روايات

رواية مصطفى أبوحجر الفصل التاسع عشر 19 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر الفصل التاسع عشر 19 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر البارت التاسع عشر

رواية مصطفى أبوحجر الجزء التاسع عشر

رواية مصطفى أبوحجر
رواية مصطفى أبوحجر

رواية مصطفى أبوحجر الحلقة التاسعة عشر

-١٩- كُن إلى جواري

وكأن شيئًا لم يَكُن …

ملأت أصوات الزغاريد أركان المنزل من جديد وارتفعت نغمات أغاني الزواج المُبهجة في انتظار خروج العروس التي ظهرت للحضور بابتسامتها المُشرقة وطلتها المُبهرة وتم الانتهاء من إجراءات كتب الكتاب تلك المرة بمُنتهى السلاسة والهدوء، وعقب ذلك تتابع مُغادرة الجمع من الأقارب والأصدقاء الذين أنفضوا رويدًا رويدًا عقب عقد القران، ولم يتبق سوى شِرذمة من المُقربين سُرعان ما غادروا في النهاية عند تأخر الوقت ..

لم يترك مصطفى يد زوجته من بين يديه ولو لدقيقة واحدة بعد عقد القران، وكأنه بذلك يُعلن امتلاكه لها فلا يحق لأى شخص الاقتراب منها أو انتزاعها منه ..

كان الوقت قد اقترب من مُنتصف الليل عندما همس مصطفى في أُذن عروسه قائلًا :

_ مش يلا بقى ..

نظرت شمس بحُزن إلى ابنتها الغافية على ساقها قبل أن تقول برجاء :

_ مش قادرة أمشى وأسيبها ..

رفع مصطفى يدها إلى فمه يُقبلها برقة قبل أن يقول بحنان :

_ ومين قال إنك هتسيبيها ..

ضمت حاجبيها بغير فهم فأجابها غامزًا وهو يؤكد على كلماته السابقة :

_ هو أنا مش قولتلك بنتك مش هتبات ليلة واحدة بعيد عنك ..

اتسعت عيني شمس بغير تصديق قائلة بفرحة عارمة يملأها الحماس :

_ قصدك إنها هتروح معانا النهاردة ..

هز مصطفى رأسه بالإيجاب مُؤكدًا :

_ وأوضتها مستنياها ..

في تلك اللحظة أشرق وجه شمس من جديد بابتسامتها الواسعة وتحول كدرها إلى صفو وطرب وهى تقول بامتنان حقيقي :

_ مصطفى بجد أنا .. أنا بحبك اوى ..

رمقها مصطفى بنظرة خاصة قبل أن يتنهد بحرارة قائلًا :

_ طيب أنا بقول نكمل كلامنا في بيتنا ..ولا انتي إيه رأيك ..

اصطبغت وجنتيها في الحال عقب فهمها ما يرمى إليه، فبحثت بعدستيها عن والدتها التي كانت تُراقبهم من بعيد، فقالت بشعور الأم :

_ مش يلا ياعرسان بقى ولا إيه ..

كان محمود يجلس أعلى إحدى مقاعد طاولة الطعام التي تبعد عن العروسين عدة أمتار عندما قال بغيظ وكأنه يرفض ابتعاد ابنته :

_ جرا إيه ياأُم شمس ما تسيبيهم براحتهم إن شالله يقعدوا للفجر ماده بردو بيتهم ..

ارتفعت ضحكات مجيدة الصاخبة قائلة نبره ذات معنى :

_ لا الفجر ده بقى يقضوه في بيتهم ..

انتهز مصطفى تلك الفرصة وبدأ بالتحرك قائلًا بابتسامة مُجاملة :

_ ماما معاها حق .. ولا إنتى إيه رأيك ياعروسة ..

نظرت شمس إلى الأسفل قائلة بخجل العروس المُعتاد :

_ اللي تشوفوه ..

اقتربت مجيدة من الطفلة بهدوء لحملها إلى غرفتها إلا أن شمس أوقفتها قائلة بسعادة واضحة :

_ سيبيها ياماما يارا جاية معانا ..

رمقت مجيدة ابنتها بنظرة صارمة قبل أن تهمس لها بخفوت قائلة :

_ إيه اللي انتي بتقوليه ده النهاردة دُخلتكوا متحرجيهوش ..

إلا أن مصطفى استطاع التقاط بعض الكلمات فتدخل قائلًا بصدق :

_ بالعكس ياطنط أنا اللي مش هقدر أمشى من غير ما تكون معانا ..

قالت مجيدة بخجل وهى تنظر إلى ابنتها مُعاتبة :

_ بس يعنى حتى النهاردة .. ميصحش كدة ..

ثُم وجهت كلماتها إلى زوجها لينجدها قائلة :

_ ولا إيه يامحمود ..

قال محمود بهدوء حزين وكأنه فقد شغفه في الحياة :

_ سيبيهم على راحتهم يامجيدة ..

ثُم أضاف قائلًا لابنته :

_ إنتى عارفة يابنتي إن ده بيتك وبيت بنتك تجيبيها وقت ما تحبي .. انا مقدر قلقك من اللي عمله طليقك النهاردة ..

أجابت شمس بتوتر وهى تحتضن ابنتها وكأن الخوف تملكها من جديد وهى تقول :

_ فعلًا يابابا .. أنا خايفة يجي يتهجم عليكوا أو يخطفها وأنا مش معاكوا ..

في تلك اللحظة صاحت مجيدة بصوتٍ عال متوعدة :

_ طب يجرب كده يقرب من البيت تانى وأنا أرقع بالصوت وألم عليه الشارع كله ..

شعر مصطفى بالقلق يسري في أوصال الجميع مرة أخرى فتدخل قائلًا بجدية :

_ متقلقوش ياجماعة أنا هتصرف معاه ومش هيقرب للبنت أو يتعرض لأى حد فيكوا بأي شكل من الأشكال ..

هزت شمس رأسها بارتياح قبل أن تقوم من مقامها مُحاولة حمل الصغيرة، إلا أن مصطفى أسرع ليحملها هو برفق ويتوجه بها إلى خارج المنزل بعد أن ودع والدى العروس، بينما شمس انهمرت دمعاتها باشتياق وهى تُقبلهما وتحتضنهما بقوة قائلة :

_ هتوحشونى أوى ..

ربت محمود على كتفها مُشجعًا بحنان :

_ ربنا يهنيكى يابنتى .. ومتنسيش إحنا على طول جمبك وبيتنا مفتوحلك في أي وقت ..

بينما الأُم بكت هي الأُخرى على غِرار ابنتها وقالت بكلمات مُتقطعة حزينة :

_ ابقى تعالي زورينا ياشمس إنتى ويارا متنشغليش عننا ده إحنا ملناش غيرك ..

لكز محمود زوجته بمرفقه قائلًا :

_ ياولية مش كدة .. دي البنت رايحة تتجوز .. هي مسافرة ولا مهاجرة يعنى ..

كفكفت مجيدة دمعاتها بصعوبة ورفعت يدها إلى السماء داعية :

_ روحي ربنا يوفقك ياشمس يابنت بطني ويجعها جوازة العمر ..

قبلتها شمس أعلى جبينها قبل أن تستطرد الأُم مُوصية :

_ متنسيش تبوسيلى يارا لما تصحى ..

هزت شمس رأسها قبل أن تُلقى نظرة طويلة أخيرة على أركان المنزل ووجهي والديها قبل أن تُغادر قائلة :

_ لا اله إلا الله ..

كتمت مجيدة إحدى شهقات بكاؤها وهى تقول :

_ مُحمد رسول الله ..

ثم أردفت وهى تمسح دمعاتها وكأنها تذكرت :

_ لا استنى هننزل معاكي ..

حاولت شمس منعها قائلة :

_ ملوش لزوم ياماما خليكوا مرتاحين ..

إلا أن محمود قال وهو يتجه إلى غُرفتها :

_ كدة كدة يابنتى أنا نازل معاكي عشان أنزل شنطتك ..

كانت قد تناست أمر حقائبها تمامًا، لذا قالت على الفور :

_ أيوة صح .. لا خليك يابابا هخلي مصطفى هو يطلع ياخدهم ..

تجاهل الأب كلمات ابنته وأكمل طريقه إلى الغرفة قائلًا :

_ كفاية إنه شال البنت متقليش عليه ده عريس ..يلا انزلوا انتوا وأنا هحصلكوا ..

ترجلت شمس بفستانها على درج منزلهم المتآكل بصعوبة بينما والدتها حاولت قدر جُهدها مساعدتها برفع ذيل الفستان عن الأرض لتخفيف الثِقل عنها، وبعد مشقة وجُهد وصلتا إلى أعتاب الباب الحديدي الخاص ببوابة المنزل حيثُ تصطف سيارة مصطفى التي أراح جسد الصغيرة على أريكتها الخلفية، بينما هو اندفع إليهُن لمساعدة زوجته على استقلال السيارة قبل أن يظهر الأب على أعتاب باب المنزل حاملًا حقائب شمس بصعوبة، فتقدم إليه مصطفى يحملها عنه ويضعها داخل حقيبة السيارة، ألقى مصطفى وزوجته على الجَدّين السلام من جديد وأنطلق بسيارته، بينما العجوزين ظلا بمكانهما عدة دقائق يرقبان بحُزن السيارة وهى تبتعد وتختفى عن الأنظار قبل أن يتكأ إحداهُما على الآخر بتثاقل وكأنهما تجاوزا المئة من عُمريها، فصعدا إلى منزلهما الخاوي من جديد .. ولكن تلك المرة .. وحدهما ..

******************************

وكأنها فقدت النُطق وقُدرتها على التفكير، فللوهلة الأولى لم يستطع عقلها استيعاب ما قاله للتو وكأنه يتحدث بلوغاريتمات غامضة أو بلُغة مُستحدثة لم تعلم هي عنها شيئًا، فنظرت إليه ببلاهة حتى أعاد عليها سؤاله من جديد قائلًا بجدية :

_ تتجوزيني …

استطاعت جيداء الاستيعاب في النهاية وانفرجت شفتيها عن ابتسامة مُترددة قبل أن تُقضب حاجبيها مُتسائلة :

_ اشمعنى دلوقتي ؟

نظر إليها نظرة طويلة لم يبدو عليها أي انفعالات وكأنه يسأل نفسُه بجدية عما إذا أراد ذلك حقًا، وفى النهاية لم يستطع سوى أن يشيح بنظرُه عنها دون إجابتها، وساد الصمت بينهما لبضع لحظات انكمشت فيها ابتسامتها قبل أن يقول هو وكأنه يعدُل عن قراره :

_ شايفة إن الوقت مش مُناسب !

كاد لسانها أن يندفع مُعلنًا موافقتها، إلا أن عقلها أرغمها على التأنِ مُذكرًا إياها بذلك الإحساس الذى طغى عليها عِند رؤيتها لملامحه التي تغيرت فور ظهور العروس، فلاح على ذاكرتها تلك النظرات العابسة والأعين المُتقدة الحزينة التي ثُبتت على العروس وتلك الطريقة التي غادر بها المنزل قبل عقد القران مُتناسيًا وجودها هي برفقته، لذا خرج تساؤلها بدلًا من إعلان موافقتها قائلة :

_ عاوزة أفهم إيه اللي غير وجهة نظرك النهاردة بالذات !

ثُم أضافت مُطأطأة رأسها :

_ لحد كام يوم بس كنت بتقولي نفس الكلام اللي بتقولهولي كُل مااحاول أقرب منك وبتصمم إنك تبعدني عنك وتخلى علاقتنا شغل وعلاقة أُسرية بس عشان بابا الله يرحمه وبتعاملني على إني أُختك الصغيرة .. رغم إنك …

صمتت قليلًا قبل أن تقول بخجل وهى تنظر إليه :

_ رغم إنك بالنسبالي أقرب من كده بكتير .. وأنت عارف ده كويس ..

تغيرت ملامحه وهو لازال ينظر إلى الطريق الخال من أمامه، فهو يعلم جيدًا مدى ارتباطها وتعلقها به بينما هو لم يُفكر إلا بنفسه فقط وهو يعرض عليها ذلك العرض، دفعته أنانيته للتخفيف من حجم ألمه غير عابئًا بذلك الظُلم الذى سيقع عليها، بل إنه حتى لم يُفكر في صديقه الذى رحل عن الدُنيا تاركًا عائلته أمانة بين يديه، بداخله لعن غباءه وتسرعه اللذان أفضا به إلى ذلك المأزق، فلا يُمكنه التراجع الآن وفي نفس الوقت لا يقدر على العبث بمشاعرها وإيهامها بحُبه الكاذب، لذا لم يجد مفر سوى بقوله :

_ انتي معاكي حق …

التفت إليها بجسده، يتأمل ملامحها التي طالما ذكرته بأُمه الراحلة فأحس بالارتياح يطغي عليه، وهدأت نفسه المؤنبة، مُتحدثًا بغير تكلف، واثقًا بأنها ستتفهمه دون أن يُنمق كلماته أو يُرتبها، فقال بابتسامة :

_ أنا عارف إنك مستغربة من طلبي ويمكن أنا كمان مستغرب أكتر منك، وعارف إني دايمًا كنت بصدك بس ده مش معناه إني مكنش في بذرة إعجاب جوايا ليكي وكانت بتكبر يوم بعد يوم ..

التمعت عينا المُستمعة بشغف وكأنها على وشك كتابة السطور الأولى في روايتها الخاصة التي طالما انتظرتها، قصة حُبها التي على وشك الاكتمال الآن، فأرهفت السمع له بأُذني فؤادها، بينما هو استطرد قائلًا :

_ يمكن لقيت فيكى الإنسانة اللي برتاحلها وبثق فيها، بس مكنتش عاوز أعلقك بأي أمل أو وعد مش هقدر أنفذه، خصوصًا إني …. إني مكنش عندي استعداد للارتباط أو الجواز في الفترة دي، عشان كدة مكنتش بحاول أقرب منك لأنى كُنت متعلق بحُب أو وهم قديم ..

لاحظت جيداء مسحة الحُزن التي شملت محياه عِند نُطقه لجملته الأخيرة، فثارت بداخلها الشكوك من جديد حول العروس، وكادت أن تسأله بصورة مُباشرة عما إذا كانت هي المقصودة، إلا أنها آثرت الصمت مُفضلة أن يقوم هو بإخبارها من تلقاء نفسه، إلا إنه أكمل حديثه قائلًا :

_ أنا بعترف إني اتسرعت بطلبي الجواز منك بس اللي متأكد منه إني عاوزك جمبي ومعايا أكتر من مديرة مكتبي وأكتر من إنك بنت صاحبي .. أنا عاوزك تساعديني إني أقرب منك أكتر وأتخطى أي حاجة قديمة جوايا لحد مكنش يستاهل حُبى وإخلاصي ليه السنين دي كُلها، وساعتها أوعدك إن طلبي الجواز منك المرة الجاية مش هيكون قرار مُتسرع أو أهوج، وساعتها مش هستنى موافقتك .. إنما هجيب المأذون وأدخل بيه عليكى من غير تفكير ..

ارتعشت الابتسامة فوق وجنتي المُستمعة بعد أن اضطربت مشاعرها، فلا تعلم بما عليها أن تشعر الآن ! هل تحزن لعدوله عن طلب زواجها وإعلانه تعلق قلبه بغيرها، أم تَسعد برغبته في التقرب منها أكثر وبدأه في التفكير بها كحبيبته ورفيقة دربه القادمة !

لم تستطع جيداء النُطق أو الحديث فمد هو يده وضغط بها على راحتها الصغيرة قائلًا :

_ مش عاوز رد منك دلوقتي .. هسيبك تفكري .. بس عاوزك تبقى واثقة إني هعمل كل اللي أقدر عليه عشان متندميش على قرارك .. مهما كان ..

هزت جيداء رأسها دون أن تتحدث فأومأ لها بامتنان قبل أن يتحرك بسيارته، بينما هي ظل تفكيرها مُنصب عليه طوال الطريق تتأمل ملامحه المُنبسطة والتي يبدو عليها الارتياح بين الفنية والأُخرى، ومازال يدور بداخلها ذلك الشك حول هوية العروس، فما كان منها إلا أن قالت بطريقة حاولت إخراجها عفوية :

_ صحيح ياأسامة أنا مصدقتش نفسي لما شوفت العريس النهاردة …

فى الحال تغيرت ملامحه بعبوس قبل أن يقول بضيق :

_ ليه انتي تعرفيه !

تصنعت التفاجؤ قائلة :

_ مش معقول انت متعرفش هو مين !

زفر أسامة بعصبية قبل أن يُعلق :

_ لا والله محدش عرفني عليه …

ثبتت نظراتها على ملامحه جيدًا وهى تقول بهدوء :

_ بس أعتقد إنك شوفته مرة في الشركة …

عبس أسامة مُحاولًا التذكر قبل أن تُردف هي :

_ ما هو ده الكاتب اللي لينا عاوزة تنتجله ..

ثُم أضافت بخُبث :

_ هو ده مصطفى أبو حجر ..

******************************

كانت وديعة رقيقة كالوردة البيضاء تفتحت أوراقها حتى ثَقُل بها غصنها، فأحس وكأنها تدعوه إلى قطفها بعينيها الخجلتين اللتين خفت الضوء بداخلهما في استسلام لذيذ، فما كان منه إلا أن اقترب منها مسافة كانت كفاية لإشعال النار في وجنتيها بشكل مُتزايد خاصة وهو يهمس لها قائلًا :

_ نورتي دنيتي ياشمسي .. نورتي بيتي وقلبي ..نورتي كُل حاجة في حياتي بوجودك جمبي .. مش عارف كان مُمكن يحصل إيه لو دخلت الشقة النهاردة من غيرك …

شعرت بقدميها يأبيان حملها، وفى نفس الوقت لم تجرؤ هي على الجلوس أو التحرك من مكانها، بل بدأ جسدها في التمايل وكأنها تستمع إلى أنغام الموسيقى، وبدأت دقات قلبها بالارتفاع حتى أحست أنها وصلت إلى مسامعه، لكنها في النهاية قررت الهروب من بين براثنه قائلة :

_ أنا هدخل اشوف يارا ..

إلا إنه أوقفها بهدوء قائلًا :

_ أنا حطتها على سريرها وغطتها كويس وزمانها في سابع نومة ..

نظرت إليه بامتنان حقيقي قائلة :

_ شكرًا على كُل حاجة عملتها عشاني ..

اقترب منها واضعًا وجهها بين راحتيه وحرك إبهاميه على بشرتها الصافية وهو يُقرب وجهه منها فأحست بعينيه الدافئتين تضمانها وهو يقول :

_ شكرًا ليكي انتي إنك موجودة في حياتي …

ارتعشت ابتسامتها أعلى وجنتيها قائلة وهى تُحاول التملص منه :

_ أنا مش قد كلامك ده على فكرة ..

ثُم أردفت بارتباك :

_ قولي أغير هدومي فين ..

بدون مُقدمات ألصقها به حتى كادت أن تختفى بداخل أحضانه التي احتوتها في لمح البصر وكأنه بحر واسع لانهاية له تغوص هي أسفل أعماقه بإرادة سُلبت منها إثر قوله :

_ هِنا ..تغيير الهدوم بيبقى هِنا في حضني ..

في تلك اللحظة أحست العروس بدوار لذيذ يغزوها، وضربات راقصة تضرب قلبها، فأرخت أهدابها فوق عينيها وتزاحمت الدماء في وجنتيها واستسلمت لدفء أنفاسه قبل أن تذوب كقطعة الثلج تحت وطأة لهيبه ..

******************************

كانت تدور حول نفسها كالفراشة تتمايل بجسدها يُمنةً ويسارًا قبل أن تجذب شقيقتها المذهولة وتُراقصها تحت ألحان رتيبة صدرت من فمها مُعلنة عن سعادتها، فتجاوبت معها الأُخت الصُغرى رغم عدم فهمها لما يدور لشقيقتها، إلا إنها كانت تُدرك أن سبب فرحتها أو حُزنها دائمًا ما يتمحور حول شخص واحد فقط تعلم هي هويته جيدًا …

لذا قالت بمرح :

_ الظاهر إن المُناسبة العائلية جابت نتيجتها النهاردة …

خفتت سعادة الراقصة فور تذكرها تلك المُناسبة إلا أنها حاولت عدم إظهار ذلك لشقيقتها وهى تقول :

_ يعنى ..تقدري تقولي كده…

خرجت شهقة عالية من بين شفتي جنة قائلة وهى تُوقف جسد شقيقتها المُتمايل :

_ عرفك على إخواته وعيلته .. قالهم إيه .. ها ..

أجابتها جيداء بسعادة قائلة :

_ لا مش للدرجادي يعنى بس ….

تساءلت جنة بلهفة وهى تهز شقيقتها لتحثها على الحديث :

_ بس إيه .. قولي بقى …

انسحبت جيداء إلى فراشها تعتليه بوجه حالم وهى تقول بتنهيدة حارة :

_ بدأ يفكر في علاقتنا وعاوزنا نقرب لبعض أكتر ..

تشدقت جنة لأول مرة بحياتها قائلة بتهكم واضح :

_ بعد كل ده ولسة هتقربوا لبعض ..لا ربنا يديكوا طولة العمر ياحبيبتى ..

تبخرت تلك الحالة الحالمة التي سيطرت على جيداء إثر كلمات شقيقتها الساخرة، فاعتدلت أعلى فراشها وهى تنظر إلى جنة التي أمسكت هاتفها غير عابئة بما أحدثته كلماتها من فوضى، فقالت جيداء بصوت غاضب وكأنها توجه كلماتها إلى نفسها المُترددة :

_ قصدك إيه ! إنه بيضحك عليا !

لم تُجيبها جنة بل حتى يبدو أنها لم تستمع إليها، فما كان من الأولى إلا أن قالت غاضبة وهى تُغادر الغُرفة :

_ على فكرة هو مش مُضطر يقولي كدة، هو عارف إني بحبه أصلًا ولو عاوز يلعب بيا كان عمل كدة من زمان مكنش في حاجة هتمنعه، ولا إنتى شايفاني أقل من إنه يفكر فيا !

لم تنتظر إجابتها بل صفعت الباب من ورائها بقوة وتوجهت إلى الشُرفة بالخارج تُحاول استنشاق أكبر قدر مُمكن من الهواء النقي عله يُساهم في تهدئة نفسها المُضطربة، قبل أن تتجمع الدموع بداخل مقلتيها من ألم قلبها، فمهما كانت كلماته اليوم ظاهرها لُطف وحنان ووعد بالحُب والاهتمام، إلا أن باطنها لم يكن سوى اعترافه بتعلق قلبه بغيرها …

حاولت جيداء كبح جماح دمعاتها ومنعها من الانهمار بعد أن أحست بشقيقتها تقترب منها، والتي ظهر على وجهها علامات الندم والأسف فقالت مُعتذرة وهى تضع يدها على كتف شقيقتها :

_ أنا آسفة ياجوجو أنا مش قصدي إنه بيضحك عليكى .. هو فعلًا ممكن يكون بدأ يح ….

قاطعتها جيداء بعد أن التفتت إليها بوجنتين سال عليهما خط لامع من الدموع :

_ لا هو فعلًا مش بيحبنى ..

ثُم أضافت بقهر وهى ترتمي بداخل أحضان شقيقتها :

_ هو بيحب واحدة تانية وبيحاول ينساها بيا ..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مصطفى أبوحجر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!