روايات

رواية غوثهم الفصل الثالث والسبعون 73 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الثالث والسبعون 73 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الثالث والسبعون

رواية غوثهم البارت الثالث والسبعون

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة الثالثة والسبعون

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل الثالث والسبعون”
“يــا صـبـر أيوب”
__________________
لقد عسرتُ مرارًا في دربي
واستعصت عليَّ نفسي وخسرت معها حربي..
وبرغم التعثر وصعوبة الطريق
إلا أني كلي يقين إنك يا الله رئيفًا بقلبي…
أعني عليَّ فإني أخشاني،
وخشيتي من نفسي تقتلني والهوى يتركز بصوبي..
أرجوك إلا تكلني لنفسي طرفة عينٍ
وألا يقع قلبي ضعيفًا وأضل من جديد دربي.
_”غَـــوثْ”
__________________________________
رغم أن عرفوني الناس بفصاحة اللسان..
وببلاغة القول والجميع يعلم أنني بمتكلمٍ،
لكن أمام عينيكِ أقف مشدوهًا؛
وتفر مني الحروف وأتوه لأصبح بمتلعثمٍ، وحتى الآن لم أعلم كيف عصاني قلبي وتحرك صوبكِ ليغدو آمنًا من بعد خوفهِ وأحتمىٰ بجواركِ،
فبعدما فقد مكانًا كان فيه يحتمي، والملجأ هنا كان بين جفنيكِ، فسبحانه المولىٰ الكريم أرشدني إليكِ، وبرغم أنني أخشى السحر إلا أنني وجدته مُتجسدًا في عينيكِ؛ وأعلنها قلبي عليَّ مئات المرات، أن السحر الأسود لم يفعل بضحيت مثلما فعلت به عيناك؛
فأنا حتى وإن كنتُ بمتكلمٍ إلا أني
أمامك تضيع مني الحروف، هنا أنا آمنٌ بكنفكِ بدون خوف.
<“الماضي أتى ليزورك، عليك أن تكرمه”>
خرج من مسقط رأسهِ ومكانه منذ فترةٍ بعيدة لأول مرةٍ، خرج بمفرده يتولى هو مهمة قيادة السيارة لنفسهِ دون أبنائه أو أحد الصبية الخاصين به وبالعمل معه، أراد أن ينهي هذا الشيء ويعلن عن نفسه، وقد أوقف السيارة أخيرًا وترجل منها وقف أمام الباب يطلب من الحارس أن يدخل وقد أرشده إلى الداخل ووقف في إنتظار أهل البيت وهو يولي الدرج ظهره…
وقف يراقب المكان بعينيه لا يصدق أن هذا البيت يرجع لهذه العائلة، لكنه سرعان ما سخر من الأمر، فهل بعد كل ما فعلوه يعيشون في بيتٍ أقل من ذلك؟ بالطبع لا، لذا ظل مكانه ثابتًا حتى أتى “عـاصم” من خلفه يسأله بحيرةٍ من زيارة مجهول الهوية:
_أيوة يا حضرة؟ أنتَ مين؟.
ابتسم الأخر بسخريةٍ والتفت له يقول بتهكمٍ:
_إيه يا ابن خالتي؟ مش عارفني؟.
صُعِقَ “عـاصم” من جديد وهتف بذهولٍ بعدما رآه أمامه بعد كل هذه السنوات وكأنها مرت بالأمسِ عليهم جميعًا:
_مش معقول !! “عبدالقادر العطار”.
ابتسم الأخر بسخريةٍ وهو يشمله بنظرة متفحصة أعربت عن إشمئزازه وكرهه لذلك الماثل أمامه، يكرهه ويكره حتى أحرف اسمه، لكن النصيب حكم بهذا اللقاء، وتوجب عليه أن ينفذ كل ما كُتِبَ عليه، لذا أقترب هو باقي الخطوات بهيبةٍ طاغية، جسده القوي المشدود أسفل حِلته الرمادية، وقد تخلى عن عكازه الخشبي ليظهر بنفس صورة شبابه أمام “عـاصم” الذي ازدرد لُعابه وهو يشعر أن ألم حلقه أتصل بأذنيهِ، كان يود أن يظهر بعنفوانهِ وغضبه ومقته الدائم نحو “عبدالقادر”، يكرهه ويكره تواجده معه منذ صغرهما، والآن !! يقف في عقر داره كما يُقال “واثق الخُطىٰ”، بل مبتسم الشفتين ومنتصر بالعينين..
قرأ “عبدالقادر” خوفه وكيف يحاول أن يتأكد من ماهية تواجده بلحظة صمتٍ سادت عليهما ليتحدث فيها الماضي بكل طلاقة، لم تنطقها الألسنة بل فاضت بها الأعين، نظرات دارت بينهما هما الإثنين وكأن اللسان عُقِد عن التحدث، لحظة غريبة إذا تم تسجيلها بالتصوير البطيء، ستجد حوائط تُهدم وأخرى تُبنى مكانها ليعود بعما الزمن إلى مكانٍ أخر ولازالت الأعين بالكلامِ سوابق.
نزل في هذه اللحظة “سـامي” من أعلى الدرج بجهلٍ من هوية الواقف أمامه ليجده يحرك عينيه نحوه يشمله بنظرةٍ واحدة قتلته حينما تهكم عليه، ثم اعتدل بنفس القوة وهو يهتف بسخريةٍ لاذعة:
_دنيا، مين يصدق إن “سـامي” بقى بيه وينزل من سلم بيت زي دا، الله يرحم أيام النط من فوق السطوح.
عرفه، بالطبع عرفه وعرف من هو، نفسه المرصاد القديم الذي كان يقف له بجوار رفيقه، يعود له الآن وهو يتعمد التقليل منه، للحظةٍ كان يود أن يكون “يـوسف” يكذب عليهم بطبيعة عودته إلى أسرته، سيكون أهون عليهم من مقابلة مثل هذه، مقابلة جعلت الأخر يتيقن من أثر وجوده ليهتف بسخريةٍ لاذعة من جديد وكأنه انتهج هذا الأسلوب:
_خير ؟ القطة كلت لسانكم؟ ولا الفيران لسه عاوزة ترجع لجحرها؟ على العموم أنا مش جاي أرغي معاكم لأنه شيء ميشرفنيش بصراحة، أنا جيت أقولكم إن الحقوق هترجع لأهلها من تاني، أولها “يـوسف” اللي رجع لحضن أمه، بقالنا حوالي ٤ شهور.
كانت صدمة لهما معًا، منذ أربعة أشهر وهو في أرضهم ؟ الأمر غالبًا منذ أن توفت “حكمت” وطوال هذه الفترة وهو مع أمهِ؟ لم يتضح عليه أي شيءٍ ؟؟، يبدو أنه كان حريصًا بشكلٍ بالغٍ لكي ينطوي حرصه عليهم جميعًا، هكذا دارت الأحاديث مع الأفكار المذبذبة في خُلديهما لينتشلهما “عبدالقادر” من حالتهما هذه بقوله:
_قُصر الكلام علشان مش على آخر الزمن هقف أضيع وقتي مع عيال زيكم، الواد رجع لأمه وبقى في حمايتي زي ما “مصطفى” وصاني، ومش بس كدا، “قمر” بقت مرات ابني يعني زيها زي بنتي تمام، فمن دلوقتي وبشكل مباشر لو كلب منكوا فكر يقرب منهم قسمًا بربي لأكون مخلص القديم والجديد فيه، مـفـهوم !!
هدر بكملتهِ الأخيرة بأنفاسٍ متلاحقة مثل سباق العدو وحتى لحظته هذه هو يحاول أن يتحكم في نفسه، لم يكن الأمر سهلًا عليه، هو يقف أمام أكبر الحاقدين له، كلاهما أعلن كرهه له بشكلٍ مباشرٍ جعله يقترب أكثر من “عـاصم” وهو يقول بنبرةٍ جامدة بعدما أرغمه على النظر إليه لتتصل نظراتهما ورغمًا عن قوته تهدج صوته عند التحدث عن الرفيق الراحل:
_دلوقتي بس عرفت هو ليه وصاني عليهم قبل موته، ساعتها قالي بالحرف “أنتَ أخويا اللي الدنيا راضتني بيه” وساعتها كمان قالي أحط اللي ليه في عيني، استغربت إيه اللي يخليه يوصيني وأنا يدوب صاحبه وفيه أخوه اللي من دمه، بس الغريب بقى إنه كان بيحذرني من أخوه، متفكرش إنك هتكسب حاجة بعد كدا يا “عـاصم” علشان من دلوقتي أنا نِد بنِد ليك، وزي ما طول عمرك كاره علاقتي بأخوك، أنا دلوقتي بقت علاقتي بكل حاجة تخص أخوك، حتى ابنه اللي أنتَ مرحمتهوش في صغره ابني معاه وفي ضهره، وبدل ما كنت خايف من واحد بس، خاف من بيت كامل.
أولاهما ظهره بعد هذا الحديث وكما وصل لعقر دارهم وأبلغ رسالته التفت لكي يغادر هذا المكان البغيض الذي مقته منذ أن وطأت قدماه إلى هُنا، بالطبع رجل بقدر شهامته وأصول خصاله يكره أن يلج بيتًا بني على قهرة إمرأةٍ وتم التحايل على صبيٍ صغيرٍ لكي يتم نهش حقه كشبلٍ صغيرٍ تاه وسط الضِباع، علم “عبدالقادر” أن رسالته أدت هدفها من خلال ملامحه وجهيهما المذعورة، وقد وقفت “فاتن” بالأعلى تزدرد لُعابها وصدرها يعلو ويهبط من فرط الخوف وعلمت أن النيران ستطول الجميع لا شك في ذلك..
أما “عـاصم” فزفر مُطولًا ثم رفع كفيه يُخلل خصلاته السوداء ليقف الأخر أمامه بعد خروج “عبدالقادر” من البيت وقال صاررًا من بين أسنانه:
_دا بيهددنا رسمي، “عـاصم” إحنا لازم نأمن نفسنا، “يـوسف” عمره ما ساب حقه ولا حتى يقدر يتهاون، ما بالك بأمه اللي حصل؟ أكيد ساعتها مش هيتفاهم مع حد.
رمقه “عـاصم” بنظراتٍ مُبهمة وهتف بصوتٍ يخلو من المشاعر وكأنه بُرمجَ على الصوت الآلي معدوم المشاعر:
_هيخاف، المرة دي بقى عنده اللي يخاف عليه.
حرك “سـامي” رأسه يستفسر منه ليتركه الأخر عائدًا إلى غرفته بالأعلى كعادته يختلي بنفسهِ كما صنع لنفسهِ قوقعة يقضي فيها حياته بعيدًا عن الكل، لكن القادم يبدو أنه سينتهي بتهشيم هذه القوقعة فوق رأسه.
__________________________________
<عدو الماضي يزورنا، يظن أنه خليلنا”>
في نفس التوقيت بحارة “العطار”:
أجبرته الأيام أن يكون هُنا..
يقف أمام غريمه يتجاهله عن عمد لكن عيناه لا تفارق هذه التي تتشبث بكف “أيـوب”، وقد لاحظها “أيـوب” الذي تعجب من حركتها وإرتجافة كفها الذي يمسك به وحينما حانت منه التفاتة نحوها مُتسائلًا بعدما تلاقت نظراته القوية بنظراتها الخائفة وهي تقول بنبرةٍ مذعورة بعدما نبست من بين شفتيها:
_أنا بخاف منهم.. أوي يا “أيـوب”.
كانت تقصد بجملتها المرتجفة التي قالتها عائلة والدها، وخاصةً هذا “النادر” الذي علمت فقط لمحات عن أفعاله مع شقيقها، أما “أيـوب” فكعادتهِ طمئنها بعينيه وضم ذراعها ليجد “نادر” يهتف بنبرةٍ لا يدرْ الأخر إن كانت آملة أم مصطنعة وهو يقول:
_أنا مصدقتش إنك لسه عايشة، وحشتيني يا “قـمر”.
زمجر “أيـوب” بحدة اخافتها ورفع صوته يهدر بنبرةٍ عالية أخافتها:
_يا صبر “أيــوب”
حينها شهقت “عـهد” تلقائيًا من كلمتهِ ومن رد فعل “يـوسف” الغير متوقع وخاصةً حينما قبض على كفهِ يحاول التحكم في نفسهِ وقد التفت “نـادر” إلى “غالية” يسألها بعينين براقتين بشكلٍ ملحوظٍ:
_فكراني؟ أنا “نـادر”، كنتي بتحبيني أوي وفاكر إنك علطول كنتي بتحبي أجي عندك وتقوليلي إني زي “يـوسف” عندك، فكراني صح؟.
لمعت العبرات في مُقلتيها وهي تطالعه بصدمةٍ، أهذا الفتى الصغير الذي كانت تعطف عليه دونًا عن الجميع؟ هذا هو نفسه الذي كانت تحارب لأجله حتى يعيش في حياة مستقرة بين والديه؟ يعود بعد هذه السنوات ويسأل عنها؟ أما هو !! حقًا اشتاقها، لقد حارب نفسه طوال هذه الأيام منذ علمه بخبر وجودها على قيد الحياة وهو يفكر في المرأة القوية التي كانت تحنو عليه، ليس كمثل هذه الضعيفة التي تعيش معه، هذه التي ملأت بيتها بالحب لصغارها والدعم لزوجها، حتى هو كان يحبها رغم عنف طباعه التي ورثها عن والده، ليضيف بنبرةٍ مشتاقة بكل صدقٍ:
_أنتِ وحشتيني أوي.
نزلت عبرات “غالية” من عينيها فورًا وقد اندفع “يـوسف” مثل تبغ الغليون الذي اندفع وسط البنزين وهو يهدر من بين أسنانه قائلًا بانفعالٍ تفاقم عن السابق وقد تركه نفسه لموجة الغضب تراقصه كما تشاء:
_وحش يلهفك أنتَ وأبوك في ساعة واحدة، إيه اللي جابك هنا يالا؟ أقسم بالله لو ما غورت في ستين داهية أنا هموتك تحت أيدي، جاي ليه بروح أمك؟.
صدمهم برد فعله الذي بدا مبالغًا فيه لكنه لم يكترث بهم، بل أقترب يمسك تلابيبه يقبض عليها وهو يقول بنبرةٍ مغلولة بحقٍ، نظرات برغم حدتها إلا أن القهر ارتسم فيها على عمرٍ ضاع سدى بين غياهب الظلام:
_جيت ليه؟ أبوك ابن الرقاصة اللي بعتك صح؟ حركاته الـ**** مش هتنفعه بحاجة خلاص، علشان أنا دلوقتي بقيت أقدر أقف قصاده، لو فكر يعمل حاجة هردها ١٠ فوق دماغه، أقسم بالله ما هسيب دكر فيكم عايش غير لما أذله.
نفض “نـادر” كفيه عنه بأعجوبة وصرخ في وجهه بنبرةٍ محتدة هو الأخر بعدما حاول ابتلاع هذه الإهانة بداخله:
_مـحدش باعتني !! أنا جيت أشوف أكتر واحدة كانت حنينة عليا في حياتي، جيت أشوف اللي كنت بتمنى أكون ابنها علشان هي الوحيدة اللي كانت بتحبني بجد، بطل تعاملني كأني تابع وعيل ماشي بشُخليلة.
صرخ “يـوسف” هو الأخر في وجهه قائلًا:
_مش كــأنـك !! أنتَ تابع فعلًا، عيل صغير ماشي ينفذ رغبات الانتقام من واحد تاني ملهوش ذنب، جاي تاخد مني المكان اللي لقيته بعدما موت وعيشت تاني؟ طول عمرك بتبص للي في أيدي، بس لأ المرة دي غير، المرة دي بموتك يا ابن “سـامي”.
رمى جملته ثم لكمه بعنفٍ وكأنه يفرغ طاقته السلبية المستثارة بداخلهِ بهذه الطريقة، لم يقو على ظهور “يـوسف” الخاص بعائلتهِ، بل هنا “يـوسف” الذي تربى على رد الصفعة بعشرات أمثالها، وقد أقترب “أيـوب” يحول بينهما فيما حاول “يـوسف” تكرير فعله مستغلًا عدم رد الأخر عليه لتصرخ فيه “غـالية” بنبرةٍ عالية بعدما تعجبت من رد فعل ابنها:
_”يـوسف” !! أنتَ اتجننت؟ بتعمل إيه؟ نزل إيدك.
صرخت فيه وكأنها تؤنب صغيرها وليس رجلًا بَلغ الكِبر، كانت تُهذبه بطريقتها على أن يعدل عن فعلهِ كما كان في صِغره لتجده يلتفت لها يصرخ بقهرٍ أمام الجميع وقد ألمه كونها تعاتبه بسبب “نـادر”:
_أنتِ بتزعقيلي علشان دا !! دا اللي قهرني وأول واحد عايرني أني يتيم؟ دا اللي خد مني كل حاجة ومسابش ليا غير بواقيه؟ دا اللي كل ما يشوف حاجة نفسي فيها يروح ياخدها حتى لو كانت في بوق الأسد؟ دا اللي كان بيتعمد يحضن أمه وأبوه قدامي علشان يعرفني إني اتحرمت من حاجة زي دي؟ دا اللي لما جيت أعمل بيت زيي زي أي حد عاوز يكون عنده بيت وأسرة خدوه وراحوا يطلبوا أيد البنت علشان يقهروني، المهم إني ميبقاش عندي حاجة، اللي بتزعقيلي علشانه دا، أنا كنت بستناه ينام علشان أدخل أسرق الأكل من غير ما يفتن عليا، جاي دلوقتي يشاركني فيكِ؟ دا أنا مقدرتش اشاركه لقمة واحدة في طبق..
الانكسار بدا جليًا عليهِ، لم يبكِ ولم يُظهر عبراته لكن ارتجافة كلماته كانت كافية لتوفي وتعبر عما يضمره بداخلهِ، كان مثل الطفل الصغير الذي خرج للشارع يلعب مع الصبية ليعود مرهق القلب وباكي العينين وأخذ يسرد لوالدته ويشكو لها من قسوتهم، أما هي !! بالطبع ستكون متجبرة إذا نصرته على ابنها، لذا وقفت أمام ابنها تطالعه بآسفٍ لتجده تحول من جديد بعدما تبدلت نظراته وقرر أن يُكيل الضربات لوجه “نـادر” من جديد لكن “أيـوب” امتلك سُلطة كافية ليفصل بينهما من جديد وقد رفع صوته يأمر “عـهد” بقولهِ:
_”عـهد” !! تعالي خدي جوزك يلا.
كان يعلم أنه لو استمر في مجابهتهِ بمفردهِ سيخسر أمام قوة “يـوسف” الذي يبدو أنه فقد البصر والبصيرة وما يحركه الآن هي طاقة غضبٍ، زمجر وأخرج سبة نابية من بين شفتيه يحتج بها على الوضع وكأن الماضي يتجسد أمامه في صورة طفولته المُنتهكة وحُريته المُغتصبة وماهو هو عليه الآن هي صورة أخرى من شخصٍ منعوه أن ينتقم..
أقتربت “عـهد” منه تمسك كفه وقد أجفل جسده إثر لمستها وابتعد بصورةٍ تلقائية، هذه اللحظة تحديدًا يخشى الجميع ويخشى الإقتراب وقد أصرت هي على هذا ولمسته من جديد وهي تتوسله بنبرةٍ هادئة تحاول بها إخفاء صوتها المختنق:
_علشان خاطري تعالى معايا..
سحبته من ذراعهِ وهو ينصاع لهذا بصورة غريبة، راقبه “نادر” بعينيه ولأول مرة يرى تفسه بكل هذا القدر من الوضاعة وقد رفع “أيـوب” صوته إلى “قـمر” يحدثها بنبرةٍ جامدة:
_ورا أخوكِ يلا يا “قـمر”.
تركت محلها وركضت خلف أخيها فيما انتبه “أيـوب” لهذا الضيف وهو يُراقبه بعينين ثاقبتين، لا يعلم كيف أمتلك الجُرأة التي أتى بها إلى هُنا، كيف عاد من جديد ويطلب بحقه في حبٍ لم يملكه؟ وقد انتبهت “غَـالية” إلى وقوفه ولازالت مشدوهة بتصرف ابنها، قلبها أدمى لقهره الذي لأول مرة يصرح به، لذا رفعت رأسها بكبرياءٍ تهتف بجمودٍ قاسٍ:
_نورت يا أستاذ “نادر” أنا مقدرة مشاعرك ومفاجئتك إني عايشة، بس أنتَ مش هتيجي عندي أعز من ابني، نورت يابني.
حسنًا هي تنتقم لفلذة كبدها، فهي لم تكن مثالية أو حتى من ساكني المدينة الفاضلة لترى قهر ابنها بهذا الشكل وترحب بمن تسبب في هذا؟ هل يتوجب عليها أن تفتح له ذراعيها وتنتظر منه أن يقترب منها كما يتمنى؟ هي فقط أرادت أن تخبره بمدى حبها لابنها الذي لم ولن يصل هو لهذه المكانة، وقد أخفض “نـادر” رأسه وطأطأ بها إلى الأسفل بخزيٍ ليرحل إلى حيث أتىٰ بعدما تأكد أنه أصبح مكروهًا من الجميع حتى “قـمر” التي خشيت منه، ألم تكن هذه الصغيرة نفسها التي كان يبيت بشقة خاله لأجل أن يكون برفقتها؟.
خرج “نـادر” من البيت تمامًا وقد ارتمت “غالية” على أول مقعد يقابلها وهي تبكي بكل قهرٍ، تبكي بوجعٍ سكنها لمدة سنوات طويلة وهي عاجزة عن إخراجه، بكائها كان بسبب “يـوسف” الذي يؤلم قلبها بنظراتهِ وبحديثهِ عن ماضيه وقد أقترب منها “أيـوب” يربت على كفها لتزداد بكاءًا وكأنها على وشك الانفجار ورغمًا عنها تشبثت بكف “أيـوب” الذي جاورها صامتًا وهو يربت على رأسها كما لو أنها أمه..
__________________________________
<“الزراعة الفاسدة لن تُثمر ماهو صالحًا”>
العديد من الأيام مرت عليه فقط في المحاولة..
يذهب ويعود ويفشل وينجح، فعل كل شيءٍ لأجل رؤية ابنه المُبجل لكن الفشل كان رفيقه و حاول مُجددًا لكن بدون فائدة، عاد إلى بيته متقهقرًا وكلمات أخيه تدوي برأسه حينما هتف غير مُكترثٍ لابن شقيقه:
_مفيش حاجة في أيدنا يا “جمال” علشان نعملها، ابنك اتهور وغلط غلط كبير أوي، ابنك في النيابة دلوقتي يعني خلاص قضية رسمي، عاوزني أخرجه إزاي؟ فاكره مسلسل هندي؟ المحضر متقفل صح، والمحامي بنفسه قال إن الرحمة هتبقى لو جت على قد كام سنة بس..
مط شفتيه بيأسٍ وزفر مُطولًا بثقلٍ ثم فتح بوابة بيته ليدلف بيته وأرتمى بجسده المنهك على أقرب مقعد واجهه، حاول أن يراه بشتى الطرق، وآخرها كانت عن طريق رشي أمين الشرطة بمبلغ مالي ليس بهينٍ وكانت النتيجة رؤيته لابنه مكسورًا، يبدو أن كل ما فعله في تلك المسكينة عاد ينصب عليه هو، وبرغم ذلك لم يذهب عنفوانه عن نظراته ولا حتى يرضخ لهذا الوضع، بل ظل كما هو متكبرًا ومُجبرًا وفي الحقوق مُجحفًا.
خرجت زوجته بلهفةٍ ما إن رآته وأقتربت منه تقول بنبرةٍ أقرب للبكاء وهي تُخمن فشل محاولاته:
_برضه مش هيخرج؟ خلاص ابني بيضيع؟.
رفع رأسه لها يطالعها بأعين متهكمة ثم عاد يخفض رأسه من جديد وهو يهتف بنبرةٍ مُثقلة ومُجبرة على إخراج الحروف:
_مفيش جديد، مستنين التحقيقات وبعدها القضية تروح المحكمة وبعدها يا ياخد حكم يا ياخد تأجيل في تأجيل، مفيش أي حلول خالص ضيع نفسه وضيعنا، علشان إيه؟ علشان بيحب، يا شيخة أبوه لأبو الحب اللي يخليه يمرمطنا كدا.
مسحت دموعها وهي تهتف بقهرٍ نبع من عينٍ لتخالفه الأخرىٰ وتظهر التوعد والانتقام وهي تقول من بين أسنانها:
_مش هسيبها، وربنا هاخد حق ابني منها تالت ومتلت، أنا هوريها شغل النسوان على حق، وش البراءة اللي هي لبساه دا مش عليا أنا، هاخد حق ابني وهخليها متسواش في سوق الحريم حاجة، بس تقع تحت أيدي وأنا مش هسيب حق ابني.
علم أنه كمن يهدر طاقته في كَنس رمال الصحراء، أو كمان يمسك الكُرة المقطوعة لكي يملاها بهوائه، أو كمن يبحث وسط أراضي زراعية عن ثمرة صالحة، بالطبع زوجته حادة الطباع فظة اللسان لن تسكت، لذا ترك محله ولوح لها بكفهِ يهدر بلامبالاةٍ كأي أبٍ يهرب من واجباته بإلقاء اللوم على الآخرين وقد رافق تحركه هذا قوله:
_ربنا ياخدك أنتِ وهو يا شيخة وأرتاح.
تتبعت تحركه بضيقٍ ولازالت في أوج غضبها، إذا كانت الأخرى تظن نفسها انتصرت عليها هي ستحاول أن تخرجه، ستفعل كل شيءٍ نظير حرية ابنها النرجسي الذي يرفض كلمة “لا” لن تقبل أن بعد رعايتها له طوال هذه السنوات أن ينتهي به الأمر بين المُجرمين وهو ابن الحسب المعروف، لذا جلست من جديد على المقعد وقد انتفض قلبها فهي لا تزل أمًا تكتوي بنيران فراق ابنها، لكن عفوًا يبدو أنها نست الفرق بين التربية والرعاية، هي فقط ترعاه، أم دورها كأمٍ تقوم السلوك فهي فشلت فيه فشلًا ذريعًا والآن تبكي الأرض الجارفة على عدم صلاحيتها للزراعة.
__________________________________
<“لقد كانوا يشبهوننا، لذا رحلوا لينقصونا”>
النجاح حتمًا صاحب مذاق خاص
خصوصًا لمن يظن أنه يتمتع بالفشل، هو هنا منذ ما يقارب الثلاثة أسابيع في هذه الشركة الجديدة، وظيفة فُصِلت تمامًا بقدر أحلامه، أحلامه البسيطة مثل أي شابٍ غيره، لقد ولد طموحًا وعاش طموحًا، لكن الواقع كان يُطيح به وبطموحهِ، لكن هنا برغم أنه يحب عمله هذا، لكنه لازال يعمل “بالواسطة” كما يُعرفها المجتمع، حسنًا يبدو أن العمل المُراد يتوجب أن يتعارض مع الأمنيات، وإلا كان الأمر مستحيلًا..
خرج من مكتبهِ بعدما تفقد كل شيءٍ لكي يرحل بعد دوام استمر لمدة ساعة أخرى من بعد انتهاء عمله، وقد جلس ينهي العمل الزائد فوق عمله بعدما طلبت منه “رهـف” ذلك، وقد أخبرته أنها ستجلس للمزيد من الوقت تنهي بعض الأعمال وتركت له حرية الخيار ليقرر هو البقاء دون سببٍ يحدده، وقد نزل لمكان الاستراحة المُطل على مياه النيل ليجدها هناك مغمضة العينين وهي تشتم هذه الرائحة التي خالطها نسمات الليل في شتاءٍ بادر على الثبات..
أقترب منها يهتف بنبرةٍ هادئة بعدما أجلى حنجرته:
_”رهـف” أنا خلصت وماشي.
فرقت جفونها بتروٍ وطالعته بزرقاوتيها وأجبرت شفتيها على التبسم وهي تقول بنبرةٍ:
_توصل بالسلامة، أنا كمان خلصت برضه.
هز رأسه مومئًا له لكنه لاحظ حالتها الغريبة وانطفاء ملامحها التي دومًا عرفت بالتوهج مثل نجوم السماء في الليلة المُعتمة ليبادر بسؤالها:
_مالك؟ أنتِ تعبانة؟ فيه حاجة تعباكِ؟.
حركت رأسها نفيًا بالكذب وازدردت لُعابها وهي تشعر بجفاف الحلق وكأن هناك أشواك تتوسطه، في الحقيقة هي متعبة بدرجةٍ كبرى، جسدها الضعيف صاحب المناعة المنعدمة، الإعياء الذي بدا يتضح عليها، جسدها الذي يرتجف من البرودة برغم أن الجو طبيعي، وقد انتبه هو لرجفة كفيها، أما هي فازداد الألم في ركبتيها التي تم تعد تتحملها..
لاحظ هو كل ذلك وهي تحاول الصمود أكثر، في حقيقة الأمر هي لم تعد تملك من ينقذها في مثل هذه الظروف، لو كان هنا لكانت هاتفته ويأتي لينقذها، أما هي الآن فبدونه، لم تقو على مهاتفة والدتها، بماذا تخبرها؟ أن تأتي وتأخذها من عملها؟ أم تخبرها إنها مثل الطفلة الصغيرة مرضت وتنتظر من يأتي يأخذها؟.
تخبطت بين هذا وذاك وهي تفكر كيف تتصرف وتذهب من هنا، تناست وجود “عُـدي” الذي وقف يراقبها دون أن يتحدث لكنه لم يخفى عليه ملامحها وتضرج وجنتيها الحمراوتين نتيجة تدفق الحرارة لوجهها، وقبل أن تتحدث بوهنٍ قاطعها هو بقولهِ:
_أنا شايف إنك تعبانة أوي، هتروحي إزاي؟.
سألها باهتمامٍ لتقول هي بوهنٍ بالغٍ وهي تحاول فتح عينيها:
_أنا خدت مسكن دلوقتي يبدأ يشتغل وهروح إن شاء الله، اتفضل أنتَ أنا آخرتك كتير أوي، معلش بقى مضغوطين.
كانت تتحدث وهي تجبر نفسها حتى لا ينشغل بها، هي من الأساس تكره أن تكون محط الأنظار وتكون محور اهتمام من الآخرين، لكن وحده من كانت تسمح له أن يخترق هذه القواعد ويدللها ويفخر بها أمام الجميع رحل من عالمها، أما الآخر فحتى رجولته لن تقبل بهذا، فتاة مريضة تسرق أنظار كل من يراها ببراءتها، لذا أمسك حقيبة عملها بدلًا عنها وأشار لها أن تتقدمه وهو ينطق بصرامةٍ:
_اتفضلي قدامي، كدا كدا بيتك قريب من هنا.
كادت أن تنطق بالرفض القاطع وهي حتى لا تعلم ما ينتوي فعلهِ فوجدته يوقفها من جديد بنبرةٍ أهدأ:
_مش من مصلحتك ترفضي، أنا بس هوصلك لحد البيت أكيد مش هينفع تركبي مع سواق غريب وأنتِ تعبانة كدا الدنيا مش أمان، يلا وصديقيني أنا عندي أخوات بنات والله مستحيل آذي بنت، ومستحيل أقبل إنك تفضلي لوحدك كدا.
رفعت عينيها نحوه وقد ترقرق الدمع فيهما، هل هذا هو بصورةٍ أخرىٰ ؟ أم أن الأعياء أصبح يُهيء لها ذلك؟ حسنًا بالطبع هي تقوى على فتح عينيها وقد خشى هو أن يقترب منها حتى فعل ذلك وهو يقترب أكثر ثم أشار لها أن تتقدمه وما إن فعلت ذلك سار هو خلفها يمسك حقيبتها وحاجتها الخاصة مثل الهاتف والمفاتيح وقد وصلا للسيارة معًا وهتف بنبرةٍ هادئة يُطمئنها:
_أنا بعرف أسوق متقلقيش، هتوصلي بخير.
حركت رأسها موافقةً ثم فتحت باب السيارة تجاورها ولن يخفى عنه ارتجافة جسدها بفعل البرودة التي تسري بهِ وبفعل الهواء الذي يتحرك ككتلٍ ضارية تصطدم بجسدها، تفقدها هو إلا أن جاورته ثم ولج السيارة وفتح حقيبته يُخرج منها وشاحًا بنمط أشجار الزيتون الفلسطينية ثم هتف بنبرةٍ هادئة:
_الشال دا كنت جايبه قبل كدا وبحطه معايا علطول علشان خاطر البرد أو لو حصل مطر أو حاجة، تقدري تاخديه تحطيه عليكِ، أظت هو تقيل وهيكفي بالغرض.
هزت رأسها مومئةً له وسحبته منه فحتى الجدال لم تقو عليهِ بل أذعنت وكادت أن تدثر نفسها بالغطاء فوجدته يتولى المهمة وقام بفردهِ تمامًا وألقاه عليها بهدوء جعلها برغم ثُقل جفونها تحاول أن تفتح عينيها وقد أعتدل هو في جلسته وشرع في القيادة فيما ظلت هي تتابعه بعينيها مصدومة مما يفعله، كانت تظنه شاردًا في ليلهِ بمفردهِ ولم تتصور أن يفعل كل ذلك لأجلها !! الآن تود أن تبكي بخجلٍ من فرط إحراجها، لكن البكاء للصغيرات وهي أضحت كبيرة.
دقائق أخرى مرت عليهما في صمتٍ منه وغيابٍ تامٍ منها وهي تحاول فتح جفونها المُثقلة لكن الأمر انتهى بها أن تضع رأسها على زجاج نافذة السيارة وهي تشد الوشاح على جسدها تحتمي من رجفة جسدها، وقد أوقف السيارة هو بعدما سبق وأخبرته وقد تتبع اللوحة التي تحمل رقم البيت ونزل من السيارة بعدما وجدها نائمة، لذا توجه إلى بوابة البيت الذي أتضح على أهله الثراء وضرب جرسه وقد وقفت والدتها تسأله بعينيها عن هويته وهي تحاول استحضار ذاكرتها لتجده يضيف بنبرةٍ هادئة غلب عليها التوتر:
_أنا “عُــدي” زميل “رهـف” وقبل ما حضرتك تقلقي هي كويسة بس واضح إنها واخدة دور شديد شوية، هي في العربية برة أنا وصلتها، حضرتك تقدري تيجي تاخديها ؟؟.
برقت عيناها بخوفٍ وغمغمت بكلماتٍ قلقة على ابنتها جعلته يُطمئنها من جديد وهي تتحرك معه نحو السيارة وهي تأخذ ابنتها التي حاولت أن تتحدث لكن درجة حرارتها وضعتها في حِقبة الهلاوس والتخيلات الوهمية وقد حمل “عُـدي” الأشياء وأخرجها من السيارة كُليًا وتتبع والدتها حتى وصل خلفها ووضع حاجتها عند أعتاب البيت ثم هتف بنبرةٍ هادئة تمامًا:
_عن إذن حضرتك، مضطر أروح وألف سلامة عليها.
حركت رأسها موافقةً وعرضت عليه الدخول لكنه رفض تمامًا، ورحل بحاجته من هنا وهو يفكر بغرابة من موقفه، من الأساس هو هاديء الطباع قليل الإهتمام بمن حوله، لكن هذه دومًا تجعله يفكر أو ربما يهتم أو ينشغل، أيًا كان المسمى لهذا هو لم يكترث بالآخرين لكن يبدو أن لكل قاعدة ثابتة استثناء بسيط يدمر هذه القاعدة.
عاونتها والدتها للدخول إلى غرفتها وهي ترمقها بشفقةٍ، هذه لم تكن ابنتها، الأخرى تبدلت تمامًا منذ وفاة حبيبها، لقد فقدت روحها المرحة وقوتها وكل شيءٍ يثبت أن هذه هي “رهـف”، من المؤكد أنها تغيرت كُليًا، حتى أنها أصبحت مثل التمثال بداخل المتحف تغلق على نفسها في قوقعتها التي تُزيلها بالعمل كذبًا، أما الأخرى فالاعياء فعل دوره بما يتوجب عليه لكي يحضر لها صورة “حمزة” كأنه يتحدث معها ويرغمها على الرد عليه أو عفوًا !! من قام بتوصيلها لم يكن “حمزة” بل كان “عُـدي”.
__________________________________
<الطفل الصغير المحروق قلبه، عاد ليحرق القبيلة”>
الحالة التي دلفها رغمًا عنه وليست طواعيةً منه كانت غريبة، حالة شرود سيطرت عليه وتجمد في العينين، وجحوظ في المقلتين، وقد جلس على الأريكة بغرفة “عـهد” التي كانت تجلس أمامه على رُكبتيها وهي تمسك كفه المرتجف تتدلكه، لم يكن مهيئًا لمثل هذه المواجهة، غاب عقله عنه في ذكرى أليمة لم يتركها عقله كما تركه كل شيءٍ، سحب نفسًا عميقًا وأغمض جفونه وهو يستسلم للأصوات بداخلهِ، وقد رآى بعينيه المُغلقتين صورة منه قديمًا.
[منذ عدة سنوات]
كان “يـوسف” في بيت “الراوي” بعد وفاة أسرته..
حينها كان يشعر بالجوع بعدما فقد شهيته أثناء الطعام، الآن يريد أن يتناول الطعام، لا يهم ماذا يتناول، لكنه يود أن يأكل أي شيءٍ، حسنًا صاحبة القوانين الصارمة حكمت بغلق المطبخ وحفظ الطعام، لكن ماذا إن كانت المعدة تطلب بهذا الشيء؟ هو يود الطعام وبشدة، لقد أوشك الصباح الجديد على الظهور وهو هنا يجلس جائعًا..
دلف المطبخ ليلًا مثل اللصوص يحاول إلا يصدر أي صوتٍ حتى لا ينتبهوا له ويفيقوا على صوت حركته، تحرك هذا الصبي الذي لم يبلغ الثانية عشر من عمرهِ ودلف المطبخ خلسةً يحاول البحث عن أي شيءٍ يتناوله فحتى الثلاجة في غرفةٍ مغلقة بعيدة عن المطبخ، لقد فكر مرارًا وتكرارًا حتى تذكر أمر حارس البيت الذي في بعض الأحيان يضع أطباقًا صغيرة بخزينة الموقد..
حينها أخفض جسده يفتح الخزينة ليجد بها طبقًا كبير الحجم مُغلف بالورق المعدني حينها كشف الورق بحركةٍ سريعة ليبلل شفتيهِ باشتهاءٍ وحينها جلس في أرضية المطبخ تحديدًا يستند على الحوض بحلسة القرفصاء وشرع في تناول الطعام، تناوله بشراهة ولم يعلم من وضع هذا الصحن هنا، لكنه أمتن له كثيرًا، جلس يأكل ويأكل بكل نهمٍ ليبكي أثناء تناوله الطعام..
بكى الصغير الذي تحولت جنته إلى جحيمٍ سحقه، هذا المُرفه الذي كان يحتج على هذا وذاك ويتدلل على والدته حتى يأكل ما يشاء وهي تلبي مطلبه وتنفذ ما يريده بكل ترحيبٍ منها وتهديدٍ مرح من والده الذي ينعته بالمُدلل، لينتهي به الأمر أخيرًا أسفل حوض المطبخ يتناول الكعام مثل السارق !! يسرق الطعام حتى ينتهي من آلام معدته؟ حينها ترك الطبق محله وعاد مقهورًا إلى غرفتهِ الصغيرة يحتضن صورة أسرته لكي ينام محتضنًا لهم بصورةٍ وهمية ولم ينتبه إلى”نادر” الذي كان يراقبه وافشىٰ بفعلهِ لتقام ضده محكمة تأديبية في اليوم التالي..
[عودة إلى هذه اللحظة]
ظل كما هو شاردًا في اللاشيء صدره يعلو ويهبط بعنفٍ لاهثًا بعنفٍ كأنه يركض خلف المجهول، وقد تابعته “عـهد” التي طالعته بنظراتٍ مشفقة، لم تنس انفجاره فيهم بالأعلى وكيف صرح مقهورًا عن حياته القديمة، وكيف تم تعرضه للإجحاف، حسنًا كانت تظن عائلتها قاسية؟ الآن أدركت أن عائلتها أكثر رحمة من هذه العائلة المُجحفة، لم تصمت ولم تسكت على صمته، بل اشتدت قبضتها على كفه وهي تقول بنبرةٍ متوسلة:
_قولي أي حاجة طيب، مين مزعلك كدا؟ خلاص هو مشي والله، بقالك ساعة ونص ساكت، كلمني طيب وقولي مالك.
استطاعت ببراعة أن تسرقه من حالتهِ ليركز بصره عليها وفرفرف بأهدابهِ وهو يحاول تذكر من هي؟ عفوًا تذكرها لكنه لم يتذكر كيف جلست هكذا على ركبتيها وكيف هو يجلس هنا؟ كل شيء بات مُبهمًا أمامه لكن الحقيقة إنها تجاوره حقًا !! بلل شفتيه وهتف بنبرةٍ خافتة:
_عاوز أشرب يا “عـهد”.
حركت رأسها موافقةً عدة مرات فور حصولها على النطق من بين شفتيه أخيرًا ثم أتت بالكوب تعاونه في إرتشاف المياه وقد تجرع كل مافيها في حركةٍ واحدة، أرتوىٰ أخيرًا وخرج من ماضيه وعاد له “يـوسف”، لما يعود له من جديد؟ هو الآن في أوج غضبه ويود الفتك بمن يعارضه، لكن “عـهد” مسحت على كفهِ وهي تقول بنبرةٍ بدت له ممازحة وهي تقول:
_صحيح لسه عاوزة أعذبك شوية بسبب العرايس اللعبة بتاعة إمبارح دي بس مهونتش عليا برضه، خطفتك هنا وبفكر جديًا أساومهم عليك، مش هتطلب كتير، أنا بس هقولهم خدوه وربنا يعينكم.
ضحك !! نعم لقد ضحك أخيرًا بعد طريقتها التي مازحته بها، كان في هذه اللحظة يستحق لقب “الغريب” فهو حقًا كان غريبًا، عيناه البُنيتان الصافيتان تمامًا من أي شيءٍ، ارتخاء ملامحه وارتسام البسمة على شفتيهِ، كانت تراه غالبًا لمرتها الأولىٰ بهذا الصفاء دون خوفٍ ودون حزنٍ، لذا ابتسمت له وهي تقول بنبرةٍ هادئة تحاول بها تشتيته عن حزنهِ:
_عارف؟ مرة زمان وأنا صغيرة كنت في المدرسة، فيه بنت ضربتني على راسي علشان طلعت في الإذاعة المدرسية وغنيت وساعتها كلهم عجبهم صوتي أوي، وكل المدرسين بقوا يقولوا إني أحسن واحدة غنيت، وقالوا إن كل حفلة هغني أنا فيها وأولهم الحفلة اللي جاية..
توقفت عن الحديث وهي ترى نظراته المصوبة نحوها لتتأكد إنها استطاعت ببراعة شديدة أن تنجح فيما أرادت وهي أن تسحب البساط به نحوها وقد استطردت حديثها من جديد بعدما لاحظت نظراته:
_ساعتها مكانش فيه مبرر قوي، بس هي كانت أكبر من بسنتين، وكنت أنا في سنة رابعة ساعتها وهي آخر سنة ليها في مدرسة الابتدائي، ساعتها عورتني في وشي علشان مطلعش أغني تاني، وساعتها أنا كنت مكسوفة أوي أغني وانا متعورة كدا، بس بعدها الميس أتحايلت عليا وبابا اقنعني وأنا بصراحة كنت عنيدة أوي ورخمة، ولأ يعني لأ.
زادت نظراتها استفسارًا وهو يود التكملة وقد تأهبت حواسه لها، وهي أيضًا ابتسمت بحنينٍ حينما دوت كلمات والدها في رأسها وعادت تلقيها عليه من جديد حينما هتفت بلمحة شرود طفيفة بين الحاضر والماضي:
_ساعتها بابا زعل مني، قالي إني ضعيفة علشان بسكت للي بييجي عليا، أنا ساعتها كنت باصة لشكلي واللزق الطبي محطوط فوق عيني كدا أكيد هبقى في حوش المدرسة وطالعة مسرح وش يعني..
هتفتها بنبرةٍ ضاحكة ليضحك هو الأخر وقد أومأ لها، حركته هذه بدت مثل حركة الطفل الصغير وهو ينتظر التكملة، لتضيف هي مُستطردة الحديث بقولها:
_ساعتها أنا مقولتش لحد سبب خوفي، بس الضغط زاد عليا إني جبانة وضعيفة وكدا هي هتفرح لما تغني رغم إن دا مش حقها، مش معني إن هي أكبر مني يبقى تظلمني وساعتها خوفت أقول إن منظري هو اللي يهمني، محدش فهمني بس أنا عاندت معاهم لحد ما بابا فهم وساعتها ضحك وقالي، “يا عبيطة الكسبان بيرفع راسه علطول وعمره ما يسمع كلام حد، متخليش حد يستخدمك علشان تنفذي اللي هو عاوزه، هي فاكرة إن كدا المشكلة خلصت علشان سكتي، بس سكوتك قوة وكملي فاللي بتعمليه” ساعتها أنا رجعت أفكر تاني ولقيت أنسب حل إني أغني أنا ودا حصل فعلًا وساعتها خدت شهادة تقدير كمان..
تحولت نظراته إلى الفخر الشديد بها وهو يبتسم بعينيه قبل شفتيه لتتشدق هي من جديد بتفسيرٍ للموقف ولما سردته:
_الموقف دا أنا مش بنساه وبتعلم منه كل حاجة، أحيانًا سكوتنا حلو وأحيانًا وحش، في حالتي سكوتي كان حلو إني معملتش زيها، بس كان لازم أقول أنا حاسة بإيه، لازم أعرفهم يمكن حد تاني يفهمني، ودا اللي حصل لما بابا فهمني خلاني غيرت فعلي، نفس الحكاية أنتَ، أتكلم وقول إيه اللي مزعلك، أحكي إيه اللي خلاك تزعل كدا وتسرح بعيد عن الكل، صدقني قول الموقف في وقته أحسن ما يتراكم ويتعبك أكتر.
ازدرد لُعابه وتحركت عظمة رقبته وهتف بنبرةٍ مبحوحة بعدما فهم إلى ما ترمي هي عليه وكأنها معالجة نفسية تستدرج المريض حتى يأمن لها:
_أنا بس دماغي كركبت من تاني، “نـادر” خد مني كل حاجة على حياة عيني، حتى حب الناس وصحابي بصلي فيهم، وأنا طول عمري بحب حاجتي أوي حتى لو مادلية مفاتيح، لوهلة خوفت إنه ييجي يشاركني في ماما و “قـمر” وزعلت لما زعقتلي علشان كنت هضربه.
كان يخبرها بكل صدقٍ ولا يعرف كيف استرسل هكذا، حقًا لا يعلم كيف رفع الراية البيضاء وأطاعها في السرد وقد فهمت هي سبب الخوف لذا بكل تلقائية اندفعت تمسك كفه وهي تقول بلهفةٍ:
_بس دا مش هيحصل، لأنك عند طنط وأختك متتقارنش بحد، وطنط زعقت علشان كانت خايفة عليك، مشوفتش شكلك عمل إزاي؟ أنا خوفت عليك وكلنا خوفنا، مستحيل تتقارن بيه عند أي حد، لأنك في العموم مش زي حد.
طمئنته بحديثها، مسحت على قلبه بنظراتها، برعت في ترتيب الغوغاء التي تسكنه، انفض زحام رأسه بمجرد التحدث معها، هي حقًا ترد له أفعاله السابقة بهذه الطريقة؟ يبدو أن الأدوار تبدلت وهي من تتولى زمام الأمور، وقد طالعها بكل شغفٍ وهي أمام عينيه، حقًا هي مذهلة، كل ما تفعله يذهله، سواء كان ظاهريًا أو باطنيًا هي بداخلها جوهرة لامعة، لذا استسلم لرغبتهِ واخفض رأسه يُلثم وجنتها وقد أغمضت هي عينيها فور اقترابه منه لتجده يرفع رأسه يواجهها وهي يقول بنبرةٍ مبحوحة:
_أنتِ مُذهلة.
حركت عينيها نحوهِ تطالعه بنظرة حماسية كأنها تسأله حقًا أهي مذهلة؟ أهي مميزة أم أنها عادية بكل مافيها؟ لكن نظرته أكدتها لها، هي مذهلة بكل مافيها، عيناها السوداء اللامعة منذ أن ألقت بسهامها في فؤادهِ، خصلاتها الناعمة المُصففة بنفس هيئة فتيات التسعينات، نواغز خديها حينما تهديه بمستها المُشرقة، متي وجد نفسه يأمن لإمرأةٍ ويحتمي بها؟ متى أصبح بهذا اللين، وقد فصل نظراتهما عن بعضهما طرقات الباب بواسطة والدته…
اعتدلت “عـهد” في وقفتها بخجلٍ ثم فتحت الباب لتتوجه إليه “غَـالية” التي جاورته فورًا وحاولت أن تتحدث كما السابق وهي تسأله بنبرةٍ هادئة:
_أنتَ لسه زعلان مني؟.
حرك رأسه نفيًا لتضمه هي بين ذراعيها ثم مسحت على ظهرهِ وهي تنطق من بين دموعها بآسفٍ وهي تُغمغم:
_حبيب عيوني وحبيب قلبي وحبيب عمري كله، أنا مقدرش أزعلك، أنا خوفت عليك منه ومنهم، لو عليا هقولك كسرهم كلهم وأحرق بجاز وأشفي غليلنا منهم، بس لأ، أنا معنديش استعداد أني أخسرك، أنا لو عليا عاوزاك قدامي علطول كويس، أنا ما صدقت رجعتلي.
ابتسم بين ذراعيها وتشبث به يتأكد إنها هنا حقًا، لقد كان محظوظًا بما يكفي اليوم، في المعتاد عند وصوله لهذه الحالة كان يفعل كل ما يعبر عن غضبه، ضرب أو تدمير أو صراخ أو حتى إيذاء نفسه، لكن اليوم تم احتوائه واحتواء غضبه ليهنأ هنا لكن ما شغل تفكيره هي “قـمر” !! عادت الهلاوس تعج برأسهِ وهو يفكر هل هي حقًا موجودة أم أنها فقط بخيالهِ؟
__________________________________
<“القمر شرد بحزنٍ لأجل من يحبهم”>
كانت “قـمر” لازالت تحت أثر خوفها..
لم تُظهر ضعفها وخوفها في السابق لأيٍ ممن حولها، لا أحد يعلم أن عائلة “الراوي” هي هاجس الخوف الأكبر لديها، لم يلحظها سوى “أيـوب” الذي ظل معها لم يغيب عنها وقد صعدت هي له لسطح البيت من جديد، لازالت شاردة كما هي تفكر هل سيحدث ما حدث من جديد؟ تخشى أن تتدمر حياتها من جديد على أيديهم، وقد انتبه لها “أيـوب” فزفر مُطولًا وجلس أمامها على المقعد بعدما رفع رأسها له وقال بنبرةٍ هادئة:
_مالك بس؟ إيه اللي حصل؟.
أجابته بنبرةٍ باكية وبكل صدقٍ تخبره بما تحمله:
_أنا بخاف منهم أوي، بخاف من سيرتهم حتى، أنا عارفة إني كبيرة ومش هينفع أقول كدا بس أنا بخاف منهم وبخاف يعلموا حاجة تاني، من زمان وأنا بخاف وبفضل أحلم بيهم، هما مش هيعملوا حاجة لحد منكم صح؟.
لأول مرة تكون بهذه الطريقة، اعتادها مرحة وقوية وممازحة، لكن هذه المرة هي تبدلت، أصبحت فتاة أخرى لكنه بأي شكلٍ يعرفها جيدًا، هذه هي التي أشار عليها القلب، لذا ضمها بين ذراعيه دون أن يتحدث هو من الأساس لم يملك أي حديثٍ يُقال، أمامها يفقد الحروف والكلمات، أما هي فاستكانت بين ذراعيهِ ليضيف هو بنبرةٍ هادئة يحاول طمئنتها:
_أنا مش عاوزك تخافي من أي حاجة، الخوف دا شيء صعب أوي وحرام نضيع حياتنا عليه، الأهم إننا ندعي ونثق في ربنا سبحانه وتعالى، مينفعش نيأس من رحمة ربنا، بس لازم نثق فيه وفي رحمته، تفتكري يعني أنتِ مش متشافة؟ بالعكس ربنا شايفك وعالم بحال قلبك، روحي أنتِ بس أتوضي وصلي، وأفتكري إن كلنا عباد زي بعض مجرد بس ناس بتمسع الشكوىٰ، لكن مفيش غير ربنا هو اللي القادر على جبر الخواطر وإلهامك الصبر، يلا يا “قـمر”.
ابتعدت عنه بعينين حمراوتين وهي تبتسم له ليبتسم لها هو الأخر وسرعان ما قبض على سترتها وقد تبدل تمامًا، لقد خرج من طور الشاب المتدين وطور الهدوء ليسألها بنبرةٍ جامدة يهدر من بين أسنانه بطريقةٍ زائفة:
_استني !! إيه حكاية كنتوا بتلعبوا مع بعض دي؟ إزاي طفلة تبقى متسيبة كدا !! وإيـه وحشتيني دي؟ دا أنا جوزك عمري ما نطقتها؟ بت !! كان فيه حاجة بينك وبين الواد دا.
اتسعت عيناها وقالت بنبرةٍ مرحة عادت لها فور أن استشفت مزاحه معها وأنه يود إخراجها مما هي عليه:
_ياكش أعدمه هو وأبوه ما حصل.
ضحك لها رغمًا عنه ثم ترك سترتها ليجدها تضحك من جديد ثم وضعت رأسها على صدرهِ تتوسده برأسها، حقًا تحبه بل تعشقه، تخشى أن يتركها أو حتى تفرق بينهما الطرقات، تود أن تظل هنا آمنة بجوار قلبه، وهو حقًا يشعر أن الفراغ الذي كان بداخله امتلأ بها، هذه المشاعر التي حسبها بعيدة عنه وأنه زهدها، بمجرد ظهور الفتنة تأكد أنه فقط طمسها لتأتي هي وتفتش بداخل قلبه عن مكانه لتستوطنه للأبد..
في الحقيقة عليه أن يمتن لذلك الضيف البغيض الذي جعلها يبقى بجوارها هكذا وهو يضمها بين ذراعيه مثل طفلة صغيرة تحتمي حقًا بوالدها مما يُخيفها، وهو يتابع القمر بعينيه ويحتضن القمر بين ذراعيه.
__________________________________
<“مبارك يا أخي، لقد تفاجئنا”>
في صبيحة اليوم الموالي..
تحديدًا بتوقيت السابعة صباحًا، استيقظت “ضُـحى” لأجل الذهاب إلى عملها، لقد تغيرت مواعيد العمل بسبب المواعيد التي تبدلت في العمل وعليها ستعود من العمل أبكر من المعتادِ، لذا كانت تتجهز بحماسٍ حتى خرج “عُـدي” من الغرفة الموازية لغرفتها وحك فروة رأسه وهو يسألها بصوتٍ أجش:
_صباح الخير؟ صاحية بدري يعني.
حركت كتفيها وهي تضع مُلمع الشفاه وأضافت بنبرةٍ طبيعية:
_الشغل مواعيده اتغيرت وبقى بدري ساعتين.
حرك رأسه موافقًا وعادت لما كانت تفعله لتجده يقترب منها وهو يقول بنبرةٍ جامدة بعدما صفعها على رقبتها:
_مش اتنيلت قولت متحطيش حاجة في وشك؟.
زفرت بقوةٍ ثم قالت بنبرةٍ جامدة:
_دا ملمع بس، مفيش لون عليه وأهبط.
أقترب منها من جديد يمسك ذقنها وهو يقول بسخريةٍ:
_ماهو الزفت دا معروف أنه مكياج وخلاص، ولا الحلوة بقى غاوية يتبص ليها على الصبح؟ بت أمسحي الهباب دا.
للحق هي تفعلها حتى تراه يغار عليها، لذا مستحه أثره على شفتيها ليتنهد هو بقوةٍ ثم هتف بنبرةٍ هادئة:
_أنا مش بتحكم ومش عاوز أعمل مسيطر، بس أنا راجل وعارف العالم الزبالة دي بتبص إزاي للبنت، ليه حد يبصلك بصة ملهاش لازمة؟ هتشيلي الذنب أنتِ ومصر شبابها يعيني ربنا يقويهم، أنا بخاف عليكِ مش أكتر يا “ضُـحى”.
ابتسمت له ثم هتفت تستفسر منه بقولها:
_شوفت بتكون هادي إزاي وأنا بسمع كلامك إزاي؟ فيها إيه لو نبطل خناق شوية بس وتدلعني، يا أخي إن ماكنتش أنتَ تدلعني مين هيدلعني؟؟.
سألته بجدية غريبة تتنافى مع هزل الكلمات ليسألها هو بعدما ضيق جفونه وقد اندمج معها هو الأخر:
_مين؟.
حركت كتفيها وجاوبته بمزاحٍ كما عادتها:
_لأ أنا بسألك عادي والله.
كاد أن يتركها فوجدها تسحبه من ذراعهِ من جديد وهي تضيف تلك المرة بنبرة تخلت عن مرحها وتلبست وشاح الجدية وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_طب من غير هزار، أنا جالي عريس وعاوز ييجي يتقدم، قولت أعرفك قبل ما أعرف بابا، وعلى فكرة أنتَ عارفه.
سألها بعينيه دون أن ينطق بما يستفسر عنه لتضيف هي بإرتباكٍ ملحوظٍ وكأنها تخشى رد فعله:
_هو، “إسـماعيل الموجي” صاحب “يـوسف”.
ابتسم بعينيهِ ثم سألها بخبثٍ يقصد ممازحتها:
_نمرتي على الواد أنتِ وأمك جيبتوه راكع.
هتفت بنبرةٍ ضاحكة وهي تجاوبه بكل تلقائية:
_والله يابني ما لحقت أعمل حاجة أصلًا، هو اللي شاكله كان منمر، دا أنا ملحقتش أدعي في صلاة العشا حتى.
حرك رأسه موافقًا وسألها بنبرةٍ هادئة وهو يحاول سبر أغوارها ليتبين رد فعلها موافقتها على الموضوع:
_المهم أنتِ موافقة ولا لأ؟.
بخجلٍ فطري أطرقت رأسها للأسفل وهي تبتسم تزامنًا مع إيماءة بسيطة تدل على موافقتها فوجدته يضحك لها ثم هتف بنبرةٍ هادئة حتى لا يخجلها:
_طب روحي شغلك وتعالي احكيلي، بس لعلمك !! كل حاجة هعرفها ياريت متخبيش عني حاجة، مفهوم يا “ضُـحى” ؟؟.
حركت رأسها موافقةً ثم رفعت حقيبتها واقتربت منه ثم لثمت وجنته وهي تقول بنبرةٍ مرحة كما تفعل دومًا:
_أنا بحبك أوي.
مرت وهي تعلم أنها لن تحصل على الرد كعادته لكنه صدمها حينما ابتسم لها وهتف بنبرةٍ هادئة:
_وأنا كمان بحبك أوي، ربنا معاكِ.
رفرفرت بأهدابها كثيرًا ولمعت عيناها لكنها تغاضت عن كل هذا، بادرت وأخبرته وتخلص من جموده وتحدث هو الأخر؟ كانت سعيدة بما قاله وبدأت يومها بالحماس لتكتب عبر صفحتها بداية تسجيل يومياتها:
_محدش بيحاول وينفع يتقال عليه فاشل.
كانت سعيدة بشكلٍ غريب لا تدري سببه، هل بسبب مقابلتها مع “إسماعيل” أم حديث شقيقها اللين منذ الصباح، أم اعترافه بكل سهولة أنه يحبها؟! حقًا هي ممتنة لك شيءٍ حولها وعليها أن تنشر طاقتها الحيوية في كل مكانٍ، أم “عُـدي” فابتسم رغمًا عنه في الحقيقة هو قليل الحديث، قليل المشاركة، يتسم دومًا بالهدوء قليل التعبير عما يجول بداخلهِ، وقد بدأ يتجهز للعمل وتذكر لوهلةٍ أنه ستغيب اليوم من المؤكد وبالطبع سيتوه هو بدونها هناك، فهي من تعاونه في كل شيءٍ.
__________________________________
<“لقد تبدل الحال تمامًا، أفعالنا هي السبب وليس كلامًا”>
في بيت العطار..
كانت هناك حالة مرح غريبة نشرها “إيـاد” منذ الصباح بسبب حصوله بالأمس على شهادة تقدير وورقة مالية فئة الخمسين جنيهًا، كان الأول على صفهِ في حدثٍ لم يحدث من قبل، هذا المهمل لدراسته الذي عانى معه معلموه، يحتل المكانة العُليا بفعلٍ أدهش كل البيت أثناء تجمعهم للفطور معًا، منذ الأمس وهو يحتفل لكن هذه المرة وسط أفراد البيت بأكملهِ.
تحدث “عبدالقادر” بنظرات مبهورة بحفيدهِ:
_شوف بقى!! أنتَ أهو نجحت خليك ذكي وحافظ على النجاح دا، صحيح هي أول مرة بس أنتَ طول عمرك شاطر ودي مش هتبقى أخر مرة، توعدني يا “إيـاد” ؟.
حرك رأسه موافقًا بشدة فضمه “عبدالقادر” بين ذراعيهِ وهو يمسح على ظهرهِ مرارًا فيما ابتسمت”نِـهال” بسعادةٍ وهي ترى نتيجة تعبها معه أتت بثمارها، لقد تلاقت نظراتها بنظرات “أيـوب” الذي أومأ لها شاكرًا ليجدها تبتسم من جديد له ترفع عنه الحرج وهي تتذكر حديثًا دار بينهما ذات مرة بعد زواجها من شقيقه:
[قبل عدة أيام كثيرة]
لاحظت هي أثناء إشرافها على أدوات الصغير إهماله لدراستهِ ولأدواته ولدروسهِ بأكملها، شعرت بالحزن لأجلهِ فهو يتمتع بذكاءٍ عالي وقوة ملاحظة شديدة ما السبب في أن يكون مهملًا بهذه الدرجة وأن يهمل نفسه ومستقبله بهذه الطريقة؟ حينها كانت في حديقة البيت ترتب أدواته بالتزامن مع دخول “أيـوب” البيت وقد قررت أن تتحدث معه باعتباره أقرب الأشخاص له هنا..
تركت موضعها وأقتربت منه توقفه لتجده غاضضًا بصره كالعادة وهو يلقي التحية بأدبٍ، هذه العملة النادرة الثانية التي يحفظها “عبدالقادر” بداخل بيته وقد انتبه هي لما تتحدث عنه فرفع عينيه تلقائيًا حينما استمع لاسم الصغير فوجدها تسأله بارتباكٍ:
_أنا مش قصدي تدخل، بس أنا ملاحظة قوة العلاقة بينكم أنتَ وهو، فعاوزة بس أفهم هو إيه اللي بيحبه في طريقة الدراسة؟ هو ذكي ما شاء الله وعنده قوة ملاحظة، إزاي درجاته كدا وهو أذكى بكتير؟.
زفر بقوةٍ ثم هتف بنبرةٍ هادئة:
_بصي أنا هقولك بما إني اتواصلت مع الاخصائي في المدرسة لما طلب يكلمني، الفكرة إن “إيـاد” واخد الدراسة احتجاج، يعني الوضع هنا مش عجبه ميقولش وميعبرش بس يهمل في دراسته، والدته مهما كانت ليها تأثير قوي محدش يقدر يمحيه، “إيـاد” درس كل تصرفاتها علشان يحاول يلاقي حاجة تشفع ليها عنده بس للأسف، هو كل اللي لقاه إهمال بكل شيء يخصه، لأن ببساطة هي مش حطاه أولوية عندها، علشان كدا هو بيهمل الدراسة، حاولت كتير ووالده حاول، و”آيـات” بس بنلاقي استجابة مرة آه وعشر مرات لأ.
فهمت الآن سبب سلوكه مع الدراسة وسبب إهماله لذا اندفعت تقطع وعدًا صادقًا وهي تقول بلهفةٍ:
_متقلقش، أنا إن شاء الله هحاول معاه من تاني، طالما عاوز إهتمام يبقى أنا ههتم بيه، في النهاية أنا هنا علشانه، ولو احتاجت حاجة أو حسيت إني محتاجة أفهم حاجة عنه هرجعلك لو مش هضايقك يعني.
ابتسم لها وهتف بنبرةٍ هادئة قبل أن يتوجه لغرفتهِ:
_إطلاقًا، وأنا إن شاء الله هكون دليل.
خرجت من شرودها على صوت الصغير يهاتف عمته بمرحٍ:
_كدا هاجي أنا وماما معاكِ نجيب باقي الحاجة يا “آيـات”؟.
هزت رأسها مومئةً له فيما طالع “أيـهم” ساعة معصمه واحتسى قهوته وهو يقول بنبرةٍ هادئة لابنه:
_يلا يا عسلية، مش علشان طلعت الأول تروحلهم الأخير، هنتأخر كدا، يلا هات الأكل كله في الطريق.
تحرك “أيـهم” وحرك صغيره ثم أشار لزوجته التي ودعت البقية وتحركت خلف زوجها وابنها الذي ركض يفتح السيارة كما يحب وقد وجدت “أيـهم” يلتفت لها بُغتةً وهو يقول بغزلٍ صريحٍ:
_أقسم بالله إحنا كنا جثث من قبلك، سواء أنا أو هو، ألف شكر إنك قدرتي تعملي الحاجة اللي محدش غيرك يعملها.
ابتسمت بتعالٍ عليه تقصده وقالت بتلقائية:
_هو فيه واحد بيشكر أم علشان بترعى ابنها؟.
توسعت ابتسامته ليجدها تشير له حتى يتحرك ويقوم بتوصيلها، حقًا أصبحت أخرى منذ أن أصبحت العلاقة بينهما طبيعية، تلاشى خوفها ووثقت به لأول مرة، وهو تركها تتسلل لقلبهِ من جديد بعدما أوصد الباب ليجدها تخترقه وتعلن ملكيتها لهذا المكان، لا سابقةً لها ولن تنفعه من تأتي بعدها، فقط هي، الحين وغدًا وأمسًا تبقى هي.
__________________________________
<“لن نخفي الأمر خوفًا، بل خفيناه خوفًا من الخوف”>
وقف كعادته يهانف ابن شقيقة منذ أن رحل يطمئن عليه، من الأساس لم يستغ فكرة رحيله عنه، لم يقبلها من الأساس لكنه أجبر عليها أمام إصرار الأخر الذي يشبه الخيل الجامح، نعم كل خصاله من خصال الخيول، عزتها وشموخها وجموحها، أنهى معه المكالمة ليجد “إسماعيل” يخرج من البيت بابتسامة راضية وملامح بشوشة ليسأله بنبرةٍ ضاحكة:
_الأسياد راضيين عليك ولا إيه؟.
ضحك “إسـماعيل” وأضاف بنبرةٍ ضاحكة:
_حـــي.
ضحك الأخر بتعجبٍ وقد خرج “سـراج” يضحك هو الأخر بعدما أوقظته “نـور” حتى يذهب إلى عملهِ وقد خرج يجاور “إسـماعيل” فطالعهما “نَـعيم” ضاحكًا وأضاف مستفسرًا:
_فيه إيه منك ليه؟ صاحيين الضحك منور وشكم ليه؟.
طالعا بعضهما بعضًا بخجلٍ طفيفٍ ليحك “إسـماعيل” فروة رأسه كثيفة الخصلات وهو يقول بنبرةٍ هادئة بعدما حمحم عدة مرات يُجلي حنجرته:
_بصراحة يعني هروح أتقدم قريب، خلاص خدت الرضا وناقص المقابلة الرسمية، وصحيت الصبح لقيت إشارة حلوة منها، دعواتك يا حج ربك ييسرها.
فهم “نَـعيم” سبب تحوله وسبب سعادته وقد حول نظراته إلى “سراج” الذي وقف مبتسمًا هو الأخر وما إن استقرت نظرات “نَـعيم” عليه حمحم هو الأخر وخلل خصلاته الشقراء وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
_بصراحة خدت رضا الحكومة كلها، “عـادل” وافق يديني فرصة أتقدم لـ “نور” نبدأ من جديد، أنا لو عليا والله مكتفي حتى بمسامحتها، بس أنا بجد عاوزها، لو فيه حاجة هتخليني أتهد تبقى هي إنها تكون معايا.
زفر “نَـعيم” لهما ثم هتف بنبرةٍ ساخرة:
_يعني كدا فيها تعويرة جامدة !! ورد وجاتوه وأجازات، يلا ياكش يطمر في اللي خلفوكم، عيال مقاطيع ناقصين رباية.
ضحكا كلاهما معًا على تعبيره الغريب لهما بالحب، هذه هي طريقته المزاح والضحكات ليتحرك بعد ذلك مستندًا على عصاه ليجد “مُـحي” يمسك مذكرة ورقية يُذاكر قبل خروجه؟ حينها ابتسم بتعجبٍ على هذا الحال لكن يبدو أن “إيـهاب” يستحق لقبه بجدارة، من غيره يستحق أن يكون “عمهم”؟
__________________________________
<“أصابها بالحزن، وهي من تسعى لإدخال الفرح قلبه”>
منذ هذه الليلة التي تركها وبات بين ذراعي شقيقه وهي تعامله بكل جفاءٍ، لم حتى تكترث لتواجدهِ، هذه التي كانت تستغل كل فرصة حتى يكون معها حتى وإن جلس صامتًا، تتحرك أمامه بكل فتورٍ ينهشه، وتضع الطعام دون كلمة واحدة، ملامحها باهتة وكأنها لم تنم ليلًا وهو يراقب ما تفعله بحيرةٍ أو حتى لا يكون مجحفًا هو يعلم السبب..
كادت أن تتحرك للداخل فأمسك رسغها يسألها بنبرةٍ جامدة دون أن ينتبه لذلك:
_أنتِ مش هتفطري معايا؟.
ألقى سؤاله لتسحب كفها منه وهي تقول بنبرةٍ جامدة:
_فطرت مع “جـودي” قبل ما تنزل.
راقبها بعينين للأسف حانقتين هو يعلم سبب حزنها، لقد أهملها مؤخرًا بشكلٍ ملحوظٍ جعلها حتى تحاول هي أن تتودد إليه لكنه لم يهتم بها، بل انشغل في العمل وفي أحوال الشباب وفي موضوع شقيقه، كافة الأمور وقعت على عاتقهِ وهو من يتولى فقط حكم السيطرة عليها، انتبه لبدأ انشغالها بترتيب شقتها كعادتها، تملك هوس النظافة في كل مكانٍ حولها، أقترب منها يحاول أن يسترضيها بقولهِ:
_بصي !! حقك تزعلي وتلوي بوزك وتقاطعيني، بس بالله عليكِ يا شيخة لو ليا غلاوة عندك بصحيح، بلاش تزعلي بالمنظر دا، أقولك؟ علي صوتك وزعقي كمان، بس بلاش سكوتك ونظرتك دي.
ابتسمت بسخريةٍ وقالت بنبرةٍ لا تدري لما وجعتها بهذه الطريقة وهي تتحدث معه وكأن الأمر أصبح أكثر حساسية بالنسبةِ لها:
_حتى دي كمان عاوزها بكيفك؟ دا أنتَ ظالم أوي.
ابتعدت عنه بعدما رمقته بنظرةٍ قاتلة ثم دلفت للداخل وصفعت الباب خلفها بعنفٍ وهو يعلم جيدًا كيف ستفكر هي بالأمر بمنتهى الحساسية، وهو فقط عليه أن يتريث وإما يحتوي نوبة الغضب هذه أو يزهد كل العالم لأجلها، فرغمًا عنه أحزن الوحيدة التي تسرق السعادة من العالم وتصبها داخل قلبه صبًا.
__________________________________
<“لقد حان الوقت، هي فقط ضغطة زناد”>
قرر أن يقدم الانتقام على صحنٍ باردٍ..
لن يختبأ ولن يخاف كما كان يفعل في صغرهِ، سيظهر من جديد بمنتهى القوة والثبات في أرض عملهم، وقد دلف صباحًا بتريثٍ رهيب كعادته ومنه توجه إلى مكتبهِ مباشرةً، خلع سترته السوداء وبقى بالقميص الأبيض الذي لائم عضلات جسده البارزة وقد فتح أول زرين وشمر ساعديه ثم قرر أن يعمل بدلًا عن “رهــف” التي تغيبت بسبب مرضها وللحق هو لم يرد أن يضغط عليها وقد أمر بإعطاء إجازة مَرضية لها..
اندمج في الملف الذي يمسكه وهو يدقق في الأرقام بعينين ثاقبتين وذلك لقلة ثقته بمن يعلمون هنا، استمر دون أن ينتبه للوقت الذي مر عليه حتى فتحَ باب مكتبه مثل حركة دفع الإعصار ليطل بعدها جسد أحدهم، علم هو هويته بنظرةٍ خاطفة وأعاد عينيه لما يفعل وقد ابتسم بزاوية فمه وهو ينطق بتهكمٍ:
_قولتلك قبل كدا دا مش كباريه أمك علشان تدخل كدا كأنك داخل تحيي الليلة، مش فيه باب تخبط عليه يا أنكل؟.
أقترب الأخر منه بعدما أغلق باب المكتب ثم بحركةٍ سريعة مباغتة أخرج من ظهره سلاحه يشهره في وجه “يـوسف” وهو يقول بنبرةٍ عالية هادرًا من بين أسنانه:
_كدا خلصت معاك يا ابن “مصطفى” أنا مش هفضل تحت رحمتك كتير اللي هيخرج من هنا يا قاتل يا مقتول.
قال جملته ثم شد أجزاء سلاحه ليشرع في قتل “يـوسف”، لم يهمه الأمر بعد الآن، سيقتله حقًا ليتخلص منه بصورةٍ نهائية، يكفيه ذعرًا حتى الآن، لقد حان الوقت لكي يرد هو عليه ويتولىٰ زمام الأمور، والاسم هنا “قاتل أو مقتول”.
___________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى