روايات

رواية الحب أولا الفصل السابع 7 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الفصل السابع 7 بقلم دهب عطية

رواية الحب أولا الجزء السابع

رواية الحب أولا البارت السابع

رواية الحب أولا الحلقة السابعة

جفاها النوم رغم التعب الذي يسري في جسدها
الآن……..
كانت ممدده على الفراش في الظلام الدامس….
تفتح جفنيها على وسعهما…. تضحك تارة وتخجل تارة…….
ماذا حدث لها هل جنت ؟…. وجن قلبها معها ؟…. منذ متى تهتم للغرباء !!… منذ متى تُسهرها كلمة…. وتشغلها نظرة……. منذ متى وهي تنجذب لجنس آدم ؟!…
كانت ومزالت مبتعدة….. مكتفية بنفسها واحلامها..
من اين اتى… ولماذا يتسلل اليها بكل هذه
السرعة….
ارخت جفنيها بتعب وبدأت تتثاءب…. فوجدت عقلها
يعيد عليها ما حدث….
كلمست يدهُ ، وكانها تستسعرها على كفها من
جديد فترتجف بحياء !……
كصوته الرجولي، وكانها الآن تسمع نبرته الخشنة
ذات البحة المهيبة تهمس في اذنيها فيذوب
جزءاً منها معه….
كرؤيته عن قرب ، وكانها ترى طلته الوقورة المشعة
بالوسامة والهيبة……….
وسيم بدرجة تفجر داخلها مشاعر متعددة لم
تختبرها قط…. لمجرد النظر اليه والتحدث
عن قرب ……
ماذا يحدث لها هل جنت……. مالذي تعرفه عن عاصم الصاوي لتفكر فيه بهذا الشكل الخاص……
انبعث الضوء من هاتفها جعلها تفتح عينيها وتميل لاخذه…….وعندما نظرت اليه وجدته رقم غير
مسجل…..
حانت منها نظرة للساعة التي تشير للثانية صباحاً….مطت شفتيها باستياء……وهي تفتح الخط معتقدة انه طلب يتم حجزه من الآن حتى يصل ظهراً………
استوت جالسة وهي تضع الهاتف على اذنها……
قائلة وهي تتثاءب عنوة عنها…..
“الو سلام عليكم……”
انبعث صوتٍ خشن ذو هيبة قائلاً…….
(وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته…..شكلي صاحيتك من النوم…….)
انتفضت في جلستها أكثر واضاءة المصباح
المجاور لها……. وقد ابتلعت ريقها هاتفة
بتوجس……
“استاذ عاصم……. خير حصلك حاجة……”
على الناحية الأخرى اوما براسه
بوجوم…..
(آآه انا استاذ عاصم….مفيش فايدة…….)
سالته شهد بقلق……. “انت كويس…..”
ئن عاصم متألماً…….(لا بطني وجعاني أوي…….)
وقع قلبها في قدميها وهتفت
برعب…..
“إيه بطنك وجعاك….. طب ماتروح لدكتور……”
تنهد بأسى وهو يتلذذ بنطق حروف
إسمها…….(هيعملي اي الدكتور ياشهد……)
قالت بقلق…… “هيكشف عليك……..”
لاحت التسلية على محياه فقال
بخبث….
(ولما يسالني كلت إيه…. أجيب سيرتك عادي…)
قالت شهد بحمائية….
“على فكرة انا وكله معاك من نفس الأكل…..”
صدرت من عاصم ضحكة خافته…..جعلتها تضيق
مابين حاجبيها بشكٍ سائلة……
“بجد انت تعبان ولا بتهزر…….”
تنحنح عاصم بخشونة قائلاً…..
(ههزر معاكي في ساعة زي دي……. بجد تعبان….)
سالته بارتياع…… “طب عندك إيه…….”
سحب نفساً طويلاً ثم قال بانتشاء….
(انا معرفش بس ممكن اقولك اللي بحس بيه….)
ارجعت خصلة من شعرها للخلف وهي تقول
ببراءة……
“قول يمكن شوية برد في معدتك….هقولك تشرب
إيه عشان ترتاح…….”
تحدث عاصم هائماً في جمالها المرسوم امام
عيناه……..
(هقولك….. لما بشوف حد معين……بحس كده انه وحشني… وعايز اتكلم معاه في اي حاجة المهم نتكلم وشرط اساسي أسمعه….. ولم بيغيب
عني……لا بعرف اكل ولا أشرب….ولا حتى انام…..وقلبي… قلبي مش مظبوط…….بيوجعني
اوي ملقيش عندك علاج لوجع القلب……)
بعد الاستماع إليه عقبت عابسة…..
“هو انت مش قولت ان بطنك هي اللي وجعاك……”
اجاب عاصم ببراءة……
(ما كل موصل ببعضو…. مفرقتش كتير……)
مطت شفتيها ممتعضة لتقول….
“لا فرقت كتير………انا معرفش اعالج القلوب….”
رد عاصم بتهكم…..
(ليه انتي تخصص بطنه بس…….)
رغم حنقها فلتت ضحكة رقيقة خائنة من بين
شفتيها الممعتضة……فعقب وهو يبتسم لأجل ضحكتها الناعمة……
“ماحنا بنعرف نضحك أهوه……”
تلاشت ضحكتها وهي تساله بصرامة….
“برضو مش فاهمه متصل ليه…..”
اخرج تنهيدة ثقيلة….وهو يختلق مبرراً……
(حبيت اطمن عليكي…..وباركلك مرة تانيه…على الافتتاح……..)
تمتمت بعدم اقتناع…. “شكراً…..على السؤال…. ”
رد عاصم بتسلية…….
(دي أقل حاجة عندنا….مقولتليش برضو…..اعالج وجع قلبي بأيه……)
قالت شهد بجدية شديدة….
“أقولك…..اشرب بوء ميه قبل ماتنام……”
مط شفتيه هازئاً وسالها عبر الهاتف…
(والله ؟!….. وبيجيب مفعول على كده……)
اومات بتأكيد….. “طبعاً……..”
ازداد سخريته……..(مجرباه يعني…..)
كتمت الضحكة بصعوبة وهي تخبره
بجدية…. “امم……..على ضمنتي……..”
(ماشي ياشهد…..اشوفك بكرة…….الساعة عشرة…….)تذوق اسمها مجدداً بتلذذ تستشعره
بشدة فيخفق قلبها معه…….لتقول هاربة منه….
“تصبح على خير يا استاذ عاصم…….”
مط شفتيه باستياء واجابها وهو يتكأ
على لقبها السخيف….
(وانتي من أهل الخير يـا اسـتـاذة شــهــد…….)
اغلقت الهاتف وضمته الى صدرها وهي تكبح
ضحكة صادرة من أعماق قلبها… شاعره بقلبها
يقفز في سعادة وسرور……
على الناحية الأخرى ارتشف القليل من الماء ثم وضع الكوب جانباً …. وبعدها وضع راسه على الوسادة مبتسماً بانتشاء مُتمتماً …..
“ماشي ام اشوف اخرتها معاكي… ياست الحُسن….”
……………………………………………………………..
في صباح اليوم التالي……
دلف عاصم الى غرفة الطعام… فوجد الجميع هناك يأكلوا وجبة الفطور بصمت….. حتى رأته جدته (نصرة..) فتهلل وجهها فرحاً وهي تدعوه بأن
يتقدم…..
“صباح الخير صاحي متأخر النهاردة…..مش
عادتك….. ”
ابتسم عاصم وهو يتقدم منها ومال على رأسها
يقبلها قائلاً…….
“صباح آلورد….. راحت عليا نومه…..عاملة أي ياست الكل…….”
“الحمدلله ياحبيبي…قعد بقا كُل لقمه….” ثم نظرت نحو يزن الذي يأكل بنهم غير مبالي بأحد
وقالت ضاحكة….
“قبل مايزن يخلص على الفطار…….”
قال يزن وهو يمضغ الطعام الذي تكون في
وجنتاه ككورتين صغيرتين……..
“الله ياتيته…..انتوا هتحسدوني ولا إيه…….ما كل
من الچم….مانتي عارفه….وبعدين انا بقالي يومين
اكلتي ضعيفة……وحاسس اني هفتان……..”
ضحك عاصم وهو يجلس جوار
جدته….
“الحمدلله انك حاسس مش متأكد…….”
رمقت إلهام عاصم بضيق ثم ربتت على ظهر
ابنها وهي تقول بنبرة ذات معنى……
“بالف هنا ياحبيبي….هو انت بتاكل فين يعني…ما
كل من خير أبوك……..”
تمتمت عاصم بصوتٍ عالٍ متغاضياً عن
الرد…..
“بسم الله الرحمن الرحيم……..”ثم وضع أول لقمة
بفمه…..
فقالت نصرة وهي تمضغ الطعام على
مهل….
“قولي ياعاصم حكيم مجبش بضاعة جديدة…غير الحاجات اللي ورتهاني في تلفونك…….”
اجابها عاصم بنفي……
“لا لسه……أول مايجيب حاجة جديدة… هيكون
أول واحد يبلغك……دانتي زبونته……..”ثم أدار
عاصم وجهه لمسعد (عمه.)وساله بفتور…..
“واي اخبار المعرض ياعمي….. ”
رفع مسعد عيناه على ابن أخيه قائلاً….
“كله تمام والشغل شغال كويس….مش ناوي تزرني في مرة وتاخد فكرة عن تجارة العربيات…..”
امتقع وجه نصرة فعقبت باستهجان….
“خليه في تجارة الدهب….هي دي التجارة اللي تنفعه….”
تافف مسعد بضيق…..
“جرالك اي يامي…..هو كل ماتيجي سيرة شغلي
ميعجبكيش كلامي…….”
قالت نصرة مقتضبة….
“انت عارف مش عاجبني ليه….”
تافف مجدداً…… “لا حول ولا قوة إلا بالله……..”
ربتت الهام على كتفه بلؤم على مرأى اعينهم
وقالت……
“كُل ياخويا متفورش دمك احنا لسه على الصبح….”
نادتها نصرة بغضب…. “إلهام…….”
نظرة لها الهام بملل…… “نعم ياماما……”
قالت نصرة بحدة…..
“متدخليش بيني وبين ابني…..سامعة……”
عضت الهام على باطن وجنتيها قائلة
بصعوبة….
“اللي تشوفيه……اتكتمت……..”
بينما نظرت نصرة الى ابنها قائلة
بحسرة….
“كُل يامسعد عشان مفورش دمك زي مراتك مابتقول…….”
لم يرد مسعد بل اكتفى بالصمت….لتتحدث نصرة
مع حفيدها الأكبر قائلة بتذكر وبنبرة حزينة
“صحيح ياعاصم…..سنوية جدك قربت….وعايزين نعمل وليمة كل سنة…….”
ابتسم عاصم بحنو قائلاً…..
“تعيشي وتفتكري ياحاجة…..قوليلي عايزة إيه
وانا انفذة……..أأمُريني…. ”
قالت نصرة وهي توزع نظراتها على
الجميع….
“الامر لله واحدة يابني….. زي كل سنة هنجيب
طباخ وناس تخدم على الناس الغلابة اللي هتكون
موجوده هنا……اهوه نكسب دعوة حلوة…..وتبقى صدقة على روح جدك الله يرحمه…….”
اوما عاصم براسه بانصياع…..
“تمام…..هشوف هعمل اي وكلامك……”
قالت نصرة بامتناع…..
“اسمع ياعاصم بلاش الطباخ اللي جه السنة
اللي فاتت…..”
سالها عاصم باستفهام….
“ليه ياحاجة……..هو اكله معجبكيش…….”
قالت نصرة بعدم رضا…….
“هو ده اكل ياعاصم…..دا زينة يابني…..لا ليه طعم
ولا ريحة….شكل حلو وخلاص……..شوف غيره حد يكون مضمون…….”
قفزت في رأسه صورتها فلانت شفتيه بابتسام
مغزية تخص صاحبة العيون العسلية…….فاجابها….
“حاضر هجبلك حد مضمون…….”
تدخلت إلهام كالعادة بنظرات مزدرية تقول
بتكبر……
“انا شايفه ان ملهاش لازمه التكاليف دي كلها
ياماما….يعني لو طلعنا حاجة لله أحسن….من
الزحمة والهيسة بتاعت كل سنة…….بصراحة
البيت بيبقا مليان ناس غريبة منعرفهاش أصلا والواحد خايف حاجة تتلطش كده ولكده….”
سالتها نصرة بصلابة…..
“ومن امتى في حاجة بتتسرق من بيت
صابر الصاوي…. من امتى يامرات ابني……”
تلعثمت إلهام في الرد بعد نظرات الجميع
المصوبة عليها…….
“انا بقول ممكن….مقولتش اني في حاجة اتسرقت……..”
ضربت نصرة بقبضة يدها المرتجفة سطح المكتب قائلة بسطوة تضاهي عشر رجال معاً…….
“وليمة كل سنة هتتعمل في معادها…. رحمة ونور على روح المرحوم صابر الصاوي جوزي……ولي مش عاجبه….يلزم اوضته لحد ماليلة تعدي على خير………..”
تدخل عاصم قائلا برفق….
“اهدي ياحاجه……ضغطك هيوطى…..”
وكذلك برر مسعد افعال زوجته بحرج بالغ
وهو يرمقها بعتاب……
“الهام متقصدش يامي……..هي قصدها تريحك….”
وامات نصرة براسها مستهجنة…..
“بجد ؟!…. كتر خيرك يالهام…..بس انا بقا بحب
التعب….بذات لو هاخد صواب واجر عليه
هعمله………”
تدخل يزن في الحديث قائلاً بملاطفة…حتى
تهدأ الأجواء المتوترة قليلاً……
“حصل خير ياتيته……كلنا هنحضر للوليمة….وانا بنفسي هخدم على الناس……”
انعقد حاجبي عاصم بتعجب ليقول بلؤم
مرح………
“انت اللي حكمت على نفسك ياحلو…..مترجعش تعيط وتقول اه يارجلي واه ياضهري……”
سحب يزن نفساً عميقاً حتى تضخم صدره وهو
يقول بزهوٍ….
“ضهري ورجلي إيه….أمال انا بروح الچم ليه مش عشان استعد للحاجات اللي زي دي…..ابن عمك وحش…..اتقل….. ”
ابتسم عاصم غامزاً…..
“ماشي ياعم الوحش اما نشوف….”
نظرة لهم نصرة بحب….وقالت
بمحبة….
“ربنا يحميكم ياحبايبي ويخليكم ليا…….”
هتف يزن ناغشاً إياها…..
“ويخليكي ليا يانصرة قلبي……”
هتف عاصم ساخراً……
“افطر يانحنوح………خليك تلحق جامعتك……”
مالى يزن على الجدة هامساً بشقاوة….
“غيور أوي….”
ضحكت نصرة وهي تندمج معه أكثر….
“من يومه……”
برمت إلهام شفتيها بغضب وهي ترمق زوجها بحنق
ليهز كتفه بقلة حيلة……..فنهضت من مكانها سريعاً
دون استئذان……….وقد لحق بها مسعد سريعاً…..
وعندما دلفت للغرفة صرخت بهجوم….
“انا مليش لازمة في البيت ده يامسعد….مليش لازمة……..”
اغلق مسعد الباب وتقدم منها محاول ان
يهدأها…….
“أهدي يالهام….دي مهم كان أمي….مقدرش اعترض
على حاجة عيزاها…….”
غلت دمائها كمرجل ناري وهي تصيح
هائجة……
“يعني انت موافق على الهبل ده……وليمة ولمه…
ما طلع حاجة لله وتخلصنا….لازم تعمل فرح
حوليها……..”
زفر مسعد بقلة صبر…….
“يالهام….دي سنوية ابويا……وهي متعوده تعمل كده
كله سنة……..”
اشارت الهام على نفسها بغيظٍ محتقن…..
“وكله سنة بعترض…..ومفيش حد بيسمعلي كلمة…
انا مش حسى اني في بيتي….انا حسى ان زي
زي الكرسي ده…….”خبطت على المقعد
بهيجان…….
تحدث مسعد بصبر…..
“ياحبيبتي احترام الكبير واجب……”
نزلت دموع الهام وهي تقول بحرقة…..
“وانت شايفني قللت منها……..انا بتكلم في الصح يامسعد……..اللي هي عايزة تعمله ده بيخنقني….
بحس انه مش بيتي…..مينفعش اعترض على
حاجة مش عيزاها ياناس…….”
تافف مسعد هذه المرة بقلة صبر…..
“مش هقولهالك تاني يالهام…. امي كبيرتنا
….ومينفعش نعترض على حاجة هي عيزاها……”
سالته بعينين تشتعل…… “يعني اي يامسعد……”
اتجه مسعد لباب الغرفة قائلاً بصرامة……
“يعني اللي هي عيزاه تعملو…..ملكيش دعوة …
حطي لسانك جوا بوك وبلاش تعمليلي مشاكل معاها….انا مش ناقص مشاكل……مش هتكون
مشاكل برا وجوا…انا زهقت……..”
فتح الباب امام عينيها الحاقدة…….واغلقه
فنادت عليه بتشنج……
“مسعد………..مسعد……..”
لكنه لم يعود…..فتمتمت بعصبية……
“هرب زي كل مرة……جبان…….ابن أمه……..”
مسكت الهاتف وهي تبكي ثم رفعته على اذنها
قائلة بانفاس متهدجة من شدة الغضب…….
“روفيدة شوفتي الهم اللي انا فيه……..هتعمل
السنوية زي كل سنة………….”
……………………………………………………………..
جالسة امام التلفاز بملل… تتافف كل دقيقة متقلبة
في جلستها بعدم ارتياح…..تشعر بضيق بالانزعاج من هذا التجاهل والمعاملة الشبة منعدمة بينهما…. والنظرات التي تكاد تحرقها كلما رآها……
ماذا حدث ؟!..لماذا تغير هكذا….. لم يكن هكذا قبل أيام… كان لطيف حاني…. هادئ….. ويعاملها بانسانية…….
لماذا تحول الا لوحة ثلج باردة….ونظراته تشع
بغضاً وغضب……..هل يكرهها فعلاً…..ام انها
تتوهم……..
لماذا يبيت في الورشة أحياناً….وان تصادفت معه يكن لمدة ساعتين ثم يرحل…….وكأنه يصعد إليها
فقط حتى لا يشك والديه في شيء……
ترقرقت الدموع بعينيها…..وهي تشعر بالاختناق من هذا السجن………
الباب مغلق بالمفتاح… لا تخرج….. لا ترى أحد…كل
ما تفعله الجلوس هنا كما يريد….وكما يريد
الجميع منها…….
خذلت ثقة الجميع فأصبحت بنسبة لهم وصمة عار
ممكن ان تصيبهما وتنكس رؤوسهم في الوحل…
لذا بكل شهامة تزوجها ابن عمها…..الذي يكبرها بخمسة عشر عاماً…..تزوجها ليكن واصي عليها
حتى يأخذ كل الصلاحيات لردعها وحبسها هنا
في سجناً……هو امام الجميع العش الزوجي
لهما…….
كل شيءٍ كاذب من حولها مزيف…..مجرد عروسة
بالحبال تتحرك يمينا ويساراً بايديهما…….
لكن من تلوم……..هي من فعلت في نفسها كل هذآ
لقد وقفت أمام الجميع يوماً وقالت الحب أولاً…ولم
تعرف ان الحب عملة لا تباع ولا تُشترى……..
نزلت دموعها وهي تتذكر هذا اليوم المشئوم والتي قررت به ان تلقي كل شيءٍ خلف ظهرها و تهرب
مع من تحب……..كما أخبرها….وكما وافقت دون
ان تفكر مرتين في عواقب الهروب من أهلها
وسلطان عبد القادر !!……
في يوماً شتوي بارد ليلاً وفي منتصف الليل كانت السماء تمطر والجو سيء من شدة الطقس المنقلب…..
خرجت من غرفتها ببطئ شديد وحرص….وبدأت تدور حول نفسها بخوف وبقلبٍ يخفق بهلع
كالصوص في الظلام…….
كانت تشبههم وهي تدور حول نفسها برعب يميناً
ويساراً…….تنظر لباب الشقة البعيد بلهفة…
فهي ترى خلف هذا الباب المغلق….حريتها وحبها
الوحيد……ستنال كل هذا ان خرجت من هنا…
ستثبت للجميع واولهم سلطان أنها فعلت الصواب
وان عادل أحبها بصدق…..ولن يُحبها أحد كما فعل
عادل……..
وصلت أخيراً الى باب الشقة ولحسن الحظ ان والدها
لم يوصده ككل يوم….ربما نسى….وربما القدر يتعاون معها…..
بلعت ريقها وهي تخطو للخارح مغلقة الباب خلفها
على مهل…حتى لا يسبب ضجيج……
ثم أخذت السلالم ركضاً وهي ترفع طرف عباءتها السوداء قليلاً وتحاول عدل وشاح رأسها الأسود
عندما وصلت لباب العمارة لفح الهواء البارد
وجهها ورذاذ المطر بللها….
لحسن حظها ان اليوم كان ممطر….فكان الشارع خالي من البشر والظلام والمطر يخفي الوجوه..
ركضت جوار الرصيف وهي تحمل حقيبة اغراضها بين يداها…
حتى تجاوزت الشارع التي تقطن به….فوصلت للطريق العام والقت نفسها في سيارة سوداء
صغيرة…..
بدأت تأخذ انفاسها وهي تهتف
برعب……
(انا مش عارفه طوعتك إزاي…….)
سمعته يهمس جوارها ببحة خاصة وبكلامه
المعسول الذي اوقعها في الهوى……
“يمكن عشان بتحبيني…..واننا لو بعدنا عن بعض ممكن حد فينا يموت من غير التاني……”
لانت شفتيها وابتسمت بعذاب وهي تدير رأسها
اليه ومزالت تسند راسها على ظهر المقعد بتعب
ومزالت انفاسها عالية من كثرة الركض
والخوف… ومزال وجهها مبلل من الشتاء….
ومزالت مرعوبة من عواقب ماحدث…. ومزال
كل شيءٍ معقد وغير متوزان أمامها… ورغم
ذلك وذاك……. قالت بدلال اليه……
(أتكلم عن نفسك…. انا اقدر اعيش من غيرك عادي……..)
اعتدل الشاب قليلاً في جلسته….وكان شابٍ في منتصف العشرينات من عمرة…..كان عادياً
الملامح عابث النظرات…..يظهر بوضوح
ادمانة للممنوعات….مما يعطي انطباع سيء
عنه وهذا سبب رفض اهلها له….واعتراض
سلطان على الزيجة بعد ان سأل عنه وتأكد
انه غير جدير بها……قال بابتسامة لعوبة…
(كذابة يادوللي…. انا أول ماقولتلك نهرب عشان
نتجوز ونحطهم قدام الأمر الواقع… مكدبتيش
خبر ووفقتي علطول… من غير حتى ما تفكري……)
قالت داليدا بهيام…..(يمكن لاني بحبك……)
تعمد النظر اليها بتأثر وهو يخبرها…..
(وانا بموت فيكي…….محضرلك مفاجأه جامده لما نوصل…….)
راقبته وهو يحرك المحرك ثم انطلق بسيارة
فسالت بهدوء…….(على فين…..)
اجاباها…..(على شقتي……)
كشرت عن انيابها……..(شقتك؟!….)
اجاب بثبات وهو يشغل مساحات الزجاج
حتى يرى الطريق…..
(شقة مفروشة…. اجرتها عشان نقعد فيها سوا….
أمال عايزاني اخدك ونقعد مع امي واخواتي…
دول كانوا سلموني لاهلك تسليم اهالي من قبل
حتى ما اكتب عليكي……)
قالت داليدا بحنق مكتوم….
( بس احنا متفقناش على كده ياعادل…. احنا اتفقنا اننا هنطلع على المأذون الأول نكتب
ونروح نعرف اهلي اننا اتجوزنا…..)
قال عادل بتعجب…..
(وانتي فكرك حتى لو كتبنا دلوقتي… القسيمة هتطلع في ساعتها……)
سالت ببلاها….(امال إيه…..)
رد عادل بجدية شديدة…..
(امال إيه !!….. بتاخد وقت طبعاً يادليدا…مش أقل من شهر….)
هتفت بدهشة…..(شهر !!…..)
اوما مؤكداً……(آآه شهر…….)
سالته بتعجب……(طب هنعمل إيه……)
نظر عادل لها قائلاً بتوضيح……
(هنكتب الكتاب طبعاً….. الماذون والشهود جايين ورايا….. وهنقعد كام يوم فيها لحد ما ناخد القسيمة ونوريها لاهلك زي ماتفقنا…….. ساعتها
غصب عنهم هيرضوا بيا….. ومش هيقدورا يحرمونا من بعض….. اي رأيك…. موافقة…)
اومات برأسها بالموافقة كالمنوم
مغناطيسين……
(موافقة…. طالما هتنجوز رسمي…. على ايد
مأذون وشهود……)
قال عادل بتأكيد…..(طبعاً جبتي اوراقك انتي……)
اشارت على الحقيبة الموجوده على ساقيها…
(جبت كل حاجة هنا……)
اشار لها بعبث……
(وشنطه دي فيها اي غير الأوراق……)
قالت ببراءة……(هدومي……)
سالها بلؤم….(بجد…… حلوة الهدوم دي……)
رمقته بتحذير…….(عااااااادل…..)
رقص حاجباه بشقاوة…..
(عادل اي بقا….. دا الليله ليلتك يادوللي…..)
جزت على اسنانها تخفي ابتسامتها قائلة…
(اتلم……)
(بحبك……….ووصلنا على فكرة…..)قالها وهو يوقف السيارة……
فنظرت داليدا من خلال النافذة الى العمارة
المجاورة التي تبدو أنها من المباني القديمة
جداً في هذا الحي الشعبي……
(الشقة هنا……)
خرج عادل مجيباً…….(آآه الدور الأخير……)
خرجت خلفه قائلة بدلال….(هطلع كل ده……)
سالها عادل غامزاً……(تحبي اشيلك……..)
(بس بقا……)لكزته في كتفه وهي تصعد معه ضاحكة…
صعدا معاً حتى الطابق الأخير….فاخرج
عادل المفتاح وفتح الباب مشيراً لها
بدخول…….
بلعت داليدا ريقها وهي تدلف للمكان بتوجس
شعرت بخطٍ من الصقيع يتخلل جسدها المنكمش من شدة البرد والمطر الذي غرق عباءتها…..
دارت عيناها بتأني في الشقة الشبه فارغة…..خالية من الاثاث مجرد غرفة وصالة وحمام ومطبخ…ترى
الغرفة بوضوح تحتوي على سرير فقط !!…
اما باقي الفرش فمنعدم…….
شعرت بعدم الارتياح بعد ان أغلق عادل
الباب خلفه…….لم يكن لديها خيار للتراجع…فقد اختارت بكامل اردتها….ولم يجبرها عادل على ذلك……
رن جرس الانذار في أذنيها عندما سمعت
عادل يقترح بنبرة غريبة….
(مش هتغيري هدومك…….)
استدارت داليدا اليه بوجهٍ شاحب تسأله….
(اغير هدومي !!……)
اهتزت حدقتاه سريعاً لكنه أجاب بنبرة هادئة
(هدومك مبلوله يادوللي…من الشتا…ادخلي الحمام غيريها عشان متبرديش……مش قولتي الشنطة دي فيها هدوم….خديها معاكي…ولبسي حاجة كويسة
عشان الماذون زمانه جاي هو والشهود….)
حمل الحقيبة و تقدم منها واعطاها اليها
قائلاً بحرارة….
“اوعي تتاخري الماذون على وصول……”
اخرجت داليدا تنهيدة ارتياح وهي توما براسها
بخجل…..فقال عادل بنظرة عاشق….
(بحبك……)
احتضنت الحقيبة قائلة بخجل…(وانا كمان…..)
مالى عادل عليها حتى يقبلها لكنها هربت
سريعاً الى الحمام الذي أشار عليه….
بعد حوالي نصف ساعة من تواجدها بداخل سمعت
الباب يطرق بقوة….فوقع قلبها وهي تخرج من الحمام بعباءة بيتي محتشمة ولكن شعرها مكشوف
ومنسدل على ظهرها فمن شدة الخوف نست
غطاء رأسها….
وقتها خرجت لترى الطارق الغاضب والذي اتى في هذا الوقت…..لتجد شخصٍ لم تتوقع وجوده الآن
(سلطان عبدالقادر) ابن عمها….يمسك عادل من ياقة ملابسه وهو يصرخ فيه بوحشية سائلاً عنها….
وقتها صرخت بعزم ما فيها وهي تقترب منهم
لتبعد عادل من تحت يداه الشبية بالمطرقة الحديدية…….
حينها نظر لها نظر المتها….وحزنت لأجله…..فقد
رأت في عيناه نظرة المطعون في شرفه….نظرة
المكسور……لدرجة انها رأت دمعت وهمية في عيناه وهو ينظر اليها بعدم تصديق…..وفجأه انتشرت الصدمة لغضب أسود على محياه…ونزل على صدغها سريعاً بصفعه اوقعتها أرضاً اسفل قدماه………
أغلق الباب بقوة وصوت المفاتيح جعلاها تفيق
من شرودها بل و تنهض من مكانها وتذهب
إليها…..حتى تلحق به وتسأله قبل ان يغلق باب
غرفته على نفسه كالعادة ويتركها لوحشة اليل
تنهش عقلها وقلبها…….
“سلطان………احضرلك العشا…….”
لم يعرها إهتمام بل تابع السير لغرفته بمنتهى البرود
المستفز لاعصابها مما جعلها تلحق به قائلة بصيحة
غضب…….
“سلطان انا بكلمك…….”
“مش عايز أطفح……”استدار اليها سريعاً صارخاً بتلك
الكلمات وعيناه الحمراء ترمقها بازدراء كريهاً……
المها قلبها بشدة مما جعلها تغمض عينيها خوفاً منه…
بينما هو نظر الى خوفها بقرف…ثم للسلسال المعلق في عنقها…والذي تخفيه أسفل ملابسها…..فلو كانت تهابه فعلاً ما كانت احتفظت بسلسالا يحمل صورة حبيبها….
وكانها تتحداه…..وتستهزء به……..لا يملئ عيناها
إذاً…..
” شايفاني بقرون صح…….. ”
فتحت عينيها بخوف وهي تسمع هذه الكلمات.. التي لفظها وهو يقف امامها بمنتهى العصبية والغضب والازدراء الذي يأبى ان يمحى من عيناه…….
قالت بغصة مختنقة بالبكاء……
“انا مش فاهمه حاجه……. هو انت اتغيرت كدا ليه
انا عملت إيه…….”
“عملتي ده…… “وقبل ان تترجم ماذا يقصد وجدته يسحب السلسال الذهبي من عنقها بمنتهى العنف
لدرجة انهُ جرحها بشكلاً غير ادامي….. حتى انقطع
قفل السلسال ورحمها من العذاب………
تاوهت متألمه وهي تلامس الخط الرفيع الأحمر في عنقها………. ناظرة اليه بخوف ممزوج بالغضب…. بالكره بكونها اصبحت تحت رحمة رجلاً مثله !….
اغمضت عينيها بزعر وارتجفت عندما تقدم منها ومسكها من ذراعها بقوة مشيراً الى السلسال بغضب……..
“شايفاني بقرون ها…. مش مالي عينك….معلقه صورة حبيب القلب في رقبتك وانتي على ذمتي….. شايفاني****……… ها متنطقي شايفاني إيه…..
مسك حفنة من شعرها بقبضة من فولاذ وبدا
يهزها بمنتهى الهمجية قائلاً بضراوة…..
” ولا تكوني افتكرتي اني عشان بعملك كويس هكون نسيت عملتك السودة……لا وهتعرفي تستهيفيني زي
مانتي عايزة……. فوقي يابت…… دا انا اللف عشرة من عينتك بصباع واحد……….فاهمه…… بتشتغليني… عملالي فيها حبيبا ومعلقه صورته في رقبتك…
مفيش اي احترام للنطع اللى سلمك اسمه
وشرفه…..”
حاولت داليدا التملص من بين يداه وهي
تبكي متالمة…….
“سبني ياسلطان حرام عليك شعري هيتخلع في إيدك……..آآه ارحمني أبوس إيدك…. ”
تركها سلطان دافعاً اياها للحائط ليقول
مشمئزاً…
“ابعدي عني مش عايز اشوف وشك… سامعه… انا قرفان منك ومن نفسي………قرفان على الخطوة
المهببه اللي خدتها وسلمت نفسي واسمي لواحده
جايبها من شقة واحد هربت من اهلها عشانه…..”
مسحت دموعها هاتفة بكبرياء محطم…..
“محدش قالك اتجوزني…….. محدش قالك أعمل كده
ياريتكم كنتم موتوني وريحتوني من القرف ده….”
لم يعلق سلطان بل ظلت نظرة الاحتقار الساخرة
تشع من عيناه الغاضبة……لذا قالت داليدا
بكراهية……..
“انت فاكر انك عملت فيا معروف….. انت
دبحتني….. دبحتني………
لم يعقب فتابعت بغضب أكبر وهي تذرف الدموع
دون توقف……..
” بص حوليك كويس…. انا في سجن وانت على بابه……… ”
قال سلطان بقساوة……
“وهفضل على بابه…… لحد ماربنا ياخد واحد فينا
ساعتها واحد فينا هيرتاح من التاني……”
صمتت وازداد سيل الدموع من عينيها وهي تنظر
اليه بوجع ممزوج بندم……..فحذرها بتوعد وبملامح
خطِرة……….
“متقربيش مني تاني يادليدا…. اياكي…. المرة الجايه
مش هسمي عليكي…. وانتي عرفاني لما بقلب….”
أغلق الباب خلفه بقوة…. فانتفض جسدها من
مكانه برعب……ثم لم تلبث الا ودلفت لغرفتها
مغلق الباب عليها….والقت جسدها على الفراش
دافنة وجهها في الوسادة تاركة العنان لشهقاتها
العالية وعينيها في ذرف الدموع والندم على
فعلتها الغبية معه……
بداخل الغرفة……تخلص سلطان من قميصه والقى جسده الضخم على الفراش بزفرة تعب……
ثم اغمض عيناه وهو يحاول تهدأت انفاسه العالية
غضباً…..محاولا نسيان صوت بكاؤها الذي يسمعه
بوضوح حتى ان كانت تكتمه في الوسادة !……
لماذا فعلت هذا به…افسدت حياتها بيدها…كانت
من الممكن ان تتزوج شخصاً آخر يناسبها سناً وعنفوان……مرِح…… معسول الكلام… جيد في التعبير…….يعشق الحياة….ويعرف كيف
يُحب………وكيف يسعد من يحب………
وقعت معه هو…….بسبب غباؤها….وتصرفاتها المتهور
ابتلتها الحياة به…فهو بنسبة لاية أمرأه ابتلاء
كبير !!…..
ليس جيد في التعبير…..لا يعرف كيف تكون لغة
الحب……..ليس بحنون…….لم يكن مرحٍ يوماً…..لا
يجيد الكلام المعسول…….لا يعرف من اي باب
يدخل لاثنى ويوقعها في غرامة ؟!…..
الحياة تتشكل بنسبة له عملاً في النهار ،
نوماً في الليل……..
ام الحب والارتباط بهذا الجنس الناعم…. فهو جرب
مرتين وفشل….لمجرد انه خشن في التعامل…لا يتهاون مع إمرأة تخصه……..لذا كلا منهن لاذت
بالفرار منه……..
ويشاء القدر بعد ان يغلق هذا الباب لصعوبة طباعه
الخشنة معهن………تفتح داليدا الباب خُلسة وتدلف منه………وتتحداه دون ان تدري لذا قادة الجنون يومها وطلب يداها في لحظة غضب وتهور
من والدها……
ولأن خلف كل خطأ قراراً مُتسرع…..كان أكبر خطأ الزواج منها……فكما يُقال قد أصلح الخطأ بخطأ
أكبر……..
فهو لا يستحقها وهي لا تستحقه…..وهما غير مناسبين لبعضهما….. لكن بسبب فعلتها الفادحة
اصبحا هنا…….يمثلا الحب….وهم ليسوا
بمحبين ؟!!…..
شرد ذهنه قليلاً متذكراً اليوم الذي أخبره به عمه
(ناصف) ان داليدا هربت من البيت وهذا قد
اكتشفه عندما ذهب ليصلي الفجر……..
وقتها جن جنونه وهو يذهب اليهما في وقتٍ قياسي يدعي الله ان لا تكون خذلت الجميع وفعلتها….
لكنه انصدم حينما وجدهما يبكون بخوف عليها
مترجين اياه كالاطفال بأن يرجعها قبل ان يمسسها هذا الشاب بأذى…….فمن يعلم ماذا فعل
بها الآن….
وقتها وعدهما انها في عُهدته وستعود كما خرجت
دون ان يمسها آذى……..
وبالفعل بعد عدت مكالمات لأشخاص مقربين من المدعو (عادل) عرف المكان دون ان ياتي إسمها في
شيء…..
وعندما وصل اليه تهجم عليه سائلاً عنها بقلب يخفق
برعب عليها….وقتها لم يتوقع أبداً ان تخرج امامه بمنتهى البرود بعباءة بيتي وبشعر مكشوف
تدافع عن حبيبها وتتبجح أمامه….
لذا لم يسيطر على نفسه وهو يرفع كفه ويصفعها بمنتهى القسوة والقوة التي اوقعتها أرضاً أسفل
قدميه…….
……………………………………………………………
وقعت داليدا أرضاً بعد صفعة قوية جعلت اذنيها تصفر بقوة وصدغها يلتهب احمراراً…….
بلعت ريقها وهي تتراجع للخلف زحفٍ بساقيها
وهي ترى سلطان يضرب عادل بمنتهى الوحشية
فصرخ عادل يسبه بقسوة….
“انت جاي ليه….. مالك ومالنا…… كنت واصي عليها بتحبني وبحبها ياخي وهنتجوز…. انت مال أهلك…….”
لكمه سلطان عدت مرات وركله اسفل
الحزام…هاتفاً بانفاس متهدجة من شدة
الغضب………
(تجوزوا !!…….مش لما نقرأ الفاتحة على
روحكم الأول……انت عارف ان انا ممكن اوديك
في ستين داهيه….انت خاطف قاصر يالا…..لا وعايز تتجوزها من ورا اهلها كمان….عارف دي عقوبتها إيه…..)
ارتعد عادل ونظر لداليدا الجالسة أرضا تبكي وترتجف بخوف……
(داليدا جايه بمزاجها…. انا مخطفتهاش…. قوليلوا يادليدا……. قوليلوا……)
نظر لها سلطان بحدقتاه المشتعلة وحرك
شفتيه بعنف سائلا…..
(ايوا قوليلي يامحترمة…. انك هربتي من بيت أهلك لشقة واحد عازب…… كنت بتعملوا اي بظبط….. ومغيره هدومك وكشفه شعرك…..
كنتوا بتعملوا اااايه…. انطقي……..)
قالت داليدا بشفاة ترتجف…وجسد
مزعور…..
(محصلش حاجة ياسلطان…. اقسم بالله
ماحصل حاجة……..)
رد سلطان بقرف….
(دا عشان انا جيت بس…….مش كده….)
قالت بدفاع وهو تحاول النهوض…..
(عادل كان هيتجوزني…. احنا مستنيين المأذون….)
بصق الكلمة بقرف وهو يهتف بعدم تصديق….
(مأذون !!….مش مصدق؟!…انتي هبلة لدرجادي
مفكيش مخ….. بيضحك عليكي من حتة عيل
حشاش زي ده…….)
ثم سحبه سلطان من ياقة قميصه هاتفاً بشراسة…..(وفين المأذون يلا…فين.)
قال عادل باعياء من كثرة الضرب الذي
تلقاها من هذا الضخم…..الذي يفوقه
جسداً وقوة…….
(جاي…. جاي دلوقتي…….)
(كداب…..كداب ياروح أمك…..عشان اللي زيك
سككه كلها شمال اليمين يتعبو… مش كده….)
خبط سلطان جبهته بجبهة عادل الذي لم يتحمل
الضربه ووقع أرضا فاقد الوعي……تسيل الدماء
من رأسه……..
صرخت داليدا بخوف وهي تركض لعنده لكن سلطان مسكها من شعرها وجرها لأحد الغرف
واغلق الباب عليهما……وبدأت تاخذ هي أيضاً
عقابها……..من صفعات….لسب…….لضرب
بشكلاً غير ادامي……….
وقد افرغ كل غضبه عليها……وخرجت من الغرفة تجر قدميها بصعوبة وهي تذهب معه من الشقة
تاركة عادل ملقي أرضاً في دماؤه……
وعندما وصلت الى شقة والديها أستقبلها والدها
بصفعة قوية اوقعتها أرضا فاشفقت أمها عليها فاخذتها بين احضانها باكية معها ارضاً وهي
تعاتبها بحسرة….
(ليه عملتي كده فينا ياداليدا….ليه يابنتي…..ليه
عايزة تحطي راس ابوكي واهلك في الطين…
…ليه يابنتي…..)
ظلت تبكي في احضان امها وتخفي وجهها في صدرها….حتى سمعت والدها يخرج من المطبخ
حاملاً السكين بين يده ينوي قتلها…..
لولا سلطان الذي وقف امامه ومنعه….
(بتعمل اي ياعمي…..)
صرخ ناصف بحرقة وهو يحاول ابعد سلطان
من أمامه….
(سبني….سبني ياسلطان…هقتلها وشرب من دمها…..اللي زي دي لازم تموت قبل ما تجبلي
العار…….سبني……)
لم يتزحزح سلطان من أمامه بل اخبره
بخشونة……
(داليدا في حمايتي…..محدش هيقربلها طول
ماهي معايا…….)
صرخ ناصف بغضب…..
(يعني إيه…. عايزني اسبها تدور على حل شعرها…….)
رد سلطان بالهجة عنيدة……
(مش هيحصل…. بنتك صاغ سليم…. والغلطه اللي عملتها هتتحاسب عليها…..ومفيش حد هيربيها غيري….)
تساءل ناصف بوجوم…..(تقصد اي ياسلطان….)
سحب سلطان نفساً طويلاً….ثم أخبره
بصلابة……
(اقصد ان داليدا بقت ملزمه مني من النهاردة…
انا عايز اتجوز بنتك ياعمي على سنة الله
ورسولة…… قولت إيه….)
اتسعت عينا داليدا وصرخت في احضان أمها
برفض…
(لا مش هيحصل…. لا….. لا حرام عليكم…..)
اتسعت عينا ناصف بغضب…وتجاوز سلطان
وهو يميل عليها أرضاً ويجذبها من شعرها…..
(اخرسي يا فاجرة…. ليكي عين تتكلمي بعد
عملتك السودة……)
خلصها سلطان من بين يدي
والدها…وهتف بسرعة….
(عمي……عمي اهدى خلينا نتكلم…..)
وضع ناصف يده على صدره متألماً ثم لفظ
بصعوبة له…….
(انا موافق… موافق ياسلطان…. والفرح هيكون اخر الشهر ده……)
هز سلطان راسه بالموافقة
(وانا جاهز…… وشقتي جاهزة……)
قال ناصف بصعوبة…..(يبقا على بركة الله……)
ام داليدا فمن بين دموعها بدات تمتمت
بقهر……
(لا….. حرام عليكم…… لا……)ربتت والدتها على
ظهرها وهي تبكي معها…..فتابعت داليدا
بحرقة….
(مش عايزة اتجوزه لا….مش عايزة اتجوزه….)
أغمض سلطان عيناه بتعب ومزال صوت رفضها يدوي في أذانه كصاعقة الرعد…….
………………………………………………….
في اليوم الثاني مساءاً…..
قد عاد من العمل في الورشة باكراً…..وعد لنفسه بعض الشطائر وكوب من الشاي…….وبدأ يتناولهم امام التلفاز بينما هي تلتزم بالجلوس في غرفتها
ولا تخرج منها….
أثناء تناوله للطعام ومتابعة الأخبار….صدح جرس الباب…..فعقد حاجباه وهو ينظر لساعة الحائط
التي تشير للتاسعة مساءاً……
فاتجه الى غرفة الأطفال المقيمة فيها داليدا
واقتحم الباب دون استئذان قائلاً……
“اي مش سامعة جرس الباب……”
احتدت نظراتها وهي جالسة على الفراش بشعراً
مشعث وبشفاه مقلوبة…..ضامة ساقاها الى
صدرها بذراعيها…… جالسة جلست البؤساء !!…..
قالت داليدا باقتضاب…..
“هو مش المفروض تتسئذن قبل ماتدخل …”
نظر لها بعدم رضا ثم اجاب بمنتهى البرود……
“انا مبستئذنش في بيتي….. قومي سرحي شعرك
الواقف ده…… وغسلي وشك…. على ماشوف مين على الباب…. وياريت نفرد وشنا شويه… لحد
مالضيف اللي على الباب يمشي…….”
عندما اغلق الباب خلفه تاففت بغضب بل وجذبت الوسادة وصرخت داخلها ثم القتها على الباب المغلق……..
بالخارج فتح سلطان الباب فوجد أخته الكبرى
(أميرة….)تقف امامه بإبتسامة حانية تحمل بين
يداها طبق من الحلوى الشرقية المفضلة لديه
فقالت أميرة وهي تحرك الطبق امامه بشقاوة…
“قولك مينفعش اكون عامله بسبوسة ومطلعش لسلطان حبيبي طبق……”
اخذ الطبق منها وهو يبتعد عن الباب مرحباً بحفاوة….
“تسلم الايدي يام جنة…..تعالي ادخلي انتي عايزة حد يعزم عليكي ولا إيه…….”
دخلت أميرة وهي تبحث بعيناها عن داليدا
سائلة….
“حبيبي مش محتاجة عزومة دا بيت أخويا…….
فين ديدا صحيح…….”
“في الأوضة زمانها جايه….تعالي نقعد جوا….”أشار
لها سلطان على غرفة الصالون….
جالسا الإثنين على الاريكة….وضع سلطان طبق الحلويات جوار صنية الشطائر…..فعقبت أميرة
مبتسمة…..
“يااااه فكرتني بالذي مضى..لسه بتاكل السندوتشات
دي ياسلطان……”
ضيق سلطان عيناه بلؤم……
“من فات قديمة تاااه…….بذمتك جوزك بيعملهالك
في البيت…….”
ابتسمت بسخرية مجيبة….
“جوزي مبيعرفش يعمل كوباية شاي حتى..مش سندوتشات ”
قدم سلطان لها شطيرة ليقول بود….
“يبقا حماتك بتحبك….خديها بقا من ايد أخوكي…
لسه سخنه والجبنة جواها سايحة…….”
اخذتها منه أميرة وهي تضحك ثم قضمت لقمة
منها… لتجد الجبنة تذوب في فمها والعيش
مقرمش قليلاً……..فعلت باعجاب…..
“لا حلوة تسلم إيدك…….”
“تعالي كل يوم وهاكلك سندوتشات جبنة تركي
على الطاسة…….”قالها سلطان وهو يمسك جهاز
التحكم ويخفض ضوضاء التلفاز…..
فقالت أميرة وهي تشير على طبق
الحلويات….
“موافقة…دوق بقا البسبوسة…..انا عملاها بسمنة البلدي زي مابتحبها……..”
“ريحتها باينه وبعدين انا أول مرة أكل من ايدك بسبوسة…….”مسك سلطان الطبق وبدا يتناول
قطعة بيده…..
فقالت أميرة بمحبة…..
“بالف هنا ياحبيبي….” ثم نظرت باتجاه الباب لتجد داليدا تدلف اليهما بكامل اناقتها كعروس…. بعباءة استقبال مطرزة…. وشعر منسدل على الظهر
بنعومة ، وبزينة وجه متقنة ورقيقة……..
“واهي داليدا جت اهيه أخيراً….ماشاء الله… اي الحلاوة دي…. ”
اشتم رائحة آلورد الجوري قبل حتى ان يسمع تصريح أخته…..لذا رفع عيناه عليها سريعاً…ثم
انزلهم ببغض…….مدعي انشغالة في طبق
الحلوى….
عانقتها أميرة بمحبة…..
“اي ياديدا……عامله اي ياقلبي…..”
بادلتها داليدا العناق بشوق…..
“الحمدلله يأميرة….انتي اي أخبارك…..”
“الحمدلله تعالي قعدي جمبي…ودوقي من البسبوسة
دي قبل ما سلطان يخلصها…….”قالتها أميرة ضاحكة وهي تسحبها جوارها…..لتجلس داليدا بينهما على نفس الاريكة……..
فقالت داليدا بحرج…..
“بالف هنا……..خلي ياكلها…. كاني كلت……”
لكزتها أميرة في كتفها غامزة…..
“يسلام على الحب…….”
فمد سلطان يده بقطعة من (البسبوسة..)
قائلاً وهو يجز على اسنانه مغتصب
البسمة…..
“لا وانا ميخلصنيش برضو….. دوقي ……”
إدارت وجهها اليه وقالت ببرود ممتنعة
“مش عايزة…….”
جز على اسنانه مقرب قطعة الحلوى من
فمها أكثر….. “دوقي…..”
رفضت داليدا بعناد……فنظرت اميرة بتعجب….
صك على اسنانه أكثر… رامقها بقوة نارية…..
وهو يتكأ على الاحرف بشدة…….
“دوقي يادودا……… دوقي ياروحي…..”
ففتحت فمها مقتضبة…واخذتها منه بحنق
شديد……امام نظرات أميرة المراقبة لهما….
“حلوة أوي…..لازم تعلميني الوصفة يأميرة….”
اشارت أميرة على عيناها…. “من عنيا ياديدا……”
ثم نظرة داليدا الى صنية الشطائر فقالت…
“دا جيباه معاكي برضو….”
نظرة أميرة للصنية بتعجب أكبر….فتدخل سلطان
سريعاً…..
“لا يادليدا……. دا انا عملت السندوتشات دي عشان
ناكلها سوا…. بس انتي اتاخرتي في الحمام….”
ارجعت داليدا راسها للخلف قائلة
بارتجال…
“آآه…. دي أكيد سندوتشات المربى اللي بحبها…”
مط سلطان شفتاه بجزع……
“لا دي عيش شامي بالجبنة التركي….”
قضمت منه داليدا وهي تخفي حرجها……
“آآه افتكرت….. بس طعمه حلو اوي تسلم إيدك
ياحبيبي…”
ثم نظرت الى أميرة قائلة…..
“وانتي عامله اي يأميرة… وجنة… مطلعتش ليه
معاكي…..”
قالت أميرة بجذل……
“قعده تحت مع ستها….. صحيح انا كنت طالعة عشان اقولك ان انا وجنة بكرة هننزل نشتري شوية
حاجات من المول اللي فاتح على أول شارع
الساحة…. تيجي معانا……. اهو نتمشى شوية
ونغير جوا…. بدل قعدت البيت…….”
هتفت داليدا بلهفة…… “ياريت…….”
ثم أدارت راسها لسلطان الذي ألقى عليها نظرة
حادة اخرستها…….فتدخلت أميرة بضيق بعد ان
رأت نظرته……
“بتبصلها كدا ليه ياسلطان… ماتسيبها تفك عن
نفسها هتفضل حبسها بين أربع حيطان…….”
نظر سلطان الى داليدا بصدمة فاشاحت داليدا
عينيها عنه بخوف…..فسال سلطان أخته……….
“مين قالك اني حبسها…..”
فهزت أميرة كتفيها قائلة بحنق……
“باينه اهيه لا بتطلع ولا بتنزل من ساعة ما اتجوزتها……. حتى امي لاحظت انك بتقفل الباب عليها قبل ماتنزل الورشة…. ليه بتقفل عليها…..”
بلعت داليدا غصة مختنقة في حلقها
قائلة قبل ان تستئذن……
“انا هقوم اعملك حاجة تشربيها يأميرة…..”
قالت أميرة بحرج….. “مش عايز اتعبك……”
“تعبك راحة….مفيش تعب ولا حاجة….”ابتعدت
داليدا عنهما بعد تلك الكلمات…..
فمالت أميرة على أخوها قائلة بعتاب….
“ساكت ليه ياسلطان…. اللي مترضهوش على اخواتك مترضهوش عليها…… دي مش غريبة دي بنت عمنا.. يعني من لحمنا ودمنا….. متربية قصاد عنينا…. وعرفينها كويس يبقا لازمتها اي بقا الحركات
دي…..”
انتفض رأس سلطان هاتفاً بصدمة…..
“انتي بتقولي اي يأميرة….دماغك راحت فين… امك
فهمت غلط……انـ”
قاطعته أميرة بجدية شديدة……
“فاهمة الصح…. وبلاش تقفل الباب على مراتك… وسبها تنزل تقعد مع امي بنهار تونسها وتاخد
بحسها طالما انت مبترجعش من الورشة غير
بليل……..”
تافف سلطان وهو يبعد عيناه عن أخته معقباً
بوجوم…….
“واضح ان الموضوع ملهوش علاقة بطبق البسبوسة
وانك طالعة تعاتبيني……”
ربتت أميرة على ركبة اخيها قائلة بحنان…..
“اسمع ياسلطان…. انا أختك وعرفاك كويس.. وواثقة
ان في حاجة كبيرة حصلت انت مش عايز تقولهالي…..”
زفر سلطان بنفاذ صبر….
“برضو يأميرة دماغك راحت لبعيد….قولتلك
مفيش حاجة……..”
اومات أميرة برأسها تقول بيقين….
“مفيش حاجة من ناحيتها آه… لكن من ناحيتك انت فيه….. تكونش مبتحبهاش…. وابوك اللي غصبك
عشان بنت عمنا وكده……”
نادها سلطان بجزع……. “يا اميرة……”
تجاهلت أميرة نداءه وقالت بحنو……
“ياخويا حتى لو الموضوع كده… صدقني بكرة تحبها
داليدا زي القمر وروحها حلوة وتتحب… دا كفاية انها متربية على إيدك… وطول عمرها تحت عنيك…..”
صمت سلطان ولم يعقب…فربتت أميرة على ركبته
مجدداً قائلة برفق……
“روق كده ياسلطان وتقي الله فيها… وعمِلها بما يرضي الله…. ربنا يرضا عليك……”
اوما براسه واجماً…… “حاضر…….”
قالت أميرة برجاء….
“ووافق انها تنزل معانا المول وتفك عن نفسها
شوية…….عشان خاطري…. ”
تململ بضيق…….”حاضر…. اي اوامر تانيه…..”
ضحكت أميرة قائلة….
“لا ياقلب أختك…. لو في جديد هبلغك…..”
قبل ان ينهض مد يده في صنية الشطائر
واعطاها واحداً قائلاً……..
“شوية وجايلك……اتسلي في دا على ما اجي…”
ضيقت عينيها بخبث…..
“ماشي…. براحتك خالص……”
اتجه سلطان الى المطبخ فوجد داليدا تقف امام رخامة المطبخ وتولي ظهرها له منشغلة بما
تفعله….
فاقترب سلطان منها حتى شعرت بانفاسه الساخنة تلفح جانب عنقها فاهتزت يداها وهي تسكب المشروب الغازي في الكاسات……….
ملأ رئتيه من عبير عطرها المغوي…..بينما همس
جوار أذنيها بخشونة……
“انتي حاكيه ايه لاميرة……..”
تركت مابيداها واغمضت عينيها بقلب يرتجف
بخجل متاثراً من هذا القرب الشبه حميمي
بينهما…..
فقد حاصرها وهو يسند كفيه الاثنين على حافة الرخامة جوارها من الناحيتين……
حينما طال صمتها ادارها إليه…..وظل الحصار كما
هو الفرق الآن بانها تنظر لعيناه وانفاسه الرجولية الدافئة تضرب صفحة وجهها بقوة…….
“ساكته ليه….انتي قولتلهم اني بقفل عليكي
الباب……راحه تشتكي مني…….”
هتفت داليدا سريعاً…..
“والله ما حصل…..انا متكلمتش خالص…..”
احتدت نظراته عليها شاعراً بجزء منه يتأثر بقربها بجمالها…. بعينيها الجميلة المشعة بالشقاوة والحياة…… “امال هي عرفت منين.؟……”
وبقلة حيلة قالت…..
“معرفش………والله ما أعرف…….”
سحب سلطان نفساً متهدج وهو ينظر الى شفتيها الشهية التي تتحرك ببطء شديد خدر حواسه
لبرهة فاصبح على حافة التهور……لذا رفع
كفيه بعيداً عنها ليقول بصلابة…….
“اسمعي…..من أول بكرة هتنزلي تقعدي مع امي بنهار
تبقي معاها…..عشان متشكش في حاجة…..ومنين ماتزهقي اطلعي على شقتك محدش هيمنعك…المهم
تعرف اني مش حبسك ولا قافل عليكي زي ما بيقوله……..”
اومات براسها وهي تشعر بنفحات من السعادة
تنعش صدرها…….. “حاضر…….”
سألها وهو يبتلع ريقه….
“انتي عايزة تخرجي مع أميرة وجنة……”
أطرقت برأسها مُذعنة……
“لو مش عايز خلاص…….”
نظر لها طويلاً…… ثم قال واجما….
“موافق طالما هتكوني مع اختي وبنتها….. المرادي بس…… متخديش على كده……”
اغتاظت من رده لكنها شكرته
بإبتسامة صفراء… “شكراً…..”
أمرها بغلاظة قبل ان يرحل…..
“العفو………خلصي وطلعي اقعدي معاها……”
عضت على شفتيها وهي تسبه في سرها بغيظٍ….
………………………………………………………………
اثناء قيادة السيارة باتجاه شارع الصاوي….. أنتبه
لها تقف عند الرصيف تنتظر سيارة أجرة حتى
تقلها……. وكانت تحمل بين يداها أكياس تحمل
شعار (الشهد…) فخمن انه طلب ستوصله لأحد
زبائنها…….
لانت عيناه وذاب قلبه وهو يتأملها بكامل اناقتها المحببة للنفس تقف بأدب تنتظر……
جمالها جمال بري هادئ….. مفعم بالحياة بحلوها
ومرها…….جميل قوامها…..تمتلك جسد نحيف لكن يشع انوثة أرق من صوتها الموسيقي !!…..شعرها
الأسود القصير الناعم الذي يتدلى على كتفها
بنعومة يكاد يقسم انه أحب تلك القصة كما
أحب الخصلات التي تتناثر على جبهتها….

حتى النظر لملامح وجهها الرقيقة الصغيرة لها مفعول آخر على قلبه…….وعند النظر لعسليتاها
يفقد النطق وتنهال عيناه منها بقدر ظمأه……
وعندما يراقب شفتيها وهي تحركهما متحدثة
بصوتها الموسيقي الراقي يضيع كما لم يضيع
يوماً في حياته…….
فكيف تغلغلت اليه….ولماذا تفجرت كل تلك
المشاعر بداخله دفعة واحده نحوها…..الم يتوب
عن الهوى……وأخذ هدنة من الحب وعذابة……….
اقترب بسيارته منها ووقف امامها ثم فتح النافذة الزجاجية منادياً عليها بخشونة…….
“آنسة شهد……..”
حانت من شهد نظرة على تلك السيارة بتوجس…
وعندما ابصرته…. خفق قلبها بشدة….. وارتجف
جسدها…… رجفة المُحب عند اللقاء !……
تقدمت من السيارة خطوتين ثم انحنت برأسها
قليلاً…..وبصوت متحشرج سألت…….
“استاذ عاصم….. خير……..”
“راحه فين…….”
لانت شفتيها بتعجب…….وبنظرة بسيطة اخبرته
من اعطاك هذا الحق ؟!….
فهم النظرة سريعاً لذا فتح الباب قائلاً……
“هوصلك….. سكتك على طريقي……”
نظرة شهد الى اتجاه السيارة…..وعقبت…..
“بس انت داخل شارع الصاوي….. وانا راحه…..”
قاطعها بنبرة لا تقبل النقاش……
“هوصلك مكان ماهتروحي…….”
عقدة حاجبيها بعدم فهم…… “مش فاهمه…..”
رد عاصم بجزع……
“مانا قولتلك سكتك على طريقي…….”
نظرة شهد للشارع ثم للسيارة…..وقالت
بامتناع مغلقه الباب مجدداً…..
“لا معلش انا هاخد تاكسي……”
اتكا على حروف اسمها مجدداً….
بغيظ………
“اركبي ياشـهـد…..مش هاكلك…….”
ظلت صامتة تفكر…. فلم يعطيها فرصة ونادها مجدداً بطريقته المميزة التي لم تسمعها يوماً من أحد….. “شـهـد…….”
ارحم قلب شهد…..لماذا تتكأ على حروف اسمي بهذا الشكل المربك………. الا تعرف النطق سريعاً……
قالتها داخلها وهي تغمض عيناها لثواني ثم فتحت
الباب مجدداً واستقلت جواره…….فملأ رئتيه في لحظة دخولها من عبق عطرها الطيب المسكر….
ثم انطلق بالسيارة بعدها محاول اخماد شيءٍ
آثاره العطر وصاحبته……..
“راحه فين……”سالها دون النظر إليها…..
فاعطته عنوان المنتجع الذي ستوصل الطلب اليه……..
فحانت منه نظرة عليها فوجدها متوترة قليلاً…وغالباً
غير راضية على ان يقلها بسيارته…….
فحاول تشتيت عقلها……قائلاً بلؤم……
“تعرفي ان بؤ المايه اللي شربته…..جاب نتيجة فعالة
ونمت بسرعة…… ”
اكتفت بايماءة…… “كويس……”
فحاول مجدداً كسر الصمت بينهما…….
“هو انتي أي اللي خلاكي توصلي الاوردار ده بنفسك…..مش بشير هو المسئولة عن الحاجات دي…..”
اومات شهد دون النظر إليه…..
“ااه بس بشير اتأخر….والاوردار ده مستعجل…فقولت اوصله أنا…..دا أول تعامل بيني وبين الزبونة…
ومحبتش اتأخر عليها…..”
اوما براسه متفهماً…..
“واضح انك بتحبي شغلك أوي…….”
نظرة للنافذة مؤكدة…… “الظاهر كده……”
سألها بجدية…….
“يعني مفيش في حياتك غير الشغل……”
اتتها غريزة قوية في الرد بأجابة مراوغة
فقالت…. “الشغل واتنين كمان……..”
هتفت متعجباً…… “اتنين ؟!…..”
نظرت اليه ببراءة زائفة وقالت……
“انت فهمت إيه….اخويا واختي……كيان وحمزة والشغل…… هما كل حياتي….. ”
انهال من جمال عينيها هامساً…… “بس…….”
“بس………” زحفت حمرة الخجل لوجنتيها لذا
ابعدت عيناها عنه سريعاً……
نظر لها عاصم باصرار شديد…..
“يعني عمرك مارتبطي قبل كده…….”
سالته بملل….رغم ان قلبها متجاوب مع السؤال
بلهفة…….
“اي لازمة الاسئلة دي…..عندك عريس ليه…..”
شعر بالاحباط…..فقال بمرح طفيف…….
“تقريباً……هدورلك….يعني احنا عندنا كام شهد… ”
لم تعرف بماذا تجاوب لذا قالت بحرج….
“ربنا يخليك……بس انا مش عايزة أتجوز……”
سألها بدهشة…… “ليه…….”
“ينفع مجوبش…….”مالت براسها نحو النافذة…
ثم بعد ثواني قالت…..
“على ايدك اليمين هنا……..”
دارت حدقتاه حول المكان سائلاً….
“المكان هنا…….”
“آآه…. شكراً تعبتك معايا…..”خرجت من السيارة شاكرة اياه ظناً منها انه سيرحل…..
ثم اتجهت الى المنتجع بثوبها الربيعي الجميل المحتشم……..فراها تدخل من البوابة بعد ان سمح
لها أفراد الامن بالدخول……
أحياناً يخمن عند التفكير في شخصيتها بانها
تهرب من شيءٍ قاسي جاف…….أخذ منها الكثير…..واستنزف شيءٍ داخلها……فجعلها هكذآ مغلفة بالهدوء بالرقة تتعامل بأسلوب مميز سلسل ……لكن في الحقيقة هي قشرة ضعيفة تخفي خلفها أمرأه ثائرة ماقته…تود اخراق القوانين…..ولا تحب ان تُنسب لرجلاً ؟!…….
اخرج علبة السجائر من جيب بنطالة واخذ واحدة
ووضعها في فمه….. ثم اشعلها وارجع راسه للخلف
سانداً على ظهر المقعد ثم نزع السجارة من فمه
ونفث الدخان امام عيناه مردداً جملتها
بضيق…
“ينفع مجوبش ؟!!… مش فاهم امال مين اللي هيجاوب…. ”
أغمض عيناه شاعراً بانه يتسرع في هذا الأمر… لكن
ماذا يفعل فهو لم يكن يوماً من محبي المراوغة….
دوماً كانت الصراحة مفتاح الأبواب المغلقة
عنده…..
اما باب الشهد فيبدو انه يحتوي على عدة إقفال عويصة ولكل قفل منهم مفتاح مختلف عن
الاخر ؟!….
بعد دقائق خرجت شهد من بوابة المنتجع وهي تعدل حقيبتها على كتفها ناظرة للرصيف حتى تحدد المكان
التي ستقف فيه وتشير لسيارة تقلها للمطعم….
لكن سريعاً انعقد حاجباها بدهشة وهي تحدق في سيارة عاصم الصاوي…التي مزالت تصف في مكانها
الم يرحل بعد دخولها ؟!…..لماذا ينتظر هنا ؟!…
رغم انها ليست ساذجة لفهم بقاؤه هنا……لكنها اختلقت الأعذار بانه ينتظر أحد…او لها مصلحة
في التواجد هنا…..
فعلت هذا فقط لتبرر لمن ينبض بلا توقف داخل ضلوعها…..بأنها ليست المقصودة…..من هذا الإنتظار
العظيم !……
ادعت انها لا تراه رغم ان عيناه تلاحقها….وتنتظرها
بشوق خُلق من سراب !…..
عندما وجدها عاصم تتنحى جانباً بعيداً عن موقع
سيارته….فتح الباب وخرج منه…..منادياً بصوت خافت…….
“شــهــد………”
أسبلت جفنيها بحنق…….توقف أرجوك………
قالتها داخلها وهي تشعر ان هذا التقارب يغرقها في
بحر لا نجاةٍ منه……..
رفعت عينيها…وادعت الدهشة بمهارة وهي تقترب منه خطوتين…….
“استاذ عاصم…….انت لسه هنا………”
أشار بعيناه على السيارة امراً …
“اركبي…….”
هتفت ذاهلة….. “نعم……”
قال بمنتهى الجدية….
“عايزك في موضوع مهم…….”
تساءلت بشك….. “موضوع إيه…….”
“شغل يـاشـهـد……..”وكانه يختلق الاحديث حتى ينطق إسمها بطريقته الخاصة……….
“اركبي خلينا نتكلم……”
اومات براسها وهي تستقل السيارة مجدداً جواره
وهو لحق بها سريعاً …..وانطلق بعدها…..مختار
مكانة المفضل البحر……..
اوقف السيارة في مكان يطل على البحر مباشرةً
عن بعد امتار لكن تبصره العين بوضوح……
فقالت شهد وهي تنظر للمكان من حولها……..
“جيبنا هنا ليه…….”
رد عاصم بهدوء وهو يحل حزام الأمن….
“عشان نتكلم…..المكان مش عجبك….تحبي نروح مكان تاني……”
هزت راسها بنفي……
“لا هنا كويس…..ينفع نتكلم برا…….”
أومأ براسه موافقاً…..فترجلت من السيارة وهو
بعدها…..أستقبلها نسيم البحر المنعش… فاغضمت
عينيها مرتخية لبرهة وهي تستند على مقدمة سيارته….
فوقف عاصم جوارها…. يتأملها بقوة انها حلم
يصعب تفسيرة……. لغز عسير الحل….معضلة لا
حل لها…..انها تعويذة طلاسمها معقدة………
ومع كل هذه العقد والمصاعب ينجذب لها عاطفياً
وروحانياً وجسدياً !!….
فمن اي اتت ؟…. ولماذا هي؟…..ليس لديه إجابة
مقنعة……مما يستشعره بقربها……
فتحت شهد عينيها ونظرة اليه بعسليتين صافيتين
هادئتين لأبعد حدود الكون حلوتين شهيتين عندما
التقطهما بعيناه الصقريتين………فقالت له
“شغل إيه……اللي عايز تكلمني فيه…….”
ابعد عيناه عنها بصعوبة ثم نظر للإمام داخلاً في صلب الموضوع……
“سنوية جدي صابر الصاوي قربت…وكل سنة جدتي بتعمل وليمة معتبره حاجة كده زي الموائد اللي بتتعمل في رمضان…..يعني بتطعم المحتاجين
رحمة ونور على روح جدي…..”
اومات براسها مستفسرة…..
“تعيش وتفتكر….ربنا يخلهلكم…..بس انا فين
شغلي هنا……..”
نظر لها قائلاً بهدوء…..
“محتاجين طباخ يطبخ للناس اللي هتيجي تاكل
في اليوم ده……..”
سالته مستفسرة……
“والعدد كبير……..قصدي يعني الناس هيكون قد إيه…….. ”
“معرفش على حسب……بس أكيد العدد هيكون كبير…….مش أول مرة نعمل كده…. بيجلنا ناس
من كل حته…… “ثم أضاف وعيناه تسير على
ملامحها بتأني………..
“هي أن شاء الله السنوية هتكون اخر الشهر….. قولتي إيه…….”
ابعدت شهد عينيها عنه قائلة…..
“قولت لا اله إلا الله…..هرد عليك كمان يومين باه
او لأ………”
سالها عابساً…..
“وليه لا……مش فاهم مش ده شغلك……”
اكدت وهي تتحدث بعملية….
“اكيد دا شغلي بس دي مسئولية وعدد كبير…..ومحتاجة اجمع ناس تساعدني….أكيد مش هعمل كده لوحدي………”
تفهم ترددها لذا قال بخشونة…..
“فهمت….خلاص جيبي اللي يساعدك في الطبخ
وانا عليا اجيب الناس اللي هتخدمكم وتضايف
الناس في اليوم ده…..اتفقنا……..”
مجدداً اومات بهدوء…..
“ان شاء الله اشوف الاول الناس اللي هتبقا
معايا….”
صمتا قليلاً ثم قطع الصمت عاصم متذكراً…..
“بس خدي في بالك….جدتي مش بيعجبها العجب…
ومش اي أكل هتعملو للناس……في اكل معين هتتطلبه منك تعملهولهم…….بطريقتها هي
كمان…..فلازم قبل ما تبدأي في اي حاجة…
تروحي تزوريها وتتفقي على كل حاجة معاها…. ”
لم تتضايق شهد كما توقع بل قالت
بسلاسة….
“مفيش مشكلة طالما هي صاحبة الموضوع…
سبني اتفق معاها…….”
سألها بوجوم…… “يعني خلاص اطلع منها…….”
اومات ببساطه….. “آآه ياريت……..”
اتسعت عيناه مندهشاً….. “اي الاحراج ده…..”
ضحكة شهد بخفوت فضاع في تفاصيل الإبتسامة كما يضيع الغريب في أرض غير ارضة…….فقال
عاصم بمناغشة…..
“تعرفي انك أحلى لما بتضحكي……..”
ادارت وجهها إليه فتعانقت العيون بألق عاطفي كاسح وكذلك مستجد بينهما……فسالته بلؤم
خفي……
“بجد واي كمان…….”
نفحات من البهجة اصابة قلبه فقال بصوتٍ
لهوف……
“ولما بتبقي لئيمة……”
اتسعت عيناها بصدمة مشيرة على نفسها بعدم تصديق…… “انا لئيمة ؟!…..”
أومأ براسه ببساطه وهو يبتسم… فأخيراً تجاوبة
معه كالأحياء !…..فقالت بصدمة ممزوجة
بالحنق….”لئيمة إزاي يعني……”
نظر للأرض وركل شيءٍ وهمي بحذاءه الأسود
وهو يجيب…….
“لسه من شويه لما كنتي شايفه عربيتي عملتي
نفسك مش واخده بالك منها……..لا واول
مانديت عليكي…..عملتي نفسك متفجاة انك شوفتيني……”
عضت على شفتها السفلى امام عيناه
الثاقبة…ثم هزت كتفيها بعدها قائلة بمراوغة…….
“عشان دي حقيقية…….مخدتش بالي منك غير لما نديت عليا…….”
تافف عاصم بمزاح شقي……
“وكمان كدابة…..يعني لئيمة وكدابة….وضحكتك حلوة…….اتقي الله بقا……”
كبحت ضحكتها بصعوبة وهي تهتف بصلابة…
“على فكرة كلامنا في الشغل خلص…..ينفع ترجعني
مكان ما خدتني……..”
انصاع لطلبها باستياء وهو يشير على
السيارة ….. “ماشي اركبي……….”
اولته ظهرها وضحكة دون صوت….. ثم فتحت
باب السيارة واستقلتها وهي تغلق فمها قبل
ان يراها…….لكنه عندما احتل مقعد القيادة
أدار محرك السيارة قائلاً بخشونة…..
“بطلي ضحك……..”
لم تنظر اليه بل قالت بجدية قصوى..
“مين دي اللي ضحكت هضحك ليه….مفيش حاجة
تضحك أصلاً……..”
مط شفتيه ممتعضاً……. “متخفيش الضحك
معلهوش ضريبة…….”
اشاحت بوجهها لنافذة الزجاجية بصمت…وقد خانتها
اللحظة فلانت شفتيها في إبتسامة جميلة….
……………………………………………………………
عندما يخرج الإنسان من علاقة حب فاشلة استنزفت
كل مشاعره النبيلة……والمصدقية في الأفعال…..
ويتضح بعد الفراق انه وهم منقطع النظير….
ينعزل جزءاً منه عن الحياة في رقعة منزوية…..
ويظن انه لن يتصادف مجدداً بالحب…. ويظن
انه حصيناً الى يوم الدين……
لكن يقع……… يقع الوقعة الكبرى في قصة جديدة
اعتنقها قلبه ببسالة معبراً عنها بتباهي وكأنه لم
ينجرح من الهوى يوماً ؟!….
لما نداوي الحب بحباً……..لما الحياة عبارة عن عاشقين…. شريكين….زوجين….اثنين……..
كل منهما يكمل الآخر….ينتمي للآخر وكانه
القدر الذي لا مفر منه؟!….
لماذا عند إلقاء الأول تأخُذنا اللحظة…وتتسمر
أعيننا بنظرة خاصة…….وعندما نبدأ بالحديث
نشتهي الكلمات كما لو اننا نتذوق الأحرف لأول
مرة بنهم……وعندما تبدأ الشفاه تلين في إبتسامة
خاصة كنظراتنا لبعضنا……..يخفق القلب فرحاً
وكان البسمة رمزٍ لبهجة المُحب……
ام عن الشوق فهو كالمرجل الناري في صدر المحب….
نشتاق عندما نحب…….والشوق يأخُذنا الى من نحب
وعندما نلتقي يزداد لهيبة طامعاً في الأكثر…..
كالبحر هي عجيبة.. غريبة…. قوية…. وحزينة….
لكنها جميلة بعواصفها وهدوءها جميلة…. بنظراتها
ببسمتها بحديثها الفاتر جميلة… وتجذبة دون
ان تدري ، ومن النظرة الأولى لعينيها فهم انها لن
تمر عليه مرور الكرام….ستترك آثر لا يمحى عند رحيلها……….وربما ستظل ان أرادت ذلك……..
فالحب بالأجبار لا يليق بانثى مثلها……ولانها
مختلفة عنهن …اختلافها أدى الى ضياعُ؟!…..
“مالك ياحولم……..ساكت ليه……..”
ابتسم عاصم وهو يلقي الصنارة مجدداً بعد ان وضع الطُعم بها…. ثم نظر الى حكيم المتطفل..
“هقول إيه……..”
زم حكيم شفتاه قائلاً……
“قول انك خلصت على سمك البحر كله…ومش
مستكفي……..”ثم نظر حكيم للعلبة البلاستيكة
الكبيرة والتي تمتلئ باسماك البحر…..
فقال عاصم بشرود…….
“إلا سمكة واحدة……مش راضية تاكل الطعم…..”
تحدث حكيم بلؤم…..
“غيرو….مالاسماك أنواع……وكل نوع ولي طُعم
غير التاني….”
قال شارداً في البحر…… “جايز…….”
لكزة حكيم بزهوٍ مبتسم….
“خد رايي انا خبره في الحاجات دي…….”
“انا لو هاخد رأي حد يبقا مينا……..”نظر عاصم نحو مينا الجالس جواره من الناحية الاخرى……على الاحجار…. مكانهم المفضل في الصيد منذ ان
بدأت صداقتهم………
قال حكيم بشماته….. “واضح انك واقع…….”
رد عاصم فاتراً…… “مش بظبط…..لسه…….”ثم
نظر الى صديقة الثالث (مينا..)ذلك الرزين
الجاد اكثر منه ومن حكيم في تلك المسائل
والذي كان يكبرهم بعدت باعوام……..
“اي رأيك يامينا……”
ساله مينا بهدوء…… “في إيه…….”
شعر عاصم بالحرج لكن السؤال اندفع على لسانه
دون ان يفكر مرتين…….
“في الستات عموماً……اي الحاجة اللي بتشدهم لينا……..”
تدخل حكيم بسلاسة وهو يمط شفتيه
بيقين…..
“جيوبنا معروفة……الفلوس مفتاح قلب اي
ست…. اسمع مني….. ”
تافف عاصم بجزع……
“لما ابقى اسالك ابقا جاوب……قولي يامينا…..”
تعجب مينا من تغير صديقة المفاجئ…ومن لمعة عيناه ولهفة في صوته….فسأله مستفسراً……
“مالك ياعاصم……قولي مين دي اللي قدرت تضيعك بالسرعة دي……من فترة كنت رافض الجواز والستات
اي اللي حصل…….”
تدخل حكيم غامزاً…..
“شكله وقع………وقعه شديدة……”
لم يرد عاصم بل نظر للبحر وامواجة
العتية…..فقال مينا بهدوء…..
“الستات لغز حير رجالة كتير…….وكل ست ليها دخله معينة…..لكن اللي مشترك بينهم انهم بيحبوا الراجل الدغري….الجد……يعني لو مالي ايدك منها توكل على الله وفتحها……..”
هز عاصم راسه موضحاً……
“لسه بدري على الخطوة دي…انا عايز أعرف
بس اي الحاجة اللي تشدهم لينا…..”
اخبره مينا ببساطه……
“انك تكون موجود….من غير مايطلبوا تكون موجود…….مهتم….حنين…..سند وأمان….هو
ده اللي بيحبوا فين…….”
برم حكيم شفتاه باستنكار….ثم تدخل بالحديث موضحاً بصيغته الخاصة…..
“قعد انت يامينا على جنب…..انا هفهمك ياعصومي…..ماهو كل شيخ وليه طريقة…
اسمع……..
الست دايما عندها فراغ عاطفي مكبوت……
محتاجه إيه بقا عشان يخرج للنور…….حبة
اهتمام على شوية هشتكه…على كلمتين حب وغرام من اللي بالي بالك…..وكل مادلعتها كل مغرقتك حب وحنان…..أمال….إيه…. اسمع مني اديها هشتكه
تديك لاڤلاڤا ……”
قال مينا بعدم رضا…….
“اللي انت بتنصحه بيه ده يعملوا بعد الجواز
مش في المرحلة دي……..”
تافف عاصم بحنق شديد منهم…معقباً
بقرف……..
“وكاني متزفتش قبل كده…….انا غلطان اني سالتكم……..قولت انتوا أهل خبرة……اتاريكم
محتاجين خبرة……..”
هتف حكيم ممتعضاً……..
“طيب ياخبرة……..اتصرف انت ومتجيش تسالنا تاني……….”ثم مال عليه هامساً بفضول…….
“بس مين دي اللي شقلبت حالك ياحولم……وبقيت
تسأل عن طريقة تدخلها منها…… ”
لم يرد عليه فقد اهتزت الصنارة بقوة في يداه فانشغل في سحبها من الماء….
……………………………………………………………..
وصلت في الصباح الباكر الى المكتب…. فتحت الشقة
التي يتواجد بها مكتب (سليم الجندي…)
ودلفت وهي تحمل حقيبتها وكيس يحتوي على فطورها المعتاد من شطائر مجهزة في البيت…..
سعلت بقوة وهي تشعر انه تنفست غبار….. نظرة للمكان من حولها فوجدت انه غير نظيف…على غير
العادة ففي يوم الإجازة تاتي زوجة البواب وتقوم
بتنظيفة……..
تاففت كيان وهي تلامس سطح مكتبها بطرف اصبعها لتجد الغبار في كل مكان…..
مطت شفتيها وهي تخرج من الشقة منادية
بصوتٍ جهوري……
“عم عوض….ياعم عوض…….”
هرول الرجل وهو يصعد درج السلم
قائلاً…
“ايوا ياست كيان……..عايزة حاجة….”
قالت كيان بجزع……
“امبارح كانت اجازة ياعم عوض….والمكتب متنضفش مع اني مأكده عليك قبل مامشي…….”
تحدث الرجل مؤكداً بجدية…..
“حصل ياست وانا كنت ناوي اطلع ام العيال تنضفه باليل… لكن الاستاذ سليم جه بليل وبات فيه… فمكنش يصح اطلع مراتي…… والاستاذ نايم في المكتب……..”
تشدقت كيان بدهشة….. “استاذ سليم هنا……”
اوما الرجل وهو يشير على الباب الفاصل
بينهما…..
“ايوا انتي مشوفتهوش ولا إيه….دا في مكتبة….”
نظرت للباب متمتمه بحيرة….
“واي اللي بايته هنا……”
“معرفش والله ياست……….”
نظرت كيان للبواب وقالت معتذرة……
“طب خلاص ياعم عوض…..روح انت…..”
“اللي تامري بيه ياست……”قالها البواب وخرج
من المكان……
فنظرت كيان لمكتب سليم المغلق…..ثم خفق قلبها برهبة….وهي تاخذ خطواتها نحوه…..
فتحت الباب بحذر……ومررت فيروزيتاها البراقة
على المكان بحذر……..لتجد سليم ممدد على الاريكة الوحيدة الموجودة في المكتب…….ببنطال الحلة الرمادي وبقميصها الأبيض المفتوح أول أزراره باريحية شديدة….ليظهر جزءاً من صدره البرونزي الرياضي المشدود……
غضت بصرها وهي تشعر انها بمأزق…ان طال تأملها
لرجل مثلة ينبض بالجاذبية والوسامة حتى وهو نائم !!….
سحبت الهواء لرئتيها لتجد الغرفة متشربة من
عطره……..لم تشتم الا عطرة المنكه بانفاسة
الرجولية……….
اسبلت اهدابها بتوتر…..ولم تتقرب من مكانه بل استدارت تفتح النافذة الخاصة بالغرفة لتدخل
الشمس والهواء إليها……ربما استيقظ بعدها……
بالفعل……شعر سليم بشعاع مزعج مثبت على
جفونه المغلقة ونسيم بارد لفح وجهه…….ففتح
عيناه ببطئ منزعجاً…….
“اي ده….”
“صباح الخير ياستاذ……”
قالتها كيان وهي تقترب منه قليلاً بإبتسامة مشرقة
مشعة بالحياة….ابتسامة تعني له الكثير وكانه لقاح
ضدد اليأس والحزن……..
بلع ريقه الجاف وفتح عيناه بصعوبة قائلاً
وهو يستوي في جلسته……
“صباح النور…..الساعة بقت كام دلوقتي…..”
قالت كيان وهي تجلس بالقرب منه على أحد
المقاعد الوثيرة…….
“تمانية…… هو حضرتك بايت هنا ليه…..”
القى عليها نظرة قوية جعلتها تتراجع برأسها
للخلف قليلاً….. فقال هو باقتضاب وهو
يخرج علبة السجائر…….
“كنت شغال على قضية مهمة…..فراحت عليا
نومه هنا….. ”
نظرة كيان بما يفعله بعدم رضا…لذا تدخلت بعفوية وسحبت السجارة من فمه قائلة…….
“انت بتعمل اي ياستاذ…. التدخين غلط… وبذات
على معدة فاضية……..”
رد ممتعضاً وهو يشيح عيناه
عنها….
“هو كان فيه فطار وقولت لأ……”
نهضت بمنتهى الحيوية قائلة بطيبة….
“دقيقتين والفطار يكون جاهز….وكوباية شاي عشان تحبس بيها كمان….دقايق……..”
عندما خطت خطواتها باتجاه الباب…لم يمنع نفسه
من سؤالاً أقحم عقله به طوال اليل حتى انتهى الحال به نائم على أريكة مكتبة !!…….
“انتي روحتي امتى إمبارح…….”
استدارت اليه بملامح مشدوهة….. “إيه ؟!……”
اعاد السؤال وكانه أمر مفروغ منه حق اكتسبه
دون موافقتها !!…..
“روحتي امتى إمبارح ياكيان؟……”
ظل الصمت بينهما قائم للحظات حتى…حتى
اجابت على مضض……
“العصر………العصر متاخرتش…..هو في حاجة…”
“لا مفيش حاجة…….اعمليلي قهوة… “قالها وهو يشعل سجارته بضجر……
فكانت اعند منه وهي تقول ببرود……
“هعملك فطار…….هنفطر سوا……شوية وجاية….”
حتى الان لا يعرف مالذي يفعله في نفسه…..لكنه يشعر معها بأشياء لا يجد لها تفسير ؟!….او يخشى
تفسيرها فيتضح انه خائن…..ممن يقعوا في غرام أمراتين معاً ويجدوا صعوبةٍ في إختيار واحدة فقط !!….
بعد دقائق اتت كيان حاملة صنية الإفطار..التي تحتوي على طبقين من الشطائر التي اعدتها في المنزل…..وكوبين من الشاي الساخن….
كانت رائحة الشطائر شهية…. ربما هي عادية… لكن
مع هذه المشاعر الخائنة تُعد الافضل في عيناه…
فدخولها بهذا الشكل والاهتمام الفطري يولد داخله شعور أدفأ مما سبق ……..وتذكره بامرأة وحيدة كانت تهتم بالفطرة ، بكل تفصيلة صغيرة تخصه..
(هالة..)المرأة التي لم يعشق سواها….ولم يواكب
أحد محبتها في قلبه…….والدته……. هالة…….
وضعت كيان الصنية على الطاولة امامه وجلست بالمقعد المجاور للاريكة ثم….. مدت له شطيرة
فسألها وهو ياخذها……
“عبارة عن اي دي……..”
حملت كيان شطيرة اخرى وقضمتها
قائلة…..
“عجة….. عجة بيتي عملاها بنفسي……..”
فتح الشطيرة يفحصها باعين ضيقة….
“عجة…… واي اللي جواها ده…. ”
فبلعت كيان اللقمة قائلة…… “جرجير…….”
سالته بعد فحصه الدقيق للشطيرة وكانه مسكها متلبسة في قضية غير أخلاقية…
“مش عجباك……”
رد بتردد وهو ينظر لعيناها….
“مش باكل الكلام ده…..”
قالت بلهفة….. “جرب…… هيعجبك والله…….”
سألها سليم بشك…… “على ضمنتك…..”
اومات برأسها بثقة…. “على ضمنتي ياستاذ……”
قضم لقمة من الشطيرة فوجدها عكس ما توقع
كانت لذيذة وشهية……..فسالته كيان بلهفة…
“ها……. اي رأيك……”
“كويسة……”كان رده حيادياً… مما جعلها تمط
شفتيها ضاجرة….
“كويسة؟!… كويسة دي بتفكرني بلايك الأزرق….اللي
هو جبر خواطر وخلاص……. بس على العموم دي شهادة اعتز بيها…….بالف هنا…. ”
بدأت تشاركه الطعام بصمت….فاثناء تامله لها في الخفاء أنتبه لكوب الشاي الأصفر…المطبع عليه
عيون فيروزية واسعة تشع لطافة ومنقار بالون الأصفر الداكن……لم يمنع نفسه من سؤالها
بفضول….
“هو اي حكايتك مع المج….. ده…..”
رفعت كيان عيناها اليه بتساؤل…..
“إيه عجبك ولا إيه……..”
رد ببساطه…. “شكله يشد…… زي صاحبته…..”
ردت رداً يناسب طفلة في عمر السابعة لا شابة
جميلة فاتنة القوام قد تخطت من العمر
الاربعة والعشرون عاماً…….
“اصلي بحب تويتي أوي….. هو أنا أصلا من عشاق الطيور العصافير الحمام الكناري……الحاجات
الكيوت دي…… فعشان كده بحب تويتي…
وأحياناً لما باجي اشتري حاجة والاقي عليها
صورة تويتي لازم اشتريها…حتى لو مش مقتنعه
بيها اوي……….بس شكله مريح……وبيخليني
أبتسم……….”
في سهوة اللحظة قال….. “يابخت تويتي……..”
نظرت اليه بدهشة…… “إيه……”
هز راسه ناهضاً….. “ولا حاجة…..الحمدلله……”
نهض من مكانة متجه إلى الحمام كي يغتسل……
فتابعت كيان الاكل بعقل منشغل……وأثناء ذلك سمعت خطوات انثوية بكعب عالٍ تطرق الأرضية
الصلبة وتقترب….. فرفعت عينيها تلقائياً على
باب المكتب لتجد (ايتن..) امامها على عتبة الباب بكامل اناقتها العصرية…..تنظر اليها من أسفل نظارتها باحتقار هي والطعام الموضوع أمامها…..ثم على
باب الحمام المغلق والذي دلف اليه سليم منذ لحظات…….
فنهضت كيان قائلة بأحترام…..
“اهلاً يانسة ايتن ……”
لم ترد أيتن بل ظلت النظرات قائمة بينهما…نظراتها تشع تحدي وكرهاً تقابلها نظرات كيان الشبه مجردة
من اي شعور انساني……يعلوها الفتور والهدوء….
فتح سليم الباب في تلك الأوقات وهو يجفف وجهه
بالمنشفة وقد انتبه لهذا المشهد…. ليجد الامرأتين التي يكن لهم مشاعر خاصة احدهن تستحقها والاخرى دخيلة دون ان تدرك…في مواجهة نارية سلاحها النظرات !……
قطع وصلت النظرات سؤاله
الجاد…….
“أهلا يايتن…… جيتي أمتى……..”
رفعت ايتن عيناها اليه من خلف نظارتها السوداء القت عليه نظرة اتهام…….ثم نزعت النظارة لتقابله بنظرة أشد قوة………..
………………………………………………………………
“ممكن أفهم انتي مضايقة ليه دلوقتي….”
قالها سليم وهو جالس خلف مكتبه…يطالع ايتن بنظرات متعجبة…..فنظرت له ايتن بضيق وهي
تنفث من دخان سجارتها الرفيعة بحنق…….
“يعني مش عارف……”
طرح سليم السؤال متعجباً……
“اي اللي حصل لده كله……كنا بنفطر سوا.. عادي.. ”
برمت ايتن شفتيها بقرف وقالت
بتكبر……
“عادي……إزاي عادي… دي شغالة عندك تاكل معاها بمناسبة إيه…. فين برستيجك ياسليم…..”
تحدث سليم بحمائية….
“كيان مش شغاله عندي….. كيان محامية تحت التدريب وشغالة معايا…..”
اطفأت ايتن سجارتها في المنفضة
قائلة….
“وات ايفر…… برضو اخر الشهر بتاخد مرتب منك..
تبقا شغاله عندك…..”
تشدق سليم بنفور….
“ايتن انا مبحبش الطريقه دي…..”
نظرت اليه ايتن بحسرة…قائلة باختناق….
“طريقتي ولا طريقتك…. انت مبقتش مهتم
ياسليم…. ولا بقيت اشوفك ولا بقينا بنتكلم….”
أسبل عيناه متحججاً……
“الشغل والمكتب مانتي عارفه… وبعدين كل اللي غبته عنك أسبوع من آخر مرة كنا فيها سوا….”
هتفت ايتن بشجن….تموء من غيابه بدلال..
“من أسبوع….. سليم انت مكنتش تقدر تبعد عني ساعتين على بعد…. وبعدين آخر مرة دي كنت انا
اللي جيالك بنفسي عشان ابلغك باني موافقة ان فرحنا يكون كمان شهرين….. فرحنا اللي انت مسألتش فيه ولا جهزت لاي حاجة…..”
رد بفتور اغاظها……
“كل حاجة جهزة يايتن احنا اختارنا ديكور الشقة والفرش وكل حاجة……”
اكتفت بايماءة وهي تقول…..
“فعلاً وشقتنا جاهزة…. لكن إحنا اغلب الوقت هنعيش في شقة باباك…. يبقا لازم نغير ديكورها….”
رد سليم بهدوء وهو يفتح احد الملفات
أمامه…..
“ليكي الحرية المطلقة في اوضتي… اعملي فيها
اللي انتي عيزاه… لكن بقيت الشقة مينفعش…..”
اعترضت ايتن متجبرة……
“ليه مينفعش انا عروسة ولازم أجدد المكان اللي هعيش فيه من فرش لديكور…..”
شعر بالملل من إعادة الكلام مرة أخرى…..
لكنه وضح بصوتٍ يشع حنين منكسر لوالدته
الغالية…….
“قولتلك اعملي اللي انتي عيزاه في اوضتي… بس الشقة خط أحمر…. دي تخص المستشار وحرمة….
وكل ركن في الشقة ماما اختارته وفرشته على ذوقها ومستحيل المستشار يسمحلك تغيري حاجة
فيها……”
برمت ايتن شفتيها معقبة….
“واضح اني هكون ضيفة تقيلة على قلبك
انت وباباك…….”
اندهش سليم قائلاً بدفاع…..
“ليه بتقولي كده… بابا بيحبك… وبيعتبرك زي
بنته….”
هزت راسها مستاءة من الأمر برمته…لذلك اغلقت الحوار قائلة…….
“اوكي ياسليم…. كده كدا……هنكون اغلب الوقت
في شقتنا….. مش كده…….”
هو أيضاً اكتفى بهذه النهاية فأجاب…
“اكيد ياحبيبتي…….”
وجدته يعود لملفاته متجاهل وجودها….على غير العادة مما جعلها تنهض عن مقعدها وتدور حول
المكتب بمنتهى الهيمنة…….ثم جلست على حجره
اي في احضانه كما تفعل دوماً…….
“سليم……”مررت يدها على لحيته بمداعبة مغرية…
ثم مالت وطبعت قبلة على شفتيه….قائلة ببحة
دافئة قاصدة اشعالة…..
“لسه بتحبني يابيبي……”
اوما سليم براسه وهو يعانق خصرها…..
“اكيد ياحبيبتي…….”
برقة عيناها الجريئة ببريق الانتصار….فطلبت
بصوتٍ أرق……
“مم…. يعني هتيجي معايا النهاردة البارتي بتاع اميلي………”
“ايتن……”زفر سليم وهو يبعد وجهه عنها…..
فمسكته من ذقنة وهي تئن برجاء……
“بليز يابيبي…. خلينا نروح سوا…. كلهم بيسألوا عليك….. بليز تعالى معايا بليز……”
لم يبدي اي فعل بل ظل ينظر اليها
بصمت…..فالحت بدلال أكبر مستعملة كل اسلحتها الفتاكة ضددة…… “بيبي….. وحياتي عندك……”
اوما براسه بعد لحظات حتى لا يحزنها….
“ماشي… بس مش هنطول……”
بإبتسامة منتصرة قالت….
“اوكي…… ساعتين بس……”
هتف سليم بتزمت……
“نص ساعة….. نص ساعة يايتن….”
“بيبي…….”
بصلابة هتف….
“ايتن……… لو مش موافقة بلاش نروح من الأساس……”
اخرجت تنهيدة ناعمة تعبر عن استياءها
منه…..
“أوف…. خلاص اتس اوكي………اي لاف يووو…… بيبي…….”
قربت شفتيها من شفتاه منتظرة ان يقبلها…لكنه
تنحى رافضاً……..
“مش وقته يايتن…. قومي بقا لحسان حد يدخل علينا………”
نهضت بدهشة شاعره بانه خدش كبرياء انوثتها
بهذا الرفض القاطع……
كان من فترة قصيرة يموت شوقاً كي تتعطف عليه بقلبة او عناق حميمي…….ينهال عليها كلما سنحت له الفرصة ام الآن يرفضها متحججاً بدخول الغرباء….
ثم من سيدخل الى هنا غيرها هل يخشاها الى تلك الدرجة ؟!…
الحاسة السادسة تخبرها بقوة بان هناك شيءٍ مريب
يحدث من خلف ظهرها بين خطيبها وتلك الفتاة ملونة العينين !………
……………………………………………………………..
على أحد الجسور القريبة من البحر كان يصف سيارته جانباً واقفاً أعلى الجسر سانداً بذراعيه على السور…
يعبث في سلسلة المفاتيح بين أصابعه يميناً ويساراً
كعادته عندما يتوتر….. يشرد….. يفكر في شيءٍ
يتلف اعصابة…..وباليد الأخرى ينفث من سجارته
وينفخ دخانها المتراقص امام عيناه الحانقة من
الحياة ومافيها……..
عند التطلع لهذا المنظر البديعي…..ترى الدنيا واسعة
واسعة جداً….لكن لا تساعهُ……امامه هي اضيق من ثقب الإبرة !!……..
“حمزة…….”
أغمض عيناه لثانية وانتفض قلبه بين اضلعه بخفقة خائنة سرقتها عند النداء….وعندما أستدار لها ببرود
بعيون عسلية شاخصة لها بريق اجرامي يميزها
…وملامح رصينة ، يتطلع إليها بصمت جليدي…….
جعلها تبتلع ريقها عدت مرات بخوفٍ منه…….ثم
تشجعت وتقدمت منه…..باناقتها وجمالها الذي
اشتهاه يوماً ام الآن فيشعر بالشمئزاز من مجرد النظر لها !!….
غريبة تقلبات البشر…..الحب يأتي دون تخطيط… والكره يأتي دون تخطيط….. والخيانة تاتي
دون تخطيط…… ام الفراق فياتي بتخطيط
مسبق !……
“طلبتي تشوفيني خير……..”
قالها حمزة وهو يضع يده في جيبه….
فاسبلت نجلاء جفنيها ثم مدت يدها في حقيبتها
واخرجت علبة قطيفة حمراء وقالت وهي تقدمها
له……..
“دي الشبكة اللي جبتهالي…..حقك……”
نظر حمزة للعلبة بين يدها ثم لعيناها الجامدة
فلوى ثغرة ساخراً وهو يتحدث بقرف….
“حقي ؟!….وحقي اللي كان فيكي…..فين….هياخده
سامح……..سامح يانجلاء………طب ماكنتي عرفتيني
انك مبيته النية اوي كده….عشمتيني ليه انك بتحبيني….ومستعده تعيشي معايا ولو في
عشه….فين كلامك…..”
بدات نجلاء تلاعب حاجبيها الرفيعين لتقول
مستهجنة…….
“اديك قولت كلام…..فوق ياحمزة….فوق…احنا
في زمن ما يعلم بيه إلا ربنا……و الحب مش كل
حاجة……..وبعدين انا استنيتك كتير وصبرت
عليك….”ضربت كف بالاخر ولوت شفتيها
متحسرة على عامين مضوا من عمرها
بالانتظار……..
“عملت إيه…ولا حاجة حجج حجج….وامي
كلت وشي….و مش رحماني……..وسامح من
ناحية وامي من ناحية عايزني اعمل إيه……..لو
جه لاختك عريس زي سامح وهي متعلقة بحبال دايبة مع واحد مش عارفه يجيب شقة يتجوزه فيها……هتنصحها باية…….”
اوما حمزة براسه وهو يلقي السجارة أرضاً
ويدعسها بحذاءه…..
“عندك حق…….لازم الواحده برضو تتجار في نفسها
صح…..عشان تكسب أكتر……”
قالت نجلاء بتململ……..
“احسبها زي ما تحسبها…..انا عملت اللي اي واحده
في مكان هتعملوا…..وكل شيء قسمة ونصيب…”
وضعت العلبة في يده…. ثم لوحت له مستديرة خطوتين……
“حقك…….. سلام عليكم……..”
غمغم بكرهاً شديد خلفها…..
“بسلامه يابنت الجعانه………”
ادارت رأسها اليه متسائلة….. “بتقول حاجة…….”
“بقول سكتك خضرة…..أبقي سلميلي على أمك…وقوللها حمزة مش بينسى حقه…..ولا حق اخواته البنات………سلام…. ”
ثم اتجه الى سيارته واستقلها والقى العلبة جانباً باهمال ثم انطلق سريعاً دون الالتفات خلفه……
أصبحت ماضي….والماضي لا يعود……..تظل ذِكراه راسخة في عقولنا لكن العودة من جديد امنية
لا تحقق !……
……………………………………………………………
كان صدره متضخم بالغضب واليأس… مشاعره باردة
مغلفة بطبقة من الجليد الصلب…… تجربة حبها بدلت
الأفضل داخله بالاسوء…..وربما هذا السوء يجرح
من سيحاول مساسه يوماً !!……..فهو عاد أسوأ
من السابق….أسوأ بكثير……
اثناء قيادته للسيارة ليلاً…عائداً الى الساحة بعد ان
انهى عمله……….واثناء طريقة في طريق شبه
مقطوع……سمع صراخ انثوي عالٍ ياتي من
أحد الزوايا
فاستدار ناظراً من نافذة الباب المجاور…….وبطئ
سرعة القيادة… ليجد سيارة حمراء فارهة بجوارها ثلاثة من الشباب يحاولون سحب فتاة بالاجبار الى سيارتهم….وهي تصرخ وتقاومهم بكل قوتها…
لكن الكثرة والقوة……تغلب رفضها ومقاومتها
الشبه منعدمة امامهم والتي تزيد نشوتهم
اكثر بها………
غلت الدماء في عروق حمزة ولم يتحمل رؤية هذا المنظر أمامه……..فاوقف السيارة نهائياً وترجل
منها….اتجه سريعاً الى مؤخرة السيارة واخرج
عصا غليظة تشبه (النبوت) الى حداً كبير…..
السلاح المسموح بحملة…والذي لا يتخلى عنه من
يوم ان اعتنق هذا العمل وأصبح مصدر رزقة….
اتجه سريعاً الى الشباب قائلاً بشقاوة وهو يشعر بنشوة لمجرد انه سيقيم شجار معهم….فهو يحتاج لافراغ شحنات غضبة بشدة على ايا كان…..
“اللي ياكل لوحده يزور…….ياشباب……”
توقف الشباب الثلاثة عن سحب الفتاة لكن لم يحرروها من بين أيديهم…….
رفعت الفتاة عينيها اليه….كانت ملامحها شبه مختفيه بين خصلات شعرها المتموج المتناثرة
بجنون على وجهها آثار مقاومتها مع ضباع
الليل الثلاثة……..
لم يطل حمزة النظر اليها بل عاد للشباب
مبتسماً بوقاحة…….
“مين فينا هيدوق الأول……..”
ساله الشاب الأول…. “انت مين وعايز إيه…….”
قال حمزة بابتسامة سمجة…. “عايز اللي معاك……”
تدخل الشاب الثاني…. “احنا اللي لقيناها الأول……”
رد حمزة بسماجة……
“وانا شوفتكم………يبقا يافيها ياخفيها……”
خبط الشاب على راسه حانقاً…..
“بقولك إيه اطلع من دماغنا العملية مش نقصاك……”
تدخل الشاب الثاني وهو يسحب الفتاة لعنده
وهي تقاومة بشراسة…….
“البت دي دخلتها اليله…..وهي طلبت كده…”
صاحت الفتاة بغضب…..
“ابعد عني ياحيوان…….”
لاح التعجب على ملامح حمزة فسال
بدهشة……
“اي ده….. هي الدخلة اليلة الف الف مبروك…..”
ثم تابع حمزة بلؤم…. “مش تقولي عشان ازفكم…..”
مط الشاب شفتاه ساخراً…..
“وهتزفنا ازاي بقا ياخفيف……”
“كدا أهوه……”
اتكأ حمزة على النبوت بين قبضته وهو ينظر للفتاة نظرة واحدة كانت كفيلة بأن تفهم المقصود بها…لذا انحنت سريعاً…….لتجد حمزة يضرب بالعصا الغليظة ذراع الشاب الذي كان يمسكها…….فحل وثاقها لتركض سريعاً وتختبئ خلف سيارة حمزة…..
بدأ يضربهم كلهم بعصا وكلما عادوا اليه يضربهم
بالعصا وكانه يلعب (تنس..)……
“يابن ال***…..”شتمه احد الشباب وهو يتجه
الى سيارته بجبن سائل الدماء بعدما علم انه هذه الحرب خاسرة…..ولحق به الاثنين الاخرين….
لكن حمزة لم يتوقف بل بدأ بعصاة تكسير المرايات
الجانبية بل والمصابيح الامامية……ثم بدا يكسر
زجاج السيارة الأمامي….وكل هذا بصمت دون
اي كلمة…او سبه واحده……وكانه يمارس
هوايته المفضلة بتأني !!…….
فصاح احد الشباب لمن يحتل مقعد
القيادة….
“دا مجنون…. أطلع بسرعة…. اطلع هيموتنا……”
انطلقت السيارة بسرعة…ولاذو هاربين بجبن….
توقف حمزة في منتصف الطريق على الرصيف يشاهد السيارة التي تركض على الطريق السريع المظلم دون اضاءة…
مط شفتيه ساخراً…….
“ياعيني كانت آخر سيئة في حياتهم…….”
ثم حانت منه نظرة الى جانب سيارته…ليجد الفتاة
تقف جانباً تطلع عليه بصدمة…..وبعيون مشدوهة…
“افهم…..انتي انس ولا جن بشعرك ده……”
كان أول شيءٍ يوجهه له حرفياً وكانت العبارة
لاذعة باردة……..
فارجعت شعرها للخلف لتتضح معالم ملامحها الانثوية………فتاة جميلة بملامح شامخة
وعيون بنية لامعة بالدموع….شعرها أسود
طويل مموج مميز……..تميز يليق بها…….
نحيفة الجسد ترتدي تنورة وكنزة من اللون الأسود….وتترك شعرها طليق على ظهرها…..
اقتربت منه وهي تحمل بين يدها حقيبة ملابس متوسطة الحجم…..فسالها حمزة بأسلوب فظ…..
“هتفضلي سكته كتير……..”
أخيراً خرج صوتها ثابت رغم خوفها
منه….
“هقول إيه……. شكراً على المساعدة……”كانت ستبتعد لكنه منعها دون ان يلمسها……
“على فين ياست الامورة….احنا في مكان
مقطوع ياما……”
نظرة الفتاة لذراعه الممدود امامها….فابعده
وهو يسألها بحيرة……..
“انتي ايه اللي جابك المكان المقطوع ده اصلا….”
أسبلت رموشها الكثيفة قائلة….
“السواق نزلني هنا…….”
ارجع رأسه للخلف قائلاً بشك…..
“السواق آآه…..انتي شكلك غريبة عن هنا….انتي منين……..”
ردت مقتضبة…… “من الجيزة…….”
أومأ براسه قائلاً بنباهة…..
“آآه قاهراوي يعني…..واسمك إيه بقا……”
مطت شفتيها ممتعضة….. “وانت مالك…….”
هتف حمزة بسخرية……
“لسانك طول أهو….ماشاءالله كنتي وسطهم عامله شبه الكتكوت المبلول……”
لوحت الفتاة بيدها مقتضبة….
“انت هتزلني ولا إيه……”
زم حمزة شفتيه ليقول….
“لا ياختي انا مبزلش…بس كل واحد يعرف اللي عليه…….”
نظرة اليه للحظات ثم قالت بعد زفرة
باردة…
“انا اسمي قمر…….”
علق حمزة مستخفاً……
“أمر بستر……….اسمك اي بقا……”
احتد صوتها…… “ماقولنا قمر…….”
أبدى رأيه بصراحة مطلقة….
“ظلموا القمر والله……….”انذهلت من رده لكنه
تابع متسائلاً…….
“وجايه لمين ياست قمر……..”
مجدداً قالت مقتضبة….. “انت مالك برضو…….”
“هو انتي مش حافظة غيرها ولا إيه……على العموم
انا غلطان….سلام……”قالها بجزع وهو يتجه الى سيارته…..فركضت اليه قمر توقفة بحنق….
“انت رايح فين وسيبني هنا…..”
توقف وهو يلوح بيده مثلها….
“وانتي مالك…..كنت خلفتك ونسيتك….رايح لحال سبيلي…”
قالت بلهفة وهي تنظر لظلام الحالك من
حولهم ….. “طب وصلني……”
سالها متافف…… “على فين…..”
نظرة اليه بضياع…… “مش عارفة…..”
زفر حمزة بغيظ ليقول بوجوم……
“جينا بقا لوقف الحال……..خدي في بالك انا خلقي
في مناخيري….ردي على قد السؤال…خليني
اوصلك للمكان اللي ريحاه…….واخلص منك… ”
“هو انا بشحت منك…… انا جايه لخالي….بس انا معرفش عنوانه…..”عضت قمر على اظافرها
بتوتر وهي ترمقه تارة وترمق الطريق المظلم
من الناحيتين تارةٍ أخرى……
نظر لها حمزة بأستياء ثم اتجه الى سيارته بالامبالاة
واستقل مقعد القيادة…فلحقت قمر به وجلست
في المقعد المجاور له…..فنظر لها حمزة لبرهة
ثم سالها مستفسراً……
“مش عارفه عنوانه إزاي بقا…أول مرة تنزلي اسكندرية……”
اومات برأسها بضياع….. “آآه أول مرة…….”
ضيق عيناه مستفسراً…..
“ليه مبتروحيش مصيف……….”
ردت تلقائياً…..
“عندي حساسية من الماية المالحة”….
توسعت عينيها وهي تهتف معترضة……
” اااي ده ….انت مالك أروح مصيف ولا لا…….”
كبح حمزة ضحكته وهو يجاريها في
الحديث……
“المرادي عندك حق…..خلينا ندخل في الموضوع المهم……..أمك هي اخت خالك…….”
نظرت له قمر للحظات بعدم استيعاب ثم اومات برأسها سريعاً….. “آآه صح……..”
فاطرق حمزة برأسه مغمغاً
بسخرية……
“ماشاء الله عليكي نبيهة……”
سالته بشك……. “انت بتقول إيه…..”
سحب حمزة نفساً طويلاً ثم نظر لها
قائلاً…..
“المقصود يعني….امك مدتكيش العنوان ليه….”
قالت قمر بحزن……
“كان معايا بس ضاع مني في الموصلات……”
استفسر حمزة متعجباً……
“آآه…..طب متصلتيش بامك ليه وسالتيها….
معكيش تلفون……”
“معايا بس ماما ماتت من تلات شهور……”اطرقت قمر براسه وقد لمعة عيناها بالحزن وهي تجيب
بتلك الكلمات….
فشعر حمزة بمدى غباءه…فقال برفق……
“البقاء لله….طيب قوليلي اسمه ايه خالك ده…..”
رفعت قمر بنيتاها عليه بأمل
أخير……
“اسمه عثمان الدسوقي…….تعرفوا…….”
تجمدت ملامح حمزة للحظة واتسعت عيناه
هاتفاً…… “نــعـم…….”
انفجرت اساريرها فقالت بلهفة……
“إيه تعرفوا بجد……..”
هز حمزة رأسه ووضع اصبعه في ثقب آذنه
يرجها قليلاً ثم عاد اليها بكامل تركيزة…..
مردداً الاجابة التي تحمل الف سؤال…….
“انتي بتقولي عثمان الدسوقي ده يبقا مين…”
قالت قمر بفتور…….. “خالي……”
هدر حمزة فجأه بغضب…..
“خالك إزاي…….خال مين أصلاً….انتي مين ياما… ”
تراجعت قمر بظهرها الى النافذة المغلقة
قائلة بوجل……..
“انا قمر…… وعثمان الدسوقي يبقا خالي انا…. اقسم بالله خالي…..انت تعرفوا……..”
اوما حمزة براسه وهو في حالة من اللا
وعي….”تقريباً……….”
استوت قمر في جلستها هاتفه بلهفة وهي تأخذ
انفاسها بارتياح…… “طب متوديني ليه……الله يخليك….. ”
نظرت اليه قمر فوجدته على حالة صامتاً شارداً والصدمة تعلو وجهه…. وعيناه ذاهلة…..فعقبت
بتوجس……”ساكت ليه…….هتوديني عنده… ”
اوما براسه وهو يدير محرك السيارة
بعنف….قائلاً بصوت غريب……
“آآه هوديكي……..هوديكي عنده……..”
وعندما انطلق بسيارة غير مسار طريقه الى الحي الذي يقطن به والده وشقيقتيه وقد ظل طول الطريق يتمتم سراً بسؤال واحد وهو ينظر
لها بين الحين والاخر……
“خالها؟……خالها إزاي يعني ؟!….”…..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية الحب أولا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى