رواية تائهة بين جدران عشقه الفصل الثالث بقلم دعاء الكروان
رواية تائهة بين جدران عشقه الفصل الثالث بقلم دعاء الكروان |
رواية تائهة بين جدران عشقه الفصل الثالث بقلم دعاء الكروان
فى الملهى الليلى ….
مازالت السهرة مستمرة بين علي و سهام ، فقد قصت له حكاية زينة قائلة:
ـــ كان زمان فى بت اسمها هدى كانت بتشتغل عندنا هنا ف الكباريه جرسونة ، بتخدم ع الزباين و تنزلهم مشاريب و كدا يعنى ، بس البت هدى دى كانت بت مزة ، كان زباين كتير بيطلوبوها بس مكانتش بترضى أبدا و كانت علطول مصدرة الوش الخشب للزباين ، دا حتى أبويا الله يرحمه كرشها كذا مرة ، بس كانت بتصعب عليه و يرجعها تانى ، كان بيقول غلبانة ملهاش حد ، أنا أبويا آه قرنى بس كان قلبه طيب قوى .
أثارت عبارتها الأخيرة سخريته فضحك مردفا باستهزاء :
ـــ اه انتى هتقوليلى ، الله يرحمه عم سيد ابوكى كان بيصعب عليه البنات الغلابة ؛ فيقوم جايبهم عشان يشغلهم هنا أهو يكسب فيهم ثواب ..
أومأت بالايجاب مؤيدة حديثه الساخر :
اومال يا باشا ؛ اهو يكلو لقمتهم من عرق جبينه
أردف بنبرة أكثر سخرية :
ـــ من عرق جبينهم و ﻻ من هز وسطهم ؟!
أجابته بحنق من جداله العقيم من وجهة نظرها :
ـــ مش أحسن ما يمدو ايدهم للى يسوا و اللى ميسواش ؟!
أومأ لها بعدم اقتناع لينهى الجدال فى هذه النقطة قائلا :
ـــ مش موضوعنا .. كملى
استرسلت بحماس :
ـــ المهم يا باشا ضحك عليها شاب حليوة أوى من اللى كانو بييجو هنا ، كان غنى أوى بس مكنش بييجى كتير ، المهم البت هدى حبته و سلمت نفسها ليه ، يمكن دى الغلطة الوحيدة اللى غلطتها هدى ، ﻻ غلطت قبلها و ﻻ بعدها ، المهم قعدت تتحايل عليه عشان يتجوزها ، و هو يقولها على اخر الزمن اتجوز ريكﻻم ؟
لما مارضيش يتجوزها سلمت أمرها لله و رجعت كملت شغل جرسونة برضو ، لحد ما ف يوم عرفت انها حامل ، كانت هتموت نفسها بس انا قولتلها روحيله عرفيه يمكن قلبه يرق و يرضى يكتب عليكى عشان خاطر الواد حتى !!
ـــ راحتله يا باشا و قالتله ع الحمل ، فصعبت عليه و فهمها بالهداوة كدا إن أبوه راجل شديد اوى و ﻻ يمكن هيوافق ع الجوازة دى ، و يمكن يأذيها كمان لو عرف ، فقالها أحسن حل إنها تنزل الجنين و هو هيفتحلها حساب ف البنك باسمها و يحولها عليه فلوس تصرف منها و تسيب الشغل ف الكباريه لحد ما يشوف صرفة مع أبوه .
تسائل على بفصول:
ـــ و الشاب دا اتجوزها فعلا ؟!
قبضت على رسغه تحثه على الانصات مردفة :
ـــ ما انا جايالك ف الكلام اهو يا باشا ؛ هى قالتلى طالما ما نكرش الجنين يبقى اكيد هيتجوزها بعد ما يتصرف مع أبوه ، و مرضيتش تنزل الحمل و كملته ، مع إنى قولتها يا بنتى نزليه ؛ إفرض خلى بيكى و مرضيش يتجوزك ؟ قالتلى مش مهم هصرف عليه من الفلوس اللى هيحولهالى على حسابى ، بعدها ييجى بشهر كدا بعتلها مرسال انه ابوه هيسفره برة البلد و تنساه خالص و تعيش حياتها ، المهم أبويا عرفها على راجل كبير ف السن كان حاطط عينه عليها و عايز يتجوزها ، ابويا كان حاكيله على كل حاجة و هو وافق يتجوزها و يكتب المولود باسمه ، البت هدى ماكانتش موافقة ، بس انا قولتلها اهو هيسترك و يبقى البت بنتك ليها أب حتى لو ع الورق بس ، اهو حتى تعرف تدخلها المدرسة من غير مشاكل ، المهم وافقت يا باشا عشان خاطر البت زوزة و عاشت معاه و اشتغلتله خدامة و ممرضة لحد ما مات بعد سنتين من الجواز ، و رجعتلنا تانى بالبت بنتها و اشتغلت جرسونة برضو لحد ما جالها المرض الخبيث و ماتت و البت زينة كان عندها خمس سنين .
سكت قليلا يستوعب هذه القصة ثم سألها بفضول : ـــ كدا عرفنا حكاية زينة و أمها .. إيه بقى حكايتها مع جلال ؟
أجابته:
ـــ ماهو يا باشا هدى رجعتلنا و زينة كان عندها سنتين و الواد جلال كان عنده ييجى عشر سنين كدا ، ما كانش فى قدامه اﻻ هى ، فبقى هو اللى بيخلى باله منها على ما امها تخلص شغل و كانت بتكبر قدام عينيه و هو بيكبر معاها ، ماكانش بيروح ف حته أﻻ ما ياخدها معاه ، و كان بيوديها المدرسة و يجيبها ، ابويا قالى سيبيها تتربى معاه ، مسيرها هتكبر و تبقى مزة حلوة و هتنفعنا ف شغل الكباريه ، بينى و بينك يا باشا كلام أبويا جه على هوايا ، و البت لما كبرت كدا و ادورت و احلوت ، بقى الزباين هيموتو عليها ، قولت يلا اهو جه وقتها بقى و نسترزق من وراها نظير تربيتنا ليها..
سكتت تحرك شفتيها المضمومتين يمينا و يسارا بحسرة و أسف ثم أردفت:
ـــ قام ايه يا باشا؟!
أجابها مكملا بدﻻ منها بتخمين :
ـــ قام جلال واقفلك و مرضاش يشغلها ضمن البنات اللى ف الكباريه ؟
أجابته مؤيدة لتخمينه:
ـــ لله ينور عليك يا باشا ، و من ساعتها و هو محرّج عليها تنزل من قوضتها من غير إذنه و ﻻ حتى تنزل الصالة ؟
سألها باستخفاف:
ـــ و انتى يعنى بجبروتك و قوتك دى مش عارفة تمشّى كلامك على حتة عيل زى جلال ؟
أجابته بحنق من استهانته بولدها:
ـــ عيل مين يا باشا؟!… دا جلال عنده ييجى 33 سنة ، دا غير كدا ما بيهموش حد اياكشى يكون مين حتى !! دا ممكن يقتل القتيل و يمشى ف جنازته و بالذات بقى لو حد هوب ناحية زينة ؟
ضيقت عينيها متعجبة من جهله بهذا الأمر :
ـــ يعنى انت يا باشا مكنتش بتشوف خناقاته كل يوم و التانى مع الشباب اللى بيعاكسو زينة هنا ؟
مط شفتيه و هز كتفيه لأعلى بجهل:
ـــ انا كنت فاكره بيتخانق عشانها باعتبار ان هى اخته مش أكتر، متوقعتش ابدا انه يكون بيحبها.
أخرج سيجارة من علبة سجائره المعدنية و أشعلها و اكمل حديثه مضيقا عينيه بتركيز :
ـــ أﻻ قوليلى يا سوسو ، زوزة عندها كام سنة دلوقتى ؟
سهام :
ـــ ييجى 25 سنة .
رفع حاجبيه متفاجئا مما سمع :
معقول ؟! .. دا انا كنت فاكرها اصغر من كدا بكتير .
أشاحت بكفها مردفة بغيرة لم تستطع إخفائها :
ـــ ماهى المزغودة مش باين عليها سن .
انعزل عما حوله بفكره يبحر بمستنقع شره من جديد، يلتقط فكرة قاحلة ملطخة بوحل حقده و غله، و هو يدخن سجائره بشراهة مضيقا عينيه بتركيز شديد،
راقبته سهام بتوجس و فهمت ما يدور برأسه، فحاولت أن تثنيه عما يفكر به :
ـــ يا باشا اللي انت بتفكر فيه دا مش هينفع ؟ ..
ثم أردفت برجاء:
ـــ الله ﻻ يسيئك يا باشا ابعد عن زينة و اتقى شر جلال .
لم يُلقِ لرجائها بالا فقد أخذ قراره و حسم أمره و قال بحزم و هو ينفث دخان سجائره :
ـــ بقولك ايه ، انا هاجى بكرة أقعد مع زينة و أنا هعرف ازاى اقنعها و اخليها توافق ..
اردف و عينيه زائغتين فى اللاشيئ مضيقا جفنيه بتفكير :
ـــ أما جلال بقى سيبيهولى انا هتصرف معاه .
اضطربت سهام من نية علي لولدها و جحظت عيناها هلعا من أن يلحق به أذى فى سبيل تنفيذ انتقامه فضربت صدرها بكف يدها مستنكرة :
ـــ يالهوى !! .. انت ناسى ان جلال دا يبقى ابنى اللى محلتيش غيره ف الدنيا و ﻻ ايه ؟.. انت ناويله على ايه بالظبط يا باشا…سألته بشيئ من الحدة و العصبية .
أجابها سريعا مصححا ظنها بحدة:
ـــ انتى اتهبلتى و ﻻ ايه يا سهام ؟! .. بقى انا هأذى ابنك برضو ؟ ..
ثم اردف بنبرة لعوب مقربا وجهه من أذنها :
ـــ دا انتى عِشرة عمر يا سوسو و بير أسرارى ..
أشاح بوجهه عنها متصنعا الحزن:
ـــ ﻻﻻﻻ يا سوسو ماكانش العشم تبقى هى دى فكرتك عنى ..
سرعان ما هدأت بعدما وصلها حسن نيته و أردفت باعتذار :
ـــ مش القصد يا باشا بس أصل كلامك برجلنى و مخى حدف شمال علطول.
اقتربت منه مردفة بغنج و هى تبتسم بدلال :
ـــ متزعلش منى بقى يا باشا، قلبك أبيض ..
لم يرد، فتحولت ملامحها للجدية مستفسرة:
فهمنى بس هتعمل معاه ايه ؟ بس من غير أذية .. أه .. دا مهما كان ابنى سندى و عكازى .
ضحك من هيئتها و هى تتحدث مردفا :
ـــ ماشى يا سوسو هفهمك …..
عند يحيى فى لندن …
كان جالسا فى أحد المقاهى التابعة لعربى مغترب و التى تعرف عن طريقها على صديقه السورى عمار .
عمار شاب سورى يبلغ من العمر 29 عام ، أتى إلى لندن للحصول على عمل لكى يحسن من مستواه المادى و المعيشى و يستطيع الانفاق على ذويه، حاله كحال أكثر الشباب العرب المغتربين فى بلاد الغرب ، عمار حاصل على بكالوريوس هندسة ، لكنه لم يجد من يقبله للعمل فى مجال دراسته فى لندن لقلة خبرته، فاضطر الى العمل كنادل فى هذا المقهى و فيه تعرف على يحيى و أصبحا أصدقاء ، يفضفضان بما يجول بخواطرهما، كلٌ يبوح بمكنوناته للآخر، ليَرميا بعضا من أثقال همومهما القابعة على كواهلهما كلما أتيحت لهما الفرصة لذلك .
عودة ليحيى و عمار ..
أدار عمار دفة الحديث قائلا بأسف :
ـــ راح كون مشغول كتير بالفترة الجاية يا زلمة ، و ما بعرف إذا بقدر حاكيك بهالوقت ..
قطب جبينه بتعجب متسائلا :
ـــ ليه ؟.. خير… فى حاجة ؟!
مط شفتيه بضيق:
ـــ ما فى شِى .. بس صفوت بيك صاحب الكافيه راح يسافر لبلده و راح ياخد علاء زميلى اللى عم بيناوب مَعى ؛ لحتى يزور عيلته ف الضيعة.
أخذ رشفة من قدح القهوة خاصته ثم أردف بتساؤل : ـــ صفوت بيه دا منين ؟
عمار :
ـــ هِنّا التنتين من فلسطين .
أوماء بتفهم :
ـــ امممم .. قال ياخده معاه بالمرة يعنى يزور اهله و يرجع تانى معاه .. مش كدا برضو ؟
أومأ بالايجاب مردفا:
ـــ ايه .. هيك بده .
يحيى :
ـــ اوكى ، ربنا يعينك . . بس هاجى برضو أشرب القهوة بتاعتى و أسلم عليك .
أومأ برأسه بتأكيد :
ـــ ايه طبعا يا زلمة ..
أطبق عليهما صمت مؤقت قطعه عمار مباغتا يحيى بسؤاله:
ـــ فى شِى چديد بموضوعك مع بِنِت عمك ؟
طَالعه بوجه متجهم و ملامح أرهقها الشجن مجيبا:
ـــ مفيش جديد.. يبقى الوضع كما هو عليه .
تألم صديقه ﻷجله و سأله بعتاب:
ـــ ﻻيميت راح تتحمل هيك وَضِع يا يحيى ؟؟.. و لَوين راح تُهرُب تانى ؟؟ .. شكلا ما راح تكون من نصيبك .
أومأ مؤيدا بشجن :
ـــ هى فعلا عمرها ما هتكون من نصيبى .. ﻻن حتى لو هى وافقت فى يوم من اﻻيام تتجوزنى ؛ فأنا ﻻ يمكن هوافق أبدا
قطب جبينه باستنكار مردفا:
ـــ شو ها اللغز هاد ؟؟
اعتدل بجلسته يشرح له وجهة نظره بعقلانية و اقناع:
ـــ طهتجوزها إزاى يا عمار و أنا عارف إن هى كانت بتحب أخويا و هتموت و تتجوزه ؟ .. الشك و الغيرة هيموتو أى ذرة حب جوايا ليها .. و مش بعيد كمان أخسر أخويا بسببها ، و دا اللى ﻻ يمكن أسمح بيه أبدا .
تعجب من منطقه و أردف :
ـــ لَكان ليش عم بتعذب حالك ابحبها ؟
أجابه و نِصال الهوى تُغرَس فى قلبهِ تُقطعه إرباً :
ـــ مش بإيدى .. نفسي اتخلص من حبها اللى عامل زى المرض المستعصى اللى بيجرى ف دمى و مالوش علاج إلا الموت.
أومأ له متفهما حالته و ما يمر به من أزمة حب من طرف واحد دفعه للهروب بعيدا عله يشفى من متلازمة حب أزهقت روحه و أرهقت جسده.
فى فيلا راشد سليمان. ..
أنهت العائلة وجبة العشاء و أكملوا سهرتهم في مشاهدة التلفاز ، جلست سهيلة فى مقعد مقابل لمقعد يوسف و جلس والدها فى اﻻريكة التى تتوسطهم ، كان يوسف يشاهد التلفاز بتركيز شديد، حيث كان يتابع النشرة الإخبارية ، بينما عمه راشد كان يتململ فى جلسته يشعر بصداع يكاد يفتك برأسه ، وعلى الجهة اﻻخرى تجلس سهيلة شاردة فى نصيحة صديقتها لينا فى كيفية جذب انتباه يوسف لها كأنثى إلى أن هتف راشد بارهاق :
أنا طالع أريح شوية ف قوضتى يا حبايبى ، مش عايزين حاجة ؟
التفت له يوسف و سأله بقلق :
ـــ مالك يا عمى شكلك مش مظبوط كدا ؟
أومأ بابتسامة يطمئنه:
ـــ متقلقش يا حبيبى دا شوية صداع بس كدا ، يظهر ضغطى عالى شوية .
نهض عمه من مقعده ينوى الصعود لغرفته فأسرع إليه يوسف يسنده:
ـــ طيب تعالى اوصلك للاوضة.
أضافت سهيلة :
ـــ خليك انت يا يوسف ، هوصله انا عشان اقيسله ضغطه و اديله الدوا .
استوقفهم معترضا بحزم:
ـــ ﻻ .. ﻻ انت و ﻻ هى ، انا مش عيل صغير عشان تديلى الدوا و تسندونى و …
قاطعته سهيلة بأدب :
يا بابا مش قصدى طبعا ا…
قاطعها والدها بحدة :
ـــ خلاص يا سهيلة …تصبحو على خير .. ومن ثم تركهم و سار على مَهَل الى أن وصل الى غرفته .
نظر كل منهما للآخر بارتياب و حيرة، ثم انتقلت سهيلة من مقعدها لتجلس على طرف اﻻريكة المجاورة لمقعد يوسف حتى تكون قريبة منه و قالت:
ـــ بابا اخد كلامنا بحساسية زيادة عن اللزوم .
زم شفتيه بعدم فهم :
ـــ مش عارف ، يمكن فى حاجة مضايقاه و احنا زودنا عليه.
هزت كتفيها لأعلى مردفة :
ـــ يمكن ..
استكمل هو مشاهدة التلفاز بينما هى اخذت تدقق فى ملامحه بعشق جارف شاردة فى كل تفصيلة من تفاصيل وجهه المحبب لقلبها، هائمةً ببحر وسامته و جدية تعابير وجههِ التى أغرقتها و أطاحت أمواجه العاتية بعقلها فأصبحت متيمةً به ، و بينما هى فى خِضْم تأملها له ؛ شعر بأنه مُحاصر بنظراتها ، فتجاهلها حتى تحيد ببصرها عنه و لكنها لم تفعل.
خطر بباله ان يسايرها حتى يفهم ما يجول بخلدها ،فانقلب الحال و أصبحت هى تحت حصار نظراته المحدقة بعينيها، فلم تحيد عينيها عنه أيضا، فرأى انعكاس صورته فيهما و كأنها طبعت بهما، فلم تعد ترى غيره، يعلم ذلك تمام العلم، و لكنه لا يستطيع أن يراها كما تراه.
راح يتلاعب بمشاعرها حتى تكف عن تأمله و لا تَأْمل بحبه، فقال و هو ينظر فى عينيها عن قرب :
ـــ تصدقى انا اول مرة اركز فى لون عنيكى ؟! .. ثم ابتسم ابتسامة جميلة و لكنها ماكرة :
ـــ لونهم حلو اوى .
اتسعت ابتسامتها و كادت ان تفقد وعيها من هذه الكلمات القليلة ؛ فهى لم تعتد على سماعها من يوسف ابدا ؛ يحيى فقط هو من كان يتغزل بعينيها ، و لكن ياللعجب ؛ لم تتأثر يوما و لم تسعد ساعة بهذه الكلمات من فم يحيى بقدر سعادتها اﻻن و هى تسمعها من فم معشوقها ..
تمادى يوسف بلعبته مردفا:
ـــ نفس لون عين عمى راشد .
أومأت بتأييد و ما زالت تلك اﻻبتسامة البلهاء تشق وجهها :
ـــ أه .. ما أنا وارثاهم من بابا .
استرسل بخبث :
ايوة طبعا. . انا علطول بقول لعمى لما اتجوز و اخلف بنت ؛ نفسى يبقى لون عنيها زى لون عين عمتها .
تجهم وجهها بغتة و قطبت جبينها باستنكار مردفة :
ـــ عمتها ؟؟!
أجابها متصنعا البراءة :
ـــ طبعا يا سولى ؛ ما انا هخليها تقولك يا عمتو ..
زمت شفتيها بغيظ شديد و أردفت:
ـــ اممم. . ان شاءالله ..
نهضت من مقعدها و هى تقول باحباط و خيبة أمل:
ـــ تصبح على خير
كبت ضحكته و أردف متسائلا ببراءة مصطنعة:
ـــ راحة فين ؟
أجابته و هى تسير باتجاه غرفتها :
ـــ رايحة انام .
أجابها برجاء صادق :
ـــ لسة بدرى ، خليكى قاعدة شوية .
لم ترد عليه و انما توجهت نحو الدرج لتصعد لغرفتها و و هى تتمتم ببعض الكلمات الغاضبة بحسرة و خيبة أمل:
ـــ منك لله يا يوسف ، بقى انا عمتو ؟! .. عمتو يا يوسف ؟! ..حسبى الله …
ظلت تهمهم بهذه الكلمات الى ان دخلت غرفتها.
سمع همهماتها و رغم أنه لم يفهم منها شيئا،إلا أنه استطاع أن يُخَمن كلماتها التى تنم عن خيبة أملها فيه،
فشعر بغصة بحلقه آلمته و حَزِن ﻻجلها.
كم تمنى ان يبادلها الحب و لكن قلبه ليس بيده ، كم حاول ان يفكر بها كزوجة و حبيبة و لكنه ابدا لم يستطع أن يراها إﻻ كأختٍ له ، أخذ يدعو لها من كل قلبه :
ـــ ربنا يهديكى يا سهيلة و يخرج حبك ليا من قلبك ..
فى الملهى الليلى …
ذهب على الرفاعى فى اليوم التالى الى سهام كما اتفق معها ، و لكنه ذهب نهارا حيث يكون الملهى خالٍ إﻻ من بعض الزبائن القلائل، حتى يتثنّى له الحديث مع زينة بحرية أكثر و دون ان يُلفِت إليه اﻷنظار .
إستقبلته سهام بترحاب و أجلسته على منضدة بعيدة ومعزولة عن الصخب و أنظار الزبائن .
سهام بترحيب :
ـــ يا أهلا و سهلا يا باشا ، منورنى .
أومأ محييا :
ـــ منورة بيكى يا سوسو ..
إقترب منها قائلا بهمس:
ـــ ها كلمتيلى زوزة و ﻻ لسة ؟!
سهام :
ـــ أنا هجيبهالك انت تكلمها يا باشا ، أنا مش عارفة أقولها ايه اساسا ، ثم أنا خايفة ﻻ جلال يحس بحاجة و يقعد يقرر فيا .. ربنا يستر و ميجييش دلوقتى .
أجابها بثقة و كأنه على يقين من عبارته:
ـــ ﻻ متخافيش مش هييجى دلوقتى .
قطبت جبينها باستغراب متسائلة :
ـــ و انت ايش عرفك يا باشا…
ظنت لوهلة أنه قد ألحق الأذى بولدها فصاحت بقلق بالغ:
ـــ إنت عملت فيه ايه ؟ وديت الواد فين ؟ اوعى تكون لفقتله تهمة تدخله بيها اللومان ؟ ..يا نصيبتى يا نصيبتى يا لهوى … رددت هذه الكلمات و هى تضرب بكف يدها على صدرها ظنا منها أن علي قد أصاب ابنها بسوء ؛ حتى صاح بها يهديئ من روعها:
ـــ يا بت اتهدى الله يخرب بيتك .. هو انا مش قايلك مش هأذيه..
أردف بخفوت ماكر:
ـــ دا انتى لو عرفتى انا عملت معاه ايه ؛ هتدعيلى .
سألته متلهفة لسماع بشارته:
ـــ عملت ايه يا باشا طمنى الله ﻻ يسيئك ..
أردف بجدية :
ـــ كلمت واحد حبيبى صاحب شركة كبيرة اوى يشغله عنده سكيوريتى .
ضيقت احدى عينيها متسائلة بجهل:
ـــ سيك ايه يا باشا ﻻمؤاخذة ؟؟
أجابها بنفاذ صبر :
ـــ أمن يعنى يا سهام .. أمن..
استطرد حديثه يرغبها أكثر فى عرضه:
ـــ شغلانة مكانش يحلم بيها بدل قعدته ف الكباريه ﻻ شغلة و ﻻ مشغلة …
عاد بظهره يستند على ظهر المقعد بكل أريحية مردفا بثقة و غرور:
ـــ زمانه دلوقتى قاعد مع مدير أمن الشركةعشان يفهمه نظام الشغل.
أجابته بسعادة بالغة و نبرة حالمة:
ـــ ياريت يا باشا ، خليه ينضف شوية بقى و يبعد عن شوية البلطجية اللى ماشيلى معاهم و عاملينه الفتوة بتاعهم .
أردف بثقة :
ـــ هو من حيث هينضف ؛ فهو هينضف أوى ، و هيلبس بدلة محترمة و تعامله كله هيبقى مع ناس محترمة و رجال اعمال كبار اوى .
ردت عليه بسعادة عارمة بعد سماعها لتلك العبارات :
ـــ زيك كدا يا باشا ؟؟!
علي بابتسامة سمجة :
طبعا .. مش بقولك هتدعيلى .
أردفت بامتنان حقيقى و هى ترفع ناظريها و كفيها للسماء:
ـــ روح يا علي بيه الهى ينصرك على عدوينك يا قادر يا كريم .
ضحك كثيرا من ردة فعلها و أردف بنبرة مازحة :
ـــ أيوة كدا يا سوسو .. اصحى معايا كدا يا قلبى .
أطلقت ضحكة ركيعة وقالت بفرحة عارمة :
ـــ عيونى يا روح سوسو .
قلب ملامحه و صوته للجدية مردفا :
ـــ إحنا هنقضيها رغى و ﻻ ايه ؟! .. روحى يلا ناديلى زينة.
أجابته بحماس و سعادة فى آن واحد :
ـــ دا انت تؤمر يا باشا… و غادرته الى حيث غرفة زينة.
يتبع…..