت لترحل فرأت مروان قادمًا إليهم ، تملكتها الدهشة للحظات ولكن سرعان ماتحولت لابتسامة عذبة وصافية وهى تقول بمرح بسيط :
_ إيه ده جيت أمتى مش تقول أنك جاى طيب يامروان اخص عليك
بنظرة حانية تود ضمها همس باسمًا :
_ أنا بكرة راجع تانى فى شغل هخلصه سريع وهرجع !
مراد مستنكرًا :
_ ليه بيجروا وراك ولا وراك الديوان علشان صد رد كده
ضحك بخفة فأقتربت أسمى من مروان لتهمس له بزمجرة :
_ شوفه يامروان لأحسن لا أنا ولا ماما بنقدر نتكلم معاه هو وأُسيد ، أظن أنت فهمتنى أنا قصدى على إيه !
اماء برأسه لها فى إيجاب وتفهم ليشير لها بعينه أن تذهب وانه سيحل ذلك الامر بطريقته الخاصة ………………….
***
سارت نحوها وهى تحمل بيدها صينية فوقها كوب ممتلئ بمشروب طازجة فهتفت ملاك معاتبة :
_ والله أنتى بتستهبلى يازمردة مش كفاية الأكل اللى عملاه هو أنا غريبة
قالت بشئ من الضحك :
_ علشان تحبسى ياحبيبتى .. أنا مش مصدقة ازاى يحصل كل ده معاكى ومتقوليش بأى طريقة ياملاك لو اتصلتى بيا وعرفتينى كنت هتصرف
ملاك ببساطة فى إبتسامة ساحرة :
_ دلوقتى مبقيش ينفع الكلام ده قولى الحمدلله أن ربنا بعتلى ريان وأُسيد وإلا كان ممكن متلقنيش قدامك لو ممتش منه كنت أنا هخلص منى نفسى وارتاح
فى نبرة شبه ضجر هتفت زمردة :
_ أنتى هبلة يابت إيه الكلام ده ، أنا لو اعرف أن ريان ده مش عايز يأذيكى مكنتش قولتله كده بس أول ماعرفت انه ريان ابن ثروت صديته علطول
غمغمت مبتسمة فى وجه مشرق وجميل :
_ أنا اصلًا مليش غيرك أنتى وريان وسارة
ثُم أكملت فى نظرات أسى وشجن :
_ هتفضلوا لغاية امتى كده يازمردة انتى ليكى حق زي كل واحد فى البيت هناك ، ليه متروحيش تاخدى حقك أنتى ؟
صمتت لبرهة ثُم نظرت لها وهمست بعينان تهيمان بالدموع :
_ وأنتى ليه متروحيش تاخدى حقك منهم ؟! ، مش هتردى صح اقولك ليه علشان احنا الاتنين زى بعض ياملاك اتربينا وكبرنا من غير أب ولا عيلة بس اتربينا على ايد عمتى فرودس وماما وأنا مليش أم واحدة لا اتنين أمى وعمتى فرودس الله يرحمها وأنتى كذلك ، كبرنا على كده اتعودنا على حياتنا يمكن كنا أسعد منهم تعرفى كده على الأقل مكنش فى حاجة فى دماغنا غير أننا نلعب وناكل وننام ونستنى أمى وأمك لما يرجعوا من الشغل وناكل وننام مرتاحين يكفى أننا كنا بنحط راسنا على المخدة بليل وانا مرتاحين الضمير، هما اللى مش مرتاحين
لم تتمالك ملاك نفسها فأنخرطت تبكى معها بحرارة وهى تعانقها بشدة و تهمس بصوت مزقه الحزن :
_ صدقينى كل ده هيعدى يازمردة وربنا هيعوضنا وهياخدلنا حقنا من كل واحد ظلمنا !
مررت يدها لأعلى وتسفل على ظهرهها بحنان وهى تهتف بصوت باكى تحاول إظهار نبرة المرح :
_ أنت بنت نكدية والله ابعدى يابت جاتك القرف نكدتى عليا !!
أبتعدت عنها لتطالعها مُبتسمة بحب وهى تجفف عبراتها لتقول زمردة بحماس :
_ احكيلى أنتى عاملة دلوقتى عند أُسيد ده ؟
بصوت يخالطه البكاء اجابتها :
_ وهو أنا من امتى برتاح يازمردة .. لا مرات خالى ولا أسمى طايقنى علشان كده عايزة امشى لكن أُسيد الصراحة كويس جدا معايا ومش هقدر آجى اقعد عندك لأن اكيد اكرم أول مكان هيتوقعه هو بيتكم ف لو مشيت مش عارفة هروح فين
بجدية تامة فى حدة اجابتها :
_ ايوة هتروحى فين يعنى، طلاما هو كويس معاكى ملكيش دعوة بأمه واخته ياملاك هما هيفهموكى مع الوقت صدقينى وهيحبوكى
قطع حديثهم صوت رنين الهاتف الصاخب فأمسكت به واجابت بهدوء :
_ الو
اتاها صوت تعرفه جيدًا لا تستطيع نسيانه مهما فعلت جعلها تتعرف عليه فى الحال وهو يقول :
_ لو خلصتى أنا مستنيكى تحت ياملاك
تعثرت الكلمات فى فمها لتخرج غير منتظمة وهى تقول :
_ هاا .. أنت ..ماشى يا أُسيد نازلة ؟
أردفت زمردة بضحك خفيف وهى تطالعها بترقب :
_ ما شاء الله بييجى على السيرة !
هبت واقفة وهى تتشدق بحنان جلى بعد أن عانقتها عناق حار مودعة اياها :
_ يلا بقى أنا همشى وبأذن الله هحاول آجى تانى ولو مقدرتش هتصل بيكى واوصفلك الطريق وتيجى أنتى
اماءت لها فى لطف لترافقها حتى الباب وتودعها لتهبط هى الدرج حتى تغادر المبنى تمامًا وتستقل بالسيارة بجوراه وهى تهمس بخجل بسيط :
_ معلش تعبتك معايا ؟
لفظ الحروف ببطء من بين شفتيه قائلًا :
_ اظن أن أنا اللى قولتلك أنى هاجى اخدك مش أنتى !
طفح الكيل من حالاته المزاجية المتغيرة هذه فهي ليست مجبرة على تحملها، صاحت به فى أندفاع :
_ ومحدش غصبك تيجى تاخدنى قولتلك هروح وآجى وحدى أنت اللى صممت، كمان آنا الغلطانة فى الآخر لما بقوله تعبتك معايا وبشكره.. عارف أنت انسان غريب والله يعنى اكيد فيك حاجة غلط ساعة تتكلم بحنان وهدوء وساعة مش طايقنى، فى إيه يا أُسيد لو زهقت منى قولى وأنا همشى والله علطول أنا اصلًا أاااااا …….
وجدته يضع يده على فمها مقتربًا منها ليغرس فى عينها شعاع عينه الثاقب مهمهمًا بصلابة :
_ وعلشان أنا انسان غريب بقى زى ما قولتى ياملاك متكتريش فى الكلام معايا علشان لا أنا ولا أنتى ضامنين ردة فعلى
تسارعت نبضات قلبها واطرقت الطبول حتى كاد يسمعها، عيناه الرمادية تحولت الى سوداء من فرط غضبه، وقلبها يكاد يدب من بين أضلعه كلما لفحت انفاسه الملتهبة صفحة وجهها ولكنها نجحت فى السيطرة على مشاعرها حيثُ دفعت يده بعنف عن فمها وراحت تنوي فتح باب السيارة لتترجل منها وتذهب بمفردها فيقبض على ذراعها ويجلسها بالسيارة عنوة صائحًا :
_ رايحة فين ، اقعدى مكانك مش ناقص جنان أنا
غامت عيناها الدمع وهى تنتزع يده من على ذراعها بشراسة ونظرات نارية فأنطلق بالسيارة وهى تستند برأسها على زجاج السيارة تتابع الطريق فى صمت حتى هتفت بخفوت فى صوت مبحوح :
_ وقف العربية لو سمحت هنا ؟
_ ليه ؟!!
صاحت بغضب هادر :
_ هتوقفها ولا أنزل منها هى وماشية !
أوقف السيارة كما طلبت ففتحت الباب ونزلت ثم ابتعدت بخطواتها تجاه الرصيف حتى جلست على مقعد خشبي عريض ولحق هو بها ليجلس بجوارها ثم التفت لها فـ أستقرت نظرة مشفقة منه عليها وعندما نظرت له أشاحت بوجهها للجهة الأخرى فورًا بأضطراب وهى تحاول التكلم بنبرة طبيعية :
_ مقولتش أنت تعرفنى ازاى وعايزة اعرف كل حاجة دلوقتى ؟
تنهد بتذمر وطفق يقول بخفوت بعد أن جلس يإرياحية اكثر :
_ ملاك هو أنتى فكرانى إيه أنا كل حاجة عارفها عن العيلة دى واعرف حجات عن كل واحد محدش يعرفها زى ما أنا عارف أن صحبتك دي اسمها زمردة وبنت عمى عزت، عمى مات قبل بابا طبعًا ووصاه على بنته ومراته دول وكان بيروح يطمن عليهم علطول وبالنسبة ليكم أنتى وعمتى محدش كان عارف مكانكم غير لما جيتوا وسكنتوا قدام زمردة، بابا طبعًا مكنش قادر يسامحها على اللى عملته وبرغم كده مش قادر يسيبها من غير حد يكون معاها أو كده، وقتها أنا كنت عشرين سنة وريان كذلك بعدها مات بابا ووصانى عليكم أنتوا وزمردة فأنا بعت ريان وخليته هو اللى يتولى المهمة دى ويطمن عليكم من كل فترة لفترة وأنا اتوليت مهمة زمردة وطبعا ده كله من غير ماحد يعرف أنا وريان ومراد بس اللى كنا عارفين الموضوع ده وسارة كمان، يعنى كنت عارف كل حاجة عنكم حتى كنا حاطين ناس بيراقبوكم ولما الراجل بتاع الشقة كان عايز يمشيكم علشان مدفعتوش الإجار وانتوا افتكرتوا أن اللى دفعه ريان لا أنا اللى دفعت ريان وقتها كان مسافر بره مصر، بس من وقت ما سبتوا الشقة محدش عرفلكم طريق .. أظن عرفتى دلوقتى ليه اتعصبت لما قولتى لريان أن الناس دول هما السبب فى اللى أنا فيه لانك مكنتيش تعرفى أى حاجة !
تملكتها الصدمة وهى تارة تحدق به وتارة فى الماء أمامها هاتفة بعدم استيعاب :
_ مش مصدقة اللى بسمعه بجد دلوقتى فهمت ليه لما شوفتنى عند اكرم مستغربتش ولا حتى سألت ريان مين دى ودافعت عنى كأنك تعرفنى من سنين، كنتوا عارفين كل حاجة وسبتونا فى اللى احنا فيه اكتفيتوا بأنكم تشوفوا لو عايزين حاجة ولا لا صح، هل سألتوا نفسكم فى مرة ياترى محتاجين ضهر بتسندوا عليه محتاجين يحسوا بالآمان والحنان محتاجين عيلة يتربوا وسطهم، مسألتوش نفسكم صح عارف ليه يا أُسيد علشان مكنش عندكم وقت تفكروا كل واحد فيكم عايش حياته سعيد واحنا كان بيوصل بينا لدرجة أننا بننام أنا وزمردة ورا الباب احنا وصغيرين معتقدين أننا هنقدر نمنع الحرامى لو جرب يدخل البيت، مجربتش طبعا لا أنت ولا ريان ولا سارة ولا مراد تكبروا من غير أب من غير حماية اتعودتوا أن كل اللى بتعوزوه بيجليكم، بس العيب مش فيكم ولا فى جدى ولا أمى ولا عمى العيب فينا أنا وزمردة احنا اللى ملناش حظ فى الحياة دى اتكتب على جبينا الشقى
قالت أخر جملها وهى تنخرط فى موجة بكاء عنيفة ، كلماتها صوبت نحو قلبه الضربة القادية ، مزقته إربًا .. شعر بقلبه ينسحق تحت الأسى والشجن فهمس بصوت ينسدل الحرير ناعمًا :
_ ملاك كفاية عياط لو سمحتى أنا مكنتش اقصد كده صدقينى، لو كان بأيدى أنا وريان حاجة كنا اخدناكم وودناكم البيت بس مكناش عايزين المشاكل ليكم اعتقد أنتى عارفة جدى كويس هو ده السبب اللى خلانا منفكرش فى أننا نجيبكم البيت، أنا كان قصدى اوضحلك أنكم مكنتوش وحدكم وأننا دايما كنا معاكم ومازالت معاكى
التقى شعاع عينها فى عينه بدون قصد ثوانٍ مرت كالسنين عليها ليقطع تلك اللحظات صوت هاتفه فيخرجبه من جيبه ويقول بجدية :
_ الو ياريان خير متصل فى آخر الليل كده ليه ؟
ريان فى نظرات خبيثة ومتقدة :
_ جهز نفسك معانا طلعة بكرة لنجع حمادى مش أى طلعة بس
هب واقفًا متحمسًا وهو يهتف بنبرة رجولية :
_ تبقى عملتها يا ابن ثروت .. قولتلك أنه مش هيبعد عن نجع حمادى وهتلاقيه فيها أكيد، متقلقش أنا مجهز نفسى اساسًا من زمان للحظة دى هاخد روحه بأذن الله
هتف ريان فى لهجة لا تقبل النقاش ومحذرة :
_ اياك يا أُسيد تقول لملاك أن الحيوان ده اخوها !
نظر لها للحظات فى تردد ثُم اجابه بخشونة :
_ لما اشوفك نبقى نتكلم فى الموضوع ده ياريان
_ تمام ، سلام هتصل بيك بكرة وهنتفق هنتقابل فين وامتى
أنزل الهاتف من على اذنه وهى يتنهد بقوة فهمست هى بفضول بسيط :
_ اعتقد أنكم عرفتوا مكان اللى اسمه معتز ده !
عقد حاجبيه ورفع حاجبه الايسر قائلًا بريبة :
_ وانتى تعرفيه من فين ؟؟!
_ ريان قالى على بعض المشاكل والمصايب اللى عملها لما اصريت عليه أنه يقولى .. على أى حال خدوا بالكم واضح أنه واحد مش سهل والله هو الأفضل أنكم مترحوش ابدًا لكن العيلة كلها عندها عرق العند وبتعمل اللى فى دماغها دايما يعنى مهما قلت مش هيجيب نتيجة لا معاك ولا مع ريان
إبتسم لها بصفاء ليتمتم بودٍ :
_ كويس أنك عارفة ، مش يلا علشان نروح ولا إيه ؟
اماءت برقة ساحرة فى إيجاب وهى تنهض واقفة على قدميها لتتبعه الى السيارة …………..
***
مع أشراقة شمس يوم جديد والسماء مزينة بقطع غيوم متقطعة ، كان يجلس أُسيد منتظر قدوم خليله حتى أتى ليصعدا بالسيارة وينطلقوا نحو منزله ……..
أوقف أسيد السيارة داخل أحد القرى الصغيرة حيثُ مكتظة بالاطفال الذين يلعبون والرجال الذين فى اعمالهم ببساطة كانت تعكس مظاهر الحياة البسيطة ، كان كل من يمر يرمقهم بنظرات تفحص وأستغراب من تلك السيارة الفاخرة وملابسهم وهيئتهم التى تعكس رغد العيش .. تقدم أسيد وتبعه ريان نحو أحد المنازل الصغيرة المتكونة من طابق ارضى ، فطرق ريان بطريقة لا يمكن القول عنها سوى انها همجية ، لحظات وفتح لهم فرأوا على وجهه إبتسامة ماكرة وكأنه كان منتظر قدومهم ! .. تلقى ضربة قادية من أسيد ابرحته أرضًا وهو يتحسس بأنامله الدماء التى بدأت تسيل من جانب ثغره ، ثُم دلفا واغلقوا الباب فأنقض عليه أسيد يكمل مابدأه للتو وكأنه يفرغ شحنة غضبه المكتظة بداخله منذ وفاة زوجته فى ذلك الوغد .. أستطاع ريان إفلات معتز من بين يديه بصعوبة وهو يصيح به بصوت جهورى يحمل فى داخله التحذير :
_ هتدفع تمن افعالك الـ **** دلوقتى يامعتز ، مقدرتش اقتلك وقتها علشان كان عندى عيلة خايف عليها لكن دلوقتى معنديش حاجة اخاف عليها
خرج صوته متغطرسًا ضاحكًا :
_ ومستنى إيه اقتلنى يلا !
هتف ريان فى تلك اللحظة فى نظرة تشتعل بفعل العواصف الهائجة داخله :
_ مستعجل على موتك أوى ، متخفش هنحققلك امنيتك بس مش قبل ما نشبع من تعذيبك
قطع حديثهم صوت رنين ريان التى تجاهله تمامًا فهتف معتز مبتسمًا بمكر :
_ برأى ترد يمكن تكون حاجة مهمة ؟!
صر أسيد على اسنانه فجذبه من ملابسه وهو يصرخ به بتحذير :
_ اقسم بالله لو طلع أنك أذيت حد لاكون دافنك فى أرضك يا ******
أخرج ريان هاتفه ونقل نظره بين أسيد ومعتز فى توتر بسيط ثُم اجاب بخفوت :
_ الو
تيقن أسيد انه حدث شئ بالفعل عندما رأى علامات الصدمة بادية على وجهه وهو يرمقه بذهول …………………….

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أشلاء القلوب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى