روايات

رواية مصطفى أبوحجر الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر البارت الحادي والعشرون

رواية مصطفى أبوحجر الجزء الحادي والعشرون

رواية مصطفى أبوحجر
رواية مصطفى أبوحجر

رواية مصطفى أبوحجر الحلقة الحادية والعشرون

-٢١- حُب أم …؟

((اِلتقيت مِرارًا بالسيئين حتى أنى بِت لا استطيع التمييز بينهم وبين الأسوياء !))

هذا ما فكرت به شمس وهى تُطقطق أصابعها بتوتر بعد أن سيطر عليها ذلك الشعور المقيت بالندم لاندفاعها بالشك في زوجها والذى لم يمُر أكثر من بِضع ساعات على زواجهم، هي تعترف بغبائها الغير مُبرر إلا إنها لازالت تتذكر كلمات صديقتها منار والتي أخبرتها من قبل عن مِئات المُعجبات به من مُختلف الأعمار على صفحات السوشيال ميديا، بل وأن نظرات أقربائها إليه بالأمس كانت كافية لإثارة غيرتها لمُجرد وقوع عدسة إحداهُن عليه ..

صدقًا حاولت هي عدة مرات في خلال دقائق معدودة مُعاندة كبريائها والتوجه للاعتذار منه، إلا أن يداها في كُل مرة كانت تتشبث بحواف الأريكة بقوة، مانعة إياها من التحرك أو حتى التزحزح قيد أُنملة وكأنما التصقت بها بغراء صمغي صَلد لم تستطيع هي مُقاومته أو الانفلات منه، هكذا هيأت لها نفسها في ظل مُعاندة كرامتها وثورتها عليها، إلا أنها وفى أثناء تمردها ذلك ارتفع رنين جرس المنزل مُعلنًا عن قدوم زائرين، وفى ثوان ذاب ذلك اللاصق الوهمي وتحررت يداها قبل أن تتوجه هي إلى الباب بحذر مُتشككة إذا ما كان بإمكانها القيام بفتحه أم أن زوجها هو من سيفعل، لم يطول تساؤلها فهاهى تراه يسبقها إليه بخطوات سريعة، فتوقفت مكانها واشرأبت بعُنقها مُحاولة معرفة هوية الطارق إلى أن وصل إلى مسامعها صوته مُرحبًا وهو يقول :

_ أهلًا وسهلًا اتفضلوا .. يارا مبطلش سؤال عنكوا من الصبح ..

قفزت السعادة على وجه شمس عند سماع صوت والدتها الحنون تُجيبه :

_ وحشتنا أوى العفريتة دي .. البيت ملوش حس من غيرها ..

في لحظات اندفعت الابنة الى أحضان والدتها مصدر الأمان الأول لها بعد أن خطت الأُم بضع خطوات إلى الداخل ومن ثَم اتبعها زوجها، فقالت شمس بلهفة واضحة :

_ ماما وحشتيني أوى ..

احتوتها الأُم بداخلها تُقبل رأسها قائلة بحُزن بعد أن رفعت وجه ابنتها إليها تتأمل ملامحها الجميلة باشتياق قائلة :

_ وحشتينا ياعروسة ..

ابتسمت شمس بخجل واضح، ثُم توجهت إلى والدها تحتضنه وتُقبله باحترام قائلة بأدب :

_ عامل إيه يابابا ..

ربت محمود على كتفي ابنته قائلًا برزانة وهو يبحث بعينين مُتلهفتين عن الطفلة :

_ كويس ياحبيبتي طول ماانتي وبنتك بخير ..

ما إن ذُكرت الطفلة حتى ظهرت من العدم وعَدَت سريعًا إلى جدها لترتمي بداخل أحضانه وهى تصيح بسعادة، بينما هو اتكأ بتثاقل وضعف على رُكبتيه أرضًا ليتمكن من احتضانها ..

رغمًا عن تأثُر الجمع إلا أن أكثرهم تأثُرًا كان هو ذلك الواقف على بُعد عدة خطوات منهم مُتصنعًا الصلابة، فلقد تغيرت ملامحه بشكل ملحوظ وكأن من النادر لديه مُشاهدة انفعال أُسري صادق بذلك الشكل، ورغمًا عن ذلك خرج صوته هادئًا ثابتًا وهو يقول بابتسامة :

_ اتفضلوا ياجماعة انتوا نورتونا والله ..

