روايات

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل السابع والعشرون 27 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الفصل السابع والعشرون 27 بقلم حسناء محمد

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الجزء السابع والعشرون

رواية بنت المعلم الجزء الثاني البارت السابع والعشرون

رواية بنت المعلم
رواية بنت المعلم

رواية بنت المعلم الجزء الثاني الحلقة السابعة والعشرون

سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته 💙
؛****
في الصباح الباكر وقبل أن ينهض من في المنزل، ارتدت عباءتها السوداء الفخمة مع حجاب من نفس اللون، وضعت شال من القطيفة يتناسب تصميمه الراقي مع عمرها حول كتفيها لبرودة الطقس خارجاً… ثم اتجهت إلى واجهتها التي استغرقت خمس دقائق سيراً في شوارع القرية، طرقت الباب برفق، فهي تعلم أنها تستيقظ بعد صلاة الفجر ….
: ايه جايبك من صباحية ربنا
قالت مبروكه جملتها بتبرم ثم التفت تدخل إلى غرفتها تاركه الباب مفتوح على مصراعيه … دخلت صباح خلفها ودفعت الباب بعنف، ثم شلحت الشال وألقته على الأريكة مردده باقتضاب :
وبعدين معاكي يا عمه مبروكه
لم تعيرها الاهتمام فأضافة صباح بضيق :
عايزه تخربي عليا عيشتي ليه ؟ عملتلك ايه !! ولا هو دا جزاتي على السنين دي كلها
: مجبورة تخدميني وتشوفي طلباتي مش بعوزك
رفعت صباح حاجبيها بدهشة وأردفت باستنكار :
ولما أنتِ عارفه هو بيعزك قد ايه تقومي تخربيله بيته !!
ابتسمت مبروكه بسخرية وقالت بتهكم :
وأنتِ خايفه من ايه يا صباح ؟!
مطت صباح شفتيها وهي تردف من بين أسنانها :
أخاف لو عمله غلط يا عمه، إنما أنا الحمدلله الغلط ميعرفش ليا سكه وكله يشهد بكدا
واستكملت بعدم فهم :
ليه عايز تذودي هم الراجل وهو فيه اللي مكفيه
رمقتها مبروكه وتمتمت مبتسمة بتلقائية :
اللي مزعلني أنه مش شايفك على حقيقتك
قطبت صباح جبينها باستغراب وسألتها باستهجان :
ليه وهي ايه حقيقتي ؟!!
من شدة انفعالها وقفت وهي تسترسل حديثها بحرقة :
الدنيا دي كلها مفيش حد يخاف ولا يشيل هم جوزي وأبو بناتي زيّ، دا أنا جوزته بأيدي مرتين عشان يخلف الولد وكنت بقنعه بالرابعة، وعيت عليه ومن يومها ومليش غيره
لمعت ملقتيها بالعبرات وهي تستكمل بصوت مختنق :
تيجي بعد العمر دا وعايزه تخدعيه فيا ؟! عايزه تموتني بالحيا وأنا عايشه ؟!
لم تكترث مبروكه إلى حالتها وقالت باقتضاب :
قومي اغسلي الطبقين اللي في المطبخ ابركلك من الكلام الكتير
ضغطت صباح على فكها وهمست بكلمات لم تستطع مبروكه سماعها فأردفت بوجوم :
لو مش عاجبك ارجعي بيتك وأنا هبلغ سالم أنك شوفتي طلباتي بس متقعديش تبرطمي
زفرت صباح بخفوت ونهضت متجه إلى المطبخ، فلا داعي للحديث لن يجدي نفعا … جالت بنظرها في أرجاء المطبخ البسيط، وأدواته المهلكة التي لا تريد التخلي عنها، رغم إصرار المعلم سالم على تجديد أثاث المنزل، ودفع مبلغ نقدي إلى صباح لتأتي بكل ما يلزمها من أدوات وملابس وأجهزة، ولكن رفضت مبروكه مطلقاً أن يجلب داخل منزلها قطعة جديدة، واكتفت بتركه يعيد بناء أساس المنزل قبل أن يهدم فوق رأسها….. انكمشت قسمات وجهها وهي ترفع أكمام عباءتها، وبدأت في غسل الأطباق، وتنظيم الرفوف المهترئة بقدر المستطاع، ثم نظفت المكان سريعاً بجانب تحضيرها إلى وجبة الإفطار …. إتمام واجباتها لن يتغير رغم سخطها من لسانها السليط،
؛********
لم تغفل عينيه لثوان طيلة الليل، يتأمل سقف غرفته بشرود، وهو يفكر في حل لصراع رأسه، منذ أن دلف للمنزل ليلة أمس، ولج سريعاً إلى غرفته تجانبا المجادلة مع والده، الذي يرمي اللوم عليه …. تنهد يعقوب واعتدل في الفراش عندما استمع إلى صوت سميه تستأذن بالدخول،
: فكرتك لسا نايم
نظر إليها متسائلاً بفتور :
أنتِ مروحتيش امبارح ؟!
حركت رأسها بالنفي وهي تتمتم بحزن :
مقدرتش أروح وأنا شيفاك كدا
دفع الغطاء مردفاً بجمود :
لازم تتعودي لأنها شكلها هطول
أخفضت رأسها تخفي حزنها ثم همست بقلة حيلة :
احضرلك فطار
: مين بره ؟!
ردت على سؤاله بسلاسة :
اعمامي وبابا وشريف وسليمان
زفر بصوت مسموع ثم قال بسخرية :
طبعاً بيخططوا ازاي يحلوا عشان ابن الجبراوي مينفعش يتسجن
نهضت ترتب على كتفه وهي تقدم إليه المنشفة :
متزعلش من بابا، كلامه دا عشان خايف عليك
ابتسم بتلقائية عندما رأى صغيرته تنصحه بهدوء، ثم اتجه للخارج وهو يرسم الهدوء على تعابيره المقتضبة … وقف شريف عندما رآه، واقترب منه يعانقه وهو يدفعه بكلمات ليطمئنهم أنها مجرد مسألة وقت، وكذلك سليمان الذي اقترح للتو فكرة ربما ستساعد في العثور على المجهول،
: اقعد يا يعقوب
جلس بوجه عابس حتى دلوفه للمرحاض لن يحظى به :
سليمان اقترح إننا ننشر في البلد إن اللي هيدل على اي دليل يساعد في القضيه ليه مبلغ كبير، واللي يعرف اي معلومه هيكون ليه حلاوة، حتى العمل كدا مستعد اوكله محامي واحطله ١٠٠ ألف في البنك بإسمه لو اعترف
ضحك يعقوب باستهزاء، فسأله عزيز بضيق :
بتضحك على ايه ؟؟ ولا ضحكنا معاك !!
: دا مش حل، مش بعيد كل من هب ودب يجي يقول أي كلام عشان الكام قرش
رد سليمان عليه باستنكار :
يعني هيجي يعترف على نفسه عشان كام قرش !!
أضاف شريف بحكمة :
البلد مش كبيره وممكن يكون في عامل شاف اللي دخل الاوضة، أو على الأقل يكون حد معدي ولاحظ رِجل غريبة
حرك رأسه بلامبالاة عندما وجدهم مصرين على فكرتهم البلهاء من وجهة نظره، ومن ثمّ نهض إلى المرحاض قبل أن ينفجر عزيز غيظاً أمام الجميع ….
؛*********
: بابا أنا مش عايز ارجع معاكم البيت تاني
ضغطت مها على أذن سامر وهي تهتف من بين أسنانها :
هو لازم تعكنن عليا كل ما اجي هنا
واستطرد بغيظ مشيرة إلى ابنها الآخر وهو يقف بهدوء :
ما تتعلم من أخوك شويه واحترم نفسك
كتم مرتضى ضحكته، وابعد سامر للجهة الأخرى ثم سأله باستغراب :
ليه يا سامر بتقول كدا ؟! ..
قاطعه سامر بضيق وهو يشير على أخيه :
عارف انكم هتقولوا أن سالم هادي ومؤدب ومطلبش كدا
ابتسم مرتضى مغمغم بهدوء :
طيب كويس أنك حافظ، أن شاء الله المره الجايه تفهم
وأشار إليهم مستكملا بأمر:
اتفضلوا ولما ماما تقولكم كلمة تتنفذ من دون نقاش
تحرك الاثنين للداخل فقالت مها بملل :
أنا تعبت من شقاوة ابنك بجد
: مش يمكن طالعلك
رفعت حاجبيها باستنكار وهي تشير على نفسها :
أنا !!!!
ابتسم بمراوغة وردد باقتصار :
نكمل الموضوع لما نرجع بيتنا
كاد أن يغادر فسألته بحيره :
هو أنت رايح فين مع خليل ؟!
أجابها دون أن يلتفت :
رايحين لي يعقوب وبعدين هروح المصنع
انتظرت حتى غادر ثم ولجت إلى أول طابق حيث استمعت إلى إخوتها…
؛؛؛
تنهد بملل عندما لمحه يأتي من الشارع المؤدي إلى منزل المعلم سالم، فقد بلغ ضيقه من الانتظار في الطريق …
: يعني هي مها والعيال ميعرفوش يروحوا لوحدهم
تطلع مرتضى إليه بطرف عينيه وهتف بسخرية :
دا على أساس أنك واقف من الصبح
مط خليل شفتيه مغمغما باستياء :
كفايا أمك عليا من صباحية ربنا
رفع كتفيه بلا اكتراث وأردف بجدية :
ما تريحها ياخي وتوافق تتجوز
ابتسم خليل بمكر مردد بدهاء :
حاسس إني ميال لنسرين مش عارف ليه
لم يعقب مرتضى على سخافته، فأضاف الآخر بخبث :
بنت كويسه وحلوه وتعيش ….
: وعينها من أخوك
قالها مرتضى بتهكم، فضحك خليل متمتما ببرود :
تخيل حياتك هتتبدل ازاي من بعدها
نظر إليه شزراً والتفت للطريق دون أن يرد عليه، بعد دقيقة هتف خليل بتسأل :
هما لسا مش عارفين مين اللي حط الحاجه دي ؟!
حرك مرتضى رأسه نافياً، فاسترسل خليل بتفكير :
مش يمكن الحاجه تخص عبدالله
دار مرتضى إليه وعلامات الاستفهام طغت على وجهه، ومن ثمّ سأله باستغراب :
اشمعنا عبدالله اللي جه في بالك ؟!
أجابه خليل بتلقائية :
غريبه هو أنت متعرفش إن اخر فترة قعدت عبدالله ومحمود وكذا حد من الشلة بقت مزاج
” مزاج !! ” رددها مرتضى بدهشة وقال بعدم فهم :
الكلمة دي تتفهم غلط لو أنت متقصدش
رسم خليل شبه بسمة على شفتيه وتمتم مؤكداً :
لا أنا أقصدها بالغلط نفسه
واستطرد باستنكار :
ازاي متعرفش !! هو مش أنت بتسهر معاهم ؟؟
شرد مرتضى وهو يردف بذهول :
أنا قعدتي مع يعقوب وسالم جابر وسالم عبده إنما محمود وعبدالله بيرحوا القهوة يتفرجوا على الماتشات
ضحك خليل ثم أردف بسخرية :
ماتشات ايه اللي في نص الأراضي ولحد الفجر
: أنت عرفت منين الكلام دا ؟؟
فرك ذقنه متمتما بتعلثم :
ما أنا لما نزلت الإجازة دي عزموني مره
توقف مرتضى فجأة وسأله بحده :
وعكيت معاهم في القرف دا ؟؟
حرك خليل رأسه نافياً وهتف بهمس :
أنا قعدت شويه وقومت على طول لما لقيت كدا
احتدت نبرته الغليظة متسائلاً بغضب :
كان فيه ايه معاهم ؟؟
جال خليل بنظره في الطريق بين المارة بتوتر، وأردف بتلجلج :
خلينا نمشي دلوقتي وبعدين هقولك
علم مرتضى أن الوضع أسوء مما تخيل بين هؤلاء السفهاء، تحرك ممتعض فقد اقترب منزل يعقوب ولن يسمح الوقت بالرد على استفساراته، ولكنه توعد إلى ذلك الخليل إذا تأكد أنه خاض معهم في تلك المحرمات …
؛*******
في القاهرة
فرك في يديه بتوتر ملحوظ، هو ينتظر إجابته على ما قصه إليه للتو، عندما طال الصمت سأله بتوجس :
مردتش عليا ؟!
رمقه الآخر بثبات مردد بجمود :
هو أنت فاكرني خلفتك ونسيتك يا بني
اقتضبت ملامح عليا وهتفت برجاء :
عشان خاطري يا موسى ساعده
تدلع إليها موسى وهدر بحده :
ممكن تسكتي وتوفري زنك دا
بلع عمر لعابه وتمتم بخفوت :
لو سمحت دي آخر فرصة ليا أقدر أشوف فيها ولاد أختي
كتم موسى غيظه وسأله باستغراب :
مبلغتش المعلم سالم وطلبت منه يساعدك ليه ؟!!
رد عليه باقتصار :
اللي حصل مع يعقوب منعني أروح ليه
: ايه اللي حصل مع يعقوب ؟!!
تسأل موسى بدهشة، فأجابه عمر بحزن :
حد بلغ أن الاوضة بتاعته في المحجر فيها مخدرات والحكومة جات امبارح وقبضت عليه
قطب موسى جبينه باستفهام وهتف بحنكة :
صحيح أنا خلطتي بيه كانت قليلة، لكن أكيد الحاجه دي مدسوسة لأنه مش بالهبل دا عشان يخبي في مكان شغله
أومأ إليه عمر واضاف :
دا أنا حتى عمري ما شفته بيشرب سجاير
واستطرد متسائلاً بفضول :
ها هتيجي معايا ؟؟
زفر موسى بملل وهدر باقتضاب :
وأنت تضمن منين أنه مش ناوي يغدر بيك
رفع عمر كتفيه ببراءة قائلاً بسلاسة :
ما أنا عشان كدا وخدك معايا
انكمش بين حاجبيي موسى وأردف باستهجان :
نعم يا خويا
أشار عليه مستكملا بصرامة :
يعني أنت عايزني اجي معاك عشان لو غدر بيك
حرك عمر رأسه مؤكداً ببسالة … أشار موسى إلى عليا وصاح بتهكم :
بالله نفسي أعرف إيه عجبك في دا
: عشان خاطري يا موسى بقا
اكله عمر إليها بامتنان وهي تسترسل بحنو :
عمر يستاهل حبي أنا متأكدة
رفع موسى حاجبيه باستنكار وغمغم ساخراً :
لو حد مفهمك إني كيس جوافة عرفيني حبيبتي
اختفت ابتسامة عليا بحرج ونهضت إلى الداخل بوجه متهجم، بينما تطلع موسى إلى الآخر وقال بحده :
آخر مره هساعدك فيها وياريت تثبتلي أنك فعلا تستاهل عليا
: هو أنت ساعدتني قبل كدا أصلاً !!!!
حدجه باقتضاب، فتراجع بتعلثم :
قصدي خيرك مغرقني يا نسيب
وقف موسى وأخذ هاتفه ومفاتيح سيارته مردد باقتصار :
لازم ارجع هنا قبل بكرا، كلم اللي اسمه سيف وبلغه يقابلنا على أول طريق الغردقة ومعاه والولاد لو كان صادق
تهللت أسرار عمر وركض خلفه للخارج وهو يتمتم عن مدى سعادته الكبيرة…..
؛******
فى إحدى السجون بالتحديد داخل زنزانة ما، خرج منها صوت صراخ رجولي حاد، زمجرة غاضبة تتبعها سُباب وقح، منذ ما يقارب الساعة والنصف والوضع على ما هو عليه في الصياح الهستيري …
ولج عسكري إلى رفيقه يسأله بتعجب وهو يشير إلى الزنزانة الخارج منها الصوت :
هو في ايه ؟؟!
أجابه الآخر بلا اكتراث :
عرف أن أبوه انتحر ومن ساعتها وهو كدا
قطب الآخر جبينه متعجباً وسأله مجدداً :
تعرف مين اللي انتحر ؟؟
: بيقولوا منصور عزب
؛********
إلى مكان آخر زُف إليه خبر موت منصور به … تقدم من فراشها وهو يتسأل باستغراب :
إلا ما شوفت دمعه نازله بالغلط ؟!!!!
رمقته باقتضاب دون أن ترد، فقال بتعجب مصطنع:
معقول قلبك مات للدرجة دي !!!!
اصطنع الحزن مستكملا بسخرية :
اخص عليكي دا حتى منصور يستاهل الحزن
حدجته بثبات وأردفت بجمود :
عارف هعمل ايه لما أقف على رجلي من تاني
رسم بسمة عريضة وهتف بزهو :
هتتجوزيني
: هقتلك
انكمش بين حاجبيه باستنكار وسألها مستفسرا :
هو دا رد الجميل ؟! كان زمانك مرميه على الرصيف لولا إني عملت حساب للدم اللي بينا تقومي تقولي كدا !!!
نظرت للجهة الأخرى مغمغمه بتهكم:
قصدك لولا أني الوحيدة اللي تعرف مكان الشنطتين التانين اللي فيهم الدهب والدولارات بعد منصور
شهق الآخر بخضة مصطنع التعجب :
اخص عليكي يا بنت عمي بقا أنا أعمل كدا
واستكمل بخبث :
هو منصور الله يجحمه كان دايما يتفاخر بشنط دفنها في مكان محدش يعرفه فيها كل ثروته، لكن دا طبعاً ملوش علاقة بمساعدتي ليكي
تطلعت إليه بقرف ثم جالت بنظرها بعيداً عنه لأنها بدأت تشعر بالغثيان من وجهه القبيح كما تصفه، وعلى عكس اي نشاه يشعر بالضيق من وصفها، إلا أنه يبتسم بسعادة وكأنها تتغزل به !!!
؛******
خرجت للبهو وهي تمسك فنجان قهوة، واليد الأخرى مشغولة في تصفح إحدى حسابات التواصل الاجتماعي، وما هي إلا بضع دقائق واستمعت إلى صوت حمحمه خافته خارج الباب الحديدي، طلبت منه الدخول وهي تعتدل في جلستها، وتهندم حجابها بحرص … ولج منير وهو يجر أقدامه بتثاقل، فسألته مروه مستفسرة :
خير يا منير ؟؟!
رد عليها دون أن يرفع رأسه:
كنت عايز المعلم
انكمش بين حاجبيي مروه بتعجب، ثم أردفت باستغراب :
بابا خرج من بدري !!
حسنا لقد اكتفى من الصمود المزيف، الذي يرسم على ملامحه لعدم شعور والدته بالكارثة التي حلت عليهم…. انكمشت قسمات وجهه وهتف بفتور :
روحت المصنع قالوا مجاش
: مش عارفه بصراحه يا منير، لو عايزه ضروري ما تكلمه عشان مقولكش عند عمو عزيز وميطلعش هناك
زفر بصوت مسموع، تعجبت مروه من حالته وكادت أن تسأله، ولكنها دهشت أثناء ولوج هانم وأولادها دون استئذان….. تحرك منير جانباً فقالت مروه بجمود:
استنى أنا هكلمه
وتطلعت إلى هانم متسائلة بتهجم :
دا ايه سر الزيارة المفاجأة دي ؟!!
لوت هانم شفتيها من وقاحة طريقتها الفجة، ولكن لاستمرار تلك الزيجة أشارت على أولادها مردفه بغرور :
قولت أجي أعرفكم على عرسانكم بدري كدا
حدجت مروه الشباب باشمئزاز، فصاح علاء قاصد استفزازها :
متقوليش إن دي تبعي
ضحكت هانم من بين أسنانها وهي تدفعه برفق :
لا يا حبيبي عروستك رحمه، إنما دي عروسة محمد
نظرت مروه إلى علاء وقالت بحده :
ايه بتاعتي دي ما تحترك نفسك
شعر محمد بالريبة من تلك الزيجة، وخاصة عندما صاحت مروه مستكملة بجراءة :
بابا مش موجود تقدروا تيجوا وقت تاني
فتحت هانم عينيها على وسعهم بصدمة، بينما انسحب ضياء بهدوء والتف يغادر دون أن يلاحظ أحد، ثم أخرج ورقة مدون فيها عنوان ما، اتجه إلى أحد المارة وسأله على طريق مقتصر يؤدي إلى واجهته ” كوافير ساره”…. بينما هدر علاء بضيق وهو يشير علي مروه من أعلى إلى أسفل :
أنتِ مين عشان تتكلمي بالطريقة دي
رفعت مروه وجهها بشموخ وهي تغمغم ببسالة :
أنا بنت المعلم سالم
دارت هانم تنظر إلى علاء وهي تقول بحرج :
مش مشكلة نيجي وقت تاني
ابتسمت مروه شبه بسمة وهي ترمقهم يخرجوا، ومن ثمّ نظرت إلى الشارد في مكان آخر وسألته بقلق :
في ايه يا منير ؟! هو في حاجه حصلت للمصنع ؟؟
حرك رأسه نافياً واتحرك يخرج هو الآخر متجاهل ندائها .. ” عروستك رحمه ” كل الأبواب توصد أمامه بأقفال الحزن، وكأنه يركض في الفراغ إلى ما لا نهاية، بلغ غصته وأكمل سيره بخيبة أمل لم يسبق إليه بالشعور بها، عجز بغيض يسيطر على كل أحلامه …. شاب وسيم، يرتدي ثياب فخمة، ربما ساعة يده الثمينة تقدر بمبلغ لن يستطيع تحصيله خلال عام، هذا من يستحقها، رجلاً يوفر إليها سبل الراحة التي نشأت عليها، فمن هو ليحظى فتاة مثلها !!! وكيف لقلبه أن يقع في حب من لا يستطيع للتحدث معها ؟؟!
ظل يردد الأسئلة القاسية على نفسه، وكأنه يقصد أن يجلد نفسه بسوط اللوم اللاذع، جعل شخصه يتحمل مسؤولية تفكيره الأبله، لوهلة شعر بغباء العالم يكمن داخل عقله، ما أبشع الخذلان وخاصة عندما يكون نابع من ذاتك ….
: واد يا منير
آفاق من استحقار نفسه على صوت صديقه، الذي انضم إليه في السير وهو يهتف بحماس :
سمعت اللي الريس عزيز قاله
قطب منير جبينه باستفهام، فصاح صديقه بحنق :
يابني دا البلد مقلوبه وكل اللي عارف معلومة بيدور قبل التاني عشان الحلاوة
: حلاوة ايه ؟!
رفع صديقه حاجبيه باستنكار، ثم ضربه على مقدمة رأسه وهو يردد بضيق :
هو أنت دايما نايم على نفسك، المعلم عزيز قال لو حد عنده اي معلومة ولا عارف اللي عمل كدا هيدفع ليه مبلغ كبير قوي
تسمر منير محله متسائلاً بريبة :
أنت متأكد من الكلام دا ؟؟!
حرك صديقه رأسه مؤكداً :
يا بني بقولك البلد مقلوبه
واسترسل باستياء :
أنا سمعت أن الفلوس ٢٥٠ ألف، دا يا حظه اللي هياخد الفلوس دي كلها
“٢٥٠ ألف” رددها منير بدهشة والأفكار تتضارب في رأسه، بصيص نور جاء من بعيد ينير طريقه المظلم، لم يأخذ منير وقت ليحسم أمره، ويتجه مسرعاً إلى منزل عزيز، لا يملك ما يخسره، ولكنه سيملك ما يريده !!!!
؛*********
: منور يا بني
ابتسم سالم إلى والدة نيره وقال بحفاوة :
تسلمي يا أمي
ما أن أنهى جملته ولجت نيره مردده التحية، نهضت والدتها تجلب الضيافة وتركتهم بمفردهم ….. نظر سالم إليها بضيق وأردف بحده :
يعني غلطانه وكمان مش بتردي على مكالماتي
انكمشت قسمات وجهه نيره مغمغمه بضجر :
لو أنت جاي تتخانق أجلها بعدين لاني تعبانه ومش قادرة
رمقها بقلق متسائلاً بلهفة :
مالك ؟! تحبي اوديكي للدكتورة ؟!
حرك رأسها بالنفي متمتمه بلا اكتراث :
لا مش مهم دي كلها أعراض حمل
ابتسم وكأن ضيقه منها لم يكن من الأساس :
معلش بكرا تقومي بالسلامة
واستطرد بتسأل :
ها ترجعي أمته ؟!
مطت شفتيها بتذمر، وهتفت ممتعضة :
هو أنا لحقت، سبني شهر ولا حاجه
” شهر !! ” دهشة اعتلت قسماته، ثم سألها بضيق طفيف :
ليه شهر ؟! ما الأنتِ بتعلميه هنا بيحصل في بيتنا وأمي وخلود مش بيخلوكي تتحركي !!
ردت عليه بلا مبالاة استفزته :
اديك قولت هنا زي هناك
: بس هناك أنتِ تحت عيني، بشاركك تفاصيلنا الجديدة وأنتِ معايا يا نيره
لم تنكر نيره دهشتها من رده الحنون، ولكنها أصرت على رأيها وقالت ببرود :
أنا لسا في أول حملي وقدامنا شهور جايه كتير
عند إذًا كبريائه لم يسمح إليه بالبقاء أكثر وهو يشعر بتعمدها لتجاهله، نهض مردد كلمات بسيطة مودعها بجفاء …. انتظرت والدتها مغادرته وأغلقت الباب خلفه، قم عادت إلى ابنتها وهي تصيح بحده :
لو سابك باقي حملك من غير ما يسأل فيكي من حقه، وساعتها مترجعيش تعيطي
ابتسم نيره بتهكم وهي تردف بسعادة :
متقلقيش مش هيقدر
احتقن وجه والدتها بالغضب ورحلت من أمامها دون أن تُعقب، منذ أن جاءت وهي تحسها على العودة إلى منزلها، فهي تدرك مدى اشتياق الجميع إلى ذلك الخبر، وغير ذلك فقد حرصت زينب على راحتها التامة، ولكن لعناد ابنتها لم تفهم ما يدور في رأسها…..
؛********
الساعة الثانية والنصف ظهراً
صاح عمر إلى موسى بأن يقف جانباً، بعد أن رأى يزيد وزياد يقفا بجانب شخص يرتدي قبعة تخفي معالم وجهه، ولم يكن من الصعب معرفة شخصية سيف … قبل أن يتحرك موسى أراد أن يتصل عمر به، ليخبره بأن يخرج على الطريق الصحراوي مع الأطفال….
: خالـو عمر
فتح عمر ذراعيه يستقبلهما بحفاوة وهو يقبلهم بقوة، بينما ترجل موسى محدقاً بذلك الساكن، تأهباً لي خدعة من محتال مثله … اقترب سيف منهم وقال باقتصار :
أنا كدا عملت اللي أقدر عليه
وقف عمر وهو يحاوط الصغار :
مش ملاحظ أن دور البريء غريب عليك شويه
: مش هيفرق المهم الفعل
أنهى حديثه وخطى للجهة الأخرى منتظر إحدى السيارات لنقله داخل الغردقة، فأخذ عمر الصغار واتجه إلى موسى الذي قال بتوجس :
خلينا نبعد عن هنا لاني مش مأمن للواد دا
أومأ عمر إليه بسرعة وساعد الصغار في الصعود للسيارة، وبعدها ألقى نظرة أخيرة على سيف، ثم صعد هو الآخر بجانب موسى الذي سأله باستغراب :
بكل بساطة كدا الموضوع عدى ؟!!!
دار عمر إلى أولاد أخته وتمتم بسعادة :
المهم أنهم معايا
واسترسل وهو يرمق موسى :
مهما أشكرك مش هعرف اردلك جميلك
رد عليه الآخر بجمود دون أن ينظر إليه :
ابعد عن عليا
واستكمل وهو يحدجه بثبات من آن إلى آخر :
عليا مش مناسبه ليك، أنت مجرد حاجه جديدة فرحانه بيها وبكرا تزهق منها، وكلامي دا نصيحة مني عشان ولاد أختك على الأقل توفر ليهم واحده تقدر تربيهم
: ما هي ماما كوثر عرضت أن أخلي زياد ويزيد عندكم لحد ما اضبط دنيتي في البلد واخد سلفه من المعلم اشتري بيها اللي ناقص في البيت
على حين غرة توقف موسى فجأة مزمجر باستهجان :
ماما كوثر !!! أنت ايه خلتك يالا، دا أنا خايف أصحى الصبح ألقيك طالعلي من الحمام
فزع عمر من غضبه فقال بتلجلج :
أنا مش فاهم ايه لازمة العصبية دلوقتي
ضغط موسى على فكه فاسترسل عمر بهدوء :
وربنا أنا غلبان وما صدقت لقيت عيله تلمني
: لمك قبر ياخي
قالها وهو يعيد تشغيل المقود ثم تمتم بكدر :
نفسي أعرف هما شايفين ايه فيك
اكتفى عمر بالنظر أمامه دون أن يلتفت إليه، فالطريق مازال طويلاً وعليه الحذر من التحدث معه، حتى لا يجد نفسه يطرد من السيارة في ذلك المكان البعيد ….
؛********* بقلم حسناء محمد سويلم
في منزل صبري
وضع معتصم حقيبة والدته قائلاً بخفوت :
يلزمك حاجه تانيه ياما
جلست دولت على الأريكة ثم سألته مستفسرة:
أنت رايح فين ؟؟
رد عليها صبري بتهكم، هو يخرج من الغرفة :
تلاقيه رايح لبيت المحروسة مراته
لم يُعقب معتصم متجاهل سخريته، فصاح صبري بحده :
أنت مش بترد ليه، ولا مش قد المقام
تنهد معتصم بضيق مردفاً بوجوم :
هو كل ما تشوف وشي تسمي بدني بكلمتين
وقف صبري أمامه وهدر بغضب :
اضربني قلمين يا محترم وعلمني اتكلم مع جنابك ازاي
تدخلت ريهام قبل أن تشتعل المشاجرة :
معتصم ميقصدش يا بابا
نظر إليها صبري وردعها بضيق :
وأنتِ المحامي بتاعه وأنا معرفش
رمشت ريهام بأهدابها بتوتر وأردفت بتعلثم :
أنا مش عايزه المشكلة تكبر بينكم بس
أشاح بيده إلى دولت وهو يهتف بسخرية :
اتفرجي على خلفتك
أخفضت دولت رأسها أرضاً….شعر معتصم بالغضب الشديد من إلقاء والده للوم على من حوله دون أن يعترف لو لمرة أنه أول الملاوم، وكأنه معصوم من الخطأ، على الجميع تحمل النتائج ولكن دون المساس بكيانه العظيم،
: ما خلاص بقا يعني هي خلفتها لوحدها، ولا أنت مكنتش موجود واتفاجأة بينا، هو أنت فاكرني مش عارف زعلك وقهرتك دي عشان منصب العمودية الأنت كنت حاطط عينك عليه وبعد اللي حصل مع أحمد ضياعه من ايدك
صدم صبري من أسلوبه، ونبرته المرتفعة وهو يصيح في وجهه … لم يهتم معتصم إلى دهشته وأكمل بحنق :
إحنا الأول وبعدين اي حاجه في الدنيا دي، تزعل وتخاف علينا مش على كلام فاضي، وبعدين أنا وأنت عارفين كويس مين يستحق العمودية وبجدارة
ألقى ما في جوفه وخرج متجاهل نداء دولت، التي نهضت وهي تردف بتوتر :
متزعلش يا خويا
واستطردت تغير مجرى الحديث :
دا أنا طلبت ورثي وجاهز علشان تبدأ في تجهيز الانتخابات وتشوف طلبات أهل البلد
نظر إليها شزراً ودلف للغرقة مغلق الباب بقوة …. حركت ريهام رأسها بيأس عندما بدأت والدتها في النحيب، وأنهم سيجلبون إليها الأمراض وحتماً ستموت من أفعالهم،
؛********
انتهى من صلاة العصر، وهبط إلى مكتبه يراجع بعض الأوراق المالية، ومن ثمّ جلس في هدوء ينظر للفراغ أمامه، اتكأ على مرفقه وهو يفكر في عدة أمور يتوجب عليه اتخاذ قرار بخصوصها…. والأهم مشكلة يعقوب وحلها المجهول، حتى وإن جاء أكفأ المحامين لن تنتهي بكفالة مالية في شتى الأحوال، ما مصير ابنته في نهاية الأمر أن حكم عليه بالسجن، توقعات عديدة ولكن حدوثها محتمل وليس اكيد …
: يعقوب بره ياحاج وشكله مش على بعضه
قطب جيبنه باستغراب ثم أشار إليها بالدلوف، أخذ عصاه وتحرك للبهو … وجده يقف عاقد ذراعيه والضيق يعتلي وجه، وما أن رآه اقترب منه مغمغما باقتضاب :
لازم تيجي معايا حالا يا معلم على القسم
رمقه بعدم فهم فاسترسل يعقوب بعجلة :
منير اللي شغال عندك اتهبل وراح يعترف على نفسه
ضيق المعلم سالم عينيه متسائلاً بشك :
يعترف بأيه ؟؟ وأنت ايه دخلك !!
في نفس الوقت اقتحم عزيز المنزل وهو يردف بضيق موجه حديثه إلى يعقوب :
كنت عارف أنك هتجري عليه ما خلاص مبقاش ليا عوزه
صاح يعقوب بنفاذ صبر :
بدل ما نتكلم نلحق الولد اللي هيتحبس وهو ملوش ذنب
جال المعلم سالم بنظره بينهما وهتف بصرامة :
انتو هتلقفوني لبعض ما تقولوا منير حصلوا ايه
رد عليه يعقوب بحنق :
المحامي كلمني وبيقولي أنه راح واعترف أن العبلة بتاعت واحد صاحبه كان وخدها منه لما جالي المحجر وناسها لكن ميعرفش فيها ايه
واستطرد مشيراً إلى والده :
وطبعاً دا كل بفضل أبويا
قبل أن يرد عزيز صاح المعلم سالم بحزم :
منير مش بالغباء دا عشان يضحي بنفسه
تحدث عزيز بتهكم :
لا ما البيه جالي الصبح وبحسبه بيستهبل لما قال إنه مستعد يعترف على نفسه لو كتبت ٢٥٠ ألف ليه
أضاف يعقوب على حديثه :
دا كله بسبب الفكرة المهببه
زجره عزيز بغضب جلي :
أنت ليك عين تتكلم وكل المصايب دي من تحت راسك
خرج عن صمته مزمجرًا بضيق ليكفوا عن الشجار :
حلو خليني مستني تخلصوا وواحد من صبياني في القسم
: صبيك عارف هو بيعمل ايه ومدرك أن كل دا عشان الفلوس
اقترب المعلم سالم منه محدجه بحده :
يبقا أنت بتستغل ظروفه يا عزيز
وقف يعقوب أمام المعلم سالم وقال ببسالة :
أنا هاروح دلوقتي واقفل الموضوع دا
أشار إليه بالنفي وردد بهدوء :
لا أنا اللي هاروح اتكلم معاه الأول
واستطرد بشرود :
بس مش انهارده
لوى عزيز جانب فمه وهتف بسخرية :
لو جبت ليه الطبل البلدي، الواد عينه على الفلوس
ودار يغادر متمتم بهمس حانق، فنظر المعلم سالم إلى يعقوب وقاله بتهكم :
أبوك قابل لعيال الناس اللي ميقبلوش عليكم
: أنا برده مش فاهم ليه منروحش دلوقتي القسم
رد عليه باقتصار :
عشان يحس لما يبات هناك أن الموضوع مش بالسهولة اللي هو مفكرها
أومأ يعقوب بتفهم وأضاف بشموخ :
وأنا لا يمكن أقبل أعيش على حساب غيري
صمت حل عليهما عندما صدح صوت صراخ بعيد بعض الشيء… خطى المعلم سالم لخارج البهو وهو ينصت باتجاه الصراخ، وكذلك فعل يعقوب الذي قال بدهشة :
دي شكلها خناقة
أيد تخمينه عندما استمع إلى أصوات متداخلة، سار بعجلة إلى آخر الطريق، ليجد مجموعة من الشباب الغرباء يمسكون أسلحة بيضاء، ويسيرون في الطريق بشكل عشوائي…. توقف المعلم سالم في منتصف الطريق، وضرب بعصاه أرضاً مزمجرًا بغضب :
ايه اللي بيحصل هنا
تقدم أحد الشباب الذي يمسك جنزير ضخم في يده، ومُدية يشوح بها في اليد الأخرى، ومن هيئته يدل أنه زعيمهم :
عايز كبير البلد دي يطلعلي
ابتسم المعلم سالم وقال بحزم :
اعتبره قدامك
نظر الشاب حوله فوجد أن الجميع اجتمع خلف ذلك الرجل، ونظراتهم تحمل الاحترام والهيبة منه، فصاح باقتصار وهو يخرج صورة ما :
من الآخر البت دي تلزمني حيه
حدق المعلم سالم الصورة فوجد أن صاحبتها لم تكن سوى ساره أبو الفضل التي لطالما تجلب المصائب خلفها راكضة :
ولو قولتلك لا
رفع الشاب نصل المُدية يفرك بها ذقنه، وأردف بكدر :
معجبنيش ردك، وهخد البت دي لو حكمت ببرك دم
رفع يده يشير على إحدى الشوارع مردد بهدوء :
دا الشارع اللي موجود فيه بيتها لو راجل روح
اقترب يعقوب منه وهمس بقلق :
مش لازم تتكلم مع العيال دي يا معلم غير لما الرجالة تيجي
كاد أن يرد عليه ولكنه لمح على بعد بصره سمر وندى، فقال إليه بهمس حتى لا يلفت الانتباه :
أمشي وصل سمر وندى للبيت حالا
دار يعقوب يبحث بعينه عنهما بهدوء، ومن ثمّ اتجه إليهما بسرعة وأشار إلى طريق مختصر للمنزل … بينما توعد المعلم سالم إلى عبده لتركهما في هذا الوقت وحدهما والقرية بأكملها في حالة هرج ….
: اسمع يا عم أنت إحنا مش عايزين مشاكل، البت دي ضربة أخويا بالشبشب في وسط الشارع ومش اخو الاسطى حمدي اللي يضرب من وحده على آخر الزمن
حرك المعلم سالم رأسه يأسا من تصرفات تلك الفتاة، ثم قال بصرامة :
ومش على آخر الزمن المعلم سالم يسلم وحده تبعه، لا عاش ولا كان اللي يعرف يبص لحد تبعي يا اسطى حمدي
تقدم أحد الشباب من مجموعته ومال على أذنه مردفاً بهمس :
بلاش الراجل دا ياسطا دا مسمع في المنطقة
دفعه حمدي بعيداً وهدر بوعيد :
ماشي مبقاش الاسطى حمدي لو ما أخدت حقي تالت ومتلت من البلد العره دي
وانسحب مع مجموعته تحت نظرات المعلم سالم المقتضبة :
تؤمر نأدبهم يا معلم على الدخلة دي
أشار إليهم بالنفي واسترسل بضيق :
ابعتولي وش المصايب على البيت
؛؛؛
قبل أذان المغرب بنصف ساعة
جلست هانم بغيظ وهي ترمق ابنها بحده، بينما ابتسمت ساره بسعادة وهي تجلس بجانب ضياء، الذي أخذ هاتفها يشاهد إنجازاتها في الصالون بشغف …
ولج المعلم سالم إلى المجلس متسائلاً بحده :
مين دول يا ست ساره ؟! هو كل يوم هتعملي حوار ؟!!
شهقت ساره بخضة وهي تضرب على صدرها بحركة سوقية :
وأنا بتاعت حوارات برده يا معلم، دا عيل كان شارب ولا معرف ماله استفزني روحت نزله جايبه الشبشب أبو كعب ونزلت بيه على دماغه لحد ما لقيت دمه طرطش
” طرطش ” وضعت هانم يدها على شفتيها بفزع وهي تردد كلماتها، فقال المعلم سالم بتهكم :
أنتِ عارفه أخوه كان جاي يعمل فيكي ايه
ابتسمت مغمغمه بزهو :
هو يقدر يعمل حاجه في وجودك برده يا معلم
: أخر مره هعمل صلح مع ناس بره البلد عشان معاليكي تتهدي
أومأت بتأكيد وهي تعيد نظرها إلى ضياء وتحسه على التحدث….. فأردف الآخر بجمود:
ساره بلغتني أن حضرتك في مقام والدها
تطلع إلي ساره مستكملا بعاطفة :
عشان كدا أنا بطلب ايدها منك
وقفت ساره بسعادة وصدحت الزغاريد خاصتها في المكان ،في نفس الوقت التي شعرت هانم بدوار حاد عصف بها :
تتجوز دي يا ضياء !! الشبشب وطرطش !!
وضعت يدها على رأسها وهي على وشك أن تفقد وعيها، فنهض ضياء مسرعاً باتجاهها بقلق، بينما نظر المعلم سالم إلى ساره مردد بدهشة :
وقعتي الراجل في يومين !!!
غمزت إليه وأردفت بغرور :
بس ايه رأيك وقعت واقفه
؛********

الثامنة صباحًا لبداية نهار النصف من ديسمبر …
التفوا حول مائدة الإفطار بهدوء، وكلا منهن تفكر في عالمها الخاص … ولكن ناديه لم تتحمل فضولها لعدم عثورها على إجابات لأسئلتها، فأردفت متسائلة:
هي هانم هتوافق على ساره ؟!!
وضع المعلم كوب الشاي من يده، قائلاً بهدوء :
هيفرق معاكي
رفعت ناديه كتفيها بلامبالاة :
هما أحرار بس بسأل بحكم أن ممكن يكون في صلة بينا
رمقها بجمود وسألها مستفسرًا :
ومين قال إن ممكن ؟! ولا أنتِ قررتي !!
تحدثت صباح بدلاً منها وهتفت مبتسمة :
هو حد بيقرر غيرك هنا ياحاج
واسترسلت وهي تشير على رحمه :
ناديه بتقول كدا لأن رحمه صلت استخارة وارتاحت
نقل نظره بتلقائية إلى رحمه التي ظهر عليها الارتباك، ثم سألها باقتضاب :
والست رحمه عارفه مين متقدملها عشان تصلي استخارة ؟؟!
ردت عليه ناديه بعفوية:
أنا جبت صورته من هانم وعرفتها شغله وعنده كام سنه
رفع حاجبيه باستنكار وغمغم ساخراً:
ومروه ارتاحت برده ولا لسا موفرتيش المعلومات الكافيه
صاحت مروه باندفاع:
لا يا بابا أنا مش موافقة
ضغطت ناديه على فكها بغيظ وهي تتوعد إلى سليطة اللسان بعد أن يرحل المعلم سالم … نظر سالم إلى رحمه وسألها بجمود :
وأنتِ موافقه ؟!
قبل أن تتفوه أشار إليها مردد بحنق:
قبل ما أعرف لازم تفهمي أن اللي متقدملك مش ناوي يقعد زي أخواته هنا، يعني في كل الحالات راجع السعودية
حركت رحمه رأسها متمتمه بتلجلج :
ما هو أكيد هينزل إجازات عشان يشوف مامته
ضيق بين حاجبيه باستغراب وسألها بدهشة :
يعني عارفه أنه هيسافر وموافقة ؟!
أومأت إليه بتأكيد، فقالت ناديه بسعادة :
دا هي من وقت ما عرفت كدا وهي فرحانه عشان هتسافر برا مصر
لوى جانب شفتيه مردفاً بتهكم :
بنتك مش رايحه فسحة
حدج رحمه مستكملًا بهدوء رغم ضيقه :
هتكوني لوحدك في بلد غريبة وهنا أخواتك كلهم مع بعض، مش هتعرفي تكوني وسطيهم ولا فرح ولا حزن، هتعيشي وحيده وأهلك موجودين، هتشيلي المسؤولية مرتين في بيت وراجل وتعب وولاد
تمتمت رحمه بتوتر ملحوظ:
في ناس اعتمدوا على نفسهم وعرفوا يعشيوا
: وأنتِ بصراحة أحسن من يعتمد عليه
بدى الوضع مقلق بعض الشيء، عند إذًا هتفت نجاة بهدوء :
ممكن رحمه تفكر تاني في الموضوع
لم يُعقبن ولكن تذكرت مروه شيء ما فقالت باستغراب:
بابا امبارح منير جه وكان بيتكلم بطريقة غريبة بس مشي على طول
حرك رأسه باستياء وقال بتهجم:
الله يسامحه على اللي عمله في نفسه
عقدت خيريه جبينها بتعجب وهي تتساءل بفضول :
عمل ايه ؟! دا حتى محترم جدا وبيسعى عشان يوصل
اضافة رحمه على حديثها بسلاسة :
وكان لسا هيستلم شغله في البنك وفرحان أوي
تعجب المعلم من سلاسة حديثها، فنظر إليها متسائلاً باستغراب :
عرفتي منين أنه هيستلم شغل في البنك ؟!!
شعرت رحمه أنها على حافة الموت من نظراته القاتمة، ولكنها لم تدرك أن سكوتها يؤكد حسه على وجود أمر خفي …
ابتسمت ناديه مردده بلا اكتراث :
تلاقيها سمعت من اي حد
لم يهتم إلى ناديه، وظل يرمق رحمه بحده، ثم أعاد سؤاله بنبرة صارمة:
عرفتي منين بالكلام دا ؟ مع أن أمه أساساً متعرفش !!
رفرفت بأهدابها بتوتر، ثم تمتمت بصوت منخفض:
هو كان عندنا وقالي
عم السكون لثوان، ومن ثمّ صدح صوته الحاد :
وأنا هفضل اسحب منك الكلام
انتفضن بخضة من صوته وهن ينظروا إلى رحمه كي تسترسل حديثها قبل أن يغضب أكثر:
جه مره وقولتله على اسم كورس ممكن ينفعه، تاني مره قالي أنه اخده وفي شغل مقدم فيه وهيستلم على طول
وقف من مقعده وضرب الطاولة بغضب :
وأنت تقفي معاه بصفتك ايه ؟
وقفت صباح مردفه بتعلثم :
يا خويا منير بيجي يقضي طلبتنا وساعات البنات كانوا بيطلعوا يخدوا منه الحاجه
رد عليها بغضب مشيراً على رحمه :
سبحان الله وكل مره مفيش غيرها تطلعله
واستطرد بضيق مشيراً على الزوجات :
العيب عليكم لما تطلعوا البنات وانتو موجودين
صمت حل عليهن دون أن تجرأ احداهن على الرد … تنهد بصوت مسموع ثم سأل رحمه بشك :
قالك هيستلم الوظيفة دي إزاي ؟!!
من توتر الأخرى حركت رأسها بالموافقة، ثم حركتها يميناً ويساراً عدة مرات، وكزتها مروه في قدمها لتفيق لِما تفعل، بينما هدر والدهن بصرامة :
قدامك ثانيه واحده واسمع الحقيقة حالا
حاولت هند أن تتدخل ولكنه أوقفها بإشارة من يده :
كلامي واضح يا هند
وكأن وجودها في المنزل لابتكار المشاكل معه، كلما خطت للتقرب منه وجدت عائق يحجب طريقها … تهدجت نبرتها وهي تخبره لما حدث منذ أن أفصح منير عن حبه إليها، وإلى كلماتها القاسية التي جعلتها تندم وتقرر الاعتذار منه، فقد تعلمت أن الكذب لن ينجيها خاصة أنها كانت تقصد أن تساعده لا أكثر…
توسعت ملقتي هند من سردها لأدق التفاصيل، التي لن تفيد سوى في غضب والدهن…. بينما تمنت ناديه أن تنهض وتصفعها لتكف عن الحديث الاهوج، فهذه المرة الثانية التي تتفاجأ بأمور تخص رحمه على الملأ، أنهت رحمه حديثها قائلة بخفوت :
أنا كنت بحاول اساعده
قاطعها متسائلاً بضيق :
كنتي بتحاولي تساعديه عشان يليق بيكي لما يتقدملك ؟!!
حركت رحمه رأسها بالنفي وهي تتمتم بتغطرس :
مستحيل كنت أوافق حتى لو استلم الوظيفة
قطب جبينه متعجباً وسألها باقتضاب:
شفقة يعني ؟! بتساعديه كرم من أخلاقك ؟؟
زاغة أعين رحمه وكأنها تبحث عن خيط النجاة، فقالت هند بتعلثم :
يا بابا رحمه حكت لينا على اللي حصل وكلنا اقترحنا أنها تعتذر منه لأنها متقصدش تقلل منه
ردعها بحده وهو يشير على رحمه :
تعتذر منه يا هند مش تفتح ليه الباب وفي الآخر تقول مستحيل أوافق بيه
استكمل وهو يرمق رحمه شزراً :
تقف معاه وتتكلم بدل المرة اتنين وبعد ما تعشمه ويسمع كلامها تقول لا وكمان بكل بجاحه تستخير في العريس ولا كأنها دمرت حياة واحد أهبل صدقها
حدقها لبرهة ثم هتف بوجوم :
هو أنتِ مش بتتعلمي ولا أنتِ مش واعيه كفايا لتصرفاتك
سرعان ما تجمعت العبرات في ملقتي رحمه وبكت في صمت، وهي تخفض رأسها وتنظر للأسفل …. وقفت نجاة قائلة بهدوء :
أكيد قصدها كانت تساعده وهو المفروض كان شار حد عنده خبرة
لوى جانب شفتيه مغمغمًا بسخرية بالغة :
والدكتور خيري كانت قصده تساعده برده
حاولت نجاة أن تشرح مغزى حديثها، ولكنه أشار إليها بأن تلتزم الصمت … وهدر بحده :
واحد اعترف بحبه ولما مسحتي بكرامته الأرض، اعتذرتي وبعدين بتساعديه يبقا اسمه ايه، ولما وصل للوظيفة جه ياخد رأيك ونفذه من غير ما يفكر وفي الآخر تيجي تقولي لا مستحيل أوافق بيه
ارتفعت نبرته أكثر مسترسل بصرامة :
يبقا تفتحي طريق من الأول ليه
شعر أنه سيفقد ما تبقى من أعصابه، تحرك للخارج وصعد للطابق الثاني …. أبدل ثيابه في دقيقة وخرج من المنزل بأكمله، لا يعلم هل تتمادى في تصرفاتها لاستفزازه ؟! أم أنها لا تفهم ما تفعله !! لا يريد أن يقسو علي احداهن، ولكن فاض الكيل من مشاكلهن التي لا تنتهي …
؛؛؛
عودة للمنزل
صاحت ناديه بغيظ وهي تضرب على المائدة :
هو انتو عايزين تجلطوني
همهمت مروه بسخرية:
شكل رحمه مُصره على كدا
ردت عليها رحمه بصوت محشرج من بين نحيبها :
دلوقتي رحمه سبب في كل مشاكلكم
نهضت حسناء من المقعد وهي تردد بامتعاض:
أنتِ فعلاً سبب كل مشاكل البيت، حتى الفطار معرفناش نتمع بيه
نهضت مروه وأمل واتبعتهم خيريه … نظرت صباح إلى هند وقالت بكدر :
اجهزي قبل صلاة الضهر عشان متسمعيش كلمتين
أومأت هند إليها وتطلعت إلى رحمه :
العياط مش هيحل مع بابا، فكري في كلام تقدري تقوليه اول ما يرجع يكون أحسن
؛********* بقلم حسناء محمد سويلم
وضعت منال ابنتها الرضيعة بين كفوف عزيز وهي تقول بسعادة :
محدش هيسميها غيرك يا عمي
ابتسم عزيز وهو يقبل جبين الصغيرة التي أكملت يومها العاشر بينهم، ثم تطلع إلى منال وقال بمزاح :
الحمدلله أنها مطلعتش شبه أبوها
مطت علي شفتيه بتذمر وأردف بتهكم :
تُشكر يابا
واسترسل وهو ينظر إلى عبدالله :
الدور عليك ..
لم تنتظر مايسه أن يكمل جملته وهتفت ممتعضة:
ليه هو ناقص يجيب البنت التالته
تبدلت ملامح زوجة عبدالله ونهضت إلى المطبخ … حرك شريف رأسه بيأس حتى الجلسة الهادئة لا تخلو من سخافتها المعتادة … وضع سليمان ذراعه حول كتف فايزه وهتف بسعادة :
لا إحنا اللي علينا الدور
نهضت حسينه تعانق فايزه التي استقبلت المباركات بسعادة من الجميع إلا يعقوب، يجلس معهم لكنه شارد الذهن في عالم آخر …
: لكن أنتِ قولتي أنكم هتأجلوا الحمل لحد ما تخلصي السنه دي في الكليه
منع سليمان فايزه من الرد ليقول هو ببرود :
قرار يخصنا
تهجم وجه مايسه بضيق، فابتسم سليمان بسماجة وتطلع إلى عزيز مستكملا:
وبصراحة إحنا قررنا أننا هننقل الفترة دي بيتي لأن ضغط الشغل ذاد ومش هعرف اخد اجازة
رد عليه عزيز بحفاوة:
البيت بيتك والمهم راحتكم
ابتسمت فايزه بخفة وهي تضغط على كف سليمان المحتضن يدها بين راحة يده …. لم يستطيع شريف أن يتغاضى عن المقارنة بين زوجته وفايزه، التي ظهرت معالم السعادة عندما عملت بمرافقتها إلى زوجها، رغم أنها أصغر من مايسه ومازالت تدرس، وها هي الأن تخبرهم بحملها …
وهو يجف حلقه لإقناع الأخرى بالسفر معه، وبعد كل ذلك ترفض وتختلق الحجج لعدم اللحاق به :
وأنتِ يا مايسه مش ناويه تسافري معايا المرة دي ؟!!
انكمشت قسمات وجه مايسه وهي تهتف بحنق :
وعيالك التعبانين دول هسافر بيهم ازاي
ابتسم شريف قائلاً بهدوء :
الكلام دا لو بتسافري مواصلات، إنما العربية موجوده
أردف عزيز بجمود قبل أن تتفوه مايسه :
أن شاء الله لما تيجوا تسافروا هيكونوا كويسين
آفاق يعقوب من شروده وردد بضجر :
ولا حتى مش كويسين لما تسافروا اهتمي بيهم شويه وهيخفوا
تطلعت مايسه إليه وقالت بكدر :
من الصبح محدش سمع صوتك غير دلوقتي
ابتسم شبه بسمة وأردف متبرمً :
من حبي فيكي
نقل نظره إلى والده مسترسل بجدية :
المحامي اتكلم تاني
أجابه عزيز بلامبالاة :
بيقول مفيش جديد
شعر يعقوب بالغضب من نفسه وهو يجلس الآن بين عائلته، وشخص آخر يتحمل العقوبة بدلاً منه … ولم تروق إليه تصرف والده الهادئ وكأنه غير مكترث للأمر من الأساس، أشار على عبدالله وعلي وتسأل بحده :
لو أنا ولا عبدالله ولا علي كنا مكان منير كنت فضلت هادي ورايق وسطينا كدا ؟!
احتقن وجه عزيز من تجاوزه في الحديث :
اعملك ايه يعني عشان يعجب، ما كله من تحت راسك
هتف عبدالله بحنق :
وبعدين هو حد ضربه على ايده ما كله عشان الفلوس
رفع يعقوب حاجبيه باستنكار وأردف بدهاء :
مش يمكن عشان المزاج
توتر عبدالله بشكل ملحوظ وهو يتمتم بتلجلج :
مـ. مزاج ايه
حدجه يعقوب بحده ونهض يغادر المنزل، وهو يخرج هاتفه يجري اتصال ما …
؛*********
منذ ليلة أمس تدور في أركان الغرفة وهي تبرطم بسخط، غير مستوعبة أن ابنها وقف أمامها لأجل فتاة سوقية، لا تنتمي إلى مكانتهم الاجتماعية…. حرصت على الاستمرار مع زوجها للعمل بالخارج لتوفير حياة تنعم بالثراء، وكانت ستكمل باقي ثرائها من إتمام الزواج من بنات المعلم، فكل واحده منهن ستحظى بميراث لا يعد ولا يحصى….
: صباح الخير يا ماما
ردت هانم بوجه مقتضب :
صباح الزفت هو أنا هشوف الخير طول ما انتو ورايا
جلس محمد وهو يرتشف كوب العصير :
مكبره الموضوع أوي، ضياء من صغره وهو ماشي بدماغه
ظهر الاشمئزاز على قسمات وجهها وهي تتذكر ساره وأسلوبها المتدني، ثم أشارت على نفسها قائلة بتفاخر :
بقا البيئة دي تكون مرات ابني
: اسمها ساره يا ماما
دارت سريعاً باتجاه الصوت، فوجدته عاقد ذراعيه ويستند على الباب … اقترب ضياء منهما وهو يردد بحزم :
لازم تتعودوا على اسمها لأنها خلاص واحده مننا
عقدت بين حاجبيها باستنكار وسألته بحنق :
ومن أمته دا كله يا ضياء ؟ دا أنت الوحيد اللي كنت عايز تأجل فكرة الجواز ؟!!
واسترسلت بغرور :
ضياء مدرب الملاكمة يتجوز بنت زي دي
رفع كتفيه ببراءة قائلاً بتلقائية :
آه اتجوز بنت زي دي عادي
: لو كنت شوفت بنات خالك سالم مكنتش قولت كدا …
قاطعها بصوت لا يحتمل النقاش :
ماما أنا هتجوز ساره ودا آخر كلام عندي
لم يتمهل بعد جملته وخرج … ابتسم محمد وهو يهتف بحماس :
نفسي أشوف مين اللي لحقت تعلقه بالسرعة دي
رمقته هانم بضيق وصاحت بحده :
وحضرتك مش عايز مروه ليه بقا
توسعت ملقتي محمد وهو يردف بسخرية :
أنتِ مش شايفه طريقتها عامله ازاي، دا أنا أخاف تضايق في يوم وتيجي تضربني
اصطنعت الضحك بسماجة، وقالت بتبرم :
مش فاضل غير علاء وكدا قفلتوها في وشي
: متخافيش هو مكمل لهدف في دماغه
؛*********
امتلأت السماء بالغيوم التي حجبت أشعة الشمس من الظهور، وتتسابق أمواج البحر العالية وكأنها في حلبة مصارعة، لمن يصل أولاً ويصطدم في الحجر الضخم، ويعزف موسيقى الطبيعة بمشاركة بعض الطيور …. أجواء شتوية باردة استطاعت تأملها من خلال النافذة الزجاجية لإحدى المقاهي المطلة على البحر مباشرة….
أخذت نفس عميق تملئ صدرها بالهواء البارد، وهي تعانق كوب المشروب الساخن … لا تصدق أنها مازالت على قيد الحياة، اعتقدت أن سطورها الأخيرة تكتب على يد ذلك الأرعن، أو ربما هي من سمحت إليه بذلك….تأملت قطرات المطر وهي تسقط على سطح البحر، تمنت أن تنغمس مثلها في الأعماق وتبكي حتى تمحي شعورها السيئ اتجاه ذاتها
….تحاول أن تستغل فرصتها في الحياة مجددًا، وتبدأ من جديد ولكن شعور الخوف يحوم حولها ليذكرها بالماضي الذي سيظل يلاحقها،
: ما تشربي الملوخية اللي أنتِ طلبها قبل ما تبرد
جحظت أعينها وهي ترفع كوب شاي الماتشا ” بودرة من مسحوق الشاي الأخضر ” زفرت بملل وهي تنقل نظره إليه :
اسكت يا ربيع شويه، أو لما تشوفني سرحانه سبني من غير ما تفصلني
رفع كوب الشاي خاصته يرتشف منه بصوت مرتفع، فجالت بنظرها في المكان بحرج متمتمه من بين أسنانها:
أنت فاكر نفسك قاعد على الترعة ما تشرب كويس
انكمش بين حاجبيي ربيع مردد بتهكم :
تحبي أشرب الشاي بالشفاطة عشان ترتاحي
وضعت يدها على وجهها متمتمه بقلة حيلة:
دي غلطتي لاني خرجت من الفندق
حرك رأسه مؤكداً حديثها واضاف بلا مبالاة:
فعلاً أنتِ غلطانه لأنك خرجتي من بيتك
تنهدت بضيق ودارت بوجهها تتأمل البحر مجددًا، وهي تلعن نفسها على ما فعلته ليصبح حالها بجانب صاحب الصوت الغليظ … عادت تنظر إليه وهي تقول بارتباك:
كنت عايزه اقولك حاجه بس مش صابره لما نرجع
أشار إليها بأن تبدأ، فهتفت باضطراب وهي تهرب من النظر إليه :
عايزه اروح للدكتورة وأشوف وسيلة تأجيل الحمل
: أول مره أحسك عندك مخ وبتفكري زينا
رفعت ملقتيها ببطيء، حدجته لبرهة وسألته باستهجان :
مش زعلان ؟! دا شكل الكلام عجبك بقا !!
لم تترك إليه فرصة للدفاع عن نفسه واستكملت بحده :
آه ما أنت معاك أربع عيال ومش لازمك، إنما أنا أولع مش مهم تحرمني عادي ..
قاطعها عندما ألقى محرمة ورقية على وجهها، وأردف بفظاظة :
اكتمي، هو الكلام طلع مني ولا أنتِ اللي بتقولي
استرسل حديثه بجدية :
كدا الصح لحد ما تتعودي على العيال والبيت، وبعدها فكري في الخلفة، إنما تروحي تخلفي وأنتِ أساسًا مش فاهمه يعني ايه تربيه
تخصرت مي مردده ببسالة :
ومين قالك بقا إني معرفش حاجه عن التربية
زمجر بغيظ من حركاتها وأشار على الكوب بتهديد :
نزلي ايدك واتعدلي بدل ما ألوشك بالكوبايه في وشك
رفعت مي حاجبيها بصدمه ثم أشارت على نفسها متمته بفزع :
أنت بتختار ألفاظك دي منين !! بتقولي أنا ألوشك !!
حركت رأسها بيأس ونهضت تأخذ حقيبتها:
اتعلم أسلوب أرقى من كدا مع الجنس اللطيف
: هما فين دول ؟!!
توقفت محلها ترمقه بغيظ، بينما يدفع هو الحساب وتحرك أمامها… عندما وجدها تسمرت عاد يمسك يدها مردفاً بمزاح :
خلاص متزعليش تعالي أوكلك كوارع وفشه
انتشلت يدها من كفه وهي تزجره بنفاذ صبر :
ياخي ارحمني بقا
ضحك ربيع وهو يسحبها مرة أخرى، وهو يخبرها بأن تختار كما تشاء المطعم التي تريد أن يذهبوا إليه… وفي طريقهم إلى مطعم البيتزا، أخذها إلى محل ملابس نسائية كي تقتني ما يناسبها ليثبت إليها أنه يفهم التعامل مع النساء …. اختارت مي فستان يناسب ذوقها، ورغم تبرم ربيع من ثمنه الباهظ إلا أنها أصرت عليه، وتابعوا السير وهم يكملوا المشاجرة التي لا تنتهي في حياتهم،
“ربما لم تكن ما أتمنى، ولكنك الفرصة لتغير ما تمنيته”
؛*******
في إحدى شقق الإسكندرية
وضع الهاتف أمامه يراجع الأرقام المدونة داخل الملف، وبين الورق الموجودة بين يده … زفر بحيره وهو يعيد التدقيق مرة ثانية، فسألته والدته باستغراب :
في ايه يا عامر ؟؟ من وقت ما رجعت وأنت ماسك الورق دا ؟!
رفع عامر نظره وهو يقول بشرود :
براجع الملف لكن المبالغ مختلفة
خرجت أخته من المطبخ وهي تغمغم بتلقائية :
كلم اللي كاتب الملف وريح نفسك
أخذ الهاتف بتردد وهو يتمتم بعفوية :
ممكن تفهمني غلط
قطبت والدته جبينها وهي ترمق هاجر التي سألته بعدم فهم :
مين دي ؟! وتفهمك غلط ليه !!
وجد أن الحصار سيبدأ باكراً، فنهض للشرفة وهو يغمغم بلا اكتراث :
هكلم صاحب الملف أحسن
أجرى الاتصال قبل أن يغير رأيه، وقرر أن يمحي كل الأفكار ويضع تركيزه على المشروع فقط … ولكن أمام نبرتها المميزة اختفت كل قراراته، اجتهد لترتيب حديثه وهو يردف بثبات :
أستاذة خيريه أنا عامر الخولي وكنت عايزه أسألك ازاي المبالغ الموجودة في الدارسة المبدئية مختلفة عن المبالغة اللي في الملف
جاء ردها باقتصار :
لأنك لسا قايل دراسة مبدئية، كنت كاتبه مبالغ وهمية لحد ما عرفت أسعار الآلات الحقيقة
اغمض عينيه بقوة هو يتخيل نفسه بهذا الغباء أمامها الآن، لملم شتات أفكاره مردد بحرج :
آسف مفكرتش أن دا المبدئي
: ولا يهمك، أنا موجوده لو في اي استفسار
ابتسم بخفة وغمغم بعاطفة :
لا أنتِ كدا كدا موجوده
: هي دي خيريه اللي أنت بتحبها
توقف الزمن من حوله لثوان … تجمدت يده على الهاتف، وأنفاسه تتصارع بصوت واضح، شعر بتصبب العرق من جبينه المتوهج، وهو يؤهب حاسة السمع لديه للإنصات للجهة الأخرى لعله يدرك ما هو قادم إليه، لكنه تفاجئ بصوت إنذار غلق المكالمة….
مسح وجهه متنهد براحه، وكأن أنفاسه حبست في تلك الدقيقة… دار إلى هاجر وصاح باستنكار :
أنت اتهبلتي !! ازاي تقولي كدا وأنا بكلمها !!
رفعت هاجر يدها بعفوية :
فكرتك مش بتتكلم
انكمشت ملامحه مغمغمً بحنق :
اعمل ايه يعني لما أنتِ فكرتي، هكلمها تاني ازاي، ولا شوفي بقا هي فكرت في ايه دلوقتي
على الجهة الأخرى نظرت إلى اسمه الظاهر أعلى شاشة هاتفها ” خيريه اللي أنت بتحبها !!”
: عامر !!
ضحكت خيريه بعدم تصديق وهي تردد الكلمات بصدمة، تارة تفكر بجدية، وتارة غير مستوعبة…. ابتسمت وهي تضع هاتفها وتذهب للانضمام إلى أخواتها… أول مرة تتعرض لمثل هذه المواقف، حتى التعامل أو الردود لا تفقه عنها شيء، ولكن ما شغلها متى نشأ هذا الحب !!
؛**************
بعد صلاة الظهر، صعد المعلم سالم بجانب هند، وأشار إلى ابن أخيه بالتحرك …. الذي تعمد الذهاب معهم للانشغال بتفكيره بعيداً عن نيره وتصرفاتها التي تقوده للجنون،
: عرفت نوع الجنين ولا لسا ؟؟
تطلع إلى المرآه وهو يقول بفتور :
مش عارف
ضيقت هند عينيها بشك وسألته باستغراب :
مش عارف ازاي يعني ؟! ولا أنت عايز تعملها مفاجأة !!
: صدقيني يا هند أنا زي اي واحد غريب في حياة نيره
تطلعت هند إلى والدها وهتفت مبتسمة :
دايما تحب تأڤور في كل كلامك كدا
وكأنها ضغطت على آخر ما تبقى من صبره، فصاح بانفعال وهو يضرب المقود بعنف :
لا يا هند مش بأڤور أنا محدش حاسس باللي فيا وانتو بتحطوا عليا مش بتهونوا
ضربه المعلم سالم على كتفه بخفة وقال بحده :
لف واديها جوزين أقلام أحسن
حمحم سالم بحرج، بينما هتفت هند بحنو :
معلش يا بابا بس سالم بيحب يتكلم معايا على راحته
نظر إليها وأردف بوجوم :
محدش تاعب نفسه مع العيال دي غيرك
تمتم سالم بتذمر ” عيال !!! ” … نقل نظره إليه متسائلاً بجمود :
مش عجبك
أومأ سالم بتأكيد مغمغما ببسمة عريضة :
عيال يا معلم
؛؛؛
بعد ساعتين وصلت السيارة أمام المركز، ترجلت هند مع والدها واتجه سالم لصف السيارة في مكان قريب … لا تعلم لِما تشعر بوجوده ولكنها لا تراه، جالت بنظرها في الصرح وبحثت في وجه المارة بفضول … لم ينتظروا وولجوا للطبيب لحجز موعد مسبق، مر الفحص سريعًا وشرح الطبيب مدى سعادته لانتظام هند على الأدوية التي حققت نتيجة مبهرة في إصابتها … حاولت هند تقبل الأثر الواضح الذي أصبح لونه داكن اللون مقارنة بلون بشرتها، وهي تدعو أن يزول مع الاستمرار على الأدوية…
أغلق المعلم سالم الباب وقال بحنو :
شوفتي لما فتحتي مخك النتيجة ظهرت ازاي
ردت عليه باستياء وهي تلحقه في الخطوات :
بس مكان الجرح أثر واضح جدًا
نظر إليها وهتف مبتسمًا :
إن شاء الله هيخف وكله بالصبر
أشارت على الضمادة وهي تتمتم بصوت محشرج:
أنا بتكسف أطلع من اوضتي من غيرها وشكلي هكمل بيها
لفت انتباها شخص يقف بجوار سالم خارج المركز، مما جعل المعلم ينظر هو الآخر لِما قطعت حديثها … شعرت هند بسعادة احتلت قلبها عندما دار موسى بجسده للجهة المقابلة لهم، أخفضت نظرها بسرعة واصطنعت هندمت الضمادة … لم يستطيع هو أن يبتعد بأعينه عنها، وانشقت بسمة تزين ثغره وهو يتأملها بوميض لامع في ملقتيه،
تمتم المعلم سالم وهو يرمقهم بدهاء :
دا شكله موال مش هيخلص
انتبهت هند على صوته ولكنها لم تفهم ما قاله، فسألته باستغراب :
قولت حاجه يا بابا ؟!!
ابتسم إليها بهدوء وعندما اقتربوا من سالم وموسى، رفع يده يصافح موسى قائلاً بخبث :
دايما صدفك مظبوطه على المعاد
تماسك موسى ولم يظهر أي تعابير تعجب من مغزى حديثه الموجه إليه :
فعلاً صدف مظبوطه، كنت عند صديق ليا ولما ركنت العربية شوفت سالم
أومأ المعلم إليه وأخرج هاتفه، فوجد أنه أيمن مختار… تحرك بضع خطوات وهو يجيب، بينما فرك موسى ذقنه بتفكير في أمر يبعد سالم هو الآخر لينفرد بها ثوان معدودة … اصطنع النظر باتجاه المركز وهو يقول بجدية :
تقريباً حد بيشاور لينا
تطلع سالم باتجاه الباب فاستكمل موسى حديثه :
ممكن يكونوا محتاجين المعلم
نظر سالم إلى هند وقال وهو يخطو باتجاه المركز :
ثواني وراجع يمكن نسيتي حاجه
: كنت متأكدة أنك هتيجي
ابتسم موسى وهو ينظر باتجاه سالم، وضع يده في جيب جاكتيه وأردف بشغف :
كان لازم أشوفك
حدجته بجمود وأخرجت الدفتر من حقيبتها، دفعته باتجاه وهي تختلس النظرات تراقب والدها المنشغل في هاتفه :
دا ميلزميش
تفحص موسى الدفتر باستغراب … فتحت عينيها وهي تهمس من بين أسنانها :
أنت هتستهبل، اخفي الدفتر دا قبل بابا ما يشوفه
رفع كتفيه ببراءة وتمتم بدهشة :
مش فاهم أنتِ ليه دايما متعصبة عليا من غير سبب
: يا شيخ وحركات المراهقة دي تسميها ايه
استرسلت بخفوت :
عيب يا موسى أنت أكبر من كدا
رد عليها بنبرة عميقة :
أول مره أعرف حلاوة اسمي
رفعت حاجبيها بتعجب ثم خطت بالقرب من والدها، عقدت ذراعيها ونظرت للجهة الأخرى… وضع موسى الدفتر في جيب جاكيته وهو يبتسم بتسلية،
أنهى المعلم سالم مكالمته بوجه عابس، أشار إليها بأن تصعد إلى السيارة بعد أن جاء بها سالم …
: هشوفك قريب يا موسى
حرك موسى رأسه بتأكيد، وظل يقف يتأمل السيارة وهي تتحرك، وجدها ترمقه ببرود بدالها النظرات غامزًا متجه إلى سيارته ….. كان سالم على وشك الاتجاه إلى طريق العودة للقرية، فقدم الهاتف إليه وأمره باقتضاب :
اتحرك على العنوان اللي قدامك
؛*******
انكمشت على نفسها وهي تتأمل الفراغ أمامها… منذ الصباح وهي تجلس تضم ركبتها مستنده على الخزانة داخل غرفتها، شعرت الإرهاق من شدة ضيقها، وغصتها تقف في جوفها كشوكه حاده تمزق صدرها…
أفاقت من شرودها على والدتها وهي تردف بجمود :
أبوكي وافق على العريس وبلغ أمك صباح أن قراية الفاتحة بكرا بعد المغرب
لم تُعقب رحمه وظلت تتأملها بتعبير بارده، في حين أن ناديه لم تكترث إليها واستكملت بحنق :
شوفي ايه لازمك وعرفيني
دارت رحمه بوجهها للجهة الأخرى عندما خرجت ناديه، وهمست بأسى وهي تمنع دموعها من السقوط مجددًا :
دلوقتي وافق عليه عشان يخلص مني
تماسكت بصعوبة ونهضت تبحث في خزانتها عن شيء يناسب تلك المناسبة السعيدة، ولكن سرعان ما اغلقتها بقوة، مقررة أنها لن تحضر بأي منها … وتريد أفخم فستان لن تستطيع فتاة في القرية أن تمتلكه، مع أن التجمع عائلي، ولكنها أرادت إشغال عقلها في أمور أخرى حتي وإن كانت تافهة ولا تستحق التفكير،
؛؛؛
في الغرفة المجاورة كانت أمل تقف في الشرفة، تتسامر مع سفيان في وقت فراغه، تطور ملحوظ في علاقتهم وخاصة بعد موت عادل … ذاد تعلق سفيان بها بعد أن أصبحت الداعم الأساسي في حياته، استطاعت بكلماتها الحنونة أن تدفعه للوقوف من سقوطه في قوقعة الحزن… بكل سهولة وضعت يدها على الجرح تداويه بمخدر الحكمة والفطنة، ومن آن لآخر تذكره بلطف الله على عباده، وأصبحت مسكنه الآمن الذي يبعث إليه الطمأنينة والسكينة…..
؛***********
في منزل عبده
وقفت سحر تصنع الغداء في الطابق الأرضي بناءً على طلب عبده … لن تفوت رحاب تلك الفرصة وبدأت في الصياح باكراً، أرادت سميه أن تخرج وتساعد سحر، ولكن سعد كان لديه رأي آخر وأمرها بأن تغلق الباب، فلن تتحمل كلمات رحاب اللاذعة أن إصابتها واحدة منهن …
عند عودة سالم تسلل إلى إحدى الغرف، وأغلق الباب خلفه برفق … وحد ندى تجلس بكدر ترتب الملابس :
ايه نزلك مش قولنا ترتاحي
ألقت ندى الملابس من يدها وهي تهمس بانفعال :
ماما رحاب ليها رأي تاني ومش عايزه دلع
ابتسم سالم بخفة واقترب يقبل جبينها، ثم هتف يمازحها :
أمي صعب تريح اللي حواليها
مطت شفتيها بتذمر، فاسترسل بمراوغة :
ما تخلي العيال يناموا مع عمتهم انهارده
ضغطت على فكها وهي تشير إليه بأن يبتعد :
قوم يا سـالم مش هتكون أنت وأمك
أخذ الملابس يساعدها في ترتيبها وهو يغازلها بكلماته اللطيفة … وعلى حين غرة اندفعت رحاب للغرفة وهي تفتح الباب على مصراعيه، فألقى سالم الملابس من يده على ندى وصاح بحده :
قولت مليون مره الجلاليب تتكوي على طول
أشار بيده مستكملًا بصرامة :
اتفضلي اطلعي ومتنزليش غير لما تكوي كل الجلاليب اللي في الدولاب
ضغطت ندى على شفتيها كي لا تضحك، بينما وضع سالم يده على كتف رحاب وخرج من الغرفة مردد بحنق :
تعالي يا أمي وسيبك من دلع الحريم
دار بوجهه فوجدها ترمقه بغيظ … اضافة رحاب على حديثه :
شوف كل دا من دلعك
حرك رأسه مؤكداً وهو يردف بحزم :
صح دول ميجوش غير بالعين الحمره
خرجت ندى من الغرفة وصعدت إلى شقتها وهي تصطنع الحزن … فهي تعلم أن زوجها يحاول بقدر استطاعته إرضاء الجميع، حتى وإن كان يهدر كل طاقته في ذلك … استمعت إلى صوت السيارة فأسرعت تفتح النافذة، وجدته يرفع نظره يتأمل النافذة وكأنه يعلم أنها ستخرج، لوحت بيدها مبتسمة وعادت إلى فراشها بوهن، قبل أن يعودا حسن وحسين من مجموعة حفظ القرآن،
؛*********
في نفس الوقت
وضع الصبي الأرجيلة بجانب مرتضى الذي قال بحنق :
ما أنا لو أعرف من بدري كنت عرفتك
انتظر يعقوب خروج الصبي ورد عليه بحده :
لما خليل عرفك كنت تبلغني يا مرتضى
واستطرد بعدم تصديق :
عبدالله أخويا يعمل كدا ازاي
نهض مرتضى ودار يجلس أمامه، قدم إليه كوب الشاي مغمغم بتفكير :
مش مصدق هما فكروا ازاي يجربوا الحاجات دي
: السلام عليكم
ردد الإثنين التحية مع انضمام سالم عبده إليهما، ولكن قبل أن يجلس سأل يعقوب بشك :
هو عبدالله فين ؟!!
رد عليه يعقوب بضجر :
متنيل في المحجر
قطب سالم جبينه متعجباً واعاد سؤاله باستغراب :
مش مسافر ؟!!!
حرك يعقوب رأسه بالنفي … لوى سالم جانب شفتيه بسخرية، فسأله مرتضى بعدم فهم :
مالك يا أبو حسن ؟؟
تغاضى سالم عن سؤاله وقال بتفكير :
كلمتني عشان حاجه مهمه تقريبًا
كما أخبر مرتضى ما سرده خليل إلى يعقوب، شرحه إلى سالم الذي جحظت ملقتيه مرددً بتهجم :
نفسي أفهم فاضل ايه لسا معملهوش
وضع رأسه بين يديه وهمس بقلة حيلة:
فاضل ايه يا محمود لسا هتعمله
هتف يعقوب بضيق :
ويا سلام لو العلبة اللي لقوها في المحجر كانت بتاعت مزاج البهوات
انكمشت قسمات وجه مرتضى متسائلاً باستنكار :
ولو الحاجه تخصهم هيبلغوا عنها ؟!!!
اعتدل سالم في جلسته وهو يجري اتصال بمحمود، متوعد إليه عندما يعود من سفره المجهول، فقد أخبرهم أنه سيذهب مع عبدالله إلى القاهرة لأمر عاجل منذ ليلة أمس …
؛؛؛
على صعيد آخر
تململ في الفراش الوثير بانزعاج من صوت رنين هاتفه المستمر، انتصف يتطلع إلى شاشة الهاتف بأعين مغمضة … ألقاه بعيداً عندما رأى اسم أخيه، وتثاءب بنعاس ثم نهض بتثاقل يرتدي معطفه، جر أقدامه إلى خارج الغرفة، يتجول في المنزل بملل …
: دا كله نوم، دا أنا قولت هتكمل للمغرب
دار محمود باتجاه الصوت، وجدها تجلس على الطاولة تصنع شطيرة … غير مساره واقترب منها قائلاً بمكر وعينها تتحرك على ملابسها المنزلية :
هو أنتِ مش خايفه الشيطان يكون تالتنا، واستغل الفرصة بما اني في بيتك ولوحدنا
وضعت رنا الشطيرة أمامه وهي تهتف بثقة :
مع واحد زيك بيفكر في أخته وخايف يترد فيها اللي بيعمله مش هيعمل كدا
واستطردت بحماس:
انهارده هسهرك في مكان خطير
: يا بنتي اتهدي شويه، دا سهرت امبارح مع شلتك الفاسدة عايزه شهر راحه في السرير
نهضت رنا عندما صدح صوت جرس الباب، وما هي إلا ثوان ووقف الطارق أمام محمود الذي انتفض من مقعده، وهو يسعل بشدة عندما بلع الطعام دفعة واحدة دون مضغه ….
: دا أنا أقول صباحيه مباركه بقا
؛*******

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية بنت المعلم الجزء الثاني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!