روايات

رواية لولا التتيم الفصل التاسع 9 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم الفصل التاسع 9 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم الجزء التاسع

رواية لولا التتيم البارت التاسع

رواية لولا التتيم الحلقة التاسعة

“بين ليلة وضحاها هناك أحداث مجهولة لاندري عنها شئ، بين يوم وآخر قد تنقلب موازين حياتنا بأكملها بدرجة تدهشنا، من كان عزيزًا أمس من الممكن أن يكن مكروهًا اليوم، ومن كان مكروهًا أمس من الممكن أن يصبح عزيزًا اليوم! هذه هي الدنيا وهذه هي لعبتها التي نصبح جزءًا فيها رغمًا عنــا”
فتح باب الغرفة المغلق، ليقابله ظلام دامس كالعادة، تنهد بضيق قبل أن يفتح الإضاءة، ليبصرها متسطحة على جانبها فوق فراشها تدعي النوم أو تنام بالفعل.. اتجه ناحيتها بخطى متمهلة ليتبين ما إن كان قد غلبها النوم حقًا أم تتدعي هذا.. وما إن تابع تنفسها حتى تأكد من أنها تتدعي النوم كالعادة.. جلس فوق الفراش بجوارها ومد كفه يمسد خصلاتها برفق:
_ ايه يا حبيبتي هتفضلي نايمة كده كتير؟
فتحت عيناها ببطئ حين أدركت أنه قد كشف استيقاظها وقالت:
_ هعمل ايه يا بابي؟
أجابها والدها بدهشة:
_ تعملي ايه؟ هو مبقاش في حاجة في حياتك تعمليها؟! أنتِ بتعملي في نفسك كده ليه يا لليان؟

 

تنهدت زافرة بقوة قبل أن تعتدل لتكن في مواجهته بوجهها الذي بدى عليه الارهاق واضحًا:
_ بعمل في نفسي ايه بس؟ مانا كويسة اهو، كل الفكرة إن مفيش حاجة اعملها.. شغلي سيباه من زمان، ونانسي اتخانقت معاها، هعمل ايه بقى.. حضرتك عارف إن مفيش حد في حياتي اقابله ولا اخرج معاه.
طالعها بضيق من انهزامها المرئ:
_ الفكرة مش في الخروج.. أنتِ حتى مبتقعديش معايا يا لين، وسايبه نفسك للزعل والدكتور آخر مرة محذرك من ده مش كفاية إن الربو رجعلك تاني.. يابنتي حرام عليكِ أنا مليش غيرك، أنتِ لو جرالك حاجة أنا هموت فيها بجد.
أردفت سريعًا بضيق:
_ بعد الشر.. متقولش كده يا بابي.. بعدين انا مش زعلانة انا كويسة، هو بس مش في المود.
_مش في المود بقالك أربع شهور؟
تهدل كتفيها بحزن لم تستطع مداراته أكثر، وتلون وجهها بألوان اليأس وهي تقول:
_ حضرتك عارف إن الوضع الي أنا فيه مش سهل عليَّ.
– وايه الي جابرك على كدة؟ ليه العِند يا لين؟ يا حبيبتي أنتِ مش مرتاحة خلاص روحي لجوزك و…

 

قاطعته بضيق وهي تنظر له:
_ عشان يكون انتصر عليَّ وقدر أنه يلوي دراعي؟ أنا مبحبش الأسلوب ده.. مبحبش حد يغصب عليَّ عشان اعمل حاجة أنا مش عاوزاها، وهو اختار أكتر طريقة بكرهها، هو فاكر إني هموت من غيره واجري انفذ أوامره.
هز رأسه بيأس من تفكيرها وقال:
_ بس أنتِ فعلاً متأذية، وآه مش عارفة تعيشي من غيره، وده أنا شايفه بنفسي، هتستفادي ايه بقى بإنك تعندي..
أغرورقت عيناها بالدموع لتنظر بعيدًا عن أبيها وهي تقول:
_ أنا مش بعند يا بابي.. انا بس.. صعبان عليَّ أنه يكون رماني ورا ضهره ومشي من غير ما يهتم ولا يتراجع لحظة عن قراره، وأنا اروح اجري عليه.. حاسه إني هكون بهين كرامتي.. مش قادره أصدق إني هونت عليه كده، مكنتش اتوقع ييجي يوم ويبعد عني بالسهولة دي وكأنه محبنيش في يوم.
رد والدها بعلاقنية:
_ يا حبيبتي أنتِ بنفسك حكتيلي الي حصل يومها، يعني بعد ما قولتيله في ستين داهية أنتِ عاوزاه يفكر يرجعلك! ردك كان متسرع وغلط يا لليان، ويمكن ده الي عقد الوضع أكتر.
_مانا اتعصبت من أسلوبه وقتها، واتضايقت إنه فعلاً سايبني وماشي ومعرفتش أنا بقول ايه.
_ ومحدش مضطر يستحمل كلام زي السم يقوله حد تاني في وقت عصبية، خصوصًا إنك دايمًا كده في وقت عصبيتك بتقولي كلام ميُحتملش، كفاية إنك فعلاً عايرتيه بالي عملناه معاه في وقت عصبية برضو، وأي راجل مكانه كان لازم هياخد نفس ردة الفعل.. ومن غير ما اعرف باقي مشاكلكوا أنا متأكد أنها مش أول مرة تقولي كلام يجرحه.

 

نظرت لأبيها بأعينها الباكية تسأله:
_ هو أنتَ كمان يا بابي شايفني وحشة كده؟
نفى برأسه سريعًا وهو يمسد بكفه على رأسها:
_ أبدًا يا حبيبتي أنتِ عمرك ما هتكوني وحشة، أنتِ بريئة يا لليان وقلبك طيب وأنا أكتر حد عارف ده، بس في عندك عيوب ظهراكِ بشكل تاني غير الي جواكِ، عصبيتك دي أكتر حاجة بتأذي الي حواليكِ وهتخسرك الناس، أنتِ مش مدركة الي بتقوليه وقتها ممكن يدمر علاقتك بأي حد بسهولة.. غير إنك بتسمعي اوي لأي حد يقولك كلمة.. أنا بصراحة ما صدقت إنك اتخانقتي مع نانسي.. على الاقل يمكن تعرفي تفكري صح الفترة دي.
_ بصراحة اتضايقت من أسلوبها على بدر.. مهما كان يعني ده جوزي.. وكمان تخيل كانت بتقولي انزل البيبى.
قالتها وهي تحيط بطنها التي بدأت في البروز قليلاً دلالة على كونها في بداية الشهر الخامس من حملها المفاجئ، الذي لا تعرفه لِمَ في هذا الوقت؟ لقد ظلت لأربع سنوات تقريبًا متزوجة ولم تحمل مرة واحدة، وفجأة حين قارب زواجها على الانتهاء تُصدم بحملها الذي لم تعرف عنه شئ لثلاثة أسابيع كاملةً.. وحين علمت كان يوم أن أدار ظهره لها وذهب بلا رجعة، وبنفس اليوم حين ذهبت للمستشفى أدركت أنها قد عادت تعاني من مرض الربو مرة أخرى، وعلى مدار ثلاثة أشهر لم تكف “نانسي” عن بث السموم في عقلها حول الأمر، كانت تحثها على إخفاء خبر حملها عن زوجها بل والأدهى أنها ذات مرة اخبرتها أن تتخلص منه كي لا يكن ورقة ضغط عليها من زوجها حين يعلم بوجوده..
_ نانسي معذورة يا لليان، هي متقصدش تكرهك في جوزك ولا تخرب عليكِ.. بس يا بنتي دي واحدة معقدة من الرجالة، بعد الي جوزها وابوها عملوه، عشان كده دايمًا شايفه إن جوزك هيطلع زيهم.
أومأت برأسها مؤكدة كلام أبيها الذي أكمل:
_ بس برضو أنتِ مينفعش تسمعيلها، ولو غصب عنك بتسمعيلها وبتنفذي كلامها يبقى قطعان علاقتك بيها أحسن.
نظرت له تنفى تهمة دومًا ملتصقة بها:
_ لا مش بسمع.. أنا اهو مرضتش انزل البيبي.

 

_ بس مقولتيش لبدر على وجوده.
تنهدت بحزن وهي تبوح بما في قلبها:
_ انا مخبتش عنه.. انا كان نفسي يسأل عني ولو مرة، مش عاوزه احس ان رجوعنا لبعض أو سؤاله عني هيكون بسبب البيبي مش بسببي.. مش عاوزه احس أني مبقتش مهمة عنده للدرجادي.. بس الواضح أن دي الحقيقة يا بابي.
أنهت حديثها مجهشة في البكاء، لينظر لها والدها بقلة حيلة، وعقله يفكر هل يمكن للمرء أن يتحكم به عِناده وكبرياءه لهذه الدرجة التي تؤلمه؟ هل يمكن له أن يتحمل المعاناة فقط من أجل ألا ينحني أمام العاصفة؟
ربط على كتفها يهدئها وهو يقول:
_بصي يا حبيبتي.. خديها نصيحة مني، لو ملحقتيش نفسك أنتِ الي هتخسري يا لليان.
توقفت عن البكاء ودموعها مازالت تسيل على وجهها، تنظر لأبيها علّها تتبين نوع الخسارة التي يقصدها، لكن ملامحه بها شئ مبهم لم تفهمه.. لكنه أثار ريبتها!!
___________________
فتحت والدتها باب الغرفة تتطلع لها بعدم رضا قبل أن تردف:
_ مادام قاعدة مبتعمليش حاجة ما تطلعي تقعدي مع جوزك عيب كده!
حولت بصرها لوالدتها تحدجها بنظرات بدت قاسية، مختلفة تمامًا عن ملامحها التي لطالما كانت هادئة ومسالمة، احتدت نظراتها وهي تقول:
_ هو جاي يقعد معايا أنا ولا مع ابنه!
لامتها والدتها بنظراتها وهي تقول:
_ يعني عشان جاي يقعد مع ابنه متعبريهوش! يابنتي دي عاشر مرة ييجي ومتطلعيش تبصي في وشه، ده في بيتك عيب كده.

 

ألقت الهاتف من يدها بعنف فوق الفراش، ونهضت وهي تقف في مواجهة والدتها بتحدي:
_ عاوزاني اطلع.. حاضر هطلع، بس متزعليش من طريقتي.. عشان لو طلعت دلوقتي وشوفت وشه هطرده.
ضيقت والدتها حاجبيها بدهشة مرددة:
_أنتِ يابت أنتِ جبتِ قلة الأدب والبجاحة دي منين؟ تطرديه؟ أنا ربيتك تطردي حد في بيتك حتى لو كان بينكوا تار!
التوى فمها بابتسامة متهكمة غير مبالية:
_اهو ده الي عندي.. ها اطلع؟
هزت رأسها بيأس وهي تردف:
_ لا وعلى ايه خليكِ.
أنهت حديثها وخرجت مغلقة الباب خلفها بقوة، وعادت هي لتجلس فوق الفراش وتمسك بهاتفها مرة أخرى دون أدنى مبالاة… ظاهرية!!
التفت برأسه على خروج والدتها بلهفة علّه يراها تتبعها لكن احتل اليأس وجهه مرة أخرى فها هي كالعادة رفضت الخروج.
_ تشرب شاي يا يوسف؟
تسائلت بها والدتها تجاوزًا للموقف، لكنه لم يتجاوزه وهو يسألها بيأس:
_ برضو مرضيتش تطلع؟
هزت رأسها نافية وهي تتنهد بقلة حيلة:
_ لا، أنا عارفة بنتي يا يوسف.. صفية مادام قسيت محدش هيقدر يلين دماغها.. أي مشكله حصلت بينكوا قبل كده كانت بتزعل شوية والوضع بينتهي، مكانتش بتقدر تقسي عليك أنتَ بالذات.
التوى فمه بابتسامة بدت ساخرة:
_ بس قدرت دلوقتي.
أنهت والدتها الحديث في هذا الأمر وهي تقول:
_ الي حصل مكانش سهل.
أدرك رغبتها في عدم التطرق للأمر فالتفت لصغيره يحدثه قليلاً قبل أن تنتهي زيارته التي يكررها كل يومان تقريبًا لأكثر من أربعة أشهر الآن وقد استمر هذا الوضع الذي يرهقه وبشدة.
_____________

 

_ يوووه خلاص بقى يا عاصم.. والله الاكل هيتحرق وهيكون أنتَ السبب.
رددتها “ريهام” بضيق مصطنع اختلط بدلال مخفي وهي تحاول التخلص من قبضة عاصم لها..
اشتدت قبضته حول خصرها أكثر يجذبها له وهو يقول بأعين مغمضة:
_ يا ستي أكل ايه بس كبري.. نامي نامي ده أنا حتى حضني حلو اوي.
طالعته بعدم تصديق وهي تهتف:
_ اطفي عليه طيب!
فتح عيناه بضيق:
_يوووه يا ريهام هو مفيش لحظة صفا أو رومانسية بينا غير لما تفصليني كده!
_ والله إنك ظالم، مانا طول اليوم مبعملش حاجة غير إني معاك.. وبدلعك.
انتفض جالسًا حتى شهقت هي بخضة من انتفاضته، وعقب على حديثها بسخرية:
_ بتدلعيني؟ أنتِ لو فاكرة إنك بالي بتعمليه ده بتدلعيني يبقى أنتِ فاهمة الدلع غلط.
جلست تواجهه بضيق:
_ وايه بقى الدلع يا سي عاصم.
أشار لها بكفه:
_ بس اثبتِ على كده.. عارفه بقى لو قولتِ سي عاصم دي برقة أكتر ويا سلام لو مقرونة بالقميص الاحمر اياه و…
قاطعته ساخرةً:
_ مش عاوزني ارصلك الشيشة بالمرة؟
غمز لها بعيناه اليسرى وهو يقول:
_ طب ياريت.

 

_ ايه سنة ٨٠ الي أنتَ عايش فيها دي.. أنا قايمة اطفي على الأكل بلا هم..
– ٨٠؟ طب تعالي هنا بقى.
انهى حديثه وهو يجذبها له رغم رفضها الذي انتهى بضحكة عالية حين بدأ في شجار فكاهي معها انتهى بابحار جديد في بحر عشقهم..
عادت من ذكرياتها وهي تغلق مفتاح الغاز، وتمسح دمعة سارية على وجنتها ما إن سمعت صوته يهتف من أمام باب المطبخ.
_ هفضل ساعة كمان على ما الأكل يخلص! أنتِ مش عارفة إني باجي من الشغل جعان.
أجابته دون أن تلتفت:
_ الأكل جاهز.
استمعت لنبرته الجامدة تحدثها:
_ لما أكلمك تبصيلي مش تردي عليَّ وأنتِ مدياني ضهرك.
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تلتفت له وهي تقول بخفوت:
_ آسفة.
حدجها بنظرته القاسية التي لازمته مؤخرًا والتي لم ترد أن تلتفت وتنظر له كي لا ترى تلك النظرة التي تؤلم قلبها منهُ.. امتلئت عيناها بدموع أخرى ما إن تركها وخرج.. وفي هذه اللحظة رنَ في عقلها جملة واحدة قالها منذُ شهران تقريبًا..
” عمري ما هقدر اسامحك.. ولو في يوم سامحتك مش هقدر انسى الي عانيته بسببك، ولا هقدر أثق فيكِ تاني”
ومنذ تلك الجمله وقد انقلبت حياتهما لتصبح هي المذنبة التي تسعى لإصلاح ما أفسدته.. وهو الذي يتدلل في غضبه كيفما يشاء..
______________

 

كانت جالسة فوق فراشها بشرود تفكر في أشياء عدة ولا تعرف متى أخذها عقلها لتفكر فيما أتى على عقلها الآن..
شهقة عنيفة كادت تزهق روحها وهى تنظر للمشهد أمامها، تسمرت وكأنها تمثال نُحت على يد نحات بارع برع في أن يبين عليهِ حجم الكارثة الواقعة.. لدقائق لم تبدي أي ردة فعل وبعدها كانت أول ما خرج منها صرخة دوت في أرجاء الغرفة لينتفض على أثرها النائمان فوق الفراش براحة تنافر قبح الذنب الذي فعلوه..
انتفض ينظر لها بصمت تام ولم ينطق بحرفًا واحدًا.. فقط صدمة جلية تحتل وجهه.. والأخرى أخذت تلملم ثيابها المبعثرة بارتجاف وتوتر بالغ..
ودون انتباه للأثنان كانت تنسل من بينهما لتخرج من الشقة بأكملها.
عيناهما لم تنظر لشئ آخر.. فقط تمسكت عيناها بعيناه وكأنها تجلده بنظراتها..
انتفض من فوق الفراش ليقف في مواجهتها عاري الصدر وهي تمرر نظراتها عليهِ باشمئزاز لم يراه في مقلتيها من قبل..
_ ص.. صفية.
رددها بتلعثم محاولاً التحدث رغم عدم إيجاد كلمات يقولها.. لكنها لم تعطيه فرصة حتى وهي تقول بدموع متساقطة والاندهاش والصدمة لم تزول بعد:
_ للدرجادي! معقول أنت طلعت*** للدرجادي!
وكأنها استوعبت الأمر لتصرخ فيهِ وهي تضربه فيما تطوله يدها سواء كان جسده أو وجهه:
_ أنتَ ازاي كده؟ ازاي انخدعت فيك كده!.. ازاي قدرت تعمل كده وفي سريري! يا**** يا حقير.. أنتَ أحقر انسان أنا شوفته، أنتَ ****و…

 

وقبل أن تُكمل سبابها كانت يده تُطبع على وجهها وكأن كرامته لم تتحمل الصمت أكثر!!
رردت بأعين متسعة:
_ أنتَ كمان بتمد ايدك عليَّ..
كان هذا قبل أن تلتفت لتمسك بالمزهرية التي تجاورها وتصدم رأسه بها لتخرج منه صرخة متألمة مفاجأة قبل أن تنسدل الدماء من رأسه بغزارة..
____________
قررت فجأة أن تتخلى عن عِنادها وتعود لزوجها.. قررت أن ترحم نفسها أولاً قبل أي شخص وتفعل ما سيريحها.. ووالدها كان أكثر داعم لقرارها..
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تدق جرس الباب وقلبها ينبض بعنف.. لعدة أسباب، أولهم ماذا سيكون رد فعله حين يراها، وثانيهم ماذا سيكون ردة فعله حين يعلم بحملها.. وأهله الذي ستقابلهم للمرة الأولى منذُ سنوات..
فُتح الباب وهي تبتسم باضطراب لتختفي ابتسامتها ما إن أبصرت فتاة غريبه تراها لأول مرة تسألها:
_ مين حضرتك؟
قطبت حاجبيها باستغراب وهي تسألها:
_ حضرتك الي مين؟ هي مش دي شقة بدر؟
اومأت الفتاة:
_ ايوه… أنا..
_ لليان؟
التفت على صوته المتسائل الذى أتى من خلفها.. لتنظر له باضطراب وهي ترى نظرته المندهشة من وجودها.
اقترب منها بخطى بطيئة لا يصدق أنها أمامه.. ما الذي جاء بها الآن؟ لم يعد هناك ما يمكن فعله كي تعود علاقتهما مرة أخرى!
_ ازيك؟

 

هذا كل ما استطاعت أن تنطق بهِ وابتسامة مذُبذبه احتلت ثغرها..
_ أنتِ ايه الي جابك؟
سألها مباشرةً هكذا ولم يهتمها لدهشتها لردة فعله لتقول:
_ ايه يا بدر دي مقابلة! بعدين أنتَ مكنتش عاوزني أجي؟
وبنفس الجمود كان يردد:
_ جاية ليه يا لليان احنا مبقاش بينا حاجه..
فركت كفيها بتوتر وهي تردد:
_ أنا عارفة إني اتأخرت بس.. يعني أنا فكرت وحسيت إن..
_ هتتكلموا على الباب يا بدر ادخلوا جوه.
رددتها تلك الفتاة لتلتفت لها “لليان” تنظر لها بجهل لهويتها، قبل أن تعود بنظرها له تسأله:
_ هي مين دي؟
صمت لثواني قبل أن يهتف بجمود:
_ مراتي.
رمشت بأهدابها عدة مرات بعدم استيعاب للكلمة، لتهز رأسها متسائلة بعدم تصديق:
_ نعم؟ مين؟
وقبل أن يجيبها ثانيةً كان يصدح هاتفه برنين شخص ما، أخرج الهاتف ليجد اسم والدها يزين شاشته، تجاهله.. وهو ينظر لها مرددًا مرة أخرى:
_ زي ما سمعتِ مراتي.. ولا أنتِ فاكرة إني هعيش على الاطلال.. هفضل مستني سيادتك على ما تفكري تحني عليَّ وترجعي؟!

 

تعالى رنين هاتفه للمرة الثانية ليضطر للإجابة، وقبل أن ينطق كان والدها يردد بلهفة:
_ أنتَ فين يا بدر أنا فضلت اتصل عليك كتير تليفونك مكنش بيجمع شبكة.. لليان جيالك، اوعى تقولها حاجة.. لليان متعرفش إنك طلقتها من ٣ شهور.
لم يظهر أي تعبير على وجهه من صدمته لحديث والدها، كيف ليس لديها عِلم؟
_ يعني ايه؟
_ لليان أزمة الربو رجعتلها، غير إنها كان على وشك تدخل في اكتئاب مقدرتش أقولها حاجة.. وأنتَ مدتنيش فرصة أوصلك أو أفهمك الوضع…هي دلوقتي راجعة ليك وناوية تعيش معاك زي ما طلبت.
اهتاج منفعلاً وهو يتحرك بهاتفه مبتعدًا قليلاً:
_ ازاي يعني؟ تعيش معايا ازاي؟
_ هي لسه في العدة.
هتف وعقله يكاد يشت:
_ عدة ايه؟ دي خلصت من..
_ مخلصتش يا بدر.. لليان حامل.
التفت كمن لدغه عقرب ينظر تجاهها بفاهٍ فاغر، وحين دقق النظر لبطنها وجد بروز يكاد يرى لارتداءها كنزة واسعة.. وجدها تقترب منهُ، فأغلق المكالمة لتقف أمامه تسأله بأعين دامعة وعقلها لم يصدق الأمر بعد:
_ أنتَ اتجوزت عليَّ يا بدر؟ أنتَ فعلاً عملت كده؟؟
وقف أمامها صامتًا لا يعرف بما يجيب، لتجهش هي في البكاء وهي تعيد سؤالها:

 

_ أنتَ اتجوزت؟ لا صح.. أنتَ بتضحك عليَّ اكيد، أنت بتحبني ومتقدرش تتجوز غيري..
أحاطت بطنها بيدها ليظهر بروز بطنها واضحًا الآن، ورددت ببكاء وبدت أنها على وشك الانهيار:
_ أنا حامل.. مينفعش تعمل كده.. مينفعش تنهي حياتنا بالشكل ده.
ازداد تنفسه وهو يرفع عينه من على بطنها ليطالع وجهها وهو يقول بحدة:
_ ولسه فاكرة تعرفيني بوجوده؟.. لا عملتها يا لليان.. زي ما أنتِ عملتِ حاجات كتير مكنتش اتوقعها أخرهم إنك تخبي عليَّ وجود ابني.. اتجوزت عليكِ عشان تعبت من المعافرة معاكِ.. من حقي استريح.
هزت رأسها بعنف وهي تبكي بعدم تصديق، عادت بنظرها للفتاة الواقفة تحدقها بنظرات كارهه، قبل أن تلتفت له لتهز ذراعه بيدها وهي تسأله صارخًة بهِ:
_ دي الي هتريحك؟ أنا قاعدة كل ده بفكر فيك وفي الآخر تطلع متجوز وعايش حياتك.. دي الي مش هتبقى زيي؟
صرخت بالأخيرة وهي تدفعه للخلف، ولم يبدو على وجهه أي تأثر لِمَ يحدث سوى الجمود التام وهو يشيح بوجهه بعيدًا عنها..
_ ايه الي بيحصل ده؟ في ايه؟
رددتها والدته باستغراب وهي تطالع المشهد أمامها.. ولكنها انتبهت لإحمرار وجه لليان بشكل غير طبيعي وارتفع صدرها بقوة.. ورغم أنها لم تحب هذه الفتاة يومًا لكن انتابها القلق حقًا حيالها بالأخص حين استمعت لجملتها حين قالت بأنها تحمل حفيدها.

 

اتجهت ناحيتها لتمسك بذراعها وهي تسألها بقلق:
_ اهدي..مالك أنتِ تعبانة؟
انتبه لحديث والدته وتذكر ما أخبره بهِ والدها فنظر لها بلهفة وقلق ليهاله ما يراه على وجهها فاتجه لها سريعًا متناسيًا كل شئ.. وأمسك ذراعها يسألها برفق:
_ لليان مالك أنتِ كويسة؟
حاولت تخليص ذراعها من قبضته لكنها لم تستطع وهي تشعر أنه لم يعد هناك نفسًا واحدًا في صدرها فوجدت نفسها تلهث بقوة وجسدها يتراخى بين قبضته هو ووالدته…

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لولا التتيم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى