روايات

رواية وما ادراك بالعشق الفصل السابع عشر 17 بقلم مريم محمد غريب

رواية وما ادراك بالعشق الفصل السابع عشر 17 بقلم مريم محمد غريب

رواية وما ادراك بالعشق الجزء السابع عشر

رواية وما ادراك بالعشق البارت السابع عشر

رواية وما ادراك بالعشق الحلقة السابعة عشر

الفصل السابع عشر _ القيد _ :
قبل ثلاثة و عشرون عامًا …
طال مكوثها بغرفة النوم، بينما يجالس “يحيى” صغيرته البالغة من العمر خمس سموات بالصالة و قد ضجر في غيابها، ترك الصغيرة أمام التلفاز تتابع شغفٍ طفولي مسلسل كرتوني شهير، و قام متجهًا للداخل، مع كل خطوة يخطوها يتسلل صوتها أوضح إلى أذنيه
لقد كانت تغني !
مدفوعًا بفضوله أسرع من سيره حتى وصل إليها، رآها تجلس أمام منضدة الزينة، ترتدي روب الاستحمام و تمشّط شعرها، آسرة و جميلة كما هي دومًا، لكن عبوسه لسماع الكلمات التي راحت تتغنّى بها منعه من تأملها بنظرات الإعجاب :
-من حبي فيك يا جاري يا جاري من زمان.. بخبي الشوق و أداري لا يعرفوا الجيران.. بخبي الشوق و أداري أداري لا يعرفوا الجيران …
و كفّت عن الغناء فجأةً، عندما لمحة إنعكاسه بالمرآة، طالعته بنظراتها الفاترة و هي تقول :
-يحيى.. في حاجة ؟
-إيه إللي كنتي بتقوليه دلوقتي ده !؟
رفعت حاجبيها مدهوشة من الحدة التي يخاطبها بها، لكنها جاوبته بهدوء :
-كنت بغني.. ممنوع أغني و لا إيه !!
كز على أسنانه بغضبٍ و لاحظت توتر جسده لحظيًا قبل أن يقول بغلظةٍ :
-مين جارك ده يا هانم إللي بتغنيله !؟؟
تدلّى فكها من شدة الذهول و قامت واقفة على قدميها فورًا، استدارت ناحيته ملقية بالفرشاة جانبًا، التصق شعرها الرطب بجانبيّ وجهها مضفيًا عليها إثارة و فتنة بينما تردد بلهجةٍ لا تقل حدة عنه :
-جاري إيه و بتاع إيه انت سامع نفسك ؟ هو أي واحدة تغني أغنية عاطفية جوزها يشك فيها.. يعني أنا مثلًا لو غنّيت …
و بدأت تتمايل أمامه بسخرية مؤدية :
-آاااااه يا اسمراني اللون.. حبيبي يا اسمراني …
و عاودت التحدث بازرداءٍ لاذع :
-أكون أنا بحب واحد اسمر !!؟
أقنعته، لم يكن لديه أيّ مبررات للشك بها أصلًا، لكنه لا يزال حانقًا عليها، لا يزال على نفس الحالة المتوترة
اقترب منها بخطى ثابتة، و توقف على بُعد قدم منها، نظر لها مليًا بعينيه الكرستالية ثم قال بخفوتٍ خطر :
-أنا فاهم إللي بتقوليه كويس. و مش معنى إني بسأل أبقى شاكك فيكي.. أنا لو شكّيت مش هقف أتكلم معاكي كده !
رمقته بنظرةٍ مستخفة كادت تطيح بصوابه لو لا أن تمالك أعصابه كي لا يؤذيها، و غمغم من بين أسنانه :
-تفتكري هفضل لحد إمتى مستحمل طريقتك دي يا رحمة ؟
أمالت رأسها قائلة ببرودٍ :
-طريقتي معاك زي ما هي. بتيجي مرة في الأسبوع. ساعات بتنام الليلة معانا و ساعات مش بتيجي خالص بالشهر و الشهرين عادي. إللي بينا مجرد فروض و واجبات. بقالنا سنين بنتعامل كده.. ف إيه إللي إتغيّر عشان تكلمني بالإسلوب ده ؟
لم تجفل حين قطع المسافة القصيرة بينهما بخطوة واحدة، و حتى و هو يمسك ذراعها الآن و يشدد قبضته عليه، تحمّلت الألم الذي يسببه لها و استمعت له و هو يرد منفعلًا :
-سنين. زي ما قولتي سنين و أنا قافل بؤي و ساكت. بقول مسيرها تهدا و تلين. مسيرها تنسى و ترجع زي ما كانت …
ضحكت باستهزاءٍ أغضبه أكثر و قالت مسندة كفّها على صدره العاري من وراء روبه المنزلي :
-أرجع زي ما كنت ؟ قصدك أعيش دور الهبلة يعني ؟ يحيى أنا بحترم ذكائك. من فضك احترم ذكائي أنا كمان.
تشنّج فمه و هو يسألها بجمودٍ :
-قصدك إيه ؟
تلاشت سخريتها كلها و هي تخبره بجدية :
-لو كنت مفكرني نسيت إللي عملته فيا من خمس سنين تبقى غلطان.. هقولهالك تاني. انت دبحتني. أنا عايشة إنهاردة بسبب شمس. و لسا سامحة لك تبقى في حياتي بسببها. شمس بنتي الوحيدة. هي عيلتي كلها. شمس لو جرالها أي حاجة مش هقدر أعوضها. هاروح وراها.. يحيى. انت لسا مش فاهم ؟ انت مجرد علاقة في سرير بالنسبة لي. أنا من زمان ريّحت دماغي و اعتبرتك كده. ريّح نفسك انت كمان و اعتبرني كده !
لم يرل لها جفن و هي ترى لون وجهه البرونزي يستحيل إلى لون الدماء، قدّرت إنه ربما يتهوّر و يمد يده إليها بسوءٍ ما، كانت مستعدة تمامًا و ترفع رأسها بشجاعةٍ، إلا إن ظهور صغيرتها المفاجئ غيّر كل شيء …
-مامي.. أنا جعانة !
لم يبتعد “يحيى” عنها فورًا، بينما نظرت “رحمة” إلى صغيرتها من وراء كتفه و قد تمكنت بسهولةٍ من قلب تعبير الجفاء و اللامبالاة على آخر مفعم بالعطف و الحنان :
-حبيبة مامي. هاعملك أحلى غدا دلوقتي.. بس ممكن تستني برا شوية. خمس دقايق بس !
عبست الصغيرة ضاربة الأرض بقدمها :
-لأ أنا جعانة دلوقتي !!
تنهدت “رحمة” نازلة عند رغبتها :
-حاضر يا عمري. جاية أهو حالًا.
و شدت ذراعها برفقٍ من قبضة زوجها الفولاذية متحاشية النظر إليه، ليتركها بحركةٍ بطيئة ممتنًا لظهور “شمس” الذي أنقذ والدتها، و لو مؤقتًا !
تركها تمضي صوب صغيرتها، راقبها و هي تحملها و تخرج بها، لم يلحق بهما، بل بقي بمكانه مشغولًا بحوارهما، يعيد التفكير بكل كلمة قالتها، و رغم مرور سنوات عديدة من الجفاء و التنافر بينه و بين زوجته الشابة، إلا إنه واقعٌ بحبها
تغافله عن معاملتها له سببها الوحيد هو حبه لها، لم يشاء أن يضغط عليها و يظلمها مرةً أخرى، لكنه الآن يخشى لو أنه بيده صنع هذا الحائل بينهما و إلى الأبد، يرفض هذا، يرفضه بشدة، إنها له، و هو يعرف جيدًا كيف يستعيدها و ينتزع منها خضوعًا كاملًا …
__________________________________
الوقت الحاضر …
ذهب “عثمان” لملاقاة أخته بغرفتها كما أبلغه ولده حيث تتوقع “صفيّة” قدومه، قرع بابها أولًا، ثم دلف بعد أن حصل على إذن الدخول
وجدها تجلس بانتظاره فعلًا بشرفة الغرفة التي لطالما اعتنت بها قبل زواجها و سفرها مع زوجها و ابن عمها، لكنها الآن صارت جرداء، مجرد فسحة بها مقعدين و طاولة حملت فنجان من القهوة الباردة …
-صباح الخير يا صافي !
انتبهت “صفيّة” لمجيئ شقيقها، رفعت رأسها ناظرةً نحوه، لم تفلح طلّته الآخذة بالعقل بابهاجها كالمعتاد، مظهره متكامل ليس به غلطة، يرتدي سروالًا من الموهير الأزرق، و كنزة بيضاء من الصوف، شعره الناعم الذي خالط بعض الشيب منابته مصفف و لامع بعنايةٍ، ينتعل خفّين من الجلد الطبيعي، و رائحة عطره الجذّابة “Legend” المنتقاة من مجموعة “Mont Blank” الشهيرة كان من شأنها تهدئة أعصابها
و لكن لا، لا شيء في الوقت الراهن بقادرٍ على تهدئتها، مطلقًا …
جلس “عثمان” قبالتها دون أن يتلقّى ردًا على تحيّته، بينما تجاوزت هي المقدمات و قالت باقتضابٍ :
-عثمان. من فضلك لو صالح حاول يتصل بيك أو جه على هنا في أي وقت بلّغه إني عملت توكيل لمتر سميح عشان يخلّص معاه إجراءات الطلاق. انا مش عايزة أقابله و لا أكلمه آ ا …
-إيه إيه إيه !؟؟ .. قاطعها “عثمان” مستنكرًا بشدة
بل يكاد يجزم بأنه لم يسمعها جيدًا :
-سمعيني تاني كده قولتي إيه ؟
تململت بعصبيةٍ مغمغمة :
-سمعتني كويس يا عثمان. أنا و صالح هانطّلق. هو لسا مايعرفش و من إمبارح بيكلمني و مش برد عليه ف أتوقع إنه ممكن يكلمك. بطلب منك تبلّغه بقراري و لو سمحت تتابع مع المتر لأني مش هاكون موجودة هنا الفترة الجاية. هسافر مع مامي على إسطنبول و طبعًا هاخد معايا ديالا.
كانت هذه معلومات كثيرة عليه ليناقشها كلها، لكنه اجتزأ قضية طلاقها المزعوم قائلًا بصلابةٍ :
-إهدي بس كده و كلّميني واحدة واحدة.. إيه إللي حصلّك إنتي كمان ؟ صالح عمل إيه ؟ رجع للشرب تاني ؟
هبّت “صفيّة” واقفة و هي تهتف بانفعالٍ ماضية داخل غرفتها :
-مارجعش و ماحصلش حاجة.. أنا مش طالباك هنا دلوقتي عشان تنصحني أو تحاول تفهم و تصلح بينا. مافيش حاجة بيني و بينه. بس ده قرار نهائي. أنا و صالح هانطّلق.
نهض و تبعها على الفور و صوته يعلو محتدًا :
-و المفروض أنا ماليش لازمة معاكي صح ؟ لما أسمعك بتقوليلي طلاق و عايزة تخربي بيتك و منغير ما تقولي سبب واحد متخيّلاني هقولك أوكي يا حبيبتي طلباتك أوامر. انتي باين عليكي اتجننتي.. أقفي هنا و كلّميـني !!
و مد يده مجتذبًا إيّاها صوبه بعنفٍ.. كتمت صيحة و هي تشيح برأسها بعيدًا رافضة النظر إليه …
-عايزة تطلّقي ليه ؟ إيه إللي حصل ؟
تلقّت سؤاله للمرة الثانية بملامحٍ واجمة، لم تجاوبه هذه المرة أيضًا، فقبض على رسغها الآخر و شدّها صوبه أكثر صائحًا بعنفٍ :
-إيه إللي حصل يا صفيّة !!؟؟؟
رفعت بصرها الآن لتشتبك مع نظراته المتآججة، و إنسكبت دمعة مفاجئة على خدّها الشاحب و هي تجاوبه بلهجةٍ مرتعشة :
-بابي.. أنكل رفعت… الاتنين دمروا مامي يا عثمان.. دمروها !!
حلّ العبوس محل الغضب على وجهه الآن، استغرق منه الأمر لحظاتٍ كي يتمكن من سؤالها مجددًا :
-مش فاهم ! بابا اتجوز و طلع عنده بنت. أخت تانية لينا انا و انتي. ماما لسا مصدومة من الحقيقة دي. إيه دخل عمي رفعت دلوقتي ؟
انهمرت دموعها بغزارة و هي تقول بمرارةٍ هازة رأسها :
-مش هقدر أقولك.. مش هقدر أتكلم.. مامي مش هاتستحمل أكتر من كده يا عثمان.. مش هاتستحمل.
جن جنونه و هو يستمع لها و في نيّتها ألا تخبره شيء يتعلّق بأمه، صاح بنزقٍ و هو يهزّها بقوة غير واعيًا لتصرفاته :
-صفيّـة.. أنا مش باخد اذن منك. أنا بأمرك. قوليلي ماما مالها. إيـه إللي تعرفيه يا صفيّـة انطقـي !!!
انتحبت بحرقةٍ مرددة :
-مش هقدر.. مش هقولك يا عثمان.. مش هقولك …
كاد يفقد عقله و حدسه يؤكد عليه وقوع كارثة تخفيها عنه شقيقته، كاد يمارس عليها ضغطًا لن تتحمله و ينتزع منها الإجابة على اسئلته انتزاعًا، إلا إن ما أنقذها منه دوى نغمة هاتفه
حررها أخيرًا من قضبته، لكنه لم يبتعد عنها، و أبقى ناظريه عليها يراقبها لا تزال تبكي و تنشج بحرارةٍ و قد انهارت تمامًا، استلّ هاتفه من جيب سرواله و رد دون أن ينظر إلى هوية المتصل :
-آلو !
أعقب الصمت صوته الحاد لثوانٍ، قبل أن يستطرد بخشونةٍ استرعت انتباه أخته :
-يعني دخلت و قفلت على نفسها.. يعني إيـه مش عارف تدخل.. خلّيك عندك و ماتتحركش أنا جاي حالًا !!!
و أغلق الخط، لتنظر له “صفيّة” و هي تقول بتوترٍ :
-في إيه يا عثمان !؟؟
غمغم “عثمان” و هو يتأهب للرحيل فورًا :
-فريال هانم خرجت من القصر. موجودة دلوقتي في مقابر العيلة و قافلة على نفسها. حارس المقبرة شافها بتنقل بنزين من عربيتها و دخلت بيه.. لازم ألحقها !!
كتمت “صفيّة” صرخة رعب بكفيّها، بينما ينطلق “عثمان” راكضًا، لا يرى أمام عينيه سوى أمه المجروحة و ما هي بقادرة على فعله بنفسها في لحظة تهوّر …
____________________________________________
جعلته يقطع أروقة الفندق جريًا ورائها، تستمع لنداءاته و لا تتوقف أبدًا و هو يهرول خلفها مباشرةً :
-شمس.. شمس من فضلك استني.. اسمعيني طيب.. شمس …
-قلتلك امشي يا رامز ! .. صاحت بصرامةٍ و لم تتوقف أبدًا
حتى وصلت أمام غرفتها، فتحت بابها و ولجت، جاءت لتغلقه دون أن تحاول النظر خارجًا لكي لا تراه، لكنه دس قدمه ليمنعها من غلق الباب تمامًا
أطلقت صرخة ناقمة و تركته ماضية للداخل، تبعها مغلقًا الباب خلفه و هو يهتف من بين أسنانه :
-هاتفضلي تهري في نفسك كده و في الآخر هاتقفي تسمعيني. فرجتي علينا الناس في المطعم و قلبتي القهوة في وشي.. احنا لسا ماتحاسبناش على قلّة أدبك دي !!
و أمسك بطرف قميصه السماوي الذي لطخته بقع البُن …
استدارت نحوه صارخة :
-انت تشكر ربنا إني ماعملتش فيك أكتر من كده. جاي تحاسبني أول ما شوفتني و كل ثانية تبينلي إنك شاكك فيا و في الآخر أنا إللي ألاقي على موبايلك القذارة دي كلها.. الموضوع ده مانتهاش على كده يا رامز سامعني ؟؟؟
اشتدت عضلات فكيه و هو يوبخ نفسه للمرة العاشرة على غبائه، أن يسلّمها هاتفه مفتوحًا بينما يذهب إلى دورة المياه فتفتش فيه مكتشفة أسراره، و على رأسها علاقته بالمساعدة الخاصة لديه …
-قولتلك دي الـ Assistantبتاعتي ! .. غمغم “رامز” بحنقٍ
عقدت ذراعيها أمام صدرها مرددة بتهكم :
-فعلًا ! الـ Assistantبتاعتك باعتة تقولك وحشتني أوي. صوتك وحشني. حضنك وحشني. و ليها صور عريانة على موبايلك !!؟؟
انفجرت فيه بضراوةٍ أشدّ و هي تتخذ خطوته نحوه :
-قولّي علاقتك بيها بدأت من إمتى ؟ و وصلت لفين ؟ قولّي خونتني معاها كام مرة ؟؟؟؟
كانت جميلة مثل اللعنة و هي تثور في وجهه بهذه الطريقة، كنمِرة جاهزة لافتراس شاهٍ، حدق “رامز” لجزء من الثانية بمفرق صدرها الذي بان عبر الشال الآخذ بالانزلاق عن كتفيها، و قد سقط نهائيًا الآن …
-انتي سبتيني و هربتي ! .. قالها “رامز” بهدوء
نظرت له بوجوم، فتابع كلامه ببرودٍ قاصدًا إثارة جنونها و ليس فقط غيرتها :
-أنا راجل يا شمس.. و مش صغير. لو مش انتي في حياتي هايبقى غيرك. أنا ليا احتياجات و ميلا كانت موجودة و رحبت بتلبية الاحتياجات دي طول مدة غيابك.
-خاين ! .. غمغمت “شمس” بشراسةٍ و قد تصاعدت الدماء إلى وجهها
انتفخت فتحتيّ أنفها و هجمت عليه تريد أن تخمش وجهه بأظافرها الأنيقة ذات الطلاء الزهري و هي تهسّ بأنفاسٍ ملتهبة :
-خاين.. في الوقت إللي كنت مقهورة عليك و بلوم نفسي إني سيبتك. كنت بتخوني مع الحثالة دي.. أنا هاوريك يا رامز.. هاتشوف هاعمل فيك إيه !!!
كان قد أمسك بمعصميها يمنعها من الوصول لوجهه، يعجز عن إخماد نوبة إهتياجها، و في نفس الوقت سعيدًا لرؤية الدليل على حبها له
ابتسم و هو يحكم سيطرته عليها قائلًا :
-إهدي يا حبيبتي.. انتي خلاص رجعتيلي.. ميلا مابقاش ليها لازمة في حياتي. هاعوز منها إيه و انتي معايا. أوعدك إني هقطع علاقتي بيها نهائي.
صرخت باندفاعٍ مجنون :
-مش أنا يا رامز إللي تعمل فيا كده. مش شمس.. لو مادفعتكش تمن خيانتك ليا غالي مابقاش شمس البحيري.. و تمنها إنك مش هاتطول مني شعرة. و لا هاتشوف وشي تاني. غير و أنا جنب راجل تاني غيرك و على اسمه. مابقاش شمس إللي تعرفها لو ماعملتش كده و في أقرب فرصة. هاتشوف !!!
أصابت هدفها تمامًا و مسّت النقطة الحساسة بداخله، تلاشت الفكاهة من وجهه و دفعها بعنفٍ لتسقط فوق كرسي قريب متآوهة، و لكنها منتشية لتحقيق هدفها بإغاظته، رفعت رأسها رامقة إيّاه بتشفٍ
يبنما يشرف عليها من علوٍ و هو يقول بغلظةٍ :
-أنا محتاج منك تكرري الكلام تاني.. و ساعتها مافيش حاجة في العالم ده كله هاتمنعني.. و انتي عارفة من إيه بالظبط …
رفع سبابته و هو يقول منذرًا :
-حذاري يا شمس.. إللي ماسكني عنك حبي ليكي.. مش عايزك تكرهيني !
ابتسمت له باستخفافٍ من خلال أنفاسها العنيفة، لم ترد من بعده، فقطع إتصالهما البصري بعد برهةٍ و هو يستدير مغادرًا دون إضافة أيّ كلمة
لتنهض ضاربة قدم الكرسي برأس حذائها و هي تصرخ من شدة الغضب، لا تتصوّر أن تمرر له هذه الخيانة، رغم تهديده الذي لطالما أرعبها، النار التي تشعر بها تدفعها للإنتقام مهما كانت العواقب …
___________________________________________
لأكثر تقف هنا بمفردها، تحدق بوريقات الزهور المتيبّسة التي جلبتها بنفسها و نثرتها على المقبرة مرة بعد مرة، تسمع من وراء الباب الحديدي الموصد صوت الحارس يستجديها أن تفتح له، و حتى سمعته يخابر إبنها و يبلغه بما يحدث هنا، لكن أيّ من هذا لم يثنيها عن تصرفاتها
لقد جاءت للمواجهة.. حتى لو كانا من الأموات.. هي واثقة من إنهما يسمعان …
غشيت الدموع عينيّ “فريال” و الكلمات تخرج من فاها لأول مرة الآن :
-آخر مرة كنت هنا.. من أسبوعين.. جبت ورد و رميته عليكوا انتوا الاتنين.. سقيت التربة ماية و دموع.. دموعي عليكوا.. المرة دي أنا جاية و ناوية أسقيها بدموعي بردو.. و حاجة تانية.. دموعي المرة دي منكوا.. منك يا يحيى.. يا حبيب عمري.. يا كداب.. يا خاين.. قدرت تخدعني و تخليني في لحظة واحدة أهد كل مشاعري ناحيتك.. عمر بحاله عيشته بحبك.. و شككتني إن عمرك ما بادلتني المشاعر دي.. رغم إللي عملته وجعي منك ما يتقارنش بوجعي من رفعت.. فعت الأخ الكبير إللي اعتبرت نفسي محظوظة بيه من يوم ما دخلت بيتكوا.. كنت بكدب نفسي.. كوابيس و علامات.. حاجات كتير كانت بتأكد.. و أنا رافضة حتى الفكرة.. خايفة اتأكد.. بس رميت خوفي ده و فتشت في أسرارك يا رفعت.. طلعت كوابيسي حقيقية.. طلعت كلها حقيقية و حصلـ …
توقفت فجأة عن الكلام بسبب الغصّة المريرة التي خنقتها، أخذت تجهش بالبكاء مطرقة و قد سقط وشاح رأسها أرضًا، ليؤجج الغضب مشاعرها من جديد و هي ترفع رأسها كأنما تراهما حقًا …
-انتوا فاكرين انكوا هربتوا مني !؟؟؟ .. صرخت من بين بكائها
إلتفتت نحو جالون البنزين الذي أحضرته من سيارتها، و حملته لتعاود مواجهة اللحدين و هي تهسّ بغلّ بَيّن :
-انا مش هاسيبكوا ترتاحوا. الموت مش هايرحمكوا مني. سامع يا يحيى ؟ سامع يا رفعت ؟ انا هقضي إللي باقي من عمري بعذب روح كل واحد فيكوا. هاخد حقي منكوا. هاتدقوا ناااااري.. هاتدقوها …
و أزالت غطاء الجالون لتسكب السائل المُركّز فوق المقبرة كلها و من حولها، ثم ابتعدت بضع خطواتٍ و أشعلت عود ثقاب و رمته، لتشب ألسنة النار على الفور متآججة، عالية، و كأنها قطعة من الجحيم !!!!
وقفت تشاهد احتراقهما و النيران التي نفذت إلى المقبرة بعمقٍ، لم تعبأ بأنها ربما انتهكت حرمات، و لا حتى للسخام الذي تصاعد و وصل إليها في الهواء الذي تستنشقه، لم تهتم إلى إنها تكاد تختنق الآن و هي تسعل بحدة
فاجأها صياح إبنها من الخارج و لكنها لم تتزحزح :
-فريـال هـانـم.. افتحـي البـاب.. مامـــا.. من فضلـك.. افتحـي البـاب.. مامـــــا …
لحظات أخرى و سمعت القفل يتحطم من الخارج، ترنحت الآن، مع دخول “عثمان” كانت لتسقط لو لا ذراعيه اللتان لاحقتا بها
ما إن دلف “عثمان” حتى حملق مصدومًا في ما فعلته أمه، يشاهد مقبرة أبيه تحترق، أمه بين يديه، و أبيه الراقد في لحده كومة من التراب أمامه، يحترق فعليًا
حمل أمه على ذراعيه إلى سيارته، و قد فقدت وعيها، وضعها بالمقعد الخلفي و أقفل عليها عائدًا إلى المقبرة، أخذ يساعد الحارس و أولاده الذكور الثلاثة بإخماد الحريق، يطفئ بنفسه أسرع ما أمكنه مرقد والده
الدموع تتساقط من عينيه و هو لا ينفك يردد من بين أنفاسه :
-ليه كده ؟ ليه كده يا ماما ؟ .. ده بابا.. ده بابا.. ده بابا !!!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وما ادراك بالعشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى