روايات

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل السابع 7 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل السابع 7 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء السابع

رواية غوى بعصيانه قلبي البارت السابع

رواية غوى بعصيانه قلبي الحلقة السابعة

أرى أن العاشق يتحول لكاتبٍ عندما يفترق عن روحٍ أحبهـا كثيرًا ، دائما يتعمد الكاتب أن يرش ذاكرته بمخدر الحروف لتخمد وتهدأ وينطفىء وهجها ، ولكن نادرًا ما تنصف الأقدار مُرادنا ! نحن نشتعل بدخان الحروف و الكلمات وتترسب دمائنا محملة بأوجاع فى صورة حبر يفترش الصُحف ، هكذا العاشق ، يتونس بظل الكتابة في حضرة الغياب ، ظنًا بأنها ستشغل رأسه عن التفكير قليـلا ولكن لا يعلم أنه لا يكتب إلا عمن ينتظر مجيئه حتى ولو كان زيارة خفيفة بحلم جميل !
الكتابة لا تشفى صاحبها ولكنها تصنع الآمال في العودة !
هي عكاز القلب العليل من سقم الرحيل !
#نهال_مصطفى ✨
•••••••••••
دموعها المترقرقة تدب الحياة بأوراق القش المنثور تحتها ، عندما ترش عليها ماء أحزانها وضعفها ، ضمت ساقيها إلى صدرها وأخذت تتجول المكان المظلم حولها بـ خوفٍ شديد ، أطبقت جفونها لتعتصر صبار الرعب من بينهم و أجهشت روحها بالبكاء وهي تشكو ظلام الليل حالها :
-أنا أيه اللي عملته استاهل عليه الذل دا ،أنا أكتر حد في حاله !

 

فجأة تتكدر الحياة على بكرة أبيها ، وتفتح بوجهك أبواب لم يخطر ببالك أنها موجودة ، حينها يتوقف القلب والعقل والجسد كليًا عن استيعاب صاعق مفاجئاتها المباغتة التي تجهل عاقبتها أ خير أم كارثة !
تأكدت شمس من خلاء المكان حولها ، تسللت على أطراف أصابعها ناحية المطبخ بخفة وحذر شديد ، فتحت باب الثلاجة ثم أخذت قارورة الماء وعادت مرة آخرى تكتشف المكان حولها متعمدة ألا تحدث صخب يفسد مخططها ، ركضت سريعًا صوب باب الحديقة الخلفي متوارية خلف أحد الأعمدة الصلبة تتفقد ساحة المكان حولها بعيونها اللامعة بوميض الهلع ، فأي طريق عليها أن تسلكه لتصل لتلك الأسيرة ؟!
ما كادت أن تخطو خطوتها فتوقفت إثر نبرة صوت يسري المُفرعة :
-قلت لك بلاش !
قفلت جفونها كي تهدأ من روعها قليلاً ثم دارت إليه مُعارضة :
-هو أيه اللي بلاش !
دنى يسري منها وهو يقفل زر سترته وقال :
-يعني تطلعي تنامي وملكيش دخل باللي بيحصل هنا !
أصدرت صوتًا ساخرًا على جملته وقالت بحنق :
-للاسف مش هعرف ارتاح وضميري بيوجعني على واحدة ملهاش ذنب بتتعذب .. أنت تقدر تعملها أما أنا لا !

 

تأهبت شمس للدوران أمامه مكملة طريقها ولكن علق معصمها بقبضة يده القوية التي منعتها من الحركة وسحبها رغم عنها بعيدًا عن مدخل القصر متواريًا خلف أحد الجدران ، وقفت شمس مرغمة وهي تنهره :
-أنت اتجننت ! ابعد ايدك دي عني !
بتردد أرخى يسري قبضة يده تدريجيًا ، وطالعها بنظرات ثعلبية :
-أنا خايف عليكِ .
تضرجت ملامحها بحمرة الغضب ، و ردعته :
-أنت مين أصلًا عشان تخاف عليا !
-قبل ما تسألي أنا مين ، أعرفي أنتِ فين !
ثم بلل شفتيه وأكمل بنبرة خفيضة مغلفة بالتهديد والتوعد :
-هنا كوكب عاصي دويدار ، وأنا الفلك اللي بيرسم له الطريق ، تحبي اثبت لك كلامي ؟
وقعت فى براثن حيرتها عن هوية ذلك الرجل المتلون ، ونظراته المريبة ، ولكنها لم تستسلم بل عنفـته رافضة بشمئزاز :
-أنا ولا عايزاك تثبت لي ولا عايزة أشوفك من الاساس .
بمجرد ما أردفت جملتها تأهبت مغادرة ولكنها توقفت إثر تذكرها لشيءٍ ما وقال بنبرة حادة :
-أنا مش ناسية أيدك اللي اتمدت على أختي ، بس وعد مني كله هيترد في وقته !
رمقته بأسهم الخسة ثم ولت ظهرها راحلة من أمام نواياه الخبيثة حتى ألقى على مسامعها جمر جملته الأخيرة بثقة لا مثيل لها :
-حتى ولو قلت لك أن عالية هانم هتنام في أوضتها الليلة !
••••••••

 

علينا أن نعتاد حُزننـا حتى يصبح عادة ، جزء مُلازم لخُطانا ، لأنه الوحيد الذي يرضي بنا على أي حالة كنا عليها سواء ابغضنا وجوده ام احببناه ، تجاهلناه أم قدمنا له وسام الاهتمام ، الحزن الصديق الوفي لقلب الإنسان ، والفرح كـدبور ، لا تنتهي علاقته بالزهرة بعد امتصاص رحيقها .
تجلس ” حياة ” على المقعد المتحرك في غُرفته تتذكر الطريقة الوحشية التي انهال بها على الفتاة المسكينة ، ثم انصرفت عيونها إلى الطفلتين اللاتي يجلسان في منتصف فراشة تحتضن كل منهما الأخرى .
فارقت مقعدها وأقتربت منهم جالسة على طرف التخت واستمالت بعطفٍ :
-لسه خايفين !
صوبت أعينهم الدائرية إليها بنظرة مرتعشة تعكس أشباح خوفهم ، حتى خرجت داليا عن صمتها و سألتها :
-حضرتك مين ؟!
ثم ردت تاليا بتلقائية :
-حضرتك اللي جيتِ مع بابي في الحفلة !
ورت برأسها موافقة وقالت برضوخٍ :
-أيوة أنا !
تفوهت داليا ببراءة :
-يعني حضرتك عروسة بابي الجديدة !
فاض قلبها بالغضب و زخر بالاشمئزاز من انتسابها له حتى ولو خُرافة ، غيرت مجرى الحوار وقالت :
-هي مين اللي كان بيضربها !

 

تاليا بأسفٍ :
-دي أنطي عالية أخت بابي ، هي طيبة أوي معرفش ليه بيزعلها !
عششت الحيرة فوق رأس حياة نحو هوية ذلك المخلوق العجيب ، حتى قطعت داليا حبال صمتهم وقالت :
-أحنا بنحب ننام هنا في أوضة بابي ، وكل يوم نستناه يجي ينام جمبنا ، مش بيجي ، أنطي ممكن حضرتك تسألي بابي هو ليه زعلان مننا !
من المؤلم على الإنسان أن يطلب منه شيء لم حيلة له بأمره ، زفرت بضياع :
-بابي دا شكل حوار !
ثم نفضت غُبار شرودها وعادت إليهم بنظرات حنونة وقالت بتودد منها :
-تسمحولي أنام جمبكم عشان الوقت أتاخر ، وأحنا لازم ننام !
فسحت داليا إلي منتصف الفراش ورفعت الغطاء متأهبة للنوم ثم ساعدتها تاليا في ذلك ، نزعت حياة نعلها ومددت بجوارهم متخذة وضع النوم ، كادت أن تغلق الأنوار ولكن وقفتها تاليا راجية :
-بليز .. أنا بخاف من الضلمة .
تفهمت حياة حجم خوفهم الذي لم ينتقص عن رعب أوصالها ، وشدت الغطاء فوقهم بحنان وببسمة هادئة :
-اتغطوا كويس .
••••••••••••
اقترب عقرب الساعة من الساعة الثالثة صباحًا ، ولا زال عاصي جالسًا على مقعد مكتبه الجلدي مفكرًا في إيجاد حل لتلك المأزق الذي تعثر به ، طرق خفيف على الباب ثم فُتح قبل ما يأذن للطارق بالدخول .

 

تقدمت عبلة إليه وهي تجلس أمامه على المقعد المجاور للمكتب ويبدو الإرهاق على ملامح وجهها وقالت :
-أنا مش هعرف أنام وأختك مش في سريرها يا عاصي !
ضرب سطح المكتب بكفه القوي ورمقها برصاص نظراته القاتلة :
-أحمدي ربنا أني سايبها لسه عايشة لحد دلوقتِ !
عارضتها بحدة :
-أنا مش شايفة أي مشكلة ، أيه كلنا بنروح مصيف ونلبس مايوه ، فين المشكلة ! لما أنت بتتصرف كدا سبت أيه للناس الجاهلة !
-المشكلة في ابن المرشدي اللي بنتك ماشية معاه ، ويا عالم علاقتهم وصلت لفين !
-لا يا عاصي مش هسمح لك تقول على أختك حرف زيادة ! اكيد في حاجة غلط لازم نعرفها !
طاحت يمينه بكل ما يقابلها على سطح مكتبه وجهر قائلًا :
-الغلط اللي بنتك عملته ، حليني بقا في أبواب جهنم اللي هيفتحها علينا فاروق المرشدي وابنه .
تطرقت إليه بعيونها المهتزة والتي تتراقص على أوتار التردد والحيرة ثم قالت :
-أنا عندي حل هيخرس كل الناس دي وأولهم المرشدي وابنه !

 

بنفاذ صبر خبط على مكتبه بكلتا يديه وصاح :
-مفيش حل يا هانم ، المصيبة حلت فوق راسنا والـ حصل حصل .
فركت ” عبلة ” كفوفها بارتباك ، لا تعلم من أين تبدأ ، ولكن لابد أن تنقذ الأمر قبل ما يزداد سوءًا ، بلعت ريقها وقالت :
-بالليل ، قصدي في الحفلة جيه عريس لعالية وو
قهقهه عاصي بسخرية ساحقة :
-اه دا قبل ما يشوف الفضيحة !
-اسمعني بس ، وفكر في كلامي للآخر ، الولد معجب بيها جدًا ، وشاريها ، وبصراحة دا أحسن رد نـرده على الكلام اللي انتشر ! وبكدا ننفي علاقتها بابن فاروق .
-وأنتِ أيه ضمنك أن عرض الولد لسه قائم ، دا لما يعرف بعملتها مش هيبص في وشها !
نهضت عبلة بحماس ووقفت بجواره تربت على كتفه متوسلة :
-من الناحية دي اطمن خالص ، أنا اضمنه برقبتي …. وو متنساش لازم نتنازل عشان نلم الفضيحة .
رفع حاجبه مستفهمًا :
-مين دا الـ عايز يتجوز عالية !
بنبرة لاذعة أجابته :
-مُراد ؛ مراد ابن خالتك جيهان .
اتسعت عينيه من هول ما تلفظت به فـ طاح بأمه بكل قوته حتى ارتطم ظهرها بالحائط وهبت زعابيب غضبه برفض قاطع لا يقبل الجدل :

 

-أهو دا الـ بيقولوا عليه تصليح المصيبة بكارثة ، مُراد دا أنا لو شفته قدامي هدفنه في نفس التُربة الـ هدفن فيها بنتك .
ثم ضرب كف على الأخر :
-آخرتها أنا أحط أيدي في أيد مراد المحلاوي !! دا اسمه هبل ..
ثم ولي انظاره التحذيرية إليها وأشار بسبابته مهددًا :
-سيرة مُراد مش عايز اسمعها ، وأنا هربيه عشان اتجرأ وفكر لمجرد تفكير في أخت عاصي دويدار .
هنا اقتحم ” يسري ” ثورة حوارهم ودلف من باب مكتبه متسائلًا :
-صوت معاليك هيصحي اللي في القصر كلهم ! خير .
أغمض عاصي جفونه للحظاتٍ ثم قال غاضبًا :
-وصلت لحاجة و مين اللي نزل الصور دي !
كانت ” عبلة ” تتحاور بأعينها مع يسري الذي التقم مغزى حركاتها متفهمًا ، ولأنه الوحيد الذي يدرك سُبل رئيسه القصيرة قال بثباتٍ :
-الصبح كل حاجة تكون عندك ، بس حابب الفت نظر معاليك لحاجة !
بقطوب دائم لا يفارقه وجهه أردف :
-اخلص يا يسري !
-بخصوص عالية هانم ، مش لطيفة في أخلاق معاليك انها تنام فـ الاسطبل ، وطبعا رجالتنا في كل مكان ، قصدي ممكن سيادتك تعاقبها على غلطها بينك وبينها ، مش قدام الخدم !
ثم دنى هامسًا :

 

-وأحنا معاليك لسه لما نتأكد من صحة الصور !
أحس بعاقبة سوء تصرفه وهو يجلس على مقعده مرة آخرى ثم قال بفظاظة :
-لسه كنت هبعت لك تنفذ طلب الهانم الكبيرة .
ثم رفع رأسه نحو عبلة وقال :
-هتنام في اوضتها الليلة لحد بس ما اتاكد ، وساعتها هيكون ليـا تصرف تاني .
••••••••••
انتهت ليلة من أسوأ الليالٍ على الجميع ، قلب ينتفض ذعُرًا من هول بئر مُعتم سقط به ، وأخرى تقضي ليلتها تتقلب على جمر من نار حول هوية ذلك الرجل الذي لم يترك فعلًا قبيحًا ولن يقترفه ، ساعات مسروقة من الزمان كشفت لها حقيقة كائن وحشي متمثل في صورة بشر ، تارة يلهو وتارة يفترس !
وأما عن شمس قضت ليلتها بجوار عالية ترتل على رأسها بعض آيات من القرآن لتهدأ ، بعد ما ساعدتها في تبديل ملابسها وتجفيف شعرها ، وهي الأخرى لم تنفلت من قيود الحيرة المُلتفة حول قلوب الجميع ولكن غموضها كان يتجول حول رجلين أغرب من بعضهما .
انفلق الصباح بيوم جديد نهضت فيه جيهان بكامل نشاطها وحيويتها وهي تضع الكثير من مستحضرات التجميل لتخفي معالم الحية الخبيثة بوجهها ، ولكنها توقفت عن تلوين وجهها وتناولت هاتفها متصلة بمُراد الذي رد سريعًا وهو يقود سيارته :
-صباح الخير يا حبيبي ! نمت كويس إمبارح !
شغل سماعة ” البلوتوث ” بأذنه وقال بجدية :
-و أيه ممكن يخليني منمش كويس !
-حبيب أمك ، ليك عندي خبر بمليون جنيه ، كلها كام ساعة وخالتك هتيجي تترجاني أنك تتجوز عالية !

 

لم يبد أي اهتمام بما قالته بل استقبل حديثها بسخرية :
-هي للدرجة دي بنت أختك معيوبة ! أنا حاسس إني بدبس ! بقولك أيه يا جيهان هانم متفكيني من الحوار دا ، أنا لو كنت بفكر فـ الجواز كنت اتجوزت من زمان .
ضحك منها ملء الفم وهي تنهض لتتقفد خزانة ملابسها وتقول :
-حتى ولو كانت قردة !المصلحة تحكم !
دار بمقود السيارة أقصى اليسار وقال متعجبًا :
-أنا لحد دلوقت مش متخيل أزاي عبلة هانم وابنها ممكن يوافقوا على الجوازة دي ! أنتِ عملتي أيه !
ضحكت بـ شرٍ وهي ترمي ملابسها على الفراش وتقول بظفرٍ :
-أمك لما تحط حاجة في دماغها لازم تتم ! أنت مستهون بيا ولا أيه !
هنا توترت جيهان على صوت طرق الباب قائلة :
-باي باي أنت دلوقت …… ادخل !
ظهرت عبلة من وراء الباب بعيونها المتورمة والظُلمة التي تحيط بهما إثر قلة النوم ، دلفت إلى الغرفة بعد ما قفلت الباب وراءها وقالت بتنهيدة :
-كويس إنك صاحية !

 

ثم ارتمت بكلل فوق الاريكة وأتبعت :
-بركان هيتفجـر في دماغي يا جيهان !
افتعلت جيهان شهقة القلق المزيفة ودنت منها :
-بعيد الشر عنك ، أنا مقدرة موقفك ، بس هنقول أيه عالية صغيرة وطايشه ومش واعية لتصرفاتها .
ثم أسبلت عيونها الخبيثة وأكملت :
-خيبت أملي فيها !
-أنا هتجنن ، أزاي تعمل كدا ، والغريب أنه مش باين عليها ! ورايحة تصاحب ابن أكبر عدو لعاصي ! فتحت علينا كلنا أبواب جهنم .. بس أحنا مش هنسكت لازم نرد رد مناسب لنا !
تأرجحت أعين جيهان السوداء وهي تطالعها باهتمام منتظرة إيضاح المغزى من كلماتها ، تنهدت عبلة بزهدٍ :
-طول الليل بقلبها فـ دماغي ووصلت لحل أننا لازم نعلن خطوبة مراد وعالية النهاردة قبل بكرة ، عشان نخرس الكل !
تلبكت جيهان وتعمدت إظهار رفضها للفكرة وقالت بكبرياء مُصطنع :
-أنتِ معاكِ حق طبعًا يا عبلة ، وأحنا لازم ننقذ سُمعة البنت ، بس بصراحة مش ضامنة مُراد هيوافق ولا لا .
دب الخوف بجوف عبلة وهي تتمسك بكف أختها :
-هو ممكن مايوافقش كمان ! لا يا جيهان أحنا لازم نشوف حل نلم بيه المصيبة دي ، أنت تشتغلي على دماغ ابنك ، وانا ربنا يقدرني و أقدر ألين دماغ عاصي .
-هحاول يا عبلة ! خاصة بعد اللي حصل دا ممكن مراد يغير رأيه بصراحة !
••••••••••
تتراقص جفون ” حياة ” التي غفوت بصعوبة بعد دوامة عميقة من التفكير ، تململت في فراشها بوهن ثم مدت ذراعها لتشد الغطاء فوق الفتيات اللاتي تقاسما معها خوف ليلتها ولكن لم يلمس ذراعها إلا فراغٍ ، فتحت عيونها بصعوبة وهي تصدر أنين التعب الذي اتخذ من مفاصل جسدها مسكنًا ، اتسع بؤبؤ عينيها عندما أحست بذراع صلبٍ يشاركها مخدعها .
وثبت كالملدوغة فوجدت من كانت تخشاه في ليلها نائمًا بجوارها يتخذ أنفاسه بارتياح وصدره العارٍ يصعد وينخفض بسكينةٍ ، لوهلة ظنت أنها بكابوس إثر تفكيرها المستميت به ، أغمضت عيونها عدة مرات لتفيق من الهذيان الذي خيم فطره على عقله وأهذرت في كلامها لتكذب ما ترى :
-أكيد حلم ! فوقي فوقي ! دلوقت هصحى .

 

ولت صوبه بعينٍ مفتوحة وأخرى مقفولة ثم فرت برأسها بعيدًا عنه صادرة شهقة مكتومة وهى تفارق فراشها وتلمس أقدامها الحافية أرضية المكان !
ركضت نحو خزانته وأخذت قميصًا تابع له وارتدته فوق فستانها الذي يبرز جمالها الأنثوي وقفلت أزراره بفوضوية وهى ترمقه بأعين مرتعشة ، ومن شدة ارتباكها أحدثت صخبًا ما وصل لمسامعه فأيقظه .
تسمرت “حياة” بمكانها بنظرات ثابته كمن ينتظر جلاده وهي تراقب حركاته ونهوض بهدوء بيرئ منه ، اعتدل عاصي من نومته وطالعها معاتبًا :
-نراعي أن في بني آدم نايم بعد كدا !
صمتت حياة بخوف دون أن تبدي أي رد فعل ، نصب عاصي قامته القوية ونزع قميصه وألقاه أرضًا فبرزت تفاصيل عضلاته المتناسقة لدرجة ظنونها بأنها منحوتة على يد رسام بارع !
التزمت الصمت قليلاً ثم تحركت ببطء نحو أحد المقاعد وجلست منكمشة حول نفسها تتوجسه في هدوء وفحص ، دخل المرحاض وأخذ حمامه الدافىء كي يذوب ملوحة أحداث الأمس من على جسده ثم خرج بهيئته مكتفيًا بإحاطة خصره بالمنشفة بدون خجل أو احترام لوجودها .
فزعت حياة من مكانها خارجة عن صمتها وهي تتحاشى النظر إليه وأردفت :
-نراعي أن في بني آدمه معاك هنا ! يا ريت نحترم خصوصيات بعض !

 

لا يزال أمره عاصيًا على الإدراك لم تغمض جفونه أهتمامًا لكلماتها بل اتجه نحو خزانته وشرع في تبديل ملابسه بـ حُرية تامة متجاهلًا وجودها ، ولكنها لم تتحمل حدة وقاحته فركضت نحو الشرفة هاربة منه ومن تصرفاته المبهة التي تحتاج إلى عالمٍ كي يفك شفرته .
همت باتخاذ أنفاسها براحة بعيدة عنه وهي تتفقد حركة أسطول الحرس تحتها ، والكثير من الحيوانات الحارسة ، وساحة الاسطبل الواسعة التي تتدرب فيها الخيول الأصيلة ، أطبقت جفونها للحظة مفكرة أنها سقطت بداخل فيلم سينمائي!
مرت العديد من الدقائق ثم قالت لنفسها :
-آكيد خلص ، لازم نحط حدود لتخلف دا !
أزاحت الستائر من أمامها ولكنها فوجئت بمغادرته للمكان ولم يتبقى منه سوى رائحة عطره التي تخنق أنفاسها ، ضربت الأرض بقدمها اليمين وقالت بلوم :
-أهو مشي ! هو فاكر نفسه مين عشان يتجرأ وينام جمبي ! أيه اللي عملتـه في نفسي دا بس يا ربي !
•••••••••
جالت ببصرها في الأرجاء الملطخة بالشر في البيت وفارقت غُرفة عالية بحرصٍ كي تنال قسطًا كافيًا من النوم تعويضًا عن بشاعة ليلتها أمس ، اتجهت ناحية غرفة ” تميم” في الساعة العاشرة صباحًا ، حيث وجدته استيقظ وتناول إفطاره ودوائه ويجلس بالشرفة يرتشف قهوته ، توقفت بجانب ” الكمود ” بعد ما تفقدت بقايا الطعام وأخذت ترمق ظهره بأعين السلام ، والإعجاب بالسكون الذي يغمر غُرفته .

 

جففت دموعها بسرعة ومتعمدة إخفاء أثار ليلة أمس من وجهها ، و توجهت نحوه وهي تلقي التحية بحرجٍ :
-صباح الخير ، آسفة على التأخير .
قفل تميم الكتاب الذي بيده وتبسم متفهمًا :
-واضح أن سهرتكم كانت طويلة أنتِ وعالية !
تهجم وجهها بشفقة على حال تلك المسكينة شاردة في كواليس وكوابيس تلك الليلة المفزعة وأجابت بتوهان :
-ااه اتكلمنا كتير .
أشرق الصباح بوجهه ضاحكًا ثم قال :
-تقدري تروحي تكملي نومك ، أنا أخدت ادويتي وفطرت كمان !
فركت كفوفها بارتباك ثم قالت بخفوت :
-النهاردة مكتوب فـ الجدول مواعيد العلاج الطبيعي ، تحب نبتدي أمتى ، عارفة أنه مش تخصصي بس هحاول أقوم بواجبي على أتم وجه !
رأت على وجهه ابتسامة أسف وهو يغمض عيونه محاولًا تناسي شيء مما جذب انتباهها أكثر ، رمقته مستفهمة فـ أجاب سريعًا :
-ليا ست شهور محضرتش جلسة واحدة !
-نعم ! أزاي ؟! ليه كدا !
وضع الكتاب فوق المنضدة الصغيرة أمامه وقال برضا:
-الدكتور اللي كان متابع حالتي سافر ، ومحدش اهتم يجيب دكتور غيره ، لحد ما جيتي أنت !

 

طالعت ملامحه التي تصرخ بحزن يتجاوز السبعين عاما وقالت بفضول :
-أنا ممكن أعرف سبب حالتك دي ؟! يعني حادثة ولا اتولدت كدا ، محتاجة أفهم عشان نعرف نبتدي منين !
كانت كلماتها كـ أشواك تتناثر على مسامعه وتخربش على جدار جروحه المُؤلمة ، طالعته في رتابة منتظرة رده فلم تجن من انتظارها إلا الصمت ، وتهجم ملامح وجهه المبتسمة ، بادرت معتذرة :
-أسفة لو كنت سألت سؤال مش من حقي !
ثم وثبت قائمة متأهبة للذهاب فأوقفها بجملته الأخيرة متجاهلًا صاعق سؤالها الذي يدفن حقيقته كل ليلة وقال :
-شمس وشك بيقول أنك مخبية حاجة !
تسمرت بمكانها تستجدي طريقة واحدة التمس بها خبايا جوفها وحزنها ولكنها لم تتعثر بـ ردٍ ، بللت حلقها متفهمة أنها أمام رجل فطن ماهر بقراءة ما تخفيه الجوارح وقالت بإنكار وهي تلوح بكفوفها بتردد :
-لا أبدًا ، بس يمكن قلقانة شوية على أهلي ، حابة اكلمهم وموبايلي فصل شحن و مظنش هلاقى شاحن مناسب هنا .
تأكد من حقيقة اخفاءها لشيء ما إثر حركة يديها ، يبدو أنه خبيرًا في فهم لغة الجسد ولكنه تجاوز الأمر متفهمًا وقال :
-موبايلي جوه ، تقدري تستخدميه في أي وقت !
••••••••••••

 

باتت أفكارها تتحرك برأسها كـ المياه الجارية التي لديها املًا أن تهدأ قبل ما تحدث فيضانًا قويًا برأسها ، فتحت أحد خزائنه تبحث عن شيء ترتديه بدلًا من فستانها الطويل وقميصه الذي يكتم أنفاسها .
فتحت أحد ضُلفه فوجدت أمامها وفرة من الملابس النسائية باهظة الثمن ويبدو عليها الفخامة رغم تقادم صيحتها ، أخذت تُقلب بهم بعشوائية وتفحصهم بإعجاب مشيدة بالذوق الرفيع لصاحبة هذه الملابس ، وقعت في حيرة ارتداءها لشيء مناسب ترتديه فأمسكت بفستانٍ قصير من الحرير ذو أكمام طويلة باللون الأسود ، ومشطت خصلات شعرها ورفعته على هيئة ذيل حصان وأخذت تتأمل نفسها بإندهاشٍ في المرآة ككل الفتيات عند ارتدائهن لشيء جديد يسلب عقولهن من حقل الهم إليه .
التفت نحو إفتتاح الباب بدون إذنٍ سابق ثم دارت فوجدت أمامها سيدة تبدو في أواخر الخمسين من عُمرها تقتحم خلوتها وتقفل الباب بحدة تُعلن فيها عن شر نواياها ، تركت ” حياة ” المشط من يدها وتفقدتها بصمت وراقبت عيونها المتجولة بعناية .
سقطت أنظار ” عبلة ” على قميص عاصٍ المُلقى بالأرض بجانب مخدعه ، فانحنت وأمسكت به بطرفي اصبعها وقالت بسخرية مغلفة بالتخابث :
-واضح أن البيه كانت ناموسيته كُحلي !
ثم رمت القميص من يدها ونفضت كفوفها برفق وهي تدنو منها بشموخ :
-اعرفك بيا ، أنا “عبلة المحلاوي” ، سيدة القصر دا كله ، وكلمتي سيف علي رقبة أي حد ممكن يعارضني !
ثم مسحت بأهدابها جسد حياة من رأسها للكاحل واتبعت :
-دخلت البيت دا وأنا عيلة عندها ١٣ سنة ومتجوزة واحد أكبر مني بـ ٢٥ سنة ، ومع ذلك قدرت افرض سيطرتي على الكبير قبل الصغير .
جلست عبلة على الأريكة ووضعت ساق فوق الأخرى بفظاظة وأكملت بتنبيه يسبق التحذير :
-متخيلة جبروت طفلة تتحمل مسئولية زي دي وألف مين يعملها حساب ، ممكن تعمل أيه دلوقتِ مع أي حد يقف في طريقها !

 

أزاحت خُصله وراء أذنها وابتسمت ابتسامة مُزيفة :
-ها أنت مين بقا ؟! عندي فضول أعرف مين هي اللي سرقت قلب عاصي ابني !
سقط قلبها بين يديها من حدة وقوة المراة التي أمامها ولكنها حاولت ان لا تهتز للأمر وقالت بنبرة تبطن القلق بصدرها :
-اسمي حياة ! زي ما ابنك قال !
-أكيد مش جاية هنا عشان أعرف اسمك ، عرفتي عاصي ازاي وامتى !
بللت شفتيها وفكرت للحظات ثم قالت :
-كنا بنتقابل في الغردقة وعرفنا بعض ، بس هو هيفرق مع حضرتك في أيه ؟!
-أكيد هيفرق ! لما أكون عاملة حفل اسطوري وعازمة فيه ناس لو سمعتي اسمهم هيغمى عليكِ ، والقاه داخل عليا بواحدة زيك يقول انها مراتي !
ثم وثبت قائمة ووقفت أمامها وشيعتها بأسهم الخسة وأتبعت :
-ااه حلوة ، وجميلة ، بس أخرك ليلة لطيفة تاخدي تمنها وتمشي ، مش جاية ترمي بلاكي علينا ،و تنسبي لعيلة دويدار طفل ابن حرام !
تشعب الغضب براسها وتكاثر بلا رادع ، كادت أن تجيبها ولكن صرخة عبلة بوجهها جعلتها تبتلع ما تبقى في حلقها من كلمات :
-اسمعيني يا بت ! أنا عارفة أشكالك كويس أوي ، بالليل هبعت لك دواء ، تاخدي منه كل يوم ، وأول ما الحمل ينزل تختفي من وش عاصي ابني ، ومتخافيش هبسطك !

 

ثم ضربت على كتفها بحدة :
-مش هدفك الفلوس ! متقلقيش من الناحية دي خالص ، أنا أيدي سخية مع اللي بيسمعوا الكلام !
ثم قبضت على معصمها بقوة وعنفتها بصوتها المحشو بالجبروت :
-هتتعوجي معايا هتشوفي أيام أسود من الفستان الـ لابساه !
انتفضت أعين حياة وهي تطالع تلك السيدة التي لا تختلف شراسة عن ابنها ، ثم لاحظت تمدد ملامحها بضحكة هادئه وهمست في مسامعها بصوت هدر :
-فستان مها يجنن عليكِ !
••••••••••••
زام ما بين حاجبيه وهو يتفقد الأوراق أمامه بعناية ثم عاد ليُقارنها بالمعلومات المُحملة على الحاسوب ، رن هاتفه فـ قطع اوتار تفكيره ، فأجاب :
-مين ؟!
تسلل إلى أذانه صوت أجش ضاحك وهو يُجاكره :
-قولت لك أن الدُنيا دوارة ، ومسيرك هتيجي تحت أنياب الأسد يا عاصي بيه !
لم يظهر غضبه بل تحكم بانفعاله وقال :
-يبقى متعرفش مين هو عاصي دويدار ! أنا اللي بسن أنياب الأسد.
بمجرد ما أردف جُملته قفل الجوال متأففًا وجهر لنفسه :
-ما هي كانت ناقصة !

 

هنا دخل يسري بوجهه المنكمش الذي لا يحمل المسرات وقال :
-ازي معاليك يا باشا !
-زفت ، زفت يا يُسري !
تنهد يسري بكلل وهو يجلس قباله ثم قال بشكٍ :
-بصراحة أنا مش عارف أبدا منين ، بس أعذرني لازم اتكلم .
زفر بضيق لم يحتمل أي أخبار سيئة أخرى وقال :
-عندك حاجة عدلة قولها يا يسري ، غير كدا أنا على اخري !
انغمس عقله في أفكاره السوداوية وقال بمكر :
-للاسف ، الصور ما طلعتش متفبركة ، أنا وريتها لكذا حد ثقة وكله قال أن الصور والفيديوهات ووو
ضرب سطح المكتب بشدة وهو يتوعد قائلًا :
-ورحمة أبوكي ما هرحمك يا عالية .
أكمل يسري أكاذيبه وقال :
-وفي حاجة تانية حصلت ، ابن فاروق بنفسه منزل صورته مع عالية هانم ، وكاتب عليها ” إلى الأبد ”
ثارت زعابيب غضبه ثم فزع قائمًا مُغادرًا مكتبه بخطوات واسعة متجهًا نحو غُرفتها ودفع الباب بكُل قوته ، فوجدها نائمة في سبات عميق ، اقترب منها وأمسك بأبريق الماء بجوارها وسكبه على وجهه بدون ذرة شفقة .
تجمدت شمس أمام الباب المفتوح على مصرعيه وهي تراقب صرخة عالية المفزوعة من نومها على هيئته المروعة وقبل أن تنطق بحرف واحد رمقها بنظرات الاشمئزاز وهو يرفع ساقه وبحذائه اللامع على فراشها مستندًا على ركبته وقال :
-كان عندي أمل إنك تطلعي نضيفة مش زيهم !
تسمرت شمس مكانها وهي تحدجه بأعينها المتسعة وتستمع لحديثه المكتظ بالشرار ، ولم يختلف حالها عن حال عالية كثيرًا بل انكمشت حول نفسها ترتعب وترتجف أمامه ، أكمل حديثه الحاد وقال :
-يا خسارة طلعتوا كلكم واحد !
ثم أمسك بذقنها ورفع وجهها فتلاقت أعينها الذابلة بعيونه القاتلة وقال :

 

-بصراحة بفكر في عقاب واحدة خسيسة زيك ما لقتش غير الدفن بالحيا ، بس متستاهليش أوسخ أيدي بدمك !
تقدمت شمس خطوتين ولكنه أوقف سيرها بكفه الأخر مشيرًا إليها ألا تقترب وأكمل :
-عشان كدا أنسب عقاب ليكي أسلمك لأكتر حد بكرهه في حياتي .
ثم دفعها للوراء بقوة فاصطدم ظهرها بمسند المخدع صارخة وأكمل :
-بكرة كتب كتابك على مراد المحلاوي ، ومش عايز ألمح وشك تاني طول ما أنا عايش .. فهمتي !
داهمها ألم يشبه اختراق الرصاص لجسدها وهي تبكي وتتسائل فـ بأي ذنب قُتلت ؟! غادر غُرفتها بخطوات ساخنة تشع نيران الغضب مُتجهًا ناحية جناحه بـ الطابق العلوي وكالعاصفة فتح باب غرفته وقفله بنفس ذات القوة وهو يجوب حول نفسه كمن هوى بجهنم حتى سقطت أعينه على ” حياة ” الواقفة أمام الشرفة مرتدية فستان زوجته .
بمجرد ما رأته اندفعت إليه لتشن حروب أفعاله فوق رأسه بتمرد أنثى ولكن نظراته الحادة ارغمتها أن تبتلع ما علق فى حلقها من كلمات وتتراجع للخلف ، فتتقدم خطواته بقدر تراجعها ويغرس خنجر سؤاله في صدرها :
-أنتِ مين سمح لك تلبسي الفستان دا ؟!

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوى بعصيانه قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى