Uncategorized

رواية أنا والمجنونة الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

 رواية أنا والمجنونة الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

رواية أنا والمجنونة الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

رواية أنا والمجنونة الفصل الرابع والأربعون 44 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

عندما تتلاقى همسات العيون والأنفاس
تتجمع الأشواق فيهما 
وتنعزل الأجساد في عالمٍ خاص ملىء بالأحلام كالسحر مثل عالم الأساطير
لم يستطع أحدا ما قطعه او التدخل به
هل تعرفون لماذا…. فقد فاض العشق حد لا تستطيع الأحرف كلها التعبير عنه
وقف مصطفى محرم مذهولاً، ومصدوماً مما وجده أمامه… قائلاً بدهشة: ياسمين…!!!
تأملته مهجة لا تقو على التحدث تاركة الكلام لزوجها الذي يراقب تعبيرات وجهها باهتمام…. ووجه مصطفى مستمتعاً بصدمة الأخير.
فقد جمعهم لينهي هذه المهمة…. بشكل تام، تنهد بحزم قائلاً بهدوء: طبعاً انت تلاجيك من ساعة ما اتسجنت وانت بتسأل نفسيك مية سؤال في كل لحظة بتمر بيك، داخل السجن، وأني النهاردرة جيت أرد على كل سؤال جواك….. وجمعتهم الكل يبجى خابر الحجيجة.
تطلع إليه مصطفى بحيرةٍ أكبر قائلاً له: أنا فعلاً من ساعة ما دخلت السجن وانا بسأل نفسي ألف سؤال وسؤال، علشان تقبض على رجالتي و على رجال أعمال كبار زي اللي قبضت عليهم.
ابتسم جلال بسخرية عارمة وتنقل ببصره في جميع الوجوه أمامه وهو يجلس على مقعده خلف مكتبه.
شبك أصابع يديه على مكتبه قائلاً بهدوء تام : وأنا النهاردة اهنه علشان أجاوبك وأجاوبكم كلاتكم…. وخصوصاً ياسمين مرتي اللي اسمها الحجيجي مهجة.
اتسعت عينيّ مصطفى بذهول قائلاً له باستغراب: يعني بنتي مسمهاش ياسمين.
هز رأسه قائلاً ببرود: أيوة اكده اسمها مهجة 
حدجته مهجة هذه اللحظة بعلامات استفهام كبيرة وكادت أن تتحدث هي هذه المرة لكنه أوقفها بكفه وأوقف مصطفى الذي شحب وجهه قائلاً لهم بشرود: أني هتحددت كل حديتي من البداية خالص علشان كلاتكم تعرفوا ازاي وجعنا أكبر وأخطر عصابة في المنيا بلدي….!!!
ابتلع مصطفى ريقه وهو يرمقه بحذر ويحدج الجميع بهدوء ظاهري لكن بداخله قلق شديد.
تنهد جلال مردفاً بقوله الهادىء: من ساعة ما عرفت وجمعت كل حاجه عنيك وآني فعلاً انشغلت بالموضوع بتاعك كتير جوي وخصوصاً إن محدش جادر يمسك عليك دليل واحد… لغاية ما عرفت بالصدفة انك كنت متجوز جبل اكده،  فأصريت أكتر اني اجيب معلومات عنيك من مرتك السابجة، وجابلت مدام سماح في بيتها.
وفي الحجيجة مبخلتش عليه في أي معلومة احتجتها واصل عنيك، وآني خارج من عنديها لمحت صورة في برواز اكده، فسألتها وآني مهتم… مين اللي في الصورة دي، فردت وجالت لي انها بنتها ياسمين وانك متعرفش عنيها أي حاجه واصل، بسبب انك طلجتها من زمان جوي ومن غير ما تعرف انها حامل كمان.
صمت قليلاً وهو يتطلع إليهم بصمت كبير، واستطرد قوله باهتمام: ومن هنا كانت بداية خطتي واللي بيه عرفت ازاي أمسك طرف الخيط اللي بيه أجدر أوصلك…. وبطريجة سهلة جوي ومش هتجدر تكشفني كمان، بس كانت مشكلتي وجتيها ان ازاي أجيب ياسمين بنتك وهيه ميته من سنتين.
هنا شحب وجه الجميع بما فيهم مصطفى ومهجة الذي وقع الحديث عليهم كالصاعقة، وبدأت سماح عينيها تلمع بالدموع وهي تتذكر ابنتها التي ماتت في ريعان الشباب.
فقال مصطفى بجزع : بنتي ياسمين ميته…!!! هنا ترك جلال سماح… مجال للتحدث قائلاً لها: اتفضلي احكي له عن بتك ياسمين وكيف ماتت كمان.
ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة بحزن شديد: لما عرفت إني حامل بعد ما طلقتني اشتغلت وأصريت اني احافظ على نفسي وعليها وكافحت كتير علشانها ربنا يعلم أد إيه أنا تعب…. لغاية ما كبرت وزي ما حكتلك قبل كده عنها بس مذكرتش أهم حاجه في موضوعها ان بسبب بعادك عنها البنت أدمنت مخدرات، ومشيت ورا اصحاب السوء وكنت كل ما ادور عليك معرفش مكانك فين، وكان ادمانها بيزيد مع الوقت.
ودخلتها مصحة علشان أعالجها وأخليها بني آدمه صالحة لكن لا معرفتش تساعدني ولا تساعد نفسها، وكانت ياسمين تعتبر ضحية من ضحاياك وضحايا رجالتك اللي اسمه عادل ده وصلاح.
واللي أذوا بنات كتيرة أوي وخلاهم يدمنوا ويخربوا عقولهم بكلام سخيف عن الحرية الشخصية، وانها كبرت وإن مش من حقي كأم أدخل في حياتها الخاصة.
لغاية ما في يوم كانت مع شلة عادل وأصحاب السوء وأخدت جرعة زيادة من المخدرات و وماتت فيها جسمها الضعيف مقدرش يتحملها، والشرطة في وقتها لقيهوها بعد ما كنت مبلغة عن اختفاءها بيومين…. في طريق صحراوي ميته جنب صندوق للزبالة….!!!!
هنا انحبس باقي حديثها في داخل قلبها، فلم تقو على استكمال كلامها… شاعرةً بنار فراق ابنتها الوحيدة  تحرقها من جديد بداخل صدرها، التي عانت من أجلها الكثير والكثير.
هنا ضغط جلال على زر فوق مكتبه…. فجاء شخص ما قائلاً: تحت أمرك يا جلال باشا… فقال له بنبة آمره: هات عصير ليمون بسرعة.
انصرف الرجل لتلبية أوامر جلال وتطلع من جديد إلى مصطفى محرم الذي امتقع وجهه كثيراً عندما عرف بهذه المعلومات عن ابنته التي حرمها منه والذي لم يستكفي بذلك.
فقد كان أيضاً هو سبب قتلها بهذا السم الذي يدخله إلى بلده وفسد عقل كثير من الشباب الصغير الذي في بداية مستقبله.
تطلعت إليه سماح وهاجمته قائلة ببكاء: انت السبب في موت بنتي هاتلي بنتي …. رجعلي بنتي اللي موتها وطفيت وردة مفتحة في عز شبابها…. رجعهالي أبوس ايدك.
انا كل ما اشوف صورتها قدامي ببقى هموت عليها رجعهالي تاني حرام عليك…. حرام عليك ليه تعمل فيه كده.
هنا شعرت مهجة بالوجع الحقيقي وتاثرت بما تراه وتسمعه واختنقت العبرات داخل عيناها وهي تطلع إليها وإلى جلال الذي يترقب الجميع…. شاعرةً بالحيرة لا تدري أتلومه أم تلوم نفسها على تفتيح كل هذه الجراح التي لم تندمل بعد.
فوجئ حسين وعبدالرحيم بطلب يحيى وعقد قرانه على مريم فقال عبدالرحيم بساعدة بالغة: وآني موافج يا دكتور شوف أنهي ميعاد يناسبك وآني وياك.
تنهد قائلاً له : إيه رأيك في يوم الخميس الجاي أومأ برأسه موافقاً وقال له: وآني موافج ومش هنتني حديتك واصل… مش اكده يا حسين يا ولدي.
هز رأسه بالموافقة قائلاً له: اكده يا بوي وربنا يتمم على خير، هنا شعر يحيى بالانتصار على مريم وسيسيطرعليها أكثر من قبل ، فقال له عبدالرحيم : والحاج اسماعيل خابر حديتنا دلوك هوه وعمدتنا.
تنهد قائلاً له: طبعاً أني خبرتهم امبارح وهما موافجين على كل حاجه … فقال له بسعادة: طالما اكده تبجى روح مع حسين ولدي واتفجوا مع مأذون البلد على الميعاد اللي اتفجنا عليه وجولوله اننا هنكتبه في الجامع اللي جنبنا بعد العصر.
وافق يحيى قائلاً له: وآني من بكرة هنروح آني وحسين ونتفج وياه على حاجه.
بعد قليل دخلت مريم عليه وتركوها معه بمفردها قليلاً… عندما رآها وقف مواجهاً إياها بنظرات عتاب وقسوة قائلاً لها: ممكن أعرف ليه مش بتردي على تليفوناتي ولا رسايلي…. تطلعت إليه بحذر قائلة بضيق: مليش مزاج اتحدت وياك في حاجه.
فقال لها بغضب: مريم متعصبنيش منيش ناجص حديتك الماسخ دلوك…. فقالت له بصدمة: انت عايز تحرمني من علامي وأرد عليك عادي، وعايزني ساعة ما أجابلك آخدك بالحضن ولا إيـــه ليـــه فاكر نفسيك مين.
ندمت مريم من قسوة نظراته لها… على ردها عليه بهذه الطريقة الوقحة التي أخرجت عصبيته المدفونة بداخله قائلة له: شكلك إكده لا تربيتي ولا اتعلمتي حاجه واصل في حياتك، وعلشان اكده اعملي حسابك ان كتب كتابنا يوم الخميس الجاي بإذن الله…. مبروك يا عروسة عن إذنك…
قال ذلك وغادرها وترك المنزل بأكمله…. لم تستطع مناداته فقد احتبست الكلمات داخل فمها وخشيت مناداته كثيراً.
همست لنفسها بقوة ولوم: ليه تجوليلوا اكده خلتيه يزعل ويمشي زعلان منيكِ…وهوه بالذات زعله وحش جوي وشوفي جرك بالحديت كيف شوفي بجى هتصالحيه كيف وشكله اكده هيطلع من عينيك ألوان ربنا يسترها.
دخل يحيى مكتبه في المشفى غاضباً فلمحه صديقه فهمي فحدجه باستغراب قائلاً له: مالك اكده يا يحيى شكلك غضبان جوي، تنهد بحرارة قائلاً له بضيق: أبداً اتخانجت شوية مع مريم فتلاجيني مخنوج.
زفر بحرارة قائلاً له بهدوء: لساتك ما انتاش جادر تفهمها… تطلع إليه بسخط قائلاً له:وهيه ليه متفهمنيش وتفهم طبعي وتمشي عليه…. ضحك فهمي قائلاً له: يا يحيى جيل البنات دلوك غير جيل أمي وأمك جيل دلوك عايز كلمة حلوة هدية كويسة… بوكيه ورد إكده من بتاع البنات …. باكده يعني مشي حالك.
شعر يحيى بالغيظ قائلاً له بضيق: هوه اني بجول نكت علشان تضحك جوي اكده فقال له: يا يحيي تعاملك وياها مش طريجة واحد بيحب ويعشج دي كأنها متهمة عنديك…. شكلك وارث طبع أخوك العمدة.
صمت بضيق واضح قائلاً بحنق: فهمي جوم روح شوف شغلك خليني أشوف المرضى بتوعي آني كمان.
ابتسم فهمي قائلاً بمزاح: حاضر هجوم…. بس متنساش بوكيه الورد وهدية صغيرة منيك ليها.
اشتعلت عيني يحيى بالغضب التام من مزاح صديقه وقبل أن يرد عليه قهقه صديقه من الضحك وتركه وغادر الغرفة.
هرب الدم من وجه مصطفى محرم عندما رأى الحزن والألم على وجه سماح زوجته السابقة قائلاً بصوتٍ متحشرج: بقى بنتي ماتت بسببي مستحيل ده يحصل مستحيل.
اقتربت منه وقاربت على الهجوم عليه قائلة بغضب وعذاب: أيوه انت السبب، ربنا سقاك من نفس كاس العذاب اللي سقيت بيه آلاف من الشباب اللي بيضيعوا بسببك وبسبب اللي زيك اللي معندهمش أي ضمير…. بس للأسف انا اللي شربت الكاس لوحدي من سهر وعذاب ومرارة بعد ما ماماتت وسابتني لوحدي.
دفعته فجأة بصدره بكفيها فمنعتها مهجة عنه قائلة بضيق: سبيه ده ميستهلش تمدي يدك عليه.
فحدقت بها سماح بحزن فأخذتها مهجة بين ذراعيها واحتضنتها بحنان بالغ قائلة لها: اعتبريني ياسمين بنتك أنا خابرة زين جوي اني مش هبجى زييها لكن اعتبريني بردك بنتك.
بكت بشدة فحدقت بهم زوجته الثانية بتأفف قائلة : هوه أنا هفضل قاعدة كده بتفرج على المسرحية دي كتير.
رمقها جلال بغضب فشعرت بالإحراج قائلة له بتردد: أنا آسفه يا سيادة الرائد بس فعلاً أنا مشغولة، وورايا كذا مشوار لسه هعمله ومنهم المحامي اللي هيطلقني منه.
اتسعت عينيً مصطفى بصدمةٍ كبيرة فقالت له باحتقار: إيه مالك بتبصلي كده ليه… انت مفكر نفسك اني هفضل على ذمتك… ولا فاكر هستنى واحد رد سجون زيك لغاية ما تطلع.
هز جلال رأسه بسخرية وهو يترقب علامات الذل البادية على وجه مصطفى، تدخل جلال قائلاً لها: مفيش مشي من إهنه لغاية ما آني اللي أجول….وأكملك الحكاية.
صمت برهةً وأردف: وطبعاً لما شفت صورة ياسمين وجات الفكرة في دماغي كل اللي فكرت فيه وجتها ازاي أجبلك بنت زي ياسمين بالظبط…. وهنا بحثت عنيها وفي يوم كنت ماشي بعربيتي بالصدفة، وشفتها… شفت مهجة… مهجة مرتي.
أغلقت مهجة عينيها بارتباك وحزن وتنهدت وهي ترى وجه حبيبها وزوجها جلال يتحدث بجدية وعيناه تحدقان بها، مستطرداً بهدوء: لما وجعت عيني عليها بالصدفة، افتكرت صورة ياسمين بالظبط  كإنها هيه.
ابتلعت مهجة ريقها  بصعوبة غير مصدقه ولا مستوعبة ما تسمعه قائلة له بعدم فهم: يعني أنت كنت مختارني علشان اكده…. هز رأسه بجمود قائلاً ببرود: أيوه إكده انتِ تشبيهيها كتير جوي وجلت وجتها انك اللعبة والخطة الجديدة والوحيدة، اللي بيها هجدر أجيب بيها مصطفى وعصابته بالتأكيد.
تطلع إليه بذهول تجاهله جلال مستطرداً بجفاء: وطبعاً خطت لكل حاجه، وعرضتها هنا في شغلي فوافقوا ورسمت خطة كاملة، وكملنا اللعبة علشان أجدر أمسك عليك أدله كتير جوي.
ونفذت طبعاً خطتي بعد ما دربت مهجة كويس أوي على السلاح وركوب الأحصنة زين ومن غير ما أجولها ولا أحكيلها حاجه… وعملنا باجي الخطة إني انشر في كل مكان اني سيبت شغلي، وابجى عمدة البلد وأعيش واتجوز كمان علشان أجدر أجرب منيك وتكسب ثجتي جوي، ومن إهنه اتسهلت باجي الأمور ودخلت مهجة حياتك وعملتك كإنك أبوها فعلاً وكانت كل ما تيجي عنديك في الفيلا كانت بتجبلي كل الأدله ضدك…
ابيض وجهه من كثرة الشحوب ولم يستطيع النطق ولا التفوه بأي حرف فاستكمل قائلاً ببرود: وطبعاً مهجة حطتلك كاميرات مراجبة وتصنت في كل مكان تتواجد فيه حتى في اوضة نومك.
وجابت كل الأدلة المطلوبة واللي آني عايزها من على الكمبيوتر من أول دعوة ليك ليه هناك في فيلتك….وساعة ما جابلتها هيه وسماح هانم… كنا ذرعين ليك كاميرات صوت وصورة في شنطة مهجة وكنت بملي الكلام لمهجة وجايلها تجولك إيه كمان علشان تصدجها وجتها.
انهارت أعصاب مصطفى قائلاً بعدم تصديق: يعني كل اللي أنا عيشته ده كان كدب…!!!
ابتسم جلال ساخراً وقال له بجمود: أيوة طبعاً كدب وعلشان نجدر نجيبك اهنه…. وإديني أهوه شاركتك في شغلك ومكشفتنيش واصل لغاية ما جبضت عليك إنت وعصابتك كلاتها.
يعني لولا اللي عملته وبعد توفيج ربنا طبعاً ليه، مكنتش انت اهنه دلوك… ومشرف جدامي بتشوف خيبة أملك وبتشوف كل حاجه عملتها هتدفع تمنها داخل السجن.
شعر مصطفى بنظرات الجميع عليه….فزاده هذا ذُلاً وانكسار أمامهم قائلاً بحسرة: عرفت تلعبها صح يا جناب العمدة.
ابتسم بجانب شفتيه ساخراً قائلاً له بتهكم: طب بذمتك مش كنت ممثل عظيم ومعاي أحسن واحدة جدرت تمثل انها بتك ودخل تمثيلها عليك…. مش اكده…!!!
تجمد ياسين مكانه عندما استمع إلى صوتها المميز غير مصدق أنها جاءت وفي آخر فرصة لديه.
إلتفت إليها بلهفة… يتأمل محياها بصمت مطبق… وقفت نوال مكانها ثابتة على بُعد عدة أمتار….لا تريد أن تتحرك أو أن يبدو عليها أنها متلهفة للقاءه.
استغرب ياسين من ملامحها الجامدة شاعراً بأن هناك خطب ما، اقترب منها بخطوات ثابتة ووقف يتأملها قائلاً بخفوت مشتاق: كنت عارف إن قلبك مش هيطاوعك وهتيجي تشوفيني قبل ما أسافر.
حاولت نوال أن تبدو هادئة ثابتة أمام صوته العذب، غير مبالية لكلماته لها، وفجأة وجدته يضمها باشتياق كبير لم تعهده فيه من قبل…. انتقل تجمد جسدها إلى قلبها الذي أصبح مثل الحجر الذي لا يلين.
منذ أن رأت هذا الفيديو وهي تشعر بأن حبها له غير عادل في مثل هذه الظروف…. باغتها باحتضناها بشدة ورفعها من على الأرض بمشاعر لم يعهده في نفسه من قبل.
غير راغبة بذلك… فتيبست بين ذراعيه القويين، لم يعد يؤثر بها كما في الأيام الماضية هامساً بجوار أذنها بصوتٍ متهدج: نوال…. انتزعت نفسها بسرعة رافضة أي شيء منه…. قبيل أن يؤثر بها.
حتى لو اعترف لها بحبه الآن فهو خائن كيف ستصدقه بعد كل ذلك… استغرب ياسين من هذا التبلد العاطفي لديها والذي تبدو عليه لأول مرة.
ولم تعطيه وقت كافٍ لذلك الشعور… إذ فاجأته بهاتفها أمام عينيه ووجهها باردٍ كالثلج… قائلة بعبوس: ممكن تقولي معناه إيه ده؟
تجمدت نظراته على الفيديو وعينيه تشتعلان من الغضب والثورة التي بداخله تريد الظهور من جديد.
هادره بصوتها: ما ترد يا سعات البيه ولا مش عارف تقول إيه…!!!
هز رأسه غير مصدق قائلاً بجمود: انتِ مصدقه الكلام الفارغ ده…. فقالت له باحتقار: هيه دلوقتي الحقيقة بقت كلام فارغ…!!!
نهرها قائلاً لها بانفعال: لما تبقى بالقذارة دي يبقى كلام فارغ طبعاً…. مين اللي بعتهولك وجاب رقمك منين ، ابتسمت باحتقار قائلة باستهزاء: شوف مين يا بيه غفلك وأخد رقمي من عندك.
قطب حاجبيه بشدة متذكراً نهى عندما جاءت إليه بالأمس لتسترضاه لتعود إليه من جديد، وقبل أن يشرح لها.
هزت رأسها بتهكم مردفة بكل برود: أنا ماشية وهستنى ورقتي تبعتهالي عن طريق السفارة يا إما تبقى توكل أي محامي وهوه هيقوم بالواجب…. عن إذنك….
ثم صمتت برهةً واشارت بيدها في اتجاه آخر مستطرده باحتقار: صحيح قبل ما أنسى جبتهالك أهيه هديه مني ليك قبل ما تسافر، انتم الأتنين الحقيقة لايقين أوي على بعض… باييي 
فاحمرت عيناه من البركان الذي يريد أن يفجره بها وقبل أن يستوعب ياسين ما يعيشه الآن فوجىء بمن تركض ناحيته وتقول بلهفه: ياسين حبيبي…!!!
طوال طريق العودة إلى المنيا ومهجة تتحلى بالصمت الرهيب الذي من أجله كان يتساءل جلال كثيراً، فهو منذ أن تزوجها وهو لم يعتادها بمثل هذا الصمت.
كانت تبدو كالوحيدة وهو معها كانت تتذكر كلمته وهو في مكتبه ووصفها باللعبة…. فإذن كان ظنها في محله…. عندما استنتجت ذلك…. إنها مثل اللعبة في يديه يحركها كيفما يشاء.
وتساءلت في نفسها ما هذا الضعف الذي بداخلها… ما هذا الذي العذاب الذي عانته طوال هذه الفترة الماضية ومن أجل من كل هذا من أجل رجل اقتحم حياتها عنوةً وبكل قسوة ودون أدنى حق لديها في الأختيار أومن عدمه.
أغمضت عينيها تريد البكاء لكن مهلاً… إنها ليست بهذا الضعف التي تحياه الآن… مهما فعل بها فستظل مهجة القديمة وعندما وصلت إلى هذه النقطة تساءلت… أين أنا من بين كل هذا…. أين مهجة القديمة، لقد حل محلها شخصية أخرى ضعيفة هشة مستسلمة لقدرها معه… دون أدنى مقاومة لديها فقد كان عشقها له هو السبب في ضعفها حياله.
انتبهت على صوت توقفه لسيارته على جانب الطريق… تأملها للحظات قائلاً بجمود: متخرجيش برة العربية واصل لغاية ما هرجع على طول.
بالرغم من إنها سمعته إلا أنها لم تريد التحدث إليه ولا سماع صوته حتى، الذي تعشقه وهو يتحدث إليها… وتعشق كل حرف يخرج من فمه هو وليس من أحدٍ آخر غيره.
عاد جلال بعد قليل وجدها على نفس شرودها ولولا أنه ناولها حقيبة من البلاستيك ما كانت انتبهت إليه.
تنهد جلال قائلاً بوجه عابس: آني جولت أجبلك وكل لأنك أكيد جعتي… أبعدتها عنها بصمت فضيق عينيه بتساؤل قائلاً بضيق: مهجة يالا طلعي الوكل وكُلي.
تطلعت إليه قائلة ببرود: مليش مزاج آكل… ياريتك ما غرمت نفسيك.
اشتعلت نظراته من الغيظ قائلاً لها: مهجة اتعدلي لما تتحدتي وياي….أني جوزك يا هانم منيش خدام عنديكي….. فاسمعي حديتي وكُلي.
زفرت بحرارة قائلة بازدراء: آه هنبتدي في حديت سي السيد…. مش اكده.
جذبها من مرفقها بغلظة قائلاً بقسوة: أيوة آني سيدك وسيد البلد كلاتها إيه كمان عايزة تجوليه، جذبت ذراعها بقوة قائلة بغضب: جولتلك جبل اكده اياك تلمسني…. بيدك تاني واصل.
رمقها بشراسه ثم تنفس بعمق قائلاً بصرامة وتهديد: ماشي يا مهجة…. آني هصبر عليكي لغاية منروحوا بيتنا.
قاد السيارة بمنتهى الغضب والسخط الذي بداخله… وعاد الصمت يلفهما من جديد، همس لنفسه بحدة: لما نروح سوا آني هتصرف وياكِ طالما عاد عليكِ جنانك من تاني.
بعد مرور نصف ساعة، شعر جلال بثقل على كتفه فالتفت بسرعة فوجدها تغط في نومٍ عميق على كتفه الأيسر.
وهي تستند إليه برأسها غير واعيه لما تفعله…. تأمل محياها لثوانٍ معدودة ثم أحاط خصرها، بذراعه الأيمن وقربها منه أكثر وقاد باليد الأخرى فقط.
قائلاً لنفسه: آه يا مهجة آه منيكِ… لو تعرفي كيف بتجنينيني وبتعصبيني بعاميلك السودة،  ولا كيف بفكر فيكِ ليل ونهار ما كنتِ تعامليني اكده.
استكمل طريقه هكذا وهي ما زالت نائمة… إلى أن وصل إلى البيت وحملها بين ذراعيه غير واعية لأي شيء يحدث معها.
وضعها برفق على الفراش…. وانتزع عنها حذائها وحجابها ودثرها بغطاء ثم جلس بجوارها شارداً في ملامحها.
قائلاً لنفسه بتساؤل: يا ترى يا مهجة بتدبري لإيه تاني…. ماني لازم كل فترة توجعيني من مصيبة للتانية.
وقف جلال داخل المرحاض ليأخذ حماماً دافئاً… ليزيح عن كاهله كل هذا العناء الذي يشعر به.
أغمض عينيه مسترجعاً بذاكرته إلى الوراء عندما جاء بها إلى هنا عندما انتهت خِطبة شقيقه يحيى… وشيء ما بداخله جعله يريد ان يكون بمفردهما… في ذلك المنزل الذي يقطنيه لنفسه والذي خرجت منه عروساً يوم زفافها وها هو يعود بها إلى هنا… من جديد…. وهي زوجته.
لم ينسى أبداً جمالها الذي أخذ بلبه عندما رآها تتأمل الغرفة في ذلك اليوم حولها تتفحص الغرفة…. باشتياق وانبهار وكأنها تسترجع كل دقيقة عاشتها داخل هذه الغرفة.
قائلة له بإعجاب: الأوضة بجى شكلها جميل جوي يا عمدة…. اقترب منها ببطء وعيناه على محياها هامساً: بجد عجبتك يا مهجة.
تقابلت عيونهما بصمت… ووقف جلال ملتصقاً بها مسلوب الإرادة لأول مرة في كل ما يفعله… يتفحصها كأنه أول مرة يراها بهذا الهدوء التي تبدو عليه، تخضب وجهها بحمرة الخجل قائلة له بحياء: جداً يا سعات الباشا…. تناول كفيها بين قبضتيه هامساً بصوتٍ عذب: جلال…. اسمي جلال على فكرة.
ارتجف قلبها مع  ارتجافة يديها بين قبضتية مستغربة ومندهشة مما يقوله فقالت له بعدم فهم مضحك: في إيـه يا بيه إنت سُخن ولا حاجه.
عندها تأفف جلال عائداً إلى واقعه من جديد مُنهياً حمامه مغادراً منه.. 
خرج جلال من المرحاض بعد أن ارتدى ثيابه كامله…. تأمل الفراش فلم يجد زوجته.
انعقد حاجباه في استغراب قائلاً لنفسه بضيق: راحت فين دي دلوك….!!!
قام جلال بتفريش شعره بسرعة ثم غادر الغرفة باحثاً عنها.
لم يجدها لا داخل غرفته الأخرى ولا بالأسفل في داخل المكتب كما توقع…
.
فلم يجد أمامه إلا المطبخ، اتجه ناحيته…. فوجدها قد أبدلت ثيابها بمنامة رقيقة عليها، وجلست تفترش الأرض وتضع صينية كبيرة مستديرة الشكل وبها الأطعمه الذي أتى بها جلال وهم عائدون من القاهرة.
التي ما هي الا عبارة عن بعض الأطعمة السريعة المختلفة ولكنه شهي المذاق ووجدها تأكل بنهم كبير.
تجمد في مكانه واتسعت عينيه بغضبٍ شديد وهو يراها بهذا الشكل المذري بالنسبة له… وما زاده انفعالاً تجاهلها التام له وبالرغم من أنه يقف أمامها… وتراه ولكنها لم ترفع بصرها إليه ومستمرة بالأكل فقط.
فقال لها بضيق: بتعملي ايه اهنه…. وبمنظرك ده….!!!
لم ترد عليه ولم تعيره أي اهتمام …. فجثى على ركبتيه أمامها شاعراً بالحنق يزداد بداخل قلبه.
قائلاً لها بسخط: ما تنطجي…. مش بتردي ليه عليه، ابتسمت ساخرة وهزت رأسها باستخفاف واستكملت طعامها بطريقة عادية ولكنها مضحكة وكأنه غير موجود أمامها.
فأمسكها من ذراعها الأيسر بعنف قائلاً لها: مهجة اتحدتي معاي بدل ما انتِ خابرة زين هعمل إيه وياكِ.
تجاهلت كل هذا الغضب الذي يبدو عليه في تصرفاته وملامحه، فأمسكت بأحد أرغفة الخبز قائلة له ببرود مضحك: خدلك ساندوتش كبدة بالمخلل بتاعه طعمه تحفة يا بيه…. جربه ومش هتندم.
تطلع إليها بعينين كالجمر ففهمته وأردفت تقول باستهزاء: شكلك إكده هطج مني وبطريجة واعره جوي يا ابوي، علشان أكلت من غيرك…. مش اكده.
ازاح ذراعها بقسوة قائلاً لها بعصبية: آني فعلا هطج منيكِ ومن تصرفاتك المجنونة وعلشان اكده ان مجمتيش دلوك جدامي…. هكسر عليكي كل المطبخ دلوك.
تنهدت ببرود هامسة بعفوية: ليه الخراب يا بيه…. اجعد… اجعد… يا بيه على الأرض… كلنا ولاد تسعة، وكل ده من فضلت خيرك بردك، كبدة وسجق وبيبسي ومخلل وكفته وكاتشب وشيبسي وسلطة بالجرجير ….بصراحة يا بيه عندك ذوج عالي في الوكل المرادي….
حدجها بنظراتٍ شرسة، تهددها هذه المرة… فهبت على الفور واقفة وكانت ستحمل الصينية معها إلى الأعلى، فزمجر بسخط.
فتوقفت عن ما كانت ستفعله وتأملتها بندم شديد من منظر الطعام الشهي الذي ستتركه مرغمة، فانحنت بتحدٍ مضحك وتناولت ثلاثة من ارغفة الخبز المملوآن من الكبدة والسجق والكفتة… رغيفين في يد…. والآخر بيدها الأخرى.
لم تتحمل أعصابه منظرها هكذا أكثر من ذلك فحملها بين ذراعيه بقوة…. فحدجته بدهشة وهو يصعد بها إلى أعلى الدرج ومازالت مستمرة في تناول الطعام بشكل مضحك وهو يحمله غير مهتمة بمنظرها…. متجه بها صوب غرفتهم.
غير آبهة به ولا بغضبه الواضح… وضعها على الفراش بنرفزة قائلاً لها بعصبية شديدة: سيبي الوكل اللي بيدك واتحدتي وياي.
هزت رأسها باستخفاف قائلة له باللامبالاة: حاضر يا عمدة هتحدت بس لما أخلص الوكل اللي بيدي الاول.
أغمض عينيه بنفاذ صبر متنهداً بقسوة وقال لها بغضب: انتِ مش كنتِ رافضة الوكل ده من واحنا في الطريج.
مطت شفتيها وهي تلتهم قطعة بشفتيها من الخبز الذي بيدها قائلة بهدوء مستفذ: مكنتش جوعانه…. ولما جمت لجيت نفسي جوعانه جوي…. فيها حاجه دي يا عمدة…. بس شكلك إكده عايز حته خد ساندوتش كامل أهوه مش خسارة فيك.
دخل إلى مكتبه شاعراً بالغضب من تصرفاتها المجنونة ولا يدري لماذا كل هذا الجفاء من ناحيتها في معاملته… فها هي قد انقلبت الأمور، فا بعد أن كانت هي من تسعى خلفه… وتسترضاه.
فهو الآن من يسعى خلفها ويطلب ودها ويفاجئ بأنها هي من لا تعيره أدنى اهتمام….  شاعرا بأن تحولها هذا كان لابد أن هناك سبباً وراءه.
مرت ثلاثة أيام بهذا الوضع وزادت عصبيته عليها وتقابل مهجة ذلك بالبرود التام كأنها اعتادت الأمر.
وجاء يوم الخميس المحدد لعقد قران يحيى ومريم، دخل عليها زوجها فوجدها لم تكن جاهزة بعد… فضيق عينيه قائلاً لها بتساؤل: ليه ملبستيش خلجاتك.
لم تنظر إليه وإنما فقط كان بيديها كتاباً تتفحصه ولم ترد عليه، فاقترب منها وخطف من يدها الكتاب وألقى به على الفراش.
قائلاً بنرفزة: آني لما اتحدت وياكِ تنطجي وتردي…!!! زفرت بقوة قائلة له: نعم يا عمدة عايز إيـــه عاد…. ما تهملني لحالي.
تطلع إليها بضيق قائلاً بحنق: بجولك ليه ملبستيش خلجاتك إنتِ ناسية ان النهاردة كتب كتاب اخوي.
عقدت ذراعيها أمام صدرها قائلة له باستخفاف: مش جايه وياك في أي مطرح… تأملها بجمود قائلاً لها بهدوء ظاهري: وليه معيزاش تروحي…. ده اخوي اللي صغير وانتِ مرت عمدتهم.
مطت شفتيها باستهزاء…. قائلة له: مش عايزة هوه بالعافية…!!! إلى هنا لم يعد يدري ماذا يفعل بها إذ جذبها بقسوة من ذراعيها قائلاً بغضب: مهجة فوجي إنتِ بتعاجبيني ولا إيه ده حجي عليكِ.
تطلعت إليه بعيون متحجرة قائلة بعذاب مرير: لاه مكنش من حجك يا سيادة الرائد انك تلمسني… وده مكنش اتفاجنا من الأول ولوكنت نسيت افكرك.
اقترب بوجهه من وجهها وهو يخرج أقوى انفعال لديه قائلاً بثورة: كان كله بمزاجك يا مهجة وأني عمري ما كنت هجبرك على أي حاجه واصل.
شعرت بالإهانة بداخلها وأحست بأنها تريد الهرب من نظرة الاحتقار التي تراها بعينيه الآن قائلة له بلوم: صحيح وانت استغليتني وجتها كيف البجرة اللي لا ليها رأي ولا حول ولا قوة مش اكده يا سيادة الرائد.
كاد أن يصفعها على وجهها ولكنه حاول تمالك أعصابه بشدة قائلاً لها بحزم غاضب: طالما الموضوع بجى بالعافية، يبجى كل حاجه بعد اكده هتكون غصب عنيكي… وإن مخلعتيش خلجاتك دلوك آني اللي هلبسك بيدي…. ها تحبي تشوفي.
شعرت بأن قلبها سيختنق ان لم ينصرف من أمامها الآن…فهتفت به بغضب: اطلع بره…. مبجتش طايجاك ولا طايجة لمستك على ذراعي أكتر من إكده.
وانتزعت نفسها من بين ذراعيه بقوة…صدم جلال من قولها القاسي له قائلاً بجمود حاد: هخرج يا مهجة وهتلبسي بردك وغصبٍ بردك، وهستناكِ تحت، ولولا انك مرتي وحديت اهلي وناسي كتير جوي، كنت مأخدتكيش وياي… مش من حلاوة مركزك هتشرف بيكِ جدام الناس، ومن النهاردة مش هتشوفي وشي وهتتحبسي اهنه ومش هتخرجي غير بإذني… وآني هبجى انام في اوضتي الجديمة….. لغاية ما تبجى خابرة ان الله حج.
ما ان غادر الغرفة غاضباً وصفق وراءه الباب، حتى تهاوت مهجة على الأرض بأعين جاحظة غير مصدقة ما فعلته بنفسها قائلة بعذاب: ولسه يا مهجة ياما هتشوفي مرار طافح.
ركبت بجواره سيارته دون أن يتحدث أي منهما إلى الآخر… ومن يراهما يظن أنها ذاهبان إلى مأذون ليطلقهما وليس إلى مناسبةً سعيدة كهذه.
استقبلوهم الأهالي بترحاب شديد ودخلت هي في مكان مخصص للنساء وكانت العروس لم تأتي بعد.
انتهت مريم من كل شيء وأصبحت جاهزة وكان قد تم عقد القران بالمسجد المجاور لمنزلهم كما هو الأتفاق…. بعد صلاة العصر.
استمعت إلى زغاريد كثيرة بالخارج فارتجف قلبها فا بالتأكيد قد جاء يحيى وبالفعل كان ظنها صحيحاً.
فقد طرقت عليها والدتها الباب قائلة لها بسعادة: يالا يا بتي الدكتور وصل بره… وجاعد مع العمدة والرجاله برة.
اومأت برأسها بارتباك وخرجت معها ولاء التي كانت معها منذ بداية اليوم… وجاءت بإلحاح شديد على شقيقها حسان.
وصلت إلى مكان النساء وجلست تتوسطهم، فسلمت عليها والدة يحيى ومهجة والعديد من النساء.
وانطلقت الزغاريد أكثر وأكثر عندما جاء يحيى وجلس بالقرب منها… احمر وجهها من نظراته لها قائلاً بخفوت: مبروك يا عروسة خلاص بجيتي مرتي، وما تجدريش تفتحي خاشمك معاي بعد اكده.
تحجرت عيناها على ملامحه قائلة بغيظ: لاه يا دكتور لساتك ما مخبرنيش زين…. فقال لها بحدة: اجفلي خاشمك دلوك بدل ما هخليكِ متعرفيش تتحدتي تاني واصل.
ابتلعت اهانته داخل قلبها وحاولت أن تبدو متماسكه… وشعرت مهجة من قسوة ما تعانيه ان هناك خطب ما بينهما فهو شقيقه وبالتأكيد سيكون مثله في طباعه القاسية حتى لو بدى عليهم عكس ذلك.
انحنت نحوها الحاجه فاطمة تقول بحنان: كيف ولدك دلوك يابتي بتغذيه كويس، اضطربت مهجة قائلة بتردد: طبعاً…. طبعاً يا اماي هوه آني أجدر اهمله.
فابتسمت لها قائلة: طب كويس يا بتي وخلي نعيمة تاخد بالها منيكِ…. مش خابره ليه العمدة مجعدك في البيت التاني لوحديكم اكده… وكنت راعيتك آني وسعاد.
لم تقو على الرد والتزمت الصمت عندما اتت على ذكره، وتذكرت حديثهما معاً وبأنه سيسجنها ويحبسها من جديد لتجرؤها عليه…. وكادت ان تبكي وتشتكي اليها لكنها توقفت فهي بالفعل تحن الى صحبتهم جميعاً.
جلست نور بجوارها هي الأخرى تتحدث اليها باشتياق وتتجاذب معها اطراف الحديث.
مر أربعة أسابيع على الجميع وكانت نوال ملتزمة بالجلوس معظم الوقت بداخل غرفتها تشعر بالوحدة بعد سفره، بالرغم من انها شعرت بأمل من انه سيطلقها… لكن لا لقد خاب أملها.
لقد تركها دون أي أخبار عنه لقد حاول مرتين فقط طوال هذه الفترة أن يحدثها لكنها لم ترد ولم تجيبه كمعاقبة له عن ما فعله بها.
تناولت العشاء معهم في هذه الليلة شاردة الذهن …. كانت والدة ياسين تراقبها عن قرب فقالت لها: إيه رأيك يا نوال تبقي تروحي تشتغلي بالمحل تاني.
تطلع إليها زوجها قائلاً باهتمام: وانتِ مفكرة ان ياسين هيوافق على حاجه زي دي.
شعرت بالضيق قائلة بهدوء: عادي أنا نفسي افتحه زي الأول بس كنت محرجه منكم.
فقالت لها والدته: لا يا بينتي ما تتحرجيش ده أحسن حاجه خليكي تشوفي حياتك وشغلتك اللي بتحبيها وانتِ كده… كده فاضية فلزومه إيه القعاد.
فتدخل زوجها قائلاً: بس ياسين أكيد مش هيوافق، كانت نوال تعرف ذلك فقالت له:عارفه بس أنا فعلا محتاجه للشغل ده هوه اللي كان بصرف بيه على نفسي وعلى مهجة ثم انه امانه لغاية ما مهجة ما ترجع.
تطلع إليها حماها قائلاً بهدوء ظاهري: أنا موافق بس ناخد رأي ياسين الأول…. ارتبكت نوال وهي على دراية كاملة بإجابة هذا التساؤل قائلة: مش شرط يعرف انا هشتغل عادي لغاية ما يرجع، فقال لها باستغراب: بس يا بنتي ده جوزك بردو.
كادت أن ترد عليه لولا تدخل والدته قائلة: لو زي ما انت ما بتقول مسألش عليها ليه ها… ولا كان سابها لحد أحسن منه.
زفر بضيق قائلاً بنفاذ صبر: اللي تعملوه اعملوه مرات ابنك عندك وبراحتكم اتصرفوا زي ما انتوا عايزين.
أما ياسين في غربته فقد كان معظم الوقت شارد الذهن وعصبي المزاج طيلة الوقت حتى ان اصحابه قد لاحظوا عليه ذلك ومنهم من تجنبه حتى لا يخسروه.
تمدد في فراشه وأمسك هاتفه بتردد يريد الاتصال على نوال قائلاً لنفسه بغيظ: كل ده بسبب نهى لولا مجيها كنت عرفت اسيطر على نوال وساعتها كنت هشرح ليها كل حاجه لكن بغباء الأتنين ضيعوا كل حاجه كنت مخطط ليها.
كانت مهجة تشعر بفراغ كبير داخل قلبها…. فزوجها قد نفذَ كل تهديده لها فها هي مثل المتهمة داخل قفص قضبانه من حديد، ولم تراه منذ ذلك اليوم.
فغالباً ما يخرج لعمله في الصباح دون أن تراه ويأتِ متأخراً في  آخر الليل…. فهو ينام في غرفة اخرى… ويتركها وحيدة في ظلام الليل الحالك وحيدة بدونه… رغم خوفها من النوم بمفردها هكذا إلا انها تحاملت على نفسها وكانت تضئ ضوءً خافتاً داخل الغرفة ليؤنس وحدتها.
ونعيمة تقدم لها الطعام في ميعاده داخل حجرتها غير مسموح لها بالنزول…. شعرت بالغضب من قسوته معها إلى هذا الحد، شاعرةً أيضاً بالاشتياق لرؤيته ومحادثته من جديد.
رغم تجنبه لها طيلة الوقت فكانت لا تنام إلا بعد رؤية سيارته والأطمئنان لمجيئة.
وفي هذا المساء أخرجت صورته التي تحتفظ به داخل حقيبتها تطلع إليه بلهفة قائلة له: وحشتني يا باشا ياحليوه… ووحشني خناقي معاك.
بعد مرور الوقت لم تشعر بالنعاس على غير عادتها فآخر يومان كانت تنام كثيراً دون معرفة السبب.
فا أرادت أن تنشط نفسها… فدخلت إلى المرحاض لأخذ حماماً دافئاً… وخرجت منه مرتدية ثياب للنوم رقيقة الشكل فقد كانت ترتديها لأول مرة فقد اصبح الجو خانق حيث زادت حرارة الجو لدخول فصل الصيف.
وأتت بشالٍ من الساتان ووضعته على كتفيها بعد أن فرشت شعرها بفرشاتها السوداء.
وقفت تتأمل نفسها بشرود قائلة: يا ترى لو جلال شافني كده هعجبه ولا بردو هيسبني ويمشي زي ما سيبني دلوقتي ورميني زي البيت الوقف لا مطلقة ولا متجوزه.
تنهدت بغضب قائلة لنفسها بغيظ: ولا تسألي فيه مسيره يرجع يعني هيروح فين…. فتخيلت انه في هذه اللحظة، متزوج بامرأة أخرى فاتسعت عيناها بجنون قائلة: هوه يقدر يعملها وأنا أقطعه وافرمه واحطه في اكياس زي اللحمة…. ولا تكون مين دي اللي امها داعية عليها، وتقع في طريقي.
وتذكرت كل ما يحدث فاتسعت عيناها بذهول قائلة بصدمة: ده ممكن فعلاً يكون عملها ده كل يوم بيجي الساعة اتنين بالليل من برة يا انهارك ألوان بندقي يا جلال انت والزفتة ديه… ده لو الكلام ده بجد يبقوا قضيتوا على عمركم انتم الأتنين.
وضعت القليل من مساحيق التجميل فأعجبت بنفسها قائلة بضيق وغيرة: معقول هتلاقي أحلى مني يا عمدة، انت ليه لوحدي انا وبس فاهم.
شعرت بنار الغيرة تأكل قلبها من عدو مجهول ووقفت تمسك بخصلات شعرها شاردة واهتديت إلى حل انها ستتحدث معه…. لكن بعد قليل هزت رأسها رافضة قائلة لنفسها بضيق: لأ مش هتكلم معاه أنا مخصماه وبردو أنا عندي كرامة.
استمعت إلى صوت سيارته وقد اتى مبكراً الليلة ساعتين عن ميعاده، فوقفت من خلف نافذة حجرتها تراقبه بمزيج من الغيرة والحرمان التي تشعر بهم هذه الأيام.
كانت نعيمة  تقرع عليها باب غرفتها قائلة: العصير يا ست هانم… فتحت لها الباب قائلة بهدوء : طيب هاتيه وروحي نامي انتِ.
ما أن غادرتها نعيمة حتى كان يمر جلال من أمامها ذاهباً لغرفته، فلمحها تقف بهذا الشكل، فابتلع ريقه بصعوبة  واستكمل طريقه كأنه لم يراها.
مطت شفتيها بغضب قائلة لنفسها: طبعاً تلاقيه جاي من عندها ما انا خلاص مبقتش ماليه عينه وشويه وهيطلقني علشانها قريب… آه لوامسكها واعرف هيه مين لكنت حطيتها تحت رجلي وأفضل أضرب فيها لغاية ما يبنلها صاحب.
لم تعي وهي مغتاظة هكذا أن كأس العصير قد سقط منها على الأرض… فصرخت بصوت عال منفعل: يا نعيمة يا نعيمة…!!!
فأتت مهروله تقول : نعم يا ستى فقالت لها بضيق: نضفي المكان اهنه بسرعة واعمليلي فنجان قهوة خليني اتكتك بمزاج.
فاستغربت نعيمة قائلة : لإيه يا ستي…. فقاطعتها قائلة : اسمعي بس اللي بجولك عليه.
كان جلال في غرفته صورتها لا تفارقه وهي بهذا المنظر الجذاب فهو لم يراها منذ ذلك اليوم، وثابتٍ على موقفه منها… حتى وهو في عمله صورتها لا تفارقه أيضاً.
كان يبتعد عنها بجسده فقط ويرغم نفسه على ذلك… رغماً عنه فهو رجل ولن يعتاد في حياته ان يرجع عن قرار مهما ان كان.
خرجت من الغرفة تتسلل إلى غرفته بهدوء في هذا الوقت المتأخر، فاستمعت إلى صوت ضحكات زوجها فقالت لنفسها بغضب: طبعاً تلاقيه بيضحك معاها وسايبني أنا لوحدي زي البيت الوقف وشبابي يضيع قبل أوانه.
فانصتت مرة أخرى فازدادت صوت ضحكات زوجها بالداخل وهنا لم تتحمل ففتحت عليه الباب بغتةً تقول بحده وغيرة: هيه فين دي وأنا اربيها من جديد…. هيه فين جليلة الحيا دي وآني أخنجها بيدي.
كانت تقول ذلك وعينيّ جلال تراقبها بصدمة وذهول لما تفعله في هذا الوقت، وفتحت باب المرحاض باحثةً عنها, ومالت تبحث أيضاً تحت السرير… وفتحت الخزانة بشكل مضحك.
كل هذا ولا تدري بأن شالها قد سقط منها… على الأرض وظهر كتفيها… كان جلال قد أغلق شرفته بهدوء عندما رآها بهذا المنظر… فهرعت نحوه قائلة بغضب: طبعاً لازم تجفل البلكونة ما هي اكيد مستخبية جوه…. ست الحسن والجمال…. اوعى إكده من وشي، وريهاني خليني اشرب من دمها.
هنا احتد جلال عليها قائلاً بانفعال: رايحة فين اكده بمنظرك ده… فهتفت به والغيرة تعميها قائلة بغضب: رايحه أجيبها من شعرها الحيوانة دي.
هز رأسه بحدة غير مصدق ما تفعله فقال لها بحنق: مين دي اللي هتجبيها من شعرها، فوضعت يدها في خصرها قائلة له بجنون: السنيورا  يا عمدة مرتك الجديدة.
يتبع..
لقراءة الفصل الخامس والأربعون : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية حبيبة بالخطأ للكاتبة سهير علي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!