روايات

رواية مصطفى أبوحجر الفصل العشرون 20 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر الفصل العشرون 20 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر البارت العشرون

رواية مصطفى أبوحجر الجزء العشرون

رواية مصطفى أبوحجر
رواية مصطفى أبوحجر

رواية مصطفى أبوحجر الحلقة العشرون

-٢٠- حياة جديدة

“وما كُنتُ ممن يَدخُلُ العِشقُ قلبه .. ولكن من يُبصِر جُفونكِ يَعّشَقُ” ..
تسللت هذه الكلمات كالسحر إلى أُذنى تلك الغافية بهدوء والتي يُعبَث بشُعيراتها الطويلة المنسدلة على حافة وسادتها الحريرية بنعومة …
شعرت وكأنها بداخل حلم جميل ترفض الاستيقاظ منه خاصة مع ذلك الصوت الرخامي الدافئ الهامس الذى يأتيها من بعيد وكأن صاحبه يقبع بأعماق بئر سحيق؛ مؤكدًا لها أنها تغفو بالجنة، مُحاطة بموسيقى ناعمة تبدو أنها صادرة من قيثارة إغريقية زادت من تلك الحالة الحالمة التي سيطرت عليها، مُتلذذة بدغدغة بُصيلات شعرها المُدَاعَبَة والتي تدفعها إلى الاستغراق في النوم أكثر وأكثر …
وبعد عدة دقائق من تشتتها وتلذذها باسترخاء جميع حواسها، أفاقت شمس على قُبلة رقيقه تُطبع أعلى جبينها برفق فتململت قليلًا قبل أن تقول بضعف مُستسلمة لرغبتها في النوم :
_ سيبيني يايارا بقى عاوزة أنام شوية ..
لكن آتاها صوته الرجولي هامسًا حانيًا بداخل قوقعة أُذنها اليسرى :
_ بس أنا مش يارا .. أنا .. حبيبك ..

قطبت شمس جبينها باستغراب قبل أن تقوم بفتح عينيها، بعد أن انتابتها القشعريرة وارتجفت أوصالها بضعف إثر همساته، لذا انفرجت أهدابها ببطيء مُتطلعة إلى ما حولها بدون تركيز، جالت عيناها في أركان تلك الغرفة التي هي بداخلها تتأملها بهدوء مُفكرة .. فهذه ليست غرفتها ..
رصدت مقلتاها مُحتويات الغرفة كالكاميرا التي تجهل نُقطة ارتكازها، لقد كانت غُرفة ذات حوائط ناصعة البياض لم تُعكرها ذرة تُراب واحدة، واسعة ذات طابع مُريح للنفس يتخللها إضاءة خافتة غير معلومة المصدر، على إحدى حوائطها تنسدل ستائر داكنة اللون حاجبة أشعة الشمس المُتسللة بخجل من إحدى الأطراف الغير مُحكمة الإغلاق ..
أما الحوائط الواسعة فكان يُزينها لوحات فنية سريالية مُعقدة إلا إنها في نفس الوقت جميلة مُبهرة تخطف الأنظار إليها بغير ملل، توحى برقة وذوق مقتنيها ..
يتلوها فراغ واسع بمنتصف الحائط الذى يليها يبدو كأنه مدخل لكيان مُستقل بذاته، بل هو
بشكل أدق عُبارة عن غرفة واسعة بلا باب عَلِمت فيما بعد أنه غرفة تغيير الملابس، أما الحائط المُقابل لها به باب صغير آخر استنتجت كونه باب الحمام ..
اكملت شمس التجول بعينيها لترى شاشة التلفاز الكبيرة تبرز أمامها بوضوح بجانب تلك المرآة الطويلة والتي وُضع أسفلها منضدة ليست بالصغيرة من نفس نوع الخشب المُحاط بالمرآة، يعلوها العديد من زجاجات العطر المرتصة بترتيب …
في تلك اللحظة استرعى انتباهها ذلك العطر المُحبب إلى قلبها والذى تشتمه الآن بقوة وكأنها بداخل أحضان صاحبه، وفى النهاية التفتت بوجهها إلى ذلك المُتأمل العاشق والذى ما إن نظرت إليه حتى قال مُتنهدًا بعِتاب :
_ كُل ده نوم ..
ضيقت عينيها بتساؤل بعد أن جذب انتباهها من ورائه ذلك البريق اللامع والذى كان مصدره فستان زفافها المُلقى فوق إحدى المقاعد الجلدية خلفه، بينما حُلته السوداء وماتبقى من مُكملات زينتها أعلى الاريكة السوداء بجانب فستان زفافها ..
أحمرت وجنتاها خجلًا في الحال عقب تذكرها أحداث الليلة السابقة، فابتسمت قائلة بضعف دون أن تنظر إليه :
_ صباح الخير ..
كعادته رفع وجهها الخَجِل إليه بأطراف أصابعه قائلًا :
_ مكنتش أعرف إن بيتي حلو كدة غير بعد ما نورتيه ..
نظرت إليه بأعين ناعسة تظللها أهدابها الطويلة بشكل مغرِ وهى تقول :
_ بيتك حلو عشان أنت فيه .. وأي مكان معاك يبقى الجنة اللي نفسى أعيش فيها ..
عبثت أصابعه بملامح وجهها قائلًا بدفء :
_ نمتي كويس !
هزت رأسها بخجل قبل أن تتذكر ابنتها، فتسائلت بقلق :
_ يارا لسة نايمة ؟
أجابها وهو يقترب من وجهها قائلًا بهمس :
_ آه لسة نايمة ..
تزحزحت من مكانها راغبة في مُغادرة الفراش، والتقطت رداء منزلها الحريري من جوارها قائلة وهى ترتديه على عجل :
_ هروح أتطمن عليها ..
لم يمنعها هو بل اتبعها إلى غرفة الصغيرة وظل واقفًا على أعتاب بابها يتأمل زوجته وهى تُربت على النائمة بحنان قبل أن تزفر بارتياح قائلة :
_ الحمد لله ..
اقترب منها مصطفى وجذبها من مرفقها برفق مُتوجهًا بها إلى خارج الغرفة قائلًا بعد أن أغلق بابها من ورائه بهدوء :
_ كفاية كدة أحسن تصحى ..
ابتسمت شمس قائلة بأسف حقيقي :
_ مش عارفة أقولك إيه بس يامصطفى أنا آسفة على كُل اللي حصل امبارح ..
امتد كفه الكبير لالتقاط راحتها الصغيرة قبل أن يُقربها إلى فمه فيُقبلها بشوق قائلًا :
_ ممكن متتأسفيش على حاجة انتي ملكيش ذنب فيها …
ثُم اضاف غامزًا وهو يجذبها من جديد إلى غرفتيهما :
_ وبعدين تعالى أنا عاوزك في موضوع مهم ..
ابتسمت شمس بخجل بعد أن فهمت ما يرمى إليه فحاولت التملص من يده قائلة :
_ طب أستنى احضر لك الفطار ..
إلا إنه تجاهل كلماتها قائلًا :
_ فطار إيه بس دلوقتي .. بقولك موضوع مهم ..
إلا إنها أصرت على إيقافه قائلة بجدية :
_ استنى بس بجد .. عاوزة أسألك سؤال ..
زفر مصطفى بضيق قائلًا بعد أن جذبها إلى الداخل :
_ هنقول كُل حاجة بس تعالي ندخل الأول ..
ما إن اُغلق باب الغرفة من ورائهما حتى ابتعدت شمس عنه مسافة كافية وهى تقول :
_ أنت كان في جملة كده قولتهالي وأنا نايمة ممكن تقولها تاني ..
أقترب منها تلك المسافة التي ابتعدتها مُعلقًا :
_ لا ما هو ده مش وقت جُمل خااالص ..
إلا إنها رغم ذلك أصرت بعناد طفولي قائلة :
_ طب يعني هو الجملة دي أنت قولتها بجد ولا أنا كُنت بحلم .. هو أنت ألفتها عشاني !
ثُم أضافت بحماس وأعين مُنبهرة :
_ أنت بتكتب شعر !
اقترب منها مصطفى من جديد مُتجاهلًا كلماتها وانبهارها وقال دون تفكير :
_ آه بكتب شعر وبكتب نثر وعاوز أفكرك إني كتبت كتابي عليكي انتي كمان ..
تلك المرة لم تجد شمس مفرًا من الاستسلام له دون مُقاومة تُذكر أو حتى أي مُحاولة للهروب ..

******************************
جلس الأبوان حول مائدة الطعام بشهية مفقودة ينظُران إلى ذلك الموضوع أمامهما بشرود، يعبثان ببعض اللُقيمات الموضوعة بداخل طبق كلًا منهما غير شاعرين بأي رغبة في تناوله أو حتى الاقتراب منه، وكأن العَجز قد أصابهم على حين غَرة بين عشيةٍ وضُحاها، فهاهُما الآن قد أحسا بسنوات عُمرهما وكأنها قد تجمعت في ثوان لتقفز أمامهما مُعلنة عن عُمريهما الحقيقي، مُجرد عجوزان تجاوز إحدهُما الستين من عُمره بينما الأُخرى على مشارف ذلك الرقم، لا يفصلها عنه سوى بضع سنوات ..
لقد فقد العجوزان شغفهما في الحياة بشكل واضح عقب مُغادرة الابنة والحفيدة فأصبح البيت خاليًا إلا منهُما … هُما فقط، لا أثر لمظهر من مظاهر الشباب أو الحياة، لا صخب لا عبث لا ضحكات لا مُشاحنات لا مُضايقات، فقط كهلان ينظُران إلى بعضهما البعض بهدوء والحُزن يكسو ملامحهما التي خط عليها الزمن بقوة ..
وكان أكثرهُما ابتئاسًا هو الجَد والذى شعر بقلبُه يُسلب منه للمرة الثانية ولكن تلك المرة تبعته روحه المُتمثلة في صغيرته والتي كان يقضى معظم وقته برِفقتها لتحفيظها القرآن وبعض الأحاديث وتعليمها أصول الصلاة، أو قرآة بعضًا من سير الأنبياء والمُرسلين بصُحبتها ..
حاولت الجدة التماسك حتى لا يزداد ثِقَل الحُزن على زوجها، فقالت بصوت خافت مُتحشرج من قلة الحديث :
_ مش هتاكل يامحمود .. أنت من إمبارح محطتش لقمة في جوفك ..
رد عليها مُتصنعًا تناول ما أمامه وهو يقول :
_ ما أنا باكل أهو .. كُلى انتي .. انتي تعبتي من تنضيف الشقة طول الليل ..
تنهدت مجيدة قائلة بحُزن فشلت في اخفاؤه :
_ ومين لُه نفس ..
تبدلت الأدوار فقال هو بحماس مُحاولًا إزالة ذلك الهم الذى اعتراها :
_ ليه بس دي بنتك اتجوزت أحلى جوازة ..افرحيلها شوية بدل وشك المقلوب ده ..
أجابته بإحباط واضح وهى تتكأ بوجهها على راحتيها :
_ والله مش عارفة أفرح ولا أزعل على وحدتنا اللي بقينا فيها دي .. حتى يارا اللي كانت عاملة حس للبيت مبقتش معانا ..

اغتصب الزوج ابتسامة من بين شفتيه رغمًا عن الألم الذى يملأ قلبه، فقال مُمازحًا :
_ ده بدل ما تستغلي فرصة إننا بقينا لوحدنا وتقومي تلبسيلي حاجة كده من بتوع زمان ..
ارتفعت ضحكات مجيدة بصخب قبل أن تقول بوجنتين مُتوردتين :
_ إيه ياراجل إحنا في إيه ولا إيه ..
أجابها غامزًا بصوت مرح :
_ في فرح وسرور الحمد لله ننكد على نفسنا ليه .. قومي ياشيخة خلينا نعيد الأمجاد ..
تشدقت مجيدة وهى تنظر إليه بتهكم مُعلقة :
_ أمجاد ! وهو أنت فيك حيل .. ده انت بقيت جد ..
لم يتأثر هو بكلماتها الساخرة بل حرك ذراعيه في الهواء ليُريها قوة عضده قبل أن يُمسكها من ساعدها قائلًا :
_ طب ماتيجى نشوف …
تصاعدت ضحكاتها من جديد، قبل أن تنفض يده عنها بخجل قائلة هربًا منه :
_ والنبي أنت رايق .. وسع كدة سيبنى أشوف اللي ورايا ..
ظهرت علامات الاعتراض على وجه العجوز قائلًا بجدية :
_ انتي خلاص مبقاش وراكي غيرى ..تدلعيني وبس .. سيبك من الأكل وشغل البيت ده وتعالى نشوفلنا يومين ..
تنهدت مجيدة بقلة حيلة قائلة :
_ يعنى أسيب البيت يضرب يقلب ومعملكش غدا ..
التمعت عيناه وكأنما راودته فكرة فقال مُشجعًا :
_ طيب إيه رأيك نسافرلنا يومين في فندق من اللي بيبقى فيه كل حاجة ومنشلش هم ..
تشدقت مجيدة قائلة بسخرية وهى تهم برفع الأطباق التي لم تُمس من أعلى الطاولة :
_ تكونش مصدق إننا في شهر عسل بجد وعاوز تدلعني ..
ربت محمود على كفها برفق قائلًا بهدوء يكتسيه مسحة من حزن فشل في إخفاءه :
_ وهو أنا ليا مين دلوقتي أدلعه غيرك ..

شعرت مجيدة بتلك الغصة التي ملأت صوت زوجها في جُملته الأخيرة، وهي التي تعلم جيدًا مدى تعلقه بالصغيرة، لذا قالت هي تلك المرة بلهجة حاولت إخراجها مرحة :
_ ماشي ياسيدى تعالى ننزل نروح أي شركة سياحة كدة نشوف هنسافر فين .. أنا هشيل الأكل وأجهز نفسى وننزل بس على شرط .. تفطرني برا بقى …
هز محمود رأسه مُوافقًا بعد أن تملكه الحماس، بينما هي أسرعت بالتوجه إلى الداخل تاركة العنان لدمعاتها الحبيسة بالهروب ..
وقبل أن يقوم الأب من مقامه اصطدمت قدمه بإحدى ألعاب الصغيرة مُلقاه أرضًا أسفل الطاولة، فالتقطها بأسى قبل أن يُطرق برأسه على المائدة حُزنًا ..
******************************

داعبت أشعة الشمس المُوشكة على الغروب وجه الصغيرة التي سيطر عليها النوم ذلك اليوم حتى مُنتصف النهار، فتململت في نومتها قبل أن تقوم بفتح عينيها ببُطىء باحثة عن والدتها بجانبها، إلا أن الفزع سيطر عليها عندما وجدت نفسها وحيدة بداخل تلك الغُرفة الصغيرة وردية اللون المُمتلئة بالألعاب والمُزينة بوحدات الإضاءة على جانبي الفراش بشكل حشرات مُضيئة ..

خرج صوتها في البداية خافتًا مُرتعبًا لكن سرعان ما ارتفعت نبرته المذعورة وهى تصيح مُنادية والدتها وجدتها، وقبل أن تدخُل في نوبة بُكاء حادة فُتح باب الغرفة وأقبلت عليها والدتها مُهدأة بعد أن قامت بإضاءة المصابيح قائلة :

_ يارا حبيبتي أنا هِنا متخافيش ..

احتضنتها الطفلة بفزع قائلة بخوف واضح :

_ إحنا فين وفين جدو وتيتا ..

قبّلتها شمس من وجنتها بلُطف مُوضحة :

_ حبيبتي متخافيش إحنا في بيتنا الجديد مع عمو مصطفى ..

بدأت دموع الطفلة في الانهمار دون سابق إنذار وهى تقول بنحيب :

_ لا أنا عاوزة جدو وتيتا ..

زادت شمس من احتضانها لطفلتها مُربتة عليها وهى تقول :

_ حاضر ياحبيبتى شوية ونروحلهم متعيطيش ..

ثم حاولت إثارة انتباهها قائلة وهى تُشير بإصبعها :

_ شوفي عمو مصطفى جايبلك إيه .. كُل اللعب اللي بتحبيها ..

هدأت الطفلة قليلًا وهى تستسلم للمُغريات من حولها وأمسكت بإحدى الدُمى القريبة منها قائلة ببراءة :

_ العروسة دي بتاعتى ..

ابتسمت الأُم في وجه صغيرتها مُشجعة تستحثها على استكشاف محتويات الغُرفة قائلة :

_ كُل حاجة هِنا بتاعتك …

بعد عدة لحظات ترامى إلى مسامع الأُم والابنة رنين جرس المنزل فهتفت الطفلة بفرح مُندفعة إلى الخارج :

_ تيتا وجدو ..

لكن شمس اوقفتها بسُرعة قبل تخطيها حاجز الغرفة لتقول بهدوء :

_ استنى بس يايارا عمو مصطفى هيفتح الباب .. عيب كدة احنا مش في بيتنا ..

ظهرت علامات الامتعاض على وجه الصغيرة قائلة :

_ انتي مش قولتي إن ده بيتنا الجديد ..

ظهر الارتباك على وجه شمس فقالت بتلعثم :

_ أيوة .. أيوة طبعًا بيتنا بس مادام عمو مصطفى موجود يبقى هو اللي يفتح ..

في تلك اللحظة طَلّ عليهم مصطفى بوجهه قبل جسده قائلًا بنبرة مرحه شبه مسرحية وهو يُخفى يده وراء ظهره :

_ سيداتي آنساتي .. حان وقت الغداء ..

ابتسمت شمس قائلة لابنتها بتشجيع :

_ يلا نغير هدومنا بسرعة بقى عشان ناكل ..

اختبأت الطفلة بداخل أحضان والدتها قائلة بانكماش :

_ مش عاوزة ..

إلا أن مصطفى اقترب من الطفلة بهدوء وثنى إحدى رُكبتيه ليهبط إلى مستوى بصرها مُحاولًا احتواء مخاوفها قبل أن يُخرج يده من وراء ظهره ليُظْهِر ما تحمله قائلًا :

_ حتى لو عرفتي إني جبتلك الوجبة اللي بتحبيها ..

قفزت الطفلة بحماس وصفقت بيديها قائلة :

_ هابي ميييل …

ظهرت السعادة على وجه الطفلة التي اقتربت منه طابعة قُبلة صغيرة خجله على إحدى وجنتيه، فضمها إليه بشعور أبوي خالص قبل أن يقول :

_ يابختى على البوسة الحلوة دي …

******************************

مساءًا وبعد أن انتهت الأُسرة الصغيرة من تناول طعامها أمام التلفاز بداخل غُرفة المعيشة، حيثُ جلست الصغيرة أرضًا مُستمتعة بألعابها الجديدة التي لا حصر لها، مُتلذذة بوجبتها المُفضلة أثناء مُشاهدتها للفيلم الكرتوني المُحبب إليها، بينما الأُم كانت تجلس بجوار زوجها في استرخاء تام أعلى الأريكة مائلة برأسها على كتفه العريض حيث انسدلت شُعيراتها السوداء الناعمة كستار الليل ..

انتهز مصطفى انشغال الصغيرة فاقترب من زوجته يلثم أطراف شُعيراتها المُتناثرة عليه قبل أن يقول بإعجاب :

_ مكنتش أعرف إن شعرك طويل كدة ..

أجابته بهمس وهى تبتسم :

_ أُمال كنت متخيله إزاي بقى ..

قرب هو بعض الخُصلات من وجهه يستنشق عبيره بصبابة قبل أن يقول هامسًا هو الآخر:

_ مش عارف مفكرتش في الموضوع ده قبل كدة ..

رفعت شمس رأسها إليه بتشكك مُتسائلة دون تفكير :

_ أوعى يكون مش عاجبك ..

أسند وجهها بأصابعه وقربه منه قائلًا بشغف وأعين مُشتاقة :

_ بصراحة .. انتي ..

إلا إنها نظرت إليه بأعين مُتسعة مُحذرة وهى تُشير بعدستيها إلى الطفلة، فأطلق سراح وجهها الصغير قبل أن يتنحنح في جلسته مُصطنعًا الجدية والوقار ..

وفى تلك اللحظة ارتفع رنين هاتفه فتطلع إليه بنظرة جانبية أَتبعها بنظرة خاطفة إلى زوجته التي تساءلت عن هوية المُتصل، إلا إنه وضعه جانبًا بعدما فضل تجاهله دون أن ينبس ببنت شفة، فاسترعى ذلك فضول زوجته التي قالت بإلحاح :

_ مين ؟

أجابها بنبرة غير مُهتمة :

_ أبدًا شُغل ..

هزت رأسها وعادت لتستلقي على كتفه من جديد، لكن ماهي إلا ثوان وكان هاتفه يُصدر صوته المُميز من جديد بينما هو استمر في تجاهله، مما جعلها تنظر بتشكك قائلة بلُطف :

_ ممكن ترد على فكرة عادى مش هتضايق ..

ظهر على وجهه علامات التردد وهو يقول :

_ لا عادي يعنى .. مش تليفون مهم ..

إلا إنها قالت بتصميم تلك المرة وهى تعتدل في جلستها :

_ لا رُد يامصطفى لو سمحت ..

رمقها بنظرة طويلة قبل أن يقول وهو يُلقى هاتفه أعلى المنضدة أمامه بلا مُبالاة عقب توقفه عن الرنين قائلًا ببرود استفزها :

_ بس أنا مش عاوز …

مرة اُخرى ارتفع الرنين للمرة الثالثة على التوال، واستطاعت شمس تلك المرة لمح اسم المُتصل والذى لم يكن سوى لينا، لذا اختطفت الهاتف من أمامه بسرعة قبل أن يحصُل عليه قائلة وهى ترفع شاشته أمام زوجها بتشكك :

_ مين لينا دي ؟

أجابها بهدوء دون أن ينظُر إليها :

_ شغل ..

ارتفع حاجبها الأيمن بتحفز وظهر على وجهها علامات عدم التصديق وهى تقول بإلحاح :

_ شُغل .. طب أتفضل رُد عليها ..

التفت اليها مصطفى تلك المرة مُتسائلًا بهدوء :

_ شمس .. انتي شاكة فيا ؟

أجابته بتردد مُحاولة البحث عن الكلمات المُناسبة :

_ مش حكاية شك .. بس.. بس ….

ثُم ما لبثت أن أضافت بلهجة شبه آمرة :

_ أنا عاوزاك ترد عليها قدامي .. ودلوقتي ..

سلط نظراته الجامدة عليها بعناد قائلًا :

_ ولو قولت لا !

خرج صوتها مُرتفعًا غاضبًا وهى تقول دون تفكير :

_ يبقى انت بتكدب عليا والموضوع مش شغل ..

طال نظره إليها لكن بعتاب تلك المرة قبل أن يتناول الهاتف من بين يدها، فقالت هي باستفزاز وكأنها لم يكفيها استجابته لطلبها :

_ وأفتح الاسبيكر ..

رمقها بنظرة حادة دون أن يُجيبها بل قام بالرد بعد أن ضغط على زِر مُكبر الصوت قائلًا بجمود :

_ أيوة ..

كان ذلك الصوت الأنثوي مُتغنجًا كعادته مُختلطًا بنبرة تهكمية ساخرة وهى تقول :

_ إيه ياعريس مكُنتش عاوز ترد عليا ولا إيه ؟
أجابها بلهجة رسمية :

_ خير ياآنسة لينا .. معلش مشغول شوية ..

ارتفعت ضحكاتها وهى تقول باستنكار :

_ آنسة ! عارف امتى آخر مرة حد قالي الكلمة دي ….

ثُم أضافت بجدية :

_ المهم قولي .. فكرت في العرض اللي عرضته عليك ؟

أجابها وكأنه قد اتخذ قراره من قبل :

_ للأسف مش هينفع .. إن شاء الله يبقى في تعاون بينا قدام في حاجة تانية .. إنما في الوقت الحالي مش هينفع ..

ارتفع صوتها بعدم تصديق وكأن كلماته درب من دروب الجنون فقالت بعصبية :

_ مش موافق إزاى ؟ مفيش حد عاقل يرفض إن رواية ليه تتعمل فيلم ..

ثُم زفرت بضيق مُتسائلة :

_ أقدر اعرف سبب رفضك ؟

لم تتغير لهجته المُقتضبة بل ازدادت تحفظًا وهو يقول :

_ أسبابي أحب أحتفظ بيها لنفسي ..

ثُم نظر إلى زوجته المُنصتة بهدوء مُردفًا :

_ بس لو في يوم وافقت على عرضك مش اسمى اللي هيتحط على الفيلم ..

تساءلت بعدم فهم :

_ يعنى إيه !

مصطفى بجدية :

_ مش ضروري تفهمي بعد إذنك أنا مشغول مضطر أقفل ..

اغلق مصطفى هاتفه على الفور ووضعه بداخل جيب بنطاله وسط نظرات الحيرة والفضول التي رمقته بها زوجته، إلا إنه لم يُجيبها على تساؤلاتها الغير منطوقة بل أكتفى بالتحرك من مكانه قائلاً بجديه وهو يهُم بالمغادرة إلى غرفته :

_ ياريت تكوني اتأكدتي إن جوزك مش كداب .. ولا خاين ..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مصطفى أبوحجر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى