Uncategorized

رواية البوص الفصل الرابع عشر 14 بقلم يمنى عبد المنعم

 رواية البوص الفصل الرابع عشر 14 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل الرابع عشر 14 بقلم يمنى عبد المنعم

رواية البوص الفصل الرابع عشر 14 بقلم يمنى عبد المنعم

الإختيار الصعب
تنتابنا الحيرة في بعض الأحيان حينما تضعنا الحياة أمام أمر واقع لابد لنا من اجتيازه، حتى إذا كان الاختيار صعب…. نضطر إلى الرضوخ رغماً عنا… كي تمر بنا الأيام الصعبة بأقل الخسائر.
توقف فتحي بعربته بالقرب من أحد البنايات… تأملت المكان حولها فوجدت البناية في حي هادىء لم تعتاد على ذلك من قبل…
سألته سهر بريبة: انت وقفت هنا ليه…؟
زفر بقوة ناظرا إليها بوجه عابس وهو يهبط منها قائلاً بجمود مختصر: إنزلي من سكات.
ترجلت منها بناء على أوامره… وبعد أن أتم إغلاق باب السيارة خلفها جيداً…. جذبها من يدها قابضاً عليها بقبضته القوية…. يجرها معه كأنها طفلة صغيرة بجانب والدها.
فتح أمامها باب إحدى الشقق في الطابق الثالث قائلاً بلهجة ساخرة: إدخلي يا عروسة برجلك اليمين…..!!!
تجمدت ساقي سهر في مكانها وعينيها تحجرت على التحديق بفتحي الذي امتلىء وجهه بالسخرية ممزوجة ببعض الغضب، بدأ قلبها كأنه سيختنق ويتوقف عن النبض نهائياً.
غير مستوعبة ما يحدث أمامها من مهزلة تريد الخروج منها بسرعة، طال الصمت الذي يكون قبل العاصفة التي تأتي وتجتاح كل شيء أمامها… لا تفرق بين رخيص وغالي.
كاد يلتصق بها فتحي يتطلع إلى وجهها المصدوم قائلاً بتهكم: هتفضلي واقفة كده كتير يا عروسة…. بدأ صدرها في العلو والهبوط بسرعةً مخيفة حتى أن فتحي بدأ يقلق من صمتها ومنظرها الذي يوحي بوجود الكثير…. من الاستغراب والذهول.
قائلة بصوتٍ مخنوق: تقصد إيه بكلامك ده..؟ دنى من وجهها قائلاً بعبث: أقصد إن مبروك عليكِ أنا يا عروستي الحلوه…!!!
جف حلقها من أثر صدمتها الغير متوقعة…. ولم تعد قدميها قادرة على حملها والوقوف كثيراً هكذا أمامه، جاءت لتتحدث وجدت صوتها محبوساً داخل حنجرتها كأن أحدهم قد وضع عليها حجراً ثقيلاً لا تستيطع حمله…. ولا تقوى على التحدث بسببه.
تمعن فتحي بمحياها الممتقع ، مستكملاً حديثه الساخر: إيه مالك مصدومــ….. قاطعته سهر بالإغماء وبداية سقوطها على الأرض، لحق بها سريعاً فأغشي عليها بين ذراعيه.
حملها بقوة وضمها إلى صدره وأدخلها إلى الشقة مغلقاً الباب خلفه، وضعها برفق على أريكة موجوده بالردهة.
أسرع فتحي إلى غرفة أخرى جانبية وأتى بزجاجة من العطر، اقترب منها يحاول افاقتها من غيبوبتها تلك…. 
نظر إليها بقلق قائلاً بتوتر: سهر…. سهر فوقي ما أنتِ كان لازم تعرفي الحقيقة… وأخذ يقربها من أنفها ويتحسس بكفه الآخر يدها كي تستيقظ.
طال عليه الوقت ولم تعد كما كانت، فقام بالاتصال على طبيبها المختص…. فطمأنه قائلاً: متقلقش أنا جاي حالاً بس اديني العنوان الجديد.
قبض على شعرها بقوة مفاجئة مقترباً من وجهها أكثر قائلاً بغضب غامض: لسه متخلقتش اللي ترفض البوص…. انطقي هتاخدي كام.
انهمرت دموع الخوف والألم من عيونها غزيرة هذه المرة…. لا تعرف بأي شيء تجيبه.
قائلة بمرارة: حرام عليك سيبني انا عمري ما عملت حاجه حرام في حياتي.
لم يرد عليها كأنه لم يسمعها قط انما زاد من قسوة قبضته حتى صرخت باستسلام قائلة بوجع: خلاص هبيع….. هبيع بس  بالحلال ومش عايزه فلوس منك خالص.
اتسعت عيونه الواسعة ناظرا لها بدقة… متمعناً في عيونها المذعورة قائلاً بشك ساخر: بالحلال إزاي يا حلوه…. قولي متخافيش… أنا سامعك.
أغمضت أهدابها بحزن شديد رغماً عنها غير قادرة على إجابة سؤاله بسهولة…. وهي تواجه بصره الذي يتفقد ويتمعن بعيونها بقوة غير آبه لمشاعرها.
غير مستوعبة أيضاً أنها ستفكر بهذه الطريقة في يومٍ من الأيام قائلة بخفوت مرير: نتجوز…..!!! 
رمقها سليم بأعين متسعة من شدة ذهوله غير مصدق أن هذه البلهاء تطلب منه هو بالذات الزواج الذي يمقته كثيراً، لذلك سألها بعبث تهكمي: بتقولي إيه يا حلوه…؟
انهمرت دموع الضعف من عيونها التي ذبلت في هذه الفترة، قائلة باختناق: قلت نتجوز في الحلال أحسن.
ضحك البوص مستهزءاً بها مشيحاً بيده أمام وجهها قائلاً باستخفاف: النصابة عايزة تتجوزني أنا، جيبتي منين الذكاء ده ها.
شعرت برخصها في هذه اللحظة أكثر من ذي قبل قائلة بتوتر حزين: أنا عُمري ما هعمل حاجه حرام مهما عملت فيا، علشان كده قلت نتجوز على سنة الله ورسوله.
تجهم وجهه بغتةً ناقماً عليها قائلاً بخشونة: مين قالك يا قطة اني بتاع جواز، هيه بالكتير تبقي معايا كام يوم لغاية ما أرميكي بمزاجي، وتبقي زي الخدامة تحت رجليه فاهمة.
هبطت دموعها أكثر كشلال المياه في سط أعشاب خضراء لا تقدر قيمة وجوده، قائلة بنبرة ضعيفة: أنا مش زي ما بتظن افهمني بقى أنا مش كده.
أمسكها بعنف من فكها فجأة حتى صرخت برعب قائلاً بغضب: انتِ لازم تفهمي انتِ وقعتي في إيد مين، أنا البوص اللي عمري ما تستعصي عليه واحده زيك.
حاولت التخلص من قبضته القوية قائلة بألم: ابعد عني… ابعد عني، أنا أهون عليا أموت نفسي عن إن أكون ليك في الحرام.
لم يرق لحالها أبداً بل شدد قبضته حول فكها حتى انها شعرت أنه سينتزعه من مكانه…. تعالت صرخاتها باكية دون التحدث من قسوة الألم.
قائلاً بعصبية: اسمعيني كويس في الكلمتين دول، أنا مش بتاع جواز سامعاني كويس، أما انك هتعملي عليا شريفة فأمثالك ميضحكوش عليا وانتي أصلاً تلائيكي مش بنت.
وقعت كلمته الأخيرة عليها كالصاعقة، كيف يقول لها ذلك، كيف استطاع نطقها هكذا بعدم ضمير يذكر…. يالها من كلمةً قاسية لا تقوى على ترتديها حتى بينها وبين نفسها.
نزعت رأسها بقوة من قبضته…. شاعرةً بإهانة عظيمة بداخلها كاجرح غائر من خنجر سام في كبريائها،  قائلة بوجع: أنا مش محتاجه إني أدافع عن نفسي لان أنا واثقة في نفسي وفي شرفي كويس أوي، ومن فضلك بقى سيبني في حالي.
ظنت أنه سينفعل لكن ملامحه الغاضبة لانت فجأة… لا تعرف لماذا ظهر الغموض على محياه قائلاً بهدوء شديد: حاضر هسيبك يا ملوكة قلبي….. بعد الخطبة العظيمة اللي قولتيها دي خليكِ تفرحي بيها شوية.
دقق عاصي النظر إلى محياها بهيام دون أن تنتبه إلى المعنى الحقيقي لنظراته إليها.
رافعاً وجهها إليه برقة بأنامله قائلاً بخفوت:- مبروك يا فريدة هتدخلي كلية هندسة.
ابتسمت له إبتسامة جذابة سحرته… شاعراً بدقات قلبه التي توترت بغتةً ثم ألقت بنفسها على صدره بتلقائية قائلة بعفوية: بحبك أوي يا أبيه.
تفاجىء عاصي بفعلتها فانتفض قلبه بقوة كأن تيار كهربائي مسه فأبعدها سريعاً عنه بعنف، هاتفاً بها بحدة: تاني مرة ما تعمليش كده، ويالا اطلعي على اوضتك بسرعة من قدامي بدل ما أذيكي.
اتسعت عيونها بذهول صادم متسائلة لماذا فعل ذلك، فمنذ أن كانت صغيرة، كانت ترتمي بين ذراعيه عندما تكون حزينة أو خائفة من شيء ما.
كانت تجد حضنه الدافىء ملاذها في دنيا أبقتها وحيدة رغماً عنها، لمعت حدقتيها بالعبرات… فصرخ بها بغتةً: واقفة عندك بتعملي إيه… قلت اطلعي على اوضتك…
هرولت نحو الدرج تحاول أن لا تظهر هذا الضعف والحزن الذي انتباها في ثواني من تأثيره المرعب عليها هامسة لنفسها بعذاب: أنا السبب…. أنا السبب.
أخرجها من هذه الذكريات التي لا تعرف إذا كانت أليمه أم لا صوت طرقاتٍ على الباب.
فقالت بشرود: اتفضلي ادخلي يا دادة، ولجت إلى الداخل مبتسمة قائلة بحنان: يعني منزلتيش تحت النهاردة من بعد الفطار.
ابتسمت لها قائلة: أبداً قاعدة بذاكر طالما مروحتش الكلية النهاردة، تنهدت زينب قائلة: ربنا يوفقك يابنتي… البشمهندس قرب يييجي أعمل حسابك في الغدا معاه ولا لأ.
كانت سترفض الغداء معه لكن تذكرت عصبيته عندما لم يجدها تتناوله معه فقالت بهدوء مفتعل: أيوه اعملي ولما ييجي أنا هكون خلصت اللي ورايا.
تركتها زينب إلى شرود ذهنا متذكرة ملك التي اتصلت بها مرةً واحده قائلة لنفسها بقلق: يا ترى عامله إيه دلوقتي يا ملك… قلقانه أوي عليكِ ونفسي أقول لأبيه عاصي بس خايفة يحصلك حاجه…. بسبب معرفته.
تنفست بعمق لمتابعة مذاكرتها تحاول انشغال نفسها بشيء يفيدها أكثر من الشرود بكل هذه المشكلات التي تمر بها.
دخل مدير مكتب عاصي قائلاً بهدوء: البشمهندسة نهال عايزة تقابل حضرتك…. اومأ برأسه قائلاً بجمود: خليها تتفضل.
دخلت عليه نهال بوجه بشوش ما لبث أن تحول لعبوس، عندما وجدته يحدق بها باللامبالاة قائلة بضيق: يعني من يوم ما كانت معاك الآنسه فريدة وانت مش بترد على تليفوناتي.
ضم شفتيه بقوة قائلاً باختصار: خير فيه حاجه تانية، هزت رأسها بضيق قائلة: مفيش بس احنا كنا بنتقابل كتير.
صمت يفكر كيف ينهي هذا الجدال الذي لا فائدة منه قائلاً بحدة مكتومة: أظن ان مقابلتنا كانت بسبب الشغل وبس، مفيش حاجه تانيه تخلينا نتقابل.
اقتربت منه بجرأة تريد وضع يدها على شعره لكنه أسرع بابعادها عنه قائلاً بجمود: بشمهندسة نهال اتفضلي اقعدك مكانك وكون انك ملغيتيش العقد بسبب اللي حصل في الحفلة ده ميدكيش الحق انك تتجرأي عليا كإننا اصحاب من زمان.
تذمرت قائلة بحنق: أومال احنا إيه ممكن أفهم، زفر بضيق قائلاً بغضب: اللي بينا شغل وبس وأي حاجه تانية موجودة بتفكيرك ده يبقى من نسج خيالك انتِ.
نهضت من مكانها غاضبة قائلة بسخط: انت فكرني بلقح نفسي عليك ولا إيه…؟
ابتسم عاصي ساخراً ولم يجيبها حتى لا يحرجها أكثر من ذلك، فقالت هي بضيق: التصاميم تكون جاهزة خلال الأسبوع ده علشان المشروع ابتدى من يومين.
اومأ برأسه قائلاً باختصار حاد: كلها تلات أيام وباقي التصاميم هبعهاتلك كلها مع المهندس جمال.
تناولت حقيبتها بحنق قائلة بغيظ: وأنا هكون بانتظارها عن إذنك، غادرته تاركة وراءها قلباً مليئاً بالغضب من كل ما يمر به في الآونه الأخيرة.
انصرف عاصي في نفس ميعاده المعتاد ومر بمركز الشرطة القريب من مكتبه الهندسي، مقدماً بلاغاً عن اختفاء شقيقته ملك بعد أن فقد الأمل في العثور عليها بنفسه.
عاد إلى المنزل شاعراً بارهاق نتيجة بحثه البائس عن شقيقته، بعدما جهزت زينب له الطعام، جلس يتناوله متسائلاً عن فريدة فقالت له: هتنزل دلوقتي على طول.
غفت ملك قليلاً على المقعد التي مازالت مقيدة به، بعد إرهاقها من التحدث مع البوص، وعت لنفسها ببطء متذكرة كل ما مر بها اليوم، تلفتت حولها علها تجد انتصار، تساعدها على فك هذه القيود أو إعطاؤها بعض الماء فقد جف حلقها كثيراً.
وجدتها تخرج من المطبخ وبيدها فنجان قهوة، تتجه به إلى مكتب سليم، أشارت لها بيدها المقيدة بأن تقترب منها لكن انتصار تجاهلتها خوفاً منه.
اغمضت أهدابها بيأس لا تقوى على التفكير أبداً، فاقتراحها عليه بالزواج هو من أجبرها على قول ذلك، فكيف تقبل على نفسها أن تعيش معه بالحرام.
أهون عليها أن تقتل نفسها بدلاً أن تقع في شباكه المحرمه، استمعت إلى صوت أقدام… ظنته هو لكنها كانت الخادمة… نادتها هذه المرة بصوتٍ خفيض.
إلتفتت ناحيتها مترددة فأشارت لها بأن تقترب منها لكن انتصار، تجمدت قدميها وعينيها زائغة بين باب مكتبه، وبين ملك.
رجتها بعيونها بأن تقترب، بالفعل نفذت رغبتها وأقبلت نحوها بتوتر…. تحدثت إليها بصوتٍ قلق: نعم في حاجه اتكلمي بسرعة لتقطعي عيشي من هنا.
هزت رأسها سريعاً قائلة بخفوت: ساعديني أرجوكي على إني أهرب من هنا بالليل.
اتسعت عيونها قائلة بصدمة: استحاله يا آنسه ملك أقدر اعملها، أنا هنا خدامة وبس، انتِ عايزاه يموتني.
ابتلعت ملك ريقها بصعوبة فهي تعرف أنها سترفض، ورغم ذلك كذبت نفسها مضطرة إلى فعلها علها تستطيع مساعدتها.
قائلة بنبرة منخفضة: طب ممكن تناوليني كوباية مايه، رق قلبها لها فوجهها الشاحب يدل على عطشها وشفتيها أيضاً التي بهتت وجفت من عدم الطعام واضح عليها هذا الأمر.
قائلة بلطف: حاضر بس بسرعة هجبلك المايه وهدخل المطبخ تاني قبل ما أي حد يلمحني.
اومأت برأسها شاكرة لها…. ناولتها كوب الماء فاهتز بيدها جراء القيود حول مرفقيها، فقالت لها بحنان: هساعدك أنا… ارتشفت بيد انتصار بعض الماء، أثناء ذلك لمحت ملك هاتف الخادمة في جيب تنورتها.
كانت تنحني عليها لتسقيها…. فاقتربت منها قليلاً على حسب ما استطاعت، ورفعت يديها ببطء، ساحبه الهاتف من جيبها بحذر.
خبأته بيدها بسرعة، قائلة بلهفة: شكراً يا انتصار آسفه تعبتك معايا، هزت رأسها قائلة بود: ولا يهمك مفيش تعب ولا حاجه ومتزعليش مني وقدري ظروفي.
اومأت برأسها مبتسمة… وتركتها وحيدة من جديد، زفرت بعمق متمسكة بالهاتف على أمل أن تتصل بفريدة تفعل شيئاً لتنقذها.
لكن متى ستتحدث إليها، فهو جالس برفقة ابراهيم داخل مكتبه، ومن الممكن أن يسمعها بوضوح ويشك بأمرها أكثر.
في داخل مكتب سليم الأنصاري، يتحدث إلى ابراهيم بعد أن هاتفه فتحي منذ قليل…. قائلاً بهدوء: خلاص يا ابراهيم اعمل زي ما قلتلك وان حصل أي حاجه جديدة هبلغك.
نهض من مكانه قائلاً: تمام يا بوص، عاد بظهره في المقعد متذكراً تلك الحمقاء التي بالخارج، التي تدعي الشرف والأدب وهي التي جاءت لتتجسس عليه وتنقل أخباره أولاً بأول إلى أدهم الصاوي.
قائلاً لنفسه بضيق: الغبية فاكرة نفسها هتضحك عليا أنا، مثلت عليا دور الخرسا البريئة بس كان جوايا شك إن مش معقول واحده بالجمال ده تكون كده…. لكن قلبي طلع احساسه صح، وكان شكِ في محله.
ابتسم بخبث ساخر متحدثاً في نفسه: بكره تشوفي غبائك هيوصلك لغاية فين يا ملوكه.
أفاقت سهر بعد انصراف الطبيب بقليل، وبدأت تتململ على الفراش… فتحت عيونها ببطء فوجدت نفسها بمكان لا تعرفه، فشهقت برعب.
كان فتحي يتابعها ببصره، فتلاقت عيونهم…. نهضت بسرعة تتأمل المكان حولها بقلق ملفت للنظر قائلة بخوف: هوا إيه اللي حصلي…. وإيه اللي جابني هنا.
زفر فتحي متابعاً لكل حركة تأتي على فعلها…متذكراً أنه نقلها من الردهة إلى غرفة النوم قبل مجيء الطبيب.
قائلاً بجمود: متقلقيش انتِ موجودة بأوضتك…. هتفت به بحيرة قائلة باستنكار: لا مش اوضتي… دي اوضة مين، بدأ الغضب ينتابه من اصرارها على لسانها الحاد الذي يمقته بها قائلاً بنفاذ صبر غاضب: دي اوضتنا أنا وأنتِ.
تحجر بصرها على محياه بصدمةٍ كبيرة لاتعرف ماذا تقول، غير مستوعبه ما تفوه به، قائلة باضطراب عصبي: لا لا لا مستحيل إنت بتقول إيه.
حاول تمالك أعصابه الثائرة كما أخبره الطبيب قائلاً بانفعال مكتوم: بقول اللي سمعتيه يا هانم ، دي اوضتنا يا عروسة.
هزت رأسها بعنف وهي تحاول النهوض من فوق الفراش قائلة باعتراض: أنا استحاله اتجوزك ولا أقعد معاك في مكان واحد.
 منعها من النهوض بإمساكه من ذراعها مجلساً إياها بالقرب منه بإصرار، متمعناً في وجهها الرافض كُلياً لما أبلغه بها قائلاً  بجمود: مفيش حاجه اسمها مش هتتجوزيني لانك خلاص بقيتي مراتي من أكتر من اسبوعين.
فغر فاهها بذهول عارم وهي تتأمله بدهشة قائلة بصدمة أشد: أنا مراتك من أكتر من اسبوعين…. إيه الكلام الفارغ ده… وإزاي سليم يوافق على حاجه زي دي من غير ما ياخد رأيي.
هنا ابتسم ساخراً وهو يقترب من وجهها هامساً بخبث: ده سليم نفسه اللي جايب المأذون، اشتعلت نظراتها كالجمر جاذبة ذراعها من قبضته.
قائلة بعصبية: هوه إيه ده هوه انا خلاص بقيت لعبه في إيديكم انتم الأتنين، مش من حقكم تعملوا فيا كده ومن غير ما أعرف.
زفر بانفعال مدققاً في معنى كلماتها جيداً قائلاً بخشونة: اسمعيني كويس يا سهر، انتِ خلاص بقيتي مراتي وملكي أنا غصب عنك، وسيبك من الكلام اللي مبقالوش صنف العازه ده….. وجبتك هنا النهاردة علشان كان لازم تعرفي وترضي بالأمر الواقع.
انهارت أعصابها بشدة عندما أدركت من حديثه إليها أنه فات الأوان في قول رأيها بل أدركت أيضاً بأنها لا حول لها ولا قوة…. مسلوبة الأرادة.
رفعت عيونها الزائغة إليه قائلة بضعف: لا كتر خيرك بصراحة، جاي تبلغني بعد ما خلاص كل حاجه انتهت مش كده.
تجاهل فتحي كلماتها يريد إنهاء هذا الموقف بشتى الطرق، تنفس بعمق قائلاً بهدوء ظاهري: انتِ لازم تاكلي دلوقتي الأكل ده، علشان تاخدي علاجك.
صرخت به بوهن قائلة: مش عايزه آكل ولا عايزه علاج، امشي اطلع بره أنا بكرهك ومش طايقاك ولا طايقة أسمع صوتك.
لاحظ عليها أنها بدأت بالإنهيار العصبي مرةً أخرى، فحاول أن يضبط أعصابه بقوة حتى لا ينفعل عليها أكثر من ذلك وتنتكس حالتها من جديد.
قائلاً بجمود: حاضر هسيبك دلوقتي بس لازم تهدي وتاكلي وتاخدي كل العلاج ده.
حدقت به بنظرات متجمدة كأنها خالية من الحياة، ثم إلتفتت إلى الصينية التي على القرب من فراشها وبجوارها العلاج.
وبعنف مدت يديها نحوهما وأزاحتهما بكل قوتها على الأرض هاتفة بانهيار غاضب: قلتلك مش هاكل ولا هاخد علاج… أنا تعبت…. تعبت.
جحظت عيونه الواسعة لما فعلته مسرعاً نحوها بتلقائية، وضمها بقوة بين ذراعيه قائلاً بقلق حقيقي: خلاص إهدي أهم حاجه دلوقتي….
انهارت على صدره تحاول دفعه بعيداً عنها بأي طريقة، لكنها لم تستطع وشدد قبضته عليها أكثر من ذلك قائلاً بصرامة: مش هبعد عنك مهما تعملي.
بكت بشدة على صدره، ترتعد بين ذراعيه قائلة بصوتٍ مرتعش: تعبانه أوي يا فتحي تعبانه، تنهد وهو يربت على ظهرها قائلاً بتوتر هذه المرة: منا علشان كده بقولك اهدي ومتخافيش أنا جنبك.
زاد نحيبها على قميصه بعد أن وجدت أنه لا مفر من الاستسلام له، في هذه اللحظات الحرجه من حياتها بعد أن تخلى عنها الجميع.
تراخى جسدها بين ذراعيه فحملها بارتباك ومددها على الفراش، يضمها بحنان يعتريه لاول مرة منذ أن رآها بعد سنوات طوال مل من عدها….
فقد شعر بوحدتها هذه اللحظة بعد احساسها بالخزي وتخلي والدها عنها بعدما تركها، أراد أن يخبرها بطريقة غير مباشرة أنه لن يتركها مهما فعلت…. فهي تحتاجه في حياتها أكثر من أي وقتٍ مضى. 
مر سليم من أمام ملك الموجودة بالردهة، مقيده في مقعدها دون يعيرها أدنى اهتمام، حمدت ربها على ذلك.
بعد أن اطمأنت أنه خرج من الفيلا، امسكت بالهاتف، وقامت بالأتصال على ابنة عمها الوحيدة، بعد قليل استجابت فريدة في الرد عليها بلهفة.
قائلة بقلق: إذيك يا ملك طمنيني بسرعة عليكِ، بكت بصوتٍ خفيض قائلة ببلوعة: تعبانة أوي يا فريدة يا رتني ما هربت من أبيه عاصي.
تمالكت الأولى اعصابها قائلة بقلق: طب ماهو كده لازم يعرف علشان يحاول ينقذك، ده مش ساكت وراح قسم الشرطة النهاردة وعمل بلاغ بغيابك.
قطبت ملك حاجبيها بشدة قائلة باضطراب: لا يا فريدة اوعي ده ممكن كده يخلصوا عليه وعليا إن عرفوا، ياريته مبلغش الشرطة ربنا يستر من اللي هيحصل لو شم بس خبر بكده.
زفرت بقوة قائلة: هوا مين ده اللي يقدر يعمل كده، وكمان ماهو لازم يعرف علشان يتصرف، يعني عايزاه يتخلى عنك يا ملك… توترت أعصابها حائرة لا تعرف السبيل إلى الأجابة على تساؤلها.
قائلة بضعف: غصب عني يا فريدة، أنا دلوقتي في موقف صعب انا اللي حطيت نفسي فيه ولازم اتحمل لوحدي العواقب… 
وضعت فريدة يدها على جبهتها تقطع الغرفة إياباً وذهاباً في لوعة قائلة بقلق: طب قوليلي هما بيعاملوكي ازاي ولا مكانك فين يمكن أقدر اتصرف.
انتحبت قائلة بضعف: أنا بكلمك من ورا الكل، ومربوطة بحبل علشان… علشان… قاطعتها فريدة بيأس قائلة بلهفة: علشان إيه اتكلمي.
أغمضت عيونها قائلة بنبرة مرتجفة: بقى عايز…. عايز… جسمــ… لم تستطع استكمال جملتها وأغلقت الخط.
هتفت الأخرى بقلق: ملك…. ملك… ردي عليا يا ملك حرام عليكِ، كادت أن تخفي الهاتف قبل ان تراها الخادمة، سقط تحت قدميها بجوار المقعد على الأرض.
اختلج قلبها بقوة عندما شعرت بأحدهم قادم نحوها ولم تتبين بعد من يكون، لكنها فوجئت أنه ليس سواه يتحدث بالهاتف، ويقترب منها بخطى ثابتة.
حاولت الأنحناء نحو الأرض كي تأتي به لكن كيف، لم تفلح محاولاتها إلا بالفشل، اقترب منها البوص، وهو مازال يتحدث مع أحدهم.
قائلاً بجمود: بس جهزلي كل اللي قلتلك عليه بسرعة، كانت ترمقه بذعر من طرف خفي من اكتشافه للهاتف، فتكون حياتها مهددة أكثر.
أغلق هاتفه واقترب منها مقطباً لجبينه من هذا الأرتباك المفاجىء والتوتر الملحوظ على محياها، قائلاً بسخرية: إيه مالك كده مش على بعضك ليه…. حاسس إن وراكِ مصيبة جديدة كده لسه معرفهاش.
ابتلعت ريقها بصعوبة، تتحاشى النظر إليه تريده أن يمل منها وينصرف، قائلة لنفسها باضطراب: شكله مش هيمشي إلا لما يكشفني يارب ساعدني.
وضع انامله تحت ذقنها يلفت وجهها إلى مجابهته من جديد، قائلاً ببطء: معقول تكوني بتخافي مني للدرجادي يا ملوكة قلبي.
تواجه كلا من بصرهما تريد إلهاؤه عن الهاتف، قائلة بخفوت: أنا… أنا تعبت… وعايزاك تفكلي الحبل.
انحنى نحوها أكثر مبتسماً ابتسامة جذابة جعلتها ترتبك أكثر من ذي قبل قائلاً بخبث: طب مش لسه شوية على إني أفكها.
شعرت بأنه سيسمع صوت دقات قلبها المتسارعة إذا ظل هكذا على هذا الوضع القريب… لهذا أسرعت تقول بتردد: أرجوك… أنا فعلاً تعبت وعايزاك تفكلي الحبل.
رفع حاجبه بغموض قائلاً بمكر: أنا موافق بشرط لازم تفكري في كلامي وعرضي عليكِ النهاردة كويس أوي، علشان نتفق يا جميل.
ولم يمهلها الوقت للتحدث مرةً أخرى بل فك الحبل من حول معصمها ببطء متعمد، شعرت بالراحة قليلاً بعد أن تراخى الحبل، وأخذت تدلك كل منهما بعد إحمرار المكان بشدة.
لاحظ سليم آثار ذلك على معصميها، فقرر إمساك يدها لكنها سحبتها من قبضته بذعر قائلة بفزع: خلاص أنا إيديه بقت كويسه.
هز رأسه بوجه تعابيره خاويه من أي شيء، وبدأ يدنو قليلاً لإحلال الحبل من قدميها لكنها أسرعت تقول بلهفة: لا متشكرة أوي أنا هفكه لوحدي.
قبل أن يجيبها رن هاتفه من جديد، فتطلع إليها بصمت فقالت بتردد: رد على تليفونك، كأن سليم لم ينتبه لرنينه إلا عندما تفوهت بذلك.
اعتدل بوقفته وابتعد عنها في الحال، ليجيب هاتفه في غرفته بالأعلى، تنهدت بارتياح هذه المرة وأسرعت في فك الحبل من حول قدميها قبل أن يلاحظها أحد آخر.
أمسكت الهاتف وركضت نحو المطبخ لتعيده إلى صاحبته، رأتها الخادمة فتعجبت من وقوفها وهي التي كانت منذ قليل لا حول لها ولا قوة.
اذدردت ملك لعابها قائلة: ممكن كوباية مايه تانية بعد إذنك، أتت لها الخادمة بالماء، ارتشفته بلهفة فقد كانت تحتاج إليه بعدما حدث منذ قليل.
عادت إلى غرفتها بالأعلى تريد الجلوس لوحدها بعيداً عن كل شيء يحدث معها…. تذكرت رنينها الأخير قبل عودتها للهاتف في مكانه، على شخص ما تمنت سماع صوته لكن هاتفه ظل نطاق عدم الخدمة.
لمعت عيونها عندئذٍ قائلة بوهن: كان أبيه عاصي عنده حق، وأنا بس لوحدي اللي كنت غلطانة… وضعت كفيها على وجهها وأجهشت ببكاء مرير، جعل قلبها يئن مرةً أخرى.
ركضت إلى المرحاض تحاول عدم التفكير في أي شيء آخر، سوى نفسها وكيف ستتخلص من ورطتها وشروطه الذي املاها عليها.
في اليوم التالي بعد الغداء كان قد أتى البوص من عمله بعد أن اكتشف شيئاً ما من أدهم الصاوي جعله يصر على محاربته من جديد.
دلف إلى مكتبه قائلاً بغلظة: شكلك نسيت أنا مين يا أدهم…. قاطعه صوت طرقات على الباب فقال بجمود: تعالي يا انتصار… اقتربت منه قائلة بتردد: أنا جهزت لحضرتك الأكل.
زفر بضيق قائلاً بعبوس: مش هتغدى دلوقتي أجليه لبعدين، اضطربت أكثر قائلة بتوتر: طب… طب… يا بوص أنا أخويا الصغير تعبان وكنت محتاجه منك أجازة النهاردة وبكرة…. لو سمحت يعني.
ظنت أنه سيرفض لكنه على العكس وافق سريعاً على عكس عادته قائلاً: تقدري تمشي من دلوقتي.
تهلل وجهها بالسعادة قائلة: متشكرة أوي يا بوص…. بس الغدا مين اللي هيحضره، ابتسم بخبث قائلاً بغموض: امشي انتِ دلوقتي متشغليش بالك.
غادرت المكان بسرعة، ووقف هو مفكراً قائلاً بعبث: شكل اللعب معاكي يا ملوكه هياخد شكل تاني خالص.
هبطت ملك من أعلى الدرج تشعر بعدم ارتياح لما أبلغتها به انتصار قبل مغادرتها الفيلا… اقتربت من مكتبه تؤخر قدم وتتردد بقدمها الأخرى، هامسة لنفسها بخوف: يا ترى في إيه ولا يكون اللي في بالي صح ربنا يستر.
وقفت أمام الباب مذعوره من الطرق عليه، لكنه كان أسرع منها إذ وجدته يقف أمامها بكامل أناقته المعتادة قائلاً بتهكم: قلت افتحلك أنا الباب مادام مكسوفه تتدخلي.
لم يُعطيها الفرصة للهرب من أمامه، بل سحبها من يدها وأدخلها صافقاً خلفها الباب…. تجمدت يدها في قبضته وأسرعت بجذبها كأنها لدغتها عقربة.
تأملها البوص بنظراتٍ لم تفهمها كعادته معها…. جف حلقها شاعرةً بغصة في حلقها أخرستها بالفعل.
اقترب أكثر من وجهها ليبث الرعب في قلبها… فابتلقائية تحولت نظراتها الزائغة إلى فزع مميت.
عندما رفع سليم أحد حاجبيه بسخرية هامساً بنظراته قبل لسانه قائلاً بنعومة ماكرة:- حد قالك قبل كده إنك متبصلوش بطريقتك دي…
ازدردت لعابها بصعوبة وقلبها ينبض بقوة على إثر نبرات صوته الناعمة.
ابتعدت خطوة إلى الوراء حتى لا يلتصق بها فتعثرت بالمقعد خلفها… فسقطت جالساً عليه.
انحنى سليم نحوها وهو يحجزها بذراعيه حتى لا تفر منه هاربة كما فعلتها من قبل… مستندا إلى مسندي المقعد.
هامساً بعبث:- دايما كده يا ملوكه تقعي بالوقت المناسب مرة في حضني ومرة على الكرسي… شكل كده عجبك الموضوع يا ملوكه…. 
احمر وجهها من تأثيره عليها واختلج قلبها بقوة قائلة لنفسها بذعر:- آه بينه يوم مش معدي النهاردة على خير… ده تاني مرة أقع كده وهوه ما بيصدق.
حاولت أن تتمالك نفسها وتظاهرات أمامه بعكس ما تشعر به من هلع وقلق من تفحصه لها بهذا الشكل.
ضيق سليم عينيه مردفاً:- لأ وإيه حظك حلو مفيش غيرنا هنا أنا وأنتِ وبس…. في الفيلا.
شهقت بريبة من تهديده الخبيث… وضربات قلبها تصرخ بهلع قائلة بقلق شديد: إنت عايز مني إيه ابعد عني.
ارتفع حاجبيه مستهزءاً بها…. يتمسك بخصلة من خصلات شعرها بأنامله قائلاً بلهجة يشوبها الوقاحة: معقوله مش عارفه يا أموره انا عايز إيه.
اتسعت عيونها أكثر برهبة عظيمة… وودت لو تصرخ بأعلى صوتها تستغيث… 
حثها على النطق قائلاً بمكر: إنتِ مش شايفه إننا بنضيع وقتنا… أكتب من اللازم.
حاولت النهوض بعد أن أدركت نيته الجريئة المملوءة بالوقاحة نحوها.
قائلة بذعر: أنا لازم أطلع على اوضتي…. جاءت لتنهض أجلستها قبضته مثبتاً إياها عليه.
قائلاً ببطء عابث: متستعجليش هنطلع سوا…. صرخ قلبها هذه اللحظة كصوت سارينة سيارة الإسعاف… ولم تقوى على النطق.
اعتلى الغموض مرة أخرى على محياه الوسيم مخرجاً سلاحه من غمده…. ملصقاً إياه في وجنتها بتهديد واضح قائلاً بنبرة حادة: مفيش خروج من هنا غير لما تمضي بإيدك الحلوه دي على الورقتين دول يا عروسة.
اتسعت عيونها بصدمةٍ قوية جعلتها على الإقتراب من الإغماء عليها هذه المرة…. قائلة بهلع: مش معقول ورقتين جواز عرفي….!!!
يتبع..
لقراءة الفصل الخامس عشر : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية المؤامرة للكاتبة منة محسن

‫5 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى