روايات

رواية غوثهم الفصل الثاني والستون 62 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الثاني والستون 62 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الثاني والستون

رواية غوثهم البارت الثاني والستون

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة الثانية والستون

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل الثاني والستون”
“يــا صـبـر أيـوب”
__________________
_ربي لا إله لا أنتَ عَلام الغِيوب..
ووحدك كاشف الأسباب ومُقلب القلوب.
نسألك وإن كُنا لا نستحق سؤالك
أن تمحي خطايانا وتغفرلنا الذنوب.
أعلم أني عاصيك لكني برغم ذلك
أطلب عفوك وحُبك في قلبي هو المكتوب..
رحماك يا مولاي فإني عدوي
وعدو المرء نفسه والنفس تهوى أن تتوب..
_”غَـــوثْ”
__________________________________
كُل شيءٍ منذ أن وجدتُكِ أضحىٰ غريبًا..
وغريبةٌ هي الدُنيا من بعد ظهوركِ
وكأن كُل المعاني المُبهمة ظهرت في وجودك…
وأول هذه الأشياء كان أنا، فمثلي لم يُحب يومًا ولا حتى يَملكُ لقلبهِ عزيزًا، عُرفت عنه الكثير من الصفات سواء إن كان زاهدًا أو جريئًا أو بين طرقات المدينة بها غريبًا…
أتيتِ أنتِ وكُنتي فتنةً للزاهدِ ووطنًا للغريبِ وأدبًا للجريءِ ومأوىٰ لقلبي الذي لم يَكُن له حبيبًا…
وغدوت أتساءل، كيف الدنيا من قبل مجيئك؟
إن كان مجيئك هو الدُنيا بذاتها؟.
<“غريبٌ في أرضنا، مكروهٌ في قلوبنا”>
_أنتَ مين ؟.
هذا السؤال الذي ألقته هي عليه بتيهٍ بعدما أقترب منها يُلثم وجنتيها كليهما على حِدة ثم أبتعد عنها للخلف وقد أخفض جسده للأمام وقبل أن يجاوبها بحديثهِ قطع التواصل بينهما صوتٌ تبغضه هي وتكرهه وتكره حتى ذرات الهواء التي تحمله فيما اندهش “يوسف” من دخول “سـعد” مكانهما في هذا التوقيت وهو يهتف بكل برودٍ:
_سوري شكلي جيت في وقت مش مناسب، بس أنا أجرت الشقة اللي في الدور التاني علشان هتجوز فيها، مش أنا قولتلك يا “عـهد” لما اتكلمنا مع بعض؟ على العموم طلعت أتطمن على السطح معرفش إنكم مقضيينها هنا.
تلاشت بسمة “عـهد” وبكل تلقائية قبضت على ذراع “يـوسف” تتلمس منه الأمان، بينما الأخر وقف يوزع نظراته بين نظراتها الخائفة وبين ذلك المُحتل الذي أحتل أرضهم يُعكر صفوها لكن حديثه لم ينفك عن عقله ويغادره وخاصةً والآخر يبتسم له بكل وقاحةً، هل سيتصدى للمحتل أم سيتسلم له؟ قبل أن يبدأ “يـوسف” توبيخ الأخر قام “سـعد” بسحب مقعدًا خشبيًا ثم جلس عليه تحت أنظارهما الثابتة عليهِ ليهتف ببرودٍ كعادتهِ:
_حلو السطح دا، حظي حلو أني طلعت أطمن عليه أهو أشم شوية هوا نضيف ونشوف حاجات حلوة برضه.
كان يُشير إليها بكلماته يقصد إثارة غيظ “يـوسف” الذي هتف بتبجحٍ بعدما أوشك الأخر على النطق من جديد:
_وطالع تطمن ليه يا حيلة أمك؟ أمك والدة فوق السطح؟.
“حسنًا لقد وجدنا “يـوسف” هذا هو المعهود بنفس الطريقة الوقحة” هكذا هتفت “عـهد” لنفسها حينما عاد لطبع لسانه الوقح والسليط، أما الآخر فرفع حاجبيه يتصنع الضيق ثم هتف يعاتبه بقولهِ:
_كدا !! دي معاملة الجار للجار؟ بس معذور يا “يـوسف” أنتَ برضه مشوفتش شوية، يعيني حياتك كلها بؤس خالص والله صعبت عليا، حد يشوف اللي أنتَ شوفته دا ويفضل ثابت مكانه كدا عادي بعد البشاعة دي؟.
هتف “يـوسف” ردًا عليهِ بلامبالاةٍ يخبره عن طريقها بمدى حقارته وخاصةً حينما رفع ذراعه يضم له “عـهد” ويخفي الظاهر من خصلاتها تزامنًا مع نطقه:
_عادي يا “سِـعدة” مانا كملت زي الفل أهو وواقف على رجلي وشايفك قصادي، هو فيه أبشع من كدا يا راجل؟؟.
تلقائيًا تمسكت بذراعهِ أكثر وقد لاحظ “يـوسف” ذلك وكأنها تتوسله بطريقةٍ غير مباشرة أن يفض هذا الحوار، أما الآخر فأضاف مُتشدقًا بنزقٍ بعدما رتب الحديث جيدًا:
_أنا برضه قولت الحل إيه ؟ الحل إيه لحد ما لقيت الحل، وهو إنك دورك هنا خلص خلاص، أنتَ كنت متجوزها حماية مني، وخلاص حميتها، يعني تاخد اللي ليك وترجع تاني غريب زي ما كنت، بدل ما عمك يعرف هو والدنيا تتقلب عليك، خصوصًا إنك لسه مشبيعتش من أهلك.
هذا لم يَكن سِوىٰ تهديدًا مُباشرًا يخبره عن طريقه أنه يعلم كل شيءٍ عنه وتلقائيًا تبدلت ملامح “يـوسف” وحرك رأسه بحركةٍ غريبة كأنه يستفسر منه، أما “عـهد” فتوسعت عيناها بدهشةٍ يُرافقها الخوف في حين أكمل “سـعد” حديثه بنفس الأسلوب البارد وأضاف مستمتعًا:
_تخيل كدا معايا ؟! أنتَ تاخد عيلتك وتمشي…
ولا أقولك بلاش خليهم هنا وسطنا وأنتَ كمان وسطنا بس تطلقها وكدا كدا يعني دي برضه منطقتك، ومنها تبقى بتحمي أهلك وقبلها بتحميها هي.
طالعته “عـهد” باشمئزازٍ وكأنه يتفنن في اثبات دنائة شخصه، كيف يتم وضعه ضمن صف الرجال ؟ كيف يملك الجرأة لكي ينطق بذلك ويطلب زوجة من زوجها؟ إذا قتله زوجها الآن لن تلومه، وقد تيقنت من ذلك حتى حدث مالم تتوقعه هي وهتف “يـوسف” بخنوعٍ له:
_وأنا موافق يا “سـعد”.
حركت رأسها نحوه بدهشةٍ ليتركها محلها ثم أقترب من “سـعد” يجلس بجوارهِ وهو يقول بنبرةٍ خبيثة سلحها جيدًا بالبرود حينما هتف بما لم يتم توقعه:
_أنا موافق أطلقها وترجعلك، بس قبلها تروح زي الشاطر لأبوك تقوله طلق أمي وهاتهالي وتعالى، قولت إيه ؟؟.
رفرفت “عـهد” بأهدابها وفرغ فاهها بوضوحٍ، ما هذا !! من الأكثر وقاحةً بينهما ؟ أما “سـعد” فعند هذه الإهانة تهجمت ملامحه وبدا وجهه مشدودًا حتى قال “يـوسف” بآسفٍ مصطنعٍ عليه:
_لأ لأ، متقولش إنها جرحتك؟ شوفت كلام يضايق الرجالة إزاي ؟ تخيل أنتَ دي شخصيتك وزعلت ما بالك بيا واحد دمه حُر ؟ يعني لما أصفيك مكانك محدش هيلوم عليا، بس برضه أنا قارح وقاريك، مش هريحك وأودي نفسي في داهية علشان واحد زيك، هفضل هنا ومتبت وبكرة أملا الحارة دي عيال كل ما تشوفهم يخلوك تكره عيشتك، دا لو كنت عايش أو لسه حُـر.
حرك “سـعد” عينيه نحوها وهي تتابع “يـوسف” بعينيها وكأنها تمتن له ؟! هل حقًا تحبه لهذه الدرجة حتى تنطق عيناها بما تمناه هو له منها ؟ راقبه “يـوسف” بنظراته وعلى حين غُرةٍ سحبه من سترته وهو يهدر من بين أسنانه بتحذيرٍ:
_عينك متترفعش فيها تاني بدل ما أشيلهم من مكانهم، هي مش ليك ومتخصكش، دي باسمي أنا، وطالما طريقها مع طريقي على الله أشوفك في نفس الطريق، علشان مش هسمي عليك ساعتها، أنا هدوسك، ووجودك هنا تاني مش هيحصل.
أبتعد عنه “سـعد” يهتف بنفس البرود دون أن يترك له فرصة الشعور بالتغلب عليهِ وكأنهما غريمان يتنافسان سويًا:
_ما قولتلك آجرت الشقة اللي في الدور التاني من الحج “توحـيد” يعني أنا هنا ليا زيي زيك في السطح، كنت فاكره سطح أهلك وأنا معرفش ؟؟.
رد عليه الأخر بسخريةٍ يتهكم بالرد عليهِ:
_لأ فاكره عشة فراخ أمك، أمك اللي قريب أوي هتبوس الأيادي علشان تترحم مني وأنا والله ما هرحمك واتقي شري أحسنلك بما إنك عرفت عني كل حاجة بقى، ولا إيه ؟.
ترك المكان بعدما كاد يرمي نظره نحوه دون أن يستعيده من جديد، يصعب عليه أن يراها مع غيرهِ ويصعب عليه أن يجدها مع أخرٍ ويصعب عليه أن تكون أمام عينيه دون أن يراها، “عـهد” !! تلذذ باسمها منتشيًا وهو يتخيلها بين ذراعيه تحتضنه بدلًا من “يـوسف” والوقت بات قريبًا وسيحصل عليها إما أن يقوم بهدم حياة “يـوسف” فوق رأسه.
أما الآخر بمجرد اختفاء الأخر من أمامه أطلق سَبة بذيئة من بين شفتيهِ ثم ضرب المقعدين ببعضهما عن طريق قدمهِ وبات الغضب بداخلهِ مُتفاقمًا، لأول مرة يتجرأ عليه أحدهم ويقف صامتًا فقط لأجل وقوفها هي ولأجل أسرته الموجودة في الأسفل، لاحظت هي حالته وحينها اقتربت من خلفه تضع كفها على كتفهِ تنطق بآسفٍ له كونها المُتسببة في ذلك حتى بدا صوتها مُحشرجًا:
_أنا آسفة والله، أكيد ماكنتش أعرف أنه هيوصل لكل حاجة عنك ويتسبب في ضرر ليك، مش هنكر إن كل دا بسببي بس والله لو أعرف كنت حذرتك أو حتى خليتك تمشي من هنا مع عيلتك متطورتش فيا كدا، أنتَ مش ناقص مشاكل فوق مشاكلك.
التفت لها برأسهِ يُطالعها من فوق كتفهِ بحيرةٍ فوجدها تبكي رغمًا عنها كان بكائها ندمًا، في كل مرة تستشعر مدى تورطه فيها بكل مشاكلها، تارةٌ عائلتها وتارةٌ أخرى هذا المهووس بها، أما هو فبدون أن يتحدث ضمها له ماسحًا على ظهرها برفقٍ حتى بكت هي من جديد بصوتٍ عَلا عن السابق.
تركها تبكي وتخرج ما بجوفها، أما هي فتحدثت من بين بكائها تخبره بما تفكر فيه في هذه اللحظة:
_أنا ما صدقت أتطمن، ما صدقت لقيت حد أقدر أقف في وش الدنيا علشان هو هنا معايا، حتى دي كمان كتير عليا؟ خايفة الأذى يطولك وخايفة يحصل حاجة بسببي.
سحب نفسًا عميقًا ثم لثم جبينها وهتف بنبرةٍ مبحوحة نتيجة الإنفعال الذي تفاقم بداخلهِ وأخذ يضرب في صدرهِ:
_أديكِ قولتي أهو، أنا هنا معاكِ، يعني متشغليش بالك أنتِ والزفت دا أمره سهل هيعدي، المهم أنتِ بطلي عياط وفكريني كدا كنا بنقول إيه قبل ما يطلع الهباب دا.
أبتعدت عنه تطالع عينيه بخجلٍ لتجده يبتسم لها ثم سألها وكأنه تذكر من جديد لتوهِ:
_هو كلمك إمتى وقالك أنه هيخطب؟ وكلمتيه ليه أصلًا.
تحرك بؤبؤاها بتوترٍ ملحوظٍ وهتفت بصدقٍ تُبريء نفسها أمامه بقولها:
_والله العظيم كنت هقولك، بس أنا خوفت تروح تعمل حاجة فيه وأنا مش عاوزة مشاكل ليك، علشان كدا سكت وقولت كأنه ملهوش لازمة وجوده زي عدمه هو قابلني وأنا نازلة من البيت، بس هتعمل إيـه لو راح قال لعمك؟ أنا خايفة يأذي حد منكم.
أغمض جفونه لوهلةٍ ثم فتحهما وهتف بنبرةٍ هادئة:
_متقلقيش نفسك، كله بيعدي وهيعدي بعدين أنا هتصرف المهم أنتِ متزعليش نفسك ومتخافيش وأظن دلوقتي هروح معاكِ شغلك وأرجعك منه، بس أعرف الجج أجرله الشقة إزاي.
ما إن لاحظت جمود نبرته وكأنه يتوعد له حينها هتفت بنبرةٍ مهتزة توضح له الأمر بقولها:
_أكيد مش الحج “عبدالقادر” لأنه مش بيأجر لحد لوحده، صاحب الشقة مشتريها لابنه اللي كان هيتجوز بس محصلش نصيب، أكيد ضغط عليه لحد ما أجرها ليه بدل القفلة، والتاني ما هيصدق طبعًا.
هز رأسه مومئًا فيما وقفت هي تائهة للحظاتٍ ثم حسمت أمرها وضمته بكلا ذراعيها الصغيرين نسبةً لجسده وهي تقول بنبرةٍ هادئة تحاول طمئنته بقولها الذي خرج بوتيرةٍ سريعة:
_أنا عاوزاك متخافش علينا إحنا كلنا بخير وأنتَ معانا هنا.
أرادت أن تفعل كما يفعل هو دومًا أرادت أن تُطمئنه وتحتوي غضبه فيمل ذُهِلَ هو من فعلها الغريب الغير متوقع منها إطلاقًا أما هي فأدركت ما فعلته وحينها ابتعدت عنه تهتف بتوترٍ بسبب نظراته التي بدت لها وكأنها تبتسم:
_أنا…أنا كان قصدي يعني أطمنك.
قبل أن ينطق هو ردًا عليها وجدها تركض من أمامهِ كعادتها حينما تتوتر أو تتصرف بحريتها أو العكس من جهته، بعد نزولها خرج يطمئن عليها حتى أغلقت باب الشقة ووصله الصوت فأغلق السطح حينها ونزل على قدميهِ يَهتف عند مروره من جوار شقتها:
_أنا متطمن علشان أنتِ هنا.
__________________________________
<“يشبه قلبي كثيرًا، يبدو وكأنه صورة أخرىٰ مني”>
جلس في غرفتهِ بعد مرور عدة ساعات من نومهِ واستيقظ ليقيم الليل قبل أن يذهب إلى المسجد، كعادة روتينه اليومي الذي يختص بالعبادات الدينية والإلتزام بالطاعات، تجهز لصلاة القيام بعدما توضأ وارتدى عباءة الصلاة وقبل أن يقوم بالتوجه إلى ركن الصلاة بغرفتهِ، وصله صوت طُرقات خافتة جعلته يتجه نحو الباب وقد سبق وعلم هوية الطارق الذي لم يكن سِوىٰ “إيـاد”.
فتح له مُبتسم الوجه البشوش وقال يمازحه بقولهِ:
_لسه فاكر إنك ليك صاحب هنا ؟ ولا خلاص يعني من لقىٰ أحبابه نسي أصحابه؟ بطلت تيجي تسأل على حبيبك ؟.
دلف “إيـاد” الغرفة وأغلقها خلفه ثم هتف يرد عليه بنبرةٍ ضاحكة هو الأخر:
_مش أنا كنت معاك من يومين وفضلت تتكلم معايا؟ أنا جاي أفرحك وأقولك إني قولتلها يا ماما، ماكنتش حابب بس قولتها وخلاص بقى.
هتفها بقلة حيلة جعلت “أيـوب” يرفعه بين ذراعيهِ ثم طبع قُبلة فوق وجنته وهتف يحثه بقوله مستفسرًا:
_طب لما قولتها ليها كنت فرحان؟.
حرك رأسه موافقًا وأضاف يؤكد له ذلك بقوله:
_آه، بس هي فرحت أكتر مني، وأفتكرت لما قولتلي إن هي محتاجة أكون صاحبها أكتر منها هي، أنا بحبها بس خايف يا “أيـوب”، هي مش هتمشي زيها صح؟.
سأله بترقبٍ جعل “أيـوب” يتجه به نحو الأريكة يحاوطه بين ذراعيهِ وهتف يُطمئن قلبه بقوله حينما استشف خوفه وأشار على والدته بصيغةٍ مستنكرة:
_إن شاء الله مش هتمشي، خلي أملك في ربنا كبير يا سكر، وبعدين إيه اللي مخوفك كدا ؟ أنا هنا أكتر واحد عارف أنتَ بتحس بإيه علشان علطول سرك معايا، بعدين قولي بس أنتَ لسه حاسس إنك متضايق هنا ؟؟.
حرك رأسه نفيًا وهتف بصدقٍ بعدما تذكر ماحدث معه اليوم:
_لأ خالص، أنا فرحان أوي، عارف كمان ماما جت وخدتني من المدرسة، كنت فرحان أوي ولما بابا جه فرحت أكتر علشان كنا مع بعض إحنا التلاتة، وأقولك كمان؟ أنا بقيت بحب هنا علشان هي معايا بنذاكر وبنلعب و بتسرحلي شعري، كنت فاكر إنها هتسيبني لـ تيتة “وداد” زي قبل كدا، أنا بقيت مبسوط أوي.
ضمه “أيـوب” إلى صدرهِ معانقًا له بحنوٍ وهتف بنبرةٍ هادئة بعدما لثم قمة رأس الصغير شارحًا له الموقف من منظورٍ أخرٍ:
_فاكر لما قبل كدا كنت بقول لبابا ربنا مش بيحرمنا، ربنا بيرحمنا من نفسنا واختياراتنا؟ نفس الحكاية أنتَ بنفسك أهو شوفت إزاي بقيت مبسوط وإزاي بقيت فرحان وبقى عندك ماما أهو، قول بقى الحمد لله وتعالى نصلي قيام الليل.
تصنع الصغير نومًا كاذبًا عند استماعه لـ “قيام الليل” حتى حمله “أيـوب” بُغتةً على كتفه لينتج عنها صرخة الصغير بنبرةٍ ضاحكة وهو يتوسله ألا يدور بهِ حتى ضحك الأخر معه ثم أدلفه المرحاض حتى يتوضأ ويصلي معه وهو يعلمه كما تمنى أن يكون أول من حمل بذرة الخير بداخلهِ في هذا البيت يكون هذا الملاك الذي أتى للبيتِ وكان ربيعًا يُحيي زهورهم من جديد.
__________________________________
<“لو كانت الأمور بيدنا كُنا تناسينا”>
في الأعلى أنهت الإتمام على حقيبتها وعلى تحضير دفترها ثم نظرت حولها في هذه الغُرفة الفارغة عليها، شعرت بالضيق أو ربما الإحراج بعدما استولت على غُرفتهِ وفقط تتحدث معه بصورةٍ مُنسقة أقرب للرسمية، من المفترض أنه زوجها وتكون العلاقة بينهما أبسط من ذلك، لكنها هُنا تخجل كثيرًا، لقد أخذت الكثير من الوقت لترمم بناء جسدها من جديد، أخذت الكثير حتى تُعيد ثبات روحها المُنهكة، وما تفعله في حق زوجها بمثابة الانتقام من الأخرِ وهي لم تقبل أن تكون ظالمة فقد عانى هو الأخر قبل حضورها إلى حياته.
كانت ترتدي منامة باللون الأزرق تخفي جسدها بالكامل وخصلاتها التي بدأت تفردها منذ يومين، كانت رقيقة مثل ريشة نقلتها الرياح لتستقر على غصنٍ يأويها، تحركت بعيدًا عن الفراش لتتوجه إلى غرفة الصغير تطمئن عليهِ، لا يهم تطمئن على مَن لكنها ستطمئن وهكذا بررت لنفسها وهي تطرق الباب بطرقاتٍ خافتة حتى ظهر لها “أيـهم” يسألها مُستفسرًا بتعجبٍ:
_أيوة يا “نِـهال” فيه حاجة؟.
بدت مشوشة أمامه وقد وجدت سببها الذي أتت إلى هنا لأجلهِ وهي تقول بنبرةٍ ثابتة بكذبٍ وكأنها لم تملكه أساسًا:
_أنا خلصت الحاجات اللي كانت ورايا وجيت أتطمن على “إيـاد” أشوفه نام ولا يكون عاوز حاجة مني.
أبتسم لها بهدوء وأردف ردًا عليها بنبرةٍ هادئة أيضًا:
_هو فضل قاعد معايا شوية وانشغلت عنه في ورق مهم تبع الشغل وحسابات بقفلها طلب ينزل يقعد مع “أيـوب” شوية، سيبته ينزل وغالبًا هيبات معاه لحد الفجر وبعدها يطلع يكمل نوم لحد المدرسة، وغالبًا كدا بيصلي تحت مع “أيـوب”، اتطمنتي؟.
حركت رأسها موافقةً وهي تجبر شفتيها على التبسم بتوترٍ ثم هتفت تسأله باهتمامٍ وهي تحاول أن تكون طبيعية دون أن تفرض نفسها عليهِ:
_طب وأنتَ؟ محتاج حاجة أو عاوز مني حاجة؟.
كان الجواب حاضرًا في ذهنه لكنه تلاشى أمام عرضها وخشى أن يحرجها محاولًا التحكم في نفسهِ وقد هتف بنبرةٍ هادئة:
_لأ شكرًا، لو تحبي تقعدي معايا لحد ما أخلص الورق دا أنا معنديش أي مانع، لو لسه قدامك وقت يعني مش لازم تنامي.
كادت أن تعتذر له وحقًا قد تخطت موعد نومها بكثيرٍ لكنها لم تقو على الرفضِ أمامه، لم تقوْ أن ترفض له الطلب الوحيد الذي يخصه لذا حركت رأسها موافقةً ثم هتفت بلهفةٍ:
_تشرب شاي طيب؟.
ما إن حصلت على الموافقة حينها تحركت من أمامه لتتركه مُبتسمًا من جديد وقد جلس على أريكة صغيره وأمامه الطاولة التي يقوم بأداء عمله عليها، كانت طاولة صغيرة في أسفلها العديد والعديد من الأشكال الكرتونية تتناسب مع الغرفة التي كانت باللون الأزرق مع والأحمر معًا وكأن من يعيش بداخلها يسكن في فيلمٍ كرتونيٍ.
دلفت له تجاوره عن غير عمدٍ ووضعت الشاي لهما سويًا ليأخذه منها وهو يشكرها بحديثهِ فيما جلست هي بهدوءٍ تحاول برمجة الحديث الذي قد يخونها وينقل صورة أخرىٰ عن ما تحاول وصفهِ:
_أنا كنت عاوزة أقولك أنا مش حابة أكون بتقل عليك، يعني نومك هنا وقعادك وسايب أوضتك دا غلط، مهما كان دا بيتك أنتَ فياريت ترجع أوضتك تاني ولو فيه حاجة مزعلاك في وجودي بنفس الأوضة أنا ممكن أنام في الأوضة التانية دي بس ياريت محسش إنك متضايق.
انتبه لها وعلم أن هذا الحديث نتج عن تفكيرٍ كثيرٍ جعلها تتحدث بهذه الكلمات لذا هتف بنبرةٍ هادئة ردًا عليها حتى يرفع عنها الحرج والخجل ويزيل عنها عبء التفكير:
_أنا مش متضايق من وجودك بالعكس، أنا مش حابب إني أكون مضايقك بوجودي، ومش عاوزك تحسي إني مفروض عليكِ أي حاجة، أنا لو عليا فهمت إنك مش متقبلة وجودي وفهمت برضه إن الدافع لوجودك هنا كان “إيـاد” فعلشان كدا أنا اللي مش حابب أفرض نفسي ثم إن دا بيتك أنتِ.
علمت أنه فهمها بصورةٍ خاطئة غير التي كانت تود الحديث عنها معه لكن ما لفت نظرها حقًا هي وجهة نظره في رأيها بهِ من أخبره أنه فُرِضَ عليها أو ما شابه ذلك لذا اندفعت تحدثه بلهفةٍ بكت أثنائها:
_بس أنتَ مش مفروض عليا، أنا لو حاسة بنسبة ١٪ إنك مش مناسبني أنا مستحيل كنت هكون هنا ولا أكون مراتك، أنا بس اتخضيت، لما اتقفل علينا باب واحد افتكرت إني قبل كدا اتقفل عليا باب واحد برضه مع واحد كان بيضربني أكتر ما بيقولي صباح الخير حتى، واحد كل ما أرفض قربه ييجي يعتدي عليا، كان لازم أخاف وأحاول آمن نفسي علشان مفتكرش اللي عيشت بحاول أنساه.
صدمته بحديثها الذي يسمعه لمرتهِ الأولى منها ليزداد بكاؤها من جديد فلم يكن أمامه سوى أن يخطف المحارم الورقية ثم أعطاها لها هاتفًا بهدوءٍ:
_أمسحي بس دموعك دي ومتزعليش نفسك، بلاش تقولي حاجة أنتِ مش حباها في النهاية كل واحد فينا بيتعلم من اللي فات، أهدي وبطلي عياط.
مسحت دموعها لكن أنفاسها أتضح أنها لم تكن مُنتظمة لذا أقترب منها أكثر ثم رفع إبهامه يُزيل الدموع العالقة في أهدابها ماسحًا على كلتا عينيها وكلمة “اعتداء” تتردد في ذهنهِ، أما هي فطالعته تعتذر له من جديد بقولها حينما تذكرت صورتها وهي ملقاة أرضًا بعد تعدي الأخر عليها:
_أنا آسفة والله…بس أنا ماكنتش بقدر أتكلم، مش عاوزاك تزعل مني ومش عاوزاك تيجي على نفسك علشاني، أنا وافقت علشان مقدرتش أعاند مع نفسي وأنا شايفاك أب وزوج وصاحب وأخ، وأنا مجربتش كل دول ومكانش ليا أخ يجيبلي حقي.
ضمها له حتى وضعت رأسها على صدرهِ ولازالت تبكي فيما مسح على رأسها وظهرها ثم هتف بثباتٍ يحاول طمئنتها دون أن تشعر أنها مجبورة على أي شيءٍ هُنا:
_وأنا معاكِ أهو، جوزك وصاحبك وفي ضهرك وأكيد مش هقبل حد يزعلك ولا حد يأذيكِ، وأي حاجة مزعلاكي وعد عليا هتنسيها، وبالنسبة لموضوع أخوكِ دا أنا يا ستي موجود بس مؤقتًا يعني مش كتير…
ابتسمت من بين دموعها ثم أغمضت جفونها بعدما غفيت محلها، لا تدري كيف استسلمت لسلطان النوم بهذه الطريقة وكيف تقبلت هذا القرب وهي من الأساس تصنع الحدود بينهما، أما هو لاحظ انتظام وتيرة أنفاسها فعلم أنها غفيت على صدرهِ لذا ظل مكانه ثابتًا حتى يثبت نومها ثم ينقلها بعد ذلك.
وقد رفع كفه يمرره على وجهها، تبدو كفتاةٍ صغيرة تعلقت بهِ ومن الأساس هو كان في أمس الحاجةِ لمن تتمسك به، لذا برغم نومها وسكونها على عضلات صدره إلا إنه شعر أنه كما الزهور في ربيعها حين ينطلق رحيقها، هو الآن تُرفرف روحه في أُفقٍ عالية.
__________________________________
<“نحن والبحر نتشابه في وحدتنا”>
في صبيحة اليوم الموالي..
خاصةً بمنقطة نزلة السمان كان “نَـعيم” جالسًا في مكتبه بهزيمةٍ اتضحت عليه وهو يقرأ الأوراق التي أعطاها له “مُـنذر” ليؤكد له أن بالأوراق هذه له ابن شقيق، تاريخ الميلاد والمذكرات التي دونها “ماكسيم”، من المفترض أنه تم خطفه لأجل الإتجار به، ومن المفترض أن يكون ابنه كذلك؟ ابتلع الغصة المريرة في حلقهِ وكأن الحمل ازداد عليه، لم يعد قويًا كما عُرِفَ عنه، يود أن يبكي ويصرخ ويتألم لكنه ابتلع كل ذلك بداخلهِ، أراد أن يطمئن، لكن كيف يطمئن؟ هل يُحق لِمَن وضع السيف فوق رأسهِ أن يأمن ؟.
انتبه لصوت الطرقات فوق الباب ليُحمحم بخشونةٍ ثم أذن لمن يطرق بابه فلم تكن سوىٰ “سمارة” التي دلفت بالقهوة وهي تقول بزهوٍ في نفسها تفخر بما صنعته دون طلبٍ منه:
_عملتلك كوباية قهوة بقى إنما إيه ؟
وعلى السبرتاية صحيح ماليش خُلق ليها بس كله علشان.
أبتسم لها رغمًا عنه فيما وضعتها هي وراقبت ملامحه لتسأله باهتمامٍ بعدما لاحظت ذلك بعينيها:
_مالك يا حج؟ فيه حاجة تعباك؟ أجيب “مُـحي” يقيسلك الضغط طيب؟.
حرك رأسه نفيًا ثم أشار لها حتى تجلس على المقعد المجاور لمكتبهِ وما إن جلست هي تحدث بنبرةٍ واهنة كأنه يحارب للتحدث قائلًا:
_حاسس إني هقع، أنا مش هقدر أقول كدا قصادهم علشان ربيتهم على العِزة ورافعة الراس مهما اللي كان فيهم، بس أنا مش قادر، الحِمل تقل عليا أوي، بقولك علشان بعتبرك بنتي، وعارف إني لما أفضفض معاكِ بكلمتين مش هتقولي لحد، ادعيلي يا “سـمارة” ربنا يريح قلبي، ويجمعني باللي ليا.
رغم أن الحديث مُبهمًا بعض الشيء إلا إنها حركت رأسها موافقةً وقالت بعفويةٍ كعادتها دون أن تزين كلماتها:
_روح ربنا يراضيك يا حج ويرضى عنك ويكرم قلبك باللي نفسه فيه ويجمعك باللي ليك، وإن كان الغايب موجود ربنا يرده ليك بين أيديك وإن كان مش هنا ربنا يجمعك بيه في آخرته، قول يا رب.
قالت جملتها الأخيرة بنبرةٍ ضاحكة وهي تمازحه حتى ضحك هو الأخر معها ثم رفع رأسه يهتف بكل أملٍ:
_يا رب.
خرجت هي بعدما رمقته بشفقةٍ وهي تُغمغم لنفسها بصوتٍ خفيضٍ أن يرزقه الله مُراده، الجميع يعلم أن سبب وجعه هو ابنه وفعل أخيه الذي تجلت الرحمة من قلبهِ، أما هي فبمجرد وصولها للمطبخ تنهدت بثقلٍ ثم سحبت المقعد تجلس عليه تتذكر كيف سارت بها الأيام حتى أتت إلى هُنا وتحولت من فتاةٍ يتيمة مُلقاة على الطُرقات لإمرأةٍ في ظهرها يتواجد جيشٌ فقط لأجل حمايتها..
في مكانٍ أخرٍ كان “مُـنذر” يجلس في شقتهِ ولازال يعمل على مُراقبة “ماكسيم” هذا اللعين الذي لم يترك خلفه أي خطأ لو كان صغيرًا، شرد في عمه وعناقه وحمايته له دون أن يعرفه حتى فماذا إذا علم أنه ابن شقيقه الغائب؟ حتى الآن يُجاهد نفسه حتى لا يذهب إليه ويضرب بخططهِ عرض الحائط لكنه يخشى فعله، إذا قام بذلك حتمًا سيتهور عمهُ وسيتم الإمساك به، وهدفه الأصلي أصبح البحث عن ابن عمه، حتى وإن مات بعد ذلك لكن عزته وشموخه يفرضا عليهِ أن يأتي بحق عمه تعويضًا عن فعل الملقب بأبيه.
أخرج صورة عمه يمسكها بيده ورغمًا عنه نزلت دمعة من عينيه وهو يقول بنبرةٍ مُحشرجة:
_كل حاجة هنا كدب ومفيش غيرك أنتَ اللي حقيقة، ياريت بأيدي أجيلك وأعرفك أني منك، ياريت تحضني علشان عارف إني منك مش غريب عنك، ياريتك كنت أبويا.
ازداد إصرار نظراته القاسية بجمودٍ، هذا هو الفتى الذي سيعود للقبيلةِ يسحق أهلها ثم يحرق أجساد جيشها ويبتر أذرع القاسيةِ قلوبهم، لكن الأمر لازال مُتعلقًا بابن عمه، وحينها سيقوم بتنفيذ كل ما تم التخطيط له.
__________________________________
<“لم نعلم كيف تلاقينا، لكننا أصبحنا هُنا”>
استيقظ مُبكرًا بعدما قرر أن يذهب إلى الكافيه الخاص به دون أن يمر على شركة “الراوي” أراد أن يهرب منهم حتى لا يزداد ضغطه، لا يحتاج لنظرات عمه التي تنطق بكل كرهٍ له ولم يكن في حالٍ يسمح له أن يقف ندًا أمام “سـامي” زوج عمته أو حتى يفرغ لألاعيب “شـهد”، يحتاج أن يباشر عملًا يحبه هو لذا وقف بغرفتهِ يتحدث مع “رهـف” التي كانت تعطيه كافة التفاصيل عن العملِ حتى بغيابهِ.
ارتدى قميصًا باللون الرمادي الداكن من خامة الجينز وفتح أول ازراره لتظهر السُترة القطينة البيضاء التي يرتديها، وارتدى بنطالًا باللون الأسود من خامة الجينز أيضًا واختار الحذاء الأبيض من وسط الأحذية الباقية ليتجهز إلى الرحيل، لكن “قـمر” طرقت فوق الباب حتى اذن لها بالدخول أثناء تحدثه بالهاتف لتشير له أن يقترب منها بلهفةٍ.
أغلق مع “رهـف” المكالمة ثم تحرك معها نحو الخارج حتى وصلت به للمطبخ وهي تشير نحو النافذة الصغيرة التي قامت هي بفتحها ليقف حائرًا معها.
في الطابق الأعلى وقفت “عـهد” تُحضر فطورها والشاي قبل أن تذهب إلى العمل معه، تذكرت كيف هربت منه أمسًا وكيف دافع عنها وكيف يقف مرصادًا لمن يحاول الاقتراب منها، منذ أن وطأت قدمه ديارهم أضحى اسمه مقرونًا بالأمانِ معه، تذكرت الليلة التي كانت في بيت أبيها حينما ارتمت فوق سجادة الصلاة وأتى هو يفتح لها ذراعيه في أكثر الأوقات التي كانت تحتاجه فيها، لذا استأنفت الغناء من جديد بعدما بدلت كلمات الأغنية.
في الأعلى شعر هو بالضيق من كثرة الإنتظار لذا كاد أن يخرج وكذلك ارتسم الإحباط على ملامح “قـمر” ليوقفه صوتها من جديد وهي تقول:
_وفي يوم لقيته…لقيته هو
هو اللي كنت بتمنى أشوفه..
نسيت الدنيا وجريت عليه..
آه، سابقني هو وفتح إيديه
آه نسيت الدنيا وجريت عليه
سابقني هو وفتح أيديه..
رغمًا عنه ابتسم حينما تذكر عناقه لها في بيت والدها ثم يوم ذهابهم لمدينة الملاهي، كل شيءٍ فعله معها يُحييه هو من جديد، وقد شرد بها يبتسم بعينيه لتغمز له “قـمر” بعبثٍ قاصدة مزاحه بقولها:
_إيه يا عم ؟؟ فتحت إيدك أنتَ صح؟.
حمحم بخشونةٍ وأخفى بسمته عنها لكن عيناه لازالت تبتسم وكأنها تعانده في رسم جديته لتضحك هي بسعادةٍ لأجلهِ ثم أقتربت منه تعانقه من خصره ثم وضعت رأسها على كتفهِ وهي تقول بنبرةٍ حملت أطنان السعادة بها وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_فرحانة ليك أوي أوي، ربنا يسعدكم مع بعض.
رفع ذراعه يضمها له ثم لثم جبينها وقال بنبرةٍ هادئة هو الأخر:
_ويفرحك علطول علطول، علشان أنتِ قلبك طيب أوي والطيبين اللي زيك خلصوا خلاص من الدنيا، فاللي زيك نحطه في متحف، شكلك متعرفيش إنك تحفة فنية.
أشار بكلماته إلى حديثها التي غازلت به زوجها ليتضرج وجهها بحمرة الخجل خاصةً أن هي التي أخبرته بهذا وسط تلقائية حديثها، ليضحك عليها ثم قال مُبدلًا حديثه حتى لا يزعجها:
_يلا علشان نفطر “عـهد” زمانها نازلة.
في الشقة المُجاورة كانت تجلس على طاولة الطعام وقد لاحظت غيابه عن تتبع صفحتها الشخصية، لم تفهم أين ذهب وأين اختفىٰ فجأةً، بعدما كان لا يترك أي منشورٍ إلا وقام بنسخه أو قام بمشاركته إذا كانت هي تشاركه من الصفحات العامة أو يضع لها الرموز التعبيرية تفاعلًا مع تكتبه، لكنه غاب كثيرًا على الرغمِ من نشاطه وهو يوثق صباحه مع الخيل الخاص بهِ.
بَهُتَ وجهها ظنًا منها أنها توهمت، ربما ظنت أنه يهتم بها في حين أنه فقط يسير خلف فضوله، كل الأمور واردة وخاصةً من الرجالِ، وقد ابتسمت بسخريةٍ حينما تذكرت أمر “عـلاء” خطيبها السابق الذي كان يرافق الفتيات في كل الأعمار ويبحث عن أي فتاةٍ أخرى ورغم ذلك كان يُقسم بحبهِ لها.
زفرت “ضُـحى” مُطولًا وقامت بحذف اسمه من قائمة البحث، نهرت نفسها على سذاجة فكرها، كيف له أن يهتم بها، هناك فارق كبير بينهما كما أنه حوله الكثير من الفتيات فهل حينما يقع الاختيار سيكون من نصيبها؟ رفعت كوب الشاي الخاص ترتشف منه بشرودٍ حتى وصلتها رسالة منه لم تتوقعها هي حيث كتب لها:
_معلش يا مطرقعة، كنتي منزلة فيديو تنمية بشرية من أسبوع عاوزه لو سمحتي، علشان شكله حلو عندك.
نظرت حولها بتعجبٍ هل يُراقبها هو ؟ متى ظهر وكيف راسلها من جديد؟ هل علم أنها أزالت اسمه من قائمة البحثِ لذا كتب لها من جديد؟ لم تعلم لما ابتسمت وشعرت بفراشات تدور بداخل معدتها، انقباضة لذيذة جعتلها تحمحم لتستعيد ثباتها ثم كتبت له بأدبٍ:
_آه طبعًا ثواني وهبعته.
أبتسم هو على الجهةِ الأخرىٰ ثم زفر مُطولًا، ينتظر الفيديو حتى تُرسله له، أنتظر بثباتٍ ينافي حماسه حتى أرسلته له وكتبت أيضًا بنفس الأدب من جديد:
_اتفضل يا كابتن “إسـماعيل”.
رفع حاجبه بتعجبٍ ثم أرسل لها كتابةً:
_كابتن !! يا ستي أنا مش كابتن جيبتيها منين دي؟.
كتبت له هي الأخرى مُفسرةً:
_مش أنتَ مُدرب خيول ؟ تبقى كابتن زي مدرب الكورة وزي مدرب الجيم وزي مدرب القرود، كلهم كباتن، تحب اقولك إيه يا بروفيسور ؟.
كاد أن يكتب لها ما لم تتوقعه هي لكنه تراجع من جديد ثم كتب ورافق كتابته رموز تعبيرية ضاحكة:
_لأ حلوة كابتن، حلوة يا مطرقعة.
ضحكت بسعادةٍ ثم كتبت له حينما لاحظت الوقت:
_طب عن إذنك ورايا شغل ضروري.
أغلقت فجأةً فيما ابتسم هو ثم تحولت بسمته إلى ضحكة خافتة حينما فتح الفيديو الذي يتحدث عن خوف الإنسان وكان فحوى الرسالة التحفيزية منه يتلخص في الآتي:
_أنتَ هتفضل تتحجج بخوفك، وتاخده شماعة علشان خطوة واحدة يوم ما هتاخدها هتلاقي كل اللي نفسك فيه عندك، هتفضل تأجل وترمي على شماعة الخوف، بس خوفك دا هو نفسه اللي هيخليك توصل، ليه؟ علشان مش مطلوب منك تتحدى حد غير خوفك ومن بعده نفسك، إنما اللي حواليك دول ملهمش لازمة في طريقك غير لما توصل تبص لعيونهم وهما مستكترين عليك النجاح.
لا يعلم إن كان هو المقصود أم لا لكنه استشعر كل كلمة قِيلت هنا، يبدو وكأن كل ما يريده فقط يتوقف على خطوته وحده، وهذه الخطوة ثقيلة بقدر تمنيه لها، يعلم أن الموضوع يتخطى الحد المعقول أصبح يستأنس بها معه دون أن تكون معه فماذا إذا أضحت “ضُـحى” معه ليضحى ضُحاه واضحًا من بعد ليلهِ؟.
__________________________________
<“ضاع الماضي على هيئة حاضرٍ قتل المستقبل”>
قيل ذات مرةٍ من أصحاب الحكمة في قديم الزمان
“يا تصيب يا تخيب” وتلك المرة صابت وهدفها أصابت، فتحت مقبرة أسفل أحد البيوت القديمة في منطقة “نزلة السمان” بعدما استطاع “ماكسيم” إقناع ذوي البيت ودفع مبلغًا كبيرًا عاد عليهِ بالنفعِ، وقف يشعر بنشوة الإنتصار عند ظهور القطع الاثرية، حسنًا لم تكن بحجم المقبرة التي خدعته بحجمها، لكن القطع الأثرية الموجودة بداخلها تكفي لهذه الفترة التي قضاها بمصر.
أمر العُمال بقوله وهو يُشير إلى القطع الذهبية وكأنه يتحكم في ملكه هو:
_شيل بالراحة منك ليه، الحاجة تتحط في عربية الهدد وسط التوب والرملة برة، بسرعة قبل الضهر، الرجل هتبدأ تشتغل.
تحرك الرجال بخفةٍ ينقلون الأشياء بعدما استعلم هو جيدًا عنها وعن مدى نقاء هذا الذهب الطبيعي الذي يضم حضارة بلدة كاملة، يسحب تاريخًا لم يكن له ويخطف أبناء وطن لم ينتمي هو له، يخطف ما حُرِمَ منه واديه، فمتى ظهر هذا الفج في وادينا يدنسه؟ ومن المتسبب في ذلك؟.
راقب حركة الرجال الذين أخفوا حقائب الأثار وسط بواقي مواد البناء، بالطبع هذا الجيش يعمل تحت سلطته، طالما كانت الأموال صاحبة السُلطة الأكبر، لذا يعلم أن ولائهم لم يكن لأرضهم بل للأموال التي دُفعت لأجل سرقة التاريخ من أحضانهم.
صدح صوت هاتفه برقم “سـامي” الذي حدثه بنبرةٍ ضاحكة:
_نقول مبروك ؟ حقي فين؟.
قلب عينيه بمللٍ وهتف بنبرةٍ جامدة ردًا عليهِ:
_هي قطعة واحدة بس مالكش غيرها ومتطمعش، أنتَ معملتش حاجة يا “سـامي” وكدا كدا كل دا هيتهد والناس دي يعيني هتمشي وتسيب بيوتها، في أماكن أولىٰ.
هتف “سـامي” بضجرٍ يردد عدد القطعة:
_واحدة !! بس ليه يا عم.
لمعت عيناه بسخريةٍ واضحة وهو يجاوبه بوقاحةٍ:
_علشان لما تتمسك بيها تقدر تخرج منها، لأن قانون بلدك بيسمح لكل مواطن أنه يمتلك قطعة آثار واحدة بس، باعتبار إنها ملكية عامة للجميع، وقطعة تحتفظ بيها لا تتاجر بيها ولا تبيعها، لأن اكتر من كدا تتحول قضية إتجار، وفيها سجن وغرامة، فمتطمعش يا حبيبي.
هتف “سـامي” يستفزه بقولهِ البارد:
_والله لو دا حصل هقول على كل حاجة، أنا فتان بصراحة، بعدين علشان أعرف أطلع الرحمة والنور على ابن “نَـعيم”، وأنتَ ابقى أعمل كولدير على روح ابن أخوه، بس حاسب تعمله كولدير بيرة، عارفك كيفك الكاس والحريم.
رد الأخر بسخريةٍ يُقلل منه بقولهِ:
_بس عيني شبعانة، الدور والباقي على كلب الفلوس.
أغلق في وجهه بعد هذه الجملة ثم خرج من البيت تمامًا، بيتٌ فرغت منه قيمته، رحل ساكنوه وانتُزعت منه قيمته، وقُتل به حاضره واختفى عن معلمه المستقبل.
__________________________________
<“توجب عليهم الرحيل، فقط أفتح لهم الباب”>
عادت له ابنة شقيقته حتى تذهب إلى مدرستها الجديدة، أُجبر على العودة إلى هنا رغم أنه كان يرفض ذلك، منذ استماعه لحديثها عن الرحيل وألمها منه وهو يهرب منها، يود أن يغيب عن نظرها لعل ذلك يعاونها في الشفاء، لكن كيف يحدث ذلك إن كان هو العِلة بذاتها حاضرًا كان أو غائبًا..
خرج لحديقة بيتهِ يتابع مع “عـزيز” كل شيءٍ حتى زفر بقوةٍ ثم هتف بنبرةٍ جامدة:
_هاجي متقلقش، “جـودي” بس ترجع من المدرسة وأنا هجيبها وأجي، عاوزك بس تكلم “إيـهاب” أو “يـوسف” تقولهم يظبطوا مع التاجر لينا إحنا كمان، وعاوزك تتابع معايا لو فيه حاجة، سلام.
أغلق الهاتف والتفت لكي يعود إلى الداخل لكنه وقف من جديد ليلتفت كُليًا حينما سرقته بتواجدها أمامه، جلست على سجادة صغيرة في وضع “اليوجا” أغمضت جفونها بانسيابية، كانت ترتدي سترة رياضية سوداء اللون يتداخل معها بعض الموجات الرمادية، ورفعت خصلاتها التي ازداد طولها على هيئة ذيل الحصان، ما هذا؟ هل خُلقت فقط لتسحره؟ تجره داخل أرضها مثل الخيل الجامح لتتركه هو في محاولة توريضها؟.
أقترب من مكان تواجدها وقد كان باب الحديقة الذي يفصل بينهما مفتوحًا مما جعله يدخل إليها ثم جلس على عاقبيه أمامها، يراقبها بعينيهِ المتألمتين من بُعدها عنه، يشبع نظراته منها، تلك التي أشتاق للتحدث معها براحةٍ كما كان يفعل سابقًا، الآن الأمر أصبح شبه مُستحيلًا، تجولت نظراته على ملامحها الرقيقة وكاد أن يلفظ اسمها لكنه توقف عن ذلك…
أما هي فاستشعرت تواجده بقربها، رائحته غزت أنفها، صوت أنفاسه كان قريبًا منها، تعلم كيف يجلس وكيف يطالعها دون أن تفرق جفونها عن بعضها، ابتلعت ريقها بصعوبةٍ، الغصة ظهرت في حلقها، لما أتى إلى هنا ؟ حتى يُعكر صفوها ؟ علم أنها تأكدت من تواجده فهتف بأملٍ:
_طب افتحي عيونك، متبخليش عليا بيهم.
فتحتهما بتروٍ تستجيب له ليجد الاحمرار يتضح في مُقلتيها ويحاوط عدستيها، وعلم أثر تواجده من حركة بؤبؤيها التي تثبتت تمامًا، طالعا بعضهما البعض ليملك هو الجُرأة ثم هتف بنبرةٍ موجوعة بعدما ظهر الألم في عينيهِ:
_أنا مكسرتكيش ولا حتى قصدت أجرحك وأخون الوعد اللي كان بيننا، أنا يعز عليا أني أشوف دموع عينك دي، فاكرة كنت بقولك إيه ؟ اعتبريني هنا في الدنيا علشان أربي “جـودي” وعيونك دي متشوفش زعل، مش سهل عليا إن دنيتي تفارقني وتمشي، أنا بقيت غريق العتمة من بعدك.
نزلت دموعها بنحيبٍ علا بعد حديثه حينما استشفت الألم في حديثهِ، تذكرت نفس الموقف وهو يقف وسط الرجال ليلًا يتفق معهم، خشت منه كثيرًا، رأت صورته تتجسد في شيطانٍ يوسوس للناسِ حتى يتم تنفيذ أوامره، رأت القسوة في عينيهِ حينها، لذا هتفت بنبرةٍ باكية:
_وأنا مش هقدر أكون معاك تاني ونفسي تفهم دا،
كل ما أجي أصفالك تيجي صورتك يومها قدام عيني تفكرني بقسوتك، حسيت للحظة أني معرفكش، عيونك ساعتها كانوا غُرب عني….صدقني أنا حاولت بس والله طلع صعب أنا بقيت بخاف منك.
هتفتها بوجعٍ صريحٍ دون أن تُلقي بالًا به أو بقلبهِ، هتفتها لعلها تُريح نفسها وقلبها مما تحمله بداخلها ولعله أيضًا يفهم ذلك أن أمنها له أصبح خوفًا، نزلت دمعة هاربة من عينه اليسرى ليردد كملتها بوجعٍ بات أكبر:
_بتخافي مني؟ أنا ؟ دا أنا كل همي إنك تكوني بخير، أنا لما عملت كدا كان علشانك أنتِ، علشان محدش يقربلك، ضحيت بكل حاجة علشان تكوني بخير، حتى في غيابك أنا كنت بحس أني مبسوط علشان واثق إنك بخير، بتخافي مني؟.
حركت رأسها ثم هتفت بوجعٍ هي الأخرى:
_دي غُربة حب يا “سـراج” الحب اللي بينا اتغرب.
تركته ودلفت للداخل من جديد وقد أغلقت الباب وجلست القرفصاء تضم جسدها وهي تبكي، تذكرت وحدتها وألم قلبها وموت والدتها وغُربتها عن موطنها، وهجر الحب من قلبها وإحتلال الخوف محله، أما في الخارج تحكم في نفسهِ بصعوبةٍ ثم ترك الحديقة بكتفي مُتهدلين بخيبة أملٍ، الآن فقط تيقن أن الرحيل توجب عليها.
__________________________________
<“قارن أشباهك تسعد وتطمئن”>
في وسط النهار قُرابة وقت الغروب تقريبًا أو وقته بالفعل
جلس في الكافيه الخاص به وسط الناس بالخارج يحتسي قهوته وبجوارها السيجارة، فكر قليلًا قبل أن يأخذ قراره ويذهب إلى بيت “عبدالقادر العطار” لكي يفهم منه كيف سكن “سـعد” ببيتهِ، وما طمئنه حقًا هو مهاتفته لأفراد عائلته يطمئن عليهم بين الحين والآخر ومن ضمنهم حماته و زوجته أيضًا.
جلس شاردًا يتابع الغروب الذي بدا واضحًا نصب عينيه، كانت الشمس عبارة عن قرصٍ كبيرٍ باللون البرتقالي وكادت أن تذهب ليظهر بعدها القمر الذي أخذ من ضوئها كثيرًا وكثيرًا لكي يظهر ليلًا مُضيئًا للآخرين، فكر بسخريةٍ هل يشبه هو القمر؟ يأخذ منها الضوء ليعيده لها من جديد ؟.
في الخارج خاصةً في المكان الخاص بـ “إسماعيل” استغل أخوه هذه الفرصة الذهبية، لذا دلف له يجلس على الأريكة ثم أشار له حتى أقترب منه “إسـماعيل” يسأله بعينيهِ سبب مجيئه حتى قال “إيـهاب” بثباتٍ يأمره:
_بص أما أقولك، أنا خلاص مش هقدر أنجزلك حاجة تاني، شطبنا يا حبيبي، دلوقتي بقيت راجل ملو هدومك كبير وعاقل ورزين، هتروح زي الشاطر لـ “يوسف” هو قاعد في الكافيه بتاعه زيك زي أي عريس صالونات تروح تفاتحه في موضوع بنت خاله، أمين؟.
زفر “إسماعيل” بقوةٍ يشعر بالضغط عليهِ يزداد وخاصةً أنه بدأ يفكر في الأمر ويحسب توابعه، لذا هتف بدون اكتراث ظاهريًا:
_اللي فيه الخير يقدمه ربنا، ريح نفسك أنتَ.
رفع “إيـهاب” حاجبيه بذهولٍ تلقائيًا ليضيف الأخر الحديث من جديد بقولهِ:
_مش دلوقتي لما اتأكدت الأول إن الموضوع ينفع، مش سلق بيض هو، دا جواز وحياة، وحتى لو “يـوسف” قاعد هنا مش شرط أروحله.
يعانده ويكسر قواعده مباشرةً؟ هل أصبح كبيرًا للحد الذي يجعله يرفض حديث كبيره؟ لذا سحبه من سترته يسأله بنبرةٍ جامدة وقد فقد أعصابه:
_أنتَ بتقول إيه يا “إسـماعيل”؟ سمعني تاني كدا.
ازدرد الأخر لُعابه بخوفٍ وتراجع عن سابق حديثه مُتقهقرًا بقولهِ المُضطرب:
_بقولك “يـوسف” قاعد فين هناك بالظبط؟.
بعد مرور بعض الدقائق خرج الاثنان معًا كتفًا بكتفٍ وما إن وصل “إسـماعيل’ لاعتاب المكان كاد أن يركض لكن كف الأخر أوقفه ثم دلف بجواره يجلسان مع “يـوسف” الذي كان يتحدث مع شقيقته تخبره بأمرٍ هامٍ، وما إن اقتربا منه أغلق معها وسألهما بعينيهِ عن سبب المجيء خاصةً أنه رآهما في هذا اليوم صباحًا لينظر “إسـماعيل” إلى أخيه بقلقٍ خشى أن يتم رفضه من “يـوسف” لذا هتف أخوه بثباتٍ:
_جايين نقولك إن الحج شكله كدا مش بقاله يومين، تعبان وبيسرح ومبقاش بيقعد معانا، شكله مضغوط، هو بيحبك وبيقولك كل حاجة على أساس إنك شبه أبوك، مقالكش حاجة؟.
رفع “يوسف” حاحبيه بسخريةٍ وهتف بنفس النبرة التي تُناسب سخرية ملامحه:
_يعني هو أنا اللي عايش معاه برضه؟ بعدين هو عمره ما خفى حاجة عن واحد فينا، اللي بيعرف حاجة الباقي بيعرفها، بس أنا كلمته فعلًا قالي إنه مخنوق وهيخرج وسط الخيول شوية يمكن يرتاح وهو وسطهم، لو فضل زي ما هو هجيبله حبيبه وهو هيريحه.
نظر له الإثنان بتعجبٍ ليبتسم هو بظفرٍ وهتف بقلة حيلة وكأنه هذا الحل الأمثل والوحيد في حالة “نَـعيم”:
_”أيـوب العطار”.
__________________________________
<“رحب بعدوك مرة، وبحبيبك ألف مرة،
وحينما ينقلب عدوًا ستعلم أنك سبق وأكرمته”>
سار كلاهما جنبًا إلى جنبٍ بجوار بعضهما في الحارة وسط الأنظار المُسلطة عليهما، منهم من يقوم بدعوتهما للقرب ومنهم من يرحب بهما، كونهما ضمن عائلة “العطار” أساس هذه الحارة قولًا وفعلًا، وقف “تَـيام” يدفع فواتير شقته أمام ماكينة الدفع الآلي أما “بيشوي” فوقف يتحدث في الهاتف معها وهي تقول بإحباطٍ:
_معرفش ليه حسيته حاطط أمل إن الموضوع يبوظ، أنا لوهلة كدا كنت هعيط بس بصراحة روحت أقرأ كتاب من اللي جيبتهم يمكن أصفي ذهني شوية، الأمر لو طول هيزيد صعوبة علينا يا “بيشوي”.
زفر بقوةٍ ثم تحدث بلهجةٍ ثابتة يُطمئن نفسه قبلها هي:
_متقلقيش، أنا عند وعدي إنك مش هتكوني لغيري، أنتِ دلوقتي خطيبتي، والناس كلها عارفة كدا، متزعليش نفسك وأنا واثق إن كلها فترة صغيرة ونخلص من كل دا، ولا إيه يا “هيري” ؟.
ابتسمت إثر هذا اللقب وهتفت بسعادةٍ حاولت احتوائها حتى لا يفتضح أمرها بهذه السعادة لتهتف:
_كدا إن شاء الله، يلا روح شوف اللي وراك، باي.
أغلقت الهاتف ليقف هو مبتسمًا بعدما أغلقت معه وقد راقبه “تَـيام” بعينيهِ وقبل أن يرفع صوته بضجرٍ يحقد عليه صراحةً، حينها أوقفه “بيشوي” وهو يهدده بقوله الذي خرج منفعلًا:
_أقسم بالله، والله كمان مرة لو فتحت بوقك ببوزك الفقر دا أنا هبلعك تراب حارة “العطار” كلها، مش متنيل يا خفيف، واقفة زي بيت الوقف بالظبط، وقدامي خلينا نشوف أمك عاوزة إيه وهي أمي.
ضحك “تَـيام” مُتشفيًا به وهو يقول بسخريةٍ:
_فهمتني غلط، كنت هقولك ليه معملتش خطوبة شرعية زيي، علشان تحس بالبركة يوم ما ترحرح على حق.
ضحك الأخر بيأسٍ وضرب كفيه ببعضهما ليفلت نظرهما نزول “سـعد” من إحدى بنايات “عبدالقادر” خاصةً الخاصة بسكن “عـهد” وقد أقترب منه “بيشوي” يسأله بنبرةٍ جامدة:
_ولا !! أنتَ كنت هنا بتعمل إيه.؟.
هتف الأخر ببرودٍ ترافقه ثقة شديدة لم تكن بمحلها:
_ساكن هنا يا حبيبي، مأجر وليا شقة، خير؟.
نظر الإثنان لبعضهما ليهتف “تَـيام” بنبرةٍ جامدة:
_أنتَ عبيط يالا ؟ مين اللي سكنك هنا، دا بيت الحج وكله عارف كدا، والشقق فيه كلها متباعة والباقي مستحيل الحج يعمل كدا ويديهولك.
حرك كتفيهِ بلامبالاةٍ تزامنًا مع قولهِ:
_والله كل الحكاية أني عرفت إن الحج “توحيد” بيدور على ساكن قولت أنا أولىٰ وأهو أبقى قدام المحل بتاعي، مش فاهم شاغلين نفسكم ليه؟ هو أنا باجي أخبط على بابكم أخد الإيجار ولا إيه ؟.
كاد “تَـيام” أن يرد عليه بنفس طريقته دون أي ذرة أدبٍ في الحديثِ لكن “بيشوي” أوقفه بنظراته وهو يتابع تحرك الأخر من أمامهما وقبل أن ينفعل “تَـيام” مُجددًا أوقفه “بيشوي” بقولهِ:
_مش هينفع نعمل أي حاجة من غير علم الحج، وبرضه مش هينفع نقوله علشان مجمع عيلته في البيت وبلاش ننكد عليهم، أما هباب البِرك دا أنا هتصرف معاه وهشوف الحج “توحيد” عمل كدا إزاي، يلا معايا.
تحركا معًا من جديد لكن بملامح شاردة، هل يُعقل أنه سكن هنا ليلحق بهم الأذىٰ؟ من المؤكد أن الحال لن يدم طويلًا بهذه الطريقة ومن المؤكد أيضًا أنه يقوم بفعل شيءٍ إذا تم كشفه سيلحق الضرر به قبل من حولهِ.
في بيت “العطار”.
تحديدًا فوق سطح البيت اجتمعت العائلة بأكملها بناءً على رغبة الصغير الذي ألح عليهم وكأن رفض مطلبه بات صعبًا، تولى كلًا من “أيـهم” و “أيـوب” تجهيز الشواء معًا تحت إشارات والدهما لهما لكي يتم ضبط كل شيءٍ كما يُحب.
جلست “نِـهال” بجوار “آيـات” و “قـمر” التي أصر حماها أن تكون معهم باعتبارها ضمن عائلته أيضًا، دارت الأحاديث بينهن بمرحٍ وقد استأنست “نِـهال” معهن أكثر، وتأكدت أن شخصٌ كما “أيـوب” يستحق فتاة بقلب “قـمر” نقية وبريئة وعفوية، لذا هتفت لها بكل صدقٍ:
_أنتِ اسم على مسمىٰ بقى، حلوة من برة ومن جوة، طلعتي سكر أوي يا “قـمر” شكلنا كدا هنعمر هنا سوى، أنا برضه بحب المجانين شوية ولما بكون وسطهم بتصرف غصب عني بطبيعتي، شدوا حيلكم بقى علشان تيجي.
انتبه “أيـوب” لحديث زوجة شقيقه فمال عليه وهو يقوم بإفراغ الفحم في مجرى الشواء ليهاتف شقيقه بقولهِ:
_مراتك بتقول حِكم، أنا فعلًا محتاج أشد حيلي.
ضحك “أيـهم” عليه وأراد أن يخبره كيف يحلم المرء وكيف يُنافي واقعه لأحلامه، لكنه صمت وحرك رأسه نحوها ليجدها تبتسم له حتى غمز لها في الخفاء لتخفي وجهها عنه بخجلٍ، من المؤكد يشير إلى تمسكها به أثناء نومها حتى وجدت نفسها بين ذراعيه وهي تُكبل حركته.
أما هو فكان سعيدًا بهذا القرب الذي حدث بينهما، لم ينكر أن الشكوك ساورته بشأن هذه العلاقة وأنها فقط هنا لأجل ابنه فقط ولأجل غريزة الأمومة التي تشعر بها معه ليكتشف بعد ذلك أنها فتاة بريئة تحتاج للحماية فقط والاحتواء.
بدأت حفلة الشواء من قبل “أيـوب” الذي كان يأخذ “إيـاد” معاونًا له باعتباره المُتسبب في قلب البيت رأسًا على عقبٍ، أما الآخر فكان أكثر من مُرحبٍ بذلك، كان يتودد إلى أمه الأصلية في سابق الأمر لكنها كانت تتأفف وتشعر بالاختناق جراء الدخان المتصاعد، بينما والدته هذه تحركت نحوه تمسك مروحة الهواء الورقية معه لتقوم بتوزيع الدخان معه وتساعد ذراعيه الصغيرين في مواجهة الهواء.
ضحك رغمًا عنه وهو يرى شرارات النيران المتصاعدة ونادى على جدهِ بقوله الذي خرج حماسيًا:
_بص يا جدو !! النار بتطير شكلها حلو أوي.
هتف جدهُ من خلفهِ يحذره بقولهِ:
_شايفها يا حبيب جدو بس حاسب وشك ووش ماما.
التفت لها يُلثم وجنتها ثم هتف بسعادةٍ:
_أنا بحبك أوي أوي.
كانت “قـمر” تراقبهما بوجهٍ مُبتسمٍ حتى جاورها “أيـوب” مستغلًا انشغال شقيقته مع والدها وهي تُريه صورًا خاصة بجهازها في الهاتف، وقد نطق هو بنبرةٍ هادئة:
_إيه رأيك فينا كعيلة مهوية؟.
ضحكت حتى ظهرت نواغزها وهتفت بنبرةٍ هادئة:
_عيلة زي العسل ربنا يبارك فيكم ويديم عليكم الفرح.
أبتسم لها وهو يهتف بنبرةٍ هادئة رغم الحماس المُتضح فيها من خلال نبرته وعينيه:
_الفرح هيزيد بوجودك هنا، ربنا ييسر علينا الخطوات الباقية لحد ما تنوري بيتك أنتِ كمان، مش كدا برضه يا “قـمر” ؟؟
هزت رأسها موافقةً بخجلٍ ليُضيف هو بثباتٍ:
_على فكرة بابا هيفاتح “يـوسف” في حكاية فرحي أنا وأنتِ وفرحه هو ومراته، أظن كدا أنسب لينا كلنا، وعلى فكرة أخوكِ مش رافض كمان، لأنه رايد فرحتك قبل فرحته هو.
سحبت نفسًا عميقًا ثم هتفت بصدقٍ:
_وأنا يهمني أنكم انتوا الاتنين ترتاحوا، نفسي أشوفكم أكتر اتنين مبسوطين ومفيش حاجة تعباكم، علشان أنا طلعت بيكم انتوا الاتنين والدنيا دي متجيش حاجة قصاد وجود واحد فيكم معايا، شوفوا اللي يفرحكم انتوا الاتنين وأنا موافقة.
بعد مرور بعض الدقائق بدأوا يتناولون الطعام لكن أولًا رفع كبير العائلة صوته يردد دعاء تناول الطعام وينطق البسملة ثم أشار لهم للبدء في تناول الطعام، جلس “أيـوب” بين زوجته وشقيقته التي ظلت تشاكسه بقولها:
_هاتني جنبها طيب وتعالى جنب بابا.
حرك رأسه نفيًا يعاندها حتى تذمرت ثم تركت مقعدها لتجلس بجوارها من الجهةِ الأخرىٰ وهي تبتسم بسعادةٍ جعلته يضحك رغمًا عنه بينما “إيـاد” جلس بين والديه يتناول الطعام معهما وفي الأغلب كانت والدته هي تُطعمه.
بعد مرور ساعتين تقريبًا بدأ كل شيءٍ يعود كما كان، “قـمر” التي رحلت لبيتها برفقة “أيـوب” و الصغير معهما، و “آيـات” التي عاونت في تنظيف المكان، و “أيـهم” الذي أعاد كل شيءٍ حتى لا يأت شقيقه ويفعلها هو وحينما عرضت”نِـهال” معاونته رفض ذلك بشدة تعجبت هي لها حتى فرغ عليها المكان بعد رحيل البقية.
الليل في سماه المعتمة، تزينها النجوم المُتناثرة،
تجلس هي فوق سطح البيت الذي رآته لمرتها الأولى معهم هنا ، وزعت أنظارها على المكان الذي تبدل من بعد حفلة الشواء ونزول أفراد البيت جميعهم بمن فيهم زوجها “أيـهم” الذي نزل برفقة أخوته ينقل الأشياء من بعد انتهائهم.
ابتسمت حينما تذكرت الألفة التي وجدتها بينهم وكيف استأنست معهم دون أن تشعر بغربةٍ أو أي نظرات تجرحها أو تتسبب في حزنها، عائلة جميلة لم تعهدها من قبل، وأبٌ مثل “عبدالقادر” جعل البيت لأبنائه مثل الجنة في غياب أمهم، وصورة أبوته المصغرة كانت في ابنه الكبير “أيـهم” هذا اللذي ظهر في حياتها فجأةً ليغير تفكيرها عن معشر الرجال بأكملهم، ليجعلها تتساءل لما لم يكن مختصر الرجولة في اسمه؟ لم يكونوا الرجال مثله؟…
شردت في فكرها الذي تمحور حوله ليظهر لها من جديد يسألها بتعجبٍ عن سبب جلوسها بمفردها:
_لسه منزلتيش؟ أنا قولت هتسبقيني على الشقة،
خصوصًا إن “إياد” هينام مع “أيـوب”.
رفعت رأسها له تجاوبه بملامح مُنبسطة ومبتسمة، وعيناها تضيء له بصفاءٍ وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_مقدرتش أقاوم الجو هنا، الليل صافي وضوء القمر والنجوم ظاهرة، جو غريب أوي حرام حد يسيبه لوحده.
ابتسم له ثم جاورها على الأريكة وهو يقول بنبرةٍ هادئة وقد سبق وسحب نفسًا عميقًا:
_هو جو حلو بس لوحدك يبقى ممل، يعني لازم حد يشاركك على الأقل القعدة، تتونسي بوجوده، والحد دا لازم يكون دمه خفيف علشان القعدة متكونش مملة، وبرضه لازم يبقى قمور وحلو زيي مثلًا.
تحولت بسمتها الهادئة إلى ضحكة عالية وقد ضحك معها هو الأخر حتى ازدادت موجات الهواء فجأةً مما جعلها تشد أعصاب جسدها بتشنجٍ تحتمي من البرودة لتقلل الشعور بها، وتلقائيًا سألها هو بلهفةٍ:
_لو بردتي تحبي ننزل طيب؟.
سألته بإحباطٍ بعد سؤاله هو:
_ونسيب المكان هنا؟.
رفع ذراعه يضمها إليه وهتف بنبرةٍ لعوبة تنم عن خبثهِ:
_خلاص خلينا قاعدين هنا وخليكِ في حضن أخوكِ ياختي.
ضحكت رغمًا عنها وفهمت سبب حديثه لذا تحدت نفسها وهتفت بتوترٍ بعدما فكرت في الحديث بداخل رأسها:
_على فكرة أنا متقبلة وجودك عادي، وزعلانة إنك سايب أوضتك، في النهاية أنا مراتك يعني.
تعجب هو من حديثها وعاد للخلف ينظر لها بعينيهِ وكأنه يتأكد من صدق جلوسها وتفوهها بهذا الحديث لتبتسم هي بتوترٍ ثم أضافت بنبرةٍ هادئة تؤكد له صدق حديثها:
_زي ما أنتَ سمعت، أنا هنا باخد حقوقي كاملة وقدام ربنا ليك حق عليا، بعدين أنتَ حابب موضوع إني أختك دا ولا إيه؟ .
ضحك رغمًا عنه لها ثم شبك كفه بكفها وهو يقول بنبرةٍ هادئة بعدما أبعد المرح عنها:
_طب يلا علشان ننزل نصلي، ربنا يكرمني فيكِ، ويقدرني وأعوضك عن أي حاجة زعلتك، يلا.؟.
حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم بحماسٍ ثم وقفت معه حتى مد ذراعه على كتفها يقول بنبرةٍ هادئة عاد لها المرح من جديد:
_فيه بقى مصطلح مهم جدًا اسمه رحرحة دا فيه واحد عظيم عامل فيه دكتوراه وشعاره فيها كان:
“يعيني على اللي حب ولا طالشي”.
ضحكت بصوتٍ عالٍ من جديد وقد شاركها الضحك مرةٍ أخرى ويبدو أنه سيشاركها بكل شيءٍ من بعد ذلك، أصبحت مهمة للحد الذي يجعله مُحبًا للحياة بعد عزوفه عنها، نزلت معه حتى شقتهما سويًا وقبلها حملها بين ذراعيه فجأةً وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة يقلد طريقتها:
_قولتيلي بقى إنك مراتي يعني؟.
ضحكت من جديد بخجلٍ منه وقد حركت رأسها موافقةً بينما تنهد هو بعمقٍ ثم فتح لها باب شقته لتدلفه تلك المرة معه دون أن تخشاه تحاول التغلب على ماضيها البائس من خلال عالمٍ جديد شحن الطمأنينة بداخل قلبها أطنانًا.
__________________________________
<“بالأمس دخل أرضنا واليوم يُعكر صفونا”>
وقف أمام العيادة النسائية بمللٍ ينتظر قدومها بفارغ الصبرِ خاصةً أن هاتفها تم إغلاقه مما صعب عليه الاتصال بها، قرر أن يتحرك من الأسفل متوجهًا للأعلىٰ فوجد فتاة أخرى غيرها تقف محلها وحينها عقد حاجبيه يسألها بتعجبٍ:
_مش أنتِ الممرضة هنا ؟ واقفة مكان “عـهد” ليه؟.
انتبهت له وقالت بتوترٍ من اندفاعهِ:
_هو أنا كنت جوة بس هي…
حرك عينيهِ يسألها بنفاذ صبرٍ بدا واضحًا من خلال انفعالات وجهه لتضيف هي بسرعةٍ خوفًا من نظرته لها:
_جالها تليفون مهم من ساعتين وطلبت من الدكتورة أني أتابع مكانها وهي مشيت والله يا أستاذ “يـوسف”.
تجمدت نظرته وتثبتت حركة عينيه على وجه المُمرضة وهو يفكر ماذا يمكن حدوثه حتى يجعلها تخرج من هنا بدونهِ؟ ربما يكون هناك ضررٌ أصاب عائلتها وعلمت بهِ؟ لذا تحرك نحو البيت وهو يأمل أن تكون هناك، حسنًا يطمئن عليها أولًا ثم يعاتبها على عصيانها لأوامره.
في مكانٍ أخرٍ تحديدًا ببيت عائلة “محـفوظ”
كانت مستلقية على الأريكة غافية أو ربما غائبة عن الوعي، صورها تملأ المكان بأكملهِ بحوائطهِ ومصابيح الإضاءة أيضًا، كل المكان يحمل صورها واسمها على جدرانهِ وقد أقترب منها هذا البغيض بوجهه يهتف بنبرةٍ خافتة يخشى أن تفيق ويقلقها:
_شوفتي هنا أنتِ في أمان إزاي؟
محدش يقدر يقرب منك طول ما أنا حي، هو مين، ظهر إمتى ؟ دا غريب عننا، إنما أنا وأنتِ مع بعض من زمان، شقتك لسه زي ماهي بعدما وضبتها وكل حاجة مستنية إنك ترجعيلي تاني يا “عـهد”.
هذا المهووس المُتملك قام بخطفها وأجاد تحريك اللعبة بها حتى وقعت في براثنه بنهاية الأمر، وقعت حقًا لا تملك الحيلة والقوة لتدافع عن نفسها، فقط خشيت على ذويها وأضحت هنا مُلقاة وهو بجوارها يتأمل ملامحها عن قربٍ ممنيًا نفسه بها لا محالة.
______________________
_متنسوش تدعوا لكل أهلنا في فلسطين وسوريا والسودان وبكل الأراضي العربية، ادعوا ربنا ينصرهم ويقويهم ويستر عرض نسائهم ويمد القوة لرجالهم.
___________________________

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!