روايات

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل السابع والأربعون 47 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل السابع والأربعون 47 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء السابع والأربعون

رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت السابع والأربعون

رواية بنت المعلم
رواية بنت المعلم

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة السابعة والأربعون

مقدمة للشخصيات نفتكرهم مع بعض :
أولاً المعلم سالم أكبر أولاد الحاج عثمان سويلم (متزوج من صباح ونادية ونجاة .. بناته بالترتيب:
1- هند = طليقة أحمد ابن عمتها وخطيبة موسى الأحمدي
2- مها = زوجة مرتضى
3- خيريه = خطيبة عامر الخولي
4- مروه
5- أمل= خطيبة سفيان
6- رحمه
7- حسناء= خطيبة يعقوب
ثانياً جابر متزوج من زينب وأولاده:
سالم على اسم عمه تقديرًا ليه = متجوز نيره
خلود = خطيبة أكرم
مي = زوجة ربيع رشدي مطاوع
ثالثاً عبده متزوج من رحاب وسحر ، أولاده:
سالم = متجوز ندى
محمود = متجوز مياده
سمر= خطيبة خليل اخو مرتضى
وتوأمها سعد = متجوز سميه عزيز الجبراوي
دولت الأخت الأولى للأخوة الثلاث متزوجة صبري أولادها:
أحمد طليق هند وحالياً اتحبس
ريهام = مكتوب كتابها على محمد ابن هانم
معتصم
حنان الأخت الثانية متجوزة إبراهيم الخولي واتوفت من فترة طويلة، ابنها الوحيد يونس الخولي
عزيز الجبراوي متجوز حسنيه :
يعقوب = خطيب حسناء
علي = متجوز بنت عمه منال
عبدالله= متجوز ميمونه أخت منال
مايسه = زوجة شريف
فايزة = زوجة سليمان
سميه = زوجة سعد
عامر الخولي ليه أخت واحده هاجر وابن عم يونس
‏عبدالخالق سويلم وأخته هانم اللي أولادها:
محمد = خطب ريهام بنت دولت
ضياء، علاء، حسام، فادي
سفيان وطلال وهيفاء ولاد عادل اللي اتوفى وكلنا عارفين ليه
‏مرتضى وخليل وتغريد من أسرة واحدة عشان منتلغبطش في أسامي حد
‏ربيع رشدي مطاوع زوج مي جابر وعنده أربع أطفال من زوجته المتوفيه، ومؤمن أخوه عشان لو أتذكر تكون فاكرين اسمه
موسى الأحمدي والدته كوثر اتجوزت من محمد الصفواني والد عليا يعني عليا وموسى مش أخوات لكنهم اتربوا مع بعض، ليه ٥ اعمام أكبرهم اسمه ” صفوت ”
واخيرا العيلة الكريمة آل عزب :
أولا منصور عزب ودا اللي انتحر، أولاده:
عز كان متجوز بنت عمته هاديه وأولاده زياد ويزيد واتوفت ومتجوز ليلى ومخلف لوجينا ” ليلى قتلته وحالياً في المصحه”
سيف قصته معروفه أكيد
ثانياً هاديه وأولادها:
أماني زوجة عز
عمر شغال حارس في المصنع
( تقريباً دول كل الأشخاص اللي مهمين معانا + في أم منير ومنير مكملين معانا + وأكيد لازم نفتكر ساره ابو الفضل واللي مش فاكرها نجيبها تفكره، وأكرم مستني ياخد خلود ويسافروا استراليا ونسرين)
دا الشخصيات والمخلص الأخير أن المعلم سالم غاب أسبوع ورجع مقرر يكتب كتاب هند وخيريه وأمل وحسناء وكان بيحضر ليوم الجمعة!!!
في شخصية هتظهر معانا في مشهد وأن شاء الله هو البطل الأساسي للرواية القادمة
؛********
الفصل السابع والأربعون (47):
الجزء الثاني
؛********
( صباح اليوم المنتظر )
عاد من صلاة الفجر وهو يتمتم بالأذكار بخشوع .. ابتسم بهدوء وردد التحية عندما وجد نجاة تقف في انتظاره، اخذت منه عصاه وضعتها جانبًا وكذلك سبحته، أخرجت إحدى بجاماته الرجالية المريحة والتي تجلبها الفتيات خصيصًا لوالدهن من موقع شهير للماركات الرجالية .. خلع جلبابه وبدل ثيابه لحين عودتها بكوب النعناع الساخن بدون سكر كما يفضل من يدها،
جلست جواره والصمت سائد بينهما، تفهمه جيدًا وتعلم أنه يفضل احتساء كوب النعناع في هدوء .. وهذا ما يروق إليه خاصة في بداية يوم مميز ومرهق في آن واحد، ولكن تلك المرة كسر هو قاعدة لديه وسألها باهتمام:
خير يا نجاة ؟؟!
راقبت تعابير وجهه وهي تسأله بقلق بالغ:
مالك يا سالم ؟؟ فيك ايه ؟! ومتقوليش مفيش لأني مش هكدب عنيا وعرفني مالك ؟؟
أشتاق إلى سماع اسمه دون لقب المعلم الذي أصبح يلتصق باسمه طيلة الوقت .. احتفظ ببسمته وتمتم متسائلاً:
وعينك بتقولك ايه ؟؟
جاوبته بخوف وعيونها تتفحصه باضطراب:
بتقول انك مخبي عننا حاجه ومش عايز تطمنا
وضع الكوب على الطاولة:
قومي يا نجاة اطلعي يومك هيكون طويل انهارده يا ام العروسه
بإصرار سألته والاستغراب يحتل ملامحها:
طيب أنت قاعد هنا لوحدك ليه ؟! من ساعة ما رجعت وأنت مطلعتش عند واحده فينا ولا سمحت لينا إننا نفضي شطنتك !!
: أصل فيها حاجات ممكن تكشفلكم اني اتجوزت الرابعة
توسعت عينيها بصدمه فضخك وقال بمزاح:
يا شيخه مش هعترف على نفسي لو عملتها
تقدمت تضع الغطاء عليه بعناية وهي تهتف بفتور :
دا على أساس إنك لو عملتها واحده فينا تعرف تكلمك
: ليه هعُضكم يا نجاة ؟؟!
زفرت بصوت مسموع وقالت بقلة حيلة:
مادام مش عايز تتكلم في موضوع محدش بيعرف يطلع منك بمعلومة
أشار إليها بأن تغلق المصباح متمتم بنعاس :
طفي النور خليني أنام ساعة قبل ما جيوش الإحتلال تيجي
من المؤكد سيكون المنزل يضج بالأقارب والضيوف باكرًا .. تنهدت برفق وخرجت مغلقة الباب خلفها، تعلم أنه يوم متعب إليه ولا تود أن تكون ثقل بأسالتها التي لن تحصل على إجابة مفيدة مادام لا يريد أخبارهن بها، صعدت حيث تنتظرها ناديه في شقة صباح … وضع اليأس على وجوههم ونجاة تقص محاولتها الفاشلة في التحدث معه،
: ليكون اتجوز بجد ؟؟
سؤال خرج من ناديه بتوجس وهي تتطلع إلى صباح ونجاة، ردت عليها صباح وهي شاردة الذهن:
لو اتجوز وقالنا ارحم من قعدتنا دي
نهضت نجاة وهي تقول باستياء :
ريحوا نفسكوا عمرنا ما هنعرف مادام هو مش عايز
علقت ناديه على حديثها بتهكم :
وأنتِ ياختي كوباية النعناع بتاعتك مبقتش تجيب مفعول ليه
: سيبك مني وانزليله اتكلمي معاه لو تعرفي
رغم نبرتها الهادئة ظهر ضيقها من سخرية ناديه والتي نهضت تتابع بحنق :
ولا انزل ولا اطلع، انا هروح أشوف اللي ورايا يومنا طويل
مرت بجانب نجاة التي طلعت إليها بحده لم تبالي لها الأخرى واكملت صعودها للدرج… تعجبت صباح من تعابير وجه نجاة فسألتها باستغراب :
مالك يا نجاة ؟! هي ناديه جديدة علينا ؟!
اقتضبت ملامحها وهي تهتف بانفعال:
لا بس أنا عمري ما اتريقت على مخبوزاتها اللي سالم بيحبها من أيدها ولا على البامية برده اللي بيفضلها من إيدك
قالت جملتها وصعدت دون أن تنتظر رد من صباح التي رفعت حاجبيها باستنكار، فما دخل طبق الباميه خاصتها في الحديث بينهم الآن … ارتشتفت من كوب الشاي التي أعدته منذ قليل ونهضت تشعل التلفاز على قناة القرآن الكريم، ومن ثمّ أشعلت بخور برائحة العود كعادتها كل يوم جمعة بعد صلاة الفجر وتشعله مرة أخرى بعد صلاة العصر …
؛***********
: عامر قاعد كده ليه حبيبي ؟؟
التفت إلى والدته وأمسك يدها يقبلها:
صليت الفجر ومش عارف أنام
ابتسمت بحنان وقالت بمكر :
العريس مش عارفه ينام من كتر التفكير بقا
: مش مصدق يا أمي
تابع وهو يتنهد بتفكير :
معقول بجد هيحصل، يعني هتجوز البنت اللي اتمنتها وفتحت بدل المشروع اتنين، مش قادر اطمن
رتبت على كتفه برفق متمتمه بفرحة:
تعبت في حياتك وتستاهل يا عامر
نظر إليها وقال بتردد :
خايف أفرح لا اخد الضربة في نص دماغي
مر بمشاكل كانت تكبر عمره بمراحل، توفي والده وتركهم في مهب الريح، أُجبر على ترك دراسته فترة حتى يتمكن من توفير مصاريف إليهم من بيع الخضار مكان والده … لم يفتح محلاته بسهولة، ولم يصل إلى ما هو عليه بتلك البساطة، صعوبات عرقلته ولكن لم يفقد الأمل أبدا حتى الوصول..
: لا تفرح وتنبسط وتتوكل على الله وتسيبك من التفكير السلبي ده، محدش فينا يعلم الغيب بس بنحسن الظن بالله، مش دي جملتك في كل خطوة جديدة بتاخدها
هز رأسه بهدوء مبتسمًا فسألته بتذكر:
صحيح قبل ما انسى هو أنت عازم يونس ؟؟!
أومأ إليها وأردف موضحًا :
اكيد يا ماما هو ينفع يوم زي ده ومعرفوش
اقتضبت ملامحها ورددت بانزعاج:
معنديش مانع في يونس بس عمك لو جه أعرف أن كتب الكتاب مش هيعدي على خير، وهو من أمته ابراهيم بيجي وراه خير
وتابعت تحذره بقلب قلق غير مطمئن لِما يدور :
اسمع يا عامر سواء كلامي عجبك أو لا بس لازم أحذرك واقولك تاخد بالك، الله اعلم النفوس شايله ايه يابني وده عُمر مش سنه ولا اتنين، وربنا وحده يعلم ابراهيم زرع في يونس ايه مننا
ضحك عامر وتمتم بعدن تصديق :
يونس !! صدقيني يونس ده عايش في مايه البطيخ وده المعني الحقيقي لدماغه
ضيقت بين حاجبيها باستنكار لتلك الثقة العمياء، فما ادراه ما يخفى خلف قلوب شابت على جفاء البعد :
ريحني ووعدني أنك تحاذر من يونس أو من غيره
كي لا يشغل عقلها بالتفكير الكثير، ورغم أنه واثق في مشاعر يونس اتجاهه هز رأسه يؤكد إليها أنه سيفعل حتى وإن كان غير مقتنع … استأذن منها ودخل إلى غرفته عله ينام قليلاً، بينما جلست والدته تحارب شعور الحزن الذي استحوذ عليها، لم تود أن تقول مثل هذا الحديث على عمه ويونس لكن القلق يعصف بها، دعت الله بأن يمر اليوم بهدوء وسلام ويطمئن قلبها على عامر وهاجر،
؛************
ما إن بزغ ضوء النهار اصطفت سيارتين تحملان أغراض ومعدات نصب الصوان المخصص للرجال خارج المنزل، مساحة كبيرة تسمح إليهم بإنشاء صرح فخم يليق بآل سويلم، والقسم الثاني من العمال بدأوا في تنظيم الصوان الذي سيكون به موائد الغذاء داخل البهو .. أشار الطباخ إلى مساعده أن يقف معهم كي يريهم طريقة تنظيم الطاولات بشكل مرتب، ودخل هو مع الباقية يستعد لتحضير مقادير الوصفات، عليه الإسراع كي ينهي القائمة قبل صلاة الجمعة.. كان من ضمن مساعديه أربع نساء اتجهت كلا منهن إلى مهماتها في همة عالية، ومن هنا بدأت أول خطوة لليوم المميز …
؛**********
استقام وهو يرتب سجادة الصلاة ووضعها أعلى الفراش، خرج لغرفة المعيشة وهو يتمتم بالأذكار بهمس، التقى بسامر وهو يتثاءب بنعاس :
ما أنت لو بتنام بدري كان زمانك صاحي فايق
هتف سامر بعبوس :
مش بحب أنام بدري
أشار مرتضى إليه بأن يذهب للمرحاض مبتسمًا وهو يصافح صاحب الوجه البشوش سالم … صحيح أن سالم وسامر إخوة لكن شتان بينهما :
صباح الخير يا بابا
: الخير كله في وشك يا سالم والله
ابتسم سالم بهدوء فقال مرتضى وكأنه يتحدث إلى شاب واعي ومسؤول ليس طفل أكمل العشر سنوات منذ أشهر :
عايزك تاخد بالك من تصرفات اخوك انهارده مش عايز مشاكل، أنت عارف كلنا هنكون مشغولين ازاي
: بابا سالم اكبر مني بسنتين وأنا مش صغير، وبعدين هو أنا بتاع مشاكل !!!
التفت مرتضى إليه مغمغمًا باستغراب:
أنت لحقت تغسل وشك يابني
واستطرد بأمر:
ادخل اتوضى وصلوا الضحى علشان نفطر
تحرك من أمامهما وولج للمطبخ حيث صدر أصوات ضوضاء وكأنها تتعارك مع الأواني لصنع الإفطار وهذا دليل على تعكر صفو زوجته العزيزة :
بتتعاركي مع نفسك ليه على الصبح يا مها ؟!!
لم ترد عليه وظلت تعطيه ظهرها منشغلة في مراقبة غلاية الحليب كي لا تفور كبركان خامد ويعلن تمرده على سطح موقد الغاز.. جلس على أحد مقاعد طاولة المطبخ مردفًا بانزعاج :
يعني صباح يوم الجمعة وعندنا مناسبة حلوة ولسا بداية اليوم تقومي تصدري الوش ده
دارت إليه بسرعة وصاحت باستنكار :
اللي يسمعك يقول عايش في النكد كل يوم !!!
رفع كتفيه ببراءة متمتم بتلقائية :
بصي لنفسك في المرايه وشوفي ملامحك
انتبهت حواسها على الحليب وهو يخون تركيزها ويفر هارب من الغلاية إلى السطح اللامع للموقد، ألقت المنشفة من يدها وهي تهدر بغل :
ما أنا واقفه بقالي ساعه حبكت في الثانيه اللي لفيت فيها
بتذمر بدأت في التنظيف بكدر تحت نظرات مرتضى المتفحصة إلى تصرفاتها المنزعجة .. بعد لحظات لم تتحمل الصمت أكثر، والتفت تسأله باهتمام:
أنت كنت عارف أن كتب كتاب محسن جارنا انهارده ؟؟؟
عقد جبينه باستفهام متسائلاً بعدم فهم أو اصطنع عدم الفهم :
محسن ؟؟ وأنتِ من أمته يخصك جيرانا !!
بملامح مقتضبة سألته بحنق :
أنت عارف مين العروسة صح ؟؟؟
طرق على الطاولة بإصبعه ومن ثمّ هتف بسخرية :
عايزه تبركي ليها أكيد
: يعني عارف أن نسرين هتتجوز محسن
تحكم في أعصابها مقابل نبرتها المرتفعة مردفًا بهدوء :
ايوا عارف ومعزوم كمان
كادت أن ترد فقاطعها بصرامة :
ومش عايز اتكلم في اي حاجه تخص الموضوع ده لا دلوقتي ولا بعدين
ضغطت على أسنانها بغيظ وهي تردد بغضب :
واه وهي راجعه بقا بصفة جارتنا
مسح وجهه قائلاً بقلة حيلة :
اعمل ايه اكتر من اني دفعت ضعف تمن بيتهم علشان تغور من البلد واخلص من حوارها اللي واقف في حياتنا
تابع يسألها بضيق :
قولي أنتِ اعمل ايه ؟؟ أروح لمحسن أقوله معلش بلاش تتجوز نسرين أصل مراتي بتغير منها !!؟
“بغير!!” رددتها مها بتعجبًا ودهشة طاغيه:
أنا بغير من نسرين يا مرتضى !!!
واستكملت بانفعال :
دا أنت كان عجبك بقا اللي هي بتعمله
لاحظ مرتضى مجئ أولادهم فاقتصر الحديث رغم ضيقه الشديد من اتهامها إليه :
ياريت الفطار لو جهز لأني اتأخرت
نظرت إلى أولادهم هي الأخرى وتقدمت تجهز الطاولة، وضعت الأطباق بوجه عابس وجلست على مضضّ … هدوء تام عكس ما يدور بداخلهما، كي لا تلفت نظر أولادهما أخذت تمضغ بعض اللقيمات، سكبت كوب الشاي خاصتها ونهضت متجها إلى غرفتها..
أخرجت جلباب رمادي اللون من خزانته تتأكد من أنه لا يحتاج للكي مرة أخرى فعادتها أن تقوم بكي ثيابه بعد غسلها، توقفت فجأةً وهي توبخ نفسها عن بلاهتها، لِما تهتم بأموره الآن!! .. ألقت الجلباب على الفراش بإهمال وعلى شفتيها بسمة انتصار، ودارت تخرج إلى غرفة الأولاد كي تجهز ملابسهم، التقت به في الطرقة فتجاهلته حتى ينتهي ويغادر ثم تبدأ هي في تجهيز ثيابها..
: اللهم طولك ياروح
هتف بها مرتضى وهو يرى جلبابه ملقى على الفراش، أخذه بغيظ وارتداه.. صفف شعره، وارتدى ساعة معدنية قبل أن ينثر عطره المميز، علق قلمه الفضي على حافة جيب جلبابه والذي لم يكن سوى شكلاً يكمل به طلته ونادرًا ما يستخدمه في الكتابة، لمحته بطرف عينيها وهو يخرج، أسرعت إلى النافذة تسترق النظر إليه خلسة … مات الرجال في عينيها ولم يتبقى سواه يعتلي عرش قلبها، تعلم أنها تقترف خطئ في علاقتهما بتلك الطريقة، وتدرك أن التجاهل لنسرين هو الحل الوحيد كما أخبرها والدها، ولكن ليس بيدها أن تتحكم في شعورها بالضيق لما تتعرض إليه من استفزاز صريح ..
: ماما
همهمت بصوت منخفض فتابع الآخر:
بابا بيقولك لما تخلصي رني عليه علشان يجي يخدك
شقت البسمة طريقها على ثغرها، صحيح أنه تجاهلها ولكن لم يجعل الخصام يغير أسلوبهما … أكملت ما تفعله وجهزت حقيبة صغيرة بها ملابسها كي تستعد ما أخواتها وهي تفكر أن تتصل بـ تغريد وتأخذها معها،
؛*********
هبط من السيارة يمشى بخطوات قوية، هادئة، رأسه مرفوع بعنجهية ينظر للأمام بثقة، هندم جلبابه الأسود برفق وأكمل خطواته بشموخ، كملك عريق يمشي في البلاط الملكي .. أشار إلى السائق بأن يساعد رجال المعلم سالم في تنزيل كل ما جاء به كهدايا لتلك المناسبة المميزة، صناديق من الفواكه المختلفة من مزارعه، شكائر من القمح والدقيق، ذبيحة ذبحت خصيصًا إليه، وصناديق كثيرة مغلفة … لفت انتباهه وهو يقف ينتظر خروج المعلم سالم، فتاة ظهرت في شرفة الطابق الثالث، التقت الأعين لحظات إلى أن عادت للداخل عندما لاحظت نظراته المثبتة عليها.. التوى جانب فمه ببسمة صغيرة ياله من محظوظ من يحظى بإحدى هؤلاء الجميلات .. خرج المعلم سالم بنفسه يستقبله، ببسمة هادئة رفع يده يصافحه :
نورت البلد يا سلطان
ابتسم سلطان وقال بنبرة رزينة :
منورة بوجودك يا معلم سالم
نظر المعلم إلى السيارة وهتف بامتنان :
تعبت نفسك وأنت واحد مننا
: حاجه صغيره في مقام بنات المعلم
أشار إليه بأن يتبعه إلى المجلس .. سلطان شاب في منتصف الثلاثينات، حياته لم تكن طبيعية بالشكل المعتاد، لكنه أثبت وجوده إلى أن لقب على قريته باسم ” كفر سلطان”
: عارف أن مش يومه بس فرصة اني موجود، عايز حتة أرض هعملها مخزن ومش هيفرق في أول البلد أو أخرها
ببسمة مماثلة رد عليه المعلم سالم:
لا
رفع سلطان حاجبيه وقال باستنكار:
لا ايه بالظبط
نهض يأخذ القهوة من رحمه التي طرقت المجلس من ثواني، ابتسم إليها بحنو واغلق الباب مجددًا .. وضع إليه فنجانه وعاد يجلس على مقعده :
خليك في كفر سلطان، مش انتوا بتقولوا عليه كده برده
بسخرية رد عليه :
بيقولوا اه
ارتشف المعلم من فنجان القهوة وهتف بجدية :
معنى أنك تيجي البلد هنا بمخزن أن حد من حبايبك اكيد هيفكر يرحب بيك، وده مش في مصلحتك
ربما يشب حريق يأكل الأخضر واليابس، أو يهجم مجموعة من المسلحين ويسرقوا كل المخزن، وربما أشياء كثيرة آل سويلم في غنى أن تكون في قريتهم بالقرب من أراضيهم ومنازلهم …. ظلام حالك احتل مقلتي سلطان وهو يردد بوعيد :
محدش يقدر يجي جنب ملكية سلطان وهما عارفين كده
أومأ المعلم سالم مردفًا بتهكم :
آه عارف ما هما لازم يعرفوا دول أهلك برده
بانفعال غمغم من بين أسنانه :
كلمة الأهل كبيرة تتقال على ناس شبهم
: اهو ده السبب إني رافض اجوزك واحدة بناتي
بدى الاندهاش جلي على تعابير سلطان وهو يقول بتعجب :
علشان أهلي ؟؟!
نظر إليه بثبات وجاوبه بحكمة ووقار لا يليقان سوى بالمعلم سالم :
لا علشان تفكيرك المؤذي لغيرك، عارف هتقولي ما هم اذوني وعملوا حاجات كتير بس اللي أنت مش قادر تفهمه أن الانتقام مش بيدمر غير صاحبه، مش قادر تقاوم شر نفسك وعايش في دوامات الكره الحقد
صغى إليه دون أن يجد رد مناسب، محق في كل كلمة يقولها، ولكن هل نتمكن من محو ندوب القلب ؟؟ ..
: جدك غلط وابوك كمل على الغلط واديك بتكمل على نفس الغلط من غير ما تتعلم، صدقني يا سلطان اليوم اللي هشوفك فيه متصالح مع نفسك وقدرت تتغلب على شيطانك وسبت طريق الانتقام هكون الشاهد الأول على جوازك بنفسي إنما طول ما أنت كده مش هشترك في جريمة بنت ملهاش ذنب تدخل حياتك دي
ضحك سلطان بخفة وتمتم باستياء :
مش عارف أقول يا بختي ولا يا خساره
: تقديري لشخصيتك شيء واختلافي معاك في تصرفاتك شئ تاني
وقف يقول مبتسمًا :
يكون من حظي لو الاختلاف بقا اتفاق
أومأ إليه برفق وأمره أن يعود للجلوس مرة أخرى:
اقعد هتصلي الجمعه معانا وتكمل اليوم هنا عايز تمشي بعد الغدا
لم ينسى أول مرة يدخل إلى منزله عندما استمع أن هناك رجل يدعى سالم سويلم كبير قرية تجاور قريته، عُرف بقوته وسلطته، يحكم بالعدل ويحترم من الصغير قبل الكبير .. جاء يشاوره في أموره، كان في أمس الحاجة للنصيحة، لم يكن هناك صلة قرابة أو معرفة من قبل وبحكم ظروفه فلم يتعرض إلى هنا، ولم يكذب الناس في وصف ذلك الرجل أبدا
: يعقوب مستني مني اتصال هجي معاه بعد الصلاة
هز المعلم سالم رأسه بهدوء وتركه يخرج في انتظار مجئ السائق بسيارته .. في نفس الوقت كانت تسير بضيق بادي على ملامحها وهي تحمل الحقيبة الخاصة بأدوات عملها، ثقيلة وضخمة وإذا لم تحملها بحرص ربما تخدش عُلب المكياج … زفرت بصوت ومسموع عندما ولجت إلى البوابة، برفق شديد وضعتها أرضًا وهي تنادي على أحد الصبية :
يا خويا أنت مش شايفني مش عارفه اتحرك تيجي تشيل مني
لم يرد عليها وكاد أن يكمل سيره فقالت بشر :
لو جدع وقلبك شايلك تمشي من قدامي، اتحرك وأنا أفتتح بيك يومي
: لا وعلى ايه مش ناقص، ربنا يكفينا شرك
هتف بها على مضض وهو يتقدم منها، حمل الحقيبة وسار أمامها:
أنت عارف لو حاجه انكسرت أنا هعمل من دمك روج دم الغزال
وهي تتمخطر بدلال اخترق أنفها رائحة عطر رجالية نفاذة، أثارت حواسها جالت بنظرها في المكان لابد أن المعلم سالم أو أحد أولاد أخويه يجلس في البهو وهي لم تنتبه … تسمرت محلها تطلع إليه بصدمة احتلت وجهها، يمكث على إحدى المقاعد بأريحية يضع قدم فوق الاخرى ينتظر عودة الصبي بالسيارة، ابتسم بسمة جانبيه وهو يرمق ثباتها تحدجه، هي فقط توقعت أحد أفراد سويلم وهو لم يكن أحد منهم ولا من القرية بأكملها، شخص يهابه من يستمع إلى قصته المريبة، يجعل الخوف يتراقص في قلب من يقترب منه ..
: ازيك يا ساره، عاش من شافك
ردت باقتصار شديد ونبرة جادة خالية من الغنج خاصتها :
كويسه
سألها بهدوء وبسمة صغيرة على ثغره :
مبقتيش تنزلي البلد عندنا من زمان ليه ؟؟ خير حد ضايقك ؟!!
جاوبته باختصار ومن ثمّ تحركت لداخل المنزل :
لا مبقتش بطلع بره البلد من فترة
يشعر بالتسلية عندما يرى في وجه من يحادثه الخوف، والقلق، والتوتر، تلك المشاعر التي تجعل الشخص مضطرب غير مرتاح … نهض بشموخ يأخذ المفتاح من الصبي وقاد السيارة إلى منزل يعقوب كي يقدم إليه مثلما فعل مع المعلم سالم ويذهب إلى أحد المساجد لصلاة الجمعة وبعدها يعود إلى الصوان حيث سيتم عقد القران..
في الاعلى كانت تراقب ما يحدث باستنكار، ساره تترك رجل يتضح عليه الثراء ووسيم دون أن تقعه في شباكها !!
؛**********
في منزل لا يعلم معنى الهدوء والسكينة .. جففت سحر يدها ولحقته لغرفة المعيشة تسأله بهمس :
اكوي انهي جلابيه يا عبده ؟؟
جاء الرد الساخر من رحاب التي كانت تجلس تشاهد المسلسل التركي المدبلج :
اكويله ياختي ما يامه كوينه ومعجبش
رفع عبده حاجبيه باستغراب، كيف استطاعت سمعها وهو من يسير بجانبها لم يفسر ما قالته .. اخفضت سحر رأسها وانتظرت رد عبده، هي لا تهتم بأفعال رحاب ولا تود المشاكل، كانت تعيش وحيده وأنعم الله عليها بعائلة كبيرة حتى وإن كان هناك من لا يفضل وجودها .. انتبهت على عبده وهو يقول بتهكم :
كانت كل ما تكوي حاجه تحرقها علشان مطلبش منها تاني
ضحكت رحاب بتشفي دون أن تعترض أو تبرأ نفسها، فوضعت سحر يدها على شفتيها بصدمه طاغيه، هل وصلت بينهما إلى تلك الأفعال !!! حين إذا هبط سالم وندى وجلسوا دون أن يفهموا ما يجري …
: ما تعمليش فيها البريئه قدامه كده، أهو بكره يموت واورث أنا وعيالي ونرميكي في الشارع ما أنتِ أرض بور
ربما لو تلك الجملة قيلت في منزل آخر لكان الوضع أختلف بعدها .. استقبل عبده كلمات رحاب اللاذعة ببسمة عريضة ونبرة سعادة تغطي على وجهه :
هكتب نص املاكي باسمها وأشلك يا رحاب حتى وأنا ميت
وضع سالم يده على رأسه بضجر، لن يتغيروا أبدًا يتحدثان عن موت أحدهما والآخر يتشفى بشماته … لفت انتباهه سمر تقف تعقد ذراعيها وتتأملهم بوجه خالي من المشاعر، لا يفهمها أحد بقدره، مال على ندى قائلاً بخفوت :
خُدي سمر وادخلوا جوه
وقفت والتفت تغادر وهي تسأل سمر ببسمة صغيرة :
هتبلسي ايه يا سموره ؟؟ معندكيش طرحه بيج اصلي مش لاقيه بتاعتي ؟؟
تطلعت سمر إلى أخيها وكأنها تخبره بمعرفتها أنه يود إبعادها، دون أن تتكلم ولكن حديث عينيها يفشي كل ما يدور بداخلها من خراب أنبت على يد أسرتها …
: لو سمحتي يا أمي تراعي مشاعر سمر أختي شويه مش معقول كده كل يوم تصحى على خناقة شكل بينك وبين ابويا، يإما اظبط ليها اوضه فوق وتطلع تعيش معايا
أشارت رحاب على نفسها وتمتمت بحنق :
وهي أمك السبب ما تشوف عمايل ابوك
رد عبده بلامبالاة :
سيبك منها دي متعرفش تعيش وغير وهي بتتخانق ولو ملقتش حد هتناقر في نفسها
وتابع بضيق :
فين الفالح أخوك ليكون لسا نايم
أنهى سؤاله مع دخول مياده وهي تلقي التحية، فسألها عبده باقتضاب :
فين جوزك ؟؟
جاوبته بلا اكتراث :
معرفش
كاد أن يتفجر بها فلحقه سالم وهو يشير إلى مياده :
ادخلي يا مياده جوه، سمر وندى في الاوضه
انتظر عبده إلى أن اختفت من أمامهم ومعها سحر وغمغم بغضب :
أنا عارف أن سالم هيقلب عليا بسببه، دا حتى وصيته قالها لجابر ومعرفنيش
” وصيه !!!! ” رددتها رحاب بدهشة :
وصية ايه !! هو تعبان ولا ايه الوصية دي !!!
زجرها عبده وهو يصيح بانفعال :
وأنتِ مالك بتتدخلي ليه
طفح الكيل من صراخهم فانتفض سالم من جلسته مردفًا بنفاذ صبر :
متقلقش يابا هكلم محمود وهنروح لعمي على الله بس يقبل اسفه المرة دي وتعدي بدل ما يقلب علينا كلنا
تحرك للخارج فقالت رحاب بتبرم :
مش هتفطر بدل ما توقع من طولك في أول النهار
: فطرت ياما، فطرت واستكفيت
هتف بها وهو يغادر دون أن ينظر خلفه .. على صعيد اخر كان يهبط الدرج ببطيء وكبرياء، يضع يديه في جيب سرواله، وملامح الاشمئزاز تضح عليه :
هو في ايه يا سعد أنا عايزه انزل مش هبات على السلم
قالتها سميه بتأفف وهي تهبط خلفه بضيق فرد عليها ببرود :
مش عجبك انزلي من بير السلم
التفت إليها مستكملًا بتوضيح :
كأنك هتخدي غطس، تنزلي زرع بصل
زفرت بغيض فصاح بحده :
انفخي تاني وأنا اديكي بضهر ايدي على وشك
فتحت سميه عينيها على وسعهم فضحك على هيئتها ورفع يده يقرص وجنتيها هامسًا بمزاح :
شكلي حلو وأنا عامل فيها متعصب صح، مقدرش على زعلك يا جميل
: يا أهلاً يا أهلاً بعملي الأسود
وضعت سميه يدها تخفي بسمتها بصعوبة، بينما دار سعد إلى عبده مرددًا بسخط :
الناس بتقول صباح الخير على الصبح يابا
تجاهله وسأله باقتصار :
رايح فين ؟؟؟
: هوصل سميه بيت أبوها وبعدين هروح المصنع
نظر إليه بحده وغادر تاركه يقف مكانه، فرمق سعد تلك الساكنة مكانها وقال بانزعاج :
هتنزلي ولا انزلك زرع بصل
؛*************
فتح الباب بحذر وأخرج رأسه بهدوء، جال بنظره في المكان بحرص .. عندما لم يجده تقدم ومعه حقيبه صغيره بها ما سيحتاجه خلال اليومين أن تمكن من البقاء هناك،
: على فين يا يونس ؟؟!
اغمض عينيه بملل كان يفصل بينه وبين الباب بضع خطوات:
يعني مصمم على اللي في دماغك بعد اللي قولته
وضع الحقيبة أرضًا وأخذ نفس عميق، دار إليه وهتف برجاء:
لازم أروح يا ابراهيم دا كتب كتاب عامر، المره دي بس واوعدك بعد كده نتكلم ونوصل لحل
لأول مرة منذ حديثهم على سفره وعائلة والدته يرى الخوف على قسمات وجهه، نبرته ليست كالمعتاد وكأنها مهزوزة :
لا مش هتسافر ومفيش كلام تاني
اقتربت منها يقطع المسافة بينهما، ورفع يده يضغط على كتفيه برفق وهو يتابع بحنان :
مش هسيبك تضييع مني، أنا مطلعتش غير بيك من الدنيا، مليش غيرك يا يونس ومتخليش الندم يكتر في اني عرفتك عنوانهم واديتك فرصه تتعرف عليهم
واستطرد بعتاب :
ولا دي غلطتي اني مخلتش الكره يكبر معاك من نحيتهم مع انهم يستاهلوا
بنبرة عتاب ولوم مماثلة هتف بها يونس يسأله:
هو حرام يا بابا أحس بجو العيلة ؟؟ ما أنا طول عمري لوحدي ولا صاحب ولا قريب، هيجرى ايه لو ..
قاطعه بانفعال فلن يستمع إلى ثرثرة لا فائدة منها :
لا دي غلطتي أنا اللي متجوزتش بعد أمك وجبتلك مرات أب، اهو كان زماني دلوقتي مخلف ومش هيفرق معايا مشيت ولا قعدت
صمت يونس لثوان ثم غمغم بعدم فهم :
ليه العصبية دي كلها، ومين قال إني همشي دول ساعتين بروحهم وبرجع تاني
: روح يا يونس
قالها بوهن فتلك المرة لم يصطنع التعب .. جلس على الأريكة ووضع رأسه بين يديه بصمت، ظل يونس يحدجه لحظات ودخل إلى الغرفة يجلب جهاز قياس الضغط، دون أن يتحدث أحدهما بدأ يونس يقيس الضغط ونظره على الجهاز، دقيقتين ربما وهتف بقلق :
ضغطك عالي يا بابا
واصل وهو ينهض مسرعًا :
هجيب العلاج وأنت حاول تهدى مش هعمل غير اللي يريحك
بعد ربع ساعة كان يساعده على التمدد على الفراش، دسه بأحكام تحت الغطاء وسحب مقعد يجلس قباله … حسنا طيلة حياته وحيد وتربى على الوحدة لِما يصر الآن على تغير ذلك، لن ينفعه شعور الدفيء والحنان إذا أصاب والده مكروه.
؛*************
: طيب ادخل سلم على بابا وامشي
حرك رأسه بالرفض وهو يخرج هاتفه يتأكد من الساعة:
لا اتاخرت هسلم عليه بعدين
على حين غرة ظهرت مايسه، لا يعلم من أين ومتي وكيف، لكنها نظرت إليه وقالت بسخرية:
مالك يا سعد مستعجل، هو أنت وراك حاجه من يوم ما رجعت تمشي غير اللف، عامل زي نطاط الحيط
ابتسم بسماجه مرددًا فظاظة :
ياستي وأنتِ مالك هو أنا بتنطط حولين بيتكم
لم ينتظر ودار يغادر فلحقته سميه وهمست باستغراب :
في ايه أنت زعلت !! ما كله بيهزأك، مايسه بتهزر
تسمر مكانه يستوعب ما وقع على أذنه، ثم رمقها لحظات بثبات وتحرك يغادر متجاهل ندائها .. تذمرت بغيظ وولجت للداخل، وعلى الجهة الأخرى تكدر في خطاه إلى أن وصل للمصنع، أخبره أحد حراس البوابة أن سالم جابر طلب رؤيته وينظره في الجزء الخلفي من المصنع ..
: في ايه على الصبح يا سالم هو مش المفروض انهارده أجازه
دار سالم إليه ووجهه لا يبشر بالخير :
والمفروض برده أن الطلبية دي تكون اتسلمت بليل يا سعد
رمقه من أعلى لأسفل ببرود … استشاط سالم من نظراته بتلك الطريقة، فأمسكه تلابيب جاكتيه وقربه منه مغمغمًا بحده :
أنت بتبصلي كده ليه يالا ما تصطبح بدل ما اصبحك
نبرة مرتفعة وتعابير جامدة صاح سعد بضيق :
نزل ايدك يا سالم أنا مش عيل صغير قدامك
رفع سالم حاجبيه وبسخرية أبعده ليرى متى سينتهي من تقمص دور لا يمثل شخصيته بتاتًا .. هندم سعد جاكيته وقال بنفس نبرته المرتفعة وبغرور :
خلاص سعد القديم مات وانهارده سعد تاني
ما إن أنهى جملته دار يركض مهرول للخارج قبل أن ينقض عليه الآخر الذي صفق بيده متحسر على عقل ابن عمه ..
؛**************
أخرجت كل محتويات الحقيبة ورصصتهم بطريقة مرتبة، كل نوع مع مشتقاته كي يسهل عليها عندما تبدأ .. أمسكت علبة كريم مرطب وسألتهن بفضول:
ها هبدأ بمين ؟؟
وقفت مروه وهي تقول بغرور :
أكيد أنا الأول
قطبت ساره جبينها باستغراب :
مش العرايس الأول برده
ضحكت خيريه وهي تهتف بمزاح :
أصل مروه مش بترتاح غير لما تتأكد أن وشها علبة ألوان في كل مناسبة
أعطتها مروه نظرة جعلتها تنكمش على نفسها ومن ثمّ سألت ساره بحيره :
عايزه أغير لون شعري يا ساره تفتكري اعمل ايه
أكثرهن حبً للموضة والمكياج هي مروه، لا تفوت فرصة لمناسبة إلا وتبرز نفسها بكل جديد … من بينهن كانت هي غارقة في أفكارها، يشغل عقلها ذلك الغريب وما ذاد فضولها أنها استرقت السمع بعد أن قدمت فنجان القهوة لوالدها، مجرد التفكير في أن والدها علم بتصرفها دب الرعب في أوصالها..
: ساره هو أنتِ ازاي سبتي سلطان يعدي من تحت ايدك ؟؟
تجمدت ساره مكانها ونظرت إلى رحمه تسألها بريبه :
سلطان ؟؟؟ أنتِ تعرفي سلطان ؟؟!
لم تعلم سوى اسمه أثناء تصنتها وبعض كلمات وضحت من حديثه مع والدها، ارتبكت من نظرات أخواتها إليها فتلعثمت قائلة :
لا سمعت اسمه صدفه، دا أنا أول مرة أشوفه أصلا
عقبت ساره باقتضاب :
أحسن دي سيرته تقيله على قلبي
ضيقت رحمه عينيها بشك وهي تتسأل بلهفة :
ليه ؟!! دا أنت بتموتي على الرجاله اللي من النوعيه دي
وسيم، حضوره طاغي بشكل ملفت، يتضح عليه الثراء، صفات جمه ليست ساره وحدها تفضلها بل معظم الفتيات اللواتي تعجبن بالمظاهر .. مصمصت ساره شفتيها بحركة سوقيه :
آه بحب النوعية دي من الرجالة بس مليش نصيب فيهم ..
خرجت هند عن صمتها منذ جلوسها معهن وقاطعتها بنبرة محتدمة :
ساره الأفضل تخليكي في شغلك بدل ما تشيلي ذنوب وتشيلينا معاكي
واستكملت تنصحها بهدوء :
شغتلك بتحكم عليكي تتعاملي مع ستات كتير بدل ما تجيبي سيرة الناس عرفيهم اي حاجه تنفعهم ماسكات، كريمات، اي حاجه بعيد عن النميمة
رمقتها ساره بانبهار وتمتمت بفخر :
عندك حق يا أبله هند ياريت في ناس بتفكرني بكلامك ده على طول لكن للأسف كل اللي بقابلهم زي رحمه
ضحكت هند وأشارت إليها بأن تكمل عملها :
كلنا زي رحمه عندنا فضول، بس لازم نحاول مع نفسنا وغيرنا نتغلب على الفضول ده
طرقت نجاة تخبرهم بأن يسرعوا ومن تنتهي تخرج لتستقبل معهن النساء .. بعد تقريبًا نصف ساعة جاءت إحدى الفتيات تطلب من هند أن تنظر من النافذة، فهناك شاب يدعى منير يريد التحدث معها، تعجبت هند من طلب منير ولكنها نضت ترتدي شرشف الصلاة وهبطت إليه:
خير يا منير ؟؟ حمدالله على سلامتك الأول
أخفض منير رأسه بحرج :
الله يسلمك معلش عارف إن مش وقته بس في كلمتين بفكر من يوم ما خرجت اجي اقولهم ولا أسكت
هزت هند رأسها بتفهم مردفه بهدوء :
وقررت تيجي تقولهم
اضطرب منير بشكل ملحوظ فسألته هند بدهشة :
في ايه ؟؟؟
: الريس أحمد لما عرف اني طالع جه قالي اوصلك رساله
سرت القشعريرة على ذكر اسمه، انقبض قلبها وكانت دقاته كطبول لم تكون نبضات أبدًا .. بلعت غصتها وسألته بنبرة مرتعشة :
قالك ايه ؟؟
مسح منير وجه وهتف بتلجلج :
أنا آسف يا ست هند في اللي هقوله
وتابع بعجلة وخجل :
عيشيلك يومين وحسي أنك ست لحد ما اطلع علشان أيامي أنا اللي هتبدأ
عكس ما عصف بها ابتسمت بسمة صغيرة، رسمت الثبات باحترافية وهي تغمغم بلباقة :
“الكلاب تعوي والقافلة تسير” على ما أظن ده هيكون رد بابا
وتابعت بشرود :
ياريت الرسالة مطلعش بيني وبينك مادام وصلتني
هز منير رأسه يؤكد إليها وقال بصدق :
مكنتش هتكلم بس قولت علشان تخدي بالك من نواياه
استأذن أن يعود إلى عمله مع الصبية خلف الطباخ ومساعديه.. لم ولن يتغير حتى في حبسه يتعجرف، صعدت إلى الأعلى وهي تسيطر على رأسها والتي كانت أشبه بفوضى عارمة .. لا ينقصها سوى أحمد ومؤامراته هو الأخر، كانت مشغولة في رد فعل عائلة موسى عندما يتعرفوا عليها، أقنعت نفسها أن تستمع بالوقت مع أخواتها ولا ترهق عقلها بأفكار لا صحة لها ولكن إذا استحكم القلق والتوتر منها !!!
؛**************
وأخيراً أغلقت أخر حقيبة وهي تتنهد براحة .. جالت بنظرها في الغرفة باشتياق، لم تغادر بعد وتشعر بألم الفراق، فشلت في كبح دموعها عندما استمعت إلى صوت والدتها:
خلصتي يا خلود
انتبهت زينب على دموعها فاقتربت تعانقها وهي تشاركها البكاء :
ايه لزومه العياط دلوقتي، أكرم ابن حلال وهيراعيكي
همست خلود بصوت محشرج :
مش هعرف أعيش بعيد عنكم يا ماما
رتبت زينب على ظهرها برفق :
مش هتكوني لوحدك حبيبتي، عيلة اكرم هتكون عيلتك واحنا مش عايزين غير انك تكوني مبسوطة
مسحت دموعها وأخرجت خلود من أحضانها :
قومي بلاش نتأخر، يدوب نلحق نروح بيت عمك تجهزي أنتِ كمان قبل الناس ما تطلع من صلاة الجمعة
استمعوا إلى صوت مي وهي تناديهم فقالت زينب بلهفة :
كويس مي وصلت هي كمان
خارج الغرفة ألقت مي هاتفها بغيظ وهي تنخفض بمستوى حنان ترتب خصلاتها فقال ربيع بلا مبالاة :
ما هي هتعلب وهيبوظ يا مي دا أنتِ غاويه تعب
نظرت إليه بطرف عينيها دون أن ترد فواصل بمراوغة :
أنا هرجع البيت أغير القميص ده لونه مش عجبني
استقامت ترمقه بحده وتخصرت مردفه بتهديد :
طيب اعملها يا ربيع وغير القميص
واستطردت بغيظ :
مش كفايا اقولك ظبط شعر مؤمن تروح حالق شعره كله
رد عليها مؤمن مبتسمًا :
عادي يا مي بكره يكبر وأنا بحبه كده
أشار ربيع إلى ابنه وقال بزهو :
اهو صاحب الشأن اتكلم
أعطاه اصغر أبناءه وأخذ رشدي ومؤمن مردفًا وهو يغادر :
هنروح الجامع ونطلع على بيت عمك خلي ربيع وحنان معاكي ولما ارجع هخدهم منك علشان تبقي على راحتك
تلاشت بسمتها تدريجياً عندما أدركت نعومته في الحديث وقبل أن يخطو خارج باب المنزل هدرت بعلو صوتها :
استنى يا ربيع
وضعت الصغير على المقعد واقتربت تقف حياله :
فين علبة الشكولاتة اللي قولتلك هاتها ؟؟؟
اخفض صوته الخشن مرددًا باستنكار :
علبة الشكولاتة أم ٩٥٠ج يا مي !!!!!
أومأت إليه بكل بساطة وسلاسة، لا تفهم أنه على وشك الإصابة بجلطة دماغية بسبب ذلك السعر :
ليه يامي !! ٩٥٠ج ليه في علبة شكولاتة!! هو أنتِ مش محضره هديه ايه لازمتها شكولاتة بقا ؟؟
وواصل بتهكم وانفعال :
لا وبقول للراجل ليه ٩٥٠ج في علبة شكولاتة يقولي لا يا فندم سعرها ٩٤٩ج قال يعني كده اقنعني
: خلصت ؟؟؟
سألته ببرود طاغي ومن ثمّ صاحت بحرقة :
الناس كلها بيجري في عروقها دم إلا أنت بيجري فلوس، تبيع عيل من عيالك ولا تطلع جنيه
وعلى حين غرة تبخرت النبرة الحادة مع لمعت عينيها بالحزن بدى صوتها أشبه بالبكاء :
عادي يا ربيع مش عايزه منك حاجه، أنا بس عارفه أن خلود بتحب الشكولاتة دي وكنت هحطها مع الهديه
ماكرة وذكية في وقت قصير علمت مفاتيحه والتي تمكنها من فتح أبواب ربيع المغلقة … وها هو يبرطم بضيق مثلما يفعل كل مرة يرى فيها حزنها من رفضه :
خلاص متزعليش هجبها بس بعد الصلاة بقا علشان ألحق
ببراءة ولطف همست وهي ترفرف بأهدابها بخجل :
شكرًا، ربنا ما يحرمني منك
ابتسم بفرحة وأخذ الطفلان يغادر للمسجد .. كم تشعر بالغباء لأنها لم تعتمد تلك الطريقة من البداية، كانت وفرت على نفسها جهد الجدال معه، حمدت الله على لين قلبه الذي لا يتحمل حزنها .. ولجت على صوت خلود كي تساعدها في إخراج الحقائب لحين عودة سالم وأكرم من الصلاة …
؛*************
في منزل العمدة كما كتب على اللوح الرخامي ..
استعد معتصم مع زوجته وأولاده وذهب إلى منزل خاله بعد أن جاء محمد يأخذ ريهام، والتي ما إن انتهت سألت محمد باستغراب :
هو أنت مش قولت هتسافر القاهرة تروز والدتك انهارده ؟؟!
أجابها وهو منشغل في شاشة هاتفه على لعبة كرة القدم المفضلة لديه :
هقضي انهارده معاكم وبكره هروح
: هو أنت ليه مش بتروح الورشة عند معتصم تقف معاه ؟؟ مش دي فلوسك برده ؟؟
رفع نظره إليها وقال بلا اكتراث:
هو اخوكي هياكل فلوس جوز أخته برده وبعدين مش بفهم في الرخام ولا الورشة
ومن ثمّ هتف بانبهار وهو يتأملها بدهشة :
ايه ده أول مرة أشوفك لابسه لون غير الأسود، شكلك حلو
ضحكت بخفوت وتمتمت بخجل وهي تجلس على الأريكة:
شكرًا والله كويس أنك بتاخد بالك
تمعن النظر بها بثبات حتى أنها ظنت أن هناك شيء غريب في مظهرها، تجزم أنها في بداية معرفتها به كانت تشك أنه يعاني من مرض التوحد، لا يتكلم ولا يكترث لشيء أبدًا :
بصي أنا هقولك على حاجه وأنتِ تتصرفي
توسع بؤبؤ عينيها بتركيز فأكمل بضيق طفيف :
ابوكي ليه كلام مع امي واظن معروف بعد الكلام ده ايه
سألته بترقب دون أن تنتبه إلى دولت الواقفة خلف الباب :
وأنت ايه رأيك ؟؟؟
وضع الهاتف في جيبه ونهض يمسح على شعره بعشوائية:
مش هكدب ولا أحور عليكي، أنا وأخواتي متربيين على كل واحد يشوف مصلحته من الأخر كله بيقول نفسي
لوت جانب شفتيها بتهكم :
و مصلحتك أنك تعرفني علشان لو الموضوع أطور تكون ضامن موقفي منك
لوح بيده معجب بذكائها وتمتم براحه :
الله ينور عليكي، مش عايز حاجه غير أن بيتنا يخلص وبدل كتب كتاب نعمل الفرح، وفلوسي مع اخوكي في ورشة الرخام ليا كل شهر مرتب نعيش منه وكله في ايدك أنتِ وأهلك
طرقت دولت الباب ودخلت تقول بصرامة :
قومي يا ريهام روحي أنت ومحمد وأنا هحصلكم مع ابوكي
حملت ريهام حقيبتها الصغيرة ورفعت يدها تمسك في ذراع محمد … ظلت تحدق في ظلهما حتى اختفيا، بدون مقدمات انطلقت حيث كان المراهق العاشق، دفعت الباب بعنف رن صداها في الارجاء.. فانتفض صبري ووقعت زجاجة العطر من يده :
يعني لو عيل من عيالك هقول ماشي إنما أنتِ لسا هعملك
ضربت دولت على الباب بغل وقالت بحده :
بفلوسي وأنا حره في مالي يا صبري
لم تعطيه فرصة للفهم وصفقت على يديها تكمل بسخرية :
بفلوسي يا صبري اللي بقيت عمده بيها، بفلوسي يا صبري اللي بتشتري بيها، بفلوسي يا صبري اللي بتخدم الناس بيها
واستطردت بغضب وتهديد صريح :
هو في ايه أنت هتكبر وتتهبل على كبر ولا ايه، ولا أنت عجزت عليا ولغيري شباب وعايشلي دور العمده و السنيورة، هما كلمتين ملهمش تالت يوم ما تفكر تلعب بديلك معايا لأخلي اللي ما يشتري يتفرج عليك ووريني هيكون ليك وش في وسط أهل البلد ازاي لما يعرفوا أن كل اللي أنت فيه بورثي وفلوس أبويا
صمت حل بغتةً حين اختتامها لِما فجرته في وجهه .. لهثت بصوت مرتفع وكأنها كانت تركض لأميال، عينيها تتطلق شرار قد يحرقه إذا تخطى حدود أكثر .. وعلى غير توقعها من ردت فعل يبرر حسن نيته، ابتسم بسمة صفراء وقال باستفزاز:
فلوسك اللي بتتكلمي عنها دي ارجعها في ساعة
وكانت القنبلة خاصته أقوى منها، استرسل ببرود :
وهتجوز هانم يا دولت وأعلى ما في خيلك اركبيه
مر من جوارها وخرج مغلق الباب خلف بقوة، لم تتعجب فقد علمت أن تلك الحرباء تتلون على احبال زوجها منذ أن دخلت لمنزلهم، وهو الاحمق سال لعابه دون عناء … وإذا طلبت حرب فليكن ذلك ولكنها هي صاحبة المكان ولكن تسمح بغريب يقتحم حصون موطنها.
لآلِئُ يقفن بحياء وعلى وجوههن بسمة خجل، لمعت عين المعلم سالم وهو يتأملهن بحب ومشاعر فاضت من عينيه… الأربع يرتدون فساتين باللون الأبيض بنفس التصميم الرقيق، من قماش التل اللامع كحبات السكر، بأكمام واسعة وحزام على الخصر معقود، ولم يختلف الحجاب عن لون الفستان،…. ولكن هند اختارت قفازات صممت لأجلها باللون الابيض أيضاً ومرصعة ببعض الكريستالات أخفت جرح يدها علها ترتاح قليلاً ..
: ما شاء الله، تبارك الله
كان يقولها وهو يعانق هند وخيريه ثم أمل وأخيرًا حسناء.. ودار إلى مها يعانقها هي الأخرى وبعدها مروه ورحمه:
ربنا يباركلي فيكم ويحفظكم من كل سوء
آمنوا جميعًا على دعائه .. فخرجت من وسطهم ساره وهي تتساءل بفخر :
بس ايه رايك يا معلم في أيدي؟
رد عليها وهو يستعد للخروج فالجميع ينتظرونه أمام المنزل للتحرك للمسجد :
القالب غالب يا ساره
انتظرت حتى تتأكد أن حديثها لن يصله وقالت بتذمر :
هو ايه اللي الغالب قالب اصلا ايدي تتلف بحرير
والتفت إلى مها تكمل بتبرم :
ما تدخلي تسكتي بنت عمك اللي بتعيط جوه دي ياختي انتوا غصبينها على الجوازة، دي عاشر مره اظبط الكحل
دخلت مها ونيره إلى خلود مع ساره، وذهبت حسناء إلى إحدى الغرف مع مروه كي تلتقط إليها عدة صور لحين مجيء المصورة التي ستتكفل بالتقاط لحظاتهم السعيدة للذكرى ..
: موسى وأهله وصلوا
وقفت صباح تشير إلى ناديه ونجاة :
هنزل استقبل الناس مع ناديه وخليكي يا نجاة مع البنات
بمشقة تحركت إلى النافذة بجانب خيرية وأمل.. اصابتها رجفة وهى ترى خمس سيارات يقفون أمام منزلهم، ها هو موسى يهبط يهندم قميصه الأبيض ويحمل باقة زهور حمراء، لا تعرف سوى كوثر وعليا من جميع هؤلاء الأشخاص .. منهم من يتأمل منزلهم والآخر ينظر للمارة، والبعض ملامحه عاديه وهناك نظرات مقتضبة ..
: ده تقريبًا عمه الكبير
” صفوت ” علقت هند على سؤال خيريه بصوت خافت، نظرت أمل إليها وسألتها بقلق فوجهها شاحب وعينيها زائغة :
مالك يا هند ؟؟
كي تبتعد عن مشقة الإجابة قالت بلهفة وهى ترى عامر ووالدته وأخته على أول الطريق :
عامر وصل هو كمان اهو، أنا هدخل أشوف تلفوني فين
تطلعت خيرية إلى أمل وهمست بحزن بعد ذاهبها :
هند هتموت من القلق ربنا يريح بالها
؛*************
يرتل آيات سورة الكهف بهدوء وسكينة في ركن خاص بغرفته، لازال يجيد صعوبة في نطق بعض الكلمات ولكنه يتحسن بشكل ملحوظ مع الاستمرار عليها بعد صلاة الجمعة … أحيانًا يستنكر نفسه كيف استطاع العيش في مستنقع الرذيلة ويحرم من السكينة والطمأنينة مشاعر لا يمكن وصفها يكفي راحة قلبه ..
: سيف أنا رايح عند المعلم سالم، متنساش تغدي ماما
أغلق المصحف برفق ونهض يضعه على الكومود بجانب فراشه، ثم نظر إليه وقال بضيق :
وأنت رايح ليه هو مش مديكم باقي اليوم اجازة
كاد أن يختلق كذبة تنطلي عليه فأسرع سيف يكمل بتهكم:
وهو أنت رايح بالشياكة دي للمعلم سالم برده
تطلع عمر إلى ثيابه مرددًا ببراءة :
شياكة ايه ده قميص وبنطلون أول لبسه
واستطرد ببرود :
ساعتين وهرجع
عقد سيف ذراعيه وتمتم بإصرار:
انسى اني ادخل لـ هاديه
: يرضيك تسيب عمتك التعبانة من غير ما تتغدى
صاح سيف بانفعال :
مش داخل دي بتاكل نصه والنص تاني بتفه عليا
كبت عمر ضحكته مردفًا بجدية :
ده حب صدقني
لم يترك إليه فرصة للاعتراض وهبط مسرعًا، يفهم سيف أنه يريد رؤية عليا لذلك وافق واتجه يعد الغذاء وهو يفكر في زيارة ليلى للاطمئنان على صحتها … نوعًا ما تسير حياته بنمط طبيعي وروتين خالي من اي جديد، لكن بالنسبة إليه تلك الأيام أحييته من ظلام كالح كان يخيم عليه،
؛*********
كل من يخرج من المساجد يتجه إلى منزل كبير آل سويلم، الطريق الخارجي للقرية مزدحم بالسيارات…. والشوارع تضج بالمارة، حينها شعر الطباخ بالقلق الشديد عندما رأى حشد كبير يزداد رغما أنه قام بتجهيز كميات ضخمة ولكن شعور طبيعي أمام ضيوف غفيرة ..
يلفت الأنظار وهو يمشي بين عائلته بوقار، طلته جذابة ومميزة .. يرتدي جلباب أبيض ناصع وعلى أكتافه عباءة رجالية سوداء بأطراف ذهبية، حذاءه الأسود كأنه مراه من لمعته القوية، يعدل من وضعية ساعته المعدنية وهو يصافح هذا وذاك، وبين يديه مسبحة من أحجار بيضاء يتدلى منها حجرين محفور عليها اسمه ” يعقوب الجبراوي ”
قابل المعلم سالم ضيوفه وبجواره جابر وعبده .. جلس يعقوب في مقعده المخصص كما أشار إليه سعد، فقد نظم الصوان بشكل مرتب يعجل في البداية أربع مقاعد لموسى وعامر وسيفان وأخيرًا يعقوب، وبعد ذلك تكون مقاعد على صف واحد وقبالة لها طاولة صغيرة يضع عليها المأذون دفتره ثم صفوف مقاعد أخرى حيث يجلس الأقارب ومن ثمّ الضيوف …
؛*********
أثناء الضجيج والأصوات الكثيرة أشار إليه أنه يريد التحدث معه فورًا، تعجب موسى من طلب أحد أعمامه ولكنه تحرك معه إلى مكان هادئ بعض الشئ غير منتبه لمن تقف في النافذة تراقب كل تصرفاته وعندما لاحظت حركته هبطت مسرعة إلى أقرب مكان تستطيع سماع منها ما يدور بينهما، هيئة عمه لا تبشر بالخير بالنسبة إليها … وربما هي مخطئة فيما تفعله لكن لن تهدأ إلا بقطع الشك باليقين..
: اللي هتتجوزها اسمها هند ؟؟
حرك موسى رأسه بسلاسة فهو يعلم ما سيقع عليه الآن:
مطلقة ؟؟! جبتنا لحد هنا من غير ما تعرفنا !! قدام الأمر الواقع يعني ؟؟؟
رد موسى بهدوء وصوت منخفض فالوقت غير مناسب أبدًا:
عمي صفوت عارف وتقدر تسأله
وكأنه جاء على ذكر اسمه يسألهم :
في ايه ؟؟!
نطق عم موسى الأصغر وهو يسأل صفوت بعدم تصديق :
أنت عارف أن هند مطلقة ؟؟!
هز صفوت رأسه وقال بلا اكتراث وصرامة كعادته :
ايوا عارف، وسواء مطلقة ولا غيره مش هيفرق معانا
نظر إلى موسى بحده مستكملًا :
إحنا هنا علشان خاطر أخويا الله يرحمه إنما غيره كده ميخصناش وملناش فيه
بثبات ظل موسى يرسم تعابير جادة ومقتضبة إلى أن ولج الاثنين للصوان، فابتسم بسمة صغيرة وتمتم بينه وبين نفسه وهو يخطو حيث مقعده:
عنيف عمي صفوت
قبضت على يدها بقوة وصعدت للأعلى بسرعة قبل أن تنتبه صباح إليها .. كانت محقة في عدم تقبل عائلته إليها، صحيح لم ترى شيء ملفت في تعامل النساء معها بال هناك فتيات لطيفة للغاية وعبروا إليها عن مدى سعادتهم بزيجتها من ابن عمهم، ربما لا يعلموا أنها مطلقة بعد ؟؟
؛؛؛؛؛؛
بعد ساعة تقريبًا هتف المأذون برسمية :
نسمي الله ونبدأ مع أول عريس يا معلم سالم
نظر المعلم سالم إلى مقعد موسى الفارغ فقال عبده بتلقائية:
راح الحمام، زمانه جاي
مر عشر دقائق حينها مال سالم جابر علي أذن عمه وقال بهمس :
مش لاقين موسى يا عمي
حرك عصاه بين قبضته ونهض يدخل لبهو منزله، لحقه جابر وعبده وهم يصطنعوا أن أحد أقاربهم تعب فجأةً ..
: يعني مش لاقيه هو علبة سجاير واقعة منك
ارتبك سالم جابر وتمتم بحيره :
قلبت عليه البيت والحمامات وقولت لنيره تسأل ولدته
ضغطت المعلم سالم على أسنانه وهدر بحده :
ومين قالك تدخل للحريم اهو زمانهم عاملين مناحه جوه
هتف عبده يقترح بتفكير :
ما نسأل عمه يمكن يعرف ؟؟
تطلع إليه وسأله بشرود وإن كان ما يفكر به صحيح سيروا ما لا يعجبهم قط :
محمود فين يا عبده !!!
كاد سيجيب عبده لكن فجأةً فهم سبب السؤال الان بالتحديد، صمت تام حل عليه .. ذهب من اعتقاد أخيه أن إبنه سبب اختفاء موسى ؟! هل فكر أنه ينتقم ؟؟
: يا حاج
التفت المعلم سالم على صوت صباح المهزوز.. تنظر إليه برجاء تطلب أن ينفي ما سمعته هي وهند، نظر المعلم سالم إلى ابن أخيه بعتاب، ودخل إلى المطبخ الخلفي بعيدًا عن مجالس النساء .. كوثر وابنته وصباح وجابر وعبده ولحقهم سالم جابر خلسة، جمعتهم تثير الشك والريبة لا محال..
: مش بيرد على تلفونه
فاض الكيل الآن وعلى حين غرة هدر بنبرة محتدمة وهو يمسك عبده من أطراف جلبابه :
في ظرف خمس دقايق لو المهزلة دي مخلصتش هخلص عليك وعلى ابنك ومفيش مخلوق هيوقفني
هرول جابر يحاول تهدأت المعلم سالم، بينما ركضت صباح تغلق باب المطبخ حتى لا يخرج أصواتهم إلى الضيوف الجالسين بالخارج، ستكون هند علكة في أفواههم إذا علموا باختفاء موسى قبل عقد قرانهم بلحظات .. صُدم عبده من حركته ولكنه تغاضى عن ذلك فموقفه لا يتطلب جدال، قال بضيق من الاتهام الموجه إليه :
وأنا على اخر الزمن هعمل كده في بنت أخويا ؟؟ هعمل كده في هند يا سالم
لمعت الدموع في عين هند التي هتفت باختناق:
يا بابا محمود ملوش دعوة هو تلاقيه بس شاف الموضوع دخل في الجد
لم تستطع إكمال جملتها من غصتها التي وقفت في حنجرتها كسكين مسموم يمزق صدرها … ليتها ماتت ولا تتعرض لهذا الموقف، ليتها رفضت وجوده في حياتها ولا يكسرها كفتات الخبز، نظرت كوثر إليها وأردفت بعتاب :
ايه الكلام ده يا هند موسى مستحيل يعمل كده
واستطردت بقلق :
أكيد في حاجه حصلت وهو هيجي دلوقتي
حسنًا هذا الثبات الزائف لن تتمكن في رسمه كثيرًا، يكفي قلق ويكفي توتر …. انفجرت تبكي وهي تقول بصوت محشرج :
لا هو ده اللي حصل أنا سمعت عمه كان بيقوله ايه لما عرف اني مطلقة
حين إذًا ود المعلم سالم أن يحرق المنزل بمن فيه ويخفي موسى وعائلته من على وجه الأرض ولا يرى دموع هند .. وليكن من حظك بطشه يا موسى على فعلتك، اقترب منها وحاوطها بذراعيه يرتب عليها برفق فالاهم الان أن تهدأ، لم تقدر صباح عن كبح دموعها هي الأخرى، مصيبة حلت عليهم وافسدت فرحتهم، لن ينسى أحد ما يحدث عندما يسأل المؤذن عنه وقد تم الاتفاق أنه أول من سيعقد القران ..
داهم سعد عليهم وهو يقتحم المطبخ قائلاً بتحفز ويشير على نافذة المطبخ :
لقيته، لقيته
تطلع الجميع على النافذة بذهول ودهشة وهم يرون موسى يتصلق النافذة !! ثيابه متسخة ببقعة دماء وحالته مزرية وكأنه جاء من شجار عنيف لتوه ؟! .. ركضت كوثر إليه وهي تهتف باسمه بفزع، وتدلى فم هند وهي ترمقه بعدم فهم، ساعده على الصعود سالم عبده وأكرم عندما وجدوه كما أخبرهم سعد ..
: ايه حصلك ؟؟ ايه الدم ده ؟؟؟
سألته كوثر وهي تتفحصه بهلع، كاد قلبها أن يقف وهي تتحسس الدماء بيد مرتعشة .. رد عليها موسى وهو ينفض ثيابه من الأتربة:
مفيش حاجه متقلقيش أنا كويس
انتبه لعيونها الباكية فوقف بثبات وسألها بقلق غير مهتم لتفسير ما حدث معه :
مالك يا هند ؟؟ أنتِ كنتي بتعيطي !!!
رد بدلاً منها عمها عبده الذي تهكم بحنق :
لا دي دموع الفرحة أصلهم قالولها الحقي عريسك اختفى وفص ملح وداب والمؤذون بيسأل عليه
أدرك حماقة سؤاله الساذج، وقبل أن يرد صاح سعد بزهو :
والله لوليا ما كان حد لقاه انهارده، مش عارف من غيري..
بلع باقي جملته عندما توقفت تلك النظرات الحادة عليه، انسحب بسرعة واختفى من المطبخ بأكمله.. وبصوت مقتضب صارم قال بأمر:
عايز موسى لوحده
تابع وهو يتطلع إلى صباح :
خُدي هند وأم موسى وارجعوا مع الحريم
هزت رأسها بهدوء ورتبت على كتف كوثر التي كانت سترفض وتظل مع موسى لتفهم منه ما يحدث لكنه أشار إليها بأن تذهب فالأمر على ما يرام الآن … خرج جابر وعبده إلى الصوان يستقبلون الضيوف لحين خروج صاحب الشأن، بصعوبة وتردد خرجت هند هي الأخرى وهي تحدج موسى بنظرات غريبة ..
تحرك بنفسه يغلق باب المطبخ ومن ثمّ التفت متسائلاً بغضب جلي :
لو عايز تلعب عرفني وأنا افهمك اصول اللعب كويس يا أبن الاحمدي
بالفعل ما يحدث هي لعبة سخيفة من أحدهم ود أن يعكر صفو يومهم لا أكثر .. رد موسى يدافع عن نفسه بصدق :
وعلشان فاهم أصول اللعب عارفه أن ده مش وقته يا معلم سالم
واسترسل يقص إليه ما حدث منذ أن جاءت فتاة صغيرة وأخبرته وهو يقف مع الشباب أن هند تريد التحدث معه وعليه اتباعها، لم يعتقد أنها مكيدة واتبعها إلى أن وصل باب الجهة الأخرى من المنزل المخصص للضيوف، شعر فجأةً بحجر ضرب رأسه والفتاة تصرخ بعدها شوشة الرؤية ولم يعي جيدًا إلا عندما آفاقه سعد ..
استمع إليه بانتباه ومن ثمّ هتف باقتصار:
مدام في البيت أمرها ساهل
وتابع بتجهم :
حاول تظبط منظرك ده وتطلع
انكمشت تعابير وجه موسى وهو ينظر إلى قميصه الثمين الذي لم يرتديه من قبل :
وده هينضف ازاي
استمع الى أصوات في الخارج وبعدها دخل سالم عبده وهو يحمل كيس أسود أخرج منه جلباب :
كنت عارف أن القميص مش هينفع تخرج بيه
فتح موسى عينيه على وسعهم مرددًا بصدمه :
مستحيل ألبسها
تطلع سالم إلى الجلباب الأبيض متسائلا باستغراب :
ليه دي لسه جديده ومكويه!!
: ياعم أنا ممكن ألبس في الأرض وانا ماشي بيها
ضحك سالم وتمتم بمزاح :
ما هو بصراحه مقاسك مش مقاسي والجلابية دي كانت جايه هديه وأنا متأكد أنها هتكون حلوه عليك ومتقلقش همشي جنبك علشان ألحقك
ظل يحدق بالجلباب بامتعاض ومن ثمّ غمغم بكدر :
مقاسي مقارب من يعقوب ..
قاطعه سالم بسخرية وهو يلقي إليه الجلباب :
هروح أقومه من وسط الناس علشان يجبلك قميص وبنطلون حاضر وبعدين يعقوب اطول منك
؛************
” بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير ”
على صوت الزغاريد وصوت أعيرة نارية بعد انتهاء المأذون من الدعاء للعرائس .. هلل الجميع بالمباركات وبدأت فرقة المزمار البلدي فقرتها، مال يعقوب على موسى قائلاً بعبث :
ايه يا شيخ العرب بس الجلابية هتاكل منك حته
ضيق موسى جبينه ورد عليه بضجر :
بقولك ايه سبني في حالي انا حاسس إني متكتف
رفع يعقوب لياقة عباءته مغمغمًا بثقة :
اتعلم مني
بدأت أول مجموعة تدخل إلى الصوان الثاني حيث جهزت الطاولات بأشهى المأكولات والمشروبات .. حاول المعلم سالم السيطرة على غضبه فيما حدث منذ قليل، أوشكت أعصابه على الإفلات من تلك المصائب،
: هتقدر ولا كبرت يا معلم سالم
آفاق على صوت عزيز وهو يشير إلى الساحة الفارغة، فمن المعتاد في تلك المناسبات أن يبارز فرد من عائلة العروس وفرد من عائلة العريس في لعبة التحطيب كنوع من التسلية والترفيه في أفراحهم ولكن ليس من المعتاد أن يكون المعلم سالم هو من يبارز …
وهل هناك مناسبة مميزة كتلك ليكون هو من ينوب عن عائلة العروس ؟؟! أربعة من ملكاته يتوجون اليوم على عرش قلوب أزواجهن… سعادة ليس لها حدود
صاح الرجال بتحفيز وهم يرون المعلم سالم يقف ويخلع عباءته، وضعها جانبًا وأخذ عصاه متجه الى الساحة … تعلقت عيون الجميع بتأهب، ووقفوا بناته في الشرفة ينتظرون البدا بحماس .. ولكن كان لعزيز رأي آخر ليجعل تلك المبارزة على لهيب النيران، قدم العصا إلى يعقوب وأشار إليه بخبث أن يرفع رأس عائلته من والد زوجته … هلل الجميع بحماس رهيب على فكرة عزيز، فدفع موسى يعقوب وقال بشماته :
هتعلم منك
بهيبة وقف وقدم إليه عباءته، شجعوه رجال عائلته بقوة فود أن يلتفت ويقول لوالده شكرًا على ذلك المأزق .. ضحك المعلم سالم إليه وبدأ للعبة بعنف وقوة، كاد أن يفقد يعقوب توازنه ليس لضعفه لكن لأن استهان بقوة خصمه الذي ابتسم مغمغمًا بهدوء :
لا اصحى كده متخليش شكلك وحش قدامها
ضحك يعقوب بتسليه ورفع عصاه وهبط بها بقوة تفادها المعلم سالم باحترافية .. أجواء حماسية مع عزف الطبول والمزمار ومن يتفوق على الآخر يهللوا الرجال تشجيعًا له، وفي أثناء المبارزة همس المعلم سالم إلى يعقوب بجدية :
حاسب الراجل اللي وراك
ما إن شتت انتباه الآخر وهو ينظر خلفه قام المعلم سالم بحركة سريعة أوقعت عصا يعقوب أرضًا .. فمن يغير قاموس فوزه إلا بالفوز، ضحك يعقوب وهو يلهث فاردف المعلم سالم بمكر :
الحرب مباح فيها كل شيء يا جوز بنتي
عانقه يعقوب وسط أصوات الرجال، رتب المعلم سالم على ظهره برفق وأمره أن يتبعه مع موسى وعامر وسيفان .. كانت نجاة في الطابق الثاني تنتظر صعوده، جهزت أربع غرف بكل واحدة طاولة طعام مخصصة للعرائس وأزواجهن،
دلف كل واحد منهم إلى غرفة، وبعدها هبطت نجاة تنادي للفتيات.. وذهب المعلم سالم يبدل جلبابه لأن إحدى الصبية سكب عليه بعض من عصيره وهو يركض،
في الغرفة الموجود بها سفيان الذي تغيرت ملامحه على رسالة من طلال يخبره أنه سيعود من السفر بسبب مشكلة اقترفها في الشركة.. وضع الهاتف بجواره عندما وجد أمل تستأذن بالدخول، ابتسم على خجلها ونهض يقبل جبينها متمتم بغرام :
مبارك يا سُكر حياتي
لم ترفع رأسها وهمست باستحياء :
الله يبارك فيك
تأملها سيفان بحب وقال بسعادة :
أخيراً هعرف أقول اللي جوايا من غير ما تتقمصي
ضحكت بخفة فأمسك يدها واجلسها بجانبه وهو يحكي إليها كيف كان يومه قبل أن يجلس معها كي يخفف من خجلها ..
؛”””””
في الغرفة المجاورة توسعت بسمة عامر مغمغمًا بانبهار وهو يحدق بـ خيريه تتقدم منه :
أنا عارف أن ابوكي إنتاجه اعلاف
واستطرد بمراوغة :
بس طلع ليه في إنتاج الحلويات
نظرت إليه بخجل وجلست على المقعد بهدوء فهتف باستغراب مصطنع :
ايه ده مش هسمع صوتك اللي جابني على وشي !!
تذكرت شيء مهم فقالت بعجلة:
لو جعان كل بسرعة
تطلع إلى مائدة الطعام وسألها بتعجب :
ابوكي هيحسبني على الاكل ده ولا ايه؟؟
ضحكت متمتمه بتوضيح :
لا المصورة هتخلص عند امل وسيفان وهتيجي علينا
: وأنتِ مش هتاكلي ؟؟!
هزت رأسها بالنفي وهمست بعفوية :
لا عايزه اطلع في الصور حلوه بدل ما الطرحه تتبهدل
اقترب منها بجسده العلوي بغتةً حتى أنها عادت للخلف بصدمه وهمس وهو يتأمل ملامحها بحب :
أنتِ حلوة في كل حالاتك يا خيريه
؛”””””
اندفعت للغرفة وهي تسأله بحده :
أنا عايزه أعرف كنت فين ؟؟ وايه الحصل ؟؟ وايه الدم اللي كان على هدومك ؟؟
حدج موسى قفازات يدها قائلاً بجمود :
عملتي اللي في دماغك برده
تجاهلت سؤاله وعادت تسأله بتجهم :
أنا عايزه اعرف ايه الحصل يا موسى لو سمحت
أنهت سؤاله وهي تقعد ذراعيها بضيق، نهض يقف حيالها مرددًا بكدر :
طيب قولي مبروك الأول حتى، دي أول لحظة بيني وبينك بعد كتب كتابنا
وتابع بتبرم وهو يمسك جلبابه :
لا قولي رأيك في البتاعه اللي مكتفاني دي
ردت دون أن تفكر بتلقائية :
لا على فكره شكلك حلو فيها
استوعبت ما تفوهت به عندما رأت ابتسامته الفتاكة، تلعثمت وكست الحمرة وجنتيها.. فاردف بخبث :
ايوا كده طلعي اللي جواكي ومخبياه عني
واستكمل وهو يمسك يدها يخلع القفازات عنوة :
وأنتِ أحلى واحدة شافيتها عيني
حاولت سحب يدها من قبضته فشدد عليها برفق وملس على أثار الجرح بحنو :
وهتفضلي أحلى خطوة اخدها في حياتي
طبع قبلة صغيرة على يدها :
هقول يا مهلبيه براحتي بقا حلالي
ضحكت وقالت بإصرار :
لا قولي يا هند عادي
قطب جبينه وردد باستغراب :
ازاي !! مش لازم ادلعك وتدلعيني ؟؟
ضيقت عينيها بعدم فهم فواصل بمراوغة :
يعني مره تقولي يا كتكوتي ومره يا ارنوبي
نظرت إليه ببلاهة وصدى ضحكتها تصدح في المكان :
أنت عايزني اقولك كده
أومأ بتأكيد مسترسل بجدية :
هما مأكدين عليا إني هكون ارنوبي وكتكوتي بعد الجواز
أول مرة يرها تضحك هكذا، وكأن الضحكة تخرج من حنايا قلبها .. ابتعدت بوجهها عن عينيه فقد أوشكت على فقد وعيها من شدة خجلها، ارتعشت يدها بين راحته فأمسك وجهها يديره إليه.. غاب عقله وهو يسبح في بحور عينيها، رفع الراية البيضاء يسلم حصون قلبه بدون عناء .. انتفض الإثنين على صوت نجاة وهي تقول :
أنتو لسا مكلتوش يالا المصورة عند خيريه
ابتعدت هند وذهبت تجلس على المقعد بتوتر، فنظر موسى إلى ظل نجاة وهي تتحرك بضيق ولحق بالآخرى الي اصطنعت أنها تأكل، فلا يوجد غرفة مغلقة الباب، حيث يسهل على نجاة الحركة بينهم وتلبي طلباتهم إذا احتاجوا شئ..
؛”””””””
” اللهم صل على النبي ” رددها يعقوب وهو يطيل النظر بصغيرته التي ولجت تنظر للأسفل .. وقف يستقبلها فتح ذراعيه كي يعانقها، فتجمدت الأخرى محلها تنظر إليه ببلاهة :
ايه ده إن شاء الله
رد عليها ببسالة :
ايه مراتي
: احترم نفسك
تدلى فمه وهي تتحرك بهدوء وتجلس، رمقها تأخذ كوب العصير ترتشف منه برفق .. هي تحاول فقط السيطرة على توترها من نظراته، وضعت الكوب مكانه واعتدلت في جلستها عندما تحرك يجلس على المقعد المجاور لها ..
طال الصمت دقائق كسرها يعقوب وهو يقول بلطف :
ممكن تبصيلي
بسمة صغيرة رسمت على شفتيها وهي ترفع عينيها بخجل .. ظل يجول بنظره بين ملامحها وهتف بنبرة اشتهاء:
ريحة اكلكم حلوه قوي
لم يتحمل أكثر وقهقه بنبرته الرجولية على شكلها المصدوم، ضرب بأحلامها عرض الحائط والآن يضحك.. انتفضت من جلستها وكانت ستغادر، لكنه أسرع وقبض على معصمها :
طيب خلاص اقعدي مقدرش على زعل جعفر
نظرت إليه بشر فقال بأسف:
مقدرش على زعل الست حسناء
سحبها بعنف واجلسها عنوة، فصاحت بحنق :
يابني دي مش طريقة معاملة لبنت أبدًا
: وهي فين البنت دي ؟؟؟
فتحت عينيها على وسعهم فأكمل مبتسمًا بلطف:
أصل اللي قاعد قدامي ملاك
بدالته البسمة وهمست بنعومة وهي تأخذ كوب العصير :
لا تاخد عشرة من عشرة ونجمة
؛************
في وداع حار وبكاء زينب ومي رحلت خلود مع أكرم، سيذهبان إلى فندق قريب من المطار يمكثان فيه الليلة وغدًا سيرحلان مع أول طيارة إلى أستراليا .. لم ينتظر عبده بعد أن ودع خلود فمازال يبحث عن محمود المختفي من الصباح، ولا يريد أن يحتك مع المعلم سالم إلا إذا تأكد من عدم تدخل محمود فيما حدث ..
أذن المغرب ورحل الجميع وبدأت كل مجموعة تنسحب، ضرب المعلم سالم على كتف جابر برفق فهو يرى دمعة عينه:
ادعيلها ربنا يوفقها في حياتها الجديدة
هز جابر رأسه بحركة بسيطة ومن ثمّ سأله باستفسار :
عامر ميعرفش يونس مجاش ليه؟؟
: معنديش علم
أشار إلى زينب وقال مستعدًا للمغادرة :
ربنا يسترها، هنمشي إحنا وعقبال مروه ورحمه ما تفرح بيهم
في المقدمة سارت نيره بجوار سالم وهي تحمل الصغير بحذر، لا تتخيل المنزل وخلود ليست فيه، كل أوقاتها كانت تقضيها معها ليست مجرد اخت زوجها بل صديقه وأخت مقربة …
: على فكرة أنا قررت اتجوز سهير
تطلعت إليه بصدمه وسألته بعدم فهم:
سهير مين ؟؟ ومين يتجوز ؟!
ببرود أجابها دون أن ينظر إليها :
سهير صاحبتك ايه نستيها
لحظات تستوعب ما يقوله، تحولت صدمتها إلى ضحك هستيري حتى أنه شك بإصابتها بصدمة عصبية من هول المفاجأة … بقدر إمكانها هتفت بصعوبة :
سها قصدك، افتكر اسمها الأول حبيبي وبعدين تعالى استفزني
توقف مكانه يرها وهي تدخل للمنزل ومازالت تضحك، عض على شفتيه بقهر وتمتم بغيظ :
سابت اني هتجوز ومسكت في اسمها
هي محقة فكل ما يوده أن يستفزها لا أكثر .. أخبر والده أن عليه الذهاب للمصنع لأمر هام، واتجه إلى إحدى أراضيهم الزراعية المطلة على النيل يجلس بمفرده، ينتظر لوقت متأخر ويعود فلن يستطيع النظر في وجهها حفظ على ما تبقى من ماء وجهه ..
؛*************
خرج أخر ضيف في منزله، والعمال ينهون تحميل الأغراض في السيارات .. دار يصعد الدرج عليه أخذ حمام دافئ ويبدل ثيابه ويرى أين الفراش :
سالم أخويا ألحقني
توقف على الدرج قائلاً بسخرية وهو ينظر إلى دولت :
أنا قولت مش معقول يعدي اليوم بسلام
؛********

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!