توجه الجميع إلى الداخل، بينما نظرات شمس كانت مُثبتة على زوجها بامتنان واضح، فملامحه لم تفضح عن أي ذرة غضب أو تأفف منها بل بعكس ذلك كان ودودًا بشوشًا ضاحكًا حتى في حديثه معها، لدرجة أنها تناست ما حدث وظنت أنه قد صفح عنها …

تتابع الحديث المَرِح بينهم بعد أن قدمت العروس ما لذ وطاب من المشروبات بينما الزوج أصر على عمل طلب عشاء خاص من إحدى المطاعم الشهيرة رغمًا عن اعتراض الضيفين، حيثُ قال الجَد ببشاشة وهو يحتضن حفيدته واضعًا إياها أعلى ساقيه :

_ متكلفش نفسك ياابنى إحنا جايين بس ناخد يارا ونمشى على طول …

إلا أن مصطفى عارض ذلك على الفور مُؤكدًا على رغبته الحقيقية في بقاءها ببيته، إلا أن الجَد قال مُوضحًا :

_ متقلقش هنرجعهالكوا تانى .. هُم ٣ أيام كده هنسافر فيهم نغير جو وقولنا فرصة تغير جو هي كمان معانا ..

في تلك المرة كانت شمس هي من أبدت اعتراضها قائلة بذُعر بعد أن اتسعت عيناها :

_ مسافرين إيه يابابا هو انتوا حِمل سفر وكمان هتاخدوا يارا .. لا طبعًا هيبقى تعب عليكوا..

إلا أن الأب أجاب مازحًا :

_ إنتى هتعملي زي أمك ولا إيه وفاكراني عجزت لا أنا لسه شباب وبصحتي وهعرف أخد بالي من يارا كويس ..

لم تقتنع شمس بكلمات والدها بل أصرت على رفضها، فلاحظ مصطفى ذلك التوتر الذى سرى بينهم خاصة بعد أن شعر الأبوان بالإحراج وتجمدت ملامحهم بحُزن لذا اضطر هو للتدخل قائلًا :

_ طيب ياجماعة انا عندي اقتراح كويس ..

تشبثت نظرات العجوزين عليه برجاء وأمل بينما شمس لم تُلقِ بالًا إلى ما سيقوله وكأنها قد اتخذت قرارها الذى لا رجعة فيه، فقال مصطفى مُطمئنًا :

_ أولًا بالنسبة للسفر أنا أعرف فندق هِنا في القاهرة ممتاز جدًا وفيه كذا حمام سباحة وأنا على معرفة كويسة بأصحابه فتقدروا تقضوا فيه الفترة اللي تريحكوا من غير قلق وتغيروا جو، وفى نفس الوقت هتبقوا هِنا في القاهرة قريبين مننا لو حصل أي حاجة لقدر الله هنقدر نوصلكوا بسهولة ..

تاني حاجة بالنسبة ليارا إحنا ممكن نجيبلها ناني تهتم بيها وهى معاكوا ..

علقت شمس باستغراب :

_ ناني ! دي هتجيبها منين ..

أجابها بثقة :

_الموضوع ده متقلقيش منه خالص أنا هتصرف ..

ابتسم العجوزان بحماس مُعلنين موافقتهم على ذلك الاقتراح بينما الأُم بدت في البداية غير راضية مُتشبثة برفضها إلا إنها سُرعان ما رضخت لرغبة الكُل خاصة بعدما بدأت الطفلة في الإلحاح هي الأُخرى ولفتت مجيدة أنظار ابنتها إلى حق زوجها في الانفراد بها لبضع أيام بدون وجود الصغيرة ..

فمرت الأُمسية بسلام وتناول الجميع وجبة العشاء بتلذذ قبل أن يفترق الجمع بوعد من الزوج والزوجة بالمرور على العجوزين في اليوم التالي استعدادًا لإيصالهما إلى الفُندق المنشود والذى قام مصطفى بحجز ٦ ليالٍ كاملة لثلاثتهم على نفقته الخاصة، رافضًا أخذ أي مبالغ مالية مُقابل ذلك رغمًا عن تصميم الجَد ..

وفى هذه اللحظة تحديدًا بدا وكأن وجه شمس قد أضاء حيثُ لمعت عيناها بتباهِ وفخر بعد أن ازدادت ثقتها بأنها تلك المرة .. حقًا لقد احسنت الاختيار …

**************
رُبما لم يُحبها بَعد لكنه كان يعلم يقينًا أنه يُكِن لها الكثير من الاحترام، فجمالها الهادئ وشخصيتها الحلوة الطيبة وحديثها الرزين المُهذب ونظراتها الثابتة التي تفرض عليك الاحترام بغير غرور ولا إغراء رغمًا عن صغر سنها؛ كانت مثالية بالنسبة له، ورُبما لو لم يتعلق قلبه بغيرها ذات يوم لكان مُنذُ سنوات أسيرًا لجمال وجهها القمحي المُستدير ..

التقت الأعين على سهوة فشاهد بريقًا داخل بندقيتها اللامعتين بمسرة وحنين وكأنهما سطعتا فجأة وسط الظلام كلوحة إعلانية كهربائية تُضئ دُجى الطُرقات في غسق الليل الحالك، فتحرك قلبه وكأنه يُطالع كُتلة من سعادة وأمل تنتشله من قاعُه وهو مُجرد رماد من وجوم وكآبة، فشعر بها كطوق نجاته الوحيد ولكنه كان يعلم جيدًا أنه هو مصدر حسرتها وبداخله تمنى بصدق ألا يكون يومًا مصدر لآلامها وأوجاعها ..

_ ساكت ليه !

تساءلت جيداء بابتسامة وهى تضع ما بيدها من أدوات المائدة على أطراف صحنها الشبه فارغ، فوجد نفسه هو الآخر يرُد لها ابتسامتها قائلًا دون تفكير مُعلنًا عما يدور بذهنه :

_ حاسس إنني أول مرة اشوفك النهاردة ..

على الفور اتسعت ابتسامة الفتاة كاشفة عن صف أسنانها البيضاء والتي أضاءت وجهها بطريقة جذابة، فرفعت أصابعها إلى خُصلاتها الناعمة بخجل تُزيحها وراء أُذنها بحركة تلقائية، قبل أن تومأ برأسها أرضًا هربًا من نظراته التي لازالت مُسلطة عليها، فانزلقت الخُصلات من جديد أعلى غرتها بطريقة عفوية حركت قلبه ..

كانت كقطعة المارشملو بتلك الكنزة الوردية المنفوشة الأكمام، ووجهها المُتورد بخجل وكأنها عروس في ليلة زفافها، لذا لم يشعر هو بنبرة الإعجاب الواضح التي نطق بها كلماته قائلًا بصدق :

_ الظاهر أنا اللي كُنت أعمى ..

حركت جيداء رأسها يُمنة ويسارًا كأنها تبحث عن شيء ما يُنقذها من خجلها، لكنها لم تعثر على ضالتها، فقالت راغبة في تغيير مجرى الحديث :

_ مقولتليش عملت إيه في اجتماعك مع لينا النهاردة ..

أجابها بهدوء دون أن يُحرك أنظاره عنها :

_ هو إحنا جايين هِنا نتكلم في الشغل ؟ مش أتفقنا إن كُل حاجة وليها وقتها ..

تساءلت بمكر رغمًا عن خجلها :

_ ودلوقتي وقت إيه ؟

أجابها هامسًا وهو يستند بمرفقيه على الطاولة :

_ وقتي أنا وانتي ..

ارتعشت الابتسامة أعلى وجنتيها قائلة وهى تُرخى أهدابها عنه :

_ طب يعنى هنفضل ساكتين ..

هز رأسه نافيًا قبل أن يقول برغبة حقيقية :

_ النهاردة انتي اللي هتتكلمي وأنا هسمعك وبس ..

شعرت بحالها تذوب أمامه وتعجز عن النُطق، وكأنها قد تناست مخارج حروف الهجاء ولم تعد تعي للكلمات معنى، فطال صمتها وهى تبحث عن شيء تتفوه به، وسكت عن الحديث هو الآخر، فتطلعت إليه مُستغيثة ..

وكأن هذه اللحظة كانت من تلك التي يتوقف عندها الزمن؛ لقد تعلقت عينا كُل منهما على الآخر ففي صمت خافق دام لبضع ثوان وكأنهما كانا بداخل تواصل روحي بَث هو فيها من خلاله الثقة والأمل ففي قدرتها على استمالة قلبه إليها، وبعدها بدأ حديثه اللطيف من جديد لتشجيعها، فاستطاعت أخيرًا نفض ذلك الخجل عنها واسترسلت بتلقائية وعفوية مُحببة إليه، وبادلها هو الآخر الحديث، فتحدثا حديثًا ليس له بداية ولا نهاية، فكانا لا يسكتان ابدًا عنه حتى يبدآه من جديد، ومر الوقت دون أن يشعُرا بذلك .. لأول مرة يستغرقان كُل تلك الساعات ففي حديث خاص لا علاقة له بالعمل أو العلاقات الأُسرية .. فقط حديث عنها وعنه كأنى عاشقين ..

*****************************

كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشر بعد مُنتصف الليل عندما غفت الطفلة أخيرًا، بعد ساعات طويلة من البُكاء لمغادرة جديها، لذا لم تجد الأُم مفرًا من السماح لها بالنوم إلى جوارها بداخل غرفة النوم الخاصة بها بعد اقتراح زوجها والذى انشغل بقراءة إحدى المقالات الأدبية غافلًا عن تعلق عيني زوجته به، والتي كانت تبحث عن طريقة مُلائمة للاعتذار عما بدر منها في حَقُه ..

في النهاية آثرت هي حمل الطفلة النائمة إلى غرفتها فتزحزحت من مكانها بلُطف قبل أن يشعر هو بحركتها، فالتفت إليها مُتسائلًا بهمس :

_ رايحة فين ؟

أجابته وهى تهم بحمل الصغيرة :

_ هوديها أوضتها .

أشار مصطفى بعينيه إلى الطفلة الغافية قائلًا بحنان :

_ لا سيبيها بس أحسن تصحى .. وبعدين ممكن تقوم في نص الليل متلاقكيش جمبها تخاف وتعيط زي ما حصل النهاردة ..

ترددت هي قليلًا مُفكرة قبل أن تقول بحيرة :

_ أنا بس عشان أنت تاخد راحتك في النوم ..

إلا إنه ربت على شعر الصغيرة بعطف قبل أن يعود إلى القراءة من جديد قائلًا بتفهم :

_ لا متقلقيش .. وبعدين شوية شوية عليها لحد ماتحب أوضتها وتنام فيها ..

أزاحت شمس جسد الصغيرة إلى الجهة اليُمنى من الفراش قبل أن تتخطاها بخفة إلى المْنتصف بجوار زوجها المُتشاغل عنها، فحاولت جذب انتباهه إليها وهى تقول برقة وعذوبة :

_ مش عارفة أقولك إيه يامصطفى شكرًا ..

ثّم أضافت بعد تردد :

_ وآسفة ..

اجابها دون أن ينظر إليها :

_ على إيه !

اقتربت منه على استحياء قائلة بهمس :

_ على كُل حاجة حصلت وزعلتك منى ..

لم يُجيبها، فاقتربت منه أكثر تتمسح به كالقطة الراغبة في إرضاء صاحبها قائلة بدلال :

_ خلاص بقى أنا بجد مش قصدي إني أشك فيك بس أنا … أنا بغير عليك ..

هز هو رأسه دون أن يُجيبها فاسترسلت بإصرار :

_ خلاص بقى وحياتي متزعلش منى ..

في النهاية أجابها بجمود قائلًا :

_ ربنا ما يجيب زعل ..

ظهرت ابتسامة شمس الفَرِحة قبل أن ترتفع بجسدها إليه لتُقبله من وجنته قبلة طويلة دافئة مُمتنة وأتبعتها بقولها :

_ كمان عاوزة أشكرك على اللي عملته النهاردة مع ماما وبابا ..

حاول مصطفى تصنع الصلابة والتعزز بينما بداخله كان يقاوم ذلك الضعف الذى سيطر عليه جراء قُبلتها العفوية، فحاول قدر الإمكان إخراج صوته جادًا جامدًا وهو يقول :

_ معملتش حاجة تستحق الشكر ..

إلا أنها أوضحت قائلة بعدما اهدته قُبلة جديدة :

_ كفاية إنك مبينتش حاجة قدامهم ولا حكتلهم اللي حصل .. وكمان حليت مشكلة سفرهم ..

ترك مصطفى مابيده جانبًا بعد أن أخذ نفسًا عميقًا يُعينه على التماسك قليلًا قبل أن يُعلن انهياره، ثُم نظر إليها بطرف عينيه قائلًا بتعقل وجدية مُصطنعة :

_ كدة كدة اللي بيحصل بينا مش المفروض إنه يطلع لحد …ولا أنا أشتكى لأهلك ولا انتي تشتكيلهم أظن إن إحنا كبار وعاقلين كفاية عشان نقدر نحل مشاكلنا بنفسنا ..

حافظت شمس على ابتسامتها وهى تستمع إليه رغمًا عن الذكرى البائسة التي راودتها والمُتعلقة بزوجها السابق والذى كان يقوم بإخبار أهله عن كُل صغيرة وكبيرة بحياتهما، بل وكان يضغط عليها دائمًا بتهدديها بإخبار والديها عن أي مشكله تواجههما بعدما علم بعدم رغبتها في تحميلهما عبئ حياة هي اختارتها بمحض إرادتها ..

أفاقت شمس من ذكراها على صوت مصطفى الدافئ مُكملًا :

_ أما بالنسبة لموضوع سفرهم فأنا بعتبرهم زي والدي ووالدتي وأكيد مكنتش هسيبهم يتبهدلوا في سفر أو فندق أي كلام خصوصًا إن يارا هتبقى معاهم …

وكأنها تذكرت فقالت بخوف حقيقي :

_ مصطفى هو أنت بجد واثق في الناني اللي هتجيبها دي !

أحس هو بصدق خوفها فتحرك بجسده نحوها واحتضن راحتيها بكفه الكبير قائلًا وهو ينهل من عسل عينيها :

_ انتي مش واثقة فيا ..

تزاحمت الدماء في وجنتيها وأرخت عينيها عنه بخجل قائلة بخفوت :

_ أكتر من نفسى ..

ضغط هو على راحتيها برفق وكأنه يضُم جسدها كُله في كفه، بل وكأنه يدعوها للنظر إليه فهو لم يكتفِ بعد من أنهار عينيها، لذا مد يده ومسح بها فوق شعرها برفق وداعب خصيلات شعرها الهاربة ليُعيدها إلى وضعها خلف أُذنها قبل أن يقترب منها هامسًا :

_ خلاص يبقى متشيليش هم أي حاجة وانا موجود … يارا دي بنتي اللي ربنا مرزقنيش بيها ولا يُمكن أسيب حاجة تأذيها ..

رفعت رأسها إليه شاكرة فبدت عيناها وكأنهما يتنهدان بضعف، بل وكأن كُل ما فيها كان يتنهد برقة وضعف، لذا أقترب منها أكثر راغبًا في احتوائها، إلا إنها ابتعدت عنه بضع سنتيمترات قائلة :

_ هو أنا ينفع اسألك سؤال ..

خرجت زفرة حارة من بين شفتي مصطفى قائلًا وكأنه كان يتوقع سؤالها :

_ عاوزة تعرفي هي مين ..

هزت رأسها مع ابتسامة قبل أن تُردف بحماس :

_ مش كدة بس .. عاوزة أفهم سبب رفضك إن رواية ليك تتعمل فيلم مع إن ده حلمك اللي ياما كلمتني عنه ..

انقلبت ملامح وجهه بتأفف وهو يقول

_ مش معقول ياشمس .. انتي شايفة إن ده وقته ..

إلا أن عنادها أجبرها على الإلحاح كعادتها فقالت بمراوغة :

_ ما أنا مش هعرف أنام النهاردة غير لما تجاوبني ..

علم هو أنه لا مفر من إجابة سؤالها، لذا اعتدل في جلسته وهَم بأن يلتقط علبة سجائره لولا أن تنبه لتواجد الصغيرة فأعرض عن ذلك قبل أن يبدأ حديثه قائلًا :

_ لينا دي تبقى صاحبة شركة إنتاج، كلمتني من مدة إنها عاوزة تحول رواية ليا لفيلم وهى تبقى بطلته ..

أنا طبعًا رفضت رفض قاطع في الأول لأنى أكيد مش هخلى أول رواية ليا تتمثل من واحدة هاوية تسقط الفيلم كله وتخليه يفشل ..

لحد ما كلمتني تاني بعدها ومكنتش اعرف إنها هي، وأدتني ميعاد رسمي في الشركة واللي أول ما دخلتها لقيتها حاجة كبيرة ومحترمة ولما قابلتها عرفت إنها لينا .. المهم إنها حاولت تقنعني تانى بالموضوع وإن الفيلم هيكون فيه ممثلين تُقال معاها وقالتلي أسماء فعلًا خلتني أغير رأيي لحد ماكنت هقتنع وسألتها من باب الفضول هي عاوزه أنهى رواية بالظبط ..

احتبست أنفاس شمس في انتظار باقي حديثه، إلا إنه آثر الصمت مُتطلعًا إليها حتى تساءلت هي بنفاذ صبر :

_ ها طلعت عاوزة أنهى رواية ؟

تغيرت ملامح وجهه قبل أن يُجيبها بأسف :

_ الحقيقة إنها ماكنتش عاوزة رواية ليا .. الرواية اللي اختارتها كانت روايتك اللي بتنزل حاليًا على الصفحة الخاصة بيا ..

عبست شمس بغير فهم وكأنها قد تناست أمر روايتها تمامًا في خضم انشغالها بتجهيزات زفافها، وفى وسط مُحاولتها لاستيعاب ذلك أكمل هو :

_ طبعًا قولتلها إن الرواية دي مش ليا .. دي لشخص عزيز عليا بساعده وقريب أوى هعلن عن اسمه ..وبلغتها إنها لو مصممة على الرواية دي بالذات فأنا ممكن أكلم الشخص ده وأعتقد مش هيبقى عنده مانع ..

التمعت عيني المُستمعة بسعادة قبل أن تتساءل بحماس :

_ ها وقالتلك إيه !

احتفظ مصطفى بيدها بين كفيه قبل أن يستطرد بتردد غير راغبًا في إطفاء حماسها أو هدم سعادتها :

_ للأسف لقيتها بتقولي بمنتهى الصراحة أنا مش عاوزة اسم جديد .. أنا عاوزة اسم يبيع ..

اسمك على الأفيش هيغري الناس إنها تدخل وتشوف الفيلم إنما لو أي اسم تانى .. معتقدش هيدوا نفسهم فرصة إنهم يشوفوا العمل من أساسه ..

خفتت الالتماعة بداخل عدستي شمس والتي قالت بغير رضا :

_ هي مش كدة كدة هتجيب أبطال معروفين أكيد الناس هيدخلوا الفيلم عشانهم ..

اومأ مصطفى برأسه مُوضحًا :

_ ده فعلًا اللي قولتهولها بالإضافة لأنى كمان قولتلها إن العمل ناجح جدًا ومسمع في كل حتة .. فمش هيفرق اسمى عليه .. هو لوحده بقى اسم ..

بدأت علامات الحماس والاستبشار في الظهور من جديد على وجه شمس والتي قالت بتشكك :

_ طيب واقتنعت بعد كلامك ده ..

هز مصطفى رأسه نافيًا بأسف وهو يقول :

_ كل اللي قالتهولي إنه ناجح عشان الناس كانوا فاكرينه ليك .. إنما لو كان نزل من الأول باسم الشخص التانى مكنش حد قراه ولا قرب منه ..

في تلك اللحظة كان وجه شمس مُبتئسًا حزينًا وبدت شاحبة بلا حول لها ولا قوة كمن طُعنت في قلبها، فقال هو على الفور وكأنه يُبلغها بثورته نيابة عنها :

_ ساعتها طبعًا أنا مسكتش على كلامها ده وقولتلها وانتي لولا إنك هتجيبي شوبة ممثلين مشهورين يسندوا فلمك مكنش حد هيدخله، مع الفرق طبعًا إن اللي كاتب الرواية حد موهوب مش هاوى ..

انفرجت ابتسامة شمس قليلًا رغمًا عن حزنها الذى لم يقل فجذبها بداخل أحضانه وربت على شُعيراتها برفق قائلًا :

_ حبيبتي أنا مش عاوزك تزعلي دي ناس بتفكر في الفلوس والشهرة وبس، إنما انتي موهوبة وهتنجحي واسمك هيكسر الدنيا قريب جدًا وعاوزك تفتكري كلامي ده لما تبقى مشهورة ويبقالك معجبين بكتاباتك ..

هزت هي رأسها بتفهم بداخل أحضانه قبل أن تقول بصوت خفيض :

_ كمل وبعدين حصل إيه !

زفر مصطفى بضيق وكأن ذكرى ذلك الموقف قد أثارت حنقه، فقال بسخرية :

_ قالتلي بمنتهى البجاحة حاول تتفاوض مع الكاتب والرواية تبقى باسمك وكدة كدة الناس فاكراها ليك ومحدش هيصدقه لو أتكلم ..

ثم أردف :

_ ساعتها مقدرتش أكمل كلمة تانية معاها بعد ما حسيت بمدى حقارتها وسبتها ومشيت وهى افتكرت إني بكدة بفكر في عرضها وزى ماانتي شوفتي اتصلت النهاردة تعرف الرد

حركت شمس رأسها للأعلى وتطلعت إليه بحزن قائلة :

_ مقولتليش على الموضوع ده قبل كدة ليه ..

ربت مصطفى على ظهرها برفق مُواسيًا :

_ لأني عمري ماكنت هوافق إن ده يحصل …روايتك دي مجهودك وفكرتك وتعبك … استحالة أنسبها ليا ..

أجابته بامتنان :

_ بس انت ساعدتني فيها ولولاك مكنتش ظهرت للنور ولا حد قراها .. هي فعلًا معاها حق في كلامها ..

أومأ مصطفى برأسه مُتفهمًا قبل أن يُوضح :

_ ومن غير مساعدتي بردو كانت هتنجح .. شمس انتي موهوبة وقلمك فعلًا يستحق … متفرطيش في حقك عشان خاطر أي حد حتى لو كان أنا ..

صمتت شمس لبضع لحظات مُفكرة قبل أن تقول بتردد :

_ طب يعني مفيش حل وسط .. مينفعش مثلًا يتكتب اسمنا احنا الاتنين ..

قاطعها مصطفى بحزم رافضًا :

_ وأنا يتكتب اسمى ليه من الأساس .. مش معنى إني جوزك إنك تتنازلي حتى لو بجزء بسيط ..

ثُم أضاف :

_ وغير كدة هي مش عاوزة غير اسمى أنا بس .. هي قالت كدة بمنتهى الوضوح والصراحة .. عاوزه اسم يبيع ..

تنهدت شمس بحُزن مُحاولة التخفيف عن زوجها قائلة :

_ بس ده الحلم اللي كنت بتتمناه ..

مال مصطفى بجسده إليها وحاوط وجهها الصغير بكفيه قائلًا بقلب مُحب :

_ بس مش على حسابك ياشمس .. مش على حساب أغلى إنسانة في حياتي .. أنا مستعد أخسر كل حاجة في الدنيا إلا انتي ..

في تلك اللحظة أرادت هي الاستسلام بشدة، بعد أن طغى عليها ذلك الكم المُتناقض من المشاعر، فهو بالفعل مصدر قوتها وأمانها واطمئنانها وسكينتها، فمن غيره سيؤثرها على نفسه بتلك الطريقة ويُفضلها على أحلامه ورغباته في الحياة، لذا فرت منه إليه دون تفكير وكأنها تحتمى به من نفسها ومن أفكارها ومن حُزنها ..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مصطفى أبوحجر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى