روايات

رواية وما ادراك بالعشق الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم مريم محمد غريب

رواية وما ادراك بالعشق الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم مريم محمد غريب

رواية وما ادراك بالعشق الجزء الحادي والعشرون

رواية وما ادراك بالعشق البارت الحادي والعشرون

رواية وما ادراك بالعشق الحلقة الحادية والعشرون

الفصل الحادي و العشرون _ وعدتكِ _ :
قبل أربعة و خمسون عامًا …
إنها ليلة مميزة.. ذكرى ميلادها.. بعد سويعاتٍ قليلة سوف تتم الثانية عشر من عمرها ..
من هي ؟
إنها أكثر الفتيات حظًا.. أكثرهن جمالًا.. أعلاهن شأنًا و مقامًا ..
إنها “فريال عثمان المهدي”.. ابنة “عثمان باشا المهدي”.. رجلٌ في العقد الخامس من عمره.. سياسيًا و دبلوماسيًا تركيًا.. شغل عدة مناصب دبلوماسية في القنصليات و السفارات التركية كما عمل في عدة مناصب وزارية بحكومة الدولة ..
من المعروف أن”فريال” هي الفتاة الوحيدة التي أنجبها الباشا بعد ميلاد أخيها البِكر بخمس سنوات.. و إنها أيضًا المقرّبة لأبيها و مُدللته الوحيدة.. هي فقط من تحظى بعطف و حنان الرجل الصلب القاسٍ مع الجميع.. إلا معها هي.. يتحول من جبارٍ إلى حملٍ وديع.. و لا يرد لها طلبًا مطلقًا ..
فوق هذا كله لم يكن سحر “فريال” حِكرًا على أبيها فقط.. بل إن الجميع قد أغرموا بها.. لا أحد بإمكانه مقاومتها.. لا رجال و لا نساء و لا حتى تلك الحيوانات الأليفة التي ترعاها بالمنزل و قد رضخ والدها لطلبها بتبني أكثر كائناتٍ يبغضها.. و هي الهِررة.. غير ذلك كان الجرو اختيار لا بأس به و لم يمانع إنضمامه إلى المنزل ..
كانت رقيقة كالنسمة.. كانت هِبة و غنيمة لأسرتها.. و كانت تُشكل هوسًا للجميع.. كانت حالة فريدة و خاصة جدًا.. و لم تعلم الصغيرة منذ البداية بأن كل يميّزها ما هو إلا لعنات حاقت بها بمرور السنين.. لعنات قد نالت منها و دمرتها عن آخرها …
-دوم جانن كوتلو أولسن تاتلم ( عيد ميلاد سعيد يا حلوتي ) !
أشرق وجه “فريال” بابتسامةٍ كبيرة و هي ترمق هدية أبيها بسعادةٍ.. و قد كانت عبارة عن مُهرة أصيلة أبدت اعجابًا بها خلال نزهتها الأخيرة بنادي السبق للخيول ..
عاودت النظر إلى الأب الخمسيني ذو الشارب المنبعج.. و ارتمت بين أحضانه مُهللة :
-ساول بابا ( شكرًا بابا ).. سيني جارچـكتان سيفيوروم ( أنا أحبك كثيرًا ).
قهقه “عثمان” بوقاره المعهود و هو يربّت على كتف صغيرته.. و سحبها لتجلس فوق قدمه ساحبًا غليونه من فمه.. ضمها إلى صدره بحنانٍ و هو يقول بصوته القوي بلغته الأم :
-لا يوجد شيء لا أستطيع تقديمه لأميرتي الصغيرة.. هل ترين هذا القصر و من فيه ؟ إنه ملكًا لكِ بالكامل.. و أيّ شيء تريدينه.
رمقت “فريال” أبيها مبتسمة و هي تقول بسجيتها الطفولية :
-ألم تخبرني بأننا سنذهب إلى مصر لأجل تولّيك المنصب الجديد ؟ كيف تهديني القصر و ما هي فائدته عندما أغادر !؟
رفع حاجبه قائلًا :
-هل تظنين بأننا سنذهب إلى الأبد يا عزيزتي.. حتمًا سنعود.. إن هي إلا بضعة سنوات قليلة و نرجع إلى الوطن.. هنا حياتك.. هنا عائلتك.. هنا بيت أبيكِ.. ثم إنكِ لن تفارقينني أبدًا هل فهمتِ ؟
-حقًا يا أبي ؟ أتساءل ماذا ستفعل عندما يأتي رجلًا ما و يطلبها للزواج !
ارتفعت نظرات الأب و الإبنة لتقابل نظرات “إركان”.. الأخ الأكبر لفتاة عيد الميلاد الفاتنة ..
كان صبيًا يافعًا.. يبلغ من العمر سبعة عشر عامًا.. لكنه كبير الحجم مقارنة بسنّه الصغير.. إذ بدا كشاب مراهق بطوله الفارع و وجهه الوسيم الذي نما على صدغيه لحيةٍ خفيفة شقراء كلون شعره الناعم متوسط الطول.. كان يشبه شقيقته إلى حدٍ ما.. لكنها تفوقه جاذبية مُهلكة …
-فريال لن تتزوج إركان.. لن أسمح لأيّ مخلوق بانتزاعها منّي !
أومأ “إركان” موافقًا على كلمات أبيه و قال بصوتٍ أجش و هو يحدق بأخته :
-إن بدّلت رأيك في المستقبل أو وافقت هي على الاقتران بأيّ رجل فأنا لن أوافق أبدًا.. المجنون الذي سيحاول أن يقترب منها فهو حتمًا ينتحر.. لأنّي سأقتله بيديّ هاتين !!
ضحك “عثمان” بانطلاقٍ مجاريًا مزحة إبنه.. و لكن تلك المزحة لم تلقى الصدى ذاته لدى “فريال”.. بل ساورها الخوف و هي تحدق بعينيّ أخيها و بابتسامته الباردة.. إنها عادةً لا تخاف منه.. بل و تحبه كثيرًا مثل حبها لوالدها.. و لكنه مؤخرًا بات يتصرّف بغرابة.. يُشدد حِصاره عليها و قد تحوّلت حمايته لها إلى خِناقٍ يؤرقها ..
يُلازمها في كل مكانٍ.. رغم إن هذا لم يكن يزعجها بالماضي.. إنها حتى لم تنفصل عنه في المبيت.. منذ نعومة أظافرها و هي تتشارك معه نفس الغرفة.. و بالرغم من وجود سريران إلا إنه يُفضل مشاركتها سريرها معبرًا بهذا عن عمق تعلّقه بأخته ..
لا تُنكر إنها بدأت تنفر من هذا التقارب.. و لكنها لا تستطيع الاعتراض.. أو بمعنى أصح.. لا تعرف كيف !!
-فريال أمي تبحث عنكِ ! .. قالها “إركان” بصوتٍ لطيف موليًا أخته نظراته الدقيقة
رمشت “فريال” بأهدابها الطويلة مرارًا و قالت :
-سأذهب لها حالًا.. و لكن ..
و نظرت إلى أبيها قائلة :
-أريد أن آخذ مُهرتي إلى الحظيرة أولًا.
مسح “عثمان” على شعرها بحنوٍ قائلًا :
-بالطبع يا حبيبتي ! .. و نظر إلى إبنه مكملًا :
-إركان رافق أختك إلى الحظيرة و أحرص على ألا تتأذى.. سأخرج الآن لأنجز عملًا ما و لكنّي لن أغيب.. سأعود بسرعة.. هيا خذها.
أطاع الصبي أمر والده مادًا يده إلى شقيقته.. نزلت “فريال” عن قدم أبيها و أمسك بيد شقيقها الذي رفعها على ذراعها ليجعلها تمتطي السرج فوق ظهر المُهرة الصغيرة ..
أمسك باللجام و قطع الحديقة سيرًا وصولًا إلى الحظيرة القصية خلف المنزل.. أدخل المُهرة إلى مقصورتها الخاصة و أخذ يربّت على رأسها و هو ينظر إلى أخته و يسألها بهدوء :
-هل أخترتِ لها أسمًا بعد ؟
أماءت له “فريال” قائلة :
-أجل.. سمّيتها حرير.
رفع “إركان” حاجبه مرددًا :
-حرير !؟
-لأنها جميلة و ناعمة مثل الحرير.
-صدقيني مهما بلغ الجمال في نظرتك لأيّ شيء فلن يُضاهي جمالك يا قطتي الحلوة.. تعالي إليَّ !
و مد ذراعيه نحوها لينزلها عن صهوة المُهرة.. ألقت “فريال” بنفسها دون ترددٍ بين ذراعيّ أخيها القويتين.. منتظرة أن يوقفها على قدميها خلال ثانيتان.. و لكن هذا لم يحدث ..
و أبقى عليها بين أحضانه لفترةٍ.. لم يُفلتها.. فأدارت وجهها و نظرت له باستغرابٍ …
-إركان ! .. تمتمت الصغيرة بإجفالٍ خاصةً عندما رأت تلك اللمعة الغريبة بعينيه
-لقد كبرتِ يا فريال !! .. قالها “إركان” مبهورًا و هو يزيد من تشديد ذراعيه حولها
و سرعان ما أحسّت “فريال” بخطبٍ ما بأخيها.. حاولت أن تدفع كتفيه لتبعده عنها قليلًا.. لكن هذا كان مستحيلًا إذ كان يتشبث بها بقوة لا قِبل لها بدرئها ..
تسارعت أنفاسها على إثر محاولات الإفلات منه عبثًا و قالت بتوترٍ شديد :
-إركان.. أفلتني.. يجب أن أذهب لماما !!
إركان من بين أسنانه :
-بل يجب أن تكوني معي أنا.. سأعلّمك هذا يا فريال.. سأعلّمك كيف تكوني معي.. لأنكِ ستكونين هكذا لبقيّة حياتك.. معي أنا.. ملكي أنا.. أنا فقط !!!
شهقت الصغيرة بذعرٍ كبير عندما دار بها مقتحمًا مقصورة فارغة.. أغلق الباب و طرحها أرضًا فوق كومة من القشّ.. أصدرت “فريال” آهة متألمة و هي تتطلّع بنظرات مراعبة إلى أخيها.. تستند إلى مرفقيها و هي لا تكف عن الارتجاف ..
بعد كل هذا تأمل لو إنه يلاعبها.. لو أن هذه كلها مجرد دعابة ثقيلة من دعاباته حيث كثيرًا ما يستمتع برؤيتها تُعاني و تبكي.. و من ثم يعمد إلى مصالحتها و كأن شيئًا لم يكن ..
و بل فعل كانت دموعها تجري الآن بدعمٍ منها حتى تحقق له مبتغاه و يتركها.. لكنه لم يفعل.. بقى واقفًا بمكانه.. ينظر إليها بتفرسٍ و قد علقت عيناه على فخذها المكشوف حيث ارتفع ثوبها القطني الرقيق و تهدّل فوق كتفيها أيضًا ..
إلا إنها لم تشعر بأيّ شيء.. كان كل ما يشغلها هو كيف ستخرج من هنا …
-إ.. إر. إركان ! .. تعلثمت “فريال” بنطق اسمه :
-أريد ماما !!
ركز عينيه بعينيها الآن و هو يرد عليها بخشونةٍ :
-و أنا أريدكِ.. و أريدكِ أن تريدينني أنا لا ماما.. و لا أيّ مخلوقًا غيري.. أستطيع منحكِ كل ما تريدين يا فريال.. أستطيع أن أعتني بكِ.. فما أعوزكِ لغيري ؟
ابتلعت ريقها بصعوبةٍ و قالت بخوفٍ واضح :
-إركان.. أنت تخيفني.. ماذا تريد ؟ دعني أذهب يتعيّن أن أتجهز من أجل حفلتي !
لم يبدو إنه يصغي إليها.. رأته يخلع كنزته من رأسه.. و هذا المنظر رغم إنه مـألوف و كثيرًا ما تراه يفعل ذلك.. لكنها الآن هابته و ذعرت بشدة …
-ماذا تفعل !!؟؟ .. هتفت بهلعٍ و حاولت القيام
لكنه سرعان ما جثم فوقها مكبلًا معصميها الصغيرين بيدٍ.. و بيده الطليقة ثبّتها أسفله جيدًا نازلًا بثقله عليها …
-لن تخبري والدينا بهذا.. هل سمعتِ ؟
شخصت ببصرها محملقة فيه بصدمة قوية.. لا تعرف على ماذا ينوي أو ماذا يقصد.. لكن حدسها يؤكد لها بأنها سيقترف جريمة.. جريمة شنعاء.. نكراء !!!
إنعقد لسانها من هول ما يحدث.. خاصةً حين شعرت بلمسات يده في كل مكانٍ بجسمها.. أخيها.. يلمسها بجرأةٍ.. بوقاحة.. يقحم يده بأماكنٍ حسّاسة و يهمهم منتشيًا بما يفعل :
-اللعنة.. أنتِ كبرتِ حقًا.. صرتِ أنثى حقيقية.. أنثاي أنا.. هل تعرفين كم تمنيتُ هذا ؟ أن تكوني قريبة مني إلى هذا الحد ؟ أتحرّق من نظرات الجميع إليكِ.. أرى لهفتهم عليكِ و طمعهم فيكِ.. أود لو أخبئك عن أنظارهم و آخذك لنفسي.. أنا أحبك.. بل أنا مهووسًا بكِ يا فريال.. يا قرّة عيني و روحي.. أحبك ..
فاضت دموعها و هي تشعر بالعجز و النفور الشديد مِمّا يحدث.. و لكنها غير قادرة على الصد أو المقاومة.. و قد عرّاها و تعرّى بدوره ..
تعالت شهقاتها و هي تغرق بقبلاته التي أعيتها و أثارت غثيانها.. قبلات غريبة.. رطبة.. ساخنة.. أجهشت ببكاءٍ مباغت.. و خرج صوتها متوّسلًا منتحبًا :
-إركااان.. كارديشم ( أخي ).. بيني كوركتّون ( أنت تخيفني ).. يتااار ( يكفي ) …
و فجأة انطلقت صرخة مدوية من فمها.. ما لبث أن قمعها مكممًا فاها بكفه.. غطى صهيل الخيل على صراخها.. بينما تشعر بضغطٍ مميت.. و اقتحامٍ لحصنها الضعيف.. تتخبّط و تصرخ ملء حنجرتها حتى انجرحت أحبالها الصوتية.. الألم لا يُطاق.. ألم متواصل و متزايد أحسّت و كأنها تحتضر معه.. عذابٌ خُيّل إليها بأنه لن ينتهي ..
لكنه انتهى.. بعد دقائق قليلة حسبتها دهرًا.. هدأ أخيرًا بعد أن ثار محققًا رغبته الشاذة و أتم اعتدائه الحيواني عليها ..
هو.. أخيها.. هو نفسه مغتصبها.. قاتل براءتها.. قاتلها …
-فريـال ! .. ناداها بصوتٍ مكتوم
لم تستوعب أيّ شيء في البادئ.. و لم تلاحظه عندما انسحب و تركها ليرتدي ثيابه.. كانت مثبتة ناظريها بالسقيفة الخشبية.. و كأنها قطعة من حجر.. لا حياة فيها ..
ما دبّ بقلبه الرعب و جعله ينتفض ممسكًا بكتفيها.. يهزها بقوة صائحًا :
-فريـاااال.. هل تسمعينني ؟ هيا أنظري إليَّ.. لقد أنتهى.. أعدكِ لن أكرر هذا مرةً أخرى.. حبيبتي.. أفتحي عيناكِ.. فريـاااال !!!!
سحبت شهيقًا عميقًا في هذه اللحظة.. و كأنها بالنزع الأخير.. أدركت الواقع من جديد فجزعت ما أن رأته.. صرخت و هي تحاول الابتعاد عنه باكية :
-دوكونمـااااا ( لا تلمسني ).. دوكونمــااااااا ( لا تلمسني ) …
رفع كفّاه و هو يقول مهدئًا إيّاها :
-تمام ( حسنًا ).. سادچي ساكين أشكم ساكين ( فقط إهدئي يا حبيبتي إهدئي ).. سانا زارار ڤار ميچام ( أنا لن أؤذيكِ ) …
أحقًا يسخر منها هكذا ؟
ألن يؤذيها ؟ .. ماذا فعل للتو إذن ؟ .. إنها حتى لا تعرف ماذا فعل بها …
-تعالي.. سأساعدك على النهوض !
ضربت يده بعصبيةٍ و هي تنتفض في رفضٍ صارخ له.. أذعن لرغبتها و راقبها و هي تعاود ارتداء ثوبها الذي انحسر كله حول خصرها.. ثم تحاملت على نفسها و قامت واقفة ..
ترنّحت قليلًا لثوانٍ.. و بقيت مطرقة الرأس أمامه.. دموعها تتساقط في صمتٍ.. و لا تحرّك ساكنًا حتى يبتعد عن طريقها تمامًا …
**
انتهت السيدة “جهان” من تجهيز نفسها و صارت على استعدادٍ تام.. لم يتبقّى سوى ساعتان على الأقل و يبدأ الضيوف بالتوافد إلى المنزل.. تأنقت كعادتها و بدت شديدة الجمال.. بشقرتها المميزة و رقتها المعهودة ..
توجهت إلى غرفة ابنتها و دلفت دون استئذانٍ هاتفة :
-فريال.. أين أنتِ ؟ لن أتساهل معكِ إذا رأيتكِ كما تركتـ آ ا ..
و بترت عبارتها فجأةً.. لتتسمر بمكانها مصدومة و هي تحملق بابنتها المنسدحة فوق سريرها ترتعش و تكتم صوت بكائها في وسادتها.. و.. ما هذا ؟
ما أين أتت بقعة النزيف هذه على ذيل ثوبها !؟؟؟
-فريـاااااااال !!!! .. صرخت “جهان” ملتاعة
و هبّت راكضة نحو فتاتها.. أمسكت بها و قلبتها بين يديها و هي تقول من بين أنفاسها :
-فريال.. صغيرتي.. ما بكِ ؟ تكلّمي.. أنظري إليَّ.. فريال ..
و لم تتمالك نفسها أكثر.. فحصتها بنفسها.. لتفغر فاها بصدمةٍ أشدّ و تتجمّد للحظاتٍ.. قبل أن تمسك بها مرةً أخرى صائحة :
-ماذا حدث ؟ فرياااال.. ما الذي حدث لكِ ؟ من فعل بكِ هذا ؟ فريـااااال !!!
فتحت الفتاة عينيها على وسعهما محدقة بأمها.. و أجابت بصوتٍ مرتعش ملؤه الخوف :
-إ.. إر.. إركـان !
لم تبدي “جهان” ردة فعلٍ.. لم يستطع عقلها معالجة الإجابة التي تلقّاها.. أجفلت و هي تواصل سؤالها مجددًا :
-من.. من فعل بكِ هذا يا صغيرتي ؟؟
كررت “فريال” نفس الإجابة بمرارةٍ باكية :
-آبيم ( أخي ).. إركـان !!
هذا مستحيل.. مستحيل.. و لا تصدقه.. حتمًا غير صحيح.. هناك تفسيرٌ آخر.. هذا مستحيل …
-إركــاااااااااااااااااااااااااان !!!!!!
ملأ صراخ “جهان” باسمه جنابات المنزل …
في غضون دقيقتان كان يقف قبالتها بغرفة أخته.. و غرفته في نفس الوقت.. “فريال” تبكي بالخلفية متكوّمة على نفسها بآخر الفراش.. عينيّ أخيها لا تفارقانها بينما تحرقه نظرات أمه و هي تصيح به :
-ماذا فعلت بأختك ؟ جاوبني.. هل ما قالته صحيح ؟ إركـااان.. ماذا صنعت بهـا تكلّـم !؟؟؟؟
-أنا أحبها ! .. نطق “إركان” أخيرًا و نقل ناظريه لأمه
نظر إلى عينيها المتسعتين من الصدمة و تابع بصوتٍ أجش كلماته المريضة :
-فريال ليست أختي.. إنها حبيبتي.. أقتليني يا أمي.. أحرقيني لا أبدّل كلمة واحدة من كلامي.. أنا أحبها !!
-صـوووووص ( أخرس ) !!! .. صرخت و هي تهوى على صدغه بصفعةٍ عنيفة
ثم هجمت عليه ضاربة إيّاه بجماع قبضتيها و هي لا تنفك عن الصراخ :
-الله بيلاني ڤارسن ( لعنة الله عليك ).. الله بيلاني ڤارسن ( لعنة الله عليك ) …
**
لم تمضي الليلة بعد.. الليلة العصيبة و الأشدّ حزنًا و كربًا بحياتها القصيرة.. و إلى المدى الأبدي أيضًا ..
غابت أمها في الخارج مع أخيها.. تركتها وحدها بالغرفة.. لا تكف عن البكاء.. إلى أن عادت “جهان” بعد نصف ساعة تقريبًا.. هرعت نحو صغيرتها و ضمتها إلى صدرها بشدة ..
أخذت تهدئها لهنيهةٍ.. ثم أبعدتها لتتمكن من النظر إليها جيدًا.. و قالت و قد استحال تعبير وجهها لصارمةٍ مخيفة :
-فريال.. لن تقولي شيئًا.. سمعتِ ؟ أبيكِ لن يعرف بهذا.. لن تقولي له عن الذي فعله بكِ إركان.. إذا عرف سيقتله و يقتلكِ.. هل تسمعينني ؟؟
نظرت لها “فريال” عبر دموعها الساخنة.. و قد نجحت “جهان” بالتأثير عليها.. أومأت لها الصغيرة دون أن تفه بكلمةٍ.. لتفرج “جهان” عن تنهيدة حارة من صدرها.. و تعاود ضم صغيرتها إلى أحضانها من جديد و هي تطمأنها :
-لا تخافي يا حبيبتي.. لا تخافي أنا معك.. إركان لن يطول مكوثه معنا.. سأرسله من هنا.. لن أسمح له بالاقتراب منكِ ما دمتُ حيّة.. أنا أعدكِ يا ابنتي.. أعدكِ !!
____________________________
الوقت الحاضر …
-مامـي !
استجابت “فريال” من أول نداء.. أزاحت جفنيها بتثاقلٍ.. لترى ابنتها تطلّ عليها مبتسمة ..
بالكاد ردت لها الابتسامة.. لتربت “صفيّة” على كتف أمها و هي تقول بلطفٍ مشيرة إلى النافذة البيضاوية بجوارها :
-يلا يا ماما فوّقي كده.. خلاص وصلنا.. عشر دقايق بالظبط و هاننزل مطار إسطنبول !

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وما ادراك بالعشق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى