Uncategorized

رواية أنا والمجنونة الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

 رواية أنا والمجنونة الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

رواية أنا والمجنونة الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

رواية أنا والمجنونة الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

ما أن أسرعت نوال بفتح الباب قائلة بسعادة : تعالي يا مها شوفي الفستان عليه وقوليلي رأيك فــــ ….. بترت باقي عبارتها في داخل فمها ، عندما وجدت عينان آخران واسعتان تحدقان بها ……
هرب الدم من وجنتيها بسرعة  ، واتسعت عينيها بذعر وقلق ، وارتجفت قبضتها على مقبض الباب وهي تمسك به ، متراجعة بتلقائية إلى الوراء عدة خطوات متعثرة ، كادت أن تقع إلى الوراء 
تمعن ياسين في ملامح وجهها التي تبدلت من السعادة إلى الخوف والخجل ، ثم نزل ببصره إلى ثوبها الجديد قائلاً لها بعفوية  : جميل أوي عليكي …. احمر وجهها من الخجل ، جعلته ينتبه لخطأوه الذي وقع به وتسرع بقوله لها ، متحولاً إلى التهكم عليها فأسرع قائلاً لها بسخرية لاذعة : طبعاً ماما اللي جبتهولك مش كدة .
شعرت نوال بأن يداً قوية سحبت لقلبها واعتصرته وأدمته بقوة حتى أنها شعرت بدموعها ستهبط مسرعة على وجنتيها من إهانته لها ، بعد مدحها ، فسارعت بمسحها حتى لا يراها ضعيفة أمامه .
فقالت له بهدوء مفتعل : فعلاً هيه اللي جبتهولي ربنا ما يحرمني منها أبداً ، ابتسم ساخراً منها ثم قال لها بلهجة آمره : النهاردة هتروحي المحل …. الساعة تمانية بالليل بالكتير تكوني موجودة فاهمة .
قال عبارته وغادر من أمامها ولم يعطيها فرصة الرد عليه ، فقالت لنفسها بضيق : هوه فاكر نفسه مين علشان يعمل معايا كده ، وكمان ده بيأمرني أعمل إيه ومعملش إيه وبعايز يتحكم فيه وفي شغلي .
دخلت عليها مها بعد أن وجدت الباب مازال مفتوحاً ، قائلة لها بإعجاب : الله يا نوال الفستان هياكل منك حته .
ابتسمت نوال ابتسامة باهته قائلة لها بشروده : ما هو ده كان رأيه بردو بس رجع فيه .
ضيقت مها حاجبيه بدهشة قائلة : تقصدي إيه مش فاهمه ، هزت نوال رأسها قائلة لها بتوتر : أبداً يا مها …. بس حلو بجد فقالت لها مبتسمة : طبعاً يا حبيبتي ، ده الفستان ده بقى عايز خروجه كده مخصوص ، نبقى نخرجها سوا .
ابتسمت لها قائلة : وفين الخروجه دي …. دنا يا دوب من المحل للبيت ومن البيت للمحل .
قالت لها ضاحكة : سيبيه عليه أنا الموضوع ده ونخلي ماما تتدبر لنا الخروجه دي وتيجي معانا كمان .
هزت رأسها قائلة لها : خلاص أنا موافقة ، فقالت لها : يبقى اتفاقنا هجري أنا بقى أروح الدرس قبل الميعاد ما يفوتني .
فقالت لها نوال : مع السلامة يا مها ربنا ينجحك .
استقل ياسين سيارته ، شارداً بعض الشيء ، وجد هاتفه يرن ، أمسكه متمعناً به قائلاً لنفسه بحيرة : يا ترى فيه إيه على الصبح ، فقالت له : صباح الخير يا حبيبي بقى كده ما تتصلش عليه من ساعة ما سبتني .
فقال لها بهدوء : معلش يا قلبي انشغلت بس وكنت ناوي طبعاً أتصل عليكي ، فقالت له : طب هشوفك النهاردة .
تنهد قائاً لها : مش عارف على حسب ما أكون فاضي وهبقى أكيد هديكي خبر .
فقالت له بهدوء : طب وهتعرفني على أهلك إمتى ، أخذ نفساً عمقياً قائلاً لها : أكيد في أقرب وقت  .
ما أن نطقت سماح بجملتها الأخيرة حتى اتسعت عينيّ مصطفى بصدمة قوية قائلاً بعدم فهم : إنتي بتقولي إيه ، إيه الكلام الفارغ ده ، صاحت به بقوة قائلة : دي الحقيقة يا سعات البيه ، اكتشفت بعد ما طردتني إني حامل .
هبط مصطفى على المقعد خلفه جالساً بعدم فهم قائلاً لها : أنا مش مصدق الكلام اللي بسمعه منك ده ، فقالت له بحدة : لأ صدق يا بيه لأنك عارف كويس أوي إني مش بتاع كدب ولا لف ولا دوران .
حدق بها بقوة قائلاً لها بتوتر : ولما إنتي جبتي مني بنت ليه خبيتي عليه الفترة دي كلها ، تنهدت قائلة بحزن : لأنك مكنتش هتصدقني وقتها وعيلتك كمان كانت هتحاربني ومش هتسيبني ووقتها كنت ضغيرة وضعيفة ، لكن أول ما عرفت طريقك ، قلت لازم تعرف .
حدق بها بذهول صامت لا يعرف ماذا يقول لها، جلست أمامه هي الأخرى دامعة العينين تستطرد حديثها تقول : بعد ما سيبتني لقيت نفسي وحيدة في الشارع بدون أي مأوى ، دورت على شغل وسكنت في إوضة وصالة في بيت قديم لغاية ماولدت ، وواحدة من الجيران الله يباركلها وقفت معايا كتير بعد ما عرفت حالتي وصعبة عليها واعتبرتني زي بنتها ، لغاية ما لقيت شغل بسيط فكانت بتاخد بنتك مني لغاية ما ارجع من شغلي ، بعدها بفترة لقيت شغل تاني أحسن وكانت بنتك في الفترة دي بتكبر يوم ورا يوم ، ودخلتها المدرسة ، وكانت بتسألني عليك ، لما تلاقي زميلاتها معاهم أباهتهم في المدرسة ، ساعة ما يكون فيه حاجه هناك وكنت ببقى مش عارفه أجاوبها وأقول إيه عليك .
رمقها بعدم استيعاب وتصديق قائلاً لها بدهشة : أنا مش مصدق كل ده … قاطعته بغضب قائلة : لأ صدق يا مصطفى بيه وآدي الدليل كمان علشان تشوف بنفسك وتصدقني .
تناولت حقيبتها من على المنضدة الصغيرة التي أمامها ، وفتحتها وألقت إليه بأوراق تخص ابنتهم ، من شهادة ميلاد وأوراق أخرى تثبت ذلك .
اتسعت عينيه بصدمة بعدما أوجدت له الدليل القوي على صحية حديثها ، وحدق باسمها كثيراً ، تنهدت بقوة وتابعت حديثها قائلة لها : وهيه دلوقتي كبرت واتخرجت من الجامعة واتجوزت كمان .
حدق بها بذهول قائلاً لها : اتجوزت كمان …. زفرت بضيق قائلة له : آه اتجوزت شخص كويس جداً ربنا عوض عليها كتير بيه ، وبحرمانها منك طول السنين اللي فاتت دي كلها .
هز رأسه بذهول قائلاً لها باستغراب : ياه وجاياني بعد طول السنين دي دلوقتي تقوليلي كده ، قالت له بحزن : لأن مكنتش عارفه مكانك  ، رحتلك مرة من خمس سنين بيتكم القديم في القاهرة ، ملقتش حد ولقيت المكان بقى عمارة كبيرة أوي فيها شقق مفروشة ومتأجرة لدكاترة ومهندسين ولما يأست إن ألائيك سكت وبطلت أدور عليك .
فقال لها متسائلاً بدهشة : طب وعرفتي مكاني إزاي هنا ….. ممكن أعرف ، زفرت بضيق قائلة : بالصدفة شفت صورك على الأنترنت ما انت خلاص بقيت مشهور بقى ، سألت عليك وجبت عنوانك ، وقلت لازم تعرف إن ليك بنت اتظلمت  واتحرمت منك كتير أوي وتساوي بينها وبين بنتك سالي المدلعة .
ما أن نطق جلال بجملته حتى كادت أن تتهاوى بين ذراعيه فادة الوعي ، من الذعر الذي احتل كيانها من لمسات أنامله ومن كلماته العابثه كأنه يلعب بها وبمشاعرها .
بُهتت مهجة ولم تستطع النطق ، مما جعله يعيد نفس كلماته مرة ثانية قائلاً بمكر أكبر ليخيفها : عايزة حجوجك يا مهجة ….. إذا كنتي عايزاها ، آني مستعد ويبجى جوازنا مش على الورج بس .
احمر وجهها من همساته لها ، فهمت ما وراء كلماته فهزت رأسها بالرفض بقوة وتهاوى قلبها بين قدميها ، قائلة له بتلقائية : لا …. لا يا بيه منيش عايزاها ….. أني خلاص هسكت ومش هتحدت تاني ولو اتحدت تاني يبجى هات المجص .
أبعد يده عنها واعتدل في وقفته ووضع يده في جيب بنطاله بوجه متجهم ، قائلاً لها بخشونة : يبجى خلاص منيش عايز أسمع حديت ماسخ تاني مرة عن الحجوج دي ، وإلا ما انتيش جدي يا مهجة ولساتك صغيرة  متعرفنيش واصل وبلاش تلعبي بالنار معاي لتحرجك .
ارتجف قلبها من حديثه إليها ، بعد أن رمقها بغموض غاضب ، تاركاً إياها وحيدةً من جديد .
تهاوت مهجة وراءها على الفراش غير مصدقه ما كان يقصده من وراء كلماته ، قائلة لنفسها بعدم تصديق وذهول : يا لهوي يا مهجة …. شوفي انتي كنتي هتوصليه لأيه ….. ثم صمتت برهةً متابعة مرةً أخرى بشرود : بس وماله يا مهجة ده جوزك وانتي مراته فعلاً وبتحبيه فا يبقى ليه لأ ويمكن يقرب منك أكتر بعدها .
هزت رأسها مرة أخرى بالرفض بسرعة قائلة لنفسها بتوتر : لا ….. لا يا مهجة إوعي ده متفق معاكي على الطلاق ، يعني إنتي اللي هتخسري مش هوه .
دخل جلال إلى مكتبه ، وجد اتصالاً آتياً من زميله شريف قائلاً له : إزيك يا عمدة ، عملت إيه مع مصطفى محرم .
زفر بقوة قائلاً باختصار : خلاص مضيت على عجود الشراكة وكل حاجه ماشية تمام ويعتبر كل الأوراق اللي تدينه معاي بس الأهم باجي شبكته كلها .
تنهد قائلاً : وأنا كمان عينتلك مخبر يراقب تصرفات اللي إسمه حوده ، ده خطوة بخطوة ، فقال له بضيق : طب كويس إوعاك يغيب عن نظرك فاهم ، وتعرف كل تحركاته زين وبيروح فين .
فقال له بهدوء : حاضر  اطمن كل حاجه هنفذها زي ما انت عايز ، أغلق معه الهاتف ، ألقاه بعدها أمامه على مكتبه .
ثم استمع إلى صوت طرقات مترددة على الباب فقال بضيق : ادخلي …. فقالت له بتردد : الفطار جاهز يا عمدة .
فقال لها : طب إسبقيني وآني جاي وراكي ، كانت مهجة قد وضعت كل شيء على المائدة ، ولم تجلس بعد فقد كانت بانتظاره .
أتى جلال وجلس على رأس المائدة ، محدجاً بها وأشار لها بالجلوس فأبت أن تجلس قائلة له : منيش جعانه يا بيه .
رمقها بطرف عينه بغضب قائلاً لها بصرامة  : إجعدي يا مهجة ومن غير كلمة تانية .
فقالت له باعتراض : بس آني فعلاً مش جعانه ولما أجوع هاكل ، هز رأسه بعنف وأمسكها من يدها وجذبها بجواره وأزاحها على المقعد الذي بجانبه قائلاً لها بغضب : آني حديتي يتسمع ومش هقرر الكلمة مرتين فاهمة .
لم تستطع أن تنطق ببنت شفه ، فقالً لها بعصبية : إنتي مش كنتي جعانة بردك ، من شوية وكنتي عايزة تفطري .
فقالت له بتوتر : ما آني خلاص مبجتش جعانه يا بيه ، تنفس بضيق قائلاً لها : شوفي يا مهجة بعد إكده أوامري تتسمع من غير معارضة وأي حديت ماسخ هتجوليه هتشوفي اللي عمرك ما شفتيه مني .
حدقت به بصمت دون أن تنطق ، وأكلت بالرغم منها حتى لا يهينها أكثر ، قدمت له فنجان من القهوة ووضعته أمامه ، وهبت واقفة ، ودخلت إلى المطبخ لتهرب من مراقبته لها .
بعد قليل سمعت باب المنزل يغلق فعرفت أنه ذهب لعمله ، تنهدت بارتياح قائلة لنفسها : الحمد لله عدت على خير .
في المساء أتت الثامنة مساءً ونوال لم تأتي بعد ، أتت إليها إحدى الزبائن ولمحت في يدها ساعة ، وعرفت منها أنها قد تجاوزت الثامنة مساءً .
فذمت نوال شفتيها بضيق قائلة بعناد : مش همشي دلوقتي بردو مادام لسه فيه شغل ، ثم تذكرت مهجة ، فجلست شاردة بها .
دخل عليها حوده قائلاً لها : مفيش أخبار عن ست البنات ، هزت رأسها بالنفي فقال لها بحزن : أنا من ساعة ما وديت الفيديو القسم ومحدش عطاني رد لدلوقتي .
فقالت له : نفسي ألاقيها يا حوده إنت متعرفش ، هيه وحشاني أد إيه ، فقال لها بحزن : ومين سمعك دي وحشانا كلنا وغيابها مأثر فيه .
ألقت بنفسها على المقعد خلفها ، قائلة: ربنا يرجعها لينا بالسلامة يا حوده ، مرت عليها أكثر من ساعة بعد انصراف حوده ، وهي تراجع حسابات خاصة بالمحل .
حدقت بالساعة فوجدتها قاربت على العاشرة ، تنهدت قائلة لنفسها : تمام أوي كده النهاردة ، مادام خلصت الحساب وقفلته يبقى أمشي بقى .
أغلقت بالفعل المحل وانصرفت إلى منزل أم ياسين ، وشجعت نفسها على مواجهة ياسين إذا رآها اليوم .
فتحت لها مها الباب مبتسمة قائلة لها بمزاح : جيتي في وقتك حماتك بتحبك الكل قاعدين يتعشوا حتى أبيه ياسين .
أرتجف قلبها عندما علمت بوجوده فقالت لها بتوتر : لا أنا خلاص اتعشيت يا مها جبت أكل في المحل وأكلته قبل ما آجي .
فقالت لها بإلحاح : لأ يالا إتعشي معانا …. قطع كلمات مها صوت والدتها تقول : يالا يا بنتي تعالي اتعشي معانا ، فقالت لها بتوتر : أنا كنت لسه بقول لمها دلوقتي إني كلت في المحل قبل ما آجي وشبعانه أوي .
تنهدت أم ياسين قائلة لها : خلاص يا مها يا بنتي سيبيها على راحتها وتعالي انتي اتعشي علشان تشوفي مذاكرتك .
استمعت إلى والدتها ودخلت غرفة الطعام ، وقالت لها نوال : أنا بقى هدخل علشان أغير هدومي وارتاح شويه .
فقالت لها : ماشي يا بنتي اتصرفي براحتك ، أسرعت نوال بالدخول إلى غرفتها .
وألقت بنفسها على الفراش من كثرة تعبها ، تنهدت قائلة : الحمد لله مشافنيش ، يا إما كان اتخانق معايا وأنا مش ناقصة .
جلس ياسين بعد العشاء مع عائلته شارداً ومتسائلاً على عدم إتيانها وجلوسها معهم .
فقال لنفسه بغيظ : هيه طبعاً بتهرب مني فاكرة نفسها هتهرب مني على طول .
جلس والده بجواره قائلاً له بتساؤل : مالك يا ياسين يابني سرحان في إيه ، فقال له : أبداً يا بابا مفيش ، كنت عايز أتكلم معاك ومع ماما في موضوع مهم .
فقال له بدهشة : موضوع إيه ده يا بني اللي مهم خير …. تنهد قائلاً له  بهدوء : موضوع خطوبتي على نهى يا بابا ، كنت عايزك تروح معايا ونتقدم ليها رسمي وبالمرة نعمل خطوبة قبل ما أسافر 
رمقه  والده بعدم فهم ثم حدق بزوجته التي لم تعقب على حديث ابنها  قائلاً لها : سمعتي اللي سمعته يا أم ياسين ، تنهدت بغضب قائلة له : سمعت ومنيش موافقة على الخطوبة دي خالص وهوه عارف رأيي كويس في الموضوع ده من فترة كبيرة .
قال ياسين باستغراب : ماما أرجوكي بلاش الكلام ده دلوقتي وخصوصاً إني عارف سبب رفضك .
فقالت له بحدة : ياسين أنا مش هتحرك من مكاني ، عايز تاخد أبوك معاك خد لكن إني أروح أخطبلك فده استحاله فاهم .
تنفس بضيق قائلاً لوالده : بابا سامع كلامها اللي يزعل ، زفر قائلاً بهدوء : يابني دول ناس منعرفهمش ، ولا حتى عطيت نفسك فرصة تسأل عليهم كويس .
فقال له بحدة : يا بابا دي حياتي أنا وانا اللي هعيشها ، فقال له بغضب : ياسين غلط اسلوبك ده في الكلام معايا إنت نسيت نفسك ولا إيه .
توتر الجو بينهم فقال له ياسين : بابا أنا آسف بس أنا مش لاقي سبب للرفض ، فقاطعته والدته بغضب : لأ فيه يا ياسين ، أنا مش موافقة على الخطوبة دي ، هبّ واقفاً من مكانه باعتراض قائلاً لها : أنا عارف مين السبب في كل ده ، هيه مفيش غيرها … صاحت به قائلة له بحدة : ياسين إذا ضايقتها بحرف واحد المرادي لا إنت ابني ولا أعرفك .
صُدم ياسين من قسوة والدته فتدخل والده قائلاً له : إيه الكلام ده يا أم ياسين … فقالت له بضيق  : بقول اللي عندي يا أبو ياسين عن إذنكم .
حدجه والده بجزع قائلاً : أمك مفيش أطيب من قلبها ، استنى بس لما تهدى وبعد كده هتلاقيها راقت ومش بعيد هيه اللي تروح كمان تخطبهالك .
زفر ياسين بضيق قائلاً لها : يا بابا مينفعش اللي بتعمله ماما ده أن مش بنت  ولا ولد صغير علشان تغصبني أتجوز واحدة مش عايزها ، أنا راجل وخلاص أنا عطيتهم كلمة ومش هينفع أرجع فيها .
صمت والده قليلاً ثم قال له بهدوء : طب اصبر دلوقتي يا ياسين يا بني وأنا أول ما تروق هكلمها .
قال له باستسلام : ماشي يا بابا بس مش هصبر كتير علشان تبقى عارف .
كان يحيى في غرفته يقوم بارتداء ثيابه للذهاب إلى المستشفى ، استمع إلى صوت طرقات عاليه على الباب ، فكانت الخادمة سعاد  تقول له : الأكل جاهز يا دكتور يحيى ، فقال لها : حاضر خمس دجايج وجاي .
جلس يحيى على المائدة بصحبة والدته فقط قائلاً لها : كيفك يا اماي ، تنهدت قائلة : بخير يا ولدي ، بجالي كام يوم إكده منيش بشوفك يا دكتور .
فقال لها مبتسماً : ما انتي خابرة شغلي يا اماي واليومين دول عندي كذا حاله ، متابعها ، فعلشان إكده مشغول .
فقالت له بحنان : ربنا يجويك يا ولدي ، ويطمني عليك إنت وأخوك ، إللي مبجتش فاهماه اليومين دول واصل  .
قطب حاجبيه باستغراب قائلاً : ليه يا اماي بتجولي إكده ، تنهدت بحيرة قائلة له : مش خابره يا ولدي بس جلبي جلجني عليه جوي  ، هوه صحيح كبيرنا بس بردك لازم أجلج عليه ساعة أشوف أحواله متعجبنيش .
صمت يحيى قائلاً لها بجدية : متجلجيش يا اماي ، جلال أخوي راجل ميتخافش عليه وطمني جلبك زين ، وإن شاء الله مفيش غير كل خير .
فقالت له بقلق : يارب يا ولدي يا رب ربنا يطمني دايماً عليه وعليك إنت كمان وأختك نور يارب .
كانت مهجة تقف عند الباب واستمعت لما يتحدثون به فابتعدت قليلاً وهي محرجه من وجود يحيى فلمحها الأخير وقال لوالدته : مرات أخوي نزلت من فوج يا اماي ناديلها وآني خلاص شبعت وهجوم أروح شغلي .
فأجابته قائلة : ماشي يا ولدي مع السلامة ، نادت الحاجة فاطمة على مهجة قائلة : تعالي يا بتي ، يحيي خلاص مشي ، متتكسفيش ادخلي .
دخلت مهجة وجلست بجوارها فقالت لها : يالا كُلي متتكسفيش ، هزت رأسها قائلة : لا منيش جعانة آني أكلت فوج .
تمعنت في وجهها قائلة بقلق : مالك يا بتي ، العمدة لساته مزعلك ، هزت رأسها بسرعة بالرفض قائلة : لا يا اماي ، خلاص صالحني ، فقالت لها بعدم تصديق : أومال شكلك ماله إكده وعنيكي منفخين من البُكى .
نفت عن نفسها ذلك قائلة بسرعة : معيطتش ولا حاجه ده بس يمكن علشان منمتش كويس طول الليل .
زفرت بعدم ارتياح قائلة : طب جومي نجعدوا ويا بعضينا في البرنده .
جلسوا معاً وعينيّ مهجة لا تفارق عنتر الذي قد أتى به ، المتخصص بحراسته ، وأدخله مكانه .
ابتسمت مهجة لذكرى مرت بها وهي يوم زفافها إلى جلال وهو يركبه ويتراقص به كالفارس الهُمام الذي يأتي للفتيات أثناء أحلامهم الوردية .
أخرجها من شرودها صوت طلقات ناريه بالقرب من الدار فاستغربت ، ابتسمت الحاجه فاطمة لها قائلة : متجلجيش يا بتي ده ، فرح جنبنا ، بنت من أهل البلد فرحها بعد يومين تحبي تبجي تروحي معاي الحنه والفرح كمان .
تهلل وجهها بالسعادة قائلة : يا ريت يا اماي ….. ثم صمتت وظهر لها طيف شخص ما ينظر إليها بعينين حادتين يرفض ذهابها إلى أي مكان ويريد فقط سجنها .
لاحظت فاطمة تبدل وجهها هكذا فقالت لها متفهمة : متخافيش يا بتي ، أني اللي هجوله ومش هيرفضلي طلب متجلجيش .
ابتسمت بسعادة قائلة له : صحيح يا اماي ….. هتجوليله ، فقالت لها بتأكيد : طبعاً يا بنيتي وأول ما هييجي من الشغل هجوله النهاردة .
حدقت بها قائلة لها : شكراً يا اماي ، إنتي أحسن أم في الدنيا ، ضحكت قائلة لها : وأخيراً فرحتي …. وبتشكريني كمان هوه فيه بنته تشكر أمها بردك .
احتضنتها مهجة فجأة قائلة لها : طبعاً يا أماي وخصوصاً إنتي مفيش منيكي واصل .
ابتسمت لها بحب قائلة لها : ربنا ما يحرمني منك ولا من العمدة يا بتي ويسعدكم ويرزجكم بولد صغير يملى علينا الدنيا بحالها .
تغيرت ملامح مهجة من السعادة إلى الارتباك مصحوبه معه بعض الحزن وأسرعت تقول لها : يارب يا اماي ويعيش ويتربى في عزكم .
حاربت مهجة في إمساك دموعها امامها ، فهي إلى الآن زوجة تحت وقف التنفيذ ، وقريباً ستغادر المكان بعد أن تعودت عليه وتعتبره منزلها بالفعل ، وتعتبر أهله هم أهلها هي أيضاً وتعلقت بوالدته بالرغم من معرفتها القليلة بها .
دخل يحيى إلى غرفة مريم  وقد تحسنت صحتها  نوعاً ما وكانت تقف على قدميها بطريقة أفضل تستند إلى عكازين ، ووقفت بجوار نافذة الحجرة التي تمكث بها بالمشفى هذه الفترة تنظر إلى الطريق العام قائلة لنفسها بشرود : لميته هفضل إهنه زي المحبوسة ؛ أنا تعبت منيه جوي ومن نظرات الإتهام ليه كل شوية وحديته الجارح إمعاي كل لما يشوفني كأن هوه مبيغلطش واصل ومعصوم عن الخطأ ومهما أجول بردو مش مصدجني  .
دلفت إليها الممرضة وهي تراها واقفة بطريقة أحسن وأفضل وقالت لها مبتسمة : الحمد لله بجيتي أفضل مش إكده .
فقالت لها بلهفة : أيوه ياريت بجى تكتبيلي على خروج من إهنه بسرعة علشان آني زهجت وعلشان كمان كليتي .
وأيضاً هناك سبب آخر وهو خوفها من معرفة أهلها للحادث .
ولكنها لم تستطع إخبارها بهذا الأمر
وقبل أن ترد الممرضة ؛ جاءها الرد على لسان يحيي الذي دخل إلى الغرفة .
قائلاً بحده : مفيش خروج دلوك ؛ ثم أشار للممرضة بالخروج ؛ واستطرد يقول بحدة أقوى :عايزة تخرجي علشان كليتك بردك ولاعلشان تعاودي تاني لسهراتك اللي بتسهريها علشان زهجك اللي بت  …. قاطعته بحدة قائلة له : ما كفاياك عاد حديتك الجارح اللي بتجوله إكده ، إنت فاكرني إيه بنت من البنات إياهم ولساتك مش مصدجني .
حدجها بسخرية غاضبة قائلاً لها : أمال تفسري بإيه هروبك من بيت الطالبات كل شوية ها جبل الحادثة ، ده كان بردك علشان  تنقذي  ولاء  ……. ورجوعك في وجت متأخر ليها يبجى إنتي إيه الإ من بنات ملهاش لا كاسر ولا زاجر و…..وفجأة قاطعته مريم بصفعةً قوية على وجنته لكن يد يحيي كانت مانعةً وبقوة للوصول إلى وجنته كالمرصاد ، وبكل غضبه وقسوتة أمسك بمعصمها قائلاً بصوت هادر : مش آني إللي أنضرب من حرمه واصل يا بنت بلدي ؛ وشكلك لسه مخبرنيش زين ولا تعرفي عني انا أجدر أعمل فيكي إيه دلوك .
شعرت مريم بخطأوها الفادح ولامت نفسها كثيراً على ما فعلته وتسرعها هكذا ، وهي على دراية تامة بطبيعة غضب الرجل الصعيدي بالأخص عندما تطاول عليه أي أنثى  .
فلم تستطيع النطق حتى بالإعتذار ، فهذه الفترة كانت تسترضيه لكن الآن لم تستطع الصبر على إهاناته لها ، فكل مرة نظراته كلها اتهام ، فإلى متى سوف تتحمله وتتحمل تهديداته لها بإخبار والدها وشقيقها حسين .
فحاولت جذب يدها من قبضته لكنه تمسك بها بقوة وقربها من صدره وكادت أن تتعثر بعكازها قائلاً بانفعال : إنتي فاكرة هعديلك عملتك إكده يبجى بتحلمي ، ومتعرفيش مين هوه الدكتور يحيي إسماعيل المنياوي  .
رمقته بفزع من تهديده الصريح لها وارتجف قلبها بخوف ، وشحب وجهها قائلة له بصوت متحشرج : هتعمل فيه إيه أكتر من إكده .
فهمس لها بصوت كافحيح الأفعي قائلاً : هعمل حاجات كتيرة جوي ، وهنتجم منيكي بطريجة لا كانت لا على البال ولا على الخاطر يا حرمه وهتشوفي .
في المساء أتى جلال وكان سيصعد إلى منزله بالأعلى فناداه والده يقول له : تعالى يا عمده ، تعالي إجعد امعاي شوية ، عاد إليه في حجرة المعيشه قائلاً له : يعني جاعد لوحديك إكده ، أمال أماي فين ، فقال له : أمك فوج مع مرتك .
استغرب قائلاً له : فيه حاجه ولا إيه يا ابوي ، هز رأسه بالنفي قائلاً له : خير يا ولدي مفيش حاجه واصل تخاف منيها .
جلس معه يتجاذبون أطراف الحديث حول عمله كاعمدة لبلدهم ، بعدها أتت سعاد الخادمة بكوبين من الشاي كما طلب منها والده .
صعد إلى منزله بعد أن انتهى من الحديث مع والده ، وجد والدته تفتح له الباب قائلة : كويس إنك جيت دلوك يا ولدي جبل ما أنزل ، ومرتك تجعد لوحديها .
ابتسم بقلق ، خشيةً من تصرفات مهجة مصيبته الكبرى كما يسميها ، قائلاً لها : أنا جيت من بدري بس كنت جاعد شوية مع ابوي تحت ، ابتسمت له بحنان قائلة : ولا يهمك يا ولدي ، بس جبل ما أنزل كنت هستأذنك هاخد مرتك وياي الفرح اللي جنبنا بنت الحج عبدالغفور هتتجوز بعد يومين فاخدها معاي الحنه والفرح ها إيه جولك .
صمت وهو يحدق بمهجة التي كانت تقف عند باب غرفتها مرتبكة من نظراته قائلاً لها : حاضر يا اماي هفكر وابجى أرد عليكي بكرة .
ابتسمت له قائلة : بس دي مش محتاجه تفكير يا ولدي ، حدق بوالدته قائلاً لها : معلش يا اماي سيبيني براحتي وكمان مهجة لساتها عروسة جديدة وبتتكسف كمان ومحدش عارفها جوي إهنه .
كانت مهجة تود الضحك من سخريته الواضحة في ملامحه وكلماته لوالدته قائلة لنفسها : قال عروسة قال وحلوة كلمة بتكسف دي ، شكلك بتدبر لي في مصيبة يا باشا ، ولا عقاب جديد من اختراعك 
فقالت له والدته بضيق : واه يا عمدة كيف تجول إكده ده مفيش حد في البلد حدانا إهنه إلا ويعرفك ، ويعرف مرتك يكفي ذكر إنها مرتك يا عمدة .
صمت قائلاً لها بتفكير : خلاص يا اماي هفكر وهرد عليكي بكرة ، صمتت قائلة باستسلام : خلاص يا ولدي هصبر لبكرة ، منيش جدامي غير إكده .
دخل جلال إلى مكتبه متجاهلاً لمهجة التي كانت تقف خارج غرفتها ، شعرت بالغيظ منه فهو يقصد ما يفعله بها وخصوصاً هذا التجاهل وكأنها غير موجودة ، فدخلت إلى غرفتها هي الأخرى ، وأغلقتها خلفها بقوة لعله يعرف أنها غاضبة منه .
استمع جلال بالفعل إلى صوت الباب وهو يغلق ولكنه ابتسم ساخراً منها ومن غضبها قائلاً لنفسه بمكر : إن ما ربيتك يا مهجة مبجاش أني جلال المنياوي .
كانت مهجة تزرع الغرفة إياباً وذهاباً قائلة لنفسها : شكلك بتتحداني يا عمدة وانت لسه متعرفنيش ، وانت قلتها قبل كده ، الوحيدة اللي بعارضك ، صحيح أني بعارضك من هنا وأعمل زي الكتكوت المبلول من هنا ساعة ما تقفشني ، بس بردو مش هسكت وبالذات لو رفضت خروجي من البيت .
غيرت ثيابها ولمحت في الخزانة ، جميع ثيابه بها أيضاً ، كانت من شدة غيظها ستلقي بهم على الأرض لكنها تراجعت دون معرفتها للسبب .
تمددت على الفراش استعداداً للنوم ، حينها استمعت إلى صوت أقدام قريبة من الغرفة ، تظاهرت بسرعة أمامه بالنوم العميق ، فتح جلال الغرفة .
حدجها بغموض ثم ابتعد عن الفراش ودخل إلى المرحاض قبل أن ينام هو الآخر ، تمدد بجوارها وعينيه على وجهها مبتسماً بمكر ، فقد عرف أنها ما تزال مستيقظة من ارتجاف جفنيها .
دثر نفسه ملقياً بالغطاء على جسده متجاهلاً إياها ، نام جلال نوماً عميقاً ، شعرت مهجة ، بالغيظ أكثر منه وهو يوليها ظهره بهذه الطريقة ، فقالت لنفسها : بقى كده متعبرنيش حتى ولو بكلمة وحشه حتى ، م صمت برهة وأردفت قائلة : ده انتي متجوزة أبو الهول يا مهجة فوقي ياختي .
قبيل الفجر فعلت مهجة ما تفعله كعادتها أثناء نومها ، لكن هذه المرة ، كانت مختلفه بعض الشيء إذ وجدها جلال تضع رأسها عند قدميه ، وقدميها على صدره ، مما أشعره بالغيظ ووجد نفسه ، لا يعرف كيفية التنفس جيداً بسبب قدميها الثقيلة ولا كيفية الجلوس حتى في الفراش كي يبعدها عنه .
أخذ الغضب مأخذه به مما جعله يلقي بقدميها على الفراش ، ثم هبّ جالساً فوقه ، فوجدها تحتضن قدميه بذراعها الأيسر .
مما زاده غضباً ولا يدري كيف يتصرف هذه المرة معها ، تأفف ضيقاً منها وأبعد ذراعها عن قدميه بسرعة .
جثى جلال بركبتيه بجوارها قائلاً بنرفزة : إنتي مش جولتلك جبل إكده هتجبيلي جلطة .
انحنى نحوها واضعاً ذراعه الأيسر خلف كتفيها والذراع الآخر ، تحت قدميها ليقوم ، بإرجاعها في مكانها بجواره .
وضع رأسها على الوسادة بجواره قائلاً لنفسه بحنق : حتى في نومك مصيبة ، بردك .
تململت في نومها قليلاً فوجدت نفسها محملة على ذراعه من ناحية كتفيها من الخلف ، فاتسعت عينيها بصدمة قائلة بصياح مجنون : يا لهوي يا نا ….. الباشا الحليوة هيرميني من البلكونه ولا الشباك وآني نايمة ومن غير ما أ……… قطع كلماتها وصياحها بوضع يده على فمها بقوة قائلاً بغضب : حسك عينك أسمع صوتك تاني ، ولا آني بجد هرميكي وارتاح منيكي .
ارتجف قلبها وارتعد جسدها وهو يحدق بها والشر ينطلق من عينيه ، قائلاً بنرفزة : إنتي مش خابرة بتعملي إيه وانتي نايمة .
هزت رأسها بالنفي فأبعد يده قائلاً لها بحدة : إنتي عارفه إن ما نمتيش زي البني آدمين صُوح لأكون مربطك بالحبل لغاية الصبح 
لم تستطع التحدث معه خشيةً من نظراته القوية لها ، زفر بغضب واعتدل مبتعد عنها وتمدد بجوارها مرةً ثانية قائلاً بغيظ : يالا نامي واياك عمايلك المجنونة دي تكرريها تاني وانتي تشوفي هعمل إيه وياكي .
تنهدت مهجة بارتياح عندما أولاها ظهره ، وغط في نوماً عميق ، لم تنم هي جيداً خوفاً من نومها التي كانت تتحمله نوال فقط ، فكثيراً ما كانت نوال تستفيق من نومها على قدميها ، وتجد نفسها مستلقية على الأرض .
قائلة لنفسها بتحسر : فينك يا نوال ياختي يا ما اتحملتيني وكنتي لا بتقدري تتكلمي معايا بكلمة واحدة وإلا انتي كنتي عارفه ايه اللي هيجرالك مني إذا اتكلمتي ، وحشني ضربي ليكي بالشبشب يا نوال ، والمقشة كل يوم .
استيقظ جلال من نومه مبكراً على ثقل فوق صدره ، فوجد رأسها هذه المرة وشعرها متناثرعلى جزء من وجهه .
مر اليومين ووافق جلال من لح والدته على ذهابها معها شرط ألا تتركها والدته أبداً ، ارتدت مهجة ثيابها سعيدة بموافقته ، ووقفت تطلع إلى نفسها بالمرآة وهي ترتدي ثوباً أنيقاً ، يليق بمناسبة كهذه 
قائلة لنفسها : أخيراً يا مهجة هتطلعي من الحبس الأنفرادي اللي انتي فيه ده .
هبطت بالأسفل وجدت فاطمة بانتظارها  ، قائلة بإعجاب : إيه الجمر اللي نازل دلوك ، من فوج ده ، ابتسمت بإحراج قائلة : مش للدرجادي يا اماي .
فقالت بفخر : لا يا بتي دانتي مرت العمدة ولازماً ولابد تبجي أجمل واحدة في الفرح ، يالا بينا .
وجدت مجدي السائق بانتظارهم ، فاستغربت ، لماذا لا تمشي هذه المسافة القصيرة دون أن تضطر للركوب .
وصلت السيارة إلى المنزل الموجود به الزفاف ، فوجدت استقبالاً كبيراً وترحيباً من النسوة الموجودين داخل المنزل ، فرحبت والدة العروس بهم قائلة بابتسامة سعيدة : يا مرحب يا مرحب ، بأم العمدة ومرته .
ابتسمت مهجة بإحراج وخجل ، ووجدت جميع العيون عليها وكأنها هي العروس واهتم أصحاب الفرح بوجودهم كثيراً واندمجت مهجة معهم رويداً رويداً .
ووسط الزغاريد والابتسامات لها تذكرت يوم زواجها فقد كان مشابهاً لذلك ، وأمسكت نفسها جيداً حتى لا تدمع عيناها لهذه الذكرى ، ففرق كبير بين الزفافين ، فالعروس تبدو فرحة من كل قلبها ، أما هي لم تكن كذلك فقد كانت مجبرة ، وستكون ليلة عمر هذه الفتاة هي ليلةٍ لن تنساها ، عكسها هي فقد كانت تتمناها مهجة من كل قلبها أن تعيش هذه السعادة الطاغية الواضحة بجلاء على محيا الفتاة ، لكن هكذا قدرها في الحياة أن تُحب شخصاً قلبه من الحجر . 
أخرجها من شرودها هذا صوت فتاة ما آتيه نحوهم تقول بسرعة : تعالوا اتفرجوا العمده وصل وراكب حصانه عنتر بيرقص بيه مع العريس في وسط أهل البلد .
اختلج قلبها ولم تدري مهجة وإلا وهي مسرعة وسط هؤلاء النسوة الذين أسرعوا للمشاهدة .
شعرت مهجة بأن قلبها يكاد يجعلها تُسرع إليه وسط هولاء الرجال وتلقي بنفسها بين ذراعيه فخورة به وسطهم وتقول لهم بسعادة أنه حبيبها وزوجها ولن يشاركها فيه أحد ، فقط كان يتراقص على صوت نغمات المزامير البلدي وبصحبته العريس على جواداً آخر .
لكن شتان بينهم فجلال زوجها يتمكن كثيراً بجواده كفارسٍ حقيقي ، لمحها جلال وهو يتراقص بجواده في أعلى الشرفة الموجودة بها مهجة وبعض النسوة الآخرين من أهل العروس ، فتلاقت أبصارهم بحديث غامض لا تدري ما هو وضعت يدها على قلبها لعله يهداً وأغمضت عينيها كأنها تعيش حلماً جميلا وسينتهي بسرعة ، فكونه هنا في هذا الزفاف فهذه أجمل مفاجأة لها .
فتحت عينيها مرةً أخرى فوجدته هبط من أعلى الجواد وأخذ عصا قوية ( نبوتاً ) يبارز به العريس .
خشيت مهجة عليه فهي لم تتعود على ذلك ، ولكن خاب ظنها فوجدته كالفارس يبارز بكل قوة وكبرياء وتغلب على العريس .
فصفق الجالسون من الرجال قائلين : هوه ده عمدتنا يا أهل البلد ، راجل صُوح وزينة الرجال .
أفسحوا له المكان لجلوسه في وسطهم مرحبين به كثيراً ، ابتسم لهم في هدوء ، فأهل البلد يحبونه ويحترمونه من قبل منصبه هذا ويأخذون بمشورته .
كانت مهجة تراقبه من بعيد فخورة به كثيراً مثل أهل البلد ، ووجدت مأدبة من الطعام خصيصاً لها ولوالدته .
فقالت والدة العروس : ده انتوا نورتونا النهاردة  يا حاجه فاطمة إنتي ومرت العمدة ، ابتسمت فاطمة وقالت : الدار منور بناسه يا حاجه .
قالت والدة العروس لمهجة : كُلي يا ست مهجة ، متتحرجيش منينا ، ابتسمت بخجل قائلة : منيش محرجه ولا حاجه ، تسلم يدك على الوكل الزين ، فقالت لها : بالهنا على قلبك يا ست مهجة ، مطرح ما يسري يمري .
انتهت الحنة وغادرت مهجة المنزل ، ووجدت مجدي كالعادة بانتظارهم بالخارج .
وصلت المنزل قبل زوجها ، ودلفت إلى الغرفة ، متذكرة كل حركة فعلها جلال ، في الحنة .
ابتسمت لنفسها بحب محدقه بفستانها بالمرآة  قائلة لنفسها : لأمتى هتفضل كده مش حاسس بيه يا أبو قلب حجر ، ده أبو الهول فضله تكه وينطق وانت لأ .
اتسعت عيني ولاء بصدمة قوية ، وشحب وجهها بخوفٍ شديد عندما وجدت فهمي وبصحبته شقيقها حسان في الدخول عليها في غرفتها بالمشفى .
قائلة بهلع : أخوي حسان ….!!!
دخل ياسين من الخارج في المساء ، إلى منزل والدته فوجد والدته ما تزال مستيقظة ، فقال لها بهدوء : كويس إنك لسه صاحية يا ماما ، فقالت له بضيق : أيوة صاحيه مستنيه نوال لسه مجتشي لدلوقتي من برة .
قطب حاجبيه بغضب قائلاً لها : وازاي تسمحي ليها انها تفضل لدلوقتي بره البيت .
حدقت به بغضب وقالت له : وانت مالك بيها تتأخر ولا لأ إيه اللي مضايقك ، انت أصلاً مش بطيقها .
ارتبك للحظات قائلاً لها بارتباك : أنا صحيح مش بطيقها ، بس طالما موجوده هنا عندي يبقى لازم تحترم الناس اللي عايشه معاهم ، قالت له والدته بضيق : شكلك بقيت بتنسى نفسك في الكلام معايا ، وشكل اللي اسمها نهى دى مأثرة على تصرفاتك .
ألقت بجملتها وتركت له المكان مغادرة ، غضب ياسين بشدة من تصرف والدته هذا ، متوعداً لنوال بشدة في نفسه  .
مر وقت قليل وعادت نوال من الخارج وجدت ياسين من يفتح لها الباب قائلاً لها بغضب : كنتي فين لدلوقتي يا ست هانم .
ولم يمهل نوال للصدمه أو للرد إذ أمسكها من معصمها ، بعنف وألقي بها على المقعد خلفها فصرخت نوال من صدماتها المتوالية .
قائلة بذعر : قفلت المحل وروحت ظبطت الفستان وجيت على طول ، صرخ بها قائلاً لها : وفيه واحدة محترمة ترجع البيت الساعة حداشر ونص في شارع زي شارعنا .
ابتلعت ريقها بصعوبة ولم تستطع النطق فقالت له : منا اتأخرت بسبب الفستان ، قلتلك كده .
هتف بصوت هادر : يتحرق الفستان ، لكن متتأخريش وياترى كام واحد عاكسك وانتي جايه دلوقتي لوحدك .
وقبل أن ترد نوال على كلامه الجارح ، أسرعت أمه بالخروج من غرفتها على صوت  صراخ ولدها ياسين ، غاضبة مما يفعله بنوال فقالت له بحدة : ياسين ….. ملكش دعوة بنوال ….. سيبها .
وقف ياسين متوتراً بعض الشىء قائلاً بحنق : مش هسيبها إلا لما تقول حقي برقبتي ، طالما مش هتسمع الكلام .
أدمعت عينيّ نوال من كثرة إهاناته لها ، تأثرت أم ياسين بملامح نوال ، الخائفة والمذعورة ، فهرعت إليها تقف بجوارها .
قائلة له بحدة مماثلة : يعني إيه الكلام ده ممكن أفهم ، زفر بغضب قائلاً لها : يعني طالما أنا موجود هنا يبقى تحترم وجودي وتيجي بدري زي ما أمرتها وأظن هيه فاهمة قصدي كويس .
قطبت حاجبيها قائلة له : إنت مش شايف إنك مزودها يالا إطلع على شقتك .
ذم شفتيه قائلاً لها بعناد : لأ مش مزودها وهيه لازم تتربى من جديد طالما متربتش .
صدمت نوال من مدى إهاناته لها ، وكادت أن تفر من باب المنزل من أجل أن تتركه له ، وحتى لا تسمع كلامه الجارح الذي لا ينسى .
فقالت والدته بعدم تصديق : أنا مش مصدقة إنك ابني ، ياسين الكبير المحترم اللي كل اللي يعرفك يحبك ويحترمك من أخلاقك ، راح فين ياسين ده فهمني .
صمت ياسين وتوترت أعصابه قائلة له : أنا زي منا متغيرتش …… قاطعته قائلة بسخط : لأ اتغيرت …. انت مش ابني اللي أعرفه …. بسرعة إمشي من قدامي يالا مش عايزة أشوف وشك تاني هنا .
صدم من كلام والدته فحدق بنوال يلقي بعينيه أسهماً نارية ، من تسببها لما هو فيه قائلاً لها بعدم تصديق : تاني مرة بتطرديني علشانها يا ماما .
فقالت له بتحدي غاضب : طالما هتغلط يبقى لازم أعمل كده .
شعرت نوال بالذعر والقلق من تمعنه لها بهذا المنظر المخيف ، مغادراً المكان وهو ساخط ، لكنه توقف فجأة عند الباب .
قائلاً بحدة : أنا طالع شقتي زي ما طلبتي يا ماما  …. بس أحب أبلغك قبل ما أطلع إن خطوبتي خلاص على نهى يوم الخميس الجاي قبل ما أسافر .
اتسعت عينيّ والدته بصدمة كبيرة وقبل أن تجيبه والدته حدق بنوال المصدومة هي الأخرى من كلماته .
قائلاً لها بسخرية واستهزاء : صحيح متنسيش تلبسي فستانك الجديد في خطوبتي  ….. !!!
يتبع..
لقراءة الفصل الخامس والعشرون : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية حبيبة بالخطأ للكاتبة سهير علي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!