روايات

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي 5) الفصل التاسع 9 بقلم آية محمد

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي 5) الفصل التاسع 9 بقلم آية محمد

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي 5) الجزء التاسع

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي 5) البارت التاسع

نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي 5) الحلقة التاسعة

لحظة سريعة خطف منها نظرة لمن يدفعه بكل ما يملك من قوةٍ للأمام، جذبه “عمر” وقربت منهما “آية” أحد المقاعد، فجلس “عدي” وبات قبالة أباه وجهًا لوجه، انحنى “عمر” يتفحص ساقه بنظرةٍ قلق، ارتخت فور استكشافه للتشنجات التي تحيط بها، فاستقام بوقفته ثم أشار لوالدته:
_ممكن حضرتك تحضريلي مية دافية، وأنا هحاول أشوف مرهم مناسب في علبة الإسعافات الأولية.
أومأت برأسها بلهفةٍ ساقتها حد الركض تجاه المطبخ، بينما هبط “عمر” للأسف لليبحث عما يريد، تاركًا من خلفه نظرات متبادلة بين كلًا من الأب وابنه، الصمت القاتل بينهما لم يتخذاه سبيلًا للمواجهة للمرة الأولى ، استكشف “ياسين” بنظراته دهشة جعلت الأخير مذهول مما يلاقاه من الجميع، فقال بتريث وهو ينحني تجاهه:
_أتمنى يكون اللي حصلك رجعلك عقلك.
والتقط ساقيه بين يديه فمرر إبهامه أسفل عروقه النابضة، وبحركاتٍ متتالية خففت التشجنات التي تستحوذ عليه، وبالطبع لم يكن الأمر سهلًا بالمرة، فكبت “عدي” تأوهاته بمهارةٍ، فانحنى للأسفل وهو يفرك قدميه الأخرى من شدةٍ الألم، استندت يده رغمًا عنه على كتف “ياسين” الذي مازال يتبع تمرينه البسيط لفك تشنجات ساقه، وحينما شعر بارتخاء جسده تيقن بأنها أتت بثمارها الطيب، فانتصب بوقفته الشامخة قبالته، رفع “عدي” عينيه التائهة تجاهه، ققابله الأخير بنظرةٍ مستهزئة اتبعها قوله الساخر:
_متقلقش أنا مش جوز أمك عشان أسيبك تموت في عرض البحر وأقف أشمت فيك وفي عنادك اللي وصلك لهنا!
ورمقه بنظرةٍ قاتمة قبل أن يتجه للدرج، فهبط لغرفته في سكونٍ كان يسود أوجه زوجته وابنه الذي يراقب ما يحدث أمامه بفرحةٍ، فاتجه لأخيه بينما انسحبت “آية” للأسفل خلفه.
*******
توتر العلاقة بينه وبين ولي عهده يزرع بداخله التعاسة في كل مرة يحاول بها أن يكون سعيدًا، وكثيرًا ما يتساءل عن المدة التي سيظل بها يحارب حتى يغير من طباعه الشرسة، ولكنه يعلم جيدًا بأنه لم يخسر معركة من قبل حتى يخسرها الآن أمام ابنه، مازال بالبداية فقط، لم تجني خططه ثمارها بعد، شعوره الآن لم يملك الحق به، عليه أن يكون قويًا فيما سيخوضه، أغلق “ياسين” عينيه باستسلامٍ لراحة جسده على الشازلونج المريح، وقبل أن يغفو شعر بضمة رقيقة لكف يده الذي يحيط بعينيه معًا ليمنع الضوء من حجب غيمة الظلام التي صنعها لنفسه، فأبعد ذراعيه عنه ليتفاجئ بها تجلس أرضًا، تحتضن كف يده وتقبله بدموعٍ جرت لتتساقط على كفه المأسور بين راحتها، تجعد جبينه حينما زوى حاجبيه معًا، فاستقام بجلسته وجذبها عن الأرض لتجلس جواره وصوته الرجولي الخشن يتساءل باستغرابٍ:
_آية! أيه اللي بتعمليه ده؟؟!
تطلعت لعسلية عينيه الدافئة، وكأنها تلتمس أن تزيل البرودة التي تستحوذ على أطرافها من شدة الخضة التي خاضتها باختبار ابنها القصير للنجاة من الموت، فلم تنتظره إن يقربها لمحيطه الآمن مثلما كان يفعل، بل اندفعت من تلقاء ذاتها لصدره الذي تلقفها بحنانٍ وعشق عتيق، شدة فضمة فارتواء، هكذا هو قانون العشق الثلاثي، حيث لا مجال للأقاويل والعتاب واستجماع كل لحظة غضب دفنت بالماضي البعيد، وحيث ستجد المحال أمرًا واقعيًا، فربما تجد “ياسين الجارحي” رجلًا حازمًا لا يتخذ اللين طريقه، لطالما كان صارمًا، لا يتبع اسلوب المحايلة ولا سماع أي طرف يود الحديث إليه الا هي، فإن ظلت تتحدث لأبد عمره القصير سيسمعها بصدرٍ رحب، لو فاضت بدموعٍ العالم على صدره سيضمها برحبٍ وأصابعه لن تمل ابعاد دموعها عنها، ليس لأن النساء بطبعها نكدي ودمعاتها قريبة بينما يتهمن البعض، ربما لأنها تظن بأنها ضعيفة وهاشة حتى وإن كانت تمتلك القوة، فما تلجأ إليه كل مرة هو البكاء، قد ترغب في أن تظل ضعيفة لتريها أنت ما تمتلكه من حنانٍ، علك تكسر حاجز الجفاء بينكما فتضمها إليك وبالنسبة لها سينتهي كل شيء، ولتعلم إن هناك بعض المواقف التي إن لجئت بها للعتاب ستخسر كل شيء وأوله حبها لك، لذا كن حريصٍ باستخدام عفوك وقسوة عتابك!
ابعدها “ياسين” عنه وشملها بنظرةٍ تمعنت بها، فقال بابتسامةٍ عابسة:
_عيونك شايلة نفس الحيرة اللي شوفتهل بعيون ابنك.
ابتلعت ريقها بقليل من التوترٍ اصطحبها كالظل بحديثها المرتبك:
_اللي حصل لخبطني مش أكتر.
بالرغم من انكارها لما تود قوله، الا أنه تمكن من قراءة ما فشل لسانها بقوله، فابتسم وهو يخبرها:
_كنتِ متوقعة اني هقف وأتفرج على ابني وهو بيغرق يا آية!
رمشت بعينيها عدة مرات وهي تعترض:
_لا.. آأنا بس آآ.
قاطعها بنبرته الساكنة:
_مفيش داعي للتبرير.. مفيش أب بيكونله جميل أو شكر لانقاذ أولاده.. لأن ده واجبه ومفروض عليه.
واستفاض بشرحه المتمهل:
_يمكن أكون بقسى عليه كتير بس ده لاني بحبه وعايزه يتغير ويبقى أفضل عن طباعه الصعبة.
واقترب حتى اسند رأسها يين عنقه:
_كل الصعب هيمر وهيعدي.. مفيش غير السعادة والحلو اللي هيكون في حياتنا يا آية.. طول ما انا جنبك اتطمني ومتحمليش هم حاجة.
وكأنه ينقل صورة كاملة لما يحدث في حضرته، شردت نظراته بهيئتها، فابتسم وهو يشير لها على ملابسها:
_المية بهدلت هدومك!
انتبهت لما قال، فتعجبت للغاية حينما رأته مازال يرتدي نفس ثيابه، فتساءلت بدهشةٍ:
_أنت ليه مغيرتش هدومك لحد دلوقتي؟
رفع أصابعه ليبعد عنها قطرات المياه اللامعة فوق خدها، وببسمةٍ مشاكسة قال:
_يمكن عشان مستنيكي مثلًا!
نهضت من جواره على استحياء ثم دنت من الخزانة لتنقي له ما يلازمه، وحينما استدارت للخلف اندهشت حينما رأته يدنو منها حتى بات يحاصرها بين ذراعيه، انتفضت مشاعرها تأهبًا لقربها منه، وبارتباكٍ وتردد نطقت:
_ياسين الاولاد بره!
رفع احد حاجبيه بسخطٍ:
_أيه لسه بيرضعوا ومحتاجين عناية!
ضحكت رغمًا عنها، فاحاط خصرها بتمكنٍ ثم جذبها إليه فباتت تقاتل نظراته العاشقة التي تحوم على ملامحها الرقيقة، فألهب شعلة عشقهما المنطفئ، لتعوم لمجدها السابق بكل اعتزاز وتقبل للمساته الخبيرة بالتعامل معها كأنثى!!
******
بالخارج.
انحنى “عمر” يتفحص قدميه، فانتشلها “عدي” منه بحدةٍ اتبعت لسانه السليط:
_خلاص يا عم… بقيت كويس.
ضحك باستهزاءٍ خيم على نبرته:
_لازم تبقى كويس مش ياسين الجارحي اللي عالجك لنفسه.
وجذب المقعد البعيد عنهما ثم جلس مقابله، فالقى له الملابس وهو يشير له:
_غير هدومك بسرعة لتاخد برد.. العملية مش ناقصة.. عايزين نرجع القصر على خير.
حدجه بنظرةٍ مغتاظة قبل أن يلتقط ملابسه، فاتجه للحمام القريب منهما لينزع عنه ثيابه المبتلة..
جذب “عمر” هاتفه وحاول الاتصال بياسين ولكنه لم يجيبه، فحاول مجددًا الاتصال برائد وجاسم، واخرهم أحمد الذي أتاه صوته يجيبه على الفور:
_أيوه يا عمر..
_أيه يا ابني برن عليكم محدش بيرد..
فتح السماعات الخارجية للهاتف ورفع صوته قائلًا:
_مشغولين بالترتيبات.. تقدر تتكلم الشباب سامعينك.
رفع “معتز” من صوته ساخرًا مما يحدث:
_لحقنا نوحشك يا دوك ولا أيه؟
اجابه بتذمرٍ:
_يا ابني اتقي شري واركن على جنب..
وتابع قائلًا:
_المهم فين نور.
ردد ياسين بسخطٍ:
_انت متصل بينا تسأل عن مراتك!
علل ذلك قائلًا:
_حاولت اكلمها اكتر من مرة فاتصلت بمليكة وقالتلي انها بره معاكم!
تلقائيًا اتجهت نظراتهم لمن تعتلي الدرج القصير ببطنها المنتفخة، تحاول جاهدةٍ لصق صفوف موازية من البلون الأحمر، ومن أسفلها يحاول “حازم” نفخ البلونات بعدما انتزع جهازه، فبدى كمن يركض لأميال من المسافات حتى اختنق مجرى تنفسه، تسلل لعمر وعدي الذي انضم له صوت رائد وهو يردد بعصبيةٍ بالغة:
_ يا نور انا عايز افهم احنا مقصرين في أيه عشان تتشعلقي في السلم ببطنك دي، هتجبيلنا التهزيق لو جرالك حاجة انزلي!
وأمسك الدرج بحرصٍ حتى لا يختل توازنها، ليستطرد بنبرة شبه آمر:
_انزلي حالا.
انصاعت إليه، وبدأت تهبط للأسفل ببطءٍ وحذرٍ، وما أن انتهت حتى وقفت قبالته تناطحه بغيظٍ:
_ كلها كام ساعة وهنلاقي انكل ياسين هنا ولسه لحد الآن بتنفخوا البلالين!!
جحظت عينيه، وبصراخٍ مستشيط ردد:
_بلالين أيه! انتوا مستغلين تضحيتي العظيمة وكدبتي على ياسين الجارحي اللي ممكن رأسي تطير فيها ومشغلين مراتي! ده انا هطلع بروحكم.
القى حازم البلون عن يديه بسخطٍ:
_يا عم اتنيل دي هي اللي قاطعة نفسنا، الواحد بيصارع عما ينفخله بلونتين تلاتة وهي لزقتهم كلهم جنب بعض في غمضة عين..
وألقى ما بيديه وهو يصيح بغضبٍ:
_انا خلاص فاض بيااا وتعبت.
وعلى صوته ينادي بحزمٍ لا يليق به:
_يا عثمــــــــــــان…أنت يا عم عثمــــــان..
اتاه رئيس الحرس يهرول من الخارج، فأسرع تجاهه وهو يتساءل باهتمامٍ:
_تحت أمرك يا حازم باشا..
جذب حازم أحد الأكياس الموضوعة على الطاولة،ثم دفعها لصدر الاخير وهو يشير له بغضب وحدةٍ:
_خد دول وانفخهم أنت والترلات اللي بره دي، بدل ما هما مش شاطرين غير في استعراض العضلات طول النهار قدام القصر وكأن في خلية ارهابية هتحاصرنا، ده الحرامي اللي يفكر يقربلنا هيفكر سبع مرات قبل ما يقدم على المهمة الانتحارية دي!
حانت منه نظرة متفحصة لما يحمله، فتساءل باستغرابٍ:
_مش فاهم حضرتك عايز أيه!
قال بصرامةٍ مبالغ بها:
_تنفخ البلالين انت والهياكل البشرية اللي معاك.
انكمشت تعابيره بصدمةٍ:
_نعم!
صاح حازم بتريثٍ:
_زي ما سمعت خلي ام الليلة دي تعدي انا مش عارف عيد جواز ايه اللي لسه هيحتفلوا بيه بعد العمر ده كله!
كبت ياسين ضحكاته بصعوبةٍ على هيئة عثمان المذعور مما يأمر به، وكأن احدهم اتنزع منه السلاح ومهاراته القتالية ويخبره بأن يصنع حفل زفاف ملائكي وهو لا يفقه عما سيتخذه من اجراءات شاقة بالنسبة له، فجذب عنه الكيس الذي يحمله ثم قال والابتسامة تنير وجهه الوسيم:
_روح أنت يا عثمان.. وسبلي الحيوان ده.
اومأ برأسه باحترامٍ:
_اللي تؤمر بيه يا باشا.
وغادر على الفور لينجو من كارثة آل الجارحي المتنقلة، وبعد رحيله صاح الاخير بغضبٍ:
_أنت بتهزأني قدام الواد عثمان يا ياسين، الحق عليا اني بوفرلكم الفلوس اللي بيلطشوها كل أول شهر!
ترك ياسين الجهاز الذي يعاونه على نفخ كميات هائلة من البلونات، ثم دنا من حازم، فقال بانفعال وعينيه تراقب الدرج:
_ممكن توطي صوتك وأنت بتتكلم، بابا لو حس بينا هتضيع كل تعبنا يا غبي!
استغلت نور ما يحدث وجذبت مجموعة من البلونات ثم اتجهت للدرج واحاطتهم باللاصق في محاولةٍ لاحكامهم حوله جيدًا، انتبه لها معتز الذي يبدأ بتزين الدرج من الأعلى، فناداها بصوتٍ على الرغم من انه خافت الا انه كان مسموعًا:
_تـــــاني يا نـــــــور… عمر لسه على الفون!!
ترك جاسم السكين عن يديه ثم أشار لها بضيقٍ:
_الله يكرمك سيبي اللي في ايدك ده وادخلي ساعدي البنات في الجاتو والمشاريب احنا هنقوم بالواجب..
القت ما تحمله بيدها وهي تردد بحزنٍ:
_أنا عايزة اساعدكم بحب أزين القصر!
اقترح عليها أحمد الذي يتابع ما يحدث بصمتٍ وملل قاتل:
_خلاص يا نور رمضان داخل اهو هتكوني ولدتي بالسلامة ونوعدك هنسيبك تزيني القصر على مزاجك ومحدش هيتدخل خالص.
تساءلت بشكٍ:
_ولا حازم؟
ضيق الاخير عينيه بغضبٍ ساقه للرد عليها، فأسرع ياسين بتكمم فمه وبابتسامة عريضة اجابها ليساعد احمد في قراره وحكمته المثالية في حل تلك المعضلة؛
_ولا المغفل ده..
احتلت الابتسامة وجهها، فتركت ما بيدها ثم انسحبت للمطبخ، فترك ياسين يده عن حازم والتقط نفسًا مطولًا وكأنه تخلص من قنبلة مؤقتة كانت تهددهم بالهلاك، ومن ثم أشار لهم قائلًا:
_على الشغل يا شباب.. هانت.
شاركهم عمر الحديث ورأى بأن ما سيقوله سيبث الهمة والعزيمة بهم:
_هموا يا شباب قبل ما نوصل، وادعولي لو قفش اني كداب هيقتلني.. وصيتكم نور خلوا بالكم منها.
رفع رائد الهاتف عن الطاولة ثم صاح به باندفاعٍ:
_يا عم متقرفناش بقى نور تأخد بالها من مديرية ..
اضاف جاسم ساخرًا
_تعالى انت احمينا منها ومن الحزب اللي كل شوية تشكله وتترأسه!
صاح حازم بخبثٍ:
_هو كل المصايب هتحدفوها عليها ولا أيه! انتوا اللي خناقتكم كترت ومبقتوش عارفين تلموها.
ضحك معتز باستهزاء:
_الواد ده معاه حق.. ولازم نحط راجع للموضوع ده قبل ما عمك اللي يحطلنا احنا دوافع وربنا يسترها.
كاد ياسين بالرد عليهما ولكنه تسمر محله من الصدمة التي رآها وجعلت من حوله يتطلعون لما يراه..
سلاح ضخم يحمله كتلة بشرية صغيرة لم يتبين معالمها بعد، أو لكناية من تنتمني، والابشع من كل تلك التخيلات بأن السلاح يخص ياسين الجارحي وبالاحرى مكتبه الخاص، وفجأة طل رأس الصغير من خلفه وعينيه تبحث عن أباه ليسأله باستياءٍ:
_هو ده بيشتغل ازاي يا بابي!
هز “حازم”، رائد المصعوق محله، وهو يخبره:
_كلم ابنك قبل ما يخلص علينا كلنا… ابنك غبي ويعملها.
رمش بعينيه عدة مرات ليستعيد وعيه سريعًا قبل أن يلقى حتفه هنا وبتلك اللحظة، فدنا منه وهو يرسم بسمة شبه بلهاء:
_آسر يا حبيبي سيب البتاع ده يا بابا وتعالى بسرعة قبل ما اطلع بروحك انت وامك النهاردة..
تراجع الطفل المشاكس للخلف فدنا منهما ياسين ليلكزه بضيق:
_ده اللي ربنا قدرك عليه!
استدار بوجهه تجاهه وبسخرية قال؛
_خش انت يا عم التفاهم الواد ده جاب أخر ما عندي.
رسم ياسين ابتسامة زائفة ثم قال:
_حبيبي ده شيء مؤذي وممكن يأذيك ويأذينا كلنا..
ضيق الصغير عينيه بتفكيرٍ:
_مهو ده المطلوب.. ابنك يحيى مش سايب حلا في حالها ومش راضي يخليني العب معاها!
صعق مما استمع اليه، وبحدةٍ اشار لابيه:
_خلص على الواد ده بسرعة… ابنك خطر على البشرية يا رائد!
اتاهم صوت صاخب:
_اللي هيجي جنب بنتي هولع فيه… انتوا مش احفاد الجارحي انتوا شياطين الجارحي.. البت لسه صغيرة وبتتقاسموا عليها من دلوقتي!
احتضن احمد رأسه الذي بدأ بالدوار، ثم دنا من الصغير ليفض ذاك النزاع الذي سيفتك برأسه:
_آسر حبيبي.. مينفعش تدخل مكان بدون استسأذن.. اللي عملته غلطة كبيرة ومينفعش تكررها، ثم ان حلا اختكم الصغيرة وقولنالكم الف مرة العبوا مع بعض.
اعترض على اخر جملته:
_يحيى مش راضي يلعبني معاهم ولا وتولين ورحمة ويارا مش راضين يلعبوني.
احتدت معالم معتز حينما ذكرت اسم بنته وابنة جاسم من امامه:
_وانت مبتلعبش غير مع البنات!!
اتبعه تعصب جاسم العنيف:
_راىد لم ابنك انا متوتر خلقة من اللي بشوفه بالبيت ده!
كاد رائد بالاسراع اليه، فحال احمد بينهما وهو يتابع بنفس الابتسامة الهادئة:
_طب ايه رايك تلعب مع ليان بنتي وأويس هو شبهك وهترتاحوا مع بعض.
ضيق عينيه بتفكيرٍ طال لدقيقة كاملة ثم اتخذ قراره، فوضع السلاح بيديه واخبره بضحكة شيطانية:
_هشوفهم فين واروحلهم.
وركض الصغير من امام اعينهم فتنفس الجميع الصعداء وتبقى رائد محله يسأله بصدمة:
_حلت الكارثة دي ازاي.. انا فاشل مع الواد ده.
رمقه بنظرة حارقة قبل ان يلقي السلاح بين يديه وغادر ليتابع عمله، فوجد حازم يدنو منه وهو يسأله بجدية قاتلة:
_ايه رأيك انفخ البلون الابيض الاول وبعد كده ندخل على الاحمريكا لحسن شديد وبيقطع النفس.
جز على اسنانه وجذب السكين ليلوح به من أمامه:
_انا عايزك تختفي من وشـــــــــي.. ارحمني لوجه الله.
ترك حازم ما يحمله وهرول للخارج سريعًا فهو يعلم بأن اخيه حينما يفقد السيطرة على اعصابه الباردة من وجهة نظره حينها سيقتله في الحال، جلس احمد على المقعد القريب من الطاولة ثم رفع الهاتف لاذنيه ليتساءل بجدية:
_مصايبه كتيرة مش هقدر أتحمل أكتر من كده.
ثم رفع صوته ليكون مسموع للمتصل:
_عمر احنا شبه خلصنا ارجوك ارجع انت وعدي هنا، الحيوان ده طول ما عدي بره بيستفرض بينا واحد واحد…
اتاه صوت عدي المجاور لعمر:
_متقلقش يا احمد ساعة وهنكون عندك،المهم تابع انت وياسين الدنيا لحد ما نوصل وبالاخص حازم.
اقترح جاسم بابتسامة شيطانية:
_ايه رأيك نبعت الفيديو بتاعه لنسرين وأهي حاجة يتلهي فيها عما نخلص.
نفى ياسين اقتراحه:
_البنت حامل حرام هيجرالها حاجة..
وبخبث استرسل:
_احنا هنبعته بس لبابا مش لنسرين!
_فكرة واهو يلمه فوق لحد ما نخلص.
قالها معتز وهو يعيد ارسال الفيديو ليحيى، ثم وضع الهاتف وهو يشير لهم بفرحة:
_كله تمام يا رجالة هنشتغل بمزاج..
منحوه نظرة مشككة قبل ان يعود كلا منهم لعمله.
*******
بعد ساعتين متتاليتين رست السفينة على الشاطئ لتعلن عن انتهاء تلك الرحلة المميزة، فهبطوا جميعًا للاسفل، فاسرع تجاههم السائق ليحمل عنهم الحقائب، فتح عمر باب السيارة الامامي لوالدته، فاتجهت الاخيرة للصعود وقبل ان يصعد هو الاخير أغلق ياسين الباب ووقف قبالته، ابتلع ريقه بتوترٍ وهو يراقب انفعالاته فخرج صوته الثابت يخبره:
_في عربية جاية من القصر هترجعك انت وأخوك واحنا ساعة وجاين وراكم.
بدون أي استفسار للاسئلة التي روادته أومأ برأسه، بينما تحرك عدي تجاههم وتساءل باستغراب:
_ليه حضرتك مش راجع معانا؟
انتقلت نظراته الثابتة تجاهه، وتجاهل الرد عما سيكرره من جديد، فصعد لمقعد السائق الذي تنحى جانبًا فور اشارته، وقاد السيارة بذاته ليبتعد عن مكانهم، تابع عمر ابتعادهما وهو يردد بملل:
_خدها وهرب تاني!.
واشار لعدي قائلًا:
_ما تتصرف يا وحش.. هنرجع ازاي من غيرهم.
ابتسامة عابسة ارتسمت على طرفي شفتيه، فردد بمكرٍ:
_أبوك اذكى مننا، عرف اللي عايزين نعمله وكعادته سابقنا بخطوة.. مش حابب انها تتفاجئ بعيد جوازها من حد غيره.
وربت على كتفيه ليشير اليه للسيارة التي وصلت للتو:
_يالا.. هنسبقهم وهيحصلونا.
ذم عمر شفتيه واتبعه وهو يهمس:
_مش فاهم اي حاجة!
تحرك السائق بهم للقصر سريعًا، بينما تحركت سيارة “ياسين الجارحي” لاخر رحلة ستختتم بها رحلته المميزة، حيث سيكون الاحتفال مميزًا حينما يضمهم معًا دون أن يشاركهما أحدًا، يود أن يختتم العشق بليلة أخيرة ستجمع ارواحهم بباحة الغرام العتيق!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (نوفيلا لحظات خاصة (أحفاد الجارحي 5))

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!