روايات

رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل الثلاثون 30 بقلم مريم محمد غريب

رواية أوصيك بقلبي عشقا الفصل الثلاثون 30 بقلم مريم محمد غريب

رواية أوصيك بقلبي عشقا الجزء الثلاثون

رواية أوصيك بقلبي عشقا البارت الثلاثون

رواية أوصيك بقلبي عشقا الحلقة الثلاثون

“هل أبتعد ؟.. لا أبتعد ؛ تحبينني… و أنا أعشقكِ!”
_ مراد
ناما حتى فترة بعد الظهر، و قد حرص “مراد” أن يضع إشارة عدم الإزعاج خارج باب الجناح، لذلك فإنها استيقظت على راحتها.. رغم أنه هو مستيقظًا منذ ساعة
لكنه لم يتحرّك خشية أن يقلقها أو ما شابه
هي متعبة لدرجة إنها لم تتقلّب و لو لمرةٍ واحدة خلال الليل !
كان يومًا مرهق جدًا، و لكنها تشعر بتحسّن كبير، و تقر بأنها لم تذق راحة في حياتها مثل ليلة أمس، حتى نومها كان هانئًا… هل يرجع الفضل لهذا له !؟
استعادت كامل وعيها و هي تحس جيدًا به، إنه يرقد مقابلها، ذراعه تحت رأسها و الأخرى تحيط بخصرها، تستطيع أن تشعر بصدره الدافئ أسفل خدّها، و بقلبه النابض بثباتٍ قرب أذنها …
-صباح الفل ! .. يتمتم لها بصوتٍ أقرب للهمس
اضطربت “إيمان” قليلًا عندما اكتشفت بأنه مستيقظ بالفعل، لاحظ هذا على الفور فأخذ يُربّت على كتفها بحنانٍ قائلًا :
-إيه كل النوم ده يا إيمي. تعرفي بقالنا كام ساعة في السرير على نفس الوضع من ليلة إمبارح ؟.. 14 ساعة !!

 

أطلقت زفيرًا مرتعشًا و حاولت التمطّي، لوهلةٍ أعاقتها ذراعاه، فابتعد عنها بالقدر الكافي شادًا عضلات جسمه بدوره، إنه و لا شك بحاجة لحمامٍ دافئ …
-مش متخيّل إني نمت بالجزمة ! .. علّق “مراد” و ابتسامةٍ مرحة في صوته
لم تكن “إيمان” أفضل حالًا منه، فهي الأخرى نامت في ثوب زفافها !
قام “مراد” جالسًا على حافة الفراش، فرقع فقرات رقبته، ثم انحنى ليخلع حذاؤه الزوج تلو الآخر، و استدار نحوها ثانيةً …
كانت تحدق بالسقف و تمرر أصابعها في شعرها المنتشر فوق الوسادة، بينما يسألها “مراد” عابسًا :
-انتي مش بتردي عليا ليه يا إيمان ؟
لم تعطه جواب فورًا، إنما قالت بعد لحظاتٍ بصوتٍ رائق :
-أنا عاوزة أخد دش سخن !
إنبلجت البسمة على طرف فمه و هو يقول :
-كأنك بتقري أفكاري. ناخده مع بعض بقى إيه رأيك ؟
رمقته بنظرةٍ جانبية، ثم اجتهدت و هي تقوم من الفراش تجر الثوب الثقيل قائلة :
-تعالى ساعدني.. مش هاعرف أخلع الفستان لوحدي
و قد كان حقًا من دواعي سروره، ابتسم أكثر و هو يقف على قدميه في الحال و يتجه نحوها :

 

-أكيد يا حبيبتي. جاي معاكي !
مشى ورائها وصولًا لقاعة الحمام المترفة، وقفت “إيمان” بالمنتصف و أولت له ظهرها ممسكة بحاشية ثوبها، سحب “مراد” نفسًا عميقًا، ثم رفع يديه و تولّت أصابعه فك أربطة الفستان المعقّدة، استغرق هذا منه سبع دقائق تقريبًا
صدرت عنه زفرة راحة بعد المجهود الذي بذله، ثم قال و هو يحاول نزع الكتفين ليسقط كله عنها :
-أخيرًا. أنا مش عارف فساتينكوا بتبقى بالتعقيد ده كله ليه. الراجل مننا بينط في بدلته و خلصت على كده !
لاحظ “مراد” بأنها لا تسمح له بنزع الفستان، فردد مستغربًا :
-حصل إيه يا حبيبتي. فكّيته صح ؟
-أيوة فكّيته.. شكرًا. ممكن تخرج دلوقتي لحد ما أخلص …
رفع “مراد” حاجبيه مدركًا مقصدها، استوقفه تصرفها قليلًا، ثم تنهد و هو يستدير ليقف أمامها، إتخذ وجهه تعبيرًا جادًا و هو يتحدّث إليها ممسكًا بكتفيها :
-أنا عارف إن كل ده كان غلط. و أكبرغلط عملته إني تممت الجواز قبل ما تتعالجي.. معلش. لسا ممكن أصلح الغلطة دي. بعد ما نرجع من السفر هانتابع مع دكتورة. أنا هساعدك تخرجي من إللي انتي فيه يا إيمان !
تجهم وجهها و هي ترد عليه بحدةٍ :
-انت مفكرني مجنونة يا مراد !؟؟
هز رأسه و هو يمسك وجهها بكلتا يداه الآن، جاوبها بنبرة استجداء :
-مش قصدي كده يا إيمان. صدقيني. أنا حاولت أساعدك بس مقدرتش. و كنت متصوّر لو طاوعتك و سرعت جوازنا ده ممكن يخفف عنك و ترجعي لنفسك واحدة واحدة.. بس للأسف. انتي لسا مش متزنة. رغم كل إللي بعمله. و ده حقك. ده مش عيب صدقيني.. إللي مريتي بيه مش سهل. حطي بس ثقتك فيا. أنا هاعمل المستحيل عشان أرجع لك إيمان. إيمان إللي عرفتها من 13 سنة و أكتر. أنا حبيت البنت دي. و عايزها ترجع تاني !

 

أغرورقت عيناها بالدموع و هي تستمع إلى كلماته، كرهت نظرة الصدق البادية في عينيه، ما دفعا إلى أن تُسقط كتفيّ الفستان، فإذا به ينزلق بالكامل كاشفًا عن جسمها، فقط قطعتين من الملابس الداخلية ذات نسيج الدانتيل هي كل ما يسترها، مع ذلك بقى “مراد” محدقًا إلى وجهها فقط …
رفعت “إيمان” كفّيها بدورها و وضعتهما فوق يديه مغمغمة بأنفاسٍ مخنوقة :
-البنت دي لسا موجودة. لو مش موجودة ماكنتش هاعيش متعذّبة كل العذاب ده. البنت دي كل يوم بتصحى في الليل. من يوم ما سبتني و هي مش بتبطل توبة و استغفار و دايمًا حاسة بالذنب لسا عليها بسبب إنها فشلت تنساك. أو تكرهك. كانت بتدعي كل يوم و كل ساعة إنها تتصلح و انك تتصلح و ترجع ليها تاني. قبل ما تشوفك كانت بتدعي إن الشخص إللي يدق له قلبها. إللي تبصله عنيها. إللي مشاعرها كلها تتحرك عشانه يكون من نصيبها و محدش غيره يدخل حياتها.. و انت مش بس أخدت كل ده. انت أخدتني أنا شخصيًا يا مراد. و بعدها سبتني.. سبتني و جه غيرك إللي دوّقني الذل و المهانة. أنا استنيتك كتير يا مراد. ماجتش ليه. ليه !!؟؟؟
اقترب “مراد” أكثر قبل أن تزداد حالتها سوءًا، لف ذراعيه حولها، و ضم وجهها إلى صدره مبررًا بصوتس يمزقه الندم :
-كنت صغير. كنت طايش.. ماكنتش مفكر إن هاييجي يوم و أشوفك تاني… فوق كل ده.. ماكنتش حاسس إني حبيتك أوي للدرجة دي. زي ما أكون متخدر طول السنين إللي بعدتها عنك. مافيش واحدة في العالم ده كله ليها تأثير عليا زيك. مافيش واحدة حبتني غيرك. و لا أنا حبيتك غيرك يا إيمان.. عرفت قبلك و بعدك. لكن انتي… انتي حبي الأول. و الأخير !
لا زالت تبكي على صدره، و لا تعرف إلى أيّ مدى هو صادق، لكن حتى لو كان نادمًا، هل سيغير ندمه أيّ شيء !؟

 

يتعيّن أن يكون نادمًا.. فإن الندم أقل ما يمكن إظهاره ليكفّر عن جريرته بحقها …
-ممكن تخرج لحد ما أخلص بس ! .. تمتمت “إيمان” بصعوبة دون أن تحاول إبعاده عنها
في الحقيقة لا تريده أن يبتعد، عقلها يأمرها بأن تبعده، لكن قلبها و جسمها يصرخان بتوسل ليبقى !!!
لحظة أخرى و نفذ رغبتها، ابتعد للخلف قائلًا بهدوء :
-حاضر. هاخرج أطلب الفطار على ما تخلّصي …
و أضاف قبل أن يمضي ليتجاوزها :
-بس ماتطوّليش. انتي نمتي منغير عشا و لسا مافطرتيش. ماينفعش تجهدي نفسك أوي !
و خرج …
بقيت وحيدة الآن، لكنها تشعر بالأمان، لأنها تدرك بأنه هنا معها
على بعد عشرة أقدام.. الشخص الوحيد الذي يعطي معنى لحياتها
صار معها من الآن
و إلى الأبد …
*****
عصر الجمعة
عطلة زوجها الوحيدة بالاسبوع، عادةً ما يبدأها بالذهاب من بكرة الصباح إلى صالة الرياضة ثم يعود إلى البيت قبل موعد الصلاة، كرهت أن تقضي النهار بالبيت لأول مرة منذ وقتٍ طويل، باشرت تقطيع الفاكهة لصنع مرطبّات و عصائر لأولادها و والدهم
لكن ذلك على العكس أيضًا لم يُشكل أيّ إلهاء
كانت غاضبة جدًا، و لا يمكنها إلا أن تشعر بالغيّرة !

 

أجل.. سلاف” تغير !!!
لديها أسرة و زوج يحبها و تحبه، و لكن حياتها تعاني من الرتابة الشديدة مؤخرًا، ما حدث الأمس هو ما يحدث اليوم ما سيحدث غدًا
ملل و الملل فقط
بينما هي الزوجة المطيعة المتعقلة تخوض حياة كهذه، تنال شقيقة زوجها الطائشة كل ما تمنته، الرجل الذي أحبته و اقترفت معه المحرّمات، زفاف الأحلام و هي الأرملة و المطلقة و الأم لطفلة …
كيف يحدث هذا معها ؟
كيف يمكنها أن تحظى بكل ذلك في ظروفٍ مثل ظروفها !؟
كيف !؟؟؟؟
ألا يكفي أنها تحمل عنها وزر خطيئتها في إخفاء ما رأته من فسوق و فجور سواء عن عمتها أو زوجها !!
لقد نال منها المرض بسبب كتمان ذلك السر اللعين، إلى متى عليها أن تكتمه و تتحمل سخافات الجميع !؟؟
-اتفضل ! .. قالتها “سلاف” باقتضابٍ و هي تضع أمام زوجها كأس العصير
استرعت نبرتها انتباه “أدهم” الذي سلخ ناظريه عن شاشة التلفاز التي تعرض مباراة شيّقة
تطلع إلى زوجته فوجدها تشيح عنه متعمّدة و هي تهتم بصغارها و تقدّم لهم كؤوسهم المغطاة …
-سلاف ! .. هتف “أدهم” بصوته اللطيف يتجذب إنتباهها
لكنها ترد دون أن تنظر إليه :
-نعم ؟
رفع حاجبه و هو يسألها بغرابةٍ :
-مالك يا سلاف !؟
ردت عليه بنفس اللهجة الجافة :
-و لا حاجة !

 

و حملت الصنينة الفارغة عائدة أدراجها إلى المطبخ …
يترك “أدهم” المباراة و يلحق بها مناديًا :
-سلاف !
لكنها لا تتوقف، تصغي إليه، و تتجاهله …
-انتي فعلًا سامعاني و مش بتردي !؟؟ .. صاح “أدهم” من بين أسنانه و هو يقبض على معصمها محاصرًا إيّاها بمنتصف الرواق
كان يبذل أقصى جهد حتى لا يستمع الصغار إلى صوته العالِ …
-أدهم. بجد مش قادرة لك. ابعد عني دلوقتي !!
الفتور في نظرتها، و العصبية في عمق صوتها أثارتا حفيظته، فأخذ يهزّ يدها بقوةٍ مغمغمًا :
-في إيه يا سلاف. مالك !؟؟
إنفعلت بغتةً و هي تسحب يدها من قبضته بكل قوتها :
-مافيش حاجة. بطلب منك تسيبني بس. مش طايقة حاجة !!
و تركته ماضية داخل المطبخ، ليبقى هو مكانه للحظاتٍ يفكر، يراجع نفسه.. هل أخطأ ؟
ما هو موطن خطؤه معها تحديدًا ؟
إنها تبدو غاضبة حتى قبل ان يحاول التحدث إليها.. و لكن مِمّ هي غاضبة !؟؟
لم يبقى “أدهم” ليفكر في هذا أكثر، دلف ورائها إلى المطبخ، فرآها تقف عند الحوض تجلي بعض الصحون و يبدو من حركة يديها العصبية و الكدر الشديد، تلك الحالة نادرًا ما تصل إليها، و غالبًا يكون السبب حقًا كبير و ليس تافهًا مثل الذي تخترعه أحيانًا لتتدلل عليه !!!

 

-أنا آسف ! .. تمتم “أدهم” و هو يأتي من خلفها ملامسًا كتفها بلطفٍ
سمعها تتنهّد بحرارةٍ، فأكمل بنفس الطريقة دون أن يجازف بالاقتراب اكثر حتى لا يزعجها :
-انفعلت عليكي و عاملتك بقسوة. ماكنتش أقصد يا حبيبتي.. بس تصرفاتك فاجئتني. ناديتك و ماردتيش عليا. و حسيتك مضايقة. قوليلي مالك. انتي عارفة إني مش بحب أشوفك مضايقة !
لم تتغيّر لهجتها، بل ازدادت حدة و هي ترتعش تحت لمسة يده من فرط العصبية :
-قلت لك مافيش حاجة. ليه مش عايز تفهم. ليه مش عايز تسيبني في حالي !!؟؟؟
و استدارت صوبه متقدة العينين، كان يرمقها بخيبة أملٍ و حزن بَيّن، أراد جزء صغير بداخلها أن تكفّ عن الغضب و النقمة عليه فقط حتى لا يظل ذلك التعبير على وجهه، لكنها لم تتحكم بنفسها، فقدت تلك الصلاحية تمامًا الآن …
اهتاجت الأنفاس بصدرها و هي تفتح فاها ليخرج الكلام دون سيطرة مرةً أخرى :
-خلاص مابقتش حتى قادر تحترم إرادتي. و لا عايز تديني مساحتي. مطلوب مني أفضل مضغوطة طول عمري !؟؟
قطب جبينه بشدة و هي يرد عليها بغلظةٍ :
-تقصدي أي نوع من الضغط يا مدام ؟ أنا ماظنش بجهدك بطلباتي أبدًا. أنا أصلًا طول أيام الأسبوع برا البيت و مساحتك إللي بتتكلمي عنها دي أكتر حاجة موفرهالك بسبب ظروف شغلي. كده مش ناقص غير تشتكي من خدمة ولادك. بس حتى دول

 

لو تعبتي و كلّيتي بيهم عنك خالص و اعتبريهم مش ملزومين منك. من دلوقتي ممكن أمي تتكفّل بخدمتهم و ممكن أجيب واحدة تساعدها كمان في غياب إيمان. و لا إنك تضايقي نفسك و تتعصبي علينا كده. مش مستاهلة !!
و كأن كلامه ما ينقصها لتهبط نفسيتها للقاع، كان بيدها طبقٍ مسطّح، هوّت به بعنفٍ صوب الأرض لينكسر في الحال محدثًا جلبة كبيرة، بينما تصرخ في وجهه و تصدمه أكثر :
-محدش حاسس بيـا.. انت كمان و لا بقيت تحس …
و أضافت و هي تلهج بصعوبةٍ و الدموع تتساقط من عينيها :
-أنا شايلة فوق طاقتي !
لم تكن لديه فرصة للرد، و لا هي لإضافة شيء آخر، شحبت فجأة و أزرقّت شفتاها، داهمتها نوبة الربو التي قطعتها لأشهر، هذه المرة اعنف و أشد
تسعل و تشهق و كأنها بالنزع الأخير، يتلاشى غضب “أدهم” منها كليًا في هذه اللحظة، يسارع غليها يلحق بها قبل ان تنهار فوق ركبتيها، يسندها بين ذراعيه و يهزّها هاتفًا بقلقٍ شديد :
-سلاف. إهدي يا حبيبتي. إهدي و خدي نفس …
حملها باللحظة التالية، و هرول بها إلى غرفة النوم، وضعها فوق الفراش و إنقلب يفتش بدرج الطاولة المحاذية، حتى جاء بقنينة الدواء، عاد إليها و أمسك رأسها بزاوية بين صدره و كتفه، وضع فوّهة القنينة بفمها، ثم ضغط الرأس ثلاثًا كما أشار الطبيب، لينتشر البخاخ عبر القصبة الهوائية وصولًا إلى الرئتين
و لعلها احتاجت لدقيقتين إلى ان تعافت من النوبة القاسية
جلست هادئة بين ذراعيه، و هو بدوره لم يثير أيّ نقاش، بل بقى يضمها هكذا و يمسح على رأسها بحنانٍ.. حتى تطلّعت إليه
و بأعينٍ دامعة، مد كفّها لتداعب لحيته، تبسّم لها ببساطةٍ و لم يتكلم، فقالت هي الجملة التي لم يتوقعها الآن قط :
-أنا عايزاك.. دلوقتي !
أجفل “أدهم” بوضوح، كان غريبًا على اذنيه طلبها، إنها في الحقيقة لم تطلبه بلسانها طوال سنين الزواج، أراد أن يظن أيّ شيء آخر غير الذي فهمه
و لكن نظرتها تؤكده !!!

 

تنحنح “أدهم” مبددًا ارتباكه و هو يتعاطى مع الأمر بحيادية قائلًا :
-لو كنتي صبرتي شوية بس منغير كل إللي حصل من عشر دقايق كنت انا إللي طلبت منك ! .. و مسّد على خدها مستطردًا :
-بس انتي شكلك مرهق. ممكن ترتاحي شوية بس !
واصلت التحديق إلى عينيه بقوةٍ و هي تكرر :
-دلوقتي يا أدهم !!
حاول أن يجاريها بشكلٍ طبيعي حتى يفهم ما بها بالتدريج، فقال مذعنًا لرغبتها :
-حاضر.. هاخد الولاد طيب و أنزلهم عند ماما. و جاي لك علطول !
هزت رأسها موافقة
أفلتها برفقٍ و مضى خارجًا من الغرفة و عقله لا يكف عن تحليل تصرفاتها …
*****
فرغت من حمامها بعد قضاء ساعة بالداخل، لمّا عادت إلى الغرفة، وجدت الستائر مفتوحة و ضوء النهار مبهرًا، كان “مراد” يقف بمحاذاة الشرفة العريضة يتحدث في هاتفه، لا يزال عاري الجزع و لا يرتدي سوى سروال البذلة
ما إن شعر بوجودها حتى أنهى المكالمة، و استدار ناحيتها مبتسمًا، بينما كانت تحدق الآن إلى كومة العلب هناك بجوار الخزانة الضخمة، كلها تحمل علامات الماركات العالمية الفاخرة.. كريستيان ديور، فيكتوريا سيكرت، إيف سان لوران، جيمي تشو …

 

-أخيرًا خلصتي ! .. هتف “مراد” مقبلًا عليها
توقف على بُعد خطوةٍ منها، بينما تسأله مشيرة إلى الأغراض الكثيرة :
-إيه كل الحاجات دي ؟
جاوبها “مراد” و هو يحك مؤخرة رأسه :
-دي هدوم عشاني انا و انتي. طلبتهم أون لاين. انتي ناسية إننا جينا على هنا منغير شنطة هدوم. مش معقول هاننزل من هنا بلبس الفرح ! .. و استطرد مطمئنًا إيّاها :
-ماتقلقيش انا اخترت لك هدوم تناسب الحجاب. كلها فساتين واسعة و مانستش الإيشاربات طبعًا. هاننزل من هنا على بيتنا نحضر شنطة صغيرة ليا و ليكي. و بالليل هانكون في المطار إن شاء الله
-هانروح فين !؟
حقًا كان الفضول يطل من عينيها، فابتسم هازًا رأسه و هو يقول :
-لا لا يا قطة مش هاتوقعيني. مش هاتعرفي أي حاجة دلوقتي. قلت لك عندك جدول مفاجآت.. مش قلت ؟
زمت شفتيها مذعنة، فمد يده ممسكًا ذقنها بين سبابته و إبهامه قائلًا :
-الفطار هناك في التراث. غيري هدومك و اقعدي افطري ماتستننيش أنا شربت القهوة و خلاص هاخد شاور بسرعة بس !
همّ “مراد” بالإسراع للحمام، لكن زوجته قبض على رسغه و استوقفته، أدار وجهه لها و هو يرمقها بتساؤلًا، فبدا عليها القليل من الحرج و التردد
اقتربت منه كثيرًا حد اللصوق، و رفعت ذراعيه لتشبكهما حول عنقه وتشب قليلًا، وسط إجفاله ريبته، لم يحاول مقاطعتها عن أيّ شيء تفعله، فتحت فاها متمتمة على إستحياءٍ :
-ممكن تبتسم !؟

 

عبس مستغربًا من طلبها، لكن فك العبوس بسرعة و فعل ما طلبت، رسم ابتسامة بسيطة على ثغره، فقالت :
-أكتر يا مراد. ابتسامة أكبر !
ابتسم باتساعٍ أكثر و هو يتساءل بداخله عشرات الأسئلة، يخشى لو أنها فقدت عقلها اخيرًا، لكنّه تفاجأ حين دنت منه مقبّلة جانبيّ وجهه و الحفرة العميقة بذقنه …
أسبلت عيناها في خجلٍ من شدة تحديقه فيها، ليسألها الآن بصوتٍ هادئ :
-ممكن أعرف بس كان إيه ده. و لو مافيش سبب It’s Okay مش مهم !
تنهدت بعمقٍ و جاوبته متحاشية النظر بعينيه :
-من زمان. من أول مرة شوفتك بتضحك. كانت جوايا أمنية شايلها لليوم ده. انت فاهم يعني عشان حرام أعمل كده و احنا مافيش صلة بينا.. انت عندك غمازات حلوة أوي. دي الحاجة الوحيدة إللي كنت مش بقدر أغض بصري عنها. دلوقتي مابقاش حرام حتى أفكر في كده بس …
كلماتها غير المرتبة فهمها جيدًا، و جللت وجهه ابتسامته الأكثر جاذبية الآن و هو يحاوط خصرها ذراعيه ضامًا إيّاها أشد و هو يهمس :
-و أنا من دلوقتي عندي كل الوقت إللي أعرفك فيه التفاصيل إللي بعشقها فيكي.. في وشك. شعرك.. جسمك !
المنحرف !!!
إن يده زحفت بالفعل للأسفل مغطية مؤخرتها …
إتسعت عيناها من المفاجأة و تسرّب اللهيث من بين شفاهها، فتوجس على الفور و خاف
ان يكون اثار الذعر فيها من جديد، رفع يده في الحال و قال :
-تمام. قلت عندي وقت. مش لازم يكون إنهاردة أو حتى بكرة.. ماتخافيش يا حبيبتي. أنا مش هاعمل غير إللي تعوزيه و بس. إتفقنا ؟
و حاول الفكاك منها برفقٍ، لكنها تشبثت به أكثر، فوقف حائرًا !!!
ازدردت “إيمان” ريقها بتوترٍ قائلة :

 

-خليك معايا.. أنا عندي ذكريات كتير وحشة. مابعرفش أنام بسببها. أول مرة أنام لحظة ما أغمض عيني إمبارح و أنا في حضنك.. من فضلك خليك معايا. ماتسبنيش !
تأثر بشدة لإقرارها و كره نفسه لأنه تسبب بتعاستها لسنواتٍ طويلة، في نفس الوقت دعوتها الصريحة المباغتة لا تقاوم حقًا، خاصةً و هي تتمسك به بهذه الطريقة و ترمقه بتلك النظرة …
دقق النظر بشفتيها الورديتين و هو يرطّب شفته السفلى بطرف لسانه ثم يقول :
-أنا بس خايف عليكي. ممكن يكون ده مش في مصلحتك دلوقتي. على الأقل لما نزور الدكتورة و آ …
-ماتقولّيش دكاترة دلوقتي !! .. قاطعته منفعلة، و أردفت بصوتٍ أهدأ :
-من فضلك. مش عايزاهم ياخدوا الجزء ده مني. عايزة أنساهم.. من فضلك يا مراد !
لم يكن واثقًا على أيّة حال، يخشى ألا تكون تعني ذلك حقًا، لكن أمام إصرارها لا يملك حجة …
استعمل الحيلة الأخيرة لأجل أن يمنحها فرصة لتراجع نفسها، فأشار إلى التراث قائلًا :
-طيب و الفطار !؟
أطل الآسى من عينيها و هي تناشده بيأسٍ :
-مش عايزة فطار دلوقتي. مش عايزة …
بعد كل هذه الاستغاثات، الانتظار هو الشيء الوحيد الذي لن يعطيه لها.. أما رأسه فجأة مانحًا ثغرها تلك القبلة العميقة المدوّخة ؛
جرت يديه الآن على جسمها بجرآة، القطعة الوحيدة التي ترتديها هي روب الاستحمام، و لكنه لا يشعر بضرورة خلعها الآن …
-خليكي فاكرة كويس ! .. همس “مراد” بين قبلاته :
-كل إللي فات كان مجرد حلم وحش. انتي من أول يوم ليا أنا. محدش يقدر ياخد مني حبيبتي. لو من قبل. و لو بعدين !
و صرخت فجأة عندما دفعها و هو لا يزال يطوقها فوق الفراش، تركها تسقط وحدها و بقى واقفًا أمامها للحظات يعطي نفسه رؤية كاملة و جيدة لجسمها، بينما هي هناك تنظر له بتوقٍ، باعدت بين ركبتيها و قوّست ظهرها
رحبت به مجاهرة كل الجهر …

 

فتمتم “مراد” شيئًا لم تسمعه و دنى منها فورًا، ولّد الاحتكاك شراراتٍ و اليراعات بمعدتها طارتٍ في سربٍ إلى رأسها، إستحال عقلها الصاخب إلى ضبابٍ في لحظة، لم تعد تفكر، لم تعد ترهب هذا الأمر البتّة
كان مختلفًا، و كأنها تحررت، راحت تعبر عن نفسها و مشاعرها الجامحة دون قيودٍ بين ذراعيه، لا تخشى شيئًا، لا تخجل، و كأنها تولد من جديد مع كل لمسة من يديه …
*****
لم يفلح معها شيء.. حتى بعد أن نفذ كل طلباتها و طاوعها في كل رغباتها
لا زالت بائسة، تنأى بنفسها داخل الحمام لوقتٍ طويل، بينما ينتظرها بالخارج، شعر بحركتها وسط الرواق، فقام يتفقدها بغرفة النوم
وجدها بالفعل تجلس فوق الأريكة المقابلة للسرير، لا يزال الفراش مبعثرًا، و لكنها تبدو غير مهتمة، تبدو هادئة، واجمة، شعرها الأشقر أكثر قتامة الآن، يقطر منه الماء و تتشرّبه المنشفة حول جسمها ؛
يمشي “أدهم” صوبها، يجلس إلى جانبها مثيرًا حديث بينهما :
-سلاف. أنا لغاية اللحظة دي بسايسك و مهاودك في كل حاجة. لأني حاسك مش مظبوطة. و للأسف مقدرتش اعرف السبب بردو.. لو سمحتي ممكن تتكلمي و تقوليلي مالك !!؟
بقي بانتظار ردّها باصغاءٍ، لتدير رأسها تجاهه، تنظر في عينيه و تقول بثباتٍ تُحسد عليه :
-أنا عايزة أطلّق يا أدهم !

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية أوصيك بقلبي عشقا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى