رواية العشق الطاهر البارت الخامس عشر 15 والأخير بقلم الكاتبة نسمة مالك
رواية العشق الطاهر البارت الخامس عشر 15 والأخير بقلم الكاتبة نسمة مالك |
رواية العشق الطاهر البارت الخامس عشر 15 والأخير بقلم الكاتبة نسمة مالك
البارت بين الواقع والخيال..
………………………………………
“عوده للماضي”..
“فاديه”..
ابتلعت غصه مريره، ورسمت ابتسامة هادئه وتحدث بعقلانيه..
“هتفضل مستنيها لحد امتي يا طاهر؟!”..
ربتت علي يده مكمله..
“الأيام بتجري يا حبيبي وهي خلاص اتجوزت خليني اشوفلك عروسه وافرح بيك”..
ملتزم “طاهر” الصمت، فقط ينظر للفراغ بشرود، تنهدت
“فاديه” بألم لألمه هو وتابعت برجاء..
“يا حبيبى نفسى تتجوز و أشيل عيالك على أيدى”..
ترقرقت العبرات بعيونها وتابعت بغصه مريره..
“مش هيبقى انا وانت ملناش عيال ياطاهر”..
نظر لها “طاهر” نظره متألمه،ومال بوجهه قليلاً على الوشاح الصوف الخاص “بجيلان” الموضوع حول رقبته أستنشقه بعشق وقبله أكثر من مره بعمق قائلاً من بين قبلاته..
“مش عايز عيال أمهم مش جيلان يا فاديه”..
اشتعلت اعين “فاديه” بغضب ولكنها سيطرت عليه سريعاً وبذهول قالت..
” انا مش فاهمه انت مزعل نفسك عليها اوي ليه كده بس يا حبيبي، انت ولا كتبت عليها ولا حتي لبستها دبله، مجرد كلام بيني وبين مامتها واتفض وراحت هي لحالها، يبقي خلاص انساها وربنا يعوضك بغيرها يا طاهر”..
اختنق صوته بالبكاء وقال بصوت اجش..
“بالسهوله دي ارتباطي بجيجي بقي مجرد كلام يا فاديه؟!”..
ابتسم ساخراً و بمرار تابع..
” بالسهوله دي بتقوليلي انساها!!”..
اغمض عينيه لتهبط دمعه حارقه وتأوه بألم حاد مكملاً..
” انا انسي نفسي ولا انسي جيلان لحظه، دي اول حب في حياتي، اول دقة قلب”..
رفع قبضة يده وضعها علي موضع قلبه..
” دي هي قلبي نفسه اللي خدت روحي معاها وراحت وواثق ان بعدها عني غصب عنها، اكيد جبروها”..
صرخ بأسمها بصوت شبيه بالانهيار وقد بدأ يفقد أعصابه..
“جيلاااااااااااان يا عشق الطاهر ضربوكي ولا عملو فيكي ايه علشان يبعدوكي عني يا حبيبتي”..
انهى حديثه وهب واقفاً وسار نحو الخارج ليوقفه صوت فاديه الباكي بلهفه..
“رايح فين بس فى الجو التلج دا يا حبيبى؟”..
نظر لها بابتسامته الحزينه التى اصبحت تلازمه يخفي بها عبراته وتحدث قائلاً..
“هروح عند بيت جيجى يا فاديه”..
تنهد بشتياق شديد..
“يمكن تكون رجعت و المحها من شباك أوضتها حتى انا راضى”..
تأوه بصوت عالِ..
“واحشتينى وهتجنن عليكى يا جيجى يا عشق الطاهر”..
أسرعت “فاديه” وركضت خلفه وامسكت يده بقوه وبنحيب قالت..
“فوووق لنفسك بقي، انسي يا حبيبي، هي بقت في حضن راجل غيرك و مش هترجع ، عيش حياتك وانساها”..
لهنا ولم يحتمل وقد جن جنونه وفقط كل ذرة عقل يملكها وبنهيار صرخ قائلاً..
” لييييييه يا فاديه، ليييييييه خدوها مني،هي كانت من حقي اناااا، وحضني من حقهاااا هي وبس،دي هي الحاجه الحلوه اللي طلعت بيها من الدنيا، لييييييه يعملو فيا وفيها كده ويفرقونا”..
بدأ يحطم كل ما تطوله يده، وعيناه تزرف دمعاً غزيراً، وفاديه تحاول جاهده ان توقفه بعدما رأت يده تسيل منها الدماء بغزاره..
ليدفعها هو بعيداً عنه ويركض للخارج مسرعاً وهو يردد..
” امها السبب، امها اللي رفضه تقابلني هي اكيد اللي جبرتها”..
صرخت فاديه راجيه…
“ارجع يا طاهر متروحش للست دي تاني مش هترضي تقابلك يا حبيبي”..
لطمت وجنتيها مكمله..
“يالهوي لو عرف ان ابوه هو السبب هيتقهر زياده يا قلب اخته”..
لم يعر لحديثها اهتمام، واكمل ركضه متجهاً نحو منزل معشوقة روحه، غير عابئ لجسده المتعرق بشده اثر كم غضبه، وبرودة الجو القارصه التي صدمته بقوة تأكد له انه سيمرض لا محاله،يود ان يصل الي منزلها حتي لو كلفه الامر حياته..
مرت عدة دقائق حتي وصل أمام منزلها، ارتمي علي الباب بجسده يطرق عليه بكلتا يده وهو يقول بصوت عالِ للغايه..
“يا حكمت هاااااانم، ردي عليا انا خطيب بنتك، اخرجي قبليني، اخرجي وجهيني قوليلي عملتي فينا كده لييييييه”..
ظل يصرخ مردداً عباراته بحرقه، توقف فجأة حين لمح حكمت تهبط الدرج بطريقها اليه، بعدما اشفقت علي حالته قررت الخروج له ومصارحته بما فعله والده..
فتحت الباب ليندفع طاهر نحوها وبتعب بدأ يظهر علي نبرة صوته قال مستفسراً..
” جتلك انا واختي وطلبنا ايد بنتك وانتي وافقتي ايه اللي حصل علشان تحرميني منها؟!”..
اخذت حكمت نفس عميق، وبهدوء قالت..
“فعلا انا رحبت بيك جدا بعد ما سألت عنك وعرفت ان اخلاقك لا غبار عليها، واستنيت اقرب سافريه علشان اتكلم مع والد جيجي ونحدد معاد فرحكم، لكن والدك هو اللي هد كل شئ “..
اتسعت اعين”طاهر” بصدمة مردداً..
” ابويا انا؟! “..
حركت حكمت رأسها بالايجاب مكمله..
“متهيألي أن الأوان تعرف ان والدك جالي هنا لحد بيتي وقالي كلام زي السم وغلط فيا وفي جوزي وحتي في أخلاق”..
صمتت لوهله وتابعت بأسف..
” وشرف جيلان، وهددني انه هيوصل لجوزي الكلام دا لو مبعدتش بنتي عنك”..
كلماتها كانت بمثابة سكين بارد قطع نياط قلبه علي حين غره، ينظر لها بتوهان وقد بدأ يفقد عقله من شدة صدمته، لم تعد قدماه تحمله، فجثي علي ركبتيه يضحك بقوة وعيناه تفيض بالدمع وبهذيان بدأ يردد..
“أبويا هو اللي دمرني ودمر حياتي!!!، مكتفاش انه رميني كل السنين دي زي اليتيم، كمان قضي علي اي حاجه حلوه في حياتي وحسرني علي حب عمري”..
يردد حديثه بعدم تصديق مرات ومرات، هيئته جعلت قلب حكمت يرتعد خوفاً، فاسرعت لداخل منزلها وتركته يحاول استيعاب تلك الصدمه القاتله..
ظل فتره ليست ابداً بقليله يحدث نفسه بهذيان،وفجأه تحولت ملامحه المنكسره الباكيه لأخري صلبه جامده وهب واقفاً، وزال عبراته بقسوه وقد حسم أمره ان يبتعد عن الجميع وعن كافة شيء ولن يعود إلا بعودة معشوقة قلبه..
“عوده للحاضر”
“طاهر”..
عاد “لجيلان”ليمحي تلك الوخزات المؤلمة التي تجتاح صدرها و قلبها من سنوات ولن يكون هناك مجال للفراق مره اخرى..
“جيلان”..
تبكي بنحيب، بل وتصرخ ضاحكه ايضاً وعبراتها تهبط علي وجنتيها بغزارة،
يرتجف كامل جسدها بشدة، نظرتها زائغه، ولكنها ثابته علي ملامحه هو فقط..
قلبها أوشك علي مغادرة ضلوعها حرفياً من عنف دقاته التي تصل لسمع طاهر تجعله يغلق عيناه مستمتعاً بتلك النبضات التي أحيت قلبه من جديد..
متمسكه هي بكتفيه بكلتا يدها بكل قوتها، وبصعوبه من بين شهقاتها الحادة تهمس بعدم تصديق ودون توقف..
“طاهر انا في حضنك؟!”..
تلقي رأسها علي صدره تستمع بتمعن واشتياق لنبض قلبه ملتفه بيدها حول خصره لتتأوه بقوة قائله..
“اااااه يا نبض قلبي وحياتي وعمري كله”..
يربت طاهر علي ظهرها بحنان بالغ، وابتسامه عاشقه تزين وجهه رغم عبراته التي تهبط ببطء علي وجنتيه، وبصوت هامس يكاد يكون مسموع قال..
“جيجي حبيبتي”..
إعترتها رجفة مباغتة عندما سمعت صوته بنفس طريقتة التي تبعثر مشاعرها،
رفعت وجهها ونظرت له بلهفه وعيونها الباكيه تتفرس ملامحه بعشق ليس كمثله عشق..
مال هو بوجهه مستنداً علي جبهتها لتسقط عبراته علي عيونها وشفتيها تشبه حبات المطر التي تعيد الحياة بالزهور التي دبلت وأوشكت علي الموت، وبصوته الحنون الذي يأثرها همس..
” واحشتيني اوي”..
أحتضن وجهها بين كفيه مقبلاً جبهتها بعمق مرات ومرات وهو يقول..
“واحشتيني بعدد كل دمعه من عيونك في بعدنا، بعدد كل لحظه وثانيه بعدتي فيها عني، واحشتيني يا جيلان”..
ضمها بلهفه وحملها عن الارض ودار بها وهو يصرخ بفرحة غامرة..
“واحشتيني يا جيجي يا عشق الطاهر”..
ضممها لصدره بكل قوته، يتمني لو يظل هكذا لباقي عمره، ينعم بدفئ حضنها ونبض قلبها ويملئ رئتيه بعبيرها المسكر..
تمسكت هي به وبتقطع همست..
” طاهر يا حبيبي بحلفك بالله قولي انك هنا و اني في حضنك حقيقي ومبحلمش”..
حبست أنفاسها لوهلة متوقفة عن البكاء.. لكنها ما لبثت أن غصته بحلقها و تطلعت إليه على مهل تتأكد من وجودها بين ضلوعه، أجهشت بالبكاء أكثر حين همس بأذنها قائلاً..
“جيجي يا حياتي أهدى انا هنا ملكك لو حدك وبين ايداكي ومستحيل ابعد عنك تاني ابداً”..
شبه ابتسامة ظهرت علي شفتيها سريعاً ما تلاشت وتشنجت بين قبضته و إرتفع صوت نشيجها، لتغص فجأة و تنتفض و هي تطلق شهقة عميقة وقد بدأت تستوعب إنهم خدعوها واوهموها بموته..
و أخذت تكافح بضراوة للإفلات منه و هي تصيح باكية بحرقه..
” انت اللي قولتلهم يقولولي انك مت يا طاهر”..
تكلمه علي صدره..
“انت اللي قولتلهم يقولولي انطق”..
سيطر علي حركاتها وضمها لصدره بقوه وهو يقول..
“كان لازم اعمل كده بعد ما جيتيلي اخر مره واخترتي ابنك وسبتيني،عرفت وقتها انك مش هترجعي تاني ومش هتنسيني لما فضلتي تكلمي عم سعيد تعرفي منه اخباري لمدة سنتين، قولتله يقولك اني مت كنت فاكر انك هترجعي علشان تودعيني وساعتها مستحيل كنت اسيبك، او هتفضلي هناك مع ابنك وتكتفي بيه والايام كفيله تخليكي تنسيني”..
ابتسم لها وبعشق تابع..
” بس انتي اختارتي تكوني مع ابنك وفضلتي فكراني يا جيلان ورجعتيلي في الاخر”..
قبل جبهتها مكملاً برجاء..
“سامحيني يا جيجي، سامحيني يا حبيبتي علي كل حاجه واي حاجه زعلتك في الدنيا دي كلها”..
ابتسمت له بستحياء ودموعها لم تتوقف عن الانهمار وبهمس قالت..
“انت اللي سامحني يا طاهر، مكنتش عايزه ابعد عنك، ولا اتجوز غيرك، ب بس هما ضربوني، وغصبوني؟؟ “..
قطع حديثها “طاهر” عندما وضع انامله علي شفتيها يمنعها من استكمال حديثها..
توقفا عن الحديث مكتفيان بالنظر لبعضهما، ترمقه “جيلان” بنظرات عاتبه ممزوجة بعشق دفين، تجاهد بكل قوتها لتسيطر علي فيض مشاعرها وشوقها له..
يتأمل “طاهر” ملامحها بفتنان وانبهار فمنذ لحظات كان وجهها ذابلاً يكسوه الحزن، أما الآن بعدما رأته تبدل حزنها لفرحة غامرة زادتها جمالاً واشراقاً..
رفع يده وهندم لها وضع حجابها يحاول إخفاء تلك الخصلات التي تمردت علي جبهتها وكأنها تود هي الأخرى رؤيته وبلهفه وعيون تهبط منها عبراته ببطء همس..
“تتجوزيني يا جيجي”..
تنهدت بصوت عالِ واغمضت عينيها براحه لتنهمر عبراتها علي وجنتيها بغزاره ومن ثم فتحتهما واقتربت منه محتضنه وجهه بين كفيها تجذبه إليها وبهمس من بين شهقاتها قالت..
“انت بتسألني يا نبض قلب جيجي!!”..
توردت وجنتيها بشدة وتابعت بخجل..
“انت عارف انا اتجوزتك كام مره في خيالي؟”..
حركت أنفها علي وجنتيه بلطف نزولاً بلحيته مكمله بأنفاس ساخنه تلفح بشرته تجعله يغلق عينيه مستمتعاً بعبيرها..
“عارف خلفت منك كام ولد وكلهم شبهك؟!”..
بكت وضحكت بأن واحد وبدأ جسدها يتهاوي فمالت عليه ليسرع هو ويضمها لصدره بلهفه لتكمل هي بصعوبه..
” وكام بنت كنت بغير عليك منها”..
التفت بكلتا يدها حول خصرة ورفعت رأسها ونظرت له وعيناها متلألئة بدموع العشق
وتابعت هامسه..
“مفارقتش خيالي ولا احلامي لحظه، وفي الحلم كل الحب مباح”..
قبلت موضع قلبه بعمق..
“اتجوزني،موافقه، اتجوزك في خيالي وفي حلمي، وفي الحقيقه المهم ابقي مراتك انت يا طاهر”..
…………………………………………………….
“انا حامل يا خليل”..
تفوهت بها” زمرده” جعلت خليل يتوقف عن السير وببطء استدار ونظر لها وتمتم بإيجاز تغلفه قساوة غريبة..
” امممم اكيد نسيتي تاخدي الحبايه فالحمل دا حصل غلطه طبعاً”..
نظرت له زمردة بتفاجأ وحركت رأسها بالنفي واقتربت منه وهمست بندم..
“انا كنت بطلت اخد الحبوب من فتره والله يا خليل بس نسيت ارميها”..
قال “خليل” بتجهم بث فيها القليل من الريبة..
“مبقاش يخصني ولا يفرق معايا يا زمردة، ولو فعلا انتي حامل فأنا هتوالي كل مليم هتحتاجيه انتي واللي في بطنك”..
ابتعد بنظره عنها وتابع بأسف..
“علشان زي ما قولتلك انا مش هردك يا زمرده”..
نظر لها نظره ألمتها وبغصه قال..
“حكايتنا انتهت”..
انهي جملته وسار نحو الخارج غالقاً الباب خلفه، لتتهاوي زمرده وتسقط أرضاً تبكي بنحيب شديد، اسرعت شقيقتها جيلان بترك باب الحمام المختبئ داخله مروان واقتربت منها جلست جورها تربت علي ظهرها بحنان وتبكي لبكائها وبرجاء تقول..
“متعيطيش يا حبيبتي خليل بيحبك بس هو دلوقتي زعلان من اللي حصل واكيد هيهدي وهترجعو لبعض”..
فتح مروان باب الحمام وخطي لخارجه بخطوات بطيئه، لتهب جيلان واقفه بغضب وهمت بالهجوم عليه ليوقفها صوت زمردة الصارم وقد تحولت ملامحها لأخري تشتعل بالغضب الشديد وبأمر قالت..
” جيلان اخرجي وسبيني مع مروان دقيقتين بس وتعالي”..
قالت جيلان وهي تلكم مروان بقدميها بعنف..
“اسيبك تاني مع الحيوان اللي ملوش امان دا يا زمردة! ؟”..
“اسمعي الكلام يا جيلان”، قالتها زمردة بنفاذ صبر..
لتسير جيلان علي مضض نحو الخارج وهي تقول بتحذير..
“انا هقف علي الباب لازقه فيه لو عمل اي حركة كده ولا كدة قبل ما تقولي يا جيجي هكون ناطه في كرشه”..
انهت جملتها وخرجت من الغرفه غالقه الباب خلفها وظلت مستتده عليه وملتصقه بأذنها به بشده، غافله عن انظار طاهر الجالس علي إحدى المقاعد يشاهدها بانظار منذهله، هب واقفاً واقترب منها ومال بوجهه عليها وهمس بأذنها..
” انتي بتعملي ايه يا انسه جيجي؟! “..
اجابته جيجي بتلقائيه هامسه..
“بلمع اوكر؟”..
انتبهت علي حالها فنتفضت بفزع ونظرت له بغيظ وتابعت بضيق..
“انت لسه هنا يا انت”..
ابتسم طاهر بستمتاع وببرود مستفز قال..
“ما انتي عارفه اني هنا وهفضل هنا معاكي يا جيجي”..
اختلجت أنفاسها حين سمعت همسه الخافت بأسمها، عقدت جيلان حاجبيها وبجمود مصطنع قالت..
” ايه هتفضل هنا معايا دي يا فندي؟!”..
تراقصت الإبتسامة على محياه أكثر و هو ينظر إليها بتسليه..
ثم سرعان ما قمعها و حمحم قائلًا..
“اقصد جيجي والدتي”..
ابتسمت جيلان له بتساع وبتسأل قالت..
“بس لو كان خالي طاهر لسه عايش مامتش ورجع لمامتك هتوافق انها ترجعله وكنت هتفضل هنا معاها برضو،ولا هتمنعها عنه وتاخدها وتسافر يا هه طاهر”..
ظهرت الدهشه علي وجه طاهر وبتسائل قال..
“انتي تقصدي ايه؟، انتي مش قولتي ان مامتك قالتلك خالك مات؟”..
ضحكت جيلان بسخريه ولاعبت له حاجبيها وهي تقول..
” امممم قولت كده بس كنت بكدب عليك واديك طلعت مش كل حاجه بتعرفها”..
انهت حديثها وهمت بفتح باب غرفة شقيقتها ولكن يد طاهر التي قبضت علي رسغها جعلت جسدها يرتجف بقوه ونبضه عنيفه احتاجت قلبها وبلحظه كان جذبها عليه حتي انها ارتطمت بصدره العريض، ومال علي وجهها حتي تلامست انفهما وبغضب قال..
” وانتي مش عارفه ان اللي بيكدب علي طاهر الكويتي بيتعاقب يا انسه”..
ابتلعت جيلان لعابها بصعوبه وبصوت مرتعش وبقوة مزيفه قالت..
“وهتعاقبني ازاي بقي يا طاهر يا كويتي؟”..
…
الخاتمة
احداث البارت حقيقيه للأسف، لقاء جيلان وفاديه الحقيقي????..
بعد سنوات طويله من الغربه عادت “جيلان” تقف أمام منزل من كان ومازال يمتلك قلبها “طاهر”..
تتأمل كل انش به بشوقٍ جارف، وعينيها تفيض دمعاً غزيراً..
هنا داخل هذا المنزل كانت شقتها التي قامت بانتقاء كافة شئ بها علي ذوقها الخاص، وبفرحة غامرة انها ستحظي بتحقيق حلمها وتتزوج من أول رجل جعل قلبها ينبض بالحياة، ولكن تحول حلمها لسراب واستيقظت منه علي أبشع كوابيسها وهو الفراق تاركة قلبها النازف بحوزته، آخذة قلبه هو معها بعدما سلبت منه روحه وحتي أنفاسه بسبب حزنه الشديد عليها حتي أعلن الاستسلام وزهد الحياة بأكملها طالما لم تكن هي معه..
دمعة حارقه هبطت علي وجنتيها وتأوهت بصوت خفيض قائله..
“اااااه يا ربي علي حرقة قلبي عليك يا طاهر”..
انهمرت دموعها بغزاره أكثر، وبخطي مرتجفه سارت لداخل المنزل بجوارها “طاهر” ابنها ممسك بيدها يربت عليها بحنان، وبتوسل قال..
“اهدي يا أمي ارجوكي”..
أخذت نفس عميق وتابعت سير برفقته حتي توقفا أمام باب شقة فاديه وطرقت عليه جيلان بلهفه، ونظرت لابنها تستجديه ان يتركها بمفرده..
فخضع “طاهر” لرغبتها وتنهد قائلاً..
“حاضر يا أمي هخرج انا بس هفضل واقف مستنيكي بره لحد ما تخرجي”..
قبل يدها بعمق، وسار نحو الخارج ظل واقفاً أمام المنزل وعينيه تتابعها بقلق..
تقف جيلان بتوتر ملحوظ تتمني ان يفتح “طاهر” هو لها الباب كعادته قديماً، شبه ابتسامة ظهرت علي ملامحها الباكية، واغمضت عينيها لتنهمر عبراتها بغزاره اكثر وتعلو شهقاتها دون أرادتها، ووضعت يدها علي قلبها كمحاولة منها لتهدأته قليلاً وبتوسل تمتمت بسرها..
“طاهر حبيبي افتح أنا رجعتلك”..
لحظات مرت عليها بصعوبه حتي استمعت لباب الشقه يفتح، حبست أنفاسها وهي تطلع لمن فتح بفزع اعتلي وجهها فجأه وشهقت بعنف،ورفعت كف يدها سريعاً علي فمها تكتم به شهقاتها حين وقعت عينيها علي فتاه تشبه “طاهر” الي حد كبير جداً،
فتاه بأواخر عقدها الثاني، تطلعت لها بذهول وهي تري خصلات شعر طاهر الحريريه تنسدل بخصلات شعرها، وعينيه الخضراء الساحرة التي يتغير لونها بأشعة الشمس للعسل الصافي تهيئت بعينيها هي،
وحتي ابتسامته التي تظهر جمال وروعة غمازة وجنتيه اليمني قد وراثتها هي منه..
انتبهت علي نظرة الفتاه المندهشه والتي جعلتها بغاية اللطافه، اذدردت “جيلان” غصه مريره، ورفعت اناملها ومسحت عبراتها، وبابتسامة هادئه قالت..
“انتي بنت ماما فاديه؟!”
عقدت الفتاه حاجبيها وتمعنت النظر بها جيدا، لتشهق فجأه بقوة وهي تقفز بفرحة غامرة مردده..
“انا عرفاكي انتي جيجي حبيبة خالو طاهر انا شوفت صورك معاه”..
قالت “جيلان” بتنهيده..
“ايوه انا جيجي حبيبتي، لو ماما موجودة بلغيها اني عايزه اقبلها”..
صفقت الفتاه بكلتا يدها وهي تقول..
“انا كمان اسمي جيلان، وبيقولولي يا جيجي”..
جذبتها من يدها لداخل المنزل واغلقت الباب واجلستها علي أقرب مقعد وبفرحة غامرة قالت..
” دي ماما مستنياكي من زمان اوووي وقالتلي انك مهما غبتي هترجعي في يوم وانا مكنتش مصدقاها”..
أنهت جملتها ونادت بصوت عالِ قائله..
“مااااااامااااا يا فوووووفااااااا تعالي شوفي مين عندنا”..
“عاملة دوشه ليه يابت يا جيجي؟!”.. قالتها “فاديه” وهي تخرج من إحدى الغرف، لتلجمها الصدمة حين لمحت جيلان التي هبت واقفه وبدأت تبكي ببوادر انهيار متمتمه بصعوبه..
“م م ماما فاديه”..
هبطت دموع فاديه بغزاره وهي تقول بعدم تصديق..
“جيلان!!”..
ظهر التوتر علي وجه جيلان ورفعت يدها وضعتها علي عيونها الباكية بطفوله، وكأنها مازالت تلك الصغيرة ذات الخمسةعشر ربيعاً وبتقطع همست..
“واحشتيني اوي اوي يا ماما فاديه”..
بلهفه فتحت فاديه زراعيها لتركض جيلان وترتمي داخل حضنها تبكي بصوت أشبه بالصراخ مردده بهذيان..
” ااااه يا ماما فاديه، اااااه من حرقة قلبي علي طاهر حب عمري، منستهوش، ولا لحظه منستهوش، مغبش عني، ولا فارق قلبي، ااااااااه يا طاهر انا رجعتلك يا حبيبي قولي انت فين”..
قبلت يدها بتوسل..
“وديني عنده، عايزه اروح قبره علشان خاطري يا ماما فاديه ابوس ايدك قوليلي هو مدفون فين، ولا خديني عنده”..
تبكي فاديه بنهيار وتضمها لحضنها وتربت علي ظهرها بحنان مردده..
” لاخر نفس فيه كان بينادي عليكي يا بنتي”..
رمقتها “جيلان”بنظرة متلهفه وتوقفت عن البكاء وعادت جملتها بأنفاس متهدجه قائله..
“لأخر نفس فيه كان بينادي عليا؟!”..
حركت فاديه رأسها بالايجاب،
القت جيلان نفسها داخل حضنها مره أخرى وبتوسل تابعت..
“احكيلي ايه اللي حصله، مين موته وموتني معاه بالحيا، احكيلي كل حاجه يا ماما فاديه بالله عليكي”..
تنهدت فاديه بتعب وهي تقول..
“حبيبي الله يرحمه كان واثق انك هترجعي يا بنتي”..
رتبت علي ظهرها وبابتسامه من بين كم دموعها قالت..
“تعالي نطلع شقاتكم نتكلم فيها”..
رفعت جيلان رأسها ونظرت لها بذهول مردده بعدم تصديق..
” هي شقتنا لسه موجوده؟! “..
اجابتها فاديه ببكاء..
“وكل حاجه فيها اختارتوها سوا زي ما هي كمان”..
اجهشت بالبكاء اكثر..
“دي ذكريات طاهر حبيبي وعمره كله فيها ووصاني احافظ عليها لحد ما ترجعي”..
انهت جملتها ووضعت يدها داخل ملابسها واخرجت مفتاح واعطته لجيلان وهي تقول كعادتها مسبقاً..
“مفتاح شقتك اهو اطلعي افتحيها وانا هجيب حاجه ناكلها وكوبايتين شاي واحصلك “..
ضحكت جيلان وبكت بأن واحد وبعدم تصديق همست..
” كنت فكراكي كرهتيني ومش هترضي تقبليني حتي”..
احتضنتها مره اخري وبغصه تابعت..
“بس انتي دايما احن عليا من امي اللي خلفتني يا ماما فاديه”..
ظلت كثيرا محتضناها، غالقه عيونها يهيئ لها للحظات انها بحضن حبيب قلبها، ابتعدت عنها علي مضض، وامسكت المفتاح تضمه لقلبها بقوه وبنحيب قالت جملة كانت دوماً تلقيها علي سمع فاديه..
” انا طالعه يا ماما فاديه متتاخريش عليا علشان طاهر بيجي فجأه ويخضني”..
تأوهت فاديه قائله..
“اااه يا حبيبي عريس في الجنه بإذن الله ربنا يرحمك يا قلب اختك ويجمعني بيك في اقرب وقت يارب”..
انتفضو اثنانتهم بفزع حين قالت “جيلان الصغيرة” ببكاء مزعج للغايه..
“بعد الشر عليكي يا فوفا”.. اقتربت منها وقبلتها بصوت مسموع، وبشقاوه تابعت..
“اطلعي انتي معاها يا فوفتي، وانا هعملكم شاي وكيك وغدا كمان واطلع اقعد معاكم”..
سارت جيلان نحو الخارج ممسكة بيد فاديه تساندها بخطوات شبه راكضه وبلهفه قالت..
” تعالي يا ماما فاديه انتي واحشاني اووووي وعايزه اقعد معاكي وتحكيلي كل اللي حصل بالتفصيل”..
صعدو سوياً الدرج، ليزيد ارتجاف جسد جيلان كلما اقترب من الشقه، حتي وصلو أمام الباب،كتمت انفاسها واسرعت بوضع المفتاح بيد ترتعش بقوه ولكنها فشلت اكثر من مرة بفتح الباب..
اخذته منها فاديه وفتحت لها، اغمضت عينيها حين تخللت رائحته عطره التي تملئ المكان انفها جعلتها تسحب الهواء بشده تود ان تملئ رئتيها باكبر قدر ممكن منه..
اندفعت للداخل ووضعت يدها علي زر الكهرباء اشعلت الإضاءة،لتشهق بعنف حين وجدت كافة شئ كما تركته منذ سنوات..
كل شيء يخصهما موضوع بمكانه، سارت بخطوات مثقله، تتحسس الأثاث بعشق، تتذكر ابتسامته لها،همساته بأذنها، بينما جلست فاديه علي اقرب مقعد وببكاء قالت..
“انا بنضفها بنفسي كل يوم تقريباً”..
سارت جيلان بأنحاء الشقه تتأمل كل ركن بها بشتياق شديد، ودموعها تسيل علي وجنتيها تجعلها تأن بألم من شدة حسرتها، وألم قلبها..
حتي توقفت أمام الغرفة التي كانت ستصبح غرفة نومهما، رجفه رائعة تملكت قلبها حين تذكرت همسات طاهر بأذنها يخبرها كم ينتظر علي أحر من الجمر أن تصبح زوجته، ويحملها بين يديه لداخل غرفتهما لينعم ويغرق بعشقها حتي الثماله..
سارت نحو الداخل واقتربت من الخزانه وفتحتها ببطء، لتنبهر من وجود بعض ثيابها التي كانت تتعمد تركها له موضوعه بين طيات ثيابه وكأنه يخبرها أنه يحتضنها حتي في غيابها..
مدت يدها المرتعشه، وامسكت زجاجه عطره الموضوعه بجوار الثياب ونثرت منها علي معطفه الرمادي ورفعته علي انفها تستنشق رائحته وتقبله مرات ومرات وهي تردد..
“اااه يا حبيبي واحشتني اوووي”..
خلعت حجابها وفكت عقدة شعرها الذي زينته بعض الخصلات الفضيه لينساب علي ظهرها كما كان يعشقه حبيبها، وسارت نحو الفراش المرتب بعنايه وتمددت عليه محتضنه معطفه بكل قوتها واغلقت عينيها براحة وهي تشعر به يحاوطها بحماية ويده تملس علي شعرها بعشق ليس كمثيله عشق..
لتفيق علي صوت فاديه التي جلست جوارها تربت علي شعرها كما كانت تفعل دوماً، لتهمس جيلان بتوسل..
“احكيلي مات إزاي يا ماما علشان خاطري”..
بتنهيده متألمة بدأت فاديه تقص ما حدث..
البارت بين الواقع والخيال..
سنة 1988م..
“طاهر”..
يقف أمام والده يرمقه بنظرة خذلان، وبألم حاد ظاهر بنبرة صوته قال..
“انت مكتفتش اني عايش زي اليتيم”..
نظر لشقيقته التي تقف بجواره تربت علي ظهره بحنان بالغ وتابع بمتنان..
“ولولا اختي فادية حنت عليا ومعملتش زي باقي اخواتي كان زماني ميت من الجوع او مرمي في الشارع”..
حرك رأسه بأسف مكملاً..
“انت شقيت قلبي بسكين بارد يوم ماروحت لوالدة جيلان وقولتلها كلام زي السم وضيعت مني البنت الوحيده اللي عشقتها يا أبويا”..
اقترب والده منه وعينيه مليئه بدموع الندم وربت علي كتفه بيد مرتعشه وبرجاء قال..
” حقك عليا يا ابني، سامحني انا والله ما كنت اعرف انك بتعشقها لدرجة دي”..
مسح عبراته وتابع باسف..
” انا اتجننت لما سالت عليها وعرفت انها بنت راجل مسافر وعايشه هي ومامتها لوحدهم، وبتجيلك البيت عند اختك كل يوم وبتفضل قاعده معاك، خوفت عليك توقع نفسك مع واحده تكون مش مظبوطه؟ “..
قطع حديثه طاهر بغضب عارم، وعبراته تهبط بحرقة علي وجنتيه..
“متقولش عليها كده، جيلان دي اشرف بنت في الدنيا كلها وكانت هتبقي مراتي وشيله اسمي وصاينه شرفي وانت حرمتني منها وخلتني ابقي مدمن علشان اقدر استحمل بعدها عني بعد ما كان الكل بيحلف بأخلاقي والتزامي”..
نظر والده لفاديه التي جلست تبكي بصمت يستجديها ان تجعل شقيقها يعطيه فرصه ويستمع له وبصوت يكسوه الحزن علي حال ابنه الوحيد وما فعله به دون قصد تحدث قائلاً..
” انا بعترف اني غلطان يا ابني، والله ما كنت اقصد كل اللي حصل، وانت الحمد لله بتتعالج وبقيت احسن من الاول”..
ابتسم طاهر بشرود
ومرر يده على قلادته التي اهدتها له معشوقة روحه يلملم منها عطرها الغائب هو الحياة بالنسبه له ، وبتنهيده مشتاقه قال..
“انا بتعالج علشانها هي، علشان عارف انها هترجعلي تاني والمرادي مستحيل اسبها تمشي حتي لو علشان خاطر ابنها، هخدها في حضني وهعوضها عن كل لحظة بعدت عني فيها”..
ابتسم والده بأمل وبلهفه قال..
“لو رجعتلك تاني فعلاً انا هقف في ضهرك واجوزهالك بنفسي كمان”..
بكي بنحيب مكملاً..
“بس تسامحني يا ابني، وترجع تمسك الشغل تاني انا من غيرك تايهه ومش عارف اقف لوحدي في السوق”..
رق قلب طاهر له لم يتحمل رؤية دموع والده، فقترب منه سريعاً وضمه لداخل صدره، وربت علي ظهره بحنان وهو يقول ببعض المرح..
” يعني اعتبر دا كلام رجاله وهتجوزهالي بنفسك يا أبو طاهر؟ “..
اجابه والده بلهفه..
” اه والله يا حبيبي وهعملك احسن فرح في البلد كلها، امال ايه دا انت طاهر طاهر الخيام صاحب اكبر معارض للموبيليات”..
ظهرت الدهشه علي ملامح طاهر، وبذهول عاد جملته..
“صاحب اكبر معارض؟!”..
نظر له بشك..” تقصد ايه يا بابا؟ “..
احتضن والده وجهه بين كفيه، وبابتسامة من بين كم دموعه قال..
” انا كتبت كل المعارض بأسمك يا طاهر علشان عارف انك هتحافظ علي ورث اخواتك البنات وحتي اخواتك اللي من مراتي الجديده”..
قالت فادية بفرحة غامرة..
“اطمن يا بابا طاهر عينه مليانه وعمره ما ياخد حاجه مش ليه ابداً..
قال والدها بيقين..
” انا واثق منه علشان كده ناوي اكتبله كل ما أملك مش بس المعارض”..
هم طاهر بالاعتراض لكن والده تابع بأصرار..
“دي اقل حاجه ممكن اقدمهالك يا ابني، وعارف انك هتدي اخوتك كل اللي يحتاجه وزياده عن حقهم كمان”..
غافلاً عن زوجته التي تستمع لما يحدث بقلب يشتعل بنيران الحقد والغل، وبغيظ شديد تمتمت هويدا بسرها..
” بقي عايز تكتبله كل حاجه كمان يا طاهر، طبعا ما هي العقربه اللي كنت متجوزها قبلي ضحكت علي عقلك لما سمته علي اسمك قال يعني من كتر حبها ليك”..
ابتسمت بشر وبوعيد تابعت..
“اما لبستك أسود عليه مبقاش انا هويدا”..
رسمت ابتسامة زائفه وسارت لداخل الغرفه وهي تقول بترحيب كاذب..
“يا ألف نهار ابيض، دا انا مصدقتش نفسي لما ابوكم قالي انه بعت العربية تجبكم عندنا”..
ابتسمت لها فادية ابتسامة باهته، وقد انقبض قلبها عند رؤيتها دون سبب..
نظرت هويدا لطاهر بتفحص وبابتسامة مصطنعه قالت..
“اما انا عملتلكو حته أكله هتاكلو صوابعكو وراها”..
رفع طاهر حاجبيه بدهشه من تغيرها المفاجئ،تذكر انها كانت تتعمد تخبئ الطعام منه بالفتره القصيره التي مكثها معهم..
هبت فاديه واقفة ونظرت لوالدها قائله..
“انا لازم امشي دلوقتي يا بابا لان عزمي هو والبنات علي وصول”..
قال والدها بحب..
” اقعدي كلي معانا لقمه يابنتي وابقي روحي”..
“لا مش هينفع اعذرني المرادي، تتعوض مره تانيه بإذن الله”..
قالتها فاديه وهي تحمل حقيبة يدها وتسير نحو الخارج، وبابتسامة تابعت..
“هتيجي معايا يا طاهر”..
” اه يا حبيبتي”.. قالها طاهر وهب واقفاً استعداداً للسير، ليسرع والده ويمسك يده وبرجاء قال..
” خليك انت يا طاهر بقالنا زمن مكلناش مع بعض يا ابني”..
خضع طاهر لطلب والده وجلس جواره مره أخرى وببشاشه قال..
“حاضر يا ابو طاهر هقعد اكل معاك”..
تنهدت فادية بقلق قائله..
“طاهر يا حبيبي متتاخرش علينا علشان هنستناك تاكل معانا احنا كمان”..
حرك رأسه بالابجاب لها، علي مضض استدارت فاديه وسارت نحو الخارج بقلب يتاكله القلق والخوف..
وليتها لم تتركه، ليتها أخذته معها فقد عاد بذلك اليوم طاهر أخر شهقت بعنف حين لمحت هيئته عبر الشرفه..
يسير بضعف شديد، يجر ساقيه وجسده يتهاوي من حائط لحائط، يجاهد حتي يصل لباب المنزل، يظهر علي وجهه الاعياء الشديد، جبهته تتسبب عرقاً غزيراً، وعينيه حاوطهما هاله من السواد بعدما كانت عادت لطبيعتها..
وأخيراً وصل لباب المنزل فخارت قواه وسقط أرضاً فاقد وعيه، لتصرخ فاديه بإسمه بفزع..
“طااااااهر”
مرت خمسة أيام..
داخل منزل “فاديه” بالطابق الثالث الخاص بشقة “طاهر”..
تجلس فاديه الباكية بنحيب بجوار شقيقها، فلذة كبدها من تعتبره ابنها، تكاد تنقطع أنفاسها من شدة بكائها وهي تراه ملقي علي الفراش بحاله لا يرثي لها، يغيب عن الوعي لساعات ويفيق لدقائق معدودة يهمس “طاهر” باسم معشوقة قلبه وروحه بحسرة وألم قاتل، وعبراته تهبط علي وجنتيه ببطء..
“جيجي وحشتيني يا حبيبتي”..
اجهشت فاديه بالبكاء اكثر ونظرت لزوجها بشرار قائله..
“اتصرف يا عزمي اعمل حاجه، شوف اي مستشفي او حتي نسافره لأي بلد بس منسبهوش يتألم بالشكل دا ابوس ايدك”..
قال عزمي بأسف..
“مافيش ولا مستشفي راضيه تقبله،وكله بيقول دي حالة تسمم يا فاديه، والسم اللي واخده مفعوله طويل المدي وخطير جدا ومش عارفنلو علاج، بس انا بحاول اعمل كل جهدي علشان ادخله مستشفي الحميات هي الوحيده اللي هتقبله بس مافيش فيها مكان فاضي”..
صرخت فاديه بنهيار..
” محدش سامه غير مرات ابويا، عايزه تموتك يا طاهر يا قلب اختك”..
اقتربت من زوجها وجثت أرضاً امامه تقبل حذائه، وبتوسل قالت..
” ابوس رجلك اعمل اي حاجه يا عزمي، اخويا بيموت”..
بكي زوجها علي هيئتها وهيئة شقيقها التي تشق القلوب، وجذبها لصده سريعاً يضمها بقوه، لتبكي فاديه بصوت اشبه بالصراخ مردده من بين شهقاتها..
” يا طااااهر يا قلب اختك”..
صرخاتها جعلت طاهر يستعيد وعيه قليلاً، واعتدل جالساً بصعوبه..
لتركض فاديه نحوه وتساعده علي النهوض وبقلق قالت..
“ايه يا حبيبي عايز تروح الحمام”..
بين الوعي واللاوعي قال طاهر بتقطع..
“ج جيجي بتنادي عليا يا فاديه”..
انهمرت دموع فاديه بغزاره وهي تراه يستجمع شتات نفسه، وهب واقفاً لتسرع هي بأسناد يده حول كتفها، وسارت معه نحو الخارج يبحث عنها بلهفه وبهذيان قال..
“جيلان مستنياني يا فاديه، انا شايفها، وسامعها بتنادي عليا”..
صرخت فاديه بزوجها قائله..
” اتصرف يا عزمي اخويا جسمه سخن مولع، اخويا بيضيع مني ياعزمي”..
انتبهت فاديه علي سير شقيقها وكاد ان يصتدم بأحدي الحوائط، لتجذبه عليها وبلهفه قالت..
“حاسب يا حبيبي”..
ليلقي طاهر جمله علي سمعها اوشكت ان تصيبها بسكته قلبيه حين قال..
“انا مش شايف حاجه خالص يا فاديه”..
اتسعت اعين عزمي بذهول، واقترب منه يتفحص عينيه وهو يقول بتوتر..
“طاهر يا حبيبي فتح عينك كويس وقولي شايف ايه”..
بصعوبه فتح طاهر عينه، وبتعب شديد همس..
” مش شايف خالص”..
تعالت شهقات فاديه ولطمت وجنتيها قائله..
“اخويا يا عزمي، اخويا يعني ايه مش شايف”..
ترخي جسد طاهر، فجلست فاديه به ارضاً، ومال برأسه علي صدرها، وبصوت يكاد يسمع قال..
“لما بغمض بشوف جيلان بس، ولما بفتح مبشوفش حاجه خالص”..
بدأ ينتفض جسده بقوة بين يديها، وسالت الدماء من أنفه وفمه، ورغم هذا ابتسم برضا مردداً برجاء..
“متعيطيش يا فاديه انا رايح لمكان احسن من الدنيا القاسيه دي”..
تمسك بثيابها وضمها له وبهمس تابع..
“قولي لجيلان اني لاخر نفس فيا قلبي بينبض بحبها ولما ترجع خديها في حضنك ومتسبهاش يا فاديه، جيجي يا فاديه”..
زاد انتفاض جسده وهو يردد اسمها، وتوقف فجأه متمتاً الشهاده بشفاتيه وأغلق عيناه بابتسامة تزين محياه..
بعيون زائغه نظرت فاديه لزوجها الذي نكث رأسه وبدأ يبكي بنحيب بعدما فحص طاهر وتأكد من وفاته، وبصعوبه قال..
” البقاء لله يا فاديه”..
ضمت فاديه طاهر لحضنها بكل قوتها، وبأنفاس متقطعه قالت بغضب عارم..
“لااااا متقولش علي اخويا كده، بعد الشر عليه”..
هزت طاهر ببعض العنف مردده بتوسل..
“قوووم يا طاهر قووم يا قلب اختك هاتلي عيل من ريحتك”..
.. عوده للحاضر..
بعد مرور عدة أشهر من لقاء جيلان وطاهر..
شهقت جيلان بعنف، وفتحت عينيها وبدأت تصرخ بنهيار شديد مردده..
“ااااه طااااهر لااااا يا حبيبي متسبنيش بالله عليك، يااااااارب سبهولي يااااااارب”..
لتشعر بيد تحاوطها بحمايه ظهرها مقابل صدره، وصوت طاهر يهمس بإذنها بعشق شديد قائلاً..
“جيجي حبيبتي اهدي انا هنا يا روحي”..
تشبثت جيلان به بكل قوتها، وببكاء حاد قالت..
“نفس الكابوس البشع يا طاهر، ان ماما فاديه بتحكيلي انت مت ازاي”..
أغمض طاهر عينيه بعف وقبل رأسها بعمق مرات متتاليه وهو يقول..
“انا هنا معاكي مموتش يا جيجي”..
ذاد من ضمها له اكثر..
” انتي في حضني حبيبتي ومستحيل ابعد عنك تاني ابداً”..
دثت جيلان نفسها داخل حضنه، وتنهدت براحه حين تذكرت انها اصبحت زوجته منذ أيام قليله لتداهمها ذكري اول لحظات زواجهم..
.. فلاش بااااك..
بابتسامة منبهره، يتأملها بعينيه بتمعن شديد،يتفحص كل انش بها دون التفوه بحرف واحد،تبادله هي النظره بأخري مندهشه،باكيه، وحتي ضاحكه عقلها غير قادر علي استيعاب كل ما يحدث..
أيعقل بعد كل هذا الكم من الألم والعذاب الدائم الذي غلف قلبها بأبتعاده عنها سيمحيه هو اليوم؟!،
تفهم هو نظرتها فاقترب منها بخطوات هادئه، ورفع يده ومسح عبراتها بأنامله وبهمس قال..
“مش حلم يا جيجي”..
امسك يدها ووضعها علي موضع قلبه صعوداً بصدره، ولحيته التي ظهرت بها بعض الشعيرات الماسيه زادته وقاراً وشموخ، حتي توقف علي شفتيه، وقبلها بعمق مردداً..
“ايوه انتي انهارده بقيتي مراتي حلالي يا عشق الطاهر”..
شهقت بعنف واجهشت ببكاء لفرط تدافع مشاعر أشبه بالصراخ، ليسرع طاهر بلف يده حول خصرها، وجذبها لصدره يضمها بلهفه ويده تربت علي ظهرها تارة، وشعرها تارة، وبتوسل يهمس بأذنها..
“هششش اهدي حبيبتي”..
يعلم هو سبب بكائها، تنهد براحه وبتأكيد تابع..
“مش هابعد عنك تاني، ولا هاختفي من قدامك، ولا هطلع حلم من احلامك”..
ابعدها عنه واحتضن وجهها بين كفيه يتأمل ملامحها بافتنان، وبأنفاس متهدجه أثر قربها المهلك لقلبه، وأنفاسه التي تلفح نعومة بشرتها تجبرها علي اغلاق عينيها مستمتعه بعبيرها تابع بهمس يكاد يسمع..
“انا حقيقه يا جيلان”..
فتحت عينيها ونظرت له تستجديه أن يثبت لها ما يتفوه به، توردت وجنتيها بحمرة الخجل حين أدركت انه تفهم نظرتها كما يفعل دائمًا،ولكنه لا يريد اجبارها عليه،رغم انه ينتظر موافقتها علي قربه علي أحر من الجمر..
ابتسمت له ابتسامتها التي تجعل نبضات قلبه تعلو لعنان السماء، وبصوت مرتجف همست بخجل..
“مجنونتك انا يا عمري”..
جملتها التي يعشقها هو كثيراً كانت بمثابة ضوء اخضر تدعوه ليقترب..
وضع جبهته علي جبهتها، وساد الصمت للحظات يقطعه تمتمات “طاهر” ببعض الأيات القرآنية، ومن ثم رفع قبضة يده وضعها علي رأسها مردداً دعاء الزواج..
“اللهم إني أسألك أن تجعل زوجتي خير سندًا لي، وأن تجعلها متمسكة بعشرتي،
وأن تجعلها عوناً لي على طاعتك، وأن تجعلني عوناً لها على طاعتك، واجعلها لي زوجة صالحة..
اللهم حببني إلى قلب زوجتي وجمّلني في عينها، واجعلنا هداة مهتدين ومن عبادك الصالحين.
اللهم اجمع بيني وبين زوجتي بخير، وآلف بين قلوبنا وارزقنا الرضا وراحة البال وأبعد عنا الهم والكسل والحزن.”
أنهى دعائه واقترب منها يغمرها بعشقه وبركان من الشوق يلفهما..
لم يسعها سوى الاستسلام الكامل له، والتنعم بفيض عشقه الذي أهاله عليها بكرم و شغف، وعالج جروحات قلبها الغائرة..
فاقت من شرودها علي يد طاهر التي تداعب وجنتيها وبعبوس قال..
” سرحانه وانتي في حضني يا جيجي”..
رفعت وجهها وتاملت ملامحه بهيام وبعشق قالت..
“سرحانه فيك يا عمر ونبض قلب جيجي”..
تأمل هو ملامحها بفتنان، ولثم شفتيها بقبله رقيقه للغايه، وبهمس قال..
“طيب يله قومي خليني اساعدك تجهزي”..
داعب ارنبة انفها بأنفه مكملاً..
“ولا ناسيه انك انهارده هتكوني ام العريس”..
ضحكت جيلان بفرحة غامرة وهي تقول..
“مش مصدقه ان طاهر ابني كبر وهيتجوز يا طاهر”..
قال طاهر بفخر..
“لا واللي هيتجوزها تبقي جيجي الصغيره”..
……………………………………….
زمردة”..
تقف أمام “مروان” ترمقه بنظرة معاتبه ممزوجه بالندم، تجاهد للسيطره علي دموعها التي تخونها وتنهمر علي وجنتيها ببطء..
ساد الصمت قليلاً، قطعه مروان بصوته الأجش قائلاً..
“انا فضلت في الحمام و مرضتش اخرج لخاطرك انتي بس يازمردة”..
نظرت له بتسائل فتابع بتنهيده متألمه..
“علشان خليل ميشوفنيش وتحصل مشكله أكبر وتتعقد الامور اكتر من كده”..
تهرب من عينيه المحاصره لها بشي الطرق،ليقترب هو منها خطوه حذرة، وبهمس قال راجياً..
“بصيلي يا زمرده متهربيش بعيونك مني”..
ابتسم ابتسامة يخفي بها عبراته، وبصوت متحشرج بالبكاء تابع..
“عارف وحاسس باللي جواكي يا حبيبتي”..
اغلقت عينيها بعنف لتنهمر عبراتها علي وجنتيها بغزاره، ومن ثم فتحتهما فجأه وبأسف همست..
“ايوه بحبك يا مروان”..
أجهشت بالبكاء بنحيب أكبر، وبتأوه تابعت..
” اااه بس بعشق خليل ومش هقدر أبعد عنه”..
ضربت علي موضع قلبها بقبضة يدها بقوة..
” قلبي حبك وعشق خليل في وقت واحد، واديني هخسركم انتم الاتنين برضو في وقت واحد”..
أنهت جملتها وبدأ جسدها يتهاوي، ليسرع مروان نحوها وجذبها لداخل صدره رغم اعتراضها وهمسها الضعيف..
” سبني وامشي وانساني خالص يا مروان، وروح شوف حياتك مع واحده تستهلك، مش واحده أنانية زي”..
لم تعد قدميها تحملها بسبب ارتجاف جسدها، فحملها مروان واضعاً يد أسفل ركبتيها والأخرى حول ظهرها، وسار بها نحو الفراش وضعها عليه بحرص شديد، وبعشق همس بأذنها..
“ارتاحي انتي يا حبيبتي وكل اللي انتي عيزاه انا هعملهولك”..
أذدرت غصة مريرة،وانهمرت عبراتها علي وجنتيه نزولاً بلحيته حتي استقرت علي عنق زمردة جعلتها تشهق بصوت خفيض وكأن عبراته من نيران تحرق روحها، وتمزق قلبها، وبحسرة تابع..
“حتي لو اللي عيزاه دا هو اني ابعد عنك يا زمردة”..
يد “فاديه”التي ربتت علي ظهرها بحنان، جعلتها تنتفض بفزع، وتعود لواقعها وبلهفه نظرت لوالدتها وقالت بفرحة غامرة ظهرت علي ملامحها..
“هو صوت خليل اللي بره دا يا ماما؟!”..
“اه يا حبيبتي خليل قاعد مع أبوكي بره”..
تفوهت بها فاديه وهي تمسح عبراتها من علي وجنتيها..
لتسرع زمردة وتهب واقفه وسارت نحو الخزانه تجمع ثيابها علي عجل،وهي تردد..
“مش قولتلك خليل هيجي ياخدني يا ماما، انا واثقه انه ميقدرش يستغني عني اكتر من كده و؟؟”..
صوت بكاء فاديه الحاد قطع حديثها، فستدارت ونظرت لها بقلب ارتعد من شدة خوفها، وبصوت مرتجف همست..
“هو مش جاي علشان ياخدني يا ماما؟!”
اجابتها فاديه بأسف..
“البسي هدوك ولفي حجابك علشان خليل جاي يطلقك رسمي وجايب معاه مأذون”..
عقدت حاجبيها، وبعدم استيعاب قالت..
“يعني ايه يطلقني رسمي؟”..
مسدت علي بروز بطنها الصغيره التي بدأت بالظهور، وتابعت بابتسامة مزيفه..
“هيطلقني وانا حامل منه؟! “..
قالت فادية بتعقل رغم تألمها لألم ابنتها..
“دي اقل حاجه يعملها بعد اللي عملتيه في حقه يابنتي، انتي جرحتي قلبه، وكرامته، ورجولته كمان”..
” بس مكنتش أقصد والله يا ماما”..تفوهت بها زمردة ببكاء اشبه بالأنهيار، وبهذيان رددت..
“انا بعشقه مش هقدر اعيش من غيره، خليه يسبني علي زمته ميطلقنيش حتي لو مش هياخدني معاه انا راضيه”..
أسرعت فاديه بالاقتراب منها وجذبتها لحضنها تضمها بحب شديد وتبكي لبكائها، وتربت علي شعرها كمحاوله منها لتهديئها..
تعالت شهقاتها، وبدأت تفقد القدرة علي السيطرة بأفعالها، وكأنها ستفقد عقلها قبل قلبها بأبتعاده عنها..
توقفت عن البكاء فجأه، وابتعد عن والدتها، وهرولت للخارج دون اكتراث لمنامتها الفيروزي التي تحدد جمال قوامها الممشوق والذي اذدات جمالاً بعدما ظهرت علامات الحمل عليها،وشعرها عقداه علي هيئة ذيل حصان، مع تمرد بعض الخصل علي جبهتها جعلتها بغاية الرقه..
اندفعت نحو خليل الجالس علي إحدي المقاعد يظهر عليه الحزن الشديد خافض رأسه ارضاً، مستند علي ركبتيه بمرفقيه، وبلحظة كانت جثت علي ركبتيها أمامه ممسكه بيده، وبتوسل همست من بين شهقاتها..
“خليل مطلقنيش”..
رفع خليل رأسه ببطء يتطلع بها بدهشه وذهول، وأسرع بامساك يدها يساعدها علي النهوض وهو يقول بجمود مصطنع..
“قومي من فضلك يا زمردة”..
أبت ان تبتعد عنه انش واحد، بل التصقت به اكثر حتي اصبحت داخل حضتنه، بل اصبح محاوطها بكامل جسده، رفعت يدها واحتضنت وجهه بين كفيها تجبره علي النظر لها وبعشق همست..
“واحشتني،معقول اهون عليك تطلقني”..
هبطت بيدها علي لحيته، وكتفيه، حتي وصلت لقبضة يده امساكتها ووضعتها علي بروز بطنها، وببكاء تابعت..
“وانا حامل منك يا خليلي”..
انسحبو جميع من بالغرفة تاركين لهم بعض الخصوصيه، بينما خليل أصبح بعالم أخر بفعل قربها منه الذي يجعل قلبه اوشك علي مغادرة صدره من عنف دقاته..
عاشق هو لكل تفاصيلها، ويشتاقها حد الجنون، ولكن ما فعلته به عقله غير قادر علي نسيانه..
رسم الجمود والبرود علي ملامحه، وابعدها عنه وهب واقفاً موليها ظهره، وبصرامه قال..
“انا وانتي مش هينفع نكمل مع بعض تاني يا زمرده”..
نظر لها من فوق كتفه مكملاً..
“مش انا الراجل اللي كرامته تسمحله يخليكي علي زمته بعد اللي عملتيه”..
ألم اعتصر قلبها وهي تستمع لحديثه اللازع الذي يؤلمها بشدة، وبوهن استندت علي المقعد أمامها وهبت واقفه واقتربت منه ضمته من ظهره لداخل حضنها بكل قوتها، وبصوت باكي همست بإذنه..
“بعترف اني غلطت في حقك انا أسفه ياخليل”..
وقفت علي أطراف اصابعها ولثمت عنقه ببطء جعلته يغمض عينيه مستمتعاً بملمس شفاتيها، ويتأه بسره بصوت خفيض..
يدها الصغيره تسللت بخبث تعبث بأزرار قميصه، ولم تبتعد بشفاتيها عن بشرته وبأنفاس ساخنه تابعت..
“خد كل وقتك، وازعل مني براحتك، واهجرني ومتكلمنيش”..
قبلته مرات متتاليه وبنحيب اكملت..
“بس مطلقنيش يا خليلي”..
سب خليل بسره متمتاً لنفسه بغضب..
“اجمد ياااااض يا خليل اوعي تحن يله”..
شعر بها تستدير حوله لتواجهه، فاسرع هو للجهه الأخرى حتي لا تري مدي تأثيرها عليه الذي يظهر علي وجهه بوضوح رغم انه نجح بالسيطره علي جسده الذي يصرخ بشتياق شديد لكل ذره بها..
فدثت وجهها بظهره تبكي بقوه وبرجاء قالت بصوت مكتوم..
“خليل انا بعشقك هموت لو طلقتني”..
ارتجاف جسدها علي جسده، وانفاسها التي فقدته عقله، وشدة عشقه واشتياقه لها تجبره علي انتشالها لداخل صدره وتحطيم عظامها بعناق حار، ولكنه يعلم انه لن يكتفي بضمها له فقط بعدما تعالت أنفاسه واصبح يتنفس بصوت عالِ، فلم يجد سوا الفرار من أمامها الآن وإلا سيمتلكها بمنزل والدها ويحدث ما يحدث..
سار للخارج بخطوات شبه راكضه دون النطق بحرف واحد، لتهلل اسارير زمردة بفرحة غامرة مردده..
“خليل مطلقنيش”..
أسرعت بالركض نحو غرفتها والقت نفسها بحضن والدتها وهي تقول..
“انا هروح بيتي يا ماما خليلي مطلقنيش”..
ضحكت فاديه من قلبها علي فرحة ابنتها، وبتعقل قالت..
“يله البسي وروحي وره جوزك اوام”..
“هروح بعد فرح جيجي”.. تفوهت بها زمرده..
لتصر والدتها قائله..
” روحي لجوزك وابقي تعالي في ايده فرح اختك يا زمردة، وانا وزمزم مع جيلان من هنسبها، ومرات خالك طاهر علي وصول هي كمان هتفضل معانا”..
قبلت زمردة والدتها وفرت من أمامها سريعاً تستعد لذهاب خلف زوجها..
………………………………….
.. زمزم..
تجهز ثياب فرح شقيقتها لزوجها وابنائها، لتخبط صغيرتها قدمها ارضا وبغضب طفولي قالت..
” يا ماما انا عايزه البس بدله زي اخويا مش عايزه البس فستان”..
ضمتها زمزم بحب وهي تضحك علي حديثها وبتعقل قالت..
“يا عيون ماما انتي بنوته جميله تلبسي فستان ابيض زي خالتو جيجي العروسه، واخوكي ولد يلبس زي باباه”..
عبست الصغيره بملامحه، وابتعدت عنها وركضت نحو والدها وببوادر بكاء قالت..
” بابا ممكن تخلي مانا تلبسني زي اخويا”..
علي علم ان والدها ينفذ لها رغبتها دوماً حتي رغم اعتراض والدتها، ليفاجئها معتصم حين قال..
” فاطيما اللي ماما تقولك عليه تسمعيه يا حبيبتى”..
خرجت زمزم من الغرفه بخطوات بطيئه منذهله حين اخترقت جملته اذنها، وتطلعت به بدهشه..
لمحها هو فقترب منها وضمها بعشق وهو يقول..
“انتي دايما بتكوني صح يازمزم خصوصاً لو في حاجة بتخص الولاد، وانا بعد اللي حصل ليكي ولفاطيما عهدت نفسي علي اد ما اقدر مش هزعلك ابدا يا حبيبتي”..
ضمته زمزم لها بكل قوتها وقبلت كتفه بعمق قائله..
“بحبك اوي يا معتصم”..
ذاد من ضمها وغمر عنقها بقبله ناعمه مردداً..
” وانا بعشقك يا قلب معتصم”..
…………………………………………………….
..زمردة..
تسير بخطي مرتجفه لداخل منزل زوجها، وقلبها يكاد يغادر صدرها من عنف دقاته، اوشكت علي الصعود نحو شقتها دون المرور علي شقة حماتها، ولكنها توقف واخذت نفس عميق، وطرقت علي الباب ووقفت تنتظر ان تفتح لها..
فتحت حماتها الباب، وتطلعت لها بدهشه قائله..
“انتي جايه لوحدك؟”..
حركت زمردة راسها بالايجاب، وببوادر بكاء قالت..
“انا عارفه ان حضرتك مبتحبنيش، وعايزه خليل يطلقني بس؟”..
قطعت حماتها حديثها حين اقتربت منها وضمتها لحضنها وهي تقول..
“حب ابني ليكي يجبرني احبك يابنتي”..
ابتعدت عنها وربتت علي وجنتيها برفق مكمله..
” انا مش عايزه غير راحة ولادي،ولما بعدتي عن خليل الفتره اللي فاتت مرتحش لحظة يا زمردة، تبقي راحة ابني معاكي، اطلعيلو يا بنتي ربنا يسعدكم”..
قبلت زمردة جبهتها بحب ونظرت لها بمتنان واسرعت بالصعود علي الدرج بلهفه حتي وصلت لشقتها، ضغطت علي الجرس طويلاً لم تبعد يدها حتي فتح خليل الباب بغضب وكاد ان يسب بأفظع الشتائم، لكن الجمته الصدمة حين القت زمردة بنفسها داخل حضنه، تعانقه بحراره وانفاس متهدجه، وبشتياق شديد قالت..
“واحشتني يا خليل وهتجنن عليك مع انك لسه سايبني من دقايق”..
تيبس خليل للحظات، لم يبادلها عناقها حتي شعرت هي بأنه ينفر منها، فهمت بالابتعاد عنه، الا انها شهقت بقوه حين حملها فجأه وجذبها لداخل شقتهما واغلق الباب بقدمه مستنداً عليه بظهره، وبلمح البصر كان مال علي شفتيها يلثمهما بمنتهي العشق مردداً من بين سيل قبلاته..
“وانتي موحشتنيش ولا هتجنن عليكي يا روح خليل”..
………………………………….
بعد مرور عدة ساعات..
بأحدي القاعات الفاخمه، بين الكثير من العشق والفرحة التي تملئ المكان يقف” طاهر”بجوار والدته “جيلان” ممسك بيدها بتوتر ظاهر علي ملامحه، يرتدي بذلة بيضاء رائعه من ماركة”إرمينيغيلد زينيا” اشهر الماركات العالميه، مصفف شعره الفحمي بعنايه. ينتظر عروسه”جيلان” القادمة نحوه ممسكه بيد خالها” طاهر” الذي عينيه تتأمل جيلان زوجته بعشق ليس كمثيله عشق بفستانها النبيتي بلون رابطة عنقه، وحجابها الذهبي الذي جعلها بغاية الجمال، واضعه لمسات لا تذكر من مساحيق التجميل، وتطلع اليه بعيون تصرخ بعشقه..
تقدم طاهر من عروسه بلهفه، والقي السلام علي طاهر زوج والدته وعانقه بحراره،بينما جيلان تحتضن العروس هي الاخري بحب شديد هامسه باذنها..
“مبروك يا بنتي الف مبروك”..
التفت طاهر لعروسه بابتسامة هائمه تزين شفاتيه، واقترب منها ازاح طرحتها الطل عن وجهها، لينبهر بطلتها الاورع علي الإطلاق، وفستانها الذي يشبه فستان المليكات..
غمز لها بأيحاء وهو يميل عليها يقبل وجنتيها ببطء مريب جعل جيلان ترتجف وتغمض عينيها بستمتاع من قربه، وبهمس قال لها..
“مبروك يا جيجي يا عشق الطاهر”..
ابتسمت بستحياء مصطنع، وبهمس قالت..
“شيلني ولف بيا بس اوعي توقعني لصوت والم عليك الفرح كله”..
اتسعت اعين طاهر بدهشه وضحك بقوه، ورفع يده يدلك بها جبهته مردداً..
“انا برضو استغربت من هدوئك اللي مش لايق عليكي دا يا جيجي”..
أنهى جملته وبلحظه كان حملها من خصرها لداخل حضنه حتي اصبحت قدميها لم تلمس الأرض، ظنت هي انه سيدور بها، ولكنه فجأها حين مال علي شفاتيها واقتنص منها قبلتهم الأولى بتمهل وعشق شديد..
ليتعالي صوت التصفيق لهم بحراره،
وخطت زمردة ممسكة بيد زوجها بوجه مشرق وفرحة ظاهرة باعينهما. وزمزم ايضا ممسكة بيد زوجها الذي يقبل يدها وجبهتها من حين لآخر،
بينما وقف “طاهر” محتضن جيلان بتملك شديد ملتف بكلتا يده حول خصرها، وكتفها مقابل صدره يستنشق عبيرها بهيام، وبعشق يهمس بأذنها..
“حبيبة قلبي الغالية انتي جيلان كوني واثقه اني علي قيد الحياة بنبض قلبك انتي غاليتي”..
تمت بحمد الله..
لقراءة باقي أجزاء الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية حمزة للكاتبة ميمي عوالي