روايات

رواية غوثهم الفصل السابع والسبعون 77 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل السابع والسبعون 77 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل السابع والسبعون

رواية غوثهم البارت السابع والسبعون

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة السابعة والسبعون

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل السابع والسبعون”
“يــا صـبـر أيـوب”
______________________
يا مَن تُجيب السائل أجب لي يا كريم
فمن غيرك يا رحمن يُعطي السائلين…
رجوتك وعفوك لازال كبيرًا؛ يغدقني
وأنا هنا عبدٌ يسألك وأنتَ مُجيب الطالبين..
ربي بحق رحمتك التي وسعت كل شيء
أطلب منك أن تطولني رحمتك يا كريم
_”غَـــوثْ”
__________________________________
فليسكت الجميع فضلًا…
وليس أمرًا مني، بل تكرمًا عليَّ منكم أن تسكتوا ألسنتكم ومن قبلكم رأسي التي لم تفرغ ذات يومٍ..
ودعوني أولًا أخبركم أن لكل قاعدة شواذ، ولكل مجموعة استثناء وهي فقط من بينكم من يَحق لها التحدث؛
فاسكتوا ألسنتكم ودعوها هي تتحدث..
وأتركوني ودعوني استمع لها هي، هي وفقط
وقبل أن تعودوا للحديث من جديد ويزداد فضولكم لما هي؟
دعوني بكل صراحةٍ أخبركم أن كل الحديث منكم تفاهات والأهم كله منها هي، وقبل أن يُعاد السؤال بنفس الفضول، سيكون الجواب أن القلب أصم آذنيه وأغمض جفنيه عن الجميع عدا هي، لأن هي؛ هي.
<“إذا أردت إمساك اللص، أسرق صغيره”>
لم يبقى محله جامد الحراك من يريد التوصل للحقيقة..
هكذا كان يقتنع “مُـنذر” الذي أخيرًا وبعد عناء قرر أن يأخذ خطوة واحدة لأجل التوصل إلى ابن عمه وقد فعل ما يمكنه فعله لأجل الوصول إلى هذه اللحظة..
ففي شقته التي يرجع أصلها لوالد “عـهد” جلس على مقعد السُفرة الخشبي بوضعٍ مُعاكسٍ ثم أنتظر استيقاظ الأخر الذي طال انتظاره وما إن يأس من إيفاقته بمفردهٍ قام بسحب دورق المياه وقام بإلقائه عليه دُفعة واحدة ليفيق على أثرها “نـادر” الذي وجد نفسه مُكبلًا على المقعد هو الأخر ليقول حينها “مُـنذر” بأسفٍ مصطنعٍ:
_أنا آسف، بس بابا “سامي” مسابش ليا أي تصرف تاني، أنا آسف يا سيادة القبطان، قولي بقى تحب حاجة مُعينة ولا أديك على ذوقي أنا !!.
اتسعت عينا الأخر حينها بخوفٍ وهو يرى نفسه مثل الطفل الصغير يجلس على المقعد مكبل الأطراف مُككم الفم حتى لا يخرج منه أي صوتٍ، بينما الأخر كان يحدجه بنظراتٍ قاتلة تبعها بإخراجه لسلاحه من جيب بنطاله ووضعه على الطاولة أمامه وهو يقول بنبرةٍ قاتمة:
_للأسف عمال يلعب معايا ويشحطتني وراه، وبما إنه كلب فلوس وكلب طمع فأنا بقى هخلصه من مسلسل المال والبنون اللي هو فرحان بيه دا، تحب أبدأ بالمال ولا البنون؟.
حينها ازداد توسع عينا “نـادر” بهلعٍ ملحوظٍ ولازال مُكمم الفمِ لم يقوْ على النطق وحينها ترك “مُـنذر” محله ثم أقترب منه يجثو على رُكبتيهِ وهو يقول بنبرةٍ هادئة ولم يفارقها الخُبث حيث دنت أكثر من نبرةٍ متشافية منتقمة:
_خوفت صح؟ بصراحة دي يدوبك أقل حاجة هتريحني، تخيل أنتَ حياة كام واحد باظت بسبب اللي خلفك؟ كتير أوي أوي فوق ما تتخيل، لدرجة إني عيشت عمري كله خايف بسببه، علشان كدا أنا ناوي أوجعه شوية صغيرين، بعدها يرتاح بعدها أوجعه تاني.
أنهى حديثه بالتزامن مع اقترابه من “نـادر” وقد باغته حينما فك عنه تكميم فمه ليرفرف الأخر بأهدابهِ تلقائيًا من قوة الحركة فيما انتصب “مُـنذر” في وقفته أكثر وهتف بنبرةٍ هادئة بعدما أطلق زفيرًا قويًا:
_قولي بقى اختارت إيه؟ أبدأ بيك ولا بفلوسه؟.
زفر “نـادر” بقوةٍ بعدما استطاع أخيرًا أن يلتقط أنفاسه المسلوبة بفعل تكميم فمه وقد شعر لتوهِ بالحرية ليهتف بنبرةٍ هادرة أخرجت صوته جافًا:
_لا بيا ولا بفلوسه ولا هتقرب من حاجة فينا، لو فاكر إنك هتقدر تتغلب عليه أو عليا تبقى عبيط، أحسنلك تريح نفسك وتسيبني أروح، أنا قبطان بحري يعني الموضوع مش هيعدي بالسهل أبدًا، وعلشان الضرر ميكونش عليك بلاش أحسن كل دا.
ابتسم له “مُنذر” بشرٍ وعاد لمحله القديم يجلس بكل أريحية يُظهر من خلالها عدم اكتراثه بما يُقال من الأخر الذي يهدده بطريقة غير مُباشرة وقبل أن يُبادر بالحديث من جديد طُرِق باب الشقة بحركاتٍ رتيبة أو ربما طرقات هادئة سرقت نظر “نادر” ورسمت البسمة المُرعبة على وجه “مُـنذر” الذي تحرك بخطواتٍ رتيبة هادئة يفتح الباب وهو يعلم أن الطارق واحد من أثنين وقد ابتسم حينما وجد أمامه “يـوسف” الذي وقف أمامه بملامح حائرة تزامنًا مع سؤالهِ المتعجب:
_خير !! بعتلي إنك عاوزني ضروري فيه حاجة؟.
كان سؤالهُ ملهوفًا بقلقٍ تغاضى عنه “مُـنذر” وهو يشير إليه بالتوجه إلى الداخل وقد دلف “يـوسف” إلى صالة الشقة مارًا بجوار طاولة السُفرة التي حجبت خلفها جسد “نـادر” عن عيني “يوسف” الذي تجمد محله وعاصته قدماه في الحِراكِ ورفرف بأهدابهِ ونطق مُستنكرًا اسم الأخر:
_”نـادر” !!.
تفوه بها ثم حرك رأسهِ للجهة الأخرى نحو “مُـنذر” الذي جاوره وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_هو بعينه وجيبتك علشان تشوف وتشفي غليلك.
افتر ثُغر “يـوسف” ببسمةٍ أقرب للسخرية أو ربما غير تصديق جعل “نـادر” يتهكم بملامحهِ هو الأخر ورافق هذه الرسمة التي اسكنها في ملامحهِ قوله الساخر:
_هو أنتَ ؟! أظن يعني يبقى غباء مني لو كنت فكرت في حد غيرك، فرحت يا “يوسف” ؟ أديني أهو مربوط ومتكتف قصادك وزي العيل الصغير مذلول، فُكني بقى وخليني أروح.
توسعت ابتسامة “يـوسف” أكثر وقبل أن ينطق مُعلقًا على حديث “نادر” طُرِقَ الباب من جديد وتلك المرة تيقن “مُـنذر” من هوية الطارق وحينها فتح الباب ليجد “أيـوب” أمامه وقد بدا الأخر أمامه مستنكرًا وجوده وسببه هنا ولم يُكف عن استنكاره بل نطقه صراحةً بتعجبٍ:
_خير يا “مُـنذر” !! حصل حاجة؟.
أشار له أن يدخل بصمتٍ وما إن ولج “أيـوب” ووقع بصره على الاثنين في هذا التوقيت رمش باستغرابٍ شديد وكأن هيئتهم ماهي إلا مرُبع كانت تنقصه أضلاع اكتملت لتوها لتظهر هيئته المكتملة أخيرًا وقد نطق “مُـنذر” بنبرةٍ هادئة تخلله أريحية شديدة:
_بكدا بقى نقعد ونتكلم كويس ونوضح كل حاجة.
أنهى جملته وسط النظرات الاستنكارية التي حاوطت المكان واستمرت نظراتهم لبعضهم وعلى رأسهم “نـادر” الذي فكر بكل جوارحه فيما يمكن أن يفعله معه هؤلاء الثلاثة خاصةً أن نظراتهم بدت أمامه مستنكرة وحائرة وكأنهم يجهلوا حتى فيما يمكن أن يفعلوه..
__________________________________
<“لا تسمح لمن قتلته أن يأتي ويقتلك”>
لا شك أن العالم مثل الأرجوحة في حركتهِ..
تارةً تجد نفسك بها في الهواء وتارةً أخرى تجد نفسك كادحًا بعدما تدفعك منها لتُلقيك أرضًا وكأنها تأخذ منك ثمن رفعتك للهواءِ، والأدهىٰ من ذلك أنها كلما وجدتك سعيدًا بقتل ماضيك ترسله لكَ حتى يقتلك ويثأر منك…
هكذا جلس “إيـهاب” شاردًا في اللاشيء أمامه بعينين جامدتين دون حراكٍ أو حتى طرفة عينٍ وفي، لقد هرب من شقتهِ للخارج يجلس في الجلسة العربية الخاصة بالتصميمات العربية القديمة وأشعل الموقد بجوارهِ يصنع لنفسه كوبًا من الشاي وما إن قام بصبَّ ما صنعه أمسك الكوب بأنامل كفه الأيمن وضيق جفون عينيه بنظراتٍ ثاقبة وهو يَتذكر ماحدث قديمًا..
(منذ عدة أعوام كثيرة بليلةٍ قتلت طفلًا بريئًا)
“لا يُحب الخيول إلا من يُشبهها في قوتها وعزتها”
هذه الجملة ألقاها عليه “نَـعيم” عند مجيئهِ إلى هُنا بعدما قرر أن يعمل في اصطبل الخيول ويتعلم رعايتهم والاعتناء بهم وقد بدأ جسده يشتد ويَشُب طوله لتظهر قوته البدنية في العمل، حينها خرج من المكان يحمل على كتفهِ مجموعة من القماش الخيشي وأثناء خروجه من محله وجد في وجهه “نَـعيم” الذي ابتسم ما إن رأه وقال له بنبرةٍ رغم هدوئها أوضحت الفخر قائلًا:
_جدع يا “إيـهاب” بقالك هنا اسبوعين بس وربنا يحفظك قد الشغل وقدود بس برضه تقيل عليك، خليك برة مع الصبيان أحسن، الشغل دا تقيل عليك وأنتَ يدوبك لسه صغير.
ابتسم له حينها “إيـهاب” وهتف بنبرةٍ واثقة لا تخلو من الزهو في نفسهِ قائلًا:
_الشغل ميتقلش على الرجالة وأنا راجل يا حج، عن إذنك هروح أحط دول برة وأرجع تاني.
كاد أن يتحرك راحلًا من مكانهِ لكن الأخر أوقفه وهو يقول بنبرةٍ هادئة بعض الشيء يطلب منه رأفةً به:
_استنى بس، أنا عاوزك تروح تجيب أخوك ويلا علشان ناكل مع بعض، وهناكل سوا برضه بلاش الفروق دي ما بيننا، أنا قولتلك دا بيتك وبيت أخوك.
أومأ له حينها “إيـهاب” الذي كان في بداية تخطي مرحلة الطفولة وقد تحرك من المكان يضع ماكان يحمله ثم عاد من جديد يبحث عن شقيقه الذي كان يلعب مع الصبية الصغار بمسافةٍ قريبة من البيت، حينها بحث عنه وفشل في البحث حتى عاد من جديد بخوفٍ وأنفاسٍ متقطعة نحو “نَـعيم” الذي كان ينتظره وما إن وصل إليه هتف بأنفاسٍ متقطعة:
_يا حج !! أنا مش لاقي “إسـماعيل”، سألت العيال برة قالولي مش هنا متعرفش هو راح فين؟؟.
ترك “نَـعيم” موضعه ثم أقترب من هذا الصغير يحاول فهم حديثه أكثر ثم توجه معه نحو الخارج يعاونه في البحث عن شقيقهِ لمدة قاربت من الساعة وأكثر وقد ذهب فِكر “إيـهاب” إلى والده أنه ربما يكون أخذ شقيقه رغمًا عنه وحينها ذهب إلى البيت القديم الذي حاول والده فتح المقبرة به سابقًا ليجده حقًا بداخلها ومعه شقيقه الذي خدره والده ليكون على مشارف تنويمه والتحكم فيه..
حينها أقترب منه “إيـهاب” يصرخ في وجهه باسم شقيقه وهو يحاول الوصول إليه لكن يد والده منعته عن الوصول إليه هاتفًا في وجهه بغلظةٍ:
_مالكش دعوة بيه، غور من هنا بدل ما أموتك في أيدي.
حينها أغتاظ “إيـهاب” واندفع بجسدهِ يركض نحو شقيقه وقبل أن يقترب حال بينهما “أشـرف” الذي قبض على عنق “إيـهاب” ضاغطًا عليه بقوتهِ وهو يقول بنبرةٍ جامدة يهدر من بين شفتيه:
_لو مخرجتش من هنا هقتلك وأخليك عند أمك وتريحني من قرفك، ولا أقولك روح هات “نَـعيم” خليه ييجي يلحقك من أيدي، غور يلا في ٦٠ داهية تاكلك وتاكل وشك.
ازدادت ضغطته أكثر على عنق هذا الصغير الذي حارب لأجل التقاط أنفاسه المسلوبة بفعل قبضة والده وقد دفعه بعيدًا عنه بعدما غرز أظافره في لحم رسغي والده الذي تأوه بألمٍ وأبعد كفيه عن عنقه ليفاجئه “إيـهاب” بدفعهِ أرضًا بعيدًا عنه لكنه لم يلاحظ قالب الطوب الحجري الذي اصطدم به رأس والده ليسقط بعدها صريعًا في محلهِ وفُتِحَت جفونه على وسعها ليظهر منها بؤبؤاه المُتسعان !!
حينها انقبض قلب “إيـهاب” محله ورطب شفته السُفلى بحركةٍ تلقائية تبعها بابتلاع ريقه بعدما جَف حلقه تمامًا وأقترب من والده يحاول تفحصه أو استدلال أي شيءٍ ينم على بقائه حيًا لكنه لم يجد سوىٰ جسدًا تصلب تمامًا وعينين متحجرتين كادا بؤبؤاها أن ينفجرا من فرط الجحوظ ودماء خرجت من أسفل رأسهِ تبرهن له جريمته التي الأولى التي ارتكبها في حق والده.
حينها جلس على ركبتيه يبكي وهو يقول بأسفٍ هيستري نبع عن قلبٍ أرتجف عند افتعال جريمته الأولى:
_أنا آسف والله، آسف بس.. قوم طيب…قوم ومتزعلش مني، قوم علشان “إسماعيل” ميخافش طيب، هيخاف مني، قوم بقى، قـــوم !!.
صرخ بكلمتهِ الأخيرة في والده لكي يقوم وقد خرجت نبرته مبحوحة ومرتجفة بين أصواتٍ ربما كانت خائفة وربما كانت حزينة وربما مـنكسرة، رفع عينيه بعدها يراقب شقيقه المُخدر الذي ألقاه والده أرضًا ثم حركها من جديد نحو والده وهو يفكر في حاضرهِ الذي انتهى لتوهِ ويفكر في مستقبله الذي لم تضح معالمه ليكون أصغر من قتل أبيه..
دلف حينها “نَـعيم” الذي تركه “إيـهاب” ورحل دون أن يخبره بعدما جال بخاطرهِ احتمالية تواجد شقيقه هناك برفقة والدهما ليصدق حدسه وما إن دلف “نَـعيم” ورأى هذا الوضع انتشل نفسه من حالة الذهول وخرج من صدمته وهو ينادي على “إيـهاب” الذي جلس في عالمٍ أخر شارد الذِهن به وما إن انتبه له “إيـهاب” حينها ركض إليه يضمه بجسدٍ مرتجفٍ وهو يردد بغير هوادة:
_أنا والله قتلته من غير قصد، قتلته من غير ما أعرف..
ظل يرددها وهي يرتجف حتى ضمه “نَـعيم” بكلا ذراعيه وهو يقول بنبرةٍ هادئة بعض الشيء رغم تشتته هو الأخر:
_أهدا..أهدا خالص، محدش هيعرف حاجة، أنا وأنتَ وبس حتى أخوك مش هيعرف حاجة عن اللي حصل، ماشي !! مالكش دعوة بأي حاجة، يلا أمشي مع “عبدالغني” يلا.
حينها وقف “إيـهاب” مشدوهًا وهو يرتجف حتى حمل “نَـعيم” “إسماعيل” على كتفه وأمسك كف “إيـهاب” ثم وضعهما بالسيارة لسائقه وأمره بالتوجه إلى البيت بهم.
حينها ذهب معهم “نَـعيم” إلى هناك وأمر أحد رجاله بمراقبة الوضع وبنفس الليلة هُدِمَ البيت فوق رأس “أشرف” وبعض مُهربي الآثار معه بعد محاولة لفتح المقبرة وتعمقهم بالحفر بالرغم من وجود جثمان “أشرف” بنفس المكان.
(عودة إلى هذه اللحظة)
خرج “إيـهاب” من شرودهِ على صوت زوجته التي هتفت بسخريةٍ لاذعة تتهكم من خلاها عليه:
_خير يا عمهم !! الغُربة أكلتك ولا إيه؟.
ضحك رغمًا عنه وحرك رأسه يمنةً ويسرى بنفيٍ بالتزامن مع ارتسام اليأس على وجههِ وقال بنبرةٍ هادئة بعض الشيء:
_لأ أبدًا كل الحكاية إني صحيت لقيتك نايمة في حضني وقافشة فيا زي اللي بتغرق قومت غطيتك وجيت أعمل كوباية شاي بدل ما أصحيكِ، غلطت أنا يا عمنا؟.
حركت رأسها نفيًا ثم هتفت بطاعةٍ تنفي قوله:
_لأ يا عمهم أنتَ متغلطش أبدًا، قولي بس مالك؟.
حرك كتفيه بتلقائيةٍ وكاد أن يكذب عليها لكنها قاطعته وهي تقول بلهفةٍ تقطع عليه سُبل كذبه عليها حينما قرأتها في عينيهِ:
_وبالله عليك متكدبش عليا !! شكلك مهموم أوي.
ابتسم لها رغمًا عنه وحرك رأسه موافقًا وقال بنبرةٍ هادئة من جديد في حالة هدوء نادرة من طبعهِ:
_مهموم أوي أوي كمان، بس أهو الحمد لله الواحد بيحاول يقف على رجليه من غير ما يفكر في اللي فات، بحاول أصلب طولي في وش الدنيا وبرضه الحمدلله أنا مش لوحدي، أنتِ معايا أهو وجنبي، كل ما أجيب أخري هجيلك.
ابتسمت هي بسعادةٍ جلية على ملامح وجهها وسألته بحماسٍ وهي تتتوق للحصول على جوابهِ:
_يعني هتقدر تقف تسد في وش الدنيا؟.
رفع عينيه نحوها وكاد أن يجاوب مُسرعًا لكنه أمعن نظره في وجهها الصبوح وهي تبتسم له بملامحها السمراء ووجهها البشوش لتحصل على جوابٍ أكثر تمييزًا حينما هتف شاردًا في وجهها:
_طول ما أنتِ معايا، آه.
كادت أن تبتسم وترد عليه ليضيف هو متابعًا:
_هفضل طول العمر بصبر نفسي بيكِ، سواء دلوقتي أو بعدين أو حتى في أي زمن فات هفضل متأكد إن نتيجة كل دا هي إني أشوفك وتكوني ليا، أظن دا سبب كافي أوي علشان أقف أسِد في وش الدنيا كمان.
لمعت عيناها بفرحةٍ ضوت له مثل ضوء القمر اللامع في ليلةٍ مُعتمة لتجده رفع ذراعه ثم قربها منه يضع رأسها على صدرهِ وموضع نبضه ثم حرك رأسه يُلثم قمة رأسها وهو يحتمي فيها من قسوة ذكرياته مُبرهنًا لنفسهِ على خروجه من هذه الحقبة المآساوية وتواجده في النعيم بجوارها هي..
أما هي فسحبت نفسًا عميقًا واستقرت برأسها على صدرهِ ورفعت كفها تحاوط كتفه به وهي تشعر من هدوئه أنه ربما يكون تعرض لما يؤلمه أو كعادتهِ لم تتركه في حالهِ الذكريات المريرة التي عاشها بكل مراحل عمرهِ لكنها حينما استشعرت بكفهِ يمر على رأسها أغمضت جفونها بسلامٍ تقتبس منه الأمان الذي أخذه هو منها أولًا..
__________________________________
<“إن اجتمعوا عليك سيقومون بقتلك”>
حالة سكون حاوطت المكان وجالسيه
وفي وسطهم كان يجلس “نـادر” الذي راقب جلوسهم بعينيه وخاصةً “مُـنذر” الذي التقط له صورةً بهذا الوضع وأرسلها لـ “سامي” الذي هاتفه فورًا بقلقٍ بالغٍ وحينها فتح “مُـنذر” المكالمة أمام الجميع وهو يقول بنبرةٍ مُتشفية:
_أهلًا بيك يا ابن الست الكويسة، تحب تاخد الصورة اللي قدامك دي حقيقة؟ ولا تحب أبعتلك راسه؟ على العموم أنا قلبي طيب وهخليك تسمع صوته، يلا يا “نـادر” طمن بابا عليك.
هتف حينها “نـادر” بنبرةٍ هادرة أقرب للصراخ:
_أنتَ مجنون منك ليه؟ روحوني بدل ما أعمل فيكم جناية.
في هذه اللحظة تحدث “سامي” عبر الهاتف بنبرةٍ عالية هو الأخر:
_أنتَ عامل إيه في ابني منك ليه؟ ولا !! أقسم بالله لو ما سيبته يتحرك سليم لأكون رامي أهلك في السجن، أنا هخرب بيت أمك.
هنا تدخل “يـوسف” يتفوه بنبرةٍ جامدة:
_رَيـح، ها ريح شوية، ابنك هنا في الحفظ والصون، من هنا لحد ما نوصل لابن “نَـعيم” أنتَ مش هتقدر تشوف ابنك تاني، علشان كدا زي الشاطر تقول الواد فين بدل ما أقسم بالله يا ابن الرقاصة أنتَ لأكون مموتك في أيدي، خلصنا وخلص الكلام، كتر أنتَ بقى.
تدخل في هذه اللحظة “نادر” يهتف بنفاذ صبرٍ:
_أنا تعبت من الهطل دا !! هنخلص الليلة دي إمتى؟ لو أنتَ تعرف حاجة خلصنا وقولهم علشان هما مش هيخلصوني، وإيه علاقتك بابن “نَـعيم” أصلًا؟!.
في هذه اللحظة أغلق “مُـنذر” الصوت ثم حمل الهاتف يضعه على أذنه وهو يقول مُهددًا له بنبرةٍ جامدة:
_أسمع !! أنا خلاص معنديش صبر ليك تاني، أقسم بالله لو ما قولت طريق الواد فين هكون مخلص على حيلة أمه وأخلص من سلالتكم الـ**** دي كلها، الراجل اللي خد الواد منك فين طريقه؟ أنا مش عاوز منك غير كدا، والباقي بتاعي أنا وبطريقتي هتصرف فيه.
حينها فكر “سامي” لوهلةٍ فيما يتوجب عليه فعله وقد أتى صوت ابنه وهو يتوسله ليكون نذيرًا له فهتف بلهفةٍ بعدما زمجر “مُـنذر” بحدةٍ يحثه من خلالها على النطق ليقول الأخر مُسرعًا:
_الراجل هديك اسمه ورقمه وعنوانه كمان، بس هو ميعرفش حاجة وناسي الواد فين، لو قدرت توصل لحاجة صدقني أنا معنديش أي مانع، بس سيب “نـادر”.
أنتظر “مُنذر” حتى أخذ منه ما يريده _ومن الأساس هذه المعلومات كانت لديه_ وأضاف بتشفٍ في كليهما قائلًا:
_على العموم كل دا معايا أنا بس حبيت أختبرك وأديك نبذة صغيرة عن اللي ممكن أعمله لو فكرت تخنقني، ابنك هيوصلك عادي بس وربنا المعبود لو فكرت تلعب معايا ولا تحشر مناخيرك دي أنا هقطعهالك خالص، سلام يا ابن الرقاصة.
أغلق معه “مُـنذر” ثم ألقى الهاتف على الطاولة أمام الأخريْن ليهتف “أيـوب” مستفسرًا بتعجبٍ مما يفعله:
_أنا مش فاهم حاجة، لما أنتَ معاك كل دا خاطفه ليه؟ وبتدخله ليه في الليلة دي؟ وعاوز توصل لإيه؟.
هتف “مُـنذر” حينها يفسر سبب أفعاله بقولهِ:
_أنا عاوزه يفهم أني مش هفأ، واني مش قليل علشان يلعب بيا وغير كدا عاوزه يعرف قيمة الوجع على ابنه من ساعة ما وجع قلب عمي على ابنه، علشان كدا لازم أربيه وأخليه يحترم نفسه، ابنه هيرجعله النهاردة وأنا هبدأ أدور على ابن عمي أو على الراجل اللي خده وتاجر بالواد، وعاوز حيلة أمه دا يحترم نفسه شوية.
هنا تدخل “نـادر” يهتف بنبرةٍ جامدة:
_تعالى فكني يا “يـوسف” وخلصني.
ترك حينها “يـوسف” محله وأقترب منه يجلس أمامه على رُكبتيه وبدل ملامحه للسخريةِ وهو يقول بنبرةٍ أعربت عن بروده:
_أفكك !! بأنهي حق؟ بالحق اللي عمل عداوة بيني وبينك؟ ولا بحق كرهك ليا ولا بحق إنك بتكرهني وعاوز تخلص مني؟ ولا بتطلب مني علشان أخليك تروح عند أبوك وتتفقوا عليا زي كل مرة؟ أنا هنا بس بتفرج وبصراحة ماليش مزاج أتعامل معاك.
أنهى “يـوسف” حديثه لتبدأ بينهما حرب النظرات التي نَشبت بين عينيهما في تحدٍ سافر جعل “نـادر” يبتسم بزاوية فمه وهو يقول بسخريةٍ:
_ما تقول إني واجعك أوي علشان كدا عامل النمرة دي؟.
أنهى جملته بثقةٍ غير محدودة جعلت “يـوسف” يضحك رغمًا عنه من فرط ثقة الأخر وهتف بنبرةٍ ضاحكة أيضًا:
_أنتَ مش واخد بالك إنك مش بتاخد غير الحاجة اللي عاوزاني؟ حتى لو كنت أنتَ من قبلي وحتى لو كنت أنتَ بتاخدها غصب، بس هتفضل كل حاجة أنتَ عاوزها عاوزاني أنا، يعني كعبي عالي عليك وعلى اللي خلفوك، لو فيه حد موجوع بجد يبقى أنتَ، علشان أمك بتحبني وحتى المدام نفسها كانت حباني، بس أنا بقى رامي طوبتكم كلكم في داهية، ولو عليا عاوز أشكرك على اللي عملته معايا علشان من بعدها أنا بقى معايا ست ستها كمان.
تبدلت النظرات من الحرب الدفينة إلى الغل بينهما وقد علا وهبط صدر كليهما من فرط العنف الذي يتراقص بين جنبات صدورهم وقد قام “يـوسف” بتحرير وثاقه بحركاتٍ عنيفة تبعها بقولهِ:
_غور في ستين ألف داهية، روح بقى قول لأبوك خليه يشوف هيرميني في أنهي مصيبة المرة دي، لا أحداث نفعت معايا ولا مستشفى المجانين حوقت ولا حتى السجن لمني، ولا الموت نصفه وخدني، قوم غور في داهية.
تدخل “مُـنذر” يفصل بينهما وخلفه “أيـوب” الذي سحب “يـوسف” قبل أن تنفلت أعصابه أكثر من ذلك وقام بإجلاسه رغمًا عنه وهو يتابع نظرات “نـادر” التي ما إن تحرر بكامل جسده انتفض يصرخ في وجه الأخر بقولهِ:
_أنا عمري ما كرهتك غير لما أنتَ كرهتني وبقيت تكره وجودي في البيت، هما قالوا إنك بتكرهني وعاوز تاخد مني كل حاجة وأنتَ بأفعالك أكدت ليا كل دا، طول عمرك عايش في الحاجة اللي كان نفسي فيها، حتى بيتك وأنتَ صغير كنت بحب أجي أقعد فيه علشان كان عندك اللي مش عندي، عندك أم وأخت وعندك بيت مثالي، كل مرة كنت بحس إنك عندك اللي مش عندي، ولما جت الآية اتقلبت بقيت برضه أنتَ معايا وبسببك كل حاجة اتلغبطت، جاي تلومني على كرهي ليك وأنتَ من الأول كنت بتسقيني جفا !! طب ما أنتَ كنت بتحب “عُـدي” أكتر مني واحنا صغيرين وخدته الشركة يشتغل هناك وأنا عرفت، علشان عارف إنك مستحيل تسيب أخوك لوحده، علشان دا كان كلامك ليا.
في هذه اللحظة تحديدًا كان “يـوسف” في ذروة الغضب، في أوج لحظات حياته قتامةً، رأسه عجب بالكثير من الأفكار وعيناه أظلمت بشدة ونفرت عروقه بشكلٍ ملحوظٍ وقبل أن يهتف “نـادر” من جديد انتفض الأخر من محله يلصقه في الحائط وهو يقول بنبرةٍ جامدة صارخًا في وجههِ:
_بــس !! مش عاوز أسمع صوتك، جاي تعيش في دور الضحية بعدما عيشت بسببك في ضلمة ملهاش أخر؟ كنت فين يا روح أمك وأنا في الأحداث شهر وأسبوع مستني حد ييجي يلحقني من جوة؟ هــا !! كنت فين وأنا في مصحة نفسية بتعامل إني مجنون وغير مؤهل للتعامل ؟ كنت فين وأنا في السجن محبوس على ذمة القضية اللي أبوك رماني فيها؟ جاي دلوقتي تعمل فيها الغلبان ؟ جاي دلوقتي تعيش دور المظلوم؟.
أنهى جملته ثم رفع وجهه يُلكم “نـادر” في وجهه حتى تحركت رأسهِ للجهة الأخرى على إثر الضربة التي تلقاها فيما سحب “يـوسف” المقعد ودفعه به في ركبتهِ لكن الأخر أعتدل سريعًا ورفع نفسه يُلكم “يـوسف” هو الأخر وقد سدد له الضربة وهو يقول بنبرةٍ هادرة من بين لُهاثه:
_وأنتَ طول عمرك مش طايقني، عاوزني أنا أحبك؟.
أنهى جملته وكاد أن يضربه من جديد لكن “أيـوب” حال بينهما سريعًا وهتف بنبرةٍ عالية:
_بـس !! أنتوا همج ؟ أغبيا أنتوا الاتنين مش فاهمين حاجة؟ مش فاهمين إن فيه حد مستفيد من عداوتكم دي؟ مش واخدين بالكم إنكم بتتخانقوا في أمور هايفة؟ الغلط مش عندك ولا عنده، الغلط على الكبير اللي زرع فيكم كره بعض لحد دلوقتي ولسه بيزرعه، “نـادر” غلطان علشان مسلم نفسه ليهم، صحيح يمكن كان عيل صغير بيأثروا عليه بس أكيد كبر كفاية لدرجة تخليه يفوق لنفسه، ولو على “يـوسف” أظن كفاية أوي اللي شافه وسطكم، هيديكوا الأمان إزاي يعني؟ أمشي يا سيادة القبطان، روح لأبوك ولو بتحبه أشبع منه كفاية علشان على ما أظن نهايته قربت أوي، ربك اسمه العدل.
وقف “نـادر” أمام “أيـوب” يطالعه بعينين جامدتين بدت نظرتهما خاوية تمامًا مما جعل “يـوسف” يتحدث بنبرةٍ عالية يُهدده بكل صراحةٍ:
_من غير يمين لو مفتحش الباب وغار في ستين ألف داهية أنا مش هخرجه من تحت أيدي حي، أظن كدا هبقى عملت اللي عليا، يمشي بدل ما أخليه عاجز خالص ومش نافع بعد كدا.
لاحظ “أيـوب” أن نظراته زائغة وأنه لم يكن معهم من الأساس بل يبدو أنه أسيرٌ في حقبة أخرى موازية لهم كما أنه لاحظ الغضب المرسوم في نظراته وعلى إثر ذلك تحرك “أيـوب” نحو “نـادر” يسحبه من كفهِ ثم فتح الباب وأخرجه للخارج وهو يقول بقلة حيلة:
_اتكل على الله أحسنلك، وياريت تتقي شره.
أنهى جملته ثم أغلق الباب في وجهه يُضيق عليه السُبل ثم عاد من جديد نحو الداخل ليقول “مُـنذر” بثباتٍ من جديد:
_اللي حصل دا كان لازم يحصل علشان أتأكد إن “سامي” مش بيلاعبني وكان لازم اتأكد إن اللي معايا صح، كفاية أوي خوفه على ابنه وفكرة إن فيه خطر بيحاوطه في كل مكان، ولو عليا كنت موته فعلًا علشان أوجع قلب “سـامي” بس مش قبل ما أشوفه بيترجاني أسامحه، دا أصلًا لو أديته فرصة تخليني أسامحه.
أرتخت أعصاب “يـوسف” وأرتمى على الأريكة يمسك رأسه بكلا كفيه بعدما أرتفع الضجيج بداخلها وزادت الغوغاء تعج خلاياها وقد ضاقت عليه سُبل الخلاص من هذه الأصوات التي قاربت صوت طنين الأذن عند حالة غرقٍ وسط البحر، كاد أن يبكي من فرط الأصوات المُتداخلة بين اللوم والمعاتبة والنفور والكراهية والإعجاب والتشجيع، العديد والعديد من “يـوسف” وكلهم يتكالبون على “يـوسف” الذي رفع صوته عاليًا:
_اسكتوا بقى، بــس مش عاوز ولا صوت.
انتبه له “أيـوب” و “منذر” ونظرا لبعضهما باستنكارٍ شديد بعدما صرخ في اللاشيء أو أن الحديث توجه إليهما بالرغم من صمتهما ، فيما أخفض هو كفيه ورفع رأسه يرمقهما بخزيٍ وقد تشددت أعصاب جسده تمامًا حتى حسب نفسه في عالمٍ أخر ثم زفر بقوةٍ وهو يمسح على وجههِ بعنفٍ بالغٍ وبحث عن علبة سجائره ينفث فيها غضبه بعدما باح بالكثير عن نفسه.
__________________________________
<“عادت لكَ محطة الوصول من جديد”>
بالرغم من أن بداية اليوم قد تبدأ بصعوبةٍ بالغة..
إلا أن نهايته قد تكون مُرضية تمامًا لما يُحزنك ويؤلمك، وكأن الساعات تلي الساعات لكي تمسح على قلبك..
هكذا فكرت “نِـهال” التي وقفت أمام الغسالة الكهربائية تضع فيها الملابس وتقوم بضبط دورة الغسيل وهي تبتسم بشرودٍ بسبب سعادتها بـ “آيـات” و بزوجها الذي لم يُحزنها بل قرر أن يقوم بمراضاتها حتى تعود معه إلى البيت من جديد، حتى أنه لم يُعاتبها !! لما لم يفعلها حتى ؟ هو فقط أخذها ورحل بها بعدما ودع أسرتها وأصر على الرحيل مُبكرًا دون أن يفصح عن أي شيءٍ…
وقف شاردة تعقد حاجبيها بتفكيرٍ جليٍ رُسِمَ على وجهها حتى شعرت بأنامله تنغرس في خصرها لتصرخ بخوفٍ من فرط مُفاجئتها بما فعل لتجده يضحك عليها وهو يقول بسخريةٍ:
_سرحان في إيه يا عم الحلو؟.
تنهدت عدة مرات ثم كورت كفها تضربه في كتفه وهي تقول بغيظٍ منه ومن فعله:
_حرام عليك خضتني، أفتكرت نفسي اتلبست وأنا واقفة في الحمام، روح ربنا يسامحك هي ناقصة !! الخلف مقطوع لوحده من غير حاجة.
جاهد ليكتم ضحكته وابتلع حديثه داخل فمه ثم أقترب منها يقول ببراءةٍ كأنه لم يفعل أي شيءٍ:
_ماهو أنا قعدت أنادي ساعتين اسألك هتشربي إيه مفيش رد، طب تاكلي إيه برضه مفيش رد، جيت لقيتك سرحانة، عادي يعني بعدين أنتِ إزاي مش سرحانة فيا مثلًا ؟!.
زفرت بقوةٍ ثم هتفت توافقه ما تحدث عنه:
_أنا سرحت فيك فعلًا وفي موقفك النهاردة، استغربت بصراحة إزاي مزعلتش مني إني مشيت وروحت بيت بابا، حسيت إنك زعلت بس مقولتش ليا، صح؟
تلاشت بسمته وهتف بنبرةٍ هادئة بعض الشيء:
_شاغلة نفسك ليه يعني؟ لو عليا خلاص الموقف خلص وخلصنا كمان منه، بلاش تزعلي نفسك بالتفكير الزيادة، ولأ مش زعلان منك، ارتاحتي صح؟.
حركت رأسها نفيًا ثم أمسكت كفه وهي تقول بلهفةٍ:
_بص أنا مش عاوزاك تكون زعلان ولا عاوزاك تراكم حاجة، صدقني أي حاجة صغيرة بتتراكم في المشاكل بتيجي بعدين تكبر الموضوع أكتر، علشان خاطري لو فيه حاجة مزعلاك قولي عليها، “آيـات” قالتلي إنك من النوع اللي بيخزن وييجي مرة واحدة ينفجر في اللي قدامه.
زفر بقوةٍ ولأول مرةٍ هي ترى تجمد ملامحه بهذه الطريقة فيما أضاف هو بنبرةٍ جامدة بعض الشيء دون أن يقصد:
_آه زعلت وأوي كمان، زعلت إنك مع أول حاجة حصلت جريتي على بيت أهلك مش على بيتي، رغم إنك عارفة إني بحاول بكل اللي أقدر عليه علشان اثبتلك إن دا بيتك، ومنكرش إنك فكرتيني بأكتر المواقف اللي بكرهها وهي إن ست تغضب تسيب بيتها وتمشي كأنها بترمي كل اللي بينهم على الأرض، طالما أنتِ بتسألي بقى أنا مش هكدب عليكِ، بس أتمنى دا ميحصلش تاني يا “نِـهال”، ياريت لو فيه حاجة بيننا تيجي بيتك هنا ونتكلم بهدوء، ممكن؟.
حركت رأسها موافقةً توميء له برضا عن قولهِ وهي تقتنع بما تفوه عنه بالرغم أنها كادت تعارضه في الفكرة نفسها لكن أمام ركوزه وهدوء نبرته وجدت نفسها تُذعن له حتى وجدته يرفع أحد حاجبيه وهو يسألها بتعجبٍ:
_أيوة يعني مش هتعتذري؟.
حركت رأسها لتستقر بنظراتها على ملامحهِ ورفعت طرف فمها بتشنجٍ واضحٍ جعله يقترب أكثر منها وهو يبتسم بخبثٍ لوح في نظراتهِ المصوبة نحوها:
_ها !! اعتذري أحسنلك بدل ما أخليك تعتذري غصب.
حركت رأسها نفيًا وهي تضم شفتيها على بعضهما تطبقهما حتى لا يجعلها تفعلها رغمًا عنها فوجدته فجأةً يُشبك كفيه خلف ظهرها حتى أصطدمت به وشهقت تلقائيًا مما فعل وحينها مال عليها بوجهه وهو يقول بنبرةٍ هادئة رخيمة:
_المفروض تعتذري علشان أنتِ دماغك مهوية وست تعبانة في راسها وأنا مش حِمل هبل خلاص، بعدين يا بنت المفترية بتتلككي علشان أي مصيبة ترميها عليا؟ هتلاقي فين حد زيي؟ يمين بالله ما فيه تاني خلاص، انقرضنا.
ضحكت على طريقته وتلقائيًا رفعت كفيها تضعهما على ذراعيهِ وهي تقول بنبرةٍ يائسة:
_طب وسع طيب لو سمحت.
حرك رأسه نفيًا وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
_أقسم بالله ما هوسع غير لما تقولي كلمة حلوة.
زفرت بقوةٍ من بين ضحكاتها وقررت أن تراوغه هي الأخرى لذا انتهجت طريق السُخف وهي تقول:
_”كلمة حلوة” علشان أنتَ حلفت بس.
رفع حاجبيه تلقائيًا وفرغ فاهه وكأن ملامحه نطقت باستنكارها تسألها بكلمة “حـقًا”؟! وقد قرر أن يضحك معها هو الأخر ولذا رفع كفيه يحركهما في خصرها حتى ضحكت هي رغمًا عنها وهي تتلوىٰ بين ذراعيه وتتوسله أن يَـكُف عما يفعل ليقطع هذه اللحظة صوت هاتفه في جيب بنطاله برقم والده مما جعله يخرج الهاتف من جيبه ويحاول تنظيم أنفاسه ثم جاوب على الهاتف بقولهِ:
_أيوة يا بابا، خير يا حبيبي؟.
جاء صوت والده ملهوفًا بقلقٍ يستفسر منه:
_متعرفش أخوك راح فين؟ البيه مش هنا ومش في الجامع ومعاه “يـوسف”، مقالكش هيروح فين دلوقتي؟؟.
رفع “أيـهم” كفه يمسح وجهه وهتف بيأسٍ:
_لأ مقالش يا حج، هغير هدومي وأنزل أدور على هباب وزفت ياكش ألاقيهم ونخلص، حاضر ريح نفسك أنتَ.
أنهى حديثه وقبل أن يغلق المكالمة صدح صوت والده من جديد قائلًا:
_بسرعة يا “أيـهم” شوفهم راحوا فين بدل ما يعملوا مصيبة سودا توديهم في داهية، أنا مش حمل بهدلة وخوف عليهم، هما جوز أغبيا والمفروض ميعرفوش بعض تاني.
أغمض عينيه بيأسٍ وكاد أن يصرخ يعبر عن قهرهِ لكنه توقف عن ذلك وهتف بنبرةٍ جامدة:
_حاضر، هروح أشوفهم فين متقلقش.
أغلق مع والدهِ ليجدها تطالعه بتشفٍ جعله يُضيق جفونه عليها ثم مال نحو أذنها يهتف بتهديدٍ صريحٍ:
_أقسم بالله ما هسيبك، هاروح أشوف جوز المعيز دول فين وهاجي أخليكِ تغني مش تتكلمي بس، صبرك عليا بس.
أنهى جملته ثم لثم وجنتها وتحرك من أمامها وهي تضحك عليه وما إن اختفى أثره من أمامها زفرت بقوةٍ وهي تفكر في المسئولية التي تقع على عاتقهِ ويحملها هو بكل قوةٍ منه دون أن يتهرب من دوره، وكأنه خُلِقَ لكي يتولى أصعب المهام وحينها قررت أن تُراضيه عند عودته وذلك لأنه يستحق كل ذلك.
خرج “أيـهم” من البيت بالملابس البيتية يبحث عن الاثنين معًا في الصالة الرياضية أو بقرب المسجد أو أحد الأماكن التي قد تجمعهما سويًا وما إن قرر العودة إلى البيت من جديد وجدهما معًا يقتربا منه لينطق هو بسخريةٍ:
_مش معقول !! تيمون وبومبا !! كنت فين منك ليه؟.
هتف “يـوسف” بلامبالاةٍ دون أن يكترث للوقت الذي شارف على الرابعةِ صباحًا:
_كنا عند “مُـنذر” ابن أخو الحج “نَـعيم” خير؟.
تجاهله “أيـهم” ونظر إلى شقيقهِ قائلًا باستخفافٍ:
_وسيادتك؟ طب رد ولا قول حاجة.
تحدث حينها “أيـوب” بقلة حيلة هاتفًا:
_هو أنا عيل صغير؟ أنا راجل كبير يا “أيـهم” أبوك هيفضل قلقان كدا لحد امتى؟ جالي مكالمة مهمة وروحت أشوف عاوزين إيـه، لو فيه حاجة هعرفكم متقلقش، المهم يلا هروح أفتح المسجد علشان الفجر قرب، روح طمن الحج.
زفر “أيـهم” وتحرك من جديد نحو البيت فيما أمسك “أيـوب” كف “يـوسف” وهو يقول بنبرةٍ هادئة كمن يمد كف العون وهتف بنبرةٍ هادئة:
_تعالى معايا عاوزك في المسجد.
عقد “يـوسف” مابين حاجبيه لكنه سار معه منصاعًا خلف سير “أيـوب” الذي تحرك بخطواتٍ واسعة حتى وصلا إلى المسجد معًا وفتحه “أيـوب” الذي أشار إلى مرحاض المسجد وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_الأول روح أتوضا وتعالى تاني عاوزك.
كان حينها “يـوسف” مثل الطفل الصغير الذي يستمع لأوامر والده وقد حرك رأسه موافقًا له ودلف يتوضأ بينما “أيـوب” قام بتشغيل محطة القرآن الكريم في الإذاعة وحينها صدح الابتهال عاليًا يشق صمت الليل بصوت النقشبندي مع نسمات الهواء الباردة وإضاءة المسجد الذهبية الخافتة:
_”سُبحانك اللهم..
سبحانك اللهم من خالقٍ نسعى إليه،
وحكيمٍ رشيد..إن قُلت يكـون..
من ذا الذي يُريد إن كنت إلهي تريد؟
يــا رب، يــا ربي فارحمنا،
وأصلح لنا أحوالنا أنتَ الولي الحميد”
خرج “يـوسف” في هذه اللحظة يستمع للكلمات وقد تجمد محله لدقيقة أو ربما أقل فيما التفت له “أيـوب” مبتسم الوجه ببشاشةٍ ثم أشار على السجادة بجوارهِ وهو يحرك كفه عليه بحركاتٍ رتيبة وهتف:
_تعالى يا “يـوسف”.
وزع “يـوسف” نظراته المتعجبة بينه وبين نظراته ثم أقترب منه على استحياءٍ أو هكذا بدت خطواته وهو يقترب منه ليقول “أيـوب” بعدها بنفس الوجه البشوش:
_أنا ممكن أكون مش آهل أني أتكلم معاك، بس صدقني أنا ميهمنيش غيرك في كل الليلة دي، أنا عاوزك أنتَ ترتاح من كل دا، ترتاح من وجع دماغك وتفكيرك وأقولك إن اللي بيشيل هم الدنيا، هي بتشيله على كفوف الهم، أوعى تخليها هي مصدر تفكيرك وانشغالك، صدقني هتتعب، إحنا هنا بنعمل مكان لينا وبندعي إننا نستاهله ويكتبه لينا، النهاردة أنا سمعت كلام منك ماليش اسألك عنه، وشوفتك في حالة غريبة وسمعتك بتصرخ لناس مش موجودين أصلًا، بس هقولك حاجة، إذا تغافلت عن فروضك وهجرت ذكرك وتركت وردك وغفلت عن حصنك في الأذكار متلومش غير نفسك إذا استعصت عليك أمور الدنيا، ممكن تدور على مليون حل بس هيفضل أحسن حل إنك تقرب من ربنا..
استشعر “يـوسف” التأنيب في حديث “أيـوب” لذا هتف يدافع عن نفسه ببراءةٍ حقيقية لم تكن كاذبةً البتة:
_بس أنا بصلي والله، مش مُلحد يعني.
ابتسم له “أيـوب” ورفع كفه يضعه نحو موضع قلب “يـوسف” وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_أنتَ بتصلي صحيح وربنا يقويك ويتقبل منك صالح الأعمال، بس دا لسه عاوز يخشع ويحس برحمة ربنا عليه، النهاردة وأنتَ بتصلي الفجر جرب كدا تسيب قلبك يحس بالرعشة، غمض عينك عن الدنيا وسكت دماغك وتفكيرك وسيب نفسك لطريق النجاة وهو هياخدك واحدة واحدة، صدقني أنتَ مينفعش تتوه من نفسك في الدنيا، لأنك لو توهت منها هتتوه عن هدفك الحقيقي وهو إنك هنا زي اللي مأجر مكان ومطلوب منه يحافظ عليه لحد ما يروح القصر الكبير يعيش فيه علطول، أنا مش بلوم عليك، بس بوريك حاجة ممكن تكون مش واصل ليها..
ازدرد لُعابه وحرك رأسه موافقًا بطاعةٍ غريبة عليه هو بنفسهِ فيما ابتسم له “أيـوب” وهو يقول بنبرةٍ هادئة يقصد بها ممازحته:
_غمض عينك كدا بقى واسمع صوت إذاعة القرآن الكريم مع نسمة الهوا والإضاءة البُني دي تحس إنك في عالم تاني، جرب كدا نوع الهدوء دا واستشعر النِعم الهادية على النفس دي.
أغمض الأخر جفونه وسحب نفسًا عميقًا ليصله أكثر الأصوات دفئًا وهو صوت إذاعة القرآن الكريم حينما قال المُذيع دباغته المعتادة وتبعها بتلاوة القاريء للقُرآن الكريم مما جعله يرتخي تمامًا ويصل لذروة الهدوء و “أيـوب” يراقبه بعينيهِ وكأنه تيقن أن الأخر لم يحتاج سوى من يأخذ بكفهِ إلى الطريق الصحيح أو بالأحرى هو الغريق وفي الحاجة للمِغيث..
دلف في هذه اللحظة “عبدالقادر” المسجد وما إن رآهما سويًا أبتسم بعينيهِ قبل شفتيه ثم أقترب على المقعد يجلس عليه بهدوءٍ تامٍ حتى لا يكن متطفلًا على لحظتهما هذه، وكأنه أبٌ يراقب صغاره حينما يحسنون صُنعًا.
__________________________________
<“لا داعي للشُكرِ، فقط أعطنا الود”>
بعد مرور عدة أيام بسيطة..
كان يفكر في أمر شقيقته التي بدت أمامه في قمة حماسها بخبر تقدم “إسـماعيل” لخطبتها وقد ابتسم رغمًا عنه حينما تصفح صفحته الخاصة به ليجد تقريبًا أغلب المنشورات مشابهة لشقيقته أو مشاركةً لما تشاركه هي الأخرى، هو في نهاية الأمر رجلٌ يفهم خصال الرجال خاصةً عندما يمر عليهم أمرٌ خاص بمشاعر جديدة عليهم..
ابتسم من جديد حينما وجده كاتبًا في المنشورات المُثبتة أعلى صفحته الشخصية على موقع “الفيسبوك” و “تويتر” الجملة التي فهم فورًا أنها تخص شقيقته خاصةً أنه أغلق التعليقات عليها:
_”القلب بيحس بدفا صاحبه..
وأنا قلبي اختار قلبها يصاحبه”.
فهم حينها “عُـدي” أن الأمر لم يكن مجرد إعجابٍ عابرٍ بفتاةٍ جميلة الصفات الخارجية تمتاز بالمرح والحيوية دومًا تسرق الأنظار بشخصيتها الودودة مع الجميع، أو لربما يرى بها ما لم يجده في أنثى أخرى غيرها، وقد ابتسم أكثر حينما وجده كاتبًا أيضًا من خلال يومين:
_اللهم إن قلبي تعلق بأمنيةٍ يدعوك بها من الليل حتى الضُحىٰ، فأكتبها لي وأكتب لليلي أن تنيره الضُـحى.
ضحك “عُـدي” بصوتٍ عالٍ وهتف لنفسه بنبرةٍ مسموعة تخالطها الضحكات:
_وش كدا !! أقسم بالله هديهالك ومعاها حلة رز بدل المعجن اللي هي بتعمله، اتوكس عليك وعلى لبستك.
لم ينكر سعادته أو ربما أطمئنانه لما رآه لكن بالطبع كل هذا لن يفيد، فعليه أن يستمر في بحثهِ ويسأل عن الشاب جيدًا بما أن شقيقته ألقت له هذه المهمة لكي يتولاها أمام والده ولذلك قرر أن يأخذ هذه الخطوة في هذا اليوم لكي يُريح قلب شقيقته.
في الخارج بقرب من مكتبهِ…
وقفت هذه الفتاة تحاول تنظيم أنفاسها بعدما سيطر عليها التوتر وهي تأخذ هذه الخطوة بعدما عادت للعمل بعد غيابٍ شارف على أسبوعٍ تام، لكنها حسمت أمرها أخيرًا ودلفت مكتبه بعدما فتحت الباب بعد الحصول على إذنه وما إن دلفت له ابتسمت بتوترٍ وهي تقول:
_صباح الخير يا “عُـدي” ممكن أدخل؟.
ترك محله وأعتدل واقفًا أمامها وهو يقول بدهشةٍ من تواجدها أمامه بعد مرور ما يقرب ثلاث ساعات عن بداية العمل:
_طبعًا اتفضلي، جيتي إزاي مش لسه في إجازة؟.
حركت كتفيها وهي تقول بنبرةٍ هادئة ولازالت مُحافظة على بسمتها أمامه:
_جيت علشان فيه ورق مهم كان معايا لازم أجيبه وجيت أجيبلك الشال بتاعك قالوا إنها هتمطر النهاردة، وعاوزة أقولك شكرًا بجد على مساعدتك ليا وعلى كل حاجة عملتها اليوم دا، أنا كنت بفكر جديًا أجيب جوز أختي يروحني.
ابتسم لها ببشاشةٍ وهو يقول بنبرةٍ هادئة هو الأخر:
_أنا معملتش غير الواجب وبس، بعدين متقوليش كدا ياستي اعتبريني فاعل خير، مش هقولك أخوكِ علشان أنتِ قمورة بصراحة فمش راكبة أني أكون أخوكِ.
تحولت بسمتها إلى ضحكة هادئة ثم مدت كفها له بحقيبة ورقية بنية اللون وهي تقول بامتنانٍ له:
_شرف ليا إنك تكون أخويا طبعًا، على العموم الشال أهو وعلى فكرة هو حلو جدًا وبدور على واحد زيه بس مش لاقية في القاهرة، تتهنى بيه وآسفة لو اتسببت في إزعاج ليك أو عطلتك يومها، عن إذنك.
كادت أن تلتقت وتتركه لكنه أوقفها حينما هتف بلهفةٍ:
_خليه معاكِ يا “رهـف” أكيد هتحتاجيه.
التفتت له برأسها وهي تقول ردًا عليهِ:
_متقلقش، أنتَ أكيد محتاجه أكتر مني، عن إذنك وأشوفك تاني على خير هروح أسلم الورق وأمشي بعدها.
هز رأسه مومئًا لها بعدما ابتسم بعينيهِ فيما تحركت هي من المكان تتعجب من حالها، لما أتت إلى هنا ولما قررت أن تدلف له؟ كانت تصرفاتها في قمة الغَرابة والسبب الوحيد هي لتفسير ذلك هي تخشاه وتخشى وضعه نصب عينيها، لكن في حقيقة الأمر منذ ليلة مرضها وحمايته لها وهي تشعر برجفة غريبة تسير في جسدها بقشعريرة لا تعلم إن كانت بسبب خجلها أو بسبب فرحتها بموقفهِ..
في غرفة المكتب المجاور كان “سامي” يجلس برفقة ابنه الذي طالعه بعينين خاويتين يلومه على ما تسبب له منذ عدة أيامٍ وعلى ليلةٍ قضاها بين صراع الماضي وضربات الحاضر، بينما والده في كل هذا لم يهمه سِوى أن لا ينتصر الأخر عليه لذا سأله باهتمامٍ جليٍ:
_أوعى يكون “يـوسف” شافك وأنتَ متكتف؟.
ابتسم الأخر بزاوية فمه ما إن وصل إليه سؤال والده وقال بنبرةٍ ساخرة تهكمية:
_قصدك يعني وأنا معمول عليا نمرة بسببك؟ لأ متقلقش، هو اللي فَكني مش أكتر وهو اللي ضربني كدا وأنا ضربته، تحب واحد فينا يخلص على التاني لحد ما أنتَ ترتاح؟.
كانت نبرته ساخرة بمرارةٍ نطقتها عيناه بكل قهرٍ فيما سأله “سامي” باندفاعٍ يصرخ في وجههِ هو الأخر:
_أنتَ بتكلمني كدا ليه؟ أنتَ اتجننت يا “نـادر” !! بدل ما تعلي صوتك عليا روح أتشطر على اللي عَلموا عليك دول، بدل ما تموتهم جاي فرحان إنه فكك؟.
حسنًا هو يعلم جيدًا كيف يُجيد اللعب على أوتار فؤاد ابنه لكي يحركه مثل الإنسان الآلي كيفما يشاء، لكنه لم يضع في حسبانهِ أن هذه البرمجة قد تتعرض للإختراق في أي توقيتٍ لينتج عنها عصيانٌ، وقد انتفض “نـادر” من محلهِ وهو يقول بنبرةٍ أقرب للصراخ:
_ما كفاية تتاجر بيا بقى !! مشاعري دي لعبة عندك كل شوية تلعب فيها؟ كل اللي فارق معاك من إمبارح إنه ميشوفنيش كدا ؟؟ مش فارق معاك الكلام اللي اتقال؟ مش فارق معاك إني اتخطفت زي حتة عيل صغير بسبب عمايلك؟ ومش شايـ…..
توقف عن الحديث حينما أتاه الرد على هيئة صفعة قوية نزلت على صفحة وجهه وهو لا يعلم حتى كيف وقف والده مقابلًا له وكيف أصبح أمامه نِدًا له بهذه البشاعة وقد نزلت دموعه فورًا بقهرٍ وهو يحاول أن يصدق ما تلقاه في هذه اللحظة ليصله جواب والده مُجيبًا على حيرة نظراته بقولهِ:
_غور من وشي، روح في ستين داهية تاخدك.
مسح حينها “نادر” عبراته ثم هتف بنبرةٍ جامدة:
_أنا هغور فعلًا، بس مش هتشوف وشي تاني.
تركه ورحل بعد جملته يضرب الأرض بخطواتٍ واسعة وهو يشعر أن الأرض بكل وسعها لم تقبله فوقها ولم يحتويه سكنها، كل الأماكن ترفضه والجحيم يفتح الأبواب له لكي يُلقي بنفسه داخله، كافة الأمور تستعصى عليهِ حتى من ظن فيهم النجاة كانوا هم الهلاك بذاتهِ، لذا تحرك من المكتب بعينين انعدمت فيهما الرؤية تمامًا حتى أنه اصطدم في “مادلين” التي قابلته في الرواق الرُخامي وتعجبت حينما تجاوزها ولم يعبأ بها أو بصدمتهِ لها مما جعلها تمط شفتيها بيأسٍ ثم دلفت لمن تريد..
أما هو فجلس بداخل سيارته يضرب رأسه في مُحرك السيارة عدة مرات يحاول التحكم في غضبهِ لكن الأمر كان يزداد سوءًا مما جعله يحاول الهرب من نفسه قبل أن تفتك به وتأكله.
_________________________________
<“ياليتني مع الجميع مثلما كنت معكِ، ياليتني أنا”>
في منطقة وسط البلد..
كانا يسيرا بجانب بعضهما بعدما طلبت منه أن تبتاع منها بعض الأشياء الخاصة بخطبة رفيقتها الليلة، حينها كانت تُطالع الأماكن حولها بغرابةٍ شديدة نبعت عن فرحتها وحماسها مما جعله يسألها بتعجبٍ:
_مبسوطة كدا وإحنا راكنين العربية وبنمشي؟.
حركت “عـهد” رأسها موافقةً وهتفت بنبرةٍ ضاحكة:
_مش قادرة أقولك فرحانة إزاي، حاسة أني مبسوطة، بعدين بس علشان حاسة إني ناسية حاجة مهمة “مهرائيل” طلباها مني وأنا مش قادرة أحدد، و”آيـات” مش هترد عليا أكيد ولا “قـمر”.
زفر “يـوسف” بقوةٍ ثم هز رأسه مومئًا وما إن وقع بصرها على متجر خاص ببيع الكُتب القديمة سُرِقت من محلها وهي تبتسم بسعادةٍ وكادت أن تتركه لكنه أطبق بكفهِ على كفها وسألها باهتمامٍ:
_عاوزة حاجة منهم؟.
سألته “عـهد” بنبرةٍ ضاحكة:
_طب لو عاوزة هتجيبلي؟.
حرك رأسه موافقًا لها ثم تحرك بها نحو المتجر وتركها تبتاع ما تُريده ثم سألها بنبرةٍ هادئة جادة:
_أجيبلك حاجة على ذوقي؟.
هزت رأسها موافقةً له فوجدته يتحرك نحو كتب التاريخ اليوناني الخاص بأساطير الحب و ايقونات الرومانسية الخاصة بهذا العصر بعدما قرأها هو مرارًا وتكرارًا وما إن وجد مبتغاه عاد لها من جديد مبتسم الوجه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_أتمنى يعجبك، هو عجبني بصراحة.
حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم له ثم أخذت منه الكتاب، لم يكن الكتاب تحديدًا هو سبب سعادتها لكن تواجدها في هذا المتجر العتيق ورائحة الكتب القديمة والإضاءة الخافتة و واجهة المكان الخارجية التي تشبه المباني العتيقة الخاصة بالقرن التاسع عشر، كل ذلك جعلها هُنا تود سرقة اللحظات القادمة وإضافتها إلى هُنا..
راقب “يـوسف” ملامحها التي كانت تجول في المكان وقد لاحظ وجود أحد الدفاتر الورقية القديمة يحمل في غُلافهِ صورة “فيروز” و أسفل صورتها بعض الفروع الخضراء وأكواب الشاي بوريقات النعناع وأسفل هذه الصورة كتبت نفسها جملته المفضلة:
_”لا تسأليني كيف استهديت كان قلبي لعندي دليلي”
ابتسم هو بتعجبٍ من هذه الصُدفة ثم أدار الدفتر في كفهِ ليجد في ظهره جملة أخرىٰ يحبها هو أيضًا عبارة عن:
_”بخاف عليك وبخاف تنساني”
وضع الدفتر نصب عينيها وسألها بنبرةٍ هادئة:
_حلو دا؟!.
حركت رأسها موافقةً وعيناها تلمع له بسعادةٍ جعلته يبتسم أكثر هو الأخر ثم أخرج القلم من جيب بنطاله الخلفي يكتب بداخلهِ في أول صفحاته:
_كل العيون غُربة وعيونها هيَّ وَطن.
أنهى كتابة هذه الجملة ثم أخفض كفه عدة أسطر أخرى يكتب أسفلها:
_ عيونك حضنهم حلو أوي، بس أنتِ أحلى.
رفع عينيه يُراقب فضولها المنطوق من خلال نظراتها واخفضها من جديد يكتب أسفلها بمراوغةٍ:
_حبيب عيونك..
إلى اللقاء الدائم بين قلوبنا يا عسولة.
أغلق الدفتر ثم وضعه مع الكُتِب وقام بدفع الحساب وحمل الحقائب عنها وهي تقف بجواره تبتسم بكل سعادةٍ وحماسٍ لأجل ما فعله معها فيما قال هو بنبرةٍ هادئة وهو يشير للجهة المُعاكسة:
_تعالي معايا هنا يلا.
حركت رأسها موافقةً وتحركت خلفه بصمتٍ نحو الجهة التي أشار عليها لتتفاجيء بمقهى قديمة ترجع للزمن العتيق وفي الخلف صورة كبيرة لإحدى مُغنيات الزمن القديم والتي تعد رمزًا من رموز “مصر” في كل الأزمنة والأوقات وهي “أم كلثوم” بالتزامن مع ارتفاع صوتها بالمكان:
_ياما عيون شاغلوني لكن ولا شغلوني..
إلا عيونك أنتَ..
دول بس اللي خدوني خدوني..
وبحُبك أمروني..
إلا عيونك أنتَ..
دول بس اللي خدوني خدوني..
وبحُبك أمروني..
أمروني أحب لقتني بحب..
لقتني بحب وأدوب في الحب..
أمروني أحب لقتني بحب..
لقتني بحب وأدوب في الحب..
آااه وأدوب في الحب صبح وليل
وليــل على بابه.
نظرا إلى بعضهما البعض بصمتٍ والأعين كعادتها تتكلم بدلًا عن ألسنتهما حتى انتهى الصوت وخرجت هي من شرودها في عمق عينيه الدافئتين فوجدته يزفر بقوةٍ ثم جلس على أحد المقاعد وجلست هي مقابلةً له تبتسم بنفس الحماس وهي تراقب المكان بعينيها خاصةً أن المقهى كانت قديمة بشكلٍ ملحوظٍ حتى المذياع الموضوع على إحدى الطاولات فيما أشار هو للعامل بقولهِ:
_معلش يا “بندق” هات اتنين شاي بالنعناع.
حركت رأسها نحوه بسرعةٍ وهي لازالت مبتسمة فوجدته يبتسم هو الأخر لها ثم أقترب منها يهتف بنبرةٍ خافتة:
_أنا دلوقتي بفعل ما أحب مع من أحب، عقبالك.
ضحكت هي الأخرى ثم رفعت كفها تلقائيًا تمسك كفه ردًا عليه دون أي حديثٍ أخر تضيفه لتجده ضم كفها بين كفه ثم مسح عليه بصمتٍ وكأن الحديث بينهما لم يكن مُرحبًا به.
__________________________________
<“إذا كان يُصر على الشرِ فعليه تحمل العواقب”>
في منطقة نزلة السمان..
كان “إسماعيل” في حالة حماسٍ غريبة بعدما أخبرته “ضُـحى” بموافقة شقيقها وكذلك والدها وافق _بصورة مبدأية_ عن تقدمه لخطبتها وكذلك شعر أيضًا بالسعادة لأجل رؤيتها غدًا في عقد قران “تَـيام” على نجلة “العطار” بعدما اتصل وأصر على عزيمة الجميع…
لاحظه “نَـعيم” الذي كان يتناول الطعام هو الأخر بعدما اجتمعوا حول الطاولة جميعًا ولاحظ أن الأخر يأكل بشهيةٍ واسعة على عكس المعتاد فهتف بخبثٍ:
_بركاتك يا ست “ضُـحى” الواد خلص طبقه.
عند ذكر اسمها تلقائيًا رفع رأسه بفمه المُمتليء بالطعامِ ليرى النظرات المصوبة نحوه وقد انتشرت الضحكات عليه من الجميع وقبل أن يهرب “سراج” من سخريتهم أشارت عليه “جـودي” بقولها ضاحكةً:
_و “سراج” كمان يا جدو خلص أكله.
توجهت الأبصار نحو “سراج” الذي أحتقنت ملامحه وسعل من فرط الإحراج فيما استمرت عليهما الضحكات حتى هتف “إيـهاب” بثقةٍ بعدما شمل الاثنين بنظرةٍ ساخرة:
_هقول إيه؟ الراجل اللي نقطة ضعفه الحريم، غشيم.
انتبه له “مُـحي” ورفع أحد حاجبيه يسأله بترقبٍ:
_هو أنتَ بترمي الكلام عليا؟ بتلمح؟.
حرك الأخر رأسه نفيًا و أضاف بتهكمٍ:
_لأ يا غشيم بلقح.
عادت الضحكات من جديد تنتشر على الأخر الذي وزع نظراته بينهم وهتف بغيظٍ يُعاند بهذه النبرة “إيـهاب”:
_طب على فكرة بقى “إيـهاب” نقطة ضعفه مراته، يلا.
رفع حينها الأخر ذراعه يقرب زوجته منه ثم لثم وجنتها أمامهم دون أن يكترث لهم وهتف ببرودٍ جليٍ وهو يرسم الاستمتاع على ملامحهِ:
_مراتي وحلالي وكله بما يرضي الله، عقبالك.
ألقى الكلمة له وتبعها بغمزة عينٍ جعلت الثلاثة يحقدون عليه بنظراتٍ ملحوظة قرآها هو الأخر لكنه استمر في إثارة غيظهم وهو يُطعمها بنفسهِ على غير عادته لكنه يقصد هذا الفعل ويعلم نتائجه جيدًا في نفوس الآخرين.
في مكانٍ أخر…
وصل أخيرًا “مُـنذر” لهذا الرجل الذي ظل يتنقل من مكانٍ إلى أخرٍ دون أن يترك للآخر فرصة الالتقاء به، وما إن لاحظ “مُـنذر” عودته أخيرًا خرج من سيارتهِ يقطع عليه طريق العبور للزقاق الضيق وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_والله ما أنتَ مكمل !! عاوزك يا غالي.
انتبه له الرجل وطالعه باستنكارٍ شديد واستفسارٍ غير منطوقٍ من خلال عينيه وقد قرأ “مُـنذر” نظراته فجاوب حيرته بقولهِ:
_معاك “مُـنذر الحُصري” ابن أخو “نَـعيم الحُصري” اللي أنتَ واخد ابنه من “سـامي” تتاجر بيه، فين الواد وفين مكانه؟ وقبل ما تلاوع معايا، رجالة السمان عاوزين يتعرفوا عليك، تحبي تيجي؟ ولا تحب يتحط عليك في شارعك قدام الكل؟.
ازدرد الأخر لُعابه بخوفٍ وكاد أن يأخذ خطواته نحو الركض لكنه لم يضع في الحُسبان قدوم أحد الرجال من خلفهِ يضيق عليه الخِناق ثم وضع في خصره فوهة السلاح ليضيف حينها “مُـنذر” بشرٍ حينما ابتسم بثقةٍ:
_ها !! تحب تاخدها ونخلص وبرضه هنعرف من بقية رجالة عيلتك ولا تقول أنتَ وتاخد القرشين؟ تحب نتكلم بالأدب الأول ولا ندخل بقلة أدب؟.
حرك رأسه موافقًا بخوفٍ جعل “مُـنذر” يشير إلى معاونهِ لكي يرغم الأخر على السير معه ثم وضعه بداخل السيارة دون أن يُظهر السلاح، فيما جلس “مُنذر” خلف عجلة القيادة تاركًا الأخر بصحبة معاونه الذي يقبض عليه، وهو يعلم أن مسألة الحصول على ابن عمه فقط تتطلب عدة ساعات أو ربما أيام قليلة.
__________________________________
<“إذا زارك عدوك أكرمه، لكن بما تُحب أنتَ”>
في الكنيسة الموجودة بحارة “العطار”..
تم إقامة حفل نصف الإكليل لخطبة “بيشوي” و “مهرائيل” بحضور العائلة وفقط المقربين منهم في هذه اللحظة وقد تم الإنتهاء من المراسم الرسمية ثم الاستعداد للاحتفال الليلي في شقة “مهرائيل” بحضور الحشد الكبير..
حينها كان “أيـوب” في شقة حماته برفقة زوجته التي أصرت أن يأتي إليها بدلًا من جلوسهِ بمفردهِ بعيدًا عن الاحتفال بداخل الكنيسة وحينها هتف هو بسخريةٍ عند رؤيته لها تحمل أكواب الشاي:
_دا أعتبره أدبًا لحالي المايل يعني؟.
حركت رأسها موافقةً ثم جلست جواره وهي تقول بنبرةٍ هادئة تزهو في نفسها:
_بكرة هعدل حالك وهاخد جايزة الأوسكار أني عدلتك.
لوح لها بذراعهِ وهو يقول مستهترًا بما تفوهت به:
_يعني أنتِ عدلتي برج بيزا المايل؟ أقعدي بقى.
لكزته في مرفقهِ ليضحك عليها وفي هذه اللحظة صدح صوت هاتفه برقم “أيـهم” فقال هو بلهفةٍ:
_استني هرد على “أيـهم” وأجيلك على الله تزودي سكر زي المرة اللي فاتت، هسيبك في بيت أمك هنا.
تحرك من أمامها لتضحك هي عليه ثم أضافت السكر في الكوب الخاص به وهي تعلم أنه سيتناوله طالما هي من فعلته لأجلهِ وقد صدح صوت جرس الباب في هذه اللحظة وقد توسعت ضحكتها وهي تعلم أن الطارق شقيقها لذا تحركت صوب باب الشقة بالتزامن مع خروج والدتها التي فتحت الباب بعدما وضعت غطاء رأسها لتجد أمامها آخر من توقعت ظهوره وهو يبتسم قائلًا ببرودٍ:
_إزيك يا “غَـالية”؟! ولا أقولك يا أم “يـوسف” ؟.
صُعِقَت حينما رأته أمامها بكل هذا التبجح بينما دلف “سامي” يقف أمامها وهو يقول بنبرةٍ هادئة لا تنم سوى على الشر:
_أنا جيت أعمل الواجب مش أكتر، وقولت مش أصول أكون هنا وماجيش أشوفك علشان كدا هقولك كلمتين وأنتِ حرة، لمي ابنك أحسنلك وجوز بنتك بدل ما المرة دي أحرمك منه لآخر يوم في عمرك إذا كان باقي ليكِ عمر، قوليله يهدا على نفسه بدل ما أزعلك عليه وأزعله على نفسه؟.
وقفت أمامه صامتة بأنفاسٍ تتلاحق كمن يركض في سباق العدو وهي تبحث بعينيها عن سكينٍ حادٍ أو أي ما يمكن استخدامه لقلع رأسه من محلها فأضاف هو بنبرةٍ متريثة بعدما طالع “قـمر” التي ضمت كفيها في قبضتين بخوفٍ من ظهورهِ:
_خلي بالك على عيالك أحسنلك، سلام.
التفت لكي يرحل من جديد فوصله صوتٌ يقول بتهكمٍ:
_سلام !! من غير واجب الضيافة؟.
التفت لصاحب الصوت فوجد “أيـوب” يقترب منه وبحركة هادئة أدخله من جديد للداخل ثم أغلق الباب وهو يقول بنبرةٍ لم تظهر سوى الرُعب حينما هتف بتريثٍ هو الأخر:
_يا أخي دا واضح إن الست الوالدة كانت مشاغلها كتيرة أوي لدرجة إنها مفضيتش حتى يوم تربيك؟ بس وماله ربنا يجعلني سبب في ربايتك.
أنهى جملته ثم بدأ يُشمر ساعديه ليبدأ في أول دروس الأدب وحقًا فاض الكيل به ومن قدرة تحمله خاصةً حينما لمح تهديده المُبطن بزوجته التي يعلم جيدًا أنها ستغلق على نفسها برفقة خوفها مُجددًا فهيا بنا نرى أول حلقات الأدب مع يكن بداخله كل طرق الأدب.
_____________________

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى