روايات

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الفصل التاسع 9 بقلم رحمة نبيل

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الفصل التاسع 9 بقلم رحمة نبيل

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الجزء التاسع

رواية ما بين الألف وكوز الذرة البارت التاسع

رواية ما بين الألف وكوز الذرة الحلقة التاسعة

هُوَ المُعْطِي سَيُؤْوِينَا
عليمٌ بالذي فينا
ومَن غيرُ الكريمِ إذا
تَعَالى الموجُ يُنْجِينَا..!
صلوا على نبي الرحمة ..
__________________________
خرج سعيد كالصاروخ من المنزل يلعن جلال ويلعن اليوم الذي عرفه به، ألا يكفيه ما يُلقى فوق رأسه من مصائب ليأتيه هو بواحدة جديدة….
خرج يغلق باب المنزل خلفه بقوة كادت تحطم الجدار ..
وفي الطابق الثاني كانت ميمو تستند على سور الدرج جوار مختار وهي تقول بتفكير :
” شكل كده يا ميخو حد نكد على سعودي غيري ”
نظر لها مختار في سخرية لتقول مسرعة :
” لا متبصش كده مش انا اللي قلبت يومه المرة دي والله، أنا جنبك اهو مصابة، محركتش صباع حتى”
رمقها مختار في هدوء تفهمته وهي تهز رأسها له وكأنه تحدث :
” عندك حق، بس انا برضو مش بحب حد يجي جنبه أو يضايقه غيري، يا ترى مين اللي هيخليه يتخمد متنكد غيري؟؟ أنا كده هبدأ اغير عليه “

 

رفع مختار حاجبه لتبتسم له وهي تتحرك ببطء صوب غرفتها تردد بتنهيدة عالية :
” يا ترى مصيبة ايه اللي اترمت على دماغه ؟؟”
دخلت الغرفة وهي تغلق الباب، لكن قبلها نظرت لمختار نظرة يعلمها جيدًا، ثم اردفت بهدوء :
” مش هوصيك يا ميخو، عينك على سعيد .”
وهزة صغيرة من مختار هي كل ما وصل لها، وقبل أن يفكر مختار في هبوط الدرج وجدها تفقز أمام عينيه، تلك الفتاة التي بدأ يعتقد أنها تساعد سعيد في الهروب من بين قبضتيه، فلا يعقل كلما فكر في اذيته تقفز أمام كالقرد .
” مساء الخير يا مختار، تعرف اني انهاردة فرحانة اوي ”
لكن نظرة مختار الجامدة انبأتها أنه لا يهتم بما تتحدث عنه، وتبع نظرته تلك بالتحرك بعيدًا عنها، لكن ما كاد يخطو صوب الدرج حتى تمسكت بمرفقه في توسل ورجاء وهي تقول :
” اسألني ايه اللي حصل انهاردة ؟!”
رفع مختار حاجبه وهو ينظر ليدها التي امتدت له، وما كاد ينتزعها منها حتى ارتفعت شهقاتها وهي تردد من بين دموعها :
” اسألني أنا فرحانة ليه؟! قول أي شيء يدل أن فيه انسان في الحياة دي مهتم بيا، مش لازم تقول بس اسأل حتى بعيونك، اسألني ليه مبسوطة ؟!”
تعجب مختار بكائها الهستيري وهي تتحدث، ابتلع ريقه وهو ينظر لها باهتمام لأول مرة في حياته، لتنهار نيرمينا وهي تقول بانهيار تحاول الابتسام حينما حازت ما تتمناه منه :

 

” أنا نجحت انهاردة وطلعت السابعة على دفعتي، أنا فرحانة اوي، والسنة الجاية هجيب أعلى وهبقى الاولى ”
اوجعته تلك النبرة الحزينة، فرغم حب وحنان سعيد عليها، إلا أنه يومًا لم يحتضنها باهتمام، لم يجلس معها ويتحدثا كاخ وأخته، حتى ميمو التي تراها والدتها تهتم بها أكثر من سعيد، لكنها ما تزال غاضبة منها لأجل ما فعلته مؤخرًا، هي انضمت لتلك الشلة الفاسدة فقط لأنها بحثت بينهم عن الاهتمام والصداقة التي رفض ذلك الشاب مختار منحها إياها..
والان بعدما نبذتهم عادت لمختار ترتجي منه اهتمامًا ..
ابتسمت وهي تحاول اخفاء وجعها خلف بسمتها الكاذبة تلك تربت على ذراعه التي كانت أسيرة يدها منذ ثواني :
” شكرا يا مختار، شكرا لاهتمامك أنك تعرف اللي فرحني انهاردة وانك شاركتني فرحتي، شكرا اوي ”
تحركت مبتعدة عنه وهي تود أن تختلي بنفسها في غرفتها لتلعق جروحها وحدها، تود التربيت على نفسها، لكن يد مختار جذبتها قبل أن تتحرك وهو ينظر لها، ولأول مرة يمنحها بسمة، لم تكن ساخرة أو غاضبة، بل كانت فخورة.
ابتسم لها ذلك الحجر بفخر، اشتد بكاء نيرمينا وهي تلقي بنفسها بين أحضانه تهتف من بين دموعها :
” شكرا، شكرا يا مختار، شكرا ليك ”
اغمض مختار عينه، ثم رفع ذراعه وربت على ظهرها تربيتات يأمل أن تظهر حنونة، وكذلك كانت على نيرمينا التي استقبلت تلك التربيتات كالصحراء القاحلة لاول قطرات الغيث بعد سنواتٍ عجاف ….
فأحيانًا يكفي الروح أن ترى نظرة اهتمام وحيدة تروي عطشها….

 

ومن خلف باب الغرفة كانت تقف ميمو التي تنظر لهم من فتحة صغيرة، فعندما استمعت صوت نحيب نيرمينا تغلبت على اوجاعها وهي تركض صوب الباب وكادت تناديها لولا رؤية مختار يتعامل معها بطريقة لم تسبق وأن رأته يفعلها مع أحد …
ابتسمت ميمو دون شعور وقالت بأمل كبير :
” الظاهر مش نيرمينا بس اللي كانت محتاجة الضمة دي ”
_____________________
” يووووه.. يا بني قولتلك واحد بس اللي عايش وهو دلوقتي خلاص بين الحيا والموت والباقيين بح خلاص ماتوا وشبعوا موت ”
كانت تلك الكلمات خارجة من صالح والذي استلمه رائد منذ عاد من مركز العمل، ليعلم جيدًا وضع المجرمين الذين تسمموا داخل الحجز .
رفع رائد حاجبه يراقب حنق صالح، ثم استدار صوب محمود الذي كان يحلق الآن في جولة داخل عالمه للاطمئنان على حال الرعية، يحرك كتفه باستمتاع كبير دون أن يأبه بما يحدث :
” طب قولي أنت يا محمود طالما الدكتور معندوش خُلق يفهمني واحدة واحدة، قولي بالضبط نوع السم اللي شربوه وامتى بالضبط شربوه؟!”
نظر له محمود يحاول فهم ما يخرج من فم رائد وهو يضجع على الأريكة بكل راحة بينما رائد يجلس جوار صالح على السفرة الخاصة بالطعام وقد عاد الجميع من العمل منذ ساعة تقريبًا في انتظار عودة صلاح بالطعام كالعادة .
” شربوا ايه ؟! “

 

عدّل رائد من وضعية مقعده وهو ينظر بشك لمحمود الذي يبدو كما لو أنه على وشك السقوط في النوم :
” المجرمين يا محمود اللي شربوا سم ”
هز محمود رأسه بفهم، ثم نهض من الأريكة يتحرك بحركات غير متزنة قبل أن يجلس مجددًا وكأنه غيّر رأيه :
” أيوة أيوة المجرمين اللي شربوا سم ..”
صمت قليلًا ثم أضاف :
” وهما شربوا سم ليه ؟! انتحروا ؟!”
هز رائد رأسه وهو يضيق عيونه على محمود :
” تقريبا اه ”
ضرب محمود كف بآخر يردد بتأفف :
” استغفر الله، ايه الشباب البايظ ده، ربنا ينجينا ”
نظر رائد لصالح وهو يشير لمحمود :
” ماله صاحبك ؟؟”
ابتسم صالح وهو يردد في عدم اهتمام :
” ضارب ملوخية، سيبك منه وخليك معايا أنا، اللي أنت عايز تعرفه اتعمل كله تقرير وخلال أيام هيتأكد كل شيء والعينات نتيجتها هتظهر وقتها تقدر تعرف كل التفاصيل “

 

في ذلك الوقت دخل صلاح على الجميع يحمل حقائب الطعام يضعها أعلى الطاولة أمام صالح ورائد، ليمد صالح يده لفض ما بها لكن سبقه صلاح وهو يضرب كفه كطفل صغير مشاغب، ثم أمسك يده ينظر لها جيدًا وبعدها ألقاها قائلًا :
” روح اغسل ايدك الاول ”
نظر صالح ليده والتي كانت نظيفة فهو إن كان يهتم بشيء في هذه الحياة، فهي صحته والتي لا يتهاون بها أبدًا :
” أنت عبيط ؟؟ أيدي نضيفة ومتعقمة ومغسولة، دي انضف من وشك يا معفن ”
نظر له صلاح بسخرية يتذكر مظهر مكتبه هذا الصباح :
” أنت بالذات اوعك تتكلم عن النضافة، كائن عشوائي بوهيمي ”
أشار صالح لنفسه يصيح باستنكار :
” أنا بهيمة يا صلاح ؟؟ شوف مين اللي بيتكلم، صلاح اللي كان بينام بين البهايم والعجول ”
نظر له صلاح بطرف عينه وهو يقوم بترتيب السفرة :
” حوش اللي كان بينام على ريش النعام، يا بني ده احنا مرة لقيناك واخد الجحش في حضنك ونايم، والمشكلة أننا معرفناش مين فيكم صالح غير لما اتقلبت وقومت لوحدك”
أطلق محمود ضحكات عالية على حديث صلاح، لينظر له صالح بشر :
” ايه فوقت دلوقتي ؟! ماشي يا محمود بس اخلص من صلاح وافضالك ”
استدار صالح لصلاح ونظر له بشر، ثم رفع إصبعه في وجهه محذرًا يحاول تفريغ بعض من حنقه :

 

” لآخر مرة يا صلاح يا سقاري افكرك تلتزم حدودك معايا، أنا مش عيل صغير عشان تعاملني بالشكل ده كأنك ولي امري عشان دقيقتين فرق بينا، أنا أعيش بالشكل اللي يعجبني واكل اللي يعجبني واصاحب اللي يعجبني ”
رفع صلاح حاجبه يضم يديه لصدره وهو يشير صوب محمود الذي كان في الوقت الحالي يتجهز رفقة حراس مملكة العالم الموازي لصد هجمات شطائر البطاطس …
” ده اللي بيعجبك ؟؟”
نظر صالح لمحمود ليقول بغيظ :
” بغض النظر عن محمود يعني، بعدين ماله محمود يعني، ده مفكر ومبدع اكتر منك شخصيًا، ولو أنت مش عاجبك وجودي في البيت ده اخد محمود و نمشي ونريحك مننا”
اقترب منه صالح وربت اعلى كتفه مرددًا :
” امشي يا صالح ”
رفع صالح حاجبه وهو يقول :
” يعني امشي ؟!”
” اه امشي ”
هز صالح رأسه، ثم تحرك كالصاروخ لداخل غرفته ورائد ما يزال يشاهد كل ذلك دون كلمة واحد كل ما يفعله أنه صب لنفسه الطعام وشرع يتناوله باستمتاع شديد، ثم أضاف حينما أبصر صالح يغيب في غرفته :
” كان لازمته ايه الكلام ده كله يا صلاح ؟! يعني هو أنت لسه عارف صالح؟؟ “

 

صمت صلاح وهو ينظر لرائد بغموض، ثم تحرك صوب غرفة صالح بخطوات هادئة وبعدها دخل إليها واغلق الباب …
أصبح رائد وحده في المكان مع محمود الذي بدأ يفيق من غفوته وتحرك صوب الطعام يتناوله بشهية كبيرة وهو يقول :
” امال فين صالح ؟! ”
نظر رائد صوب الباب ثم قال :
” بيتخانق مع صلاح ”
هز رأسه يتذكر شجاراته مع صلاح :
” ربنا ينجيه من تحت أيده، ده راجل مفتري اسألني أنا ”
في داخل الغرفة، كان صلاح يقف جوار الباب يراقب بعين ضيقة ما يفعل صالح حيث كان يلقي ثيابه في الأرض بحنق، ابتسم عليه صلاح وهو يتحرك صوب الخزانة يحضر من فوقها الحقيبة والقاها على فراشه وهو يقول :
” الشنطة اهي بدل ما أنت بترمي الهدوم في الأرض ”
نظر له صالح بطرف عينه ولم يجبه، ليطلق صلاح ضحكات عالية وهو يضم صالح من الخلف ممازحًا :
” ايه يا صالح من امتى وأنت بقيت تتقمص كده ؟؟ قعدتك مع الحشاش صاحبك، خلتك مرهف الحس ”
نظر له صالح وهو يهز كتفيه بغيظ يبعده عنه، لكن صلاح تمسك به بعناد كبير :
” متحاولش مش هسيبك، هفضل لازق فيك ”
استدار له صالح وهو يبعده بحنق :
” مش بحب حد يحضني اوعى “

 

ابتسم صلاح وهو يشدد من احتضانه وعيونه تلتمع بوميض مخيف وهو ما يزال يضم إليه صالح بشكل جعل صالح نفسه يتعجب، فهو يعلم أن صلاح لا يقصد شيء، هو فقط مستاء من تهديد صلاح له في الصباح بأخبار والده عن أمر رانيا كما لو أنه طفل، وهذا ما جعله ينفجر في الخارج أمامه، لكن احتضان صلاح له الأن _رغم معرفته أنه لم ينتوي الرحيل_ اثار الشك في داخله .
بادل صالح أخيه الاحتضان وهو يقول بقلق :
” مالك يا صلاح أنت كويس ؟!”
ربت صلاح على ظهر أخيه وقد أثارت فكرة أن سعيد وضع أخاه في خطته جنونه ورعبه، هو لم يُظهر ذلك، لكن فكرة أن يتعرض سعيد لأخيه تقتله، صالح ليس بالابله أو الضعيف، لكنه وللاسف مندفع عنيد وهو لا يملك سوى أن يخشى عليه حد الموت .
” صلاح أنت كده بتخوفني، قولي حصل ايه، متقلقنيش عليك ”
ابتسم صلاح وهو يغمض عينه وفي نفسه قطع وعدًا أن يطحنهم أسفل أسنانه قبل أن يصلوا لأخيه :
” محصلش حاجة يا صالح، بس حسيت إني عايز احضنك، من فترة محضنتكش ”
ضمه صالح أكثر وقلبه يخبره أن أخاه ليس بخير :
” صلاح لو فيه حاجة قولي، لو حد عملك حاجة قولي وانا والله هتصرف معاه ”
ضحك صلاح وهو يبتعد عن صالح يمسك وجهه بين كفيه ينظر في عينه بقوة :
” أنا واثق في كده يا صالح، واثق أن لو كل العالم انقلب عليا هتفضل أنت السند والضهر الوحيد اللي هتسند عليه من غير ما اخاف أنه يتقلب عليا ”
ابتسم له صالح يربت على كتفه :

 

” خليك واثق في كده يا صلاح، في ضهرك لغاية آخر العمر، ومستعد عشانك استغل مهنتي اسوء استغلال ”
ضحك صلاح بصوت مرتفع يعبث بخصلات توأمه مشاكسًا، ليغتاظ منه صالح وهو يعيد بعثره خصلاته بشكل معين :
” بس يا عم هتبوظ شعري ”
أطلق صلاح صوتًا حانقًا :
” ده على اساس أنه مترتب اوي، ده منكوش ”
” أيوة بس منكوش بترتيب، أنت مش هتفهم الحاجات دي”
دفعه صلاح في كتفه بمزاح ثم قال :
” طب غير هدومك ويلا عشان تتعشى، وتخلص وتمشي صاحبك اللي برة ده عشان ما اشوفه اتعفرت ”
” طب والله بيحبك يا صلاح، أو بيحبني وبيفكرك أنا معرفش الحقيقة ”
ضحك صلاح وهو يتحرك خارج الغرفة :
” يا اخي أنا مش عايزة يحبني، يلا متتأخرش”
ابتسم صالح وهو ينظر لظهر أخيه ثم غامت عيونه بالتفكير، يشعر أن صلاح يخفي شيئًا عنه وهو سيعلم هذا الشيء …
_______________________

 

تجلس في الظلام بعدما القوها كالخرقة البالية وكأنها لا تساوي شيئًا، وهكذا كانت تسبيح في اعينهم، هي لا تساوي سوى انتقام في أعين جلال، لا تفيدهم بشيء ..
ساعة مرت تقريبًا قبل أن تسمع تسبيح أصوات صراخ عالية وسباب نابية وصرخات رجل ذو نبرة غريبة يصرخ بالجميع في الخارج :
” أنتم بتتصرفوا من دماغكم ؟! أنا ناقص بلاوي منك ليه رايحين تخطفوا بنت ؟؟”
حاول جلال التبرير، لكن هيهات، فامام غضب سعيد صمت ولم يستطع نطق كلمة واحدة، نعم هو خطط لكل ذلك انتقامًا منها على ما فعلته بهم .
” ياباشا دي البنت اللي بلغت و…”
قاطعته صفعة قوية من يد سعيد والتي من شدتها أسقطته ارضًا وهو يصرخ دافعًا أحد المقاعد بقدمه :
” وقعت في مصيبة تقوم موقع نفسك في مصيبة تانية يا متخلف ؟؟ اللي زيك بيحفر حفرة لنفسه وبيقعد يقول يارب ما حد يشوفني، تقوم تروح تخطفلي بنت ؟! لا وبنت كانت في حماية الشرطة يا متخلف ”
نظر له جلال بغضب أخفاه خلف نظراته، فهو في النهاية لا يستطيع شيئًا أمام قوة وجبروت سعيد الاشموني، بصق جلال الدماء وهو يقول :
” واهو اللي حصل يا باشا، هنعمل ايه فيها دلوقتي ؟! أنا بقول نقتلها ونخلص منها ولا من شاف ولا من دري ”
اخرج سعيد سلاحه وهو يوجهه على جلال يقول بأعين متقدة :

 

” والله الحل اللي بيدور في دماغي دلوقتي هو اني اقتلك واخلص منك ومن بلاويك أنت وشوية العيال اللي كانت معاك ”
ارتعشت ارجل جلال يرفع يديه في الهواء مرددًا بمهادنة :
” اهدى ياباشا السلاح يطول، كل ده عشان حتة بنت ممكن ندفنها في اي حتة ومحدش هياخد باله و…”
قاطع حديثه صوت رصاصة سعيد التي استقرت في ذراعه وهو يبصق كلماته بصقًا في وجه جلال :
” غبي وهتضيعني بغبائك، البنت شاهد ومحمية من الشرطة يا متخلف وتقولي نقتلها ؟؟ ”
أنهى حديثه، ثم مسح وجهه وهو يدور في المكان يحاول التفكير في حل لتلك الورطة التي سقط فيها من حيث لا يدري بسبب كم الغباء المحاط به .
نظر بطرف عينه دون أن يستدير صوب جلال :
” هي فين ؟؟”
تحدث جلال وصوته خرج متوجعًا :
” في الاوضة اللي على اليمين ”
تحرك سعيد صوب غرفة تسبيح التي كانت في تلك اللحظة تردد كل ما تحفظ من القرآن وتستغفر ربها، تغلق عينها بقوة تحاول أن تهدأ، تُذّكر نفسها بقول الله عن وجل ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) وإن كُتب لها الاستشهاد على أيديهم لتفعل، لكن وهي ترفع رأسها عاليًا دون أن تريهم منها خوفًا .
ثواني وشعرت تسبيح بصوت انفاس قريب منها لتنتفض بعيدًا وهي تصرخ بصوت عالٍ :
” ابعد عني “

 

عاد سعيد برأسه للخلف يتأمل وجهها على ضوء المصباح الصغير الذي يضئ المكان، جذب مقعد واستقر به أمام جسد تسبيح التي ضمته بقوة وكأنها تحميه
” أنتِ بقى اللي عملتي ده كله في جلال ورجالته ؟؟”
رفعت تسبيح رأسها له وهزتها نفيًا بقوة، تردد بصوت خافت حاولت أن تجعله قويًا :
” قذارتهم هي اللي عملت كده فيهم ”
قوية …ما باله لا يرى من النساء سوى المتجبرات امثال ميمو وتلك الفتاة، لكن أين تلك الفتاة من تجبر ميمو ؟؟ هذه فقط ربما جريئة شجاعة، لكنها ليست بمثل دهاء وخبث الافعى التي يحتفظ بها أسفل سقف منزله .
” عندك حق، وعشان هما قذرين قرروا يجيبوكِ هنا ويحاسبوكِ أنتِ على قذارتهم اللي ودتهم في داهية ”
رفعت تسبيح عينها له، وللحظة شعر بالتردد ليس لشيء، سوى أن عينيها تشبه وبشكل مخيف عيون والدته، نفس النظرة ونفس العيون، لكنها ليست والدتك سعيد؛ لذلك دع عواطفك الغبية جانبًا وتخلص من تلك الورطة …
” اعمل اللي تعمله، أنا مش هامنني حاجة، مبقاش فيه حاجة اخاف عليها، ولا بقى فيه حاجة اعيش عشانها، فلو بتفكر تخلص مني، اخلص وريحني وفكك من جو التحقيق ده اللي مش لايق عليك ”
ابتسم سعيد وهو يقول بحزن مصطنع :
” بجد مش لايق عليا ؟! خسارة كان نفسي ابقى ظابط اوي واحقق حلم امي “

 

أطلقت تسبيح ضحكة ميتة لا روح فيها، وأي روح تلك التي قد تسكن جسد أبصر وشاهد خروج أرواح احبائه أمام عيونه ؟!
” يا حسرة امك عليك، طلعت زبالة للاسف ”
ابتسم سعيد بسمة جانبية قبل أن يجذب حجابها بقوة صوبه ويرفع جسدها لفوق حتى ترى عينه التي اشتعلت عن قرب :
” واضح أنك حابة تقضي ليلة سعيدة مع رجالتي ها ؟!”
ارتعش جسد تسبيح بقوة، ليس هذا، مستعدة للموت، لا تخشاه، لكن على الأقل لتمت طاهرة كما أتت لتلك الحياة، لا تريد أن يُدنس جسدها على أيدي بعض القذرين الذين لا يخشون ربهم .
وكل ما استطاعت أن تفعل في تلك اللحظة هي أن تبصق في وجه سعيد الذي أغلق عينه بقوة يتركها بهدوء شديد اخافها أكثر من جنونه الذي كان يتوقعه، أخرج منديل من جيب سترته، ثم مسح وجهه وهو يقول :
” تمام عرفت ردك ”
أنهى حديثه ينهض من مقعده وهو يتحرك صوب الخارج، لكنه توقف على صوت تسبيح الذي خرج قويًا مقهورًا :
” في يوم من الايام كل اللي بتعمله من ظلم هيترد ليك، وفي اقرب شخص لقلبك، مين عارف يمكن بكرة تلاقي اختك ولا بنتك مكاني وبيتعمل فيها نفس اللي بتفكر تعمله، وقتها وريني تجبرك ده هينفعك في ايه “

 

من المفترض أن ذلك الحديث المعتاد من الضحية لا يؤثر بأحد، لكن سعيد والذي لا يمتلك في هذه الحياة اغلى من شقيقته شعر بصاعقة تهز كيانه لتخيله نيرمينا ملقية في ذلك المكان القذر رفقة بعض القذرين كجلال ورجاله .
هو لا يمتلك عداوة معها ولا تهمه من الأساس، كل ذلك بسبب الحقير جلال، لذلك لتكون تلك الفتاة عقابًا لجلال ومن معه وليست مكافأة .
ابتلع ريقه وهو يخرج من المكان بخطوات سريعة تاركًا تسبيح تبكي بصوت مرتفع تستغفر ربها وهي تحاول أن تشحذ قوتها لأجل القادم …
لكن فجأة رأت رجال ذوي بذلات غالية الثمن ما كان لجلال الحصول عليها ولو في أكثر أحلامه جموحًا يسحبون جسدها للخارج تحت مقاومتها الشرسة، تعض هذا وتخدش ذلك وتركل ذلك …
كل ذلك حتى خرج بها الرجال من المخزن أمام أعين جلال ورجاله المتحسرة …
ألقى الرجال جسد تسبيح ارضًا خارج المخزن وأمام سعيد الذي نظر لها بأعين سوداء وهو يقول بصوت مخيف :
” امشي من هنا …امشي ومتخلنيش المحك تاني وإلا وقتها مش هرحمك، اظن اللي حصل ليكِ كفاية اوي يفهمك أنك متلعبيش مع اللي اكبر منك ”
رفعت تسبيح عيونها له ترمقه بكره ليبادلها سعيد نفس النظرة بتحدي قبل أن يأمر حراسه بكلمات موجزة :
” خدوها لغاية الطريق العام و…”
وقبل أن يقترب أحدهم منها نبذت أيديهم وهي تقف على أرجلها تسير دون كلمة واحدة ترثي حالتها لا تشعر بشيء سوى بالدنيا تطبق على صدرها وسعيد يراقب خطواتها باهتمام واعينه تلتمع بغموض مخيف.
وتسبيح تسير ببطء حتى بدأت شهقاتها المكتومة تعلو وتعلو لتصدح في الأجواء حولها ..
صرخاتها تعلو وتعلو حتى كادت روحها تخرج مع الصرخة، تريد أن تخرج كل ما في صدرها، أن تدع كل ذلك الحزن الذي تلبس جسدها، سقطت ارضًا على ركبتيها تتخذ وضعية السجود وهي تبث شكواها ووجعها لربها، ترجو منه رحمة بها، لترفع رأسها وهي تبتسم من بين دموعها، تتذكر أن رحمته بالفعل شملتها حتى وهي بين الذئاب، أنقذها منهم وهي من ظنت أن لا منفذ لها منهم، لكن الله معها دائمًا وشملها بعنايته .

 

ابتسمت وهي تفتح ذراعيها وبدل أن تقنط وترى الحياة سوداء كما فعلت في المخزن اخذت تردد :
” الحمدلله …الحمدلله ”
ها هي تسير منذ ساعات لا تدري أين هي، كل ما فعلت هي أنها أوقفت سيارة أجرة واملته عنوانًا ومن ثم أغلقت عينها ولم تعي سوى وهي تهبط أمام المنزل، صعدت الدرجات ببطء وبجسد نال من الهموم ما ملئه وفاض .
توقفت أمام باب أحد المنازل تطرقه ببطء وضعف، وتعب ملء روحها، ثواني حتى ظهر لها أحد الرجال الذين كانوا مألوفين لها ..
قالت تسبيح بتعب وصوت مرهق :
” رائد موجود ؟؟”
تعجب صلاح من تلك الفتاة التي يراها للمرة الأولى والتي تسأل عن رائد، هز رأسه وما كاد يستدير لينادي رائد الذي يعمل على أوراق في بهو المنزل حتى أبصر جسد الفتاة يتهاوى شيئًا فشيء ليمسكها بقوة ورعب وهو ينادي بصوت هلع :
” رائــــد …رائــــد تعالى بسرعة .”
___________________________
صبيحة اليوم التالي ….
اصطحب محمود والده خلفه إلى مخبز هاجر، يجره خلفه جرًا وهو يردد ببسمة :
” تعالى متتكسفش أنا عازمك على الفطار “

 

نظر ماجد لابنه بحنق وهو يجلس على أحد المقاعد في ذلك المكان الراقي والذي يجهل حقًا، كيف تعرقل به ابنه والذي كان ارقى مكان دخله هو محل كشري ذو ديكورات عصرية .
دارت عين ماجد في ذلك المخبز المريح للنفس والعين، حيث تنتشر بعض الازهار الجميلة على النوافذ الزجاجية، والطاولات مغطاة بمفارش بيضاء مبهجة ..
” أنت عرفت المكان ده منين ؟؟”
عاد محمود بظهره للخلف ببسمة :
” صدفة كنت معدي أنا وصالح رايحين المستشفى وكنت على لحم بطني فشوفنا الفرنة دي ونزلنا جبنا منها شوية قرص، بس كانت ايه يا ماجد عسل ”
ردد ماجد بتشنج :
” فرنة ؟؟ الله يسامحك ده انضف من اوضتك ”
ثواني ووجد الاثنان هاجر تقترب منهما بخطوات موزونة تردد برقة وهي تحمل قلم ومدونة صغيرة وهناك بسمة هادئة تتوسط وجهها :
” اتفضلوا تحبوا تطلبوا ايه ؟!”
ابتسم محمود وهو ينظر لوالده مشيرًا بعينه على هاجر :

 

” شوفت يا ماجد ذوق ابنك، دي بقى هاجر مرات ابنك المستقبلية ”
نظر ماجد لهاجر من أسفل نظارته، يمر عليها من أعلى لاسفل قبل أن يقول باستنكار :
” دي !؟! حرام عليك يا ابني بنات الناس، هتاخد دي تعمل بيها ايه ؟؟ دي هتبوظ منك بسبب سوء الاستخدام ”
” ايه يا حاج هي تلاجة وجاي تعاينها؟؟ هو أنا جايبك عشان تشوف العروسة ولا عشان تبوظلي الجوازة؟! ”
” عشان افطر، أنت جايبني وقولتلي هعزمك على فطار حلو وجبتني هنا ”
نفخ محمود بغيظ وهو ينظر لهاجر التي كانت لا تفهم شيئًا مما يتهامسون به تنتظر أن ينتهوا ظنًا أنهم يحاولون التقرير :
” بص أنا كده كده قررت خلاص، هاخد اوضتي وافتحها على اوضتك ونعمل الدور التاني كله جناح لينا عشان النواعم تاخد راحتها ”
التوى ثغر ماجد باستهجان :
” نواعم ايه ولمبادا ايه ؟؟ أنت هتعدل في بيتي على مزاجك؟! وانا أنام فين ؟؟ هترميني في دار مسنين ؟ ولا هتفرشلي ملاية في الفرنة هنا ؟؟”
انحنى محمود أكثر وهو يهمس بجدية :
” لا يا حاج استغفر الله، ده أنت الخير والبركة برضو، بص احنا هننقل السرير بتاعك للمعمل بحيث يعني تكون جنبك شغلك وكده “

 

رفع ماجد حاجبه ولم يكد يجيب حتى ارتفع صوت هاجر بلطف وهي ترسم بسمة رقيقة :
” أنا آسفة لو بقاطع حضراتكم بس عشان انهاردة مفيش عمال في المخبز وانا بعمل كل شيء بنفسي زي ما شايفين عشان كده لو حابين ممكن اسيبكم تقرروا براحتكم ”
ابتسم محمود وهو ينظر لها بفخر كما لو كانت ابنته، ووالده يناظرها بشفقة وهو يقول :
” يابني حرام عليك، دي رقيقة خالص، ليه تبهدلها معاك ”
تجاهل محمود حديث والده وهو يقول معرفًا إياه :
” أهلًا يا آنسة هاجر، اكيد فاكراني، أنا دكتور محمود قابلتك قبل كده، وده الدكتور ماجد ابويا ”
ابتسمت هاجر وهي ترحب بمحمود ثم نظر لماجد بلطف :
” تشرفت بحضرتك يا عمو ”
هز ماجد رأسه متحسرًا على الفتاة الرقيقة وهو يقول :
” الشرف ليا يا بنتي ”
ابتسم محمود وهو يردد بجدية :
” تمام بصي يا ستي عايز قرص زي اللي اكلتها هنا قبل كده وعصير وكوباية قهوة ”
ابتسمت له هاجر ولم تحب أن تستفسر عن ماهية تلك الـ ” قرص” التي يتحدث عنها، بل هزت رأسها بهدوء ورحلت وهي تقرر وضع بعض الـ ” دوناتس” لأجلهم، فهذا هو ما يأكله محمود كل مرة مقتنعًا اقتناع تام أنها ” قرص” ذات ثقب في المنتصف وحشوات مختلفة ولا داعي لكل تلك التسميات الغريبة .

 

رحلت هاجر وابتسم محمود بسمة صادقة غير تلك الممازحة وهو يراقبها تتناقل بين طاولات الجميع كفراشة بين الازهار، هاجر التي اعجبته منذ النظرة الاول والكلمة الاولى، لكنه ظن في البداية أنها تحب صالح، لذلك دفعه نحوها علّه ينتزعها من عقله، ولم يدرك أنها معجبة بكتب صلاح لا أكثر.
بعد دقائق عادت هاجر ووضعت لهما ما طلباه ببسمة واسعة :
” اتفضلوا بالهنا والشفا ”
بادلها محمود بينما ماجد لم يهتم سوى بتناول وجبته للعودة إلى العمل، وقبل تحرك هاجر عادت لمحمود متسائلة :
” صحيح بما انك هنا ليه مجبتش تليفون رانيا معاك ؟؟”
نظر لها محمود ثم قال بجدية :
” عطيته لصالح عشان هو يديه ليها بنفسه ويحاول يعتذر ليها على اللي عمله، وانا كمان بعتذر لو كنا سيبنا أي مشاكل مؤخرًا ليكِ أو لرانيا، أنا في النهاية يهمني العلاقات الوثيقة مع عيلتك ”
ورغم أنها لم تفهم ما يرنو إليه، إلا أنها ابتسمت وهي تشكره بهدوء، ثم تحركت صوب المخبز وهي تأمل أن يصدق محمود وتمر مقابلة صالح ورانيا على خير ..
____________________
تتقلب في نومها بكسل، ذلك الهدوء الذي يعم المنزل بعد رحيل خالتها للمخبز يثير في نفسها المزيد والمزيد من النعاس، ابتسمت رانيا تتمطأ بكسل وقد قضت ليلة جميلة بأحلام لطيفة عكس ذلك الكابوس الذي رأته البارحة عقب مقابلتها لصالح .

 

تثائبت بكسل وهي تنهض من الفراش ومازالت عيناها مغلق تتحرك في غرفتها التي تحفظها عن ظهر قلب في منزل خالها، لكن فجأة اصطدمت بشيء غريب جعلها تفتح عينيها مرددة بجهل :
” هي هاجر غيرت الديكو….”
فجأة توقفت عن الحديث وهي تنظر حولها بعدم فهم، هل دخلت ثقب اسود أم أنها انتقلت بالزمن ؟؟ أين هي ؟؟ هل كانت تحلم أنها في منزل هاجر؟!
حتى وإن كان فما تراه الآن أمامها لا يشبه أي مكان تعرفه، فهو أشبه بـ خرابة…..
ابتلعت رانيا ريقها بعدم فهم، تتحرك في المكان بجهل وقد بدأ قلبها يقرع بخوف، ربما هي تحلم، نعم صحيح ربما هو كابوس كذلك الذي عاشته البارحة .
بدأت رانيا تصفع نفسها بخفة وهي تغمض عينيها بقوة، وبعدها فتحتها لتجد نفسها في نفس المكان ..
حسنًا ما هذا المزاح ؟! هل فعلها ذلك المزعج صالح واختطفها للتخلص منها ؟!
نظرت حولها تبحث عن مخرج من ذلك المكان حتى أبصرت بابًا، وبالفعل تحركت له تجذب مقبضه بقوة تحاول الخروج، لكنه كان مغلقًا جيدًا من الخارج، بدأت الدماء تندفع في أوردتها بقوة شديد، الخوف يتدافع والادرينالين كذلك، ما الذي يحدث لها ؟!
بدأت رانيا تطرق الباب بقوة والرعب تمكن منها :
” فيه حد برة ؟؟ افتحوا الباب أنا فين ؟! افتحوا الباب “

 

لكن كل ما قابلها هو الصمت فقط، عادت للخلف بخوف وهي تجذب شعرها بتوتر ليتوقف قلبها لثواني تستوعب أنها بشعرها وبثياب النوم التي ارتدتها البارحة ….
ضمت جسدها بقلق وهي تستمع صوتًا يقترب من باب الغرفة تنظر حولها محاولة إيجاد شيء تخفي به ذراعيها وشعرها، لكن لا شيء، وقبل أن تفكر في اتخاذ خطوة انفتح الباب ليظهر وجهًا غريبًا لرجل بثياب راقية وهو يقول ببسمة :
” واخيرًا صحيتي ؟؟ فكرنا المنوم اللي شمتيه موتك ”
فتحت رانيا فمها وهي تتجلد بالقوة :
” مخدر ايه؟! أنتم مين وعايزين مني ايه ؟!”
كاد أحدهم يقترب منها وهو يتحدث بتمهل :
” احنا مش عايزين نأذيكِ احنا بس محتاجـ…”
انحنت رانيا بسرعة تلتقط حجرًا مسننًا من الأرض وهي تشير بعينها محذرة إياه من الاقتراب :
” ارجع ورا، ورا ”
رفع الرجل يده بهدوء وهو يقول :
” احنا بس عايزين نتفاهم “

 

” نتفاهم على ايه يا جدع أنت ؟! أنا اعرفك اساسا ؟؟ بعدين عايز تتفاهم من بعيد وإلا والله اخليك وشك كله غرز ”
نظر الرجل لآخر يقف خلفه على باب الغرفة وقد كان ذلك الاخير هو نفسه الرجل الذي ذهب للتحدث والاتفاق مع صالح على أمر العمل مع سعيد .
ابتسم الرجل الأول والذي يُدعى وسيم وهو يقول بهدوء :
” احنا بس عايزين نوصل لطريقة نقنع بيها حبيبك أنه يوافق على الاقتراح بسرعة من غير ما يلعب بديله ”
ضيقت رانيا ما بين حاجبيها بعدم فهم أي حبيب وأي اتفاق هذا ؟؟ وبسبب شرودها في حديثه استغل وسيم الفرصة ونزع الحجر منها وكبلها بقوة وهو يقول :
” اهدي احنا بس عايزين مكالمة منك كده لحبيب القلب نقنعه بيها إن أي لعب كده او كده مش في صالحه.”
أنهى وسيم حديثه وهو ينظر لرفيقه الغبي الذي أرسله للاتفاق مع صالح ليعود ويخبره أنه أفشى عن هوية سعيد لصالح، وقتها جن جنونه وقرر اللعب بقذارة وإحضار تلك الفتاة التي افترض أنها حبيبة لذلك الطبيب بعدما رصدها معه مرات عديدة كما أن صالح سبق وألقى نفسه في سيارة لأجلها ..
حاولت رانيا الهدوء فقط لأجل ألا يصيبها سوء وهي تنظر للرجل متساءلة بغضب :
” حبيب مين ده ؟! أنا معنديش حبيب ”
نظر الرجلان لبعضهما بشك قبل أن يتساءل وسيم بجدية :

 

” دكتور صالح ؟؟”
أطلقت رانيا ضحكات عالية وهي تنتزع نفسها من بين يديه مرددة بسخرية :
” أنا وصالح ؟! اكيد بتهزر صح ؟؟”
وقبل أن تتبع جملتها بأخرى وجدت سلاحين أمام عينيها وصوت وسيم يردد بشر :
” اتمنى تكوني أنتِ اللي بتهزري لأن لو فعلا مفيش علاقة بينكم فانتِ ملكيش لازم، واسفين هنضطر نقتلك يا آنسة ”
رفعت رانيا يدها بفزع وقد بدأت ترتجف وهي تقول مبتلعة ريقها :
” أيوة فعلا أنا بهزر، ده صالح ده حبيب الطفولة والمراهقة والشباب، أنا …أنا… أنا بس عشان كنت متخانقة معاه من فترة فمش بكلمه، لكن هو حبيبي وقلبي وكل ما ليا في الدنيا دي .”
_____________________________
كان يغط في نوم عميق في غرفته، ومن بين نومه استمع صالح لصوت رنين هاتف جواره، حاول فتح عينيه يبحث عن الهاتف حوله حتى وقعت يده عليه فحمله واضعًا إياه أعلى أذنه وهو يردد بصوتٍ ناعسٍ :
” الو ؟”
” دكتور صالح ؟!”
” اممممم”
على الجانب الآخر اعتدل وسيم في جلسته يشير بعينيه لرانيا ألا تتحدث حتى يأذن لها وهي فقط ترتجف داخليًا مما يمكن أن يحدث لها، هل آن لها أن تعيش تلك المشاهد التي تشاهدها في الافلام من خطف وقتل ؟؟ وكل ذلك لأجل من ؟؟ صالح ؟؟

 

” اسف لو بزعجك بس اعتقد أن فيه حاجة معايا تخصك”
تمتم صالح بنصف وعي وهو يكاد يُسقط الهاتف من بين أصابعه :
” ماشي هاتها وانا هخلي حد يحاسبك ”
تعجب وسيم وهو ينظر لرفيقه والذي يُدعى رجب وهو نفسه الذي قابل صلاح ظنًا أنه صالح .
” يحاسب على ايه !؟”
زفر صالح بغيظ وهو يود النوم في ذلك اليوم بعد سهره طوال مساء أمس لعلاج تلك الفتاة صديقة رائد :
” الهدوم يا عم، مش أنت من المغسلة ؟؟”
” مغسلة ايه ؟؟ أنت بتهزر !!”
انتفض صالح في جلسته وقد كان شعره هائجًا لأعلى بشكل مثير للضحك يفرك عينيه بتعب :
” والله أنت اللي بتهزر، متصل بيا يوم الجمعة، اليوم الوحيد اللي باخده راحة عشان تقولي ليا حاجة عندك؟! يا عم خليها عشانك أنا مش عايزها الحاجة دي، مبسوط كده ؟؟ ”
نظر وسيم لرانيا التي كانت تستمع لحديث صالح عبر الهاتف حيث كان وسيم قد فتح المكبر سابقًا، ضغطت رانيا على أسنانها بحنق وهي تردد بغضب :
” يا مين يلايمني على رقبته اكسرها تحت ايدي ”
تحدث في تلك اللحظة رجب وهو يقول بهدوء شديد يشوبه بعض الخبث الطفيف :
” دكتور صالح اكيد فاكر صوتي “

 

وصل له صوتًا ساخرًا من صالح الذي قال بحنق :
” مين الاستاذ التاني اللي فاكر نفسه عبدالحليم ؟؟ افتكر صوتك بتاع ايه يا ابو حنجرة ذهبية أنت ؟! عامل البومات يعني ولا ايه ؟؟”
فتح رجب عينه بصدمة ينظر لوسيم الذي رفع حاجبه لا يعجبه كل ذلك وبالطبع لن يعجب سعيد إن وصل له ما حدث وما يفعلونه دون علمه .
تنحنح رجب وهو يقول بجدية :
” أنا اللي قابلتك في المكتب امبارح لو تفتكر ”
” اهل حد من الجثث يعني ؟؟ بعدين مكتب ايه اللي قابلتني فيه ؟! أنا مبدخلش حد مكتبي عشان بيبهدلوه”
تعجب رجب وبشدة من حديثه ليسارع بالقول :
” هو مين معايا ؟؟ مش حضرتك برضو دكتور صالح السقاري الطبيب الشرعي في المستشفى اللي في آخر شارع …..؟!”
” أيوة أنا يا سيدي دكتور صالح اللي متنيل شغال في ام المستشفى دي، نعم اتفضل حضرتك جثة عندنا يعني ولا أي جر شكل على الصبح ؟؟”
اعتدل رجب في جلسته يجذب الهاتف من يد وسيم وهو يقول بجدية :
” طيب أنا الراجل الي قابلك امبارح في المكتب وعرضت عليك الشغل معانا ”
” معاكم مين يا عم أنت وشغل ايه ؟؟ “

 

قال رجب بغباء منقطع النظير جعل وسيم ينظر له بشر :
” شغل الاعضاء مع سعيد الاشموني ”
انتفض جسد صالح من الفراش وهو يردد بتشنج :
” شغل ايه يا روح امك ؟؟ أعضاء ايه يا خويا اللي بتتكلم عليها دي ؟؟ أنت عرضت عليا امبارح شغل أعضاء ولسه سليم ؟؟”
حدق كلٌ من وسيم ورجب في بعضهما البعض بصدمة من طريقة حديثه، فذلك عبر الهاتف لا يشبه البتة ذلك الذي قابله البارحة وحدثه بهدوء وتمهل، ووسيم ينظر لرجب بشر وكأنه يخبره ( أهذا هو نفسه الخبيث الذي جئت تبكي وتشكي أنه جرك للحديث دون وعي ؟؟” )
ابتلع رجب ريقه وهو يقول في محاولة بائسة لتذكير صالح بتلك المقابلة :
” أنا سبت رقمي ليك وأنت قولت هتكلمني وهتفكر في الشغل، حتى أنت امبارح كان شكلك مرحب بالشغل والفكرة وقولت هتفكر وترد عليا ”
ارتفع صوت صالح لا يفكر ولو لثانية في حديث ذلك الذي يتهمه بمثل تلك التهمة وأنه على وشك العمل في تجارة الاعضاء :
” أنت متخلف ولا ايه حكايتك ؟؟ دي الكاميرا الخفية طيب ؟؟ مدير المستشفى بيختبرني صح ؟؟ قولهم مش صالح السقاري اللي يبيع مبادئه ويبقى بتاع أعضاء مجمدة”

 

دفع وسيم وجه رجب عن الهاتف ثم امسكه يردد بشر وقد فاض الكيل من ذلك الشاب العديم الادب :
” اسمع عشان أنا خلاص جبت اخري منك، لو فاكر أنك بالطريقة دي هتهرب من كلمتك معانا فأنت غلطان، لأن اللي معايا هنا مش مجرد حاجة تخصك، دي حبيبة القلب”
حبيبة القلب ؟! قلب من ؟! قلبه هو يمتلك حبيبة دون علمه ؟؟ هل هذه تهمة شنيعة أخرى يلقونها عليه كأمر الاعضاء ؟!
” حبيبة القلب ؟! حبيبتي انا ؟!”
في هذه اللحظة اشار وسيم لرانيا بالتحدث لتقول بارتجاف وخوف :
” صالح ”
ضيق صالح حاجبيه بتفكير يحاول الوصول لهوية صاحبة الصوت :
” أنا حاسس اني سمعت الصوت ده قبل كده ”
ابتسم رجب بتفاؤل لوسيم الذي أشار له بإصبعه علامة الانتصار، لكن فجأة ومن حيث لا يعلمون انفجرت رانيا في وجه صالح :
” حاسس انك سمعته قبل كده؟؟ أنت هتهزر ؟؟ اقسم بالله أما خلصتني من المصايب اللي بتقع فوق دماغي بسببك لأكون ….”
توقفت رانيا عن الحديث حينما أبصرت نظرات وسيم ورجب لتقول بمسكنة وصوت هادئ حنون :
” هخاصمك يا صالح وأنت عارف لما اخاصمك مش هتصالح ولو جبتلي ايه “

 

وعادة صالح التي لا يمتلك غيرها قال بوقاحة :
” ما تتفلقي، أنا عارفك يا ام لسان طويل أنتِ، أنتِ رانيا صح ؟! طلعت دي كلها لعبة منك عشان تنتقمي مني؟! عايزة تلبسيني في تهمة أعضاء، العبي غيرها يا حلوة ”
ودون أن تعبأ رانيا بمن حولها انفجرت في الصياح تحاول أن تتحلى بنبرتها متماسكة :
” اقسم بالله أنا لو حصلي خدش لاكون مـ”
تحدث صالح وهو يدور في غرفته بنبرة مرتفعة مستفزة :
” هتوديني في داهية، عارف عارف سمعتها منك ميت مرة”
بكت رانيا وهي ترى نظرات الرجال عليها وقد ثار في قلبها فزع خفي، رباه هي لم تعتد التعرض لكل ذلك، هي كانت تتعامل مع مشاكلها بأكملها من خلف إخوتها ولم تضطر يومًا لمواجهتها، كانت المدللة لهم والآن ليأتوا ويرون ما يحدث لمدللتهم ..
” أنا لو حصلي حاجة اخواتي هيكسروا بيتك اللي قاعد فيه ده فوق دماغك يا صالح، والله العظيم لو خرجت من هنا عايشة لـ.. ”
ومجددًا تراجعت وهي تقول بنبرة ناعمة :

 

” صالح يا حبيبي ”
شعر صالح برأسه تدور من تلك الكلمة يرمش بصدمة كبيرة وعينه تدور في المكان حوله وكأنه يبحث عمن يؤكد له أنه مستيقظ :
” حبيبك ؟؟ أنا ؟؟”
ابتلعت رانيا ريقها تردد بنبرة مدللة عاشقة :
” أيوة يا قلبي، هو أنا ليا غيرك في الدنيا دي يا صالح ؟؟ متخليش شوية الخناق اللي بينا تنسينا سنين الحب والشوق يا صالوحة ”
نظر صالح حوله في الغرفة، ثم تحرك سريعًا صوب الجدار يضرب قدمه فيه بقوة شديدة ليتأكد أنه لا يحلم، وبمجرد أن بدأ الألم ينتشر من أطرافه لقدمه بأكملها استوعب أنه مستيقظ :
” أنتِ ….أنتِ بتقولي ايه ؟؟”
سارعت رانيا للتحدث بدلال :
” بقول اللي أنت مكنتش بتعرف تنام الليل غير لما بتسمعه يا صالح”
” انام الليل ايه؟! يابت ده أنتِ كنتِ منكدة عليا ليلي ونهاري ”
سقطت دموع رانيا وهي تتحدث بصوت منخفض ورجاء صامت :

” غصب عني فكرتك بتحاول تأذيني ”
استشعر صالح شيئًا خاطئًا في صوتها، وتلك النبرة الباكية اوجعت قلبه، ابتلع ريقه يحاول أن يتماسك :
” رانيا أنتِ كويسة ؟!”
هنا وانفجرت رانيا في البكاء وهي تقول من بين شهقاتها المرتفعة التي جعلت صالح يجن حنونه، فحتى في عز محنتها وضيقها به، وخوفها منه لم تبكي بهذا الشكل :
” رانيا فيه ايه ؟؟ مين اللي كلمني من شوية دول؟! ايه اللي بيحصل؟! ”
هتفت رانيا من بين شهقاتها لا تعلم هل سيساعدها أم لا فهو في الحقيقة لا يطيق حتى سماع صوتها، فما الذي سيجبره على مساعدتها ؟!
بكت وهي تترجاه، تتوسل إنسانيته التي قد تجبره على مساعدة فتاة لم يرى منها سوى الشجار والصراخ :
” صالح…. صالح ارجوك ساعدني، أنا مش عارفة أنا فين …أنا …أنا خايفة اوي، صحيت لقيت نفسي في مكان غريب، أنا مخطوفة ”
_________________________
مسح رائد وجهه بحنق وهو ينظر لصلاح الذي يضجع على أريكة منزل تسبيح، وقد قضى كلاهما رفقة صالح الليلة جالسين للاطمئنان على تسبيح …
اغمض رائد عينه يتذكر لحظة سمع هتاف صلاح باسمه وخرج ليجد تسبيح تتوسط ذراعيه كالجثة الهامدة دون نقابها …
لا يعلم كيف حدث ذلك فقد حملها من بين ذراعي صلاح صوب منزلها ومن ثم سحب صالح من فراشه وهو يهتف به في لوعة :

 

” تعالى بسرعة شوفها فيها ايه ؟!”
” هي مين دي وانا مالي بيها ؟!”
قال رائد باقتضاب ما حدث :
” معرفش هي اغمى عليها، أنا كنت مفكرها في البيت ”
حاول صالح التملص من بين أصابع رائد وهو يشرح له الامر :
” طب أنا مالي، أنا دكتور تشريح مش حميات، اقولك روح نادي ليها اي دكتور جنبنا وسيبني عايز اتخمد ”
لكن هيهات أن يفلت من بين أصابع رائد والذي ألقاه في المنزل آمرًا إياه بفحصها، ثم تحرك صوب شقة صاحب البناية يستأذن زوجته في الحضور والبقاء رفقة تسبيح إن احتاجت أمور خاصة، ولأجل ألا يكون الثلاثة رجال معها في مكان واحد، حتى لا يثيروا الاقوايل….
وها هم منذ مساء البارحة وهم يجلسون نفس الجلسة في بهو المنزل وفي الداخل زوجة صاحب البناية مع تسبيح، لكن فجأة سمع رائد صوت السيدة حسنية تتحدث بتذمر :
” يابنتي استريحي شوية أنتِ لسه تعبانة ..”
لكن تسبيح والتي أطلت عليهم من الغرفة رفضت أن تبقى ثواني بها، فقد شعرت كما لو أن جدرانها تطبق عليها، وبمجرد أن خرجت وضعت يدها أعلى نقابها تتأكد من وضعيته بعدما علمت من حسنية أن رائد ورفيقه بالخارج .
تحركت بهدوء صوبهم وهي تحاول الابتسام، كل ذلك تلاشي حينما انتفض رائد وهو ينظر لها باهتمام واردف :
” انتِ كويسة ؟؟”

 

ابتسمت له تسبيح تهز رأسها بسرعة بايجاب وكأنها بذلك تقنع نفسها لا هو، لكن فجأة خانتها نفسها وهي تنفي برأسها وتنفجر في البكاء بشدة :
” لا …لا ..قتلوه ..قتلوه …قتلوا عبدالعظيم ”
خرج تأوه من فم رائد وهو يراقب انهيارها امامه للمرة التانية دون أن يملك شيئًا، وصلاح لا يفهم ما يحدث، لكنه شعر بوجع تلك الفتاة .
انهارت تسبيح ارضًا وهي تبكي رثاءً لأخيها ولابيها ولنفسها، تعطي أحزانها حقها، أقسمت أنها من بعد تلك اللحظة لن تضعف وتنهار مجددًا يكفيها ضعفًا ..
وكل ما كان لرائد أن يفعله هو أن جلس ارضًا أمامها يتحدث معها يحاول مؤازرتها، هذا كل ما يملكه، كان يمد يده من الحين للآخر حتى يجبرها على النظر له :
” هما دلوقتي ارتاحوا، أنتِ واحدة مؤمنة وعارفة إن رب الخير لا يأتي سوى بالخير يا تسبيح، لعل ما حدث خير، صدقيني خير والله ”
بكت تسبيح أكثر من كلماته :
” كان …كان نفسي نعيش عادي، لما بلغت عنهم والله ما كنت قاصدة كل ده يحصل، أنا …أنا ”
كانت ترتجف وهي تحاول أن تبلور مشاعرها، ثم قالت بقهر :
” انهاردة لما فكرت اني هموت فرحت، لأني خوفت اعيش بعد ما حد يعملي حاجة، وهعيش لمين اساسا ”
” لينا “

 

رفعت تسبيح عيونها له بظهشة ليبتلع رائد ريقه وهو يشير لنفسه ولصلاح :
” احنا هنا كلنا جنبك، اعتبرينا عيلتك، أي حاجة هتحتجيها هنعملها وصلاح …تقدري تعتمدي عليه في أي حاجة لو أنا مش هنا”
نظرت تسبيح لصلاح بتردد ليبتسم لها الاخير بسمة هادئة حنونة، ارتفع صوت رائد وهو يقول موضحًا :
” ده غير اللي أنتِ قابلتيه لما جيتي شقتنا، ده صلاح والتاني صالح اخوه التوأم ”
نظرت تسبيح ببلاهة لصلاح الذي شذب خصلاته بأصابعه وهو يقول ببسمة متهكمة يحاول تحسين الاجواء :
” اللي جايبلي الكلام والمصايب طول الحياة، كل شوية يعمل بلوة وانا اللي ألبسها، بس بصي عشان نتفق، أنا على طول مسرح شعري ووسيم زي ما أنتِ شايفة كده، التاني هتلاقي شعره هايج شوية، وأقل جمالًا مني بشوية ”
كانت تسبيح تنظر له وهي لا تعي ما يقول، لكن ومن بين دموعها ابتسمت بسمة صغيرة متألمة، لتنتبه إلى رائد الذي زجر صلاح بنظراته وقال :
” حتى صالح تقتدري تعتمدي عليه، هو طيب وكويس بس ساعات بيـ ..”
وقبل انتهاء جملته اقتحم المنزل المفتوح جسد صالح الذي اندفع كالرصاصة صوب صلاح وهو ما يزال بثياب نومه وشعره المبعثرة، جذب ثياب صلاح بغضب :
” ولآ انت امبارح قابلت حد في مكتبي على أساس أنا ؟!”
أشار صلاح لصالح تحديدًا لثيابه وشعره :
” اهو بصي واضح مين فينا صلاح ومين صالح، ركزي في الفروق “

 

كانت تسبيح تفتح عيونها بصدمة ورائد ما يزال جالسًا ارضًا يراقب ما يحدث معها، وكذلك الحاجة حسنية التي كانت تقف جوار الأريكة التي تستند عليها تسبيح تحرك شفتيها في تهكم :
” أنا مش فاهمة امتى الاتنين دول يبطلوا منقارة زي جوز الديوك كده، كل ما اشوفهم الاقي واحد فيهم ماسك التاني وحالف يضربه ..”
ابتسم صلاح بسمة هادئة لا تتناسب مع الموقف بأكمله يُبعد يد صالح عن ثيابه المرتبة مقارنة بخاصته :
” أيوة يا حبيبي كنت مستنيك هناك، ولقيت فيه حد جاي عايز يقابلك وانت يا غالي كنت مشغول فقولت اعمل باصلي زي ما أنت عملت باصلك معايا في المؤتمر واقابله بدالك”
أنهى حديثه يمنح أخاه بسمة واسعة مستفزة ليعيد صالح شعره للخلف بعنف وهو يدور مكانه قبل أن يتوقف هاتفًا بتسرع :
” تاجر أعضاء ؟؟ قابلت في مكتبي تجار أعضاء واتفقت اني هشتغل معاهم، ويسبوك تفكر، وكل ده وانا مليش علم، كنت ناوي تقولي امتى، ولا هتعملها ليا مفاجأة في يوم اصحى الاقيك بتعملي سندوتشات لانشون وعصير برتقال وبتقولي يلا يا حبيبي عشان عندك شغل جديد ؟!”
ابتسم صلاح وهو يجلس على المقعد خلفه بكل هدوء :
” كنت هقولك امبارح بليل بعد ما الأمور تهدى ونخلص أكل، لكن وقتها حصل اللي حصل مع الآنسة تسبيح والدنيا باظت”
انتبه صالح حيث يشير، فوجد تسبيح تجلس ارضًا وهي تنظر له بأعين غائرة، حتى أنه لم يشعر أنها بالفعل تحدق به، بل ربما كانت شاردة، عيونها حمراء وجسدها يرتجف قليلًا، ابتلع ريقه وهو يمسح وجهه بقوة لا يعلم ماذا يقول، لكنه قالها دفعة واحدة :

 

” الناس اللي أنت قابلتهم امبارح في مكتبي واتفقت معاهم على حوار الاعضاء، خطفوا رانيا وهما مفكرينها حبيبتي…”
في تلك اللحظة استمع الجميع لصوت أتى من خلفهم يصيح بصدمة :
” خطفــــــــوا ميــــــــن ؟!”
استدار الجميع صوب باب المنزل الخاص بتسبيح والذي انقلب فجأة لقاعدة عسكرية، ووجدوا محمود يقف وجواره هاجر التي شحب وجهها، ودون أن يبرر أحد بكلمة كان جسد هاجر يسقط ارضًا بعنف شديد جعل تسبيح تطلق صرخة فزعة وهي تسارع لمساعدتها ومحمود يحدق في جسد هاجر بصدمة لا تقل عن صدمة أحد :
” هو ايه اللي بيحصل هنا بالظبط ؟؟؟؟”
_____________________________
كان يجلس في المنزل وأمامه يتوسط اريكته شاب طويل القامة وسيم نسبيًا يرتدي ثياب باهظة الثمن والبسمة متسعة على فمه .
ابتسم رؤوف وهو يتحدث بصوت منخفض وكل ثانية ينظر لباب المنزل بخوف وكأنه ما بين الفنية والأخرى سيتحطم أعلى رؤوس أهل المنزل .
” أنا فاهم يا بني كل اللي قولته، بس صدقني الأمور معقدة شوية ”
اعتدل الشاب في جلسته وهو يردد باحترام ولهفة :
” معقدة ليه بس يا عمي، ايه اللي هيخليها معقدة ؟! أنا هجيب اهلي واجي ونطلبها وصدقني هي هتكون في عيوني ”
” مين دي اللي هتكون في عيونك ؟!”

 

انتفض جسد رؤوف برعب وقد تحققت اسوء كوابيسه، ابناؤه انتهوا من العمل وعادوا قبل أن يصرف ذلك الشاب المسكين، ابتلع ريقه ينظر لاربعتهم يقفون أمامه بأجسادهم الطويلة والعريضة، ولا يدري من أين حصلوا عليها وهو نحيف قصير بعض الشيء ..
كانوا يرتصون جوار بعضهم البعض حيث يتقدمهم الاكبر ( محمد ) ومن ثم ( جبريل ) وبعده ( عبدالله ) والاخير من بين الصبية هو ( عبدالجواد) ومن بعدهم جاءت مدللة العائلة ( رانيا ) .
” دي …دي ..دي أمه ”
نظر له الشاب بتعجب وقال :
“امي ؟!”
” اه امك، ومشيها امك عشان ترجعلها سليم ”
لم يفهم الشاب ما يقصده رؤوف وهو يحاول معرفة ما حدث منذ دخل هؤلاء الأربعة رجال للمكان .
ابتسم روؤف يتحدث بجدية :
” ده ابن صاحبي كان جاي يطمن عليا، وانا كنت بوصيه على أمه أصلها ست طيبة وبقت أرملة وهي صغيرة ”
تحدث محمد وهو ينظر للشاب بتقييم :
” اممم، صحيح الكلام ده يا …”
نهض الشاب يعدل من هيئته مبتسمًا باتساع يمد يده لمحمد :

 

” مراد يا فندم، أنا مراد ابقى زميل الآنسة رانيا اخت حضرتك في الكلية ”
أخفى روؤف وجهه بحسرة على شباب ذلك الابله، بينما وبمجرد ذكر اسم رانيا ألتف الأربعة حول الشاب وكأنه للتو نطق بكلمة محرمة في منزلهم، وجبريل يتساءل مجددًا بتمهل :
” زميل رانيا اختنا ؟؟ ويا ترى يا زميل رانيا اختنا جاي بيتنا تعمل ايه ؟؟ ”
نظر لهم الشاب بعدم فهم وهو يقول :
” أنا كنت جاي اتقدم لها ولو يعني وافقتوا بشكل مبدأي هجيب بابا والعيلة واجي ”
امسكه جبريل من كتفه بشكل جعله يطلق تأوهًا، بينما جبريل يتشدق بسخرية :
” هتجيب المرحوم معاك شخصيًا، والله ما له لزوم تطلعه من التربة عشان الموضوع ده، احنا هنوديك ليه ”
وقبل أن يتساءل الشاب عما يقصد، كان محمد يجذبه من تلابيبه بشكل أشبه برجال العصابات لا بمهندس محترم له اسمه وسمعته في السوق :
” أنت هتخرج من الباب دلوقتي، واول ما تطلع وتخطي برة بيتنا هتنسى تمامًا أنك تعرف إنسانة اسمها رانيا”
فتح مراد عينه بصدمة :
” فيه ايه حضرتك هو أنا بقولك امشي معاها في الحرام، أنا جاي ااااا”

 

وقبل أن يكمل جملته وجد من يجذبه من الخلف ليستدير له ويقابل جبريل الذي قال بصوت أجش مخيف :
” تمشي مع مين يا غندور ؟؟ اقسم بربي لو لمحتك قريب منها أنا ادفنك مكانك، اختي لا سامع ؟؟ إياك تقرب ليها ”
ومن ثم جذبه عبدالله الذي بدأ ينفض غبار وهمي عن ثيابه وهو يقول بجدية وصوت بدا هادئًا عن الباقيين :
” أنا مش هضيف حاجة على كلام اخواتي، بس حابب أنك تعرف لو حصل وبصيت لها بس بطرف عينك أنا مش هخلي المرحوم ابوك يعرفلك طريق تمام ؟؟”
جذبه عبدالجواد له يردد ببسمة وهو يعدّل له من ياقة ملابسه :
” أنا لو منك اجري دلوقتي ”
وهذا ما فعله مراد الذي هرول خارج منزل المجانين ذاك، بينما الأربعة يناظرون تحركاته خارج حدود المنزل، ثم استدارو لوالدهم الذي كان قد حمل جريدته يقرأ بها وهو يدعي عدم الإنتباه لشيء .
تحرك محمد صوب والده وقال :
” بتضحك علينا يا بابا ؟؟ ابن صاحبك الله يرحمه ها ؟!”
” يابني اضحك عليكم ايه والله انا كنت بحذره قبل ما تدخلوا بس هو اللي كان مصمم ”
ألقى عبدالجواد جسده على الأريكة بتعب :
” هي رانيا هترجع امتى ؟! أنا زهقت من البيت وهي مش فيه، ما تكلم خالتي يابابا وقولها ترجع ”
هز محمد رأسه وهو يضم ذراعيه لصدره يقول مصدرًا أوامره :
” عبدالجواد عنده حق، كلمها وقولها ترجع، كفاية اوي كده مش هتقضي الباقي من عمرها عند خالتها .”

 

نهض رؤوف يلقي الجريدة ارضًا يصرخ فيهم بصرامة :
” ولد أنت وهو، أنا سايبكم تطفشوا في عرسان اختكم براحتكم وسايبكم تعملوا اللي تحبوه، لكن عند بنتي ومحدش له كلمة عليها سامعين ؟؟ هي تعمل اللي تحبه في الوقت اللي تحبه، وبالنسبة أنها ترجع أو لا فبراحتها”
أنهى روؤف كلماته يتحرك من أمام أولاده شبه مهرول، بينما الأربعة ينظرون لاثره بهدوء قبل أن يقول جبريل :
” انا مش عايزها تفضل في القاهرة، هروح اجيبها وارجعها”
هز محمد رأسه بهدوء ثم قال :
” هنروح يا جبريل، هنروح كلنا، نخلص الصفقة دي ولو مرجعتش وقتها هنروح كلنا نجيبها ونرجعها البيت ”
وهكذا أصدر محمد أوامره العليا وانتهى الأمر، فأصبح أمام رانيا اسبوع فقط ومن بعدها …..
_____________________________
ها هي تقضي اجمل لحظات حياتها في لعب ما تهواه، فبعد إصابتها بسبب الخيل اليوم السابق، ارتأت ميمو أن تتمرن اليوم على السهام وما افضل من صورة سعيد التي تتوسط جدار البهو كهدف لتصويبها .
نزعت أحد السهام من غمده تضعه في مكانه، ثم سحبت السهم للخلف ببطء وبدقة وعينيها تركزت على عيون سعيد في الصورة .
ابتسمت وهي تحرر السهم من بين أناملها ليطير ويلتف في الهواء حتى استقر في عين سعيد اليمنى ..
ابتسمت ميمو بسمة واسعة وهي تقول :
” والله ضربة معلم ياض يا ميخو .”

 

كان مختار يقف بعيدًا عنها يراقبها بدقة وهي تتدرب باستمتاع، حتى رأى السهم الثاني يستقر في العين اليسرى لسعيد..
مضغت ميمو العكلة وهي تجهز سهم اخر :
“الهدف القادم ..انف سعودي .”
وضعت السهم في مكانه وهي تتحدث لمختار مازحة :
” اظن مش هتكون مشكلة اوي، مناخير سعيد واخدة نص الصورة ”
أنهت حديثها مطلقة ضحكة عالية وهي تتذكر غضب سعيد منهما كلما ذكرت عيبًا بشكله، وهو الذي لا يملك من العيوب سوى قلبه، فسعيد ورث من والدته جمالها الفتان ليصبح وسيمًا حسب بعض المعايير الموضوعة للوسامة..
انطلق السهم ليصيب بالفعل انف سعيد وتطلق هي صيحة منتصرة وهي تردد أثناء سحبها لسهم اضافي :
” الواحد شايل هم المرات الجاية لما يحتاج يتدرب وميلاقيش صورة لسعيد، كده هضطر اطبعله صور ”
كانت تتحدث وهي منهمكة في الخارج السهم، لكن فجأة شعرت بمن يسحبه من بين أنامله، ومن ثم سحب القوس منها ووقف جوارها يبتسم لها بسمة ناعسة وهو يقول بجدية أثناء تجهيز السهم للالقاء :
” اللي عايز يلاقي هدف بيلاقي هدف، حتى لو هيخلق هو الهدف ده يا ميمو ”
ختم سعيد جملته تزامنًا من إصابة السهم لصورتهت التي تعلو خاصته، ابتسم وهو يقول بسخرية :
” ابقى جربي مناخير جاد كده، هتلاقيها اكبر من بتاعتي ومريحة في الرمي ”
بادلته ميمو البسمة :
” وماله، ده مهما جاد ده عشرة عمر وحبيبنا برضو ولا ايه يا سعودي ؟؟”
كانت تتحدث وهي تركز على عيون سعيد ساخرة، في نفس وقت إصابة سهمها لعين جاد دون حتى أن تنظر له، فقد اكفاها نظرة واحدة لتعلم أين هي عينه حتى تصيبه .

 

نظر لها سعيد قليلًا قبل أن يشملها بنظرة من أعلى لاسفل :
” صحيح يا مرات ابويا ”
أنهى حديثه وهو يلقيها بنظرة غامضة ساخرة، ثم تحرك من أمامها وهي تنظر لأثره، أخرجت سهم اخر من الغمد وهي تركز على فم سعيد :
” الواحد نفسه يضرب سهم في حنجرته يخرسه خالص ”
أثناء ذلك سمعت رنين هاتفها، تركت السهم لينطق ويصيب هدفه ومن ثم أمسكت الهاتف تجيب بعدما رأت اسم صلاح يتراقص على شاشتها :
” صباحك فل يا لذوذ …. ”
___________________________
هاجر ملقية على الفراش في غرفة تسبيح، والاخيرة تحاول مساعدتها لتفيق ..
وفي الخارج كان محمود يحاول معرفة ما يحدث في هذا المكان :
” أنا مكنتش اعرف حاجة، هي بس قالتلي انها حابة تيجي تاخد بنفسها التليفون لأن كفاية اوي اللي حصل بينك وبين بنت اختها، فجبتها تاخده وسمعت اللي حصلت ووقعت ”
رفع صالح رأسه من بين يديه وهو يردد بحاجب مرفوع :
” تليفون ايه ده ؟؟ هو مش معاك ؟!”
ابتسم له محمود بغباء، ثم نظر حوله وكأنه يبحث عن الدعم :

 

” لا ما هو أنا جبته ليك الصبح وقولتلك اتصرف أنت انا مش ناقص اشيل مشاكلك وأنت وافقت ”
تشنج صالح من حديث رفيقه يشير لنفسه باستنكار شديد :
” مشاكلي أنا؟! وانا وافقت ؟!”
” اه والله، أنا قولتلك التليفون أهو يا صالح ابقى وديه لرانيا وأنت قولتلي… اممم ”
هز صالح رأسه وهو يقول يتوعد :
” اممممم ؟؟ لا امممم دي اللي هتقولها أنت أما اكتم نفسك واخلص عليك يا زبالة ”
وبمجرد أن انتهى من كلماته كان ينهض من مقعده يلقي بجسده على محمود يحاول ضربه، والاخير يدافع عن نفسه من هجمات صالح :
” أنت ياض غبي، بتضرب ليه انا عملتلك حاجة ؟؟”
” عملت حاجة واحدة ؟! ده أنت عملت حاجات، وفي الآخر بتجيب الحاجات دي تلبسها ليا ”
في ذلك الوقت ارتفع صوت من أمام باب منزل تسبيح وصوت أنثوي مغري يردد :
” محتاج مساعدة يا لذوذ ؟؟”
استدار الجميع صوب ذلك الصوت والذي يعود لها لا غيرها، ميمو، التي كانت ترتدي فستان طويل يغطي جميع اجزاء جسدها من اللون الاصفر وبه بعض الورود البيضاء وجوارها يقف مختار بجسده الشاب القوي طويل البنية وكالعادة بملامح جامدة باردة .
كانت ميمو تنظر لصالح دون أن ترى صلاح الذي كان يجلس على الطرف الآخر جوار رائد ..
اطالت ميمو النظر في صالح قبل أن تقول بتسائل :
” صالح صحيح ؟؟”
اعتدل صالح في وقفته يرفع حاجبه :
” أيوة، وانتِ ؟!”

 

” ميمو يا حبوب ”
ردد صالح الكلمات خلفها بتعجب :
” ميمو يا حبوب ؟؟”
في تلك اللحظة ظهر صلاح وهو يقول :
” ميمو تعالي، كنت مستنيكِ ”
دخلت ميمو وتجاوزت صالح الذي تحركت عينه معها ببلاهة يراقبها تبتسم لأخيه بشكل غريب وصلاح ينظر لها نظرات جعلت عينه تتسع، فتلك النظرة التي شملت تلك الميمو من أخيه ليست طبيعية .
توقفت ميمو أمام صلاح وهي تقول :
” قولتلي على التليفون سعيد عامل مشاكل تاني، خير عمل ايه ؟؟”
نظر صلاح صوب صالح الذي كان ما يزال ينظر لها بتدقيق يحاول معرفة ماهية تلك المرأة في الوقت نفسه الذي خرج به كلٌ من تسبيح وهاجر للبهو .
تحدث صالح بريبة وهو ينظر لميمو :
” أنت حكتلها عادي كده على الموضوع ؟؟ ”
كان يتحدث بشك من أن أخاه قد آمن جانب أحدهم بهذه البساطة لدرجة أن يقص عليه أموره، وهذا أمر آخر يثبت له أن تلك المرأة تعني لأخيه أكثر مما يحاول هو إظهاره .
استدارت ميمو تنظر بعين صالح وهي تقول بخبث :

 

” متقلقش يا صالح، أخوك بس جايبني عشان يشتكيلي من سعيد، اصل بعيد عنك سعيد ناقص تربية ودايما عاملي مشاكل ”
ردد صالح بتفكير :
” عاملك ؟؟ أنتِ تعرفي الراجل ده ؟؟”
وضعت ميمو يدها على وجهها بدرامية وهي تقول :
” للاسف الشديد أنا ابقى ارملة أبوه ”
وتلك الكلمات كانت بمثابة القنبلة التي ألقتها أعلى رؤوس الجميع عدا رائد وصلاح اللذان كانا يعلمان حقيقتها ..
بينما ميمو رفعت رأسها تردد بنبرة مخيفة :
” ايه بقى اللي حصل المرة دي ؟!”
نظر لها صلاح وقال باختصار وبكلمات مقتضبة التقطت منها ميمو كل المعاني التي تكمن خلفها وكأنها خلقت لها ولصلاح لغة لا يفهمها سواهما :
” رجالة سعيد خافوا من اخر مقابلة واني العب بديلي فخطفوا رانيا على أساس أنها حبيبة صالح ”
كان صالح يضم يديه لصدره في ترقب وهو يسمع الجميع والكل متحفز لما سيحدث .
بينما ميمو قالت :
” بأمر من سعيد ولا جدعنة من رجالته ؟؟”
كانت تسبيح في ذلك الوقت تشعر أن الزمن قد عاد بها لـ ليلة البارحة بتقول دون وعي :

 

” سعيد …سعيد الاشموني ”
نظر الجميع صوب تسبيح لتتسع اللعبة أكثر واكثر وقد شعر رائد بشيء خطأ فهي منذ فاقت ترفض قول شيء عما حدث سوا أن عبدالعظيم قُتل .
هبطت دمعة من عيون تسبيح وهي ترفع عيونها لهم وقالت بصوت خافت :
” سعيد الاشموني، أنا سمعت اسمه امبارح لما جلال كان راميني في مكان وهو اللي…هو اللي قالهم يسيبوني امشي بعد ما هددني ”
اشتد غضب رائد وبشدة وعيونه ما تزال مثبته على تسبيح التي كانت تحاول الخروج من تلك الهوة تذكر نفسها أنها تعهدت بعدم الضعف والبكاء مجددًا …
ارتفع صوت ميمو وهي تركز نظراتها مع تسبيح :
” سعيد اللي قالهم يخلوكِ تمشي ؟؟؟ ”
هزت تسبيح رأسها تؤكد حديثها لتبتسم ميمو بسمة ساخرة :
” اخلاق سعيد اتغيرت خالص، قلبه ده اللي هيوديه في مصيبة ”
تدخل صالح في الحديث :
” أيوة أنا برضو معرفتش هنعمل ايه عشان رانيا؟!”
قالت هاجر بدموع وخوف :
” أيوة بالله عليكم، رانيا لو حصلها حاجة أنا ممكن اروح فيها “

 

وكان الرد من محمود الذي قال :
” بعيد الشر يا نواعم، إن شاء الله صالح يارب وراها عشان نخلص من زنهم ونعيش حياة خالية من الهموم سوا ”
رفعت هاجر عينيها له ترمقه من بين دموعها بجهل ليغمز هو لها ببسمة واسعة ..
نفخ صالح بغيظ :
” اسكت يا محمود اسكت ومتفكرنيش أنك معانا ”
نظر بعضها لميمو ليقول وهو يلوح بيديه في الهواء :
” وأنتِ يا ام سعيد ما تقولي هنعمل ايه ؟!”
ضحكت ميمو بصوت مرتفع وهي تقول :
” ماشي مقبولة منك، بص يا لذوذ ”
ورغم أنه كان يمقت أن تصفه بتلك الكلمة، بل وينظر لها بحنق حين وصفه بها، لكن كان صلاح في تلك اللحظة ينظر لصالح بغضب وكأنه هو من ترجاها لتناديه بـ ” لذوذ”
تنفست ميمو بصوت مرتفع دون الإنتباه لنظرات صلاح الذي أخفاها سريعًا بأخرى غامضة :
” أنا ممكن داوقتي اقولك خمس اماكن واحد منهم فيه حبيبتك ”
” مش حبيبتي …”
” ايًا كان، أنا ممكن اقولك تلاقيها فين لكن ….”

 

صمتت قليلًا وهي تنظر لهم بمكر ليكمل صلاح وقد فهم ما ترنو إليه من نظراتها :
” لكن سيبهم يلعبوا بطريقتهم ويفكروا أننا مش عارفين نلاعبهم ”
نظر صالح لهما بعدم فهم لتلك الشيفرات التي تتحرك فيما بينهما :
” أنا حاسس أنكم قصدكم حاجة مش كويسة، بس ايه هي مش عارف احط ايدي عليها ”
صاحت هاجر في اعتراض :
” أنتم هتلعبوا والبنت معاهم ؟؟ افرضوا اذوها ؟!”
طمئنتها ميمو بهدوء :
” متقلقيش مش هيحصل، لأن حسب معرفتي اللي حصل لحبيبة صالح ده بدون علم من سعيد، وده معناه أنهم بيهوشوا مش اكتر، غير كده …”
نظرت لمختار وهي تقول :
” مختار عارف هتعمل ايه ؟؟”
هز مختار رأسه بهدوء شديد يعلم ما يفعل وهو البحث ومعرفة أين هي الفتاة بالتحديد، ثم يرابط في ذلك المكان لضمان عدم حصول شيء .
تدخل رائد بعد صمت طويل :

 

” بس ده مينفيش إن سعيد هو أُس المصايب كلها، ولو وقع كله هيقع ”
اومأت ميمو مؤكدة بشر :
” بالضبط كده يا حضرة الظابط، وإن سعيد يقع فهو محتاج زقة شديدة شوية ”
وقبل أن يتحدث أحدهم قاطعهم رنين هاتف صالح الذي انتفض يخرجه من جيب بنطاله وهو يقول بجدية :
” دول هما ”
نظر له صلاح نظرة مخيفة، ثم ابتسم بمكر يضع كفيه في جيوب بنطاله مردفًا بخفوت :
” افتح الاسبيكر، واعمل اللي هقولك عليه ……..”
________________________
ثم ؟؟؟
بدأت اللعبة

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ما بين الألف وكوز الذرة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى