Uncategorized

رواية البوص الفصل الثامن 8 بقلم يمنى عبد المنعم

 رواية البوص الفصل الثامن 8 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل الثامن 8 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل الثامن 8 بقلم يمنى عبد المنعم

المفاجأة
فوجىء أدهم الصاوي باقتحام رجال البوص مكتبه يشهرون أسلحتهم باتجاه موظفي شركته، وقبل أن يتفوه بكلماته الغاضبة، كان سليم يقف أمامه بهيبته التي طغت على المكان حوله قائلاً بدهاء ساخر: مفاجأة حلوه مش كده.
شدد أدهم على قبضتيه بقوة غاضبة مما يحدث أمامه قائلاً بحدة: إنت إيه اللي جابك هنا في مكتبي.
رفع سليم أحد حاجبيه بتهكم لاذع…. استفذه كثيراً وهو يجلس على المقعد أمامه واضعاً قدم فوق الأخرى قائلاً باستخفاف: شكلك كده ضغطك علي وده غلط عليك.
احتقن وجهه بشدة من كثرة هذا الاستهزاء به، مشيراً بيده ناحية البوص قائلاً بغلظة: سليم يا أنصاري بلاش حركاتك دي، لان فاهمك كويس أوي.
فوجىء أدهم بمن يقبض بكفيه على ياقة قميصه بعنف، حتى أنه شعر بأنه سيختنق من قسوة يد البوص بالقرب من رقبته قائلاً بصوت كافحيح الأفعى: طب مش عيب لما تكون فاهم كل ده وتقف قصادي من تاني.
جحظت عينيه بحدة فقد بوغت بما يفعله به، ولم يستطع التفوه بأي شيء سوى وجهه الساخط والمذهول من تصرفاته معه.
مردفاً بقوله الغاضب: حرق البضاعة كانت بالنسبة بالك قرصة ودن لكن انت متعرفش اللي هعمله فيك بعد كده.
اتسعت حدقتيه بقوة قائلاً ببلاهه: انت بتقول إيه…!!!، حدجه بسخرية غاضبة قائلاً بمكر: أحسنلك خليها مفاجأة أحسن يا أدهم يا صاوي، بس أهم حاجه تخلي بالك من نفسك أحسن العمر مش بعزئه.
كسى الاصفرار وجهه بشدة غير مستوعب ما يهدده به البوص، تاركاً له الغرفة بكاملها بصحبة رجاله.
انهار أدهم على المقعد خلفه غير مصدق ما يعيشه الآن من تهديدات غامضه وصريحة بآن واحد…. قائلاً بخفوت: ده شكله اتوحش ومبقاش حد قادر يقف بطريقه.
مسحت ملك دموعها من كثرة وجع عيونها الواسعة من بكاؤها الشديد بعد مغادرة سليم للقبو، قائلة لنفسها بلوم: كفاية دموع يا ملك، مهما تعملي مفيش فايدة.
تناهى إلى مسامعها في هذه اللحظة نفس الصوت من جديد التي استمعت إليه بالأمس، ونفس البكاء أيضاً…. نهضت من مكانها تتقدم بخطواتٍ بطيئة اتجاه مصدر الصوت.
تحسست بيدها الحائط الذي من وراءها يأتي الصوت قائلة بجزع: يا ترى مين صاحب الصوت ده، هوا البدروم ولا السجن ده كام اوضة… مش أول مرة أسمع نفس الصوت ولا يكون بردو بيتهيألي زي امبارح.
بعد مرورعدة دقائق تبع ذلك، صمت رهيب مفعم بالرهبة… حل على المكان من جديد كأن هناك من يلعب بها وبأعصابها لتتوتر أكثر وتخشى مما تعيشه الآن، انكمشت على نفسها من جديد على الأرض.
أغلقت عيونها تحاول بث الشجاعة والطمأنينة وعدم الخوف في نفسها، من هذا القبو الموحش… التي تجلس به بمفردها طوال الوقت.
لم تستطع فريدة الحراك من مكانها بسبب تهديد عاصي لمربيتها زينب وأخذت تشجع نفسها قائلة بخفوت: لازم تقدري تتحركي يا فريدة وإلا هوا مش هيسكت أبداً.
وقف عاصي عاقد الحاجبين بسخطٍ وغيظ شديدين يحملق بها وهو يراها تحاول التحرك ببطء نحو أولى درجات السلم الداخلي بالمنزل.
ضم شفتيه بحنق وهي تصعد بضعف إلى أعلاه، هو يعلم جيداً أنها تكابر فيما تصنعه بنفسها الآن.
كادت تنهمر العبرات من عيونها من أثر تعبها وعنادها مع نفسها من أجل أن لا يساعدها هو، وتبدو أمامه كالطفلة الحمقاء.
ما أن وصلت إلى باب غرفتها حتى انسالت دموع ألمها من جديد، أغلقت الباب خلفها بإحكام حتى لا يأتي إليها كعادته عندما تكون متعبة.
كادت تتعثر قدمها وهي تكاد تزحف عليها إلى أن جلست على فراشها فتركت لعبراتها العنان أكثر من زي قبل، متأوه من ألم قدمها الذي مازال يؤلمها وبشده.
قائلة لنفسها بلوم: مكنش لازم تعاندي يا فريدة هوا كان هيساعدك…. صمتت برهة تلتقط أنفاسها المتعبة مستطرده بحزن عميق: بس أنا مبقدرش أكون قريبه منه بالشكل ده، دايما بخاف من قلبي ليكشفني قدامه وأخاف ليصدني من تاني.
أغلقت أهدابها على الدموع تحاول منعها…. لكن لا فقد زادت أكثر وأكثر شاعرةً بمرارة داخل قلبها المسكين، الذي يئن من الوجع دون فائدة.
استمعت إلى صوت طرقات على الباب، فظنت أنه هو، فمسحت دموعها سريعاً بظهر كفيها قائلة بصوتٍ مخنوق: ادخل…!!!
ولجت إليها زينب وهي تبتسم ابتسامة بسيطة قائلة بهدوء: أنا جبتلك الأكل اللي بتحبيه، يالا كُلي بالهنا والشفا.
هزت رأسها رافضة أن تمد يدها لتناوله، لكن مربيتها وضعت أمامها الصينية قائلة بمزاح: شكلك كده عايزاني أزعل.
هزت رأسها مرةً أخرى قائلة بخفوت: صدقيني يا دادة أنا مش جعانة وفي نفس الوقت ميهنش عليه زعلك أبداً.
ربتت على يدها قائلة بحنان: حبيبتي أنا مبحبش أشوفك بالحالة دي، وخصوصاً إنك تعبانه ولازم تاكلي كويس ولا مش عايزة تخفي وتروحي الكلية.
في هذه اللحظة انطلق صوتاً غاضباً يملأ المكان قائلاً بخشونة: دادة زينب متتحايليش على حد وقومي من جنبها هيه مش طفلة صغيرة هندلعها.
تحجر بصرها بخوف شديد على مربيتها وتمسكت بيدها ألا لا تتركها وتحميها من غضبه.
فقد تفاجئت بوجوده مرةً واحده فهرب الدم من وجنتيها، إذن فهو لن يتركها لحال سبيلها اليوم بسهولة…. أشاحت ببصرها بعيداً فلم تعد تقوى على التحديق به.
 فهمتها زينب من التحديق بوجهها الباهت فأسرعت تحاول الدفاع عنها قائلة بتوتر: لكن يابني دي على لحم بطنها من الصبح ولازم تاخد علاج علشان تقدر تضغط وتمشي على رجلها كويس.
رفع حاجبه الأيمن وهو يضع كفيه في جيب بنطاله قائلاً بجمود: هيه بتجيبه لنفسها وشكلها كده عايزة تسقط وتعيد السنة بالمرة.
ارتبكت فريدة لدى سماعها هذا التهديد المبطن بداخل عبارته الأخيرة تلك، فأسرعت تقول بلهفة: خلاص يا دادة هاكل وهاخد العلاج وهبقى كويسه… يالا اعمليلي كوباية عصيرأوام وهكون بسرعة أحسن من الأول.
رمقها عاصي بنظراتٍ قاتمة، مبتسماً بسخريةً وهو يحدق بها باستخفاف قائلاً بمكر خبيث: شفتي بقى يادادة تأثير خوفها منك عمل فيها إيه.
اندهشت المربية من كلماته وهو يلمح بجملته الأخيرة قائلة بارتباك: أنا هقوم أعملك العصير واجيبهولك بسرعة.
كادت أن تطلب منها أن لا تتركها معه بمفرده لكن زينب نهضت من جوارها على عجل من أمرها… نظرت فريدة إلى الطعام أمامها تنشغل به عن الواقف هكذا يراقبها مثل الصقر الذي يراقب الفريسة قبل أن ينقض عليها ويلتهمها دون شفقةً أو رحمة من جانبه.
أسرعت تتناوله بسرعة عله يضيق من تجاهلها المفتعل له بهذا الشكل… تأفف عاصي قائلاً لنفسه بحنق: مش أنا اللي تتجاهليه يا فريدة بطريقتك المستفذة دي.
غادرها وهو ساخط عليها دون أن يحاول التحدث معها من جديد، زفرت بارتياح بعد انصرافه الغاضب بهذا الشكل.
قائلة لنفسها بيأس: أسفه يا أبيه بجد غصب عني اني اتجاهلك، أنا بس خايفة من وجودك جنبي رغم ان بحس بالأمان لكن أول ما بتبصلي بس…. قلبي مبقدرش اتحكم فيه وببقى خايفة انك تكشف حبي ليك في أي لحظة.
أمسكت سهر بخصلة من خصلات شعرها بدلال تلفه حول إصبعها ببطء قائلة بسخرية: أهلاً بالحارس المخلص…!!!
احتقن وجه فتحي بشدة ثم ضم قبضتيه بقسوة بجواره لا يستطع الحراك… متسائلاً أمعقول ما يراه أمامه الآن، أهي لهذه الدرجة قد جُنة وفقدت عقلها لتفعل ذلك.
ألا تعرف أنه في النهاية رجل مهما كانت أخلاقه ومن المحتمل أن لا يستطيع المقاومة أمام ما تفعله به الآن، وأنه أيضاً ليس كأي رجل إنه بالرغم من أفعالها البغيضة في حقه، إلا أنه مازال يعشقها إلى الآن ولكن بطريقته هو…. وليست بطريقتها المحرمة تلك.
ظل على الصمت يرمقها بظراتٍ حارقة… فلما وجدته هكذا اقتربت منه ببطء متعمد حتى تجبره على التحدث إليها أو يصدر عنه أي رد فعل… مثلما تخطط له هي.
وضعت يدها على صدره ثم مالبثت أن ابتسمت بعبث قائلة باندهاش ساخر: معقول هتفضل ساكت كده كتير….!!!
حدجها بغموض حاد هذه المرة… دافعاً بيدها بعيداً عنه، مشيحاً ببصره عن عيونها التي تترقبه بدقة.
تنهدت بتهكم عندما رأت هذا التجاهل الذي يتعمده من جانبه، مبتسمة بعبث واضعةً أناملها برقة على وجنته، مردفة بقولها الماكر: إيه يا فتحي مش ده اللي كنت عايزة من اتناشر سنة….!!!
لطمها بعنف على وجنتها اليسرى ثم أعقبها بصفعةً أخرى على وجنتها اليُمنى، أودت بها على الأرض بقسوة.
دون أن يمهلها الوقت حتى للتألم هاتفاً بها بصوتٍ هادر:- آه يا مجرمة…. يا رخيصة إنتِ فعلاً متربتيش، واللي مربهوش أبوه وأمه فتحي الدهشان هيربيه من تاني.
جحظت عيونها بخوفٍ مميت… تكتم بداخلها آهات الألم الموجعة من شدة قسوته عليها قائلة بنبرة منتفضة: انت…. انت…. زيك زي سليم، حـــ…. حيوانات بتتعاملوا معايا…!!!
جز على شفتيه حتى أدامهما بقسوة منحنياً نحوها بحدة، قائلاً بتهديد: أن هوريكِ يا مجرمة مين اللي حيوان.
شاهدت في عيونه ما لا يحمد عقباه فابتعدت عنه إلى الوراء… وجسدها يرتجف من الفزع الذي ينتابها هامسة برعشة: خلاص يا فتحي… مش هعمل كده تاني أبداً ولا هقول أي كلمة تضايقك.
لم يجيبها على جملتها الأخيرة واشتعلت عيونه كالجمر المستعر من الغضب، ساحباً إياها من ذراعها عنوةً على الأرض، مزيحاً إياها إلى داخل المرحاض.
هنا صرخة سهر صرخةً مريعة تستغيث به أن يوقف ما سيفعله بها قائلة برجاء: بلاش اللي هتعمله فيه أنا حرمت أعمل أي حاجه تزعلك وهتعالج بس أرجوك بلاش تعاقبني بأكتر من كده.
صرخ بها فتحي بغتةً قائلاً بانفعال: اخرسي بقى إنتِ إيه ما بتفهميش….
اجبرت نفسها على الصمت ودموعها تغرق وجنتيها…. وضعها في حوض الأستحمام وفتح عليها مياه فاترة من الصنبور.
تعالت شهقاتها وبكاؤها… ورغم ذلك لم يشفق على حالها ولا لتوسلاتها إليه دافعاً برأسها تحت المياه لتغرق جميع جسدها.
قائلاً بعصبية: علشان تاني مرة تبقي تحرمي تعملي عمايلك السودة دي اللي فضحتينا بيها.
انتحبت بشدة وأخذ جسدها يرتعش قائلة بنبرة مرتجفة: هموت…. هموت يا فتحي، حرام عليك.
كسى الشحوب وجهها وعلى الأصفرار محياها، وذم شفتيه قائلاً بحدة: إنتِ السبب في اللي انتِ فيه دلوقتي.
أمسكت بيده تترجاه من جديد وقد كاد أن يلفها الظلام ويغشى عليها هذه المرة هامسة بوهن: كفاية حرام عليك تعبت… تعبت.
زفر بحرارة مخرجاً إياها هذه المرة من المياه، وجاء ليوقفها خانتها ساقيها وسقطت بين ذراعيه مغشياً عليها على الفور. 
أتى المساء على الجميع وزادت الرهبة داخل جنبات ملك، فهي تريد الهروب من هذا السجن المظلم.
وضعت يدها على جبهتها تحاول أن تذكر ربها كثيراً وتدعو أن ينفتح هذا الباب وتخرج منه للأبد ولا تعود إليه من جديد.
انفتح الباب بغتةً وخطوات صاحبها واثقٍ من نفسه كثيراً يقترب منها بغموض تام، حاولت التحرك من مكانها لكن الظلام جعلها لا تقوى على الحركة.
أنار كشاف هاتفه في وجهها فجأة بطريقة ارعبتها أكثر وهي تحدق بصاحب هذا الوجه القاسي الذي لا مثيل له… رغم شدة وسامته.
تأملها باستخفاف مُسلي لنفسه كثيراً وهو يقترب منها قائلاً بعبث: شكلك مستنياني مش كده، هزت رأسها بالرفض بسرعة فتابع حديثه باستهزاء قائلاً بعبث: لأ إوعي تقولي لأ دي… ده مش حلو على القطط الضالة اللي زيك.
سرى بجسدها رجفة قوية جعلت وجهها يشحب بشدة من قسوة نظراته لها، فزحفت للوراء تنكمش على نفسها بجوار الجدار.
ابتسم سليم بدهاء قائلاً بخفوت: يظهر إني هتسلى كتير معاكِ يا ملوكه…
لم تستطع حبس دموعها أكثر من ذلك، وخبأت وجهها بكفيها حتى لا يسخر منها من جديد، لكن كل هذا لم يؤثر به قائلاً باستخفاف: حلوه دموع التماسيح دي بس مش أنا اللي يضحك عليه بدمعتين يا قطة.  
ابتلعت ريقها بصعوبة وزاد انطوائها على حالها من جديد مما تلاقيه منه الآن، تأفف سليم هامساً بتهديد: عايز أعرف بقى أدهم اتفق معاكِ إزاي علشان تيجي لغاية عندي وتتجسسي عليه ها..
ثم صمت متأملاً لمحياها بروية متابعاً حديثه إليها بقوله الساخر: وكمان بصراحة عندي فضول إزاي أدهم يبعتلي واحده خرسا، ولا يكون بيحب ينوع ولا يمكن بيحب الخرس اللي زيك.
بالرغم من إنها لم تكن يوماً خرساء إلا إنها شعرت بإهانة في كرامتها وجرح غائر لن يندمل بسهولة من قسوة كلماته الغليظة، وبوغتت به يمسك شعرها بقسوة دون سابق إنذار.
قائلاً باحتقار: ولا يمكن تكوني واحدة من إياهم…. منا عارف أشاكلكم الرخيصة دي، تحبوا تروحوا للي بيدفع أكتر.
عند عبارته الأخيرة هذه ولم تقوى على منع دموعها التي انهمرت بشدة والوجع الذي زاد بداخل قلبها، من إثر كلماته القاسية والعنيفة في حقها…. 
ولكن لا تستطيع لومه فهي الملامه الوحيدة في هذا الوضع التي وضعت فيه نفسها.
حدجها ببصره الحاد هاتفاً بها بغلظة: كفاية دموع الأفاعي دي وقوليلي الحقيقة كلها…. يا اما متلوميش غير نفسك.
أغلقت أهدابها تحاول منع عبراتها الغزيرة من الهبوط من جديد قائلة لنفسها بعتاب: آه يا ملك… آه هتعملي إيه في المصيبة اللي إنتِ وقعتي نفسك فيها دي.
حاولت أن تجد حلاً سريعاً بأي شيء ففتحت عيونها من جديد فتلاقت مع بصره الذي يتمعن بها بجرأة هذه المرة قائلاً بخبث غاضب: شكلك مش هتتكلمي غير لما أدفعلك مبلغ محترم قوليلي عايزاهم كاش ولا شيكات.
هزت رأسها رافضة بشدة هذا الاتهام المجحف في حقها فشدد على شعرها بقوة أكبر مردفاً بنعومة: ولا يمكن يكون عملك حساب جاري بالبنك…. وتكوني عايزاني أحولهملك هناك علشان رصيدك يكبر.
ما أقسى عبارته الجارحة لها ولشرفها الذي بعثره من أجل ظنه الكاذب بها، حاولت أن تشيح بنظراتها بعيداً عنه وأن تبعد يده عن شعرها.
ابتسم سليم ابتسامة مملوءة بالخبث والعبث قائلاً: متحاوليش تاني لأن مش أنا اللي يتعمل معاه كده أنا لوحدي أقرر امتى أبعد.
اجبرت نفسها على التفكير سريعاَ وتجاهل كل ذلك حتى لا يؤثر على عقلها، أشارت له بأن يأتي بورقة وقلم.
فهمها سليم قائلاً بدهاء: من حسن حظك بقى معايا اني بفهمك كويس أوي يا ملوكه وكويس كمان شكل كده بدأت أثر فيكِ.
عند كلمته الأخيرة ضغط على كل حرف بها واقترب منه وجهها حتى شعرت بأن قلبها سيقف من وطأة ومغزى نظراته إليها.
أخرج البوص قلم وورقة صغيرة  وناولهما إياها، وتركها وابتعد قليلاً عنها فتنفست الصعداء قليلاً  
أمسكت بهما بيد مرتعشة وشرعت في الكتابة بكذبةٍ جديدة… من صنع يدها هذه المرة أيضاً.
كانت تكتب ودقات قلبها ترتجف بقوة من المشكلة التي ستزداد على مشاكلها معه.
حثها بنظراته المبهمة أن تسرع وتناوله ليقرأ ما تحتويه هذه الورقة…. فمدت يدها بقلق صوبه وأعتطه إياها.
قبض عليها بقوة متأملاً لما خطته داخل هذه الورقة.
على ضوء كشافه… قرأ ما بداخلها واتسعت عينيه بغضب شديد.
قائلاً بلهجة مخيفة:- بقى كده ده أنتِ طلعتي مش سهله أبداً يا ملوكه… وأنا بقى بحب كده أوي.
جلس فتحي بالقرب من فراش سهر بعد أن بدأت تستيقظ من اغماءتها الطويلة.
فتحت عيونها ببطء تحاول أن تعي ما تحياه بصحبته… هامسة بضعف:- أنا لسه عايشه مش كده.
تنهد بحنق قائلاً بلهجة يشوبها الضيق:- أيوة وياريتك مُتي وارتحت.
أشاحت ببصرها بعيداً بعد أن استمعت إلى ما يتفوه به.
قائلة بألم:- للدرجادي بقيت بتكرهني…
اقترب منها بخطواتٍ ثابتة منحنياً على وجهها الباهت يتأملها بازدراء:- أنا لو أطول كنت موتك بإيدي كنت عملتها من زمان أوي.
لمعت الدموع بعيونها الواسعة هامسة بخوف: ياريتك تعملها وتريحوني من كل ده.
ابتسم متهكما بقوله الساخر:- أمثالك لازم يعيشوا علشان يتعاقبوا على عمايلهم القذرة في الدنيا…. ده غير طبعاً عقابك من ربنا في الآخرة.
انتحبت بشدة من كثرة وجعها التي تشعر به من كلماته الغليظة الذي يزيد من قولها كلما تحدث إليها قائلة بانكسار:- سيبني لوحدي يا فتحي…. قاطع جملتها تلك صوت طرقات على الباب.
قال فتحي بهدوء ظاهري:- ادخل…. دخل الرجل الذي دائماً بصحبته، آتياً بصينية مملوءة بالطعام.
أخذها منه ثم أغلق وراءه الباب…. رأت الطعام فرفضت أن تتناوله… تنهد فتحي بحدة:- مفيش حاجه اسمها مش هتاكلي… قومي بسرعة خليكي تاكلي وتاخدي العلاج يا إما انا هتصرف معاكِ.
نهضت من مكانها بذعر قائلة بخوف قلق:- خلاص هاكل هات صينية الأكل… رفع حاجبه بسخرية قائلاً يتهكم غامض:- حلو الخوف والطاعة دي… هينفعني مع الوقت.
مر أربعة أيام وبدأت تتعافى قدم فريدة وتضغط عليها من جديد.
وخلال هذه الفترة لم يمل عاصي من البحث عن شقيقته ملك في كل مكان يتوقع وجودها به أو يخطر بباله…. وكلما يتصل على هاتفها يجده مغلق.
استمعت إلى صوت صرير عربته بأسفل المنزل… حاولت تشجيع نفسها على التحدث إليه بشأن ذهابها إلى كليتها بعد أن منعها بالرغم منها وأتى ألم قدمها وزاد من الأمر سوء.
دخل عاصي إلى مكتبه بالمنزل بعد قدومه مبكرا اليوم.
أتت زينب وراءه قائلة:- أحضرلك الغدا يا بني.
تنهد ببطء قائلاً بهدوء:- أيوة يا دادة وياريت يكون بسرعة علشان خارج تاني.
أسرعت المربية في تلبية طلبه…. شعر بأن هناك من يقف متردداً أمام الباب الموارب.
رفع بصره عن التصميمات الهندسية التي أمامه…. قائلاً بصرامة:- ادخلي على طول وبطلي حركاتك دي.
ضمت شفتيها تحاول مجابهته فهو يعرف خصالها جيداً عندما تريد شيء ما منه.
دخلت بخطى ثقيلة ووقفت أمامه والتردد يملؤها…. قائلة بارتباك:- إذيك يا أبيه.
زفر بحرارة عائداً بظهره إلى الوراء قليلا في مقعده قائلاً بجمود:- بخير…. في حاجه عايزاها بالتأكيد.
ابتلعت ريقها بصعوبة وقلبها ينبض بعنف قائلة باضطراب: انا…. أنا… بترت عبارتها عندما حدجها بقسوة قائلاً بخشونة: عايزة إيه انطقي بسرعة…. 
خشيت من ردة فعله ومن غضبه قبل أن يعرف ما تنوي قوله… فعادت أدراجها قائلة بخفوت: خلاص مش عايزه حاجه…. عن إذنك.
هتف بها بحدة وهو ينهض من مكانه قائلاً بغضب: أنتِ هتنطقي بسرعة ولا أخليكي تتكلمي غصب عنك.
قررت قول ما تريده بسرعة كبيرة خوفاً من انفعاله الشديد هذا.
قائلة بنبرة مرتجفة:- كنت… كنت… عايزة أروح الكلية بكرة… فاتتني كذا محاضرة.
مط شفتيه بنفاذ صبر… مقترباً منها بقوله الصارم: آه بس أنا قايلك إيه قبل كده.
جف حلقها وتوترت أعصابها أكثر قائلة بنبرة مرتعشة: قايلي ما أروحش الكلية بس…. بس المحاضرات كده هتبقى صعبة عليه أكتر من الأول.
زفر ساخراً بقوله الجامد: فعلاً علشان كده أنا قررت أشرحلك اللي مش فاهماه.
اتسعت مقلتيها ورفضت بداخلها هذا الاقتراح قائلة بتردد: مش هينفع يا أبيه دي محاضرات كتيرة وسكاشن وفيها حاجات مطلوب مني اصممها بنفسي.
صرخ بها قائلاً بصوتٍ هادر: أنتِ مش عايزة تروحي علشان المحاضرات وبس… انت عايزة تقابليه يا هانم ومع الوقت تهربي معاه زي ملك بالظبط.
هزت رأسها باعتراض سريعاً…. شاعرة بالظلم بداخل قلبها قائلة بنبرة متحشرجه: صدقني يا أبيه انا مبطيقوش وعمري ما كلمته ولا ليا صله بيه أبداً… ولا ههرب منك أبداً.
قبض على كتفيها بقوة هادرا بها وهو يهزها بغلظة قائلاً بعصبية: أنتِ زيك زيها تمام انتم ولاد عم يعني دمكم واحد… وتفكيركم كمان واحد.
لمعت الدموع بعيونها الواسعة قائلة بخفوت أليم: متظلمنيش يا أبيه مقدرش أعملها وأسيبك أبداً…. ملك بنت عمي أيوه لكن مستحيل أعمل زيها.
حدجها بعدم تصديق ونظراته الزائغة تتجول على محياها يحاول معرفة الحقيقة قائلاً بنبرة يشوبها الاختناق: نفسي أصدقك يا فريدة… لكن الموضوع ده وراثة عندكم.
عند عبارته الأخيرة تلك بهت وجهها بشدة وجحظت عيونها من محجريهما قائلة بعدم فهم: تقصد إيه ياأبيه من موضوع الوراثة ده.
تركها بقوة قائلاً بلهجة حاسمة: اطلعي برة يا فريدة… ويالا علشان نتغدى سوا لان خارج تاني.
شعرت بأنه هكذا يتهرب منها بطريقة مبهمة… منهياً حديثه إليها بسرعة كبيرة كإنه يهرب من شيء ما ولا يريدها أن تعرفه.
جاءت زينب وأنهت كل هذا قائلة: الأكل جاهز يا ولاد
تنهد عاصي قائلاً: ثواني وجاي يا دادة…. 
خرجت المربية ووراءها عاصي يقول بجمود: تعالي علشان معنديش وقت.
وقفت مكانها دون حراك فالتفت إليها قائلاً بلهجة آمرة: واقفة كده ليه… يالا بسرعة ورايا.
تحركت رغماً عنها خشيةً من غضبه أكثر من ذلك… جلست في مكانها المعتاد… وألف سؤال دون جواب بداخلها.
دخل ابراهيم مكتب سليم الأنصاري في فيلته قائلاً بهدوء: النهاردة بالليل هيتم تسليم البضاعة بس غيرنا المكان زي ما طلبت.
تنهد وهو ينهض من مقعده قائلاً بجمود:- عظيم ده أفضل… ابعتلي فتحي النهاردة ضروري كمان ساعة…
اومأ برأسه بالموافقة قائلاً: حاضر يا بوص في أي حاجه تانيه قبل ما أمشي.
نفث دخان سيجاره الغليظ في الهواء قائلاً بغموض: لا متنساش اللي قولتلك عليه يتنفذ.
وقفت ملك بالقرب من الحائط تصتنت إلى نفس البكاء قائلة لنفسها بتأكيد: لا يا ملك استحالة ده يكون تهيؤات ده نفس الصوت اللي بسمعه كل يوم…. من ساعة ما جيت السجن ده.
زفرت بحرارة مستطردة:- يا ترى هيسيبني هنا لإمتى انا خايفه أوي من اكتشافه للحقيقة ده غير خوفي من المكان والصوت… البوص بقاله يومين مجاش معقوله يكون بيجمع معلومات عني…. يارب أعمل إيه.
بترت عباراتها عندما استمعت إلى صوت صرير الباب يُفتح من جديد… جذبت الغطاء البالي عليها بشدة.
ضرب كشافه في وجهها قائلاً بلهجة ساخرة: وحشتيني اوي يا ملوكه…. بذمتك موحشتكيش أنا كمان.
صُدمت مما تفوه به فهي لم تتوقع قوله هذا… وارتعش جسدها بقوة عندما بدأ يلامس شعرها بأنامله ثم جانب وجهها بمزيجٍ من الرقة والخشونة… 
مقترباً من وجهها حتى شعرت بأنفاسه الحارة يتحرق وجهها قائلاً بهدوء مميت: إيه مالك يا قطة خايفة مني… متخافيش انا لسه مش هاكلك دلوقتي. 
ثم ضحك بشراسة جعلت جسدها يرتعد من الذعر مردفاً بحدة: عندي ليكِ مفاجأة جميلة أوي هتعجبك…!!!
رمقته بارتياب تحاول الإبتعاد عنه قدر المستطاع… فابتسم بخبث ممسكاً بذقنها لتواجهه أكثر.
قائلاً بلطف: هتروحي لشريكك يا حلوة… تلاقيه وحشك مش كده.
وقف فتحي أمام سليم الأنصاري يرمقان بعضهما البعض بغموض… أشار له بالجلوس بالقرب من مكتبه.
قائلاً بود: ها يا فتحي إيه الأخبار…. زفر بحرارة قائلاً باهتمام: كله تمام زي الكتاب ما بيقول.
ضحك البوص بخبث قائلاً بمزاج: عارف إنك هتنفذ كل اللي كان نفسك تعمله من زمان.
شرد قليلاً ثم عقد حاجبيه بشدة قائلاً بضيق: للأسف هيه ما سبتش حل تاني قدامي.
اومأ برأسه وهو يشعل سيجاره الغليظ من جديد قائلاً بتساؤل: هيه عرفت إنك اتجوزتها ولا لسه.
هز رأسه بالنفي قائلاً بهدوء مفتعل: لا لسه معرفتش ومش ناوي أقولها دلوقتي غير لما تتحسن حالتها.
تنهد سليم قائلاً بجدية: براحتك يا فتحي…. بس خلي عينك عليها كويس أنا عارفها.
حدجه لثواني قائلاً بتساؤل: هيه تعرف إنك ابن عمي ولا متعرفش….
ضحك البوص بغموض قائلاً بخبث: لا متعرفش سايبهالها مفاجأة.
ابتسم متهكما بقوله الجاد: دماغك دايماً شغاله يا بوص.
نفث دخان سيجاره بالهواء قائلاً بعبث: أومال أنا البوص سليم الأنصاري إزاي… لقبي مش من فراغ يا فتحي.
تأملها فتحي وهي نائمة على الفراش بعد تناولها للعلاج…. جلس بالقرب من جسدها الممد أمامه كاد أن يلامسها بجسده.
قائلاً لنفسه بضيق:- حبي ليكِ بقى زي اللعنة تمام يا سهر… سنين كتير بحاول أطلع منه وانساه لكن مفيش فايدة….احتليتي قلبي من أول مرة شافك… ولغاية دلوقتي مابقاش فيه مكان لحد تاني غيرك… مهما حاولت بفشل.
تأمل وجهها الشاحب والمجهود والتي أصبحت كلما رأته تطيعه رغماً عنها خشيةً من غضبه… وقسوته عليها التي أصبحت عادة لديه كأنه ينتقم من سنين عمره التي مرت عليه في بُعدها المتعمد عنه.
ابتعد عنها سريعاً عندما بدأت تتململ في الفراش… حدجها بترقب قائلاً لنفسه بتشفي: ولسه ياما هتشوفي مني يا سهر.
فتحت عيونها ببطء تحاول معرفة من معها… قائلة بخفوت: انت تاني يا فتحي…
ابتسم متهكما من قولها الذي لا يعنيه في أي شيء قائلاً بجمود: أنتِ ناسيه إن أنا عملك الأسود.
استمع أدهم الصاوي إلى تبادل لإطلاق النار… خارج فيلته…. فانعقد جبينه بحدة مذهولاً ومبهوتاً مما ينصت إليه.
فأسرع ليشاهد ما الخطب ففوجئ برجال البوص بالخارج يحاوطون المكان بالخارج.
قائلاً لنفسه بغضب صادم: هوا مفيش غيره سليم الأنصاري…. بتر حديثه إلى نفسه عندما شعر بالسلاح يلامس رقبته من الخلف… والبوص من أمامه يقف شامخاً يضع كفيه في جيب بنطاله.
قائلاً بود ساخر: شوف بتوحشني إزاي على طول….!!! 
رأى عاصي إضاءة آتيه من تحت الباب… فنظر بساعته فوجد الوقت قد تأخر على موعد نومها.
تناهى إلى سمعه صوت تحدثها بالهاتف… فضم كفه بقوة ثم فتح عليها الباب سريعاً قائلاً بغضب : انطقي …. وقوليلي كنتِ بتتكلمي مع مين ….!!!
ارتجف قلب فريدة ولم تستطيع النطق… فقد تفاجئت باقتحامه لغرفتها هكذا، جف حلقها بشدة تحاول الإبتعاد عنه دون فائدة.
فرمقها بمزيدٍ من الانفعال قائلاً لها بحنق: فريدة ….. إنطقي وإلا إنتِ عارفاني أنا ممكن أقدر أعمل إيه دلوقتي .
اقتربت منه فريدة تحاول تشجيع نفسها على مواجهته.
قائلة له بتردد: كنت…. كنت…. بكلم واحده صاحبتي، ضيق عينيه بتساؤل عنيف قائلاً لها بسخط : إنتِ فكراني واحد أهبل مش كده علشان أصدقك…!!!
ارتبكت فريدة عندما تفوه بذلك قائلة بصوت متوتر : أبيه صدقني دي الحقيقة أنا عمري ما كدبت عليك.
هتف بها بحدة قائلاً لها بنبرة عالية: أنا خلاص مبقتش أصدقك تاني ولا هثق فيكِ بعد كده، الثقة بينا بقت صفر حتى لو كنتِ بتقولي الحقيقة فاهمة.
اعتصر الألم قلب فريدة وحاولت ألا توضح أمامه حقيقة ما تشعر به من عذاب وألم بداخلها خشيةً من ردة فعله عليها.
قائلة بهدوء ظاهري : إنت حر في رأيك يا أبيه عاصي وأنا مقدره ظروفك علشان من ساعة ما اختفت ملك وانت مش طبيعي.
شعر بداخله ببركان ثائر يريد أن ينفجر في وجهها فجذبها من رسغها ناحيته بقوة قائلاً لها بثورة : تقصدي إني بقيت مجنون مش كده يا فريدة …. !!!
تألمت بشدة وحاولت كتم ما بداخلها من مشاعر قائلةً بهدوء مفتعل : لا يا أبيه إنت بس محتاج ترتاح ونفسيتك تهدى مش أكتر.
خطف منها هاتفها باليد الأخرى قائلاً لها بنرفزة: أنا بقى مش ههدى خالص لغاية ما أعرف مكان ملك فين وتقوليلي كمان  على الحقيقة ومش هتمسكي التليفون ده تاني غير لما أعرف أنتِ بتتكلمي مع مين في وقت متأخر كده.
بُهتت من قراره الظالم لها قائلة برجاء : أبيه أرجوك أنا ….. قاطعها بحدة مشيراً لها بيده أن تصمت قائلاً بعصبية: أنا خلاص قلتها كلمة ومش هكرر كلامي تاني وأوامري لازم تتنفذ وبس.
ثم ألقى بها على الفراش خلفها بقسوة تاركاً لها عذابٍ لن ينتهي.
أغمضت أهدابها بحزن عميق تهبط منها الدموع الغزيرة على وجنتيها سامعاً لصوت بكاؤها الذي لم يؤثر به كثيراً.
كاد أن يخرج عاصي من الغرفة لولا تذكره شيئاً ما… جعله يتوقف ملتفتاً إليها بوجه جامد قائلاً لها بحدة :على فكرة في عريس غفلة اتقدملك امبارح… 
يتبع..
لقراءة الفصل التاسع : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية المؤامرة للكاتبة منة محسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!