روايات

رواية ساكن الضريح الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم ميادة مأمون

رواية ساكن الضريح الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم ميادة مأمون

رواية ساكن الضريح الجزء التاسع والثلاثون

رواية ساكن الضريح البارت التاسع والثلاثون

رواية ساكن الضريح الحلقة التاسعة والثلاثون

رائحة عطره التي تعشقها، هي نفسها الان التي تشعرها بالدوار و تجعلها مشمئزه منه الي درجة الغثيان.
بحركة انفعالية زجته وانتفضت مبتعدة من علي قدمه اذا بها تضع يدها على ثغرها، لتجري الي الخارج قاصدة المرحاض بأقصى سرعة.
غابت بداخله بعض الدقائق، و ترجلت منه لتجده يقف أمام الباب يظهر على وجه علامات القلق و التوتر و من خلفه والدته و والدتها.
كاد ان يقترب منها و هو يهمس لها.
-سلامتك يا روحي بقيتي كويسة دلوقتي.
لتدفعه بعيداً عنها مختبئه بين يدي خالتها و هي تصيح بأنزعاج.
-ابعد عني إياك تيجي نحيتي انا مش طايقة اشم ريحتك و لا ريحة البريفيوم بتاعك.
صُعق من هزاينها هذا، تلك التي كانت تعشق عطره النفاذ، الان لا تتحمل ان تشتم رائحته.
اراح ظهره على الجدار من خلفه ضارباً يده بالآخري منتظراً ان ينتهو الاخيرات من وصلة ضحكهم تلك، لتردف والدته بضحك.
-ههههههههه احسن تصدق فرحانه فيك يا رب يا بت يا شذى تطلعي شهور الوحم كلها عليه.
ضم حاجبيه منزعجاً من كلام والدته واذا به يصرح.
-معنى كلامك بقى اني افضل بعيد عنها طول مدة التلات شهور الأولى مش كده، طب ايه يا شذى تحبي اسافر تاني عشان ترتاحي مني.
التفتت له بجديه و تكلمت بصيغة الامر.
-و هو انت لازم تسافر يعني، ما ممكن تبطل تحط برفيوم او الأحسن انك تروح شغلك و تيجي تبات في بيتك.
-دانتي مش طيقاني بجد بقى، حاضر يا اميرة شذى انتي تأمري، بس ما انا ممكن ابطل احط برفيوم خالص و اخد شاور كمان، اصلي بصراحة مش هاقدر ابعد عنك تاني و عايز اخدك لدكتورة عشان اتابعك واطمن عليكي.
خبئت ابتسامتها في صدر خالتها، لا تنكر ان كلامه أسعدها جداً و أراح زهنها، لتضغط والدتها على راحة يدها.
-خلاص بقى يا شذى اهو هايعملك اللي انتي عايزاه اهو، انا بقول تسامحيه بقى و تخليه يبات هنا.
ليهتف مالك سريعاً.
لاء يا ماجدة احنا هنروح بيتنا صح يا شذى.
هذه المرة تحدثت والدته بغضب.
-لاء يا عين… عايز تروح بيتك روح لوحدك، شذى مش هاتخرج من هنا الا و هي رايحة تولد بأذن الله.
رفض مالك هذا الحديث صائحاً.
-كلام ايه دا بس يا أمي، ممكن تسيبونا على حريتنا و ماتدخلوش في حياتنا.
لترفض والدته حديثه بغضب.
حياتك وحريتك انت حر فيهم يا عين… لكن حياة بنت اختي و حفيدي دول مسؤوليتي انا، الكلام اللي قولته هو اللي هيمشي، و لو عايز تروح روح لوحدك يا روح…. تعالي يا بت.
اسندتها و صعدو أمام عينه، و وقف هو يتابعهم متنهداً، لتضع ماجدة يدها على كتفه تحثه ان تستند هي عليه ليجلسو سوياً على الاريكة الخشبية.
-تعالي يا مالك اما نقعد انا و انت.
-ايه يا خالتي انتي كمان عندك حاجة تقوليها لسه.
-اه طبعاً عندي حاجات اقولها، اولها انك اكيد مش هاتخد اجازة من شغلك تسع شهور و تقعد جنب شذى، تاني حاجة انك مش هتعرف تاخد بالك منها و من أكلها و تغذيتها
تالت حاجه بقى يا حبيبي انك مش هتقدر
تستحمل هرمونات الحمل و ما ادراك ما هي.
تأفف مالك نافياً
– لاء يا ستي هاستحمل كل اللي انتي بتقولي عليه ده و بعدين ماتحسسينيش ان بنتك هي الست الوحيدة اللي حامل في العالم كله يعني، ما بنات كتير زيها كده و قاعدين في بيتهم عادي.
ماجدة محاولة افهامه.
-كل ده يا حبيبي مفهوم بس صدقني بيبقو تعبانين و مضغطوين، و احنا ليه طلاما في ايدينا نريحها اول تلات شهور بس مانريحاهش
مراتك حملها جايلها بالنوم يا مالك و بدئت في الغثيان كمان و شويه وهتبص تلاقيها بتدوخ، افرض بقى حصلها كل ده و انت مش موجود من اللي هيلحقها.
أراد مالك الا يركز في هذا الكلام حتى لا يرتعب عليها أكثر.
-انتي بتقولي الكلام ده عشان تخوفيني بس، و انا بصراحه بقى مش حابب تدخلك انتي و امي في حياتنا كده، يا ستي اعتبرونا قاعدين بعيد عنكم و لا اخدها و نرجع الشقة التانية بقى.
-لاء ابداً طبعاً ماحبش يا مالك، ويا سيدي ماتزعلش نفسك انا و امك مش هندخل في حاجة تاني، بس مش انت كنت ناوي تقعد هنا التلات شهور الحرم ، اعتبر نفسك بقى لسه ماخلصتش البيت و قاعدين هنا.
تنهد بقلة حيلة مستسلم لهذا الخيار الذي طرحته و وقف من مخضعه قاصداً باب المنزل بخطوه سريعه.
لتضم هي حاجبيها بعدم فهم و تهتف له.
-انت سايبني بكلمك و رايح فين.
التفت إليها غاضباً و هتف.
-رايح اتخلص من ريحتي اللي مابقتش عاجبه بنتك عشان اعرف انام هنا، و لا انتو عايزنها هي لوحدها و مش عايزني معاها كمان.
ما زالت لا تفهم معنى كلماته الغامضه هذه.
-تتخلص من ريحتك! يعني ايه يا واد انت.
ليصيح فيها بوجوم.
-هاروح البيت اخد شاور يا ماجدة عندك مانع انتي كمان من حاجة.
انتفضت في جلستها مرتدة للخلف أثر صياحه.
-لاء يا مالك مع السلامة يا حبيبي.
ترجل من المنزل صافعاً الباب خلفه، و وقف متنهداً مستغفراً ربه على ما تفعله به جنيته الصغيره.
ليسدل هاتفه من جيب بنطاله ليتصل عليها منتظراً حتى تجيبه، و إذا بها تجيب عليه اخيراً.
-ألو السلام عليكم يا حبيبتي.
ليتفاجئ بالرد الذي زاد من استغفره.
-هههههه و عليكم السلام و الرحمة يا روح….
و اذا به يهتف في والدته صاخباً
-حتى التليفون بتدخلو فيه، من فضلك يا أمي أنا عايز اكلم مراتي على حريتي لو سمحتي اديها التليفون وسيبها لوحدها شويه.
جحظت عين والدته أثر صراخه عليها و هتفت.
-ينيلك واد، خد يا خويا المحروسه بتاعتك اها بس لو نامت و هي بتكلمك متبقاش تزعل.
ليسمعها و هي تناديها قبل أن تترك الهاتف.
-بت يا شذى اتعدلي يا بت كلمي حبيب القلب و اوعي تنامي يا بت.
و أخيراً ما استمع الي صوتها.
❈-❈-❈
-الو يا مالك.
-انتي نمتي تاني يا حبيبتي.
-لاء يا مالك انا صاحيه اهو.
-طب عاملة ايه دلوقتي طمنيني عليكي.
-انا كويسة الحمد لله، انت بتتصل ليه بالتليفون هو انت خرجت تاني؟
حاول أن يلعب بأعصابها ليفهم اذا كانت تريده ام هي منزعجة من وجوده معها.
-اه خرجت انا مروح بيتنا يا شذى.
– كده يا مالك يعني هاتسبني تاني.
قالتها متلهفه بسرعه لتجعل قلبه يرقص بين اضلعه ليتحرك سريعاً باتجاه بيتهم، قبل أن يخفق و يعود اليها.
-اعملك ايه مش انتي اللي مش طايقة ريحتي، هاروح اتخلص منها عشان اعرف اضمك من غير ماتبعديني عنك بقى.
زفرت أنفاسها براحه، أثر تصريحه، همست له بنعومه تجبر الحديد ان يلين.
-اه طب ماتتأخرش عليا لو سمحت بقى، عشان انا عايزة احط راسي على رجلك، و تقرا ليا قرأن.
فتح باب البيت بمفتاحه و ولج منه، ليهمس لها بحب.
-عيوني يا روحي، قوليلي محتاجة حاجة من هنا اجبها ليكي.
لتردف سريعاً مغيرة مود الحب و الهفة الي مود الشهية المفتوحة.
-ايوه بقولك ايه في كيس مكسرات وكاجو كبير انت كنت جايبه ليا عندك، انا عايزاه لو سمحت و كمان عايزة رنجة و معلش ممكن تشتري ليا موز من عند الفكهاني و انت جاي.
ليتأفف من هذا المود المتقلب المسمى بالوحم و يهمس ساخراً.
-و أرفانه من ريحتي يا شذى.
لتصرخ فيه منزعجة.
-قصدك ايه، خلاص مش عايزة منك حاجة.
ضحك من قلبه على تقلبها ليردف لها.
-انا مش قصدي حاجة يا روحي، دانا عيوني ليكي كل اللي تطلبيه أوامر بالنسبة ليا و هاجبلك كل اللي انتي عايزاه.
تسلملي يا حبيبي، ماتتأخرش عليا بقى.
-حاضر يا ستي اقفلي بقى عشان اجيلك بسرعة.
اغلق معها بعد السلام راضياً كل الرضا بهذه الكلمات الرقيقة التي اراحت قلبه، ذهب سريعاً الي المرحاض.
❈-❈-❈
هل يعقل ان ينسى صاحبه، و الا يشكر ربه على هذه الهدية التي وهبه اياها.
لا و الله لن تحدث له في يوم حتى يفعلها الان.
ليترجل من بيته مرتدياً جلبابه و عبائته الصوفية مطوية على كتفه، متجهاً نحو ضريح الحسين.
صلى فرضه و ركعات لا حصر لها شكراً لربه، و جلس بجوار الضريح يهمس لصاحبه.
-ياه يا حُسين، انا فرحان جداً، لاء مش بس فرحان انا هاطير من فرحتي، أخيراً حسيت اني مطمن و بالي مرتاح، و انها عمرها ما هتحاول تبعد عني تاني، مش كده و بس دي كمان هاتجبلي طفل منها، روح تانية هاتربطنا ببعض و تخلينا عمرنا مانفكر نسيب بعض مهما حصل، انا حاسس اني كل مدى بحبها اكتر ربنا يخليها ليا و يحفظها هي و اللي في بطنها يا رب.
❈-❈-❈
احضر لها ما تريد و بعثه الي البيت مع طفل من أطفال الحي، و ظل يبحث عن ابيه فهو لم يراه من وقت حضوره حتى الآن.
كان يظن انه سيجده في الضريح لكنه خاب ظنه، ثم ذهب إلى التكية ليبحث عنه هناك، وأيضاً خاب ظنه، و حين التم عليه بعض الرجال اضطر ان يقف معهم ليلقي منهم الترحيب و يرد عليهم بمثله بكل محبه و لباقة في الحديث.
حتى ظهر والده امامه ممسكاً بحقيبة ورقية مغلقه يحملها على ذراعه.
و بعد أن احتضن والده ملقياً عليه السلام بدء يسأل عما بيده.
-وحشتني اوي يا حاج و الله.
-يلا يا بكاش بقى انا برضو اللي وحشتك، على العموم هاعديها ليك دي بس قولي انت جيت امتى.
-من بدري بس انت اللي كنت مختفي، دانا لفيت عليك الحي كله و انت اللي كنت مختفي، انت كنت فين صحيح.
فتح تلك الحقيبة بيده مخرجاً منها بعض الحلوى مردفاً بلمعه عينه و الفرحه تشع منها.
-شكلك ناسي النهاردة ايه في الأيام يا دكتور انا كنت بزور السيدة زينب رضي الله عنها، و كمان يا سيدي كنت بجيب شوية طلبات طلبها مني اعز انسان على قلبي دلوقتي.
اومئ له يظن انه مستفهماً َعني حديثه.
-اعز انسان على قلبك تبقى امي، خير يا ابويا امي طلبت ايه منك و رحت المشوار ده عشانها.
ليهتف والده بمرح ضاحكاً.
– امك مين يا دكتور، صحيح هيا كانت أغلى حاجه عندي، بس جايلي بقى بعد كام شهر اللي أغلى منك و منها، حفيدي المنتظر، اللي لو طلب عيوني هقدمها ليه عن طيب خاطر.
فرح جداً بكلام والده و هذا معناه انه لا يحمل لزوجته اي ضغينه في صدره، ليسأله بهدوء.
-طب و يا تري حفيدك بقى طلب منك ايه روحت تجيبه يا ابويا.
ليمد له يده بما يحتويه الكيس قائلاً
– شذى طلبت مني حلاوة المولد و حب العزيز ورحت جبتهم ليها.
❈-❈-❈
عاد إليها حبيبها، و عادت لها الطمئنينة و راحة البال، رأسها مستكينة على فخذه، هادئة مستمتعة وحدها بصوته العذب و هو يتمتم لها بقراءة سورة مريم كاملة.
كأنها نائمة على بساط من الحرير طائر بها وسط السحاب ترى على يمينها انهار وعلى يسارها حدائق ممتلئة بالاشجار و الازهار الجميلة.
كل هذا وهو يربت علي جسدها بيده، يسترسل قراءة ايات الله الحكيم، يشعر بحلمها بتغير علامات وجهها، بسعادتها و تقربها منه
ليصدق على آياته، و يحملها بين يديه متجهاً بها نحو الفراش.
❈-❈-❈
و في وقت الضحى استيقظ الطبيب قبلها و تحضر ليذهب الي عمله، تاركها هي غارقه في نومها الهادئ.
اتجه نحو الدرج قاصداً الهبوط، ليضم حاجبيه بريبة و هو يرى خالته جالسة على أول الدرج، منحنية على نفسها، تفعل شئ غريب.
-بتعملي ايا عندك يا ماجدة.
انتفضت بشهقة ناظرة للأعلي و هي تصرخ.
-ايه يا واد انت ده خضتني الناس تقول صباح الخير مش بتعملي ايه.
-هههههههه طب يا ستي صباح الخير ها بتعملي ايه بقى، ايه اللي في ايدك ده سكينة؟
-اه سكينة بقطع بيها الجبس اللي زهقني ده.
قذف الدرجات سريعاً، و جلس بجانبها محاولاً جذبها من يدها ليردها عن ما تفعله.
-تقطعيه ليه بس يا جبارة انتي، هو انتي مش قادرة تصبري لما رجلك تخف و بعدها اخدك تفكيه في المستشفى، و الدكتور عبد الرحمن يفوكهولك بنفسه.
على ذكر اسمه انفزعت صارخة، تنفي ما يقوله.
-لاء مش هاروح في حته، و مش عايزة الراجل ده اصلاً يكلمني تاني، انا اصلاً حاسة اني بقيت كويسة يا سيدي و خفيت خلاص.
ليردف هو بجدية
-نعم يا ختي هو الراجل دا مش في حكم خطيبك وجيه و اتكلم معاكي و كنتي راضية، ممكن تفهميني بقى ايه اللي جد.
و على ارتفاع صوتهم ظهرت امامه والدته قادمة من غرفة الطهي.
كما طلت عليهم حبيبته المنزعجة من صياحهم
و صاحت مرتعبه.
-هو في ايه انتو بتتخانقو.
التفت إليها تاركاً يد والدتها ثم التفت الي والدته التي بدورها تنبأت ما يفعلونه.
-يا لهوي بت يا ماجدة سيبي السكينة من ايدك يا بت، انتي بتنتحري و لا ايه امسكها كويس يا واد يا مالك.
كانت طريقتها في سرد الاشاعة مقنعة، فزعت الجميع ومن ضمنهم شذى التي صرخت و هي تجري نحو الاسفل.
ماما اوعي تعملي كده انا ماقدرش اعيش من غيرك يا ماما.
وقف سريعاً يحلق عليها، و كأنها فرخ صغير.
-بس اهدي انتي الله يرضى عليكي مامتك مش بتعمل حاجة.
-اوعي سيبني انا عايزة امي.
ظلت ماجدة جاحظه عيناها و قد تشنج جسدها و شُل لسانها أمام هذا المشهد الدرامي.
تتابع فقط حركاتهم السريعة من حولها، شقيقتها تنحني عليها تجذب السلاح من يدها، و ابن اختها يقف يُحلق على ابنتها حتى يحول بينهم.
لتردف قائلة بتذكر.
-انا عرفت مين اللي قتل محمد جوزي، ايوة انا افتكرت،
افتكرت يا بت يا شذى.
صمت تام عم المكان، و تيبس الجميع بأماكنهم.
❈-❈-❈
جلس الجميع حولها على الارائك الخشبية منتبهين الي ما تقوله، الا هو كان متحفذاً لما تقوله و يريد أن لا تفصح به.
بل لا يريد التحدث بهذا الموضوع مره اخرى كان يظن انه قد تخلص منه ومن ذكراه السيئة، لتنبش هي في الماضي مره اخرى.
تأهبت هي و كأنها تعود بكل حواسها للماضي، و تهمس و هي ناظرة للأمام.
فاكرة يا شذى ليلة الحادثة قبل ما الظابط يجي و ياخدنا لما اخدوني من الشارع و انا بصرخ و شايفة ابوكي مرمى غرقان في دمه، انتي كنتي ساعاتها لسه مافوقتيش كويس.
و انا كنت عامله زي اللي ضاربنها على رأسها، و ساحبنها في ايديهم، ماشية معاهم، شايفة كل حاجة بس عقلي واقف و مش قادر يشوف او يسجل اي حاجه من اللي بتحصل
كانت على وشك التحدث، لكن مالك كان له رأي آخر، حين لاحظ تشنج جسد زوجته التي بدئت تبكي.
-ارجوكي يا ماجدة ماتفتحيش الموضوع ده تاني احنا ما صدقنا اننا نخلص منه و نقفله بقي.
بحركة واجمة لا إرادية استدار وجهها فقط له.
-بس ده معناه ان ممكن انسان بريء يتعدم من غير سبب.
شهقت شذى مما تقوله.
-بس اشرف مش ممكن يكون برئ يا ماما، كل اللي حصل ده اصلاً بسبه هو.
-متخليش كرهك ليه يخليكي ماتسمعيش لكلمة الحق يا شذى.
لتتحدث الحاجة مجيدة و كأنها تشاهد مسلسل درامي و تتابع أحداثه بحماس.
-استنى بس يا بت شذى، ماتطعيهاش يا ماجدة اخلصي بقى و قولي شوفتي ايه.
-شوفت السيد اخو محمد الله يرحمه و هو
واقف تحت السلم بتاع البيت، ماسك في ايده سكينة غرقانة دم، و بيوطي عشان يشيل البلاط المكسر يا شذى فكراه.
-اه يا ماما فاكراه.
ليهتف مالك.
– و ايه حكاية البلاط المكسر ده كمان.
ابتسمت شذى من بين دموعها.
-دا ذكري سوده من ذكريات اشرف ابن عمتي
-ازاي يعني.
-كان لسه عيل في اعدادي و اتعارك مع عيال معاه في المدرسه، ام الواد حَلف زي ماضربه في المدرسة يعلم عليه كمان في قلب منطقته، و جيه بدري في معاد ما العيال بيروحوا المدارس هو عايلين كمان واستخبو تحت السلم بتاعنا يستنى اشرف و هو نازل.
ساعتها البيت كله نزل على صوت صريخ و تكسير البلاط، و اتفاجئنا انا العيال كانو جايبين معاهم بلطة كبيرة وكانو ناوين يقتلوه و يدفنوه تحت السلم.
-يا نهار اس… دا ايه الاجرام اللي كنتو عايشين فيه ده.
شعرت الحاجة مجيدة بالازعاج أثر ذلك التدخل بين الأحداث لتهتف.
-يوه بقولكم ايه ماتوهنيش معاكم، انتو مش كنتو بتحكو عن السيد و السكينه اللي بيحطها تحت البلاط.
عادت ماجدة الي روايتها السابقة لتستجمع قوتها و تقوم من علي الاريكة متكأة على يد مالك.
– ايوة انا شوفته بعنيا دول، استنو دي مراته و اختو كمان شافوه ساعاتها بصو لبعض و رجعو بصولي،
و عمتك ام اشرف زقتني قدامها بسرعه عشان اطلع و ماخدش بالي من اللي بيحصل، واللي طلع عليها ساعتها لازم تمشو من هنا، انتو مباقش ليكم
مكان هنا.
-فين السكينه يا مالك انا عايزة افك الجبس ده، لازم اسافر بنفسي واحكي للظابط كل حاجة.
و هنا تدخل مالك متذكراً.
-استنى بس و اقعدي يا ماجدة، ركزي كده كويس في الكلام، اللي بتقوليه، انتي مش قولتي ليا قبل كده،
ان الراجل اللي اسمه السيد ده كان جايب لبنتك الدكتور و كان معاكم فوق و لما الدكتور قاله الحقيقة، نزل يجري عشان يلحق اخوه و لقاه اتقتل ساعتها.
-يبقى ازاي بقى هو اللي قتله؟
تذكرت ماجدة بالفعل هذه النقطة، لكنها أكدت على كلامها.
-حتي لو مش هو اللي قتله، هو معاه أداة الجريمة يعني عارف القاتل و كاتم الشهادة، و انا لازم اروح واشهد باللي اعرفه و اذا كان
اشرف هو اللي عملها وهتكون بصامته على السلاح واذا كان مش هو هايخرج ونعرف مين القاتل.
-و أنا مش مستعد اعرضكم للخطر تاني.
صاح بها مالك الذي هب واقفاً، أمراً للكل.
-الموضوع ده اتقفل خلاص، و مبقاش لينا بيه اي علاقة سواء من بعيد، أو من قريب.
تحدته ماجده بنظرتها.
-يعني عايزني اضيع حق جوزي، عايزني اكتم الشهادة يا شيخ مالك.
وقفت شذى بجوارها، تتحداه هي الاخري هامسه.
-هاترجع في كلامك و لا ايه يا شيخ مالك
مش انت اللي قولت ان حرام نبقى عارفين كلمة حق و نخاف نقولها.
رمقها بنظرة لا تعلم اذا كانت واجمة ام خائفة، ليبتعد عنهم جالساً على الدرج.
-كفاية بقى حرام عليكم انا اعصابي تعبت من كل الاحداث دي، انتو ايه كل ما اقول خلاص الموضوع هدى من ناحيتكم و هبطل اخاف عليكم شوية، ترجعو تقلقوني عليكم ليه بس.
-اه قول كده بقى، انك خايف.
تحولت نظرته سريعاً الي الغضب و لا شئ إلا هو ليصرخ فيها.
-اه يا شذى خايف، ارتاحتي كده، قولي عليا جب.. قولي مش را.. لكن برضو مش هاعرض واحدة فيكم للدخول وسط الناس دول تاني.
لتصيح والدته مدافعه عنه هذه المره.
لا عاش و لا كان اللي يقول عليك كده، اسمعي كلام جوز بنتك يا ماجدة، و كفاية يا ختي عليكي اللي جري ليكم.
جلست ماجدة بأحباط متمسكة بذلك السلاح بيدها لتنحني على قدمها سريعاً.
-برضو هافك الجبس.
❈-❈-❈
و كأنهم اصبحو عاتق ملازم له يضطر على حمله فوق اكتافه، لازموه الذهاب إلى عمله، زوجته، والدتها، والدته، هنَ الثلاثة يثرثون داخل السيارة بجواره و لا ينفكون عن النقاش،
تلك الجالسه بجواره مازلت تبكي من تحت نقابها و لا يعلم كيف يتعامل معها الان بسب هرمونات الحمل الزائدة هذه.
و الأخرى تبكي من خلفه، و تهتف بكلمات عكس التي سمعها منها من قبل، و فجأه تريد
أن تلعب دور الطبيب و يخشي ان تكون سببت عاهه بقدمها.
و الثالثة تلومه و تزجره بنظرتها و كلماتها اللازعة التي لم تنفك عن اتهامه بالاهمال لهم و ازعاجهم.
ليهتف فيهم مزمجراً قبل أن يوقف السيارة، منبهاً عليهم بشده.
-بس اسكتو شوية بقى انتو التلاتة.
رقَم واحد الأميرة شذي : بطلي عياط يا هانم، انا من ساعة ماخرجنا من البيت لحد دلوقتي مش فاهم انتي عماله تنوحي و تعيطي ليه جوزك مات يا شذى!
كادت ان تجيبه نافية بالصراخ و الدعاءعلي نفسها الا انه الجمها بنظرة غاضبه.
-انشالله انا يا…..
-قولت اخرسي مش عايز اسمع صوتك.
رقم اتنين الليدي ماجدة : سبب النكسه كلها و صاحبة الليلة النهاردة ممكن تبطلي انتي كمان عياط لحد ما نفهم عملتي في رجلك ايه.
-انا ماعملتش فيها حاجة، قولتلك مش عايزة اجي معاكم، جايبني بالعافية ليه يا اخي.
-ليصيح ساخراً: عشان اشوف عورتي رجلك ازاي يا دكتورة و انتي بتفكي الجبس.
رقم تلاته الملكة الام : امي حبيبتي نبع الحنان كله، ممكن تحافظي على هيبة ابنك شوية و تديني برستيجي وسط الموظفين اللي تحت ايدي، و تبطلي شيتمه فيا.
اومئت له مطيعة أمره.
-حاضر يا حبيبي طبعا لازم أعلى قيمتك قدام الناس دانت دكتور قد الدنيا، إنما برضو لازم تفهم اني مش هاعديلك زعيقك في البت و هي حامل و تعبانه كده
-اه يا خالتو انا حاسة اني هيغمي عليا.
-يا قلب امك جرالك ايه يا شذى، مالك يلا ننزل احسن رجلي كمان بدئت توجعني اوي.
-منك لله يا مالك، عملت ايه في البت يا ولاااا.
و أخيراً ما الجمهم بصوت جاهور داخل السيارة.
-اسكتووووووووو….
❈-❈-❈
ولج بهم الي مكتبه و لا زالت ثرثرتهم تصدع رأسه، جلس على مقعده وضعاً رأسه بين راحتيه محاولاً كبت غضبه.
لتصيح والدته فيه أمره.
-هو انت يا ابني جايبنا هنا عشان نقعد في مكتبك، ما تقوم تشوف هاتكشف على مين فيهم الاول.
رفع رأسه موافقاً حديثها.
-بالنسبة ليا ماعنديش مشكلة، هما بس اي واحدة فيهم تبطل رغي و تتحرك معايا عشان اوديها للدكتور المتخصص.
-يلا بينا يا شذى.
-لاء لما اطمن على ماما الاول.
-طب يلا انتي يا ماجدة.
-لاء لما اطمن على بنتي الاول.
-حلو اوي كده، تقدري بقى تقوليلي اتصرف معاهم ازاي يا أمي.
لتوجه لهم والدته الحديث بأمر.
-ما تخلصونا يا اختي انتي و هي بقي، يلا يا مالك هانخرج كلنا سوي و نروح مع ماجدة تفك الجبس و نطمن على رجلها الاول و بعدين نحضر الكشف مع شذى بقى.
هكذا قسمت الحاجة مجيدة الأدوار، و ينطاع الجميع لأمرها.
❈-❈-❈
ولج عليه غرفة الكشف ليتفاجئ بهم امامه، وإذا به يصيح مرحباً.
-اهلاَ و سهلاَ دا ايه النور ده، مش كنت تبلغني يا دكتور مالك.
-معلش بقى يا دكتور عبدالرحمن احنا حبينا نعملها ليك مفاجئه
كان يحاول ان يمرح كي لا يلاحظ الاخر تهجم وجهها، لكنه تسأل.
-طب انشالله تكون الزيارة دي سعيدة و تكون زيارة خير.
-لاء اطمن دي خالتي بس مش متحملة
الجبس و عايزة تفكه و بتقول حاسه انها كويسة.
-كده طب اتفضلي اشوف رجلك.
و كانت تلك هي القشة التي قسمت ظهر البعير لتنطق ماجدة.
-ايه تشوف رجلي دي، نقي ألفاظك يا دكتور، يلا يا مالك نمشي ال يشوف رجلي ال.
تفاجئ بردها المتهجم هذا، شعر بالحرج و تلجلجت نبرة صوته.
-انا اسف ماقصدش حاجة انا قصدي يعني اشوف الجبس، و افكه ليكي.
شعر مالك بأحراجه فحاول تحسين الموقف.
-طب يلا نبدء احسن مدام ماجدة استعجلت و حاولت تفك الجبس فاعورت نفسها.
-يا خبر طب اتفضلوا.
جلست امامه على الفراش النقال، و مدت قدمها بخجل امامه، ليخطف هو النظرات السائلة من عيناها.
ليفطن مالك مابهم و زج زوجته والدته معه للخارج.
طب احنا هنستناكم بره، اتفضلي يا أمي، يلا يا شذى.
ترجلت والدته للخارج، و لكن شذى وقفت تسقط عليهم نظرات نارية تكاد ان تشعلهم هم الاثنان.
-يلا يا شذى بقولك اتحركي قدامي.
-لاء انا مش هاتحرك من هنا من غير ماما.
اكتفي بنظرته الغاضبة التي بادلها اياها، و اخفض صوته ليصل إليها وحدها.
-يلا يا شذى احنا هنستناها بره مش هاتروح في حته تانيه.
ترجلت معه و تركت والدتها تجلس متحفزة كما هي.
ليردف الطبيب متسائلاً.
-خير يا مدام ماجدة انا شايفك المره دي مش مبسوطة كده، هو انا صدر مني حاجة
زعلتك.
شعرت بمدى قسوة كلماتها و احنت رأسها بخجل.
-لاء ابداً مافيش حاجة انا بس مضايقة شوية.
-طب يا ترى ليا الحق اسأل ايه سبب الضيق ده.
-لاء حضرتك مالكش اي حق عندي، و لو حابب تعرف سبب زعلي فهو انت يا دكتور..
كان ردها هذا بمثابة اعتراف بفشل تلك الزيجة، ليرفع حاجبه كالعادة ليستفهم عن السبب.
-يا ساتر، طب انا زعلتك في ايه من غير ما اشوفك.
-حضرتك انا ماحدش يقدر يزعلني، و احب اقولك ان الموضوع اللي حضرتك بتفكر فيه ده يا ريت تنساه عشان مش هايحصل.
-اممممم تمام طب ممكن بردو اعرف السبب.
تنهدت بفرح ثم عبث وجهها مره اخرى.
-اصل شذى حامل، يعني انا هبقي جده، و هايجلي حفيد كمان كام شهر.
ابتسم لها مهنئاً.
– ايه ده بجد طب مش كنتي تقولي قبل ما يخرجو، كنت باركت ليهم.
-الله يبارك فيك يا سيدي. شكراً انا هابلغهم.
-طب هو دا السبب يعني اللي خلاكي رافضة.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ساكن الضريح)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى