روايات

رواية في هواها متيم الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم سماح نجيب

رواية في هواها متيم الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم سماح نجيب

رواية في هواها متيم الجزء الحادي والعشرون

رواية في هواها متيم البارت الحادي والعشرون

رواية في هواها متيم الحلقة الحادية والعشرون

قال الإمام أحمد: “الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب.. لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين.. وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه”
٢١-” كذبة ساحرة”
تعالت وتيرة أنفاسه ، وراح صدره يعلو ويهبط لا يصدق أنه سمع منها كلمة كتلك ، فهى تستجديه بالبقاء بل لا تريده أن يبتعد ،تتخذ منه حصناً آمناً فهذا ما كان يريد سماعه منها ، إلتفت برأسه لها ونظر إليها ، وجدها تطالعه بخضراوتيها بشئ من الخوف ، كطفلة تائهة لا تعرف السبيل إلى النجاة
فما كان منه سوى أن حاول يبث بنفسها الأمان وهو يقول :
– متخافيش يا حبيبتى أنا معاكى
لم تبدى إعتراضاً على قوله تلك الكلمة ، بل ضمنها مزيداً من الأمان ، الذى يريدها أن تشعر به ، فأماءت برأسها مراراً وهى تقول:
– ماشى يا رفيق
بدأ الخجل يزحف لوجنتيها ، فتركت قميصه ببطئ ، وأشار لها بالجلوس ، فأمتنت لعرضه فهى تشعر بأن قدميها غير قادرتان على حملها ، جلست وجلس هو بجانبها بل أنه أسر يدها بين كفه وتشابكت أصابعهما سوياً
ورفع رأسه يشير لفاروق وإلهام قائلاً:
– أتفضلوا أقعدوا أنتوا واقفين ليه
على مضض جلس فاروق على أحد المقاعد وجلست إلهام بالمقعد المجاور له ، فصمتا ولم يبدو أن أحداً منهما سينوى الحديث
فزفر رفيق قائلاً بهدوء :
– خير أنتوا كنتوا عايزين تطمنوا على ليان وباسم مش كده أظن كده أنتوا أطمنتوا وعرفتوا أنهم هنا فى أمان وكويسين
شبك فاروق يديه ببعضهما البعض قائلاً:
– واضح أوى أنهم كويسين وأنك عملتلهم غسيل مخ بسرعة أوى
خرجت ليان عن صمتها وهى تقول بصياح :
– يعنى ايه عملنا غسيل مخ إحنا هنا عايشين كويس وأنا مبسوطة مع جوزى وبحبه كمان
أثلجت صدره بقولها ، حتى و إن كان يعلم أنها لم تقول ذلك ، إلا حفاظاً على صورتها أمامهما ، ولكن لايهم يكفى أنه سمع منها كلمة الحب حتى وإن كانت لا تقصدها
نهضت إلهام وهى تقول :
– يلا بينا يا فاروق أدينا أطمنا عليهم ربنا يسعدك يا حبيبتى
بدون أن تحاول توديع إبنتها مثلما فعلت عند مجيئها ، كانت تسرع الخطى نحو باب المنزل ، فنهض فاروق هو الاخر ولكنه لم ينسى أن يلقى نظرة كارهة لرفيق ، ويتوعد له بداخله من أنه لن يتركه يهنأ بالحصول عليها
بعد رحيلهما ، صعد رفيق لغرفته وكفه قابضاً على يد ليان ، فهو أصدر قراره من قبل أنها ستمكث معه بالغرفة الخاصة به ، ولكن بمجئ والدتها وزوجها نسيت أن تناقشه بقراره هذا فهى غير مستعدة للإقامة معه بمكان خاص بهما ، على الأقل ليس الآن ، ولكن يبدو عليه أن لديه التصميم الكامل لتنفيذ ما قاله أو بالأصح ما آمر به
فوقفت بوسط الغرفة تضم ذراعيها أمام صدرها ، محاولة منها أن توقف إرتجاف جسدها ، خاصة بعد رؤيتها لذلك الفراش الواسع والوثير الخاص به ، فهى لم تنسى نظرته عندما طلب من والدته أن تجعل الخادمة تقوم بنقل أغراضها إلى غرفته ، فنظرته كانت نظرة تهديد فهى اذا عارضت كلامه ستنال منه عقابا شديداً فاضطرت أن ترضخ لحديثه وان تذهب معه
يعلم ما تشعر به الآن ، ولكنه لم يلق بالا لما تفعله ، فهو فى غرفة الثياب يقوم بتبديل ثيابه ليأدى صلاته ويذهب للنوم فغدا لديه مهام كثيرة بالشركة انتظرته حتى انتهى من صلاته ولكن قبل ذهابه الى فراشه استوقفته قائلة بصوت مرتجف :
–:” ممكن اعرف ليه انت عايز تخلينى اقعد معاك فى اوضة واحدة انت عارف أن جوازنا جواز على الورق علشان تبقى واصى عليا وده الكلام اللى تيتة الله يرحمها قالتهولى”
رد رفيق قائلاً بهدوء:
–:” عارف كل الكلام ده”
خفضت وجهها أرضاً وقالت:
–:” طالما الموضوع كده ليه بقى اقعد معاك فى اوضة واحدة أنا كان ممكن اقعد مع رهف فى اوضتها”
جلس رفيق على حافة الفراش وهو يقول:
–” رهف للاسف سريرها مش كبير مش هتعرفى تنامى جمبها كويس وأكيد أنتى تعبتى من النومة الغير مريحة دى”
أزدردت لعابها قائلة بخجل:
–:” هاتلى سرير وحطهولى فى أوضة رهف وكده تتحل المشكلة”
رد رفيق قائلاً بنفاذ صبر:
–:” مش هجيبلك حاجة ، ولو مش عايزة تنامى هنا روحى نامى فى الجنينة يا ليان ومتوجعيش دماغى بقى عايز أنام ورايا شغل الصبح”
–:” انت بارد اوى يا دكتور رفيق”
قالتها ليان فجأة ، فوضعت يدها على فمها ، فما تلك الرعونة التى تحدثت بها ، ولكن لسانها لم يعتاد بعد على أن يقول أكثر الكلمات لطفاً له ، بل مازال معتاداً على الهجوم ، ولكنها حقاً لا تريد أن تتشاجر معه خاصة الآن
إلتوى ثغره بإبتسامة ساخرة وهو يقول:
–:” مقولتيش حاجة جديدة تصبحى على خير بقى وبطلى دوشة”
كزت ليان على أسنانها وقالت:
– :” طب انام انا فين دلوقتى ها”
رد رفيق قائلاً ببرود :
–:” فى المكان اللى يريحك تصبحى على خير”
تمدد على فراشه منهياً حديثه معها ، فهو يعلم انها لن تكون مهمة سهلة ، أن يراها أمامه وأن تشاركه غرفته او ربما تشاركه الفراش أيضاً ، ولكن منذ أن علم أنها كانت تحب ذلك الشاب المدعو ماجد ، وكأن قلبه انطفأت به تلك الجذوة ، التى اشتعلت مؤخراً ، فحتى لو كان قلبه مازال يخفق ، لابد من ان يميته ، مثلما أماته سابقًا ، فربما هذا قدره وهذه ستكون حياته ، حتى تنتهى أيامه بتلك الدنيا ، التى لازمه بها قلة الحظ من الحب والعشق
فمسكين هذا القلب ، الذى كلما نبض من أجل انثى ، تكون هى الأنثى الخاطئة ، فيكفينى جراحاً أيها القلب ، فلترحمنى ولتعد لسباتك الثلجى مرة أخرى ، فأنت ستخفق فقط من أجل أن تجعلنى على قيد الحياة ، كأنه يصدر أوامره التى يريد ان ينصاع لها هذا القلب ، الذى بدأ يعلن تمرده عليه منذ أن رأى تلك الفتاة التى أصبحت تسمى…زوجته
ظلت تدور حول نفسها ، تحاول ايجاد اى مكان لتنام به وجدت أريكة بالغرفة ، ولكنها لن تكون مريحة ، فماذا تفعل هى الآن ؟ فهى تشعر بارهاق شديد ، وتريد ان تنام ، وجدت غطاء خفيف ، سحبته تدثر نفسها به ، فى هذا الليل البارد ، ظلت تنظر اليه وهى تراه يتقلب بفراشه ، بينما هى تنام على تلك الأريكة ، التى اذا حاولت ان تغير من وضع نومها ستسقط ارضاً ، شعرت بثقل أجفانها ، فأغمضت عينيها وذهبت بسبات عميق
ظل رفيق ينظر اليها بعد أن غفت ، وكأنه يزيد من احساسه بخيبة أمله في حبه ، فرأها على وشك السقوط ، هب سريعاً من مكانه ، ووصل اليها قبل أن تقع على الأرض ، فتلقاها بين ذراعيه ، وبالرغم من ذلك لم تفيق من نومها
وجودها بين يديه اشعل لهيباً فى قلبه ، فوجد نفسه يبتعد سريعاً ، بعد أن وضعها على الأريكة مرة اخرى ، وكأن شئ خفى قد لدغه ، جعله يبتعد عنها ، فربما أيامه القادمة ، ستشهد جحيماً لم يمر به فى حياته ، التى قضاها فى شقاء سواء بدنى او نفسى
______________
جاءت سارة للشركة مبكراً اليوم ، فهى أرادت إنهاء كتابة إستقالتها قبل مجيئه ، فهى ستقدمها لرفيق وستغادر الشركة قبل أن يأتى ، فهى لا تريد أن تزيد من شعورها بأنها فعلت شئ خاطئ وأنها تركت قلبها يميل لرجل ليس حراً ، فجلست على المقعد خلف مكتبها وسحبت ورقة بيضاء ، خطت عليها كلمات الإستقالة ، وبعد إنتهاءها خرجت من غرفة مكتبها وأتجهت صوب غرفة مكتب رفيق
طرق الباب عدة طرقات وأذن رفيق للطارق بالدخول ، فولجت الغرفة بإستحياء ، وتقدمت من مكتبه قائلة :
– صباح الخير يا مستر رفيق كنت عايزة حضرتك توافقلى على طلب الإستقالة ده
مدت يدها بالورقة ، فأخذها رفيق وهو مقطب الجبين من قرارها المفاجئ ، فتطلع إليها بحيرة:
– وليه عايزة تقدمى إستقالتك يا باشمهندسة سارة هو الشغل هنا فى مشكلة
أسرعت سارة بتحريك رأسها سلبها وهى تقول :
– لا والله ابدا بس علشان المسافة من بيتى لهنا بعيدة جدا وكمان والدتى محتاجة أن أكون جمبها علشان تعبانة فأنا قررت أن اشوف شركة تكون قريبة من البيت علشان هى مالهاش غيرى ياخد باله منها
يعلم أنها تكذب بشأن تلك الأسباب ، التى تريد من أجلها ترك العمل هنا ، فهو علم من أكمل بشأن إنجاذبه لها ، وربما هى الأخرى حالها لا يفرق عنه ، لذلك قررت الابتعاد
زفر رفيق بتيه من أن الأمر صعب إصدار حكم به يرضى جميع الأطراف ، ولكن ربما هذا أفضل ، فأخذ الورقة وخط إسمه بطرفها
فرفع رأسه لها وتبسم بدون مرح :
– تمام يا أنسة سارة ربنا يوفقك
بادلته سارة الابتسام ، بإبتسامة تحمل بين طياتها الألم ، فخرجت بعد ذلك من غرفة مكتبه ، بل من الشركة بأكملها ، فقبل الإبتعاد إلتفتت تنظر للمبنى نظرة أخيرة ، قبل أن تشير لعربة أجرة لتعيدها للمنزل ، فهذا هو القرار الصائب بالوقت الحالى
وصلت سيارة الأجرة أمام البناية السكنية ، التى تقطن بها ، دفعت ما عليها من أجرة ، وترجلت من السيارة ، صعدت الدرج تشعر بأن المسافة من الدور الأول للسطح طويلة جداً ، ففكرت بشأن أن يتركا تلك البناية ، وتبحث عن مكان اخر لتعيش به هى ووالدتها
وصلت للغرفة وهى تلتقط أنفاسها ، كمن كانت تركض بسباق ، وجدت والدتها تجلس أمام الغرفة ، فتركت مكانها وأقتربت منها وهى تقول :
– سارة إيه اللى رجعك كده من الشغل بدرى
ردت سارة قائلة:
– أصل قدمت إستقالتى يا ماما من الشركة وهشوف مكان تانى أشتغل فيه
دبت والدتها صدرها وهى تقول:
– يالهوى ليه يا بنتى كده دا انتى كنتى بتقولى أنها شركة كويسة وكان مرتبك كويس
حاولت سارة الابتسام وهى تمسد على ذراعيها لتطمأنها :
– هو نصيبى فى الشغل أنتهى لحد كده يا ماما ومتقلقيش إن شاء الله هلاقى شغل تانى وقريب منك علشان أعرف أراعيكى أنتى مريضة ومحتاجة حد ياخد باله منك أنا هدخل أرتاح شوية علشان أبقى انزل أدور على شغل تانى
أنهت سارة حديثها مع والدتها وولجت للداخل ، ومازالت والدتها تفكر فيما قالته من أسباب رآت أنها غير مقنعة ، فربما إبنتها تواجه مشكلة وهى لا تعلم ، فلتتركها الآن على أن تتحدث معها لاحقاً
أرتمت سارة على الفراش وهى تفكر فى صحة قرارها ، الذى أخذته اليوم ، فهذا أفضل للجميع ، عوضاً عن تصبح الأمور أكثر تأزماً ، فهى ستحاول أن تنسى تلك المشاعر ، التى شعرت بها بغير محلها ، فهو ليس حراً ولن يكون ، فهى لم تفكر مطلقاً بتخريب حياته ، فهى عندما بدأت تشعر نحوه بإنجذاب ، لم تكن تعلم أنه زوج وأب أيضاً
________________
ذلك الشعور الناجم عن غيرتها منذ علمها بأن ربما هناك شئ خفى بين رفيق وليلى ، جعلها لا تحسن التفكير أو أن تعى على ما يحدث ، فهى تقضى أوقاتها بتحليل تلك العواطف الجديدة التى بدأت تطرأ عليها ولا تخلو من الخطورة ، فأن يجعلها رفيق تشعر بأن ما كانت تكنه لماجد لم يخرج من نطاق حب طفولة ساذج وبرئ وأن أحلامها الوردية البريئة باتت الآن تحمل طابع الجرأة والطمع بحبه ، لهو بالأمر الذى يستحق التفكير ، حتى أنها باتت لو أن يتخلى رفيق عن بروده ولا يضع إعتباراً لأى شئ أخر سوى أن يجعلها تشعر به وبحبه لها ، فما زال تصريحه لها بالحب ، يجلدها بسياط الندم والغباء ، على أنها أنهت الأمر بإتهام سخيف من كونه يفتعل ذلك الحب
فتحت رهف عين وأغلقت الاخرى ، تنظر إليها كأنها لا تصدق مايحدث بالأونة الأخيرة ، وأن ليان أصبحت حقاً زوجة أخيها ، فهى كانت تعلم بشأن أنها تحب شخص اخر
فرفعت ليان شفتها العليا وهى تقول:
–:” مالك يا أختى بتبصيلى بعين ونص ليه كده”
ضحكت رهف وقالت :
–:” مزبهلة من اللى بيحصل انا فى قمة الازبهلال”
قطبت ليان حاجبيها وهى تقول:
–:” لاء متزبهليش أنتى أساساً كنتى كل الوقت ده بتخمينى وبتضحكى عليا وهو اخوكى وأنا مغفلة ومااخدتش بالى من إسمك وإسمه”
قبلتها رهف على وجنتها وهى تقول:
–:” اصل حبيتك جدا والله وخفت اقولك تاخدى منى موقف وترفضى تصاحبينى بس الصراحة دى اجمد مفاجأة حصلت اجمد من الجمودية نفسها ”
وكزتها ليان بكتفها قائلة بتفكه :
–:” تعرفى تسكتى يارهف بكلامك ده اللى بيودينى فى داهية وبيضحكنى”
تبسمت رهف قائلة :
–:” المهم نورتى البيت أنتى وباسم هو فين صحيح وأنتى سبتينى أنام لوحدى ليه ”
إصطبغ وجه ليان بلون قانى وهى ترد قائلة:
–:” باين عليه قاعد مع مامتك تحت ثم أخوكى هو اللى أصر أروح أقعد معاه فى أوضته”
حاولت رهف تغيير دفة الحديث حتى لا تزيد من شعورها بالخجل ، فقالت متفكهة كعادتها :
–” تعالى ننزل لهم تحت زمان ابيه رفيق ومالك راجعين من الشغل يلا بينا بقى انزل اعمل هجوم وسطو مثلث على التلاجة”
نظرت لها ليان وتساءلت :
–:” هم اخواتك بيشتغلوا فين مش رفيق بيشتغل دكتور فى الجامعة بس”
حركت رهف رأسها برفض وهى تقول:
–:” لاء مبيشتغلش فى الجامعة بس ابيه رفيق هو وصاحبه فاتحين شركة والحمد لله شغالة كويس بيشتروا أراضى وبيبنوا عمارات ومالك هو المهندس المعمارى اللى بيعمل تصميمات المبانى شوفتى اخواتى عسلات إزاى يلا بينا بقى علشان جعت وشنطتى شطبت على كل اللى فيها على ما أروح أملاها من السوبر ماركت
قهقهت ليان على قولها وهى تقول :
–:” انتى مفجوعة كده ليه يا رهف يا ستير يارب”
أغمضت رهف عيناها وقالت بهيام :
–:” الاكل بالنسبة ليا اسلوب حياة فى بينى وبينه عشق لا ينتهى ”
ابتسمت ليان على قولها ، ولكنها تذكرت أيضاً ذلك الرجل الذى يبدو عليه كأنه خلق من فلاذ ، و لايمكن اى شئ يؤثر به ، حتى كلماتها التى تعلم هى انها كلمات واهية تتسلح بها لتدارى ضعفها كحواء تنشد الأمان من آدم
أثناء مرورها من أمام تلك المنضدة ببهو المنزل ، وجدت عنوان تصدر الصفحة الأولى من الجريدة لفت إنتباهها ،فأخدت الجريدة تحدق بتلك الصورة لذلك الشاب ، والذى لم يكن سوى ذلك الشاب من بلدتها والذى يدعى ” بكر”
قرأت الخبر بنبرة شابها الصدمة وهى تقول :
– مقتل شاب أثناء مداهمة الشرطة لوكر لبيع المخدرات وأسفرت النتائج أن الشاب يدعى بكر المرسى وهو من قرية ريفية كان يعمل بالأونة الأخيرة بتجارة المخدرات
رفعت رأسها بعدما أنتهت من قراءة الخبر ، ولكنها شعرت بشعور طفيف من الحزن ، على أن مصير ذلك الشاب العابث هو الموت قتلاً
قبل أن تسألها رهف عن من يكون هذا الشاب ، دلف رفيق إلى المنزل يتبعه مالك ، فألقت الجريدة من يدها ، فحاول رفيق أن لا ينظر اليها ، فقام بالقاء تحية سريعة عليهم ، ثم ذهب لتبديل ثيابه قبل تناول العشاء
هبط الدرج وجلس على رأس المائدة يتابع الحوار بين أسرته ، فوالدته تشمل باسم برعايتها ، كأنه طفل صغير بحاجة للعطف والحنان
فوضعت له الطعام بطبقه وهى تقول:
–:” كل ياباسم انت مكسوف يا حبيبى”
رد باسم قائلاً بخجل:
–:” لاء حضرتك أنا باكل أهو ”
تبسمت له منى قائلة :
–” متقوليش حضرتك قولى ماما منى يا باسم أنت وليان”
أماء باسم برأسه قائلاً:
–:” حاضر يا ماما منى”
أراد مالك المزاح مع زوجة شقيقه ، فنظر إليها قائلاً:
–:” منورة يا ليان نورك غطى على الكهربا والله ”
شعرت ليان بالخجل من قوله ، فردت قائلة:
– :” شكراً يا باشمهندس مالك”
إبتلعت رهف الطعام العالق بجوفها ومن ثم قالت:
–:” بصى يا ليان انا ومالك بنحب الهزار جدا بالمعنى الصريح كده احنا نجيب الشلل فاحسنلك تاخدى على الجو بسرعة وانت ياباسم فك كده متبقاش زى اختك نكدى”
ردت ليان بسرعة قائلة :
–:” لمى نفسك احسنلك يا رهف ماشى”
قالت رهف بغرور مصطنع :
–:” ولا تقدرى تعملى حاجة أنتى هنا على أرضى ”
زفر رفيق قائلاً بهدوء:
–:” أظن الأكل له احترامه ياريت تاكلوا وانتوا ساكتين”
ردت والدته قائلة :
–:” سيبهم يا رفيق دمهم عسل الاتنين”
نظرت له ليان بطرف عينيها ، وحولت بصرها لوجه والدته وهى تقول:
–:” شكرا يا ماما منى أنتى احلى ماما علشان خلفتى رهف”
تصنع مالك العبوس وهو يقول:
–:” طب والحزين اللى زيى ملوش كلمتين حلوين”
تبسمت ليان وقالت:
–:” وعلشان خلفتى مالك كمان”
دب مالك على صدره بهدوء وهو يقول متفكهاً :
–:” الله يكرم اصلك شكراً على ثقتك الغالية دى”
أفلتت منها ابتسامة عريضة ، أصابت قلبه برجفة قوية ، فأغمض عينيه بتعب ، وأطلق نهدة حارة سمعها كل الحاضرين ، فنظروا اليه وتعجب هو علام ينظرون
فزوى ما بين حاجبيه قائلاً:
–:” انتوا بتبصولى كده ليه يا جماعة فى حاجة ولا ايه”
نظرت والدته له قائلة بإهتمام :
–:” انت تعبان ولا ايه يا حبيبى ساكت ومبتتكلمش زى عوايدك وكمان اتنهدت كده جامد زى ما يكون فى حاجة تعباك”
نظر رفيق لطبقه ، حتى لا يتمكن أحد من قراءة ما كتب على وجهه بوضوح ، فرد قائلاً:
–:” مفيش بس كان فى شغل كتير النهاردة فأنا حاسس أن أنا مرهق شوية عن اذنكم”
هب واقفا قاصداً حديقة المنزل ، فهو يريد أن يجلس بمفرده ، لعل الهدوء يريحه ولو قليلاً ، من تلك العواصف التى تعصف بقلبه ،و تقلب حياته رأساً على عقب
______________
تدور حول نفسها بغرفتها ، فهى لم تهتدى بعد لحل يمكنها من التقرب منه ، فحتى إصرارها بالتقرب من عائلته ، لم تأتى بالنتائج المرجوة ، لم تخرج من دوامة أفكارها إلا على طرق الخادمة لباب الغرفة
فنظرت ليلى تجاه الباب وهى تقول:
– أيوة فى إيه
– حضرتك فى واحد تحت بيقول أنه جوز حضرتك
قالتها الخادمة بأدب ، فى إنتظار قولها
فأنتفضت ليلى من مكانها وهى تقول:
– جوزى ده إيه كمان
أرتجفت الخادمة من صوت صيحتها ، فوجدتها تسرع بخطواتها للدور السفلى ، هبطت ليلى الدرج والشياطين بأثرها ، فوجدت ما يدعى زوجها أو إذا صح القول طليقها
فأقتربت منه بخطاها وملامحها الغاضبة فصرخت بوجهه قائلة :
– أنت ايه اللى جابك هنا إحنا مش خلاص أتطلقنا وكل واحد راح لحاله
تبسم ذلك الرجل ووضع يده بجيبه قائلاً بتسلية :
– طلقتك وجاى علشان نرجع لبعض تانى فيها إيه يعنى يا حبيبتى أكتشفت أن مقدرش أعيش من غيرك يا ليلتى
فغرت ليلى فاها بعد سماع ما قاله ، فأرتدت بخطواتها للخلف وهى تتلعثم قائلة :
– نرجع لبعض تانى ! ومين قالك إن أنا عايزة أرجعلك أنا مصدقت خلصت منك
بثلاث خطوات قطع المسافة بينهما ، فنأت بجسدها عنه ، قبل أن يمد يده ويقبض على ذراعها ، فإبتسم على فعلتها وقال :
– ما قولتلك أنا مقدرتش أعيش من غيرك ، فإيه رأيك بقى تطلعى تجيبى شنطتك وتخلينا نروح للمأذون نتجوز تانى ونروح بيتنا
– لاء مش هاجى معاك
قالتها ليلى بإحتجاج صريح
فما كان منه سوى أن أقترب أكثر ، حتى لم يعد لديها مهرب منه ، فهو يعلم سبب رفضها القاطع ولكن يعلم أن قلبه لايريد غيرها ، فعندما وقع الطلاق بينهما ، ظنت أنها نالت حريتها منه ، ولكنه فعل ذلك ليجعلها تكف عن المشاجرات التى كانت تفتعلها معه ، لتجعل صبره ينفذ ويمنحها الطلاق ، فهو يعلم كيف يجعلها تعود إليه منصاعة ، فبتلك السنوات التى كانت بها زوجة له ، علم طباعها جيداً ،وعلم أيضاً كيف يجعلها تتخلى عن جمودها وصلابتها
فمد يده بداخل سترته وأخرج منها بعض الأوراق وهو يقول :
– حتى لو قولتلك أن أنا موافق نفتح فرع لشركة الأزياء فى دبى وأنتى اللى هتبقى مشرفة عليه هناك واشتريتلك هناك البيت اللى كان نفسك فيه
بدأ تاثير حديثه على وجهها ، فإبتسمت ببطئ قائلة :
– وإيه اللى خلاك تغير رأيك وتعمل ده كله ما أنت كنت رافض وأتخانقنا بسبب الموضوع ده وأنت طلقتنى
أقترب من وجهها هامساً :
– الصراحة يا ليلى أنتى اللى زودتيها بقيتى عايشة على الخناق بينا وأى حاجة تقوليلى طلقنى وكل بنى أدم وله طاقة بس صدقينى إحنا الاتنين مننفعش إلا لبعض ونقدر نفهم بعضنا كويس فعلشان كده عايز نرجع لبعض قولتى إيه
رفعت ليلى يديها ووضعت شعرها خلف أذنيها وهى تقول:
– أوك موافقة بس البيت اللى هتشتريه فى دبى هيتكتب بإسمى ، بس كمان فى عرض للأتيليه بتاعى هنا على ما أخلصه تكون أنت خلصت كل حاجة فى دبى ونسافر على طول إيه رأيك
أماء برأسه بهدوء ، يعلن موافقته على كل مطالبها ، فهمس بأذنها قائلاً :
– طب يلا روحى هاتى شنطتك علشان نرجع بيتنا هو البيت ده كنتى شرياه ولا مأجراه
ردت ليلى قائلة :
– لاء كنت مأجراه وإيجاره هيخلص على أول الشهر
– خلاص مش مهم ، أبقى بلغى صاحبه انك خلاص ماشية وأدى الخدامة مرتبها ويلا خلينا نمشى
أنهى حديثه ، فأسرعت بتنفيذ ما قاله ، فهو سيحقق لها ما أرادت من أحلام بأن تمتلك منزلاً وعملاً بالمكان الذى رغبت به ، فهى حتى لم تفكر مطلقاً بأمر رفيق وتصريحها له بأنها كانت ماتزال تحبه ، فها هى تقوم بلملمة أغراضها لتعود لمنزل زوجها ، بعدما أعطاها وعداً بتنفيذ مطالبها ، فهى إمرأة متطلبة وتريد تنفيذ أحلامها بأى طريقة ممكنة
________________
بعد مرور بعض الوقت ،ذهب كل منهم إلى غرفته ، ولجت ليان الغرفة بتوتر ، فماذا تفعل هى الآن؟ فهى ايضا تريد النعاس، فأين ستنام فلا يوجد فى الغرفة شئ يغرى بالنوم عليه ، فنومها على الأريكة أصاب جسدها بالتيبس فى مفاصلها ، ففكرت أين ستنام الآن ، الا اذا كانت ستنام على الأرض
وجدت نفسها تذهب بجوار الفراش تسحب وسادة ، وتسحب أيضاً الغطاء الذى يتدثر به ، فوجدته يهب جالساً على الفراش ينظر اليها بنظرة استياء قابلتها هى بنظرة باردة
فصاح بها قائلاً :
–:” ايه اللى انتى عملتيه ده بتسحبى الغطا من عليا ليه”
ردت ليان قائلة ببرود:
–:” ليه عايزنى أنام على الأرض من غير غطا علشان يجيلى برد”
زفر رفيق من أنفه قائلاً بغضب:
–:” وتنامى على الأرض ليه اصلا ما تنامى على السرير ، ايه مش عاجب سعادتك يعنى انك تنامى جمبى ”
إبتلعت ليان لعابها قائلة:
–:” عايزنى انام جمبك ، متعودتش انام انا جمب حد غريب ”
رفع رفيق حاجبه الأيسر قائلاً بسخرية:
–:” انا مش غريب على فكرة انا جوزك ولا أنتى حابة تعملى شغل العيال بتاعك ده يا تافهة”
هل نعتها بصفة التفاهة الآن ، هل مازال لديه رصيد لا ينتهى من الاهانات ، التى تصيبها فتجعلها راغبة فى الثأر منه
فرفعت يدها تشير لنفسها وهى تقول:
–:” بتقولى انا يا تافهة بتقولى انا الكلام ده”
–:” اوعى يكون عقلك مصورلك انك ممكن تقلى ادبك عليا واسكتلك او اسيبك تتمادى فى كلامك وتصرفاتك تؤتؤ لاء يا حلوة انتى بتحلمى انا عندى استعداد اكون كابوس من كوابيسك لو فضلتى بقلة ادبك ومحترمتيش نفسك هتبقى مؤدبة خير وبركة وربنا يعدى الايام دى بخير هتقلى ادبك يبقى متلوميش الا نفسك لأن انا بصبر وبستحمل زى الجمل كده بس اول لما بيقلب بيقلب صاحبه فهمتى يا ليان وخليكى فاكرة كلامى ده كويس وخلى مقولة اتق شر الحليم إذا غضب دى فى عقلك على طول قبل ما تتصرفى تصرف ميعجبنيش”
أنهى رفيق حديثه والتقط أنفاسه ، فهو يشعر بأن أعصابه على وشك الإنفجار ، فكأن كل الاحداث التى مر بها بالأونة الاخيرة ، جعلته يفقد صوابه ، فهو يعلم انها لم تفعل شيئاً الآن يستحق اللوم منه ، ولكن يأسه من الحصول على حبها ، جعله يريد أن يساهم بفكرة رحيلها من المنزل ، فربما يهنأ عيشه بعد ذلك
ردت ليان قائلة بإنفعال وعيناها على وشك البكاء :
–:” تصدق انا خوفت من كلامك ، انا خوفت اهو خلاص ولا عايزنى أعمل ايه”
عناد وتمرد ، جمال يأسر الحواس ، لسان سليط وروح ثائرة ، حورية عنيدة صغيرة ، ترهق قلبه اكثر فأكثر ، حتى بات قلبه ينشد منه الرحمة ، فهو الذى كان يأمره منذ بضع لحظات أن يكف عن التأثر بها ، ليجد نفسه فى الدقيقة التالية يزيد فى خفقانه أكثر ، كأنه على وشك تحطيم تلك الضلوع ، التى بمثابة سياج تحيطه ، مانعة له ان يقفز خارج صدره من شدة دقاته
وجد نفسه كأنه مسلوب الارادة ، ينهض من على فراشه يقف مواجه لها ، تتحدث هى بانفعال ترغى و تزبد من الغضب لايسمع كلمة مما تقوله ، فهو يركز بصره على حركة شفتيها ، يلاحظ انفراج شفتيها بغضب ، لتضمها بتذمر وتهمهم من خلالهما بكلمات لا يفهمها
بدون أن يعى ما يفعل ، رفع يده يتحسس قسمات وجهها بأنامله ، لم يعى ما يفعل الا عندما وجدها تنفض يده عنها وهى تقول بما يشبه الخوف :
–:” انت بتعمل ايه ها”
كأنه أنتبه على ما قالته فرد قائلاً:
–:” انا عملت ايه ياليان”
أرتدت بخطواتها للخلف وهى تقول:
–:” أسأل نفسك عملت إيه دلوقتى”
خطا خطوة تجاهها وهو يقول :
–:” حقى وانتى كلك حقى ”
جف حلقها من بعد قوله فأرتجف صوتها وقالت :
:” يعنى إيه أنا حقك مش فاهمة تقصد إيه بكلامك ده”
خطوة أخرى أمر قدميه بأن تخطيها وهو يقول:
:” قصدى اللى أنتى فهمتيه يا ليان مش يمكن تعيشى سعيدة معايا أنا بحاول أقاوم مشاعرى ناحيتك بس مش قادر كل ما أقول لاء مش هفكر فيكى أرجع تانى وألاقينى مش قادر أوفى بالعهد اللى باخده على نفسى ، عينيكى عاملة زى الخمرة المحرمة اللى كل ما أقول أن هتوب عنها مبقدرش أتوب معقولة أنتى بتحبى الشاب ده أوى ومش مخليكى قادرة تشوفى حد غيره”
كأنها فاتها تلميحه ، فردت قائلة بعدم فهم :
– شاب مين ده اللى تقصده
حدق بها رفيق بقوة وهو يقول:
– ماجد ، أنا عرفت أنه هو الشاب اللى كنتى تقصديه بكلامك انك بتحبى واحد تانى
فهى كأنها تعجبت من وقع إسم ماجد على أذنيها ، فهو لا يعلم أن منذ افعاله بالتقرب منها جعلها لا تتذكره ، فردت قائلة بدون وعى منها على حديثها الذى ينطلق من بين شفتيها :
– ماجد ! أنت متعرفش أنك خليتنى مقدرش أفكر فيه أو فى حاجة تانية ، مبقتش عارفة أفكر فى حد غيرك أنت يا رفيق
___________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في هواها متيم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!