روايات

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء الرابع والثلاثون

رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت الرابع والثلاثون

رواية بنت المعلم
رواية بنت المعلم

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة الرابعة والثلاثون

؛***********
: من الساعة دي أي حد في البلد يحتاج حاجه بيت العمده صبري مفتوح ليه من الصغير للكبير
استرسل حديثه بكبرياء وهو يرمق المعلم سالم:
العمده صبري وابنه في خدمة البلد وأهلها
وكأنه انتصر في معركة دارت لأيام ليصل إلى العمودية، بينما ابتسم المعلم سالم وتقدم يقف بجانبه وهو يتطلع إلى أهل القرية المجتمعين قائلاً بمزاح :
ندعي كلنا أن العمدة صبري ربنا يقدره علينا يا جماعه
صاح أحد الأهالي باعتراض:
لا يا معلم مش هتخلص مننا بالساهل
انقلبت الجَمعة من غرض صبري، إلى المحبة التي ظهرت في أوجه الواقفين عندما حاول المعلم سالم أن يخبرهم بتوقفه لحل مشاكلهم لوجود العمدة الآن ..
من غيظه الشديد مال عليه مردد بتشفي :
راحت عليك يا معلم سالم
نظر إليه المعلم سالم ثم جال بمقلته بين الجميع وهو يردف بصوت مرتفع جعل وجه صبري يحتقن من خجله:
مش هتروح عليا وأنا بين أهلي وعيلتي يا عمده
رد عليه بانفعال دون تفكير في العواقب :
ياخي أنت ليك عين تتكلم وأنت واكل حق أختك الميته
صعق جابر وعبده من وقاحة صبري التي تخطت الحدود، ولم تقل الصدمة أوجه الواقفين .. حين رأى صبري نظرات الذهول والدهشة معلقة عليه علم خطورة ما تفوه به، بدلاً من كسب ثقة أهل القرية يتهم كبيرهم مستحقر مكانته،
تقدم عزيز بين الجمع وهي يتساءل باستهجان :
وأنت ايه دخلك بأمور العوائل ؟؟
نظر معتصم إلى وجه خاله الخالي من التعابير متيقن أن شأن والده انتهى قبل أن يبدأ… لم يكن عبده بحكمة جابر لينتظر ردت فعل المعلم سالم، صاح بأعلى نبرته الغاضبة :
كلامك ده هتتحاسب عليه يا صبري واتهامك قدام الناس دي كلها هيكون ليه تمن مش هتقدر عليه
زاد الهرج وارتفعت الأصوات المستنكرة والأخرى تتساءل باستغراب عن سبب انقسام في آل سويلم .. اختلطت الأقوال على صبري من الكبراء بالضيق من تصرف، عكس المعلم سالم الذي سأله بهدوء مريب :
معاك دليل على كلامك يا عمده
نظراته الزائغة خير برهان على ما يشعر به استطرد المعلم سالم بدهاء :
أصلك هتحتاج تثبت اتهامك ليا في القعدة العرفية
الجلسة العرفية تكون بين مجموعة رجال من كبراء القرية والقرى المجاورة وعدد من الشيوخ وشهود الواقعة.. وما أكثر الشهود الحاضرين ما افترى به بأسلوب عنيف، لم يجد صبري منفذ للفرار سوى فكرة خطرت على عقله فقال بتهكم يخبئ خلفه خوف جَمّ :
أكبر إثبات على كلامي ابن اختك اللي اختفى من آخر زيارة
هتف أحد المشايخ باقتصار :
مشاكل العيله تكون بينكم وبين بعض يا حاج صبري
فرق سعد الجمع ليصل إلى عمه بوجه حزين، اقترب منه يخبره بالخبر الذي جاء به من المشفى الذي كلف بالمكوث بها لمعرفة حالة مبروكه لحين ذهابه بنفسه … تغيرت تعابير وجهه وهو يتمتم بحزن :
إنا لله وإن إليه راجعون
علم عبده بموت مبروكه لأن سعد أخبره في الصباح بذهابه للمشفى، أفصح عن هوية المتوفي لكثرة الأسئلة، وقال بمواساة لأنه يدرك مكانة مبروكه لدى أخيه:
البقاء لله يا معلم
: ونعم بالله
رددها بفتور ومن ثمّ نظر إلى جابر وابنه :
جهزوا للغسل والدفنة
وتحرك للسيارة مع سعد لإكمال أوراق خروج مبروكه التي رحلت عن الحياة قبل أن تروي ما لديها .. بينما اتجه عبده وابنه لتجهيز العزاء لحين موعد الدفن،
تسرب الجمع واحد تلو الآخر فاقترب عزيز من صبري وهو يهدر بسخرية بالغة :
احمد ربنا إن موت الحاجه مبروكه نجدك من قعده أنت مش قدها
تجاهله صبري ونظر إلى يعقوب قائلاً بكبر :
خد أبوك وامشي عشان تلحقوا تقفوا مع حماك
ضحك عزيز وهو يسير بجانب يعقوب :
كلها يومين عزا وتختفي مع السوالمة يا عمده
حرك يعقوب رأسه بملل مغمغم ببرود:
دا بدل ما تقول كلمة تهدي الدنيا يا معلم عزيز
رمقه بطرف عينه مردفاً بوجوم :
وهو حد قاله ينسحب من لسانه في حاجه متخصهوش
تساءل يعقوب باستغراب:
هو فعلاً حكاية الورث دي ؟؟!
حرك عبده رأسه وهتف بلا اكتراث :
مظنش واللي افتكره أن أخت سالم مشيت مع ابراهيم بمزاجها حتى لما ماتت وصتهم محدش ياخد ابنها
عقد يعقوب جبينه باستفهام متسائلاً بعدم فهم :
وايه يخلي صبري يقول كده ؟؟ معقول مش عامل حساب للقرابة ؟!
: معرفش غير أنه بيحاول يساوي الروس ومحدش أحسن من حد باعتبار أن ابنه في السجن
أكملوا حديثهم وهم يتحركوا باتجاه المنزل، ستكون الليلة طويلة حتى نهاية العزاء وعليهم بأخذ قسط من الراحة،
؛************
أثناء محاولتها الفاشلة في السير على خطوات الفيديو التعليمي للخياطة الظاهر على شاشة الكمبيوتر، خرب انسجامها رنين الهاتف .. ألقت قطعة القماش من يدها وأخذت الهاتف بضيق، تعجبت من اسم المتصل وبعد تفكير أجابت ملقية التحية باستغراب واضح في نبرتها،
: عامله ايه يا مروه
(طلال !!!) همست بذهول غير مستوعبة، ظهر اسم أخته على شاشتها لذلك أجابت معتقدة أنها تريد أمل أو ما شابه .. لم يبدر منها اي ردت فعل فقال باعتذار :
بعتذر اني بكلمك من رقم هيفاء بس متأكد أنك مش هتردي لو كلمتك من رقمي
حمحمت بخفوت وهي تسأله بجمود :
خير يا طلال ؟؟!
ظهرت تنهيدته الحارة وهو يهتف بنبرة لم تحددها :
مش خير خالص واتمنى تسمعيني للآخر
لم تعقب لتسمح إليه باستكمال حديثه المبهم :
مروه أنا مش قادر انساكي ولا عارف ابطل تفكير فيكي، خلاص بقا كل يومي عبارة عنك، سرحان في كلامك وطريقتك، صورتك قدام عيني في الشغل والبيت وأنا نايم حتى مع أهلي، بشوف هيفاء أنتِ
كادت أن ترد فقاطعها مسترسل بأسى :
وفي نفس الوقت مش قادر اتخطى موت سوزي ويمكن تفكيري فيكي هو اللي مقويني أكمل لحد دلوقتي
تمتمت بحزن هي الأخرى :
الله يرحمها ويغفر لها
: سوزي كانت باعتبار أخت ليا وبعد اللي حصل معها واحساسي بتأنيب الضمير لاني سبب في تعارفها على الإنسان ده اتجوزتها واعتبرتها صاحبتي وأختي ولحد دلوقتي مش مستوعب إنها ماتت
شعرت بالحيرة وعجزت عن وجود رد مناسب في موقفها، ولكن ما أصابها بالدهشة تغيره الكلي فسألته بارتباك:
لكن أنا محستش كل الكلام اللي بتقوله عني لما كنا مخطوبين ؟!!
لم يمهلها شرح كا بداخلها وقال بإصرار :
لأني كنت مشتت في علاقتي مع سوزي وبين سوء فهم بابا وده لاني معنديش القدرة اتكلم واوضح اللي حصل، ببساطة الموضوع مش يخصني لوحدي ولو كانت سوزي مجتش وحكت ليكم مكنتش هتكلم برده
صمتت لبرهة وأردفت برزانة :
دي حاجه جميله منك أنك تفضل غيرك عن نفسك وتحفظ السر على حسابك، بس أنا مش هدخل علاقة فيها لو ذرة شك أو عدم ارتياح بين الطرفين
ببسالة قال قبل أن يغلق :
مش هعتبر ده ردك وهستنى فرصة تانيه يا مروه
أغلق الهاتف وقدمه إلى والدته التي رتبت على كتفه وهي تغمغم بزهو :
متعرفش أنت كبرت في نظري ازاي يا حبيبي
ابتسم بفتور فاستطردت بسعادة :
أنا متأكدة أن مروه هتفكر صح وهتوافق وبكره أشوفك أجمل عريس معها
زفر بعدم ارتياح وهمس باقتضاب :
سفيان لو عرف مش هيسكت
: مش هنقوله غير لما نعرف رد مروه الأول
أومأ بشرود ثم ذهب يبدل ثيابه ويستعد للسفر، لقد قدم على إجازة سنوية ولم يوافق مديره على طلب إجازة أسبوع آخر…
؛**********
ماذا لو لم يخبره عبدالله بخطبة أخته المفاجأة ؟؟ .. لم يتحكم محمود في غضبه وانتظر بزوغ الفجر على أحر من الجمر، قاد سيارته على سرعه لم يعلمها ليصل ليتأكد من صحة ما قص إليه.. أهذا الخليل سيكون زوج أخته ؟!!
: يعني ايه اختي تتخطب وأنا معرفش
صاح بأعلى صوته باستهجان وهو يرمق والدته، التي ردت عليه بكدر :
أنت بتزعق بدل ما تقولي هببت ايه عشان أبوك يطردك
خطت سمر منه وهي تتمتم بعتاب :
المفروض أنك عارف اني مستحيل اتخطب غير بوجودك مفيش داعي لكل دا بقا
أخذ نفس عميق وهتف باستنكار :
ومن بين كل رجالة الدنيا متوفقيش غير على خليل!!
ابتسمت ندى بتودد وقالت بحكمة :
بابا عبده وسالم وسعد مع عمي سالم بيحضروا دفنت الحاجه مبروكه روح قابلهم واعتذر لعمي وهو مش هيردك مهما اللي أنت عملته وبعدين يا سيدي اعترض برحتك
اكتفت مياده بالوقوف في سكون تتأمل ما يحدث بلا مبالاة، وعندما فاض كيل رحاب هدرت بتبرم :
سواء وفقت ولا رفضت المهم أمها وأبوها شايفين المصلحة فين
حدجها محمود بامتعاض وخرج كثور الثائر، أرادت ندى أن تخبره عن شيء ما فاتبعته وهو يرتدي حذائه :
يابني استنى متبقاش مندفع كده
اعتدل في وقفته وهو يلوح بيده بانفعال، بتلقائية عادت ندى للخلف لتتفادى يده ولكنها لم تسيطر على جسدها وانزلقت قدامها الدرجة الفاصلة بينهما .. فزع محمود وهو يمسكها كي لا تنزلق فوق باقي الدرج، حاولت ندى التحكم في نفسها ووقفت تبتسم وكأن شئ لم يكن رفقًا بالهلع البادي على وجه محمود الذي تمتم بخشية:
أنتِ كويسه ؟؟ اسف يا ندى، مقصدش صدقيني
حركت رأسها بتفهم وهي تردف بهدوء يخفي قلق يغمر قلبها من الألم الذي يضرب أسفل بطنها من شدة ارتطامها بالدرج :
متخفش أنا كويسه، مشفتش الدرج ورجلي فلتت
سألها بذعر وهو يشير على بطنها المنتفخ فقد بلغت شهرها السابع منذ يومين :
متأكدة أنك مش محتاجه تروحي للدكتور
: دكتور ايه بس دي يدوب خبطه بسيطة
استطردت برجاء :
بلاش تقول لي سالم هيقلق على الفاضي
نظر إليها بقلق وسار بوجه شاحب من الارتعاب، جالت ندى بعينيها معه حتى خروجه من الباب الحديدي، ثم وضعت يدها تتحسس بطنها ببطيء وهي تطمئن نفسها بأنه لا يوجد خوف من ضربه خفيفة وأن الألم التي تشعر به من الفزع لا أكثر …
؛******** بقلم حسناء محمد سويلم
: تصدق بابا سمح لي حسناء ورحمه يكملوا من أول السنه بس مش هيرحوا غير الامتحانات عشان هروب عز
نظر مرتضى للطريق أمامه وهو يقول بتفكير :
بصراحة دا أنسب حل هروب عز وهاديه محدش يعرف طريقها وسيف اللي اختفى مره واحده ويمكن دا هدوء ما قبل العاصفة
أضافت بعاطفة :
عارف سألني كام مره يتأكد أنك هتيجي توصلني وأكد عليا لو مش هتيخي تخدني متحركش غير لما يبعتلي حد من ولاد اعمامي أو يجي هو
صف السيارة بجانب أقرب مكان للجامعة مردد بمراوغة:
المعلم سالم مدلعكم بزيادة
رفعت حاجبيها وانتظرته يلتف لجهاتها يفتح إليها الباب، استندت على يده وترجلت من السيارة على صوته المتسائل:
هي سمر مخدتش رأيك في خليل ؟!
علقت يدها في كفه وسارت بجانبه مغمغمه ببرود :
سألتني من كام يوم
عاد يسألها مستفسرًا :
وقولتي ايه ؟؟
رمقته بعدم فهم وهي تردف باقتصار :
قولتلها صلي استخاره، اشمعنا
: عادي بسأل أصلك محكتيش
توقف الإثنين أمام البوابة فقالت مها برصانة :
متقلقش أنا مش صغيره ولا هبله عشان أقول كلمة وحشه في حق أخو جوزي ولا منافقة عشان اكذب على بنت عمي
كادت أن تدلف ولكنه أمسكها برفق متسائلاً بتعجب :
استني منين بتقولي مقولتيش كلمة وحشه ومنين برده مش كذابة ؟؟!
ضحكت بثقة وهي تهمس بغرور :
بنت المعلم بتعرف تتصرف
عقد بين حاجبيه بكدر فقالت باستسلام :
ماشي هقولك من غير ما تكشر، عرفتها أن صوابعك مش زي بعضها ومش لازم يكون مرتضى شبه خليل وفي أخوات كتير عكس بعض، وإني مقدرش أحكم على إنسان مش عايشه معاه والافضل من كلامي ورأي غيري أنها تصلي استخاره ولما تقعد معاه تحدد مرتاحه ولا لا
أشار إليها أن تدلف مغمغم بمكر :
طول عمرك مش سهله يا بنت المعلم
اطمأن على ولوجها إلى المبنى واتجه لسيارات الأجرة المنتشرة ليقضي أغراضه لحين انتهائها من امتحانها، أخبرها أن انتهت قبل أن يعود تدخل السيارة وتنتظر مجيئه كي لا يقلق من وقوفها بمفردها …
؛***********
استغل انشغال المعلم سالم ورجاله في مراسم الدفن، واستأذن والدة منير ببقاء أولاد أخته معها .. فرصة بأن تنشغل عن حزنها بالحكم على منير بالسجن لمدة عام، ومن جهة أخرى يطمئن على مكوثهم مع أحد، لا يتمكن من إخماد ضميره الذي يجلده بسوط الندم على جفائه ..
أغلقت الأبواب في وجهه فلم يجد سوى العودة إلى المنزل لعله يعثر عليها ويريح قلبه من وجعه البارز في حناياه .. حدق في الزوايا باشمئزاز وقرف، كل شيء يذكره بتلك العائلة البغيضة .. ألم جسيم ذكره بأخته التي ظهر خيالها وهي تبكي بحرقة وتحتمي بالمقعد خوفًا من قاسي القلب، عديم الاحساس، الذي ربطت باسمه كزوجة حتى ماتت على يده،
: أنت مين ؟؟ وازاي تدخل من غير ما تستأذن ؟؟؟
دار بجهة الصوت باستغراب، رجل في العقد الخامس تقريبًا لم يراه من قبل يخرج من داخل المنزل !!
: مين عمر !!!
قالها بضحكة ساخرة فسأله عمر بدهشة :
أنت تعرفني ؟!
هبط الدرج وهو يردد بتهكم :
عز المعرفة يابن الغالية، صحيح أمك فين وعامله ايه
شعر بالريبة من أسلوبه فهتف مستفسرًا:
ممكن أعرف دخلت البيت ازاي وأنت مين
أشار على نفسه وهو يضع يده على كتف عمر :
أنا ابن عم أمك وتقدر تقولي خالي مغازي، أما دخلت ازاي فأنا لسا واصل من يومين والعيلة اختارتني أمسك بدل خالك أمور العزبة وبصراحة صعب عليا البيت يتهجر وكبير البلد موجود
: ودا يحقلك تتصرف في غير ملكك
ابتسم مغازي بدهاء وهو يسأله بضجر :
هو المعلم سالم طردك ولا ايه ؟؟! ولا عايز تبقا الكبير بما أنك اللي فاضل ؟؟؟
رد عليه بحزم لم يتوقعه مغازي :
لو هقعد في الشارع ولا ان اسمي يتذكر مع عيلة عزب في جمله واحده، وتقدر تشبع بالبيت يا خالي مغازي
حدجه شزرًا والتفت يغادر كما عاد دون أن يحصل على معلومة كانت بالقرب منه .. داخل المنزل بالتحديد في نفس المكان الذي حبس بداخله توفيق، فتح مغازي باب البدروم وهو يهتف بحماس :
افرحي يا هاديه إبنك كان هنا ولسا ماشي
لم ترفع رأسها وظلت تحدق في الأساور الحديدية الملتفة حول معصمها، اقترب من الفراش المتهالك متسائلاً بأهمية :
هو ازاي توفيق استحمل يعيش ٢٠ سنه في الاوضة دي ؟
: جايبني هنا ليه
رمقها ببرود وتمتم بلامبالاة :
تقدري تقولي تسليه، اوعي تكوني زهقتي دول هما يومين لسه
اصطنع الحزن واستكمل بذهول :
أنا مش فاهم ازاي محدش كلمني لما كسرت القفل من العزبة ولا قالي أنت بتعمل ايه حتى، ولا كأنهم مهتمين بوجودكم من أصله، عادي كده أفتح بيتكم واقعد !! لا وكمان دخلتك وسط صندوق هدومي ولا حد حس
رفعت عينيها تحدجه بقتامة جعلته يقف ويخرج في ثوان، أحكم غلق القفل وهو يبصق على الباب بحنق، حتى وهي مقيدة وتحت رحمته لا يقدر على إحساس الخوف والرهبة من شخصها،
؛***********
بعد آذان الظهر تم دفن مبروكه داخل مدافن النساء الخاصة بعائلة سويلم .. وبعدها بدأ العزاء داخل صوان فاخر أشرف عليه عبده، تقدم المعلم سالم واتبعه جابر وعبده لأخذ العزاء من القادمين من القرية والقرى المجاورة تقديراً إليه،
مع أذان العصر انسحبت مجموعة تلو الأخرى إلى المساجد وبعدها يأخذ أهل المتوفي قسط من الراحة لحين صلاة المغرب ويبدأ العزاء مجدداً إلى صلاة العشاء وأحياناً يستكمل إلى الثامنة ليلاً..
ولج معتصم إلى المنزل وكاد يصعد الدرج ولكنه أستمع إلى صوت بكاء والدته، وجد ريهام تجلس بجانبها تهدأ من روعها ووالده يقف بوجه عابس يأخذ مفاتيحه مستعد للخروج :
مالك يا أمي ؟؟!
: اقعد يا خويا جنبها عيط معاها
لم يعيره معتصم اهتمام فاحتدت نبرة صبري وهو يهدر بسخط :
تلاقيك خايف يقفلك الورشة من تاني وتقعد زيك زي مراتك لا شغله ولا مشغله
هتفت دولت ببكاء مرير :
دي غلطتي إني فضفضت معاك بكلمتين
اشاح بيده وصاح بتأفف :
بطلي حزن ولا انتو تعملوا عملتكم ومش عايزين حد يعرف
ضربت على صدرها بصدمه وهي تقول بذهول :
اخص عليك يا صبري وأنت مصدق أن أخويا ياكل حق
نظرت إلى معتصم مسترسلة بندم :
دا أنا قولت إن مادام يونس ظهر يبقا سالم هيديه نصيب أمه اللي أبويا كتبه ليها قبل وفاته
ضغط معتصم على فكه بغيظ مردد باستهجان :
معلش لازم نتريس على حساب غيرنا
قبض صبري على كتفه بغضب شديد وسأله بحده :
تقصد ايه بكلامك بدل ما أخلي أيامك سوده معايا ؟؟؟
وقفت دولت تدافع عن معتصم وهي تقول ببسالة :
أنا مش هخسر أخواتي عشان مشاكل بينك وبينهم وكفايا اللي أحمد عمله مع هند
لوى صبري جانب شفتيه مردفاً بسخرية :
مش ده اللي حبس ابنك وضيع مستقبله
: اخويا الكبير ولو واحد تاني كان دفنه بدل ما يحبسه
رمقها بجمود وغادر من أمامهم قبل أن يفقد أعصابه، فطلبت دولت من معتصم بأن ينتظرها تبدل ملابسها ويأخذها إلى منزل خاله بسرعه قبل أن تسوء الأوضاع وتضيع في المنتصف بينهم،
؛**************
رغماً عنها صعدت إلى السيارة بجانب يعقوب الذي وضع حقائبها التي جمعت بها كل اغراضها حتى لا تتحجج بنسيان شئ، قاد السيارة باتجاه القرية الساكن بها شريف وعائلته تبعاً لأوامر والده .. مر عشر دقائق والصمت يحل عليهما، فقالت مايسه باقتضاب :
ارتاح بقا ما اللي مزهقاك ماشيه
رد عليها ببرود :
ومين قالك أنك قله راحتي
: دا أنت أول واحد عايزني امشي خالص من البيت
فرك ذقنه وردد بتأكيد :
بصراحة نفسي واتمنى يحصل على طول
توسعت مقلتيها بذهول وهي تحدق بالطريق بصدمة، صمت يعقوب لبرهة وقال بهدوء :
شريف يستاهل كل خير وياريت تفهمي أن بيتك وولادك أهم من انشغالك بالتفاهة ودا مش هيحصل غير لو استقريتي بعيد عننا وجيتي زيارات بس
تجمعت العبرات في عينيها وهي تهتف بغيظ :
بتقول كده عشان خايف لما تتجوز يحصل مشاكل بيني وبين ست الحسن بتاعتك
: الكلام معاكي ملوش اي لازمه
عقدت يدها أمام صدرها بامتعاض، وأكمل هو يقود بانتباه متجاهل كلماتها من حين لآخر التي تقصد بها حسناء، عليه التحكم في نفسه كي لا يثبت إليها أنها تنجح في غيظه عندما تذكرها بالسوء فالتجاهل حلها الوحيد، بدلاً من إلقائها من السيارة ويخرسها مدى حياتها من روعها …
؛*********
مر اليوم سريعًا وانتهى العزاء، أسدل الليل ستاره وغيم الظلام على القرية .. علم موسى بخبر وفاة عجوز تقرب المعلم سالم من عليا التي تحدثت إلى عمر صباح اليوم، فغير واجهته وجاء من الاسكندرية إلى القرية مباشرةً، ولحسن الحظ اسعفه الوقت قبل انتهاء العزاء بربع ساعة، وكي لا يكون ضيف ثقيل قرر الانصياع إلى عامر وذهب معه إلى منزله وسيرحل في الصباح الباكر …
: إنما برده مش فاهم ايه جابك ؟!!
نظر إليه موسى وهو يقول بملل :
ما قولت مره بعمل الواجب مع الراجل
ضيق عامر عينيه وسأله بشك :
وهو الواجب مكنش ينفع في التلفون ؟؟! وبعدين دي قريبته من بعيد واللي بينك وبينه مش للدرجة دي !!
: يعني الصوان اللي أنا شفته معمول لواحده قريبته من بعيد، وبعدين أنت مالك هو أنت تعبان ليا ولا أنا اشتكيت
ابتسم عامر بمكر وقال بعبث :
حمقتك دي مش من فراغ على فكره
زفر موسى بضجر وردد بحنق :
شكلك فاضي وأنا طول النهار في سفر وبكره مسافر
وقف عامر مستعد للخروج من الغرفة :
أصلي كنت زيك كده بتلزق فيه عشان هدف في دماغي وربنا كرمني وحققته
قبل أن يغلق الباب غمغم غامزًا:
عبالك بقا وتحققه زي
انشقت بسمة مشرقة على ثغر موسى بعد أن أغلق عامر الباب، مجرد تخيله أنه حصل على مبتغاه جعل قلبه يرفرف بسعادة بالغة… إحساس مختلف عجز عن وصفه، لم يشعر به من قبل وكأنها ملكت معاني حياته في يدها، أيعقل أن يقع في الغرام بمجرد صدفة ؟!! أم أنها ساحرة سحرت قلبه من أول مرة ؟؟
في الخارج خمن عامر أن موسى يريد خطبة مروه لأنها الوحيدة التي لازالت دون خطبة، وغفل عن المالكة لقلب العاشق الذي يحاول النعاس بالداخل … استمع إلى صوت جرس الباب، نظر من النافذة فوجد يونس يقف يتأمل المكان بحيره، فتح إليه بوجه عابس وافسح الطريق دون أن يصافحه أو يتفوه بكلمة،
: دا ايه الاستقبال الغريب ده ؟!!
أشار عامر إليه بالجلوس مردد بوجوم :
كنت عارف انك أكيد هتيجي للعزا
حرك يونس رأسه بالنفي مردفًا بعدم فهم :
أنا لسا عارف حالا بموت الحاجه مبروكه، ومش عارف خالي جابر ليه مقليش من بدري
قطب عامر جبينه باستفهام متسائلاً باستنكار :
لسا مبلغك دلوقتي ؟؟!
: كلمني الضهر وقالي لازم تيجي البلد قبل بكره الصبح، لقيت الوقت أتأخر كلمته وعرفته اني هبات عندك بس صدمني بالخبر
بسبب انشغال عامر في الفترة الأخيرة بالآلات الجديدة، كل وقته يقضيه داخل المصنع لتجريب الأجهزة، فلم يكن ذو دراية بما حدث في الصباح، اكتفى بتوصيله لإحدى الغرف وهو يأخذ غطاء ويعود للأريكة، من الجيد أنه جهز غرفتين تحسب لمجيء والدته وأخته في أي وقت
: أنت هتفضل متغير لحد أمته يا عامر
نظر إليه وقال بضيق :
دي طريقتي وان كان عجبك
حرك يونس رأسه وغمغم بتفهم :
مش فاهم أنت زعلان ليه، هو مش أنت اللي كنت بتتحايل عليا عشان اجي واديني جيت ايه يضايق بقا
ضحك عامر بسخرية بالغة وردد باقتضاب :
تصدق مليش حق اضايق لما اتفاجأ بوجودك وتطلعني كذاب يابن عمي يا صاحبي
سحب الغطاء من الخزانة تحت نظرات يونس المتعجبة، ومن ثمّ خرج يجهز الأريكة بوهن، إرهاق شديد تمكن منه حتى أنه لم يطفأ الإضاءة وتغلب النعاس عليه،
؛***********
الحادية عشر قبل منتصف الليل
بعد إلحاح سمر وندى على عبده سمح إلى محمود بدخول المنزل، ولكن الغريب في الأمر استأذن محمود من مياده بالمبيت مع أطفاله داخل شقته لاشتياقه إليهم… ولأنها تعلم مدى فرحة أطفالها بعودة والدهم وافقت بترحاب، طريق طويل قطعه اليوم في عودة علاقته مع العائلة، تبقى عمه إن قبل اعتذاره ستحل العقدة الأساسية…
في الطابق الأول
تحركت في الفراش بعشوائية وهي تمسك بطنها بألم، من حين لآخر يزداد الإحساس بصعوبة أكثر… تطلعت إلى سالم الغارق في سبات عميق مترددة في ايقاظه، وعلى حين غرة شعرت بسائل شفاف يبلل ثيابها والفراش، بصوت مرتعش همست بتعب :
سالم قوم أنا بولد
ربما نبرتها لم تكن مرتفعة بالقدر الكافي، أخذت أنفاسها بثقل وهي تهزه برفق :
سالم فوق أنا بولد
ظل محله دون حركة، مع شعورها بضربة حادة أسفل بطنها صرخت في أذنه بصوت مرتفع وحده :
أنــا بــولد
انتفض يقف في الفراش وهو يلتفت حوله بفزع ويصيح بهلع :
انتوا مين .. فيه ايه
ألقت الوسادة متمتمه بضجر :
انتو مين ايه بس، بقالي ساعة بنازع جنبك
مال إليها متسائلاً بقلق بالغ :
مالك حبيبتي ؟! حاسه بأيه ؟؟
ضغطت على أسنانها وصاحت في وجهه بحده :
بــولــد يا ناس بــولد يا بني ادمين
ركض في الغرفة يأخذ عباءة وحجاب، ثم حملها برفق يساعدها في تبديل ثيابه، حين أذًا تذكر شيء مهم للغاية:
بتولدي ازاي وأنتِ في السابع ؟؟؟؟
تصبب العرق من جبينها وهي تهمس بوهن:
هيغمى عليا لو متحركناش للمستشفى
لم يستطع محمود النعاس من قلقه وكأنه يشعر بعواقب أفعاله ستكون الليلة، استمع إلى ضوضاء تأتي من أسفله، أرتدى جلبابه وهبط بعجلة .. وكان حسه في محله، صعق عندما وجد سالم يحمل ندى التي تتأوه بألم، صعد بسرعة يخبر مياده بأن تطمئن على أطفال أخيه في غيابهم، ولحق سالم إلى سيارته متسائل عما يحدث..
أثناء قيادة سالم باتجاه المشفى اتصل بالطبيبة المسؤولة عن حالة ندى والتي كانت باستقبالهم، وبالفعل شخصت حالتها بالولادة المبكرة وقاموا بتجهيز غرفة العمليات… في خلال ربع ساعة وقف سالم يتجول بين الممر بعدم فهم، بينما انكمش الآخر على نفسه بذعر من أن يصيب ندى أو الجنين مكروه بسببه
؛*********

أخبرت مياده من في المنزل عندما استيقظوا بولادة ندى المبكرة، فرحل عبده وسعد على عجلة إلى المشفى… وجد محمود يجلس في الممر على مقعد مقابل الغرفة الموجودة بها ندى، لم يصدق مياده وظن أنها تبالغ في تخمينها، ولكن محمود أكد إليه أن الولادة تمت منذ ساعات، واخبرتهم الطبيبة بعدم استقرار صحة المولودة وضربات قلبها ضعيفة وانفاسها غير منتظمة..
: وقالت هتفضل قد ايه في الحضانه ؟؟!
حرك محمود رأسه بقلة حيلة مغمغم بفتور :
الحالة مش مستقرة أصلا يابا
حوقل عبده بعدم تصديق وقال بتعجب :
معقولة مره واحده كده تتعب !! دي طالعه امبارح بعد العشا وكانت كويسه
بلع غصته المريرة وهو يضع رأسه بين كفيه، ينتابه الندم على تهوره الذي سينتج عنه خطر يحاوط حياة أحدهم .. ومن زوجة وطفلة أخيه، لام نفسه على تسرعه في التصرف، لكن ما فائدة الملامة بعد فوات الأوان، آفاق من بحر الندم على سعد المسائل بحيره :
هو فين سالم ؟!
: جوه عند ندى بيساعدها تغير هدومها
جال عبده في الطرقة وهو يقول بقلق :
مفيش حد يطلع لينا البنت نطمن عليها
هتف محمود باقتصار :
الحضانات فوق وممنوع حد يدخلها غير الممرضات
بعد مرور عشر دقائق خرج سالم بوجه مرهق، استقام عبده يسأله بأهمية:
ايه يا بني الحصل؟؟ ندى عاملة ايه ؟!
جلس بجانب محمود مردد بوهن :
كويسه بدأت تفوق
واستطرد متسائلاً باستغراب :
نفسي أفهم ايه اللي فجأة ولاده وهي لسا في السابع
رد عليه عبده يهون قلقه البادي على ملامحه :
متقلقش كتير بيولدوا في السابع وبيكونوا كويسين
تنهد سالم وغمغم بشرود :
بنتي لا مش هتكون كويسه
ردعه عبده بعتاب :
احنا بنقول يارب ونحسن ظننا بيه مش الكلام الخايب ده
في تلك اللحظة كان سيصيح بأعلى صوته يطلب السماح من أخيه، سيخبرهم أنه لم يقصد كل ذلك .. يبرأ نفسه أمام ضميره وينفي اتهامه، لن يتحمل رؤية الحزن على وجه سالم وهو السبب به، كيف سيقف أمام ندى ؟ من أين يملك الجراءة ليرفع عينيه في وجهها ؟!
تحجج بالبحث عن مكان يجد به شاحن لبطارية هاتفه، والأساس هروب من الواقع الذي عجز عن تقبله، إذا حدث ما يتوقعه سالم للمولودة لن يسامح نفسه أبدا على ما اقترفه في حق أخوه وزوجته التي لا تستحق إلا الخير،
؛***********
: صباح الخير يا أبو هند
رد عليها وهو يضع المنشفة في مكانها، ومن ثمّ جلس على الأريكة ينتظر الأمر المهم الذي جعلها تأتي باكرًا وأصرت على أن تدلف وتوقظه بنفسها
: أنا مكسوفه منك ومش عارفه أقول ايه ولا أبدا منين، بس عشمي فيك كبير يا خويا ومتأكده أنك مش هتكسر بخطري وتجبرني زي ما بتعمل معايا
عقد بين حاجبيه متسائلاً باستفسار :
ايه لازمت المقدمة الطويلة يا دولت ؟؟؟
ابتسمت بتوتر وهي تهتف بتلجلج :
اللي قاله صبري معرفش عنه حاجه ولا أعرف هو ليه قال كده، بس يعني ما أنت عارف أن اللي في قلبه على لسانه ومعزتك كبيره عنده ومش كلمتين هيوقعوا بينكم
أعطاها مجال لإكمال حديثها فاستكملت برجاء :
الناس مش عايزه غير تتفرج ومحدش بيهمه المصلحة، حل الموضوع بينك وبينه وهو معترف بغلطه
: هو قالك أنه معترف بغلطه ؟؟
توترت تعابيرها وأردفت باضطراب :
طول عمرك عقلك كبير زي قلبك ياخويا
ابتسم المعلم سالم ورتب على كتفها مغمغم باقتصار :
قومي خلينا نفطر زمانهم خلصوا
بهتت ملامحها عندما فهمت تجاهله الصريح لحديثها، سقطت دموعها وهي تردف بقلة حيلة :
عارفه أنه غلطان ومش رضيني اللي عمله بس جوزي ومش بعد العمر ده اسيبه واسمع الناس بعيالي
توسلت إليه وبكاءها يزداد :
أبوس ايدك يا سالم متحيرني بينكم أنت اخويا وهو أبو عيالي وحياة بناتك ما تضيعني بينكم
على حين غرة أمسكت يده تقبلها، فانتشلها من بين كفها وهو يزجرها بحده :
مش مسكين لبعض السكاكين عشان كل ده يا دولت
دار يبحث عن علبة المناديل الورقية يقدمها إليها وهو يسترسل بهدوء :
ولا يهمني الناس ولا صبري، لكن جوزك استغل زيارة يونس وحب يلف الموضوع من منظوره، وأنا هظبط ليه المنظور بطريقتي
كادت أن تفتح فمها فأشار إليها مردد برجاء :
دولت امبارح كان يوم طويل ومخلص العزا متأخر واديكي مصحياني بنفسك حالا، بلاش مناهدة على الصبح بقا
تقدم أمامها للخارج وهو يبحث عن صباح ليخبرها بأن تترك الفتيات على راحتهن ولا توقظهن .. جلست بجانبه بعد أن أخبرته أنها اتصلت على ناديه كي تهبط تتناول الفطور معهم بما أنها تكون مستيقظة من بعد صلاة الفجر وهي على وشك الحضور … قدمت إلى دولت كوب الشاي التي جلست مقابل إليها، راق إليها طلبه بعدم إيقاظ الفتيات، لا تريد تعكير صفو هند برؤية نظرات عمتها القاتمة، بدلاً من اللطف بالحالة التي وصلت إليها بسبب ابنها تحملها نتيجة قرار المعلم سالم لحبسه، انضمت ناديه إليهم بعد لحظات وتناولوا الوجبة في هدوء تام …
؛************
في منزل آخر يتبع إلى دولت
أدى صلاة الضحى متمتم بأذكار الصباح بخشوع، قاطعته ريهام بطرقها الخافت لتخبره بأن الفطور جاهز والجميع ينتظره .. قطب جيبنه بتعجب وهو بنظره بحثاً عن دولت :
فين أمك ؟؟!
تطلعت ريهام إلى معتصم بتوتر فتولى الرد نيابة عنها :
راحت لي خالي من بدري
هتف بحنق وهو يتحرك للخارج :
سديتوا نفسي على الصبح
أغلق الباب بقوة رن صدها ارتطامها في أرجاء المنزل بجلبة، ببرود أعصاب أشار معتصم إلى زوجته وأخته وهو يغمغم بلامبالاة :
كلوا قبل الأكل ما يبرد
أحس بأنها تخفي كلمات خلف صمتها فسألها باهتمام :
مالك يا ريهام ؟؟ حاسس أنك عايزه تقولي حاجه ؟!
وضعت قطعت الخبز من يدها وهي تردد بارتباك :
عايزه أروح الزيارة الجايه معاك اشوف أحمد
توسعت مقلتي زوجة معتصم وهدرت باستغراب:
تروحي السجن!!! أنتِ هبله يا بنتي ولا بتستهبلي عايزه خطيبك وأهله يقولوا ايه لما يعرفوا
أخفضت رأسها وهي تتمتم بسخرية :
دا على أساس أنهم مش عارفين
: ولو ازاي برده تروحي وسط المساجين، ريهام فترة خطوبتك قصيره والأولى تقربي من خطيبك وتفهمي طباعه ولسا طبعاً حوار الجهاز عايزه موال لوحده
رمقت معتصم تنتظر رده والذي كان يؤيد حديث زوجته وأردف بجمود :
ولا أنتِ ولا أمي هتروحوا ودا كلام أحمد اللي هيقوم الدنيا لو واحده فيكم زارته
واسترسل متسائلاً بفضول :
هو محمد بيكلمك ؟؟؟
حركت رأسها بالنفي وتمتمت بحرج :
لا من بعد يوم الدهب معرفش حاجه عنه
عقدت زوجة معتصم جبينها باستغراب وهتفت بدهشة :
غريبه دا حتى مجاش من يومها ولا طلب يقعد معاكي
ردد معتصم بلا اكتراث :
أصلا كده أحسن، كلام التلفون والمقابلات الكتيره مش بيجي من وراهم غير وجع الدماغ، واحنا مش بتوع كده
رفعت زوجته حاجبيها بتعجب ومن ثمّ سألته باستنكار :
وأختك هتعرف ازاي محمد مناسب ليها ولا لا!! وهو أنت لما كنت تكلمني تسأل وتطمن كان وجع دماغ !! وأساسا مطمنيش من نحيتك غير الساعة اللي كنت بتيجي تقعدها معايا كل اسبوعين
نظرت إلى ريهام المنصتة بعناية واستكملت بتبرم :
أسبوع كمان ولو مظهرش اعرفي أن في حاجه غلط
بلع ما في فمه وصاح بتهكم :
اسمعي كلام الأخصائية الإجتماعية بتاعتنا يا ريهام
ابتسمت بمجاملة وهي تفكر في اليوم التي عرضت به كسلعة رخيصة، قدمتها والدتها إلى هانم على طبق الذل .. ولِما لا يكون محمد مجبر على خطبتها كي لا يحرج والدته التي وافقت على عرض دولت، جرح غائر لن يشفى طيلة حياتها ولن تذوق طعم التعافي كلما رأت كرامتها المبعثرة أسفل قدميها .. طبطبت على روحها مخففة غوغاء داخلها بأنها متيقنة من نقاء قلبها والذي لا يستحق سوى العيش في سلام وراحة بال وسط صراعات الحياة.
؛***********
يباشر آخر إنجازات العمال في منزل منير بنفسه كل يوم قبل ذهابه للمحجر، بقدر المستطاع نجح المحامي في حصول على أقل مدة حبس حكمت المحكمة بها وغرامة مالية قدرها مئة ألف جنيه… ولو قدرت بحياته لن يعوضه عن أيامه داخل السجن، يقدر يعقوب ما فعله منير والذي لن يكفيه شكر ولا نقود ولا امتنان، ورغم ضيقه من اعترافه لأجل المال، إلا أن الفضل في حريته يدفعه شخص برئ .. والجاني يجول حولهم ومن المتوقع أنه يدبر مكيدة لتصاد الفريسة التي هربت سابقًا،
لمح عمر يمر من أول الطريق فنادى عليه وسار باتجاهه، وكذلك غير عمر واجهته متجه إليه، بدون مقدمات سأله باهتمام كبير:
أم منير عامله ايه دلوقتي ؟؟
هز عمر رأسه وهو يقول بحزن :
لما المحامي قالها فضلت تعيط وبعدين هدت وحمدت ربنا أنها جات على سنه
واسترسل بامتعاض :
واهي من الصبح بتشتم فيا عشان نسيت البوابة مفتوحه بليل ومردتش تعملي فطار مع زياد ويزيد
اجتمع الإثنين في منزل واحد وكلا منهم يحتاج للآخر، ابتسم يعقوب بخفة مردد بتفكير :
سبحان الله ربنا جمعك بيها تخفف عنها حزنها على ابنها بعيال أختك وأنت احتاجت وجودها عشان تاخد بالها منهم في غيابك
مرت من أمامهم خديجه وهي ترمق عمر بتعالي لأعلى وأسفل باشمئزاز، خطت بتمخطر غير مبالية بأحد.. فنظر يعقوب إلى عمر وسأله بمكر :
أنت مزعلها ولا ايه ؟؟
رفع عمر كتفيه بلامبالاة مغمغم بحنق :
لا دا هي بحالات وبقالها أسبوع على الوضع ده
اصطنع يعقوب عدم الاكتراث وأن الأمر لا يعينه، فستأذن عمر منه كي لا يتأخر على عمله مادام خديجه سبقته من المؤكد أنها ستسبب إليه المشاكل…
على صعيد آخر استقبل عزيز عدد من كبراء القرية في منزله لحل المشكلة بين آل سويلم وصبري بهدوء .. عدم اتفاق عزيز مع قرارات المعلم سالم أحياناً واختلافهم في حل الأمور وتفكيرهم الغير متشابه بتاتًا، لا يعني أن يقبل عزيز إهانة صديق ذا مكانه غاليه مثل المعلم سالم … باءت كل الحلول بالفشل في البداية، والاقتراحات أصبحت مقتصرة على اعتذار صبري وحينها ستنتهي المشكلة، ولكن هل سيوافق صبري ويتخلى عن كبريائه ويعتذر !!
؛**********
شرح إليهم فكرته الجديدة بحماس طاغي على ملامحه، فقالت والدته وهي تنظر إلى طلال :
أنا معرفش في شغلكم بس طلال ممكن يفيدك برأيه
حدجه سفيان باهتمام لمعرفة رأيه الذي أردفه بفتور:
شغله هو يفهم فيه
لوى سفيان جانب فمه وغمغم ساخرًا :
مش عارف من غير رأيك كنت هعمل ايه
ضحكت هيفاء على طريقته وصاحت بزهو:
أنا متأكدة أنه هيكون أكبر مكتب محاماه في المحافظة
أضافت والدتها بقلق :
بس مش تفضل في مكتب المحامي اللي أنت شغال معاه شويه لحد ما تتمكن اكتر
بدأ ينتاب سفيان الإحباط، خاب ظنه في التشجيع الذي رسمه في مخيلته عندما يخبرهم أنه يفكر في أخذ خطوة مكتب خاص باسمه في المركز التابع إليه القرية ..
: لا يا أمي مش هفضل مع المحامي حتى لو مش هتفح مكتب خاص بيا، ببساطة لأني اكتشتف طرق شغله الجديدة واللي أغلبها تزوير وشهود زور وشوفت بعيني واتأكدت بدل المره اتنين
انكمشت قسمات وجه والدته وهتفت باقتضاب :
أعوذ بالله ربنا يبعد أمثاله عنك
انتبهوا على صوت طلال الغاضب وهو يعنف هيفاء بحده، فسأله بعدم فهم لتغيره حاله في ثوان :
في ايه ؟!
رفع طلال سبابته وغمغم بوعيد :
آخر مره هحذرك تتصوري مع الزفت خالد ده تاني
انتبه سفيان إلى الهاتف في يد طلال، ومن الواضح أن ابن عمهم شارك صورته مع هيفاء على موقع التواصل الاجتماعي الخاص به مجددًا … تجمعت العبرات في عين هيفاء وهي تردف ببراءة :
هو مش ابن عمنا ومتربين سوا فيها ايه يعني
رد عليها سفيان بهدوء كي يوصل إليها خوفهم على اختهم الوحيدة بحكمة فلن تجدي الحده والصوت المرتفع سوى العناد في عمرها :
في أنك كبرتي يا هيفاء والمفروض عارفه الصح من الغلط، خالد ابن عمنا ومتربين سوا بس مش ثقه تتصوري معاه ورغم تحذيرنا ليه قبل كده، برده نزل صورتك ومش مراعي أن صحابه يتفرجوا على بنت عمه
أضاف طلال بضيق بادي :
وبعدين خالد ايه وزفت، أنتِ ناسيه أنك في أوله ثانوي ولازم تستعدي للامتحانات ولا لسا مفكره نفسك في إعدادي
تأففت بصوت مرتفع وهي تهدر بتبرم :
يــوه دي مكنتش ساعه اللي نزلت أقعدهها معاكم
زجرتها والدتها بحده طفيفة :
عيب تتكملي بالطريقة دي مع اخواتك وهما خايفين على مصلحتك
نهضت تصعد إلى غرفتها بكدر تحت نظرات طلال المقتضبة لتصرفاتها الطفولية، تحدثت والدته معه بأن ينصحها باللين ويخفف من حدته وصرامته كي يكسب ثقتها ولا تخف من وجوده مثلما يفعل سفيان، فهي مازالت صغيرتهم المدللة وعليهم الحرص على ذلك بعد وفاة والدهم.
؛*************
أصر والد ندى على أخذها لمنزله لتكون تحت نظرات والدتها وأخواتها حتى تتعافى .. مع تدخل عبده استطاع إقناع سالم بتركها تمكث أسبوع على الأقل، المولودة تحتاج وجود مرافق يأتي لزيارتها من حين لآخر للاطمئنان على صحتها ولن يتمكن أخذ الدورين في آن واحد،
أصر على توصيلها بنفسه للمنزل مع والدها، اطمئن على حالتها وأحضر الأدوية اللازمة .. ومن ثمّ عاد إلى منزله يبدل ثيابه ويعود للمشفى، ألقى نظرة سريعة على أطفاله ورحل على عجلة ليباشر مع الطبيبة حالة الصغيرة.
؛***** بقلم حسناء محمد سويلم
حدق في الشوارع يتأملها وهو يردد بعدم فهم :
كنت وصفت الطريق بدل ما ضيفك قاعد لوحده
رد عامر بلامبالاة :
مش ضيف دا ابن عمي وبعدين ما أنت اللي مُصر تسافر
سأله موسى وعينيه تجول حوله بتفحص :
متعرفش مرتضى عايزيني في ايه ؟؟
هز رأسه بنفي وقال بتفكير :
مش عارف بس طالما مش بيرد يبقا المصنع، أفهم منه وبعدين سافر لأنه بيحسبك مطول وقال هيجيلك آخر النهار
على بعد نظره لمح مبنى ضخم يحاوطه سور حديدي عملاق، كلما اقترب بخطاه برزت المعالم الشامخة .. رفع عينيه يقرأ اللافتة المتوسطة للبوابة
﴿ مجمع مصانع سالم سويلم للأعلاف ﴾
من حديث عامر مع الشابان المسؤولين على البوابة يدل على معرفتهم السابقة بشخصه .. صرح شاسع بين المساحات الواسعة تجول بها حتى تدخل من باب المبنى، على جهته اليسرى سيارات تحمل بالشكائر وبعد الانتهاء تصف للجهة اليمنى،
: هو ليه مكتوب مجمع مصانع ؟؟
ولج الإثنين من باب المبنى فأشار عامر على الأقسام أمامه:
المبنى ده متقسم تقريبًا أربع أقسام، دخلته مره بس معرفتش أجيب آخره كبير جداً
ظهر شرحه مقابل موسى فالتصميم يبرز ضخامة حجم المبنى استرسل عامر حديثه وهو يسير في اتجاه معين:
أول قسم دا عبارة عن مكاتب والباقي اعلاف الدواجن وقسم لأعلاف المواشي وفي قسم منفصل بيصنع الشكاير ومواد التعبئة والتغليف
توقف مع عامر أمام مكتب هلت نسائمه الحسنه من خارجه … وجدها تترأس مكتب والدها وتركيزها معلق على أوراق بين يديها، انتبهت هي الأخرى لوجودهم عندما رحب بهم ابن عمها الجالس مقابل إليها، ارتبكت بعض الشيء من نظراته المثبتة عليها وسرعان ما جمعت شتات نفسها واكملت عملها بثقة ..
فتح سالم المكتب المقابل لينتظروا به، وذهب يبحث عن مرتضى داخل المخازن.. تعتمد الجلوس في المقعد الذي يمنح رؤيتها، راق إليه الارتباك الواضح على تعابيرها، وهذا يعني أنه يؤثر باقترابه عكس تصرفاتها اللامبالية .. استغل عامر معرفته بوجود مهندس يشرف على الآلات، ونهض يبحث عنه لعله يساعده في إيجاد مهندس متميز يفهم في ثلاجات التبريد التي عجز في حل المشكلة بها،
تلك المرة لم تتمهل هي لتجاوز حدوده، واستقامة من المقعد تلقي الأوراق بإهمال متجه إليه … مكث يحدق بها دون خشية ملامحها المقتضبة، عقدت يدها وهي تقف أمامه بشموخ مغمغمه بحده :
مش ملاحظ أنك تجاوزت حدودك
رفع كتفيه ببراءة متمتم بعدم فهم :
تجاوزت حدودي ليه
رفعت حاجبيها باستنكار من وقاحته وهتفت بضيق :
يعني ايه تيجي ورايا المصنع، هو أنت فاضي للدرجادي
: لو استنتي دقيقه واحده كنت هتعرفي أن مرتضى هو اللي طالب يشوفني قبل ما أسافر
رمشت بأهدابها بتوتر مبتعدة بأنظارها عنه، خجلت من موقفها ولكن هو من دفاعها إلى ذلك، في كل مكان تجده يلاحقها محاولا كسر الحاجز الذي لم يزول بداخلها أبداً
: بس عشانك مستعد ألف الأرض من شرقها لغربها
اعتدل في وقفته ونظر إلي عينيها متمتم بنبرة مغرمة :
لو هشوفك اجيلك من آخر الدنيا
ابتسمت بسخرية مردفه بتهكم:
مينفعش الكلام ده لوحده انانيه زي
من الجيد أن هناك ما يذكرها به حتى وإن كان بالسوء، هز رأسه بالتأكيد وقال بجدية :
فعلاً أنتِ انانيه
توسعت مقلتيها بدهشة للمرة الثانية يعيد وصفه بكل جرأة دون مراعاة شعورها، كادت تلتفت وتعود مكتبها ولكنه هتف بعاطفة :
حكمتي عليا من تجربة فاشلة مريتي بيها، قررتي تعيشي في وهم ورفضه تديني فرصه رغم اني استحقها
دارت تحدجه بقتامة وهي تسأله بحنق :
وأنت تعرف ايه عن اللي أن مريت بيه ؟؟ تعرف ايه عن تجربتي الفشله؟؟ عشت اللي أنا عشته !! دخلت جوايا وعرفت احساسي !!
شعر ببصيص أمل أضاء ظلمته، انفجار البركان الخامد التي تكتمه بابتسامتها والتعامل بشكل طبيعي خطوة جيدة لفتح أبواب جديدة تداوي أثار قديمة … ابتسم بهدوء وهو يشير على نفسه :
عرفيني يا هند، أنا مستعد اسمعك العمر كله ولا همل ولا هزهق، صدقيني دي مش شفقه ولا استغلال
ارتخت ملامحها وهي تهمس متسائلة باضطراب :
ليه كل ده؟!! ليه بتعمل معايا كده!!
حدق في بنيتها مردد بمشاعر منبعثة من عينيه قبل أن يتفوه بهيام :
اسألي نفسك عملتي فيا ايه يوم ما قابلتك
ذكرى مريرة مرت أمامها فقالت بأسى :
تقصد يوم ما قابلتني وأنا بين الحيا والموت
رد عليها ببساطة وهدوء :
مش ذنبي أنك كنتي مرتبطة بواحد مش بيقدر المهلبية
رفعت حاجبيها بصدمه وهي تصيح بغضب :
أنا غلطانه إني بتكلم معاك أصلاً
ضحك بخفة وغمغم بجدية :
هطلب ايدك من المعلم سالم
: معلش اتاخرت عليك
أغمض موسى عينيه بقوة وهو يهمس بغيظ من دخول مرتضى في لحظة مصيرية :
يا سيدي كنت أتأخر دقيقه كمان
سأله مرتضى بعدم فهم لانخفاض نبرته :
بتقول ايه ؟؟
تجاهله وظل يرمق هند بفضول لسماع ردها الذي دمر سقف طموحاته :
بلغ عليا أنه مش هينفع وبلاش تجرب أحسن ليها
فرك ذقنه النابتة وأردف بإصرار :
لكن عليا مُصره أصلك متعرفيش الموضوع ده بالنسبه ليها حياه أو موت
التفت تغادر مغمغمه ببرود :
يبقا تموت أفضل ليها
ضغطت على فكه بقوة ومن ثمّ نظر إلي مرتضى متسائلاً بكدر :
عامر بلغني أنك عايزيني ؟
تغاضى عما حدث بينهما وطلب من الصبي بصنع كوبان من الشاي، هند ليست فتاة هوجاء للقلق من تصرفاتها ومن المؤكد أنها تدرك ما تفعله بعناية .. شرح إليه طلبه الذي وفره إليه موسى في الحال، مقدمًا عروض مغرية من الرحلات السياحية التي يوفرها مكتبه،
بعد نصف ساعة اتفقا الإثنين على كافة الأمور المتعلقة بالسفرية، حينها اتصلت خلود وأخبرت أخيها بولادة ندى المبكرة وعليه اللاحق بسالم للمشفى ليكون بجانبه .. على الفور نهضت هند تلملم أغراضها كي يوصلها في طريقه للمنزل لتفهم ما حدث وتذهب لزيارة ندى،
؛***********
: مفيش داعي تتعبي نفسك
ابتسمت نجاة وقالت وهي تقدم إليه العصير :
مفيش تعب ولا حاجه أنت في بيتك
أضافت صباح بحفاوة :
دا أنت منورنا يا يونس
اقتربت خيريه من مروه وهمست بمزاح :
أنتِ هتاكلي الراجل بعينك
ردت عليها مروه بهمس مماثل :
لسا بتسوعب أنه ابن عمتنا
وكزتهم أمل ليكفوا عن الحديث احتراماً ليونس الظاهر عليه الحرج .. ولجت حسناء وهي تردف باحترام بعد أن رحبت بيونس :
ماما ممكن ثانيه
نهضت نجاة تلحق بها للخارج فصاح يونس باستنكار :
مـامـا !!!
وضحت إليه صباح سوء فهمه وهي تقول باقتصار :
نجاة مرات خالك وأم حسناء
توسعت حدقته بصدمه وهو يتمتم بذهول :
بحسبها بنت حضرتك الكبيره
اقتضبت ملامح صباح بينما ضحكوا الفتيات، وقالت حسناء بدهاء :
بابا لو سمعك هيبسطك اوي
شاركتها مروه بنبرة خبيثة :
دا الانبساط هيسمع آخر البلد
أما بتفهم لمكرهن فأخذ حذره وأردف بتوجس :
لا أنا مبسوط كده من غير تعب خالي
على ذكر سيرته جاء من منزل عبده وترك جابر يستقبل بعض الأقارب الذين علموا بحالة ندى، نهض يونس باحترام يصافحه بحساسية لازال يتعرف على عاداتهم ولا يريد فرض نفسه … بدأوا الفتيات ينسحبن واحده تلو الأخرى بأمر من نظرات والدهن فمن الواضح أن الحديث سيكون خاص بسبب مجيء يونس
: عارف جابر كلمك وطلب تيجي ليه ؟؟
حرك يونس رأسه بالنفي مردفًا بلامبالاة :
قالي لما اجي هعرف
سأله مجدداً وعينيه مثبته على تعابير وجهه بتفحص :
لما روحت زورت دولت اتكلمت مع الحاج صبري في حاجه تخصك ؟؟!
لم يدرك يونس مقصده فسأله بعدم فهم :
تخصني ازاي ؟؟! أنا مكملتش ربع ساعة ومشيت مع سالم على طول
: بكره الصبح هتفهم
صمت لبرهة ثم غمغم متسائلاً:
هو وجودي مسبب مشكلة؟!!
ابتسم بهدوء وردد بمحبة :
وجودك مكمل علتنا اللي نقصت زمان، بس هو الوقت اللي مش مساعد
تنهد يونس بارتياح، كاد أن يحسم ظنه ويرحل دون عودة معتقد أنه غير مرحب به .. أعاد تركيزه وهو يتمتم بحزن :
عرفت أن الحاجه مبروكه ليها معزه خاصه عند حضرتك
: الله يرحمها ويغفر لها
بدت الحيرة عليه مثلما وضحت في سؤاله الذي قاله بشك:
هي الحاجه كانت تعرف كتير عن أمي؟!
استكمل حديثه موضحّا بتفكير :
في زيارتي ليها كان كلامها كله ألغاز وحسيت أنها بتفتح عيني على أمور غريبه
عقد بين حاجبيه متسائلاً باستفسار :
أمور غريبه ازاي ؟؟ وليه مفهتش منها قبل ما تمشي ؟؟
هتف يونس بلامبالاة :
لاني كنت قدامها لو عايزه تحكي ومشغلتش نفسي بأيه بعد كده
رد عليه بلا اكتراث مماثل :
وشغلت نفسك دلوقتي، كل اللي أقدر أقوله أنها مشيت مع كل اللي كانت تعرفه سواء يخصك أو يخص غيرك
قالها بحزن عميق احتل نبرته الرزينة، لا تغفل عن باله وكأنه يستمع إلى صوتها تطلب منه زياراتها… يشغل تفكيره الأمر الهام التي ودت أن تقصه إليه، لولا انقطاع أنفاسها الثقيلة التي كانت تجاهد في استنشاقها لأجل إخباره بما تعلمه لكان أجزم بأنها تريد إثارة فضوله لا أكثر..
: طيب بعد اذنك أنا هرجع عند عامر
أومأ إليه وهو يفكر في الحيرة التي تركته عليها مبروكه، ذكرى والده وحكايات والدته، طفولته وشبابه .. كوب الشاي المميز الذي كان يحتسيه من يدها في كل زيارة، سؤالها للاطمئنان على أحواله، أشياء دفنها معها لن تتعوض طيلة حياته،
عاد للواقع على صوت رنين أحد شيوخ القرية، وقف يستعد للخروج بعد أن علم بوجوده أمام منزله .. ابتسم بهدوء ورحب بشيخ المسجد واثنين من كبراء القرية أشخاص عرفوا بالسيرة الطيبة وسعيهم للخير ليس كذلك الماكر اللئيم المتلون لأجل مصلحته والذي صاح بعتاب وببسمة صافيه :
لا دا أنا جاي وعاتب عليك يا سالم معقول تزعل مني
زال اللقب في كلامه المعسول مما لفت انتباه المعلم سالم لسبب مجيئه، علم الخطأ الذي وقع وفيه أمام الجميع ومن المستحيل معالجته ..
: ومين قال كده ؟!
هتف متسائلاً بتعجب فردد صبري باستنكار:
بيقولوا زعلت من كلامي وكأني غريب عن العيلة !!
حرك المعلم سالم رأسه بالنفي وتمتم بدهاء :
مفيش زعل بس كل المشكلة أن الكلام لازم يكون بدليل
ضحك صبري وقال بخبث :
ولا دليل ولا في كلام يمكن أنا فهمت يونس غلط لما فضفض معايا وهو قاعد مع خالته
أضاف أحد الواقفين برجاحه :
مش معقول برده يحصل سوء تفاهم من كلمتين بينكم
ابتسم المعلم سالم وغمغم بريبه :
الحاج صبري معروف باللي عنده من زمان
واسترسل بمكر :
وبكره كلنا هنفهم سوء الفهم الحصل
قطب جبينه باستفهام غير مستوعب مغذى حديثه المبهم، لا يتفوه بكلمة بلا معنى.. واستقباله الهادئ يؤكد أن العاصفة اتيه لا محال، وعندما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن تكون العواقب وخيمة،
؛*******
عندما يغفل ملك الغابة تكون فرصة يترقبها الرعاع بخشية… يتسللون في الخفاء كاللصوص، وبالمكيدة والخداع يفسدون كل ما هو حولهم لمجرد إرضاء ظمأ غليلهم من حكم الملك لأراذل مثلهم.
زفر دخان التبغ وهو يتساءل بوجوم :
ايه الجديد ؟!
ردت عليه وهي تحوم بنظرها في الظلام حولهم:
موسى زار المصنع انهارده، وسمعت أن مرات سالم عبده ولدت بدري
أشار إليها بأن تكمل فقالت بحيره :
لا هو دا الحصل من أول امبارح للنهارده
: يعني جايه لحد هنا عشان الكلمتين دول
تهدجت أنفاسها وهي تتمتم بتعلثم :
لا بس جيت عشان أقولك اني مش هقدر اجي الفترة الجايه
رفع مقلته القاتمة وسألها مستفسرًا :
جيتي ازاي المره دي؟؟
: زي المره الفاتت دخلت الكوافير وطلعت من الباب التاني
ألقى التبغ أسفل قدميه يدعسه بحذائه الأسود اللامع، ومن ثمّ استقام بطوله الفارع بالنسبة لحجمها بجانبه.. قطع المسافة بينهما وهو يردف بوعيد :
: المره الجايه تكوني عرفتي مداخل ومخارج المصنع كلها
أومأت بآليه وهى ترمقه بتوجس، استطرد وهو يقبض على وجنتها بعنف :
هعدي تصرفك الغبي مع يعقوب بمزاجي مع أنك المفروض تتحسبي على الكمية اللي الحكومة خدتها
هتفت بانفعال والانزعاج بادي على ملامحها:
المتخلف منير هو اللي أعترف وضيع كل اللي أنا عملته
زجرها بحنق وهو يشد على قبضته بقوة جعلتها تتأوه:
وهو أنا قولت يعقوب يتحبس ولا توزعي الكميه على شباب البلد من بعيد لبعيد
بلعت لعابها وهمست بتوتر :
استفزني في مره وقولت كيسين مش هيأثروا
ابتسم بخفة وهو يخفف من قبضته مردد غامزًا:
يا شقيه، استفزك مره تقومي تلبسيه ١٠ سنين
على حين غرة لف يده حول خصرها يقربها منه، فشهقت بفزع وهي تصيح بتلجلج :
لازم امشي والمره الجايه هنفذ كل اللي قولته
حدجها بوقاحة مزمجرًا بعبث :
مش لما تخدي حسابك الأول
؛***********
على صعيد آخر في نفس التوقيت
وضع سالم رأسه بين يديه متمتمًا بأسى :
إنا لله وإن إليه راجعون
رتب ابن عمه على كتفه قائلاً بحزن :
ربنا يعوضك ياخويا في ولادك ويبارك فيهم
حرك سالم رأسه مردد بخفوت :
قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، الحمدلله
اعتدل عندما اقتربت منهم الممرضة وهي تحمل المولودة بين يديها، أخبرته الطبيبة منذ عشر دقائق بفقدانهم للمولودة التي لم تتحمل عضلات قلبها الانعاش .. حملها بيد مرتعشة ثم مال يقبل جبينها مبتسمًا رغم عنه، لمعت عينيه بوميض لامع وهو ينظر إلى سالم جابر :
كلم الجماعة وعرفهم وانا هخلص الورق وهروح لندى
: طيب ما بلاش ندى تعرف دلوقتي
هز رأسه بالنفي وهو يعود يرمق الصغيرة التي كانت بحجم كفيه تقريبًا :
لازم تشوفها قبل ما ادفنها
؛***********

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!