روايات

رواية وسام الفؤاد الفصل العشرون 20 بقلم آية السيد

رواية وسام الفؤاد الفصل العشرون 20 بقلم آية السيد

رواية وسام الفؤاد الجزء العشرون

رواية وسام الفؤاد البارت العشرون

رواية وسام الفؤاد الحلقة العشرون

“سديل! فين نقابك؟”
بدلت سديل نظرها بين أحمد ومريم وبين ما وقع من يدها للتو، ولم تحرك ساكنًا وكأن قدميها ثُبتت بالأرض فلم تفر من أمامه ولم تعد تتحكم في أوصالها فلم ترفع يدها لتخفي وجهها كرد فعل طبيعي ومتوقع، لكنها ظلت واقفه تُحدق به بصدمه وهو يحدق بها بشدوه، لكزت مريم أحمد بذراعه وقالت بضجر:
-إنت بتبص فين إنت كمان!
تسارعت أنفاس سديل وأخذت تبرر وتشرح ما حدث، أشارت لرأسها ثم قالت بصوت مرتعش:
-أصل أنا كنت مصدعه و… وخلعت النقاب ودورت عليه ملقتهوش… طنط قالتلي محدش فوق و…!!
تلعثمت وأطرقت رأسها لأسفل واخذت تفرك يدها بارتباك، فابتسم أحمد وهو يتأملها وقال هامسًا لمريم:
-بسكوته أوي… هو فيه كده؟
لكزته مريم بقـ. وة في صدره فتأوه ونظر لها بنزق، فحذرته بعينها ليتوقف عن التحديق بالفتاة، زمت شفتيها وقالت له بتبرم:
-اتلم وامشي..
ألقى أحمد نظرة أخرى لسديل وابتسم ثم نزل الدرج دون أن يعقب، قالت مريم:
-تعالي يا سديل… دا أحمد أخويا
برقت عيني سديل بالدموع فأخفضتها وانحنت تلملم ما وقع منها أرضًا بيدها المرتجفة، وهي تقول بخفوت:
-أنا هلم الحاجات إلي على الأرض وهمشي عشان أروح أصلي التراويح في المسجد
-طيب تعالي بس اهدي وبعدين…
قاطعتها سديل بهدوء يناقض داخلها:
-لأ عشان ألحق الصلاة
ظلت مريم تتابع حركتها المتوتره إلى أن نهضت وقالت بإعتذار:
-مكنش ينفع أطلع من غير نقابي… أنا آسفه على الموقف ده
-دا انا إلي بعتذرلك على الموقف المحرج ده
-أنا إلي غلطانه
قالت تلك الجملة ونزلت الدرج بأعين دامعة، دخلت شقتها ووقفت أمام المرآة لكنها لم ترَ انعكاس صورتها بل رأت صورته وحالته وهو يُطالع ملامح وجهها بتفحص ويُحدق بتفاصيل وجهها، أغلقت عينيها وهزت رأسها بعنـ ف تريد طرد صورته من عقلها، جففت دموعها في سرعة ثم ارتدت نقابها وخرجت لتؤدي الصلاه في المسجد علها تنسى ذاك الموقف للابد! لا تعلم بأنه قد بدأ ابتلائها وعذاب قلبها…
************
على جانب أخر
أقبل أحمد نحوهم بحالة غير التي كان عليها قبل أن يغادرهم، كان شاردًا ينظر إليهم ولا يرى إلا ملامحها ولا يدوي في أذنه غير كلماتها المرتعشة وصوتها الناعم الهادئ.
هو الذي لم يفتح قلبه لأي فتاة غير بطلات الروايات الذين لا حصر لهن، أليس هو من يكره النقاب والمنتقبات؟! لمَ يشعر بأنه يريد أن يخبئها عن الأعين، يتمنى لو لم يرى ذاك الجمال والنعومة سواه..
“يلا يا أحمد عشان نلحق الصلاة”
قالها محمود وهو يحثه على إسراع الخطى، أومأ أحمد رأسه وأقبل نحوهم بخطى واسعة وهو يحاول.طرد تلك الفاتنة من رأسه…
_______________________
وبعد الإنتهاء من الصلاة خرجت فرح من المسجد وجلست على الدرج لتربط حذائها، فقد لحقت بالفتيات لأداء صلاة التراويح التي لم تخلو من تحديق النساء لهن وسؤالهن عن هويتهن وحالتهن الإجتماعية “هل هن متزوجات أم ماذا؟”
تحدثت وسام بنزق وهي تنظر لفرح:
-خلصي يختي هتقعدي تربطي في الكوتشي طول الليل؟
نهضت فرح وبدلت نظرها بينهن وهي تتنهد قائلة بابتسامة عريضة:
-خلصت
وأثناء الطريق قالت سديل بإعجاب:
-الشيخ إلي صلى الشفع والوتر ده صوته فظيع
رحيل بتأكيد:
-صوته روعه حسسني إني في الحرم
وقفت فرح أمامهن وقالت بابتسامة:
-إيه رأيكم نشتري شيبسي ونروح نشوف هنتابع مسلسل ايه السنه دي وناكله واحنا بنتفرج؟
سديل بنزق:
-مسلسل ايه يا جماعه! رمضان مش للمسلسلات رمضان شهر عبادة وطاعه… والله أنا كسديل بحب المسلسلات والروايات وربنا يتوب عليا منهم بس في رمضان بقاطع كل حاجه عشان أتفرغ للعباده وللقرآن
وسام بابتسامة:
-إنتِ عسل يا سديل… خلاص يا ستي مش هنسمع مسلسلات بس نشتري شيبسي ونقعد مع بعض نرغي شويه؟
رحيل: أنا معاكم وأكيد سديل موافقه
سديل بابتسامه: أكيد موافقه طلما هتجيبولي شيبسي…
وبعد شراء الشيبسي وغيره من المسليات جلسن أمام البيت بتبادلن الحديث، عدلت سديل من نقابها وقالت بتردد:
-بنات… عاوزه أحكيلكم موقف حصلي من شويه بس من غير تريقه
حدقن بها دون أن تنبس إحداهن بكلمة فأردفت سديل بنزق:
-متبصوليش كده بتوتر…
أشاحت فرح وجهها للإتجاه الأخر وقالت بسخرية:
-خلاص يا جماعه دوروا وشكم الناحيه التانيه عشان سديل هتتكلم
ضحكن فعقبت سديل:
-طيب مش هحكي طلما بتتريقوا من اولها
مسكت وسام يد سديل وقالت برجاء:
-لأ لا احكي خلاص بقا يا فرح اسكتي.. إحنا ما صدقنا ابو الهول نطق وهتتكلم معانا
أشاىت سديل لنفسها وقالت بتبرم وتعجب: أنا أبو الهول؟!
رحيل: بس بقا يا جماعه احكي يا دودو بجد محدش هيتريق
تنحنحت سديل وابتلعت ريقها لتبلل حلقها الجاف ثم قالت:
-فاكرين لما كنا في المطبخ وخلعت النقاب عشان مصدعه
ردتا وسام ورحيل بنفس الصوت:
-أيوه
سديل: طنط شاهيناز قالتلي مفيش رجاله ومحدش جاي وروحي طلعي الشاي والكنافه لمريم!
واكلت فرح شريحة من الشيبسي وقالت بضجر:
-وبعدين
تلعثمت سديل وأكملت:
-و… وأنا طلعت لأني مكنتش لاقيه النقاب
ابتلعت باقي الكلام وترددت أن تلفظه ران عليها الصمت فنظرن لها بتعجب وقالت فرح بنزق:
-بس كده!!!
سديل بارتباك:
-لأ… ما أنا لسه هكمل… طلعت لمريم وضـ ربت الجرس… وأنا من غير نقاب!
صمتت مجددًا ونظرن لها فأردفت:
-واحد فتحلي راجل يعني فصرخت ووقعت الأكل من إيدي
عقدت وسام بين حاجبيها ومالت بجزعها العلوي نحوها ثم سألتها:
-واحد! واحد مين ده؟ نوح ولا فؤاد ولا مين؟
تلعثمت وقالت:
-هـ… هي قالتلي ده أحمد أخويا
شهقت وسام وقالت بذهول:
-أحمد! أحمد شافك؟
نهضت فرح واقفة قبالة سديل وقالت:
-لا استنوا أحمد مين؟
وسام: يا بت أحمد أخو محمود
فرح بتشدق:
-محمود ده إلي رحيل بتحبه صح؟
هبت رحيل واقفة وقالت بامتعاض:
-اتلمي يا فرح ايه إلي رحيل بتحبه ده؟!
ابتسمت فرح وقالت باستفزاز:
-هو أنا قولت حاجه غلط! ما إنتِ فعلًا بتحبيه!
وقفت رحيل ودبدبت إحدى قدميها بعصبية قائلة:
-تصدقوا أنا غلطانه.. والله ما أنا قاعده معاكم
ألقت الشيبسي بوجه وسام مردفة:
-وخدوا الشيبسي أهوه مش عايزه حاجه
وقفت وسام وأكلت واحده من الشيبسيوالخاص برحيل وهي تقول:
-الله وأنا مالي يا لمبي… بس الشيبسي بتاعها طعمه حلو
أكلت فرح واحده من الكيس وقالت: تصدقي فعلًا
رمقتهما سديل بنظرة جانبيه فوجدتهما يضيقان أعينهما ويحدقان بها فهبت واقفه وقالت بخوف مصطنع:
-إيه نظرة ريا وسكينه دي؟
نظرت لاختها التي تعدو مبتعدة عنهن وهرولت خلفها وهي تقول:
-لوتفي استنى يا لوتفي
انفـ جرتا وسام وفرح بالضحك وقالت فرح:
-قصة حب جديدة؟!
وسام:
-المنتقبه وال….. وال إيه؟
حكت فرح رأسها بتفكير وهي تقول:
-المنتقبه وال… والأحمد المنتقبه والأحمد
ضـ ربتا كفيهما ببعضهما بضحك ودخلتا للبيت مع أكياس الشيبسي…
_________________________
وفي الحديقه اجتمعت العائله تحت المظلة يجلسون على الأرض، يلتفون على شكل دائرة ويتبادلون الحديث
وكان أحمد يجلس مع مريم في ركنٍ بعيد نسبيًا، سألته مريم:
“إيه بقا حكاية قناتك على اليوتيوب!”
أخرج الهاتف من جيبه ووضعه نصب أعينها وهو يقول:
-استني هفرجك
وبعد جولة على تطبيق اليوتيوب هتفت مريم بإعجاب:
-الله يا أحمد روعه انا فخوره بيك أوي… إنت لازم تسجل القرآن كله…
-ناوي على كده إن شاء الله… عارفه العيال أصحابي شغالين شير يعني في يوم واحد القناه بقا فيها ١٠٠٠ مشترك والبيدج ١٥٠٠ متابع
-بدايه مبشره يا ميدو ربنا يوفقك
تنحنح أحمد وحك أنفه قائلًا بخبث:
-هاتي بقا موبايلك أعمل لنفسي لايكات والذي منه
-خد أنا هطلع أنام لأني مرهقه أوي وابقي اديه لنوح لما تخلص
-ماشي يا مريوم تصبحي على خير
استأذنت مريم من الجميع وانصرفت، وابتسم أحمد بمكر وهو يقلب بهاتفها حتى أخذ كل ما أراد، ناداه يوسف:
-قاعد لوحدك ليه يا شيخ أحمد تعالى هنا دا أنا فرحان بيك… مكنتش أعرف إنك موهوب كده
أقبل نحوهم وهو يقول:
-لعلمك بقا يا دكتور أنا موهوب قوي بس مش لاقي إلي ياخد بإيدي
نوح بابتسامة:
-صوتك جميل يا أحمد وقراءتك حلوه لو نعرف كده كنا خلناك تصلي بينا التراويح كامله مش بس الشفع والوتر
الجد: طيب إيه رأيك تيجي تصلي بينا بكره؟
أحمد بابتسامة: موافق طبعًا
الجد: خلاص يبقا تفطروا معانا بكره ونصلي التروايح وبعدين نشوف موضوع القاعده ده
محمود بإحراج: لأ مفيش داعي للفطار إحنا…
قاطعة الجد بإصرار: من غير اعتراض يا حضرة الظابط
ثم نظر ليوسف الذي يجلس مقابله وقال:
-إنت كمان يا دكتور يوسف تفطروا عندنا بكره
يوسف بمرح:
-طيب وفرح معزومه ولا مجيبهاش؟
شاهيناز بابتسامة:
-لأ دي مش محتاجه عزومه
نهض فؤاد واقفًا وقال:
-هجيب مايه وأجي
غادر فؤاد فرأى وسام وهي تدخل للبيت تتأبط ذراع فرح وعندما انتبهت له توقف وغمز لها قبل أن يدخل للبيت فابتسمت وتركت يد فرح مهرولة خلفه، مرت الليلة التي لم تخلو من نظرات مختلسة تشع حبًا، أما رحيل فلم يستطع محمود أن يتحدث معها فلا يريد احراجها بينهم بكفيه النظرات التي تروي الكثير…
________________________
في الواحدة صباحًا وقف هبه في الشرفة تستند بيدها على سورها، ناظرة للسماء تتأمل هلال رمضان والنجوم المتناثرة من حوله وتسبح الله، تنفست بعمق وأغلقت جفونها لتستمتع بالهواء النقي وتفكر في آصف فقد أعطت قلبها مهلة حتى انتهاء شهر رمضان لتتقبله كزوج وحبيب، لكن لا تدري لمَ يردعها عقله عنه وبشدة إنها تخاف من لوعة الحب والتعلق فلو خُذل قلبها تلك المرة ستموت قهرًا، انتشلها من شرودها دوي صوت هاتفها، تجاهلته أكثر من مرة وعندما أصر الطالب، فتحت الخط ووضعته على أذنها دون أن تنبس بكلمة فتحدث:
-“أنا أيمن يا هبه ولو سمحتي اسمعيني متقفليش”
انتفضت وصاحت بحدة:
-إنت جبت رقمي منين وعايز مني إيه في الوقت ده؟
تحدث بنبرة رخيمة:
-اسمعيني يا هبه… الجوزاه التانيه مبتسعدش حد وأنا مش سعيد ولا إنت ولا حتى جوزك
أطلق تنهيدة طويلة وأردف:
-هبه أنا بحبك ومش قادر أشوفك مع غيري ومتأكد انك بتحبيني… ارجعيلي يا هبه أنا مستنيكِ
لمعت عيناها بالدموع لكنها لن تستسلم له وتضعف أمام كلماته تلك، استجمعت شجاعتها وقالت بحدة:
-أنا ست متجوزه وبحب جوزي وقبل ما أكون بحبه فأنا بحفظ عرضه في السر قبل العلن… لو سمحت متكلمنيش تاني وإلا هقول لجوزي يتصرف معاك!
أغلقت الهاتف وقذفته جانبًا ثم هوت جالسة على الأريكة خلفها ووضعت كفيها على وجهها ثم شهقت باكية وهي تهز عنقها باستنكار وتحدث نفسها بصوت مسموع:
-مبقاش ينفع… اتأخرت… اتأخرت يا أيمن
كان آصف يتابعها ويستمع لكلامها مبتسمًا فكل يوم يزداد إعجابه بها ويدق قلبها هاتفًا بحبها، تردد كثيرًا أن يدخل للشرفة وحين سمع شهقاتها المكتومة هرع إليها انحنى أمامها وقال:
-حتى لو عايزه ترجعيله مش هسيبك تعملي في نفسك كده… دا ميستاهلش دمعه منك
وعلى حين غرة ارتمت بين أحضانه وحاوطت ظهره بذراعيها فشدد في ضمها، قالت من خلف شهقاتها:
-مبحبوش… مبحبوش والله بس صعبان عليا نفسي… صعبان عليا نفسي أوي
مسح على شعرها بحنو وهو يقول بعاطفة:
-أنا بحبك يا هبه… بحبك… والله بحبك
أخرجها من بين ذراعيه ومسح دموعها بأنامله ثم قال مطمئنًا:
-دموعك دي غاليه أوي… حبيبتي أنا جنبك خلاص مبقتش لوحدك صح؟
اومأت رأسها وهي تُطالع عينيه وسالته بترقب:
-صح يعني… إنت مش هتسيبني خالص!
-أسيبك! أسيبك مين دا أنا ما صدقت لقيتك… تحبي أمضيلك شيك على بياض عشان تتطمني
رسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها ونظرت لعمق عينيه وصارحته قائلة:
-أنا نفسي أحبك بس خايفه… خايفة تسيبني وخايفه متكونش بتحبني وبتحاول تسكن جرحك من فراق مراتك
-لا اطمني أنا بحبك… والله والله بحبك وبالنسبه لخوفك أكون بسكن جرحي فاطمني عشان حبك عالج جرحي يا هبه
كانت تتفرس ملامحه وتعبيرات وجهه لتتبين صدقه، فابتسم وأردف:
-سيبي نفسك وحبيني يا هبه متخافيش
اومأت رأسها بشرود وقالت:
-هحاول
غمز لها وابتسم قائلًا:
-اضحكي بقا ولا تحبي أغنيلك يا حلو صبح يا حلو طل
بدأ يغني فضحكت حين تذكرت ذاك اليوم متناسيه حالتها، وشاركها الضحكات فقالت:
-بص عشان منخسرش بعض متغنيش تاني عشان صوتك ده ميتسمعش
جلس جوارها وحاوط كتفيها بذراعه قائلًا:
-ليه بس الإحباط ده يا برتقالي وإن مراتي مسمعتنيش أروح بقا أدور على واحده تانيه تسمعني!
نظرت له بأعين متسعة مررت سبابتها على رقبتها وقالت: عشان أدبـ. ـحك
ابتسم لها قائلًا: عمري ما أبص بره خلاص انتهى
________________________
جلس فؤاد جوارها في الردهه فلم يناما طوال الليل وهما يتحدثان، وياكلان تارة فاكهة وتارة وجبة كاملة، حاول فؤاد إقناعها أن يكون فرحهما بعد العيد، انكمشت ملامحها عندما تخيلت أنه سيرى جسدها المشوه وقالت بحزم:
-لأ طبعًا أنا مش جاهزه خالص وكمان عندي امتحانات
-امتحانات ايه وهما إلي ذاكروا خدوا إيه! يا حببتي أنا مبقتش قادر أستحمل بُعدك
استدارت للإتجاه الأخر وعدلت نظارتها وهي تقول بارتباك:
-بُعد إيه دا إحنا عايشين مع بعض في شقه واحده!
-حتى لو مع بعض في شقه واحده فاحنا لسه بعيد عن بعض.. لسه بينا مسافات وحواجز مش هتختفى إلا لما نتجوز بجد وتبقي في بيتي
استدارت إليه وهزت رأسها بعنـ ف قائلة:
-لا… لا يا فؤاد أنا مش مستعده نفسيًا ولا جسديًا
-إنتِ خايفه من إيه بس؟ صارحيني…
-اصبر عليا يا فؤاد أنا لسه من يومين كنت بقولك إنت زي أخويا!
-طيب يلا نتسحر وننام شويه قبل الفجر ولينا كلام بعدين
أكلت قضمة من الموز بيدها وقالت:
-هو إحنا لسه هنتسحر اعتقد إننا خلصنا الأكل إلي في البيت
هز رأسه نافيًا وقال:
-لا أنا لسه جعان ورايا على المطبخ
اومأت رأسها ودخلا للمطبخ لياكلان فسمعا صوت وهيبة:
-استنى بس يا زيكو إيه إلي طلعك من الأوضه تعالى متخافش مني دا أنا حبيبتك
التفت فؤاد لوسام عاقدًا حاجبيه ومال على أءنها ليسألها:
-هي ستك صاحبه وبتكلم مين دلوقتي؟
خرجا من المطبخ فرآها تنحني وتنظر أسفل الأريكة:
-يا زيكو أخرج من تحت الكنبه ضهري واجعني
فردت ظهرها متأوهه، حين خرج الفأر من أسفل الأريكة وبدأ يركض بأرجاء البيت لحقت به تحاول إدخاله لغرفتها، مسكت وسام ذراع فؤاد وقالت بهلع:
-فـــــار يا فؤاد
ركض فؤاد ليأخذ عصا تنفيض السجاد وقبل أن ينقص على الفأر، لطمت وهيبه وجهها وقالت:
-لأ! متحرمنيش من أكتر واحد بحبه وبيحبني!
دخل الفأر لغرفتها مجددًا فتنفست بارتياح ودخلت خلفه مغلقة الباب بوجههما، نظر فؤاد لوسام التي فغرت فاها بدهشه وقال:
-نفسي أعرف ستك بينها وبين الفئران ايه!
حكت وسام رأسها وانفـ جرت ضاحكة وهي تقول:
-قصة حب..
شاركها الضحك ثم قال:
-اهل الحب صحيح مجانين
_____________________
اعتادت سديل ألا تنام ليل رمضان، تصلي وتقرا القرآن وتذكر الله، فتحت رسائل الماسنجر “تطبيق للتواصل الاجتماعي” فوجدت رساله من فتاة غير موجوده في قائمة أصدقائها، اسمها “رضوى محمد” محتواها: السلام عليكم أنا شوفتك في جروبات دينيه كتير ومن بوستاتك المحترمه نفسي أتعرف عليكِ ونكون أصدقاء ولو عاوزه تتأكدي اني بنت هبعتلك ريكورد نفسي ألاقي حد ياخد بإيدي للطاعه يارب تردي نفسي نكون صحبة صالحة.
ابتسمت وعلى الفور قبلت إضافتها وراسلتها، أرسلت لها الفتاه ريكورد بصوتها وارسلت صورتها وتعارفتا، ظلت سديل تكلمها ما يقرب من ساعاتين وحكت لها تفاصيل كثيره عن حياتها وعن عمها وعن الجلسة العرفية التي ستُقام في الغد، فكتبت سديل:
-القعده دي نتيجتها معروفه هما احتمالين ملهمش تالت أولهم إنهم هيشتمونا وممكن يمدوا أيديهم علينا ويحصل مشكله وخناقه… والتاني إنهم يسكتوا وبعدين ياخدوا حقهم مننا بطريقتهم والله أعلم هيعملوا ايه!
-لا إن شاء الله مش هيحصل كده تفائلي بالخير
-دعواتك… أكيد عاوزه ريكورد بصوتي وصورتي
فراسلتها رضوى بسرعه:
-لأ إوعي تبعتي حاجه
تعجبت سديل لكن زال تعجبها عندما كتبت رضوى:
-أصل أنا أخويا بيمسك موبايلي أخاف يشوفك وإنتِ منتقبه.
اومأت سديل رأسها بتفهم وقبل أن تكتب شيء سألتها رضوى:
-إيه أكتر أنشوده بتحبيها يا ديلا… وتسمحيلي أقولك ديلا عشان متأكده إن محدش هيناديكِ كده غيري
ابتسمت سديل وكتبت:
-جميل أوي اسم ديلا أنا حبيتك والله
الأنشوده إلي بحبها “سبيل الدموع سبيل مريح”
رضوى:
-هسمعها أصل نفسي في أسمع أنشودة تشدني..
ظلا يتحدثان حتى وقت السحور وأغلقت سديل معها على وعد بالكلام.
_____________________
وفي اليوم التالي وقبل الإفطار بما يقرب من نصف ساعة، كان النساء أمام فرن في غرفة بزاوية خلف الحديقة، كان وقوده القش والخشب، يتبادلن الحديث أثناء إعداد الخبز التي تفوح رائحة الطازجة بالأرجاء، نظرت شاهيناز للبنات وقالت:
-قوموا يا بنات حضروا الفطار الوقت سرقنا والقرآن قرأ
نهضن “فرح ووسام ورحيل” وظلت سديل تساعدهن، وقبيل الانتهاء أمرتها شاهيناز:
-قومي يا سديل ساعديهم وخدي العيش ده معاكِ
-حاضر يا طنط
-يحضرلك الخير كله يا عين طنط
ابتسمت سديل وأسدلت نقابها دون تغطية عينيها ثم غادرت تحمل بين يديها صنية من الخبز وثيابها السوداء تخللتها ذرات الدقيق الأبيض.
*********
“سبيل الدموع سبيل مريح تنهد أيا صاح كي تستريح وبث الدعاء الخفي الصريح يسعك الفضاء الرحيب الفسيح”
كان صوته الندي يدوي بأرجاء الحديقه يقف بين الورود يسجل الأنشودة فديو، أعجبها صوته الذي يزداد وضوحه كلما اقتربت فتلك الأنشودة التي تفضلها، كان يوليها ظهره وظلت تُطالعه بتركيز، وتركز بكل كلمة تخرج من فمه بإعجاب أخءت تبطئ من خطواتها حتى يتثنى لها سماع المزيد، وحين انتهى أحمد التفت فتبينت ملامحه، غضت بصرها وأسدلت قطعة أخرى من النقاب لتخفي عينها فأصبحت لا ترى أمامها بوضوح أسرعت خطاها حين علمت أنه انتبه لها فتعثرت قدمها بحجر لم تره فهوت أرضًا منبطحة على وجهها، ووقع الخبز من يدها فركض إليها وهو يردد:
-بسم الله… معلش.. معلش قومي
قامت وهي بقمة إحراجها تمسك ذراعها بألم فقال وهو ينظر أرضًا:
-إنتِ كويسه؟
اومأت رأسها وقالت بخفوت:
-الحمد لله
انحنت لتلملم الخبز فانحنى يساعدها وقال دون النظر لها:
-مش كل ما تشوفيني تتوتري كده وملهاش داعي البيشه إلي نزلتيها على عينك لأني مكنتش هبص عليكِ
هربت الكلمات من رأسها فقالت بتلعثم:
-أنا… مـ… ماشي
ابتسم وهو ينهض ويحمل الخبز عن الأرض ثم قال:
-ماشي
تركته وأسرعت الخطى للداخل فتعثرت قدمها وهي تصعد الدرج وانكبت على وجهها وهي تصرخ بخفوت فصاح من خلفها: يا بنت الحلال شيلي البيشه والله ما هبص
لم تلتفت له وهرولت للداخل فناداها:
-طيب خدي مني العيش طيب
دخلت المطبخ وهي تضع يدها على قلبها وتلهث بقـ وة فنظرن لها بذهول فأشارت للخارج وقالت من خلف أنفاسها العاليه:
-حد يروح يجيب العيش من الراجل إلي بره ده!
__________________
مر الوقت وبعد صلاة التراويح
كانت «رضوى» تطمئنها وكأنها صديقتها مذ زمن طويل، أرسلت لها قناة أحمد على اليوتيوب وكتبت “المنشد ده صوته حلو ودي الأغنيه إلي بتحبيها تابعيه بقا”
ابتسمت سديل وهي تستمع للأنشودة، ثم أرسلت لرضوى:
“أنا عارفه المنشد ده شخصيًا ومواقفي معاه كلها زي الزفت هبقا أحكيلك”
وبعد أن رأت رضوى رسالتها كتبت
-“متقلقيش ما ضاع حق وراءه مُطالب ولو مأخدتيش حقك في الدنيا ربنا هيجيبهولك في الأخره أبشري بالخير”
ورسالة أخرى: “متنسيش تكلميني لما تخلصي”
ابتسمت سديل وكتبت: “قبلت البشرى، هكلمك لما يمشوا ”
أغلقت هاتفها وجلست جوار نساء البيت لتستمع لكلام عمها وأولاده وسالم، صاح عمها بغضب:
“كفايه كلام ملهوش لزمه أنا قولت إلي عندي… ملهومش ورث ولا فلوس… أبوهم واخد حقه وبايع نصيبه والورق إلي بين ايديكم يثبت ده”
أرسل محمود تنهيده طويلة يخرج بها انفعالات فؤاده، فالأوراق سليمة مائة بالمائة، تفحص الأوراق بين يديه مرة أخيرة، ثم نظر لأخيه “أحمد” وهز رأسه بيأس، فاومأ أحمد رأسه متفهمًا وزم شفتيه بضجر من هؤلاء القُساه الذين بلا رأفة ولا رحمة.
عقب “سالم” على كلام عمه:
-إحنا كبرنا للناس وجينا نوضح سوء التفاهم ده…
أردف بحزن مصطنع: البنتين دول بلائنا في الدنيا وسودوا وشنا في البلد..
التقط عمه الكلام من فمه قائلًا:
-ومع ذلك بيتي مفتوح ليهم وأنا قولتلهم بدل المره ألف يجوا يعيشوا وسطنا بس هما دايرين على حل شعرهم لحد ما فضحونا…
قال جملته الأخيره وهو يهز رأسه بتبرم، ظل الجميع يستمع دون أن ينبث أحدهم بكلمة.
هتف سالم بإستنكار وسخرية:
“واحده لابسه النقاب عشان تتخفى وراه والله أعلم بتعمل ايه… ولا التانيه إلي شافوها مره مع شباب في أراضي زراعيه ومره مع واحد في عربية ملاكي وطالعه نازله من شقق لما خلاص اتفضحنا في البلد”
انفعل الجميع أثر اتهاماته وكلماته، واحتقن وجه أحمد بالد**ماء لكن قبل أن يرد نهض الجد واقفًا وقال بصرامة وحدة:
-خلي بالك الكلام ده هتتحاسب عليه
خاف سالم من نظرات الجد الثاقبة وتلعثم قائلًا:
-هـ… هو أنا قولت حاجه دا أهل البلد إلي بيقولوا! وهما إلي شافوهم أنا مالي… حاسبوهم هما..
وهنا استشاط أحمد غضبًا وفارت الد**ماء بعروقه واحمرت عيناه أثر الإنفعال، هب واقفًا وانقض على سالم يمسكه من تلابيبه، ويطـ عنه بسهام نظراته الحادة قائلًا بنبرة مرتفعة:
-وإنت إزاي تسمح لحد يخوض في عرضك… دول عرضك يا بني آدم…
هزه بعـ. نف مردفًا:
-كمان بتردد الكلام بكل بجاحه… يا بجح
تدخل فؤاد ونوح ليفكان تشابكهما ويُجلسان أحمد مجددًا، مال فؤاد جوار أذنه قائلًا:
-اهدي يا أحمد بس لما نشوف أخرهم
ادلهمت نظرات محمود فظل يطرق الأرض بقدمه في سرعة وهو يطالهم دون المشاركة بأي ردة فعل….
******
من ناحية أخرى كانت رحيل تستمع للحوار، استطاعت الربط بين كلامهما ونظرات أهل بلدتها المبهمة، وأيضًا كلمات سائق التوكتوك المبتذله.
أما سديل فربطت أساور الكلام مع كلام صديقتها أمل وبدأت دموعها في السيلان دون نحيب…
انتظرت رحيل لتسمع أي تعليق من محمود، لكنه اطال السكون فاندفعت داخلة للغرفة وأول من نظرت إليه كان محمود الذي يحدق بالأرض دون تعليق، وما أن انتبه لوجودها رفع رأسه يُطالعها بنظرات غامضة لم تفهمها، أشاحت بصرها عنه ونظرت لسالم ثم هدرت به:
-مين دي إلي طالعه نازله من شقق وبروح اراضي زراعيه وبركب ملاكي….
نظرت لعمها وشهقت باكية ثم أشارت لنفسها مردفة بقهر:
-أنا!!! أنا يا عمي! دا بدل ما تقطع لسان إلي قال كده بتخوض في عرضك… دا إحنا شرفنا من شرفك!!!
نظرت للجد وقالت بتبربر:
-انا مركبتش عربية ملاكي إلا مرتين والله يا جدي
أشارت لفؤاد وقالت:
-مره مع الدكتور فؤاد وكان معايا وسام مراته
أعادت النظر لمحمود وأشارت له مردفة بصوت مبحوح:
-والمره التانية كانت مع أخت حضرة الظابط
أكملت بصوت متحشرج وكلمات مختنقة من البكاء:
-وأنا اقسم بالله من كليتي لبيتي لشغلي إلي هو سابقًا كان في سنتر دروس وحاليًا في مطعم الأستاذ هشام ومستعده أحلف على مصحف على كلامي ده
لم تتلقى أي إجابه منهم بل لم تسمع سوى ضحكات سالم الساخرة مع قوله:
–قالوا للحرامي أحلف قال جالك الفرج
انهمرت الدموع من مقلتيها، وباتت قدميها غير قادرة على الإستقامة خارت قواها وكأن هناك من ضـ رب ساقيها فجثت ركبتها على الأرض، وأخذت تردد بهسترية:
– متظلموناش حرام والله… متظلموناش… والله ما عملنا حاجه… والله… والله
لمعت عيني محمود بالدموع وقبل أن يقبل نحوها قام عمها واخذ بيدها لتقوم عن الأرض وقال بحنان زائف:
-اعقلي يا بنتي وتعالوا عيشوا معانا واتجوزوا عيالي وساعتها نقطع لسان إلي قال في حقكم كلمه عفشه
هزت راسها بعـ نف وقالت بنبرة حادة:
-شوف مهما عملت مش هنوافق بعيالك الشمامين دول
صفعها عمها وقال بحده:
-صحيح قليلة الحيه ومشوفتيش تربيه
اندفعت سديل لداخل الغرفه لتضم أختها وهي تبكي، من ناحية أخرى هب محمود واقفًا وضـ رب على المقعد بغضب وأقبل نحو عمها بأعين تشع شرار وهدر به:
-إنت إزاي تمد إيدك عليها؟… بتمد إيدك عليها وإحنا قاعدين!!
العم:
-متدخلش يا حضرة الظابط بنت أخويا وبربيها ومش هسيبها هنا ثانيه واحده يلا إنتِ وهي قدامي
مسك ذراع سديل بعنـ ف فحاولت افلاته منه قائلة:
-إوعى كده سيب إيدي
أحمد بغضب:
-متمدش إيدك عليها وإلا وديني أدفـ نكم هنا
تعالت الهتافات والصرخات وأخذ عمهما يشد رحيل وسديل تسحبها من قبضته حتى خارت قـ وة رحيل ووقعت أرضًا، وهنا جلجلت ضحكات سالم الساخرة المكان وشاركه اولاد عمه اللذان لم ينطقا بجملة واحدة من بداية الجلسة فنطق أحدهم:
-أيوه اتسهوكي واعملي الشويتين إلي احنا متعودين عليهم دول
سندتها سديل وفرح للخارج واشتبك الرجال مع بعضهم، وارتفع صوت سالم:
-سودوا وشنا في البلد بسمعتهم المهببه بنتين شمال وإنتوا مخدوعين فيهم
وحين سمعته سديل تركت أختها بين يدي النساء ودخلت للغرفة مجددًا، دنت من سالم ورفعت سبابتها بوجهه هادرةً به بصوت مبحوح ونبرة صاخبة تنتقص طبيعتها:
-خلي بالك دا قذف محصنات… تقل حسابك كمان عند ربنا يا سالم “إن الذين يرمون المحصنٰت الغفلٰت المؤمنات لعنوا في الدنيا والأخره…” فاهم يعني إيه؟
أطلق سالم ضحكات ساخرة وهو يهز عنقه كالمجنون ويردد باستهزاء:
-آسف يا جماعه مش قادر أمسك نفسي أصل سديل دايمًا بتضحكني.
________________________
من الناحية الأخرى وضعت وسام يدها على أذنها حين سمت دوي ضحكات سالم الساخرة تذكرت تلك الليله، تذكرت كل شيء، وتسارعت أنفاسها، وخصوصًا عندما رمقها بنظرة ساخرة دون أن يلحظه أحد ازدردت ريقها بارتباك وعندما شعرت برجفة جسدها مع سخونته انسحبت من المكان برمته ودخلت لغرفة وهيبة التي كانت تشاهد المسلسل غير عابئة بما يضج بالخارج، جلست وسام على الأرض في وضع القرفصاء تضم ركبتيها لصدرها وترتجف، رمقتها وهيبة سريعًا وعادت تشاهد التلفاز دون أن تعلق، وحين انتهى المسلسل قالت وهيبه:
-هاتي الريمود يا بت ولا شوفيلي مسلسل تاني
لم ترد وسام فنادتها وهيبه مجددًا:
-إنتِ يا بت بناديكِ
نزلت وهيبه من فراشها ونظرت لوجه وسام فوجدت دماء تخرج من أنفها حتى لطخت ملابسها ودموع عينيها تسيل دون نحيب، فهزتها وصاحت صارخة:
-إيه الدم ده؟ إلحـــقــــــوني… الحقــــوني
_______________
وعلى الصعيد الأخر مدت سديل بصرها فرأت أختها ترقد بين النساء ولا تستجيب نظرت لسالم بحدة وصرخت بانهيار:
-إنت شيطان وجبان ومتعرفش ربنا وطول ما إنت كده مش هتعرف تخلف يا سالم ولو لفيت على دكاترة الدنيا كلها
-بــــــــت
قال سالم تلك الكلمة بصراخ وهجم عليها كالمجنون كان أشبه بالثور الهائج تجاهل نظرات وهتافات الجميع وبدأ يضـ ربها بعشوائية انتفض الرجال أثر ما يحدث وتعالت صرخات النساء سحب نوح وفؤاد سالم ووقف أحمد أمامها كحصن منيع هو ينظر لسالم ناويًا على كل خير، زهتف من بين أسنانه:
-بتتشطر على واحده ست… تعالالي بقا وديني ما أنا سايبك
أخذ يلكمه ويضـ. ربه وازداد الهرج وتعالت الأصوات والصرخات، حتى استطاع محمود فك المشاجره والوقوف بوجه أخيه هاتفًا بحده:
-بس… بس يا أحمد هنشتغل بلطجيه ولا إيه؟!
صاح أحمد بنبرة مرتفعة وبغضب:
-إنت مش شايف… ضربوهم الاتنين قدامنا يا محمود…
مسح سالم أثر الد**ماء عن فمه وقال:
-يلا يا عمي أنا غلطان إني سمعت كلامك وجيت
وحين خرج سالم وتبعه عمه وهو ينظر لرحيل وسديل بغضب، فهتفت سديل:
-مش مسمحاكم ليوم الدين
رد عنها بملامح قاسية:
-ربنا ياخدك إنتِ وأختك
مسك محمود ذراع أخيه كي لا يتهور، فصاح أحمد صارخًا:
-هو رايح فين… إنتوا هتسيبوه يمشي… سيبني يا محمود… سيبوني… إنتوا إزاي ساكتين كده هتسيبوهم يمشوا!
محمود بحده:
-بس بقا كفايه… فوق إنت من امته كنت متهور كده… وعهد الله ما هسيبه بس اصبر عليا… كله بالعقل بلاش تهور
_____________________
من ناحية أخرى أفاقت رحيل وجلست أختها جوارها تضمها إلى صدرها، حتى سمعوا صرخات وهيبه واستغاثاتها فركضوا إليها وحين رأت والدة فؤاد حالة وسام ورجفة جسدها ودماء أنفها تتسارع في الخروج صرخت:
– يا فـــــــؤاد الحقونا يا فــــؤاد
انحنت رحيل لمستواها وصرخت ببكاء:
-وســـــــام… أنا السبب أنا آسفه فوقي بالله عليكِ فوقي
تعالت الصرخات والهتافات فركض الرجال للغرفة، أقبل فؤاد إليها وفي سرعة حملها وأجلسها على المقعد ثم أخفض رأسها لأسفل وحاوط غضاريف أنفها بسبابته وإبهامه ليوقف سيلان الدم**ماء لكنها بدأت تُصارع لتتنفس وازدادت شهقاتها فأخرج فؤاد سلسلة المفاتيح من جيبه وأعطاها ليوسف قائلًا:
– شغل العربيه يا يوسف بسرعه هنروح المستشفى
حملها فؤاد وركض يوسف للخارج وتبعته فرح وهي تقول لاهثة:
-بسرعه يا يوسف
قالت تلك الجمله وفجأة شعرت وكأن هناك ثقل بجسدها يسحبها للخلف وأضحى الفضاء يدور من حولها رفعت يدها تشير ليوسف كمن تسحبه المياه لأسفل ويطلب النجدة، وقبل أن يفتح يوسف السياره وقع بصره عليها فرمى المفاتيح من يده وركض إليها ليحملها عن الأرض صائحًا:
-فـــــــرح
_______________
أخذ أحمد المفاتيح التي سقطت من يد يوسف ليقود السياره، لكن سبقه محمود وقال لفؤاد:
-اركب يا فؤاد
وفي سرعة ركبت رحيل بالمقعد الأمامي، وركب فؤاد مع وسام وصاح:
-بسرعه يا محمود
وانطلق محمود بالسيارة، ظل فؤاد يمسح وجهه وسام التي تمسك بملابسه وتشهق وكأنها تصارع للبقاء قيد الحياة، وحين رأت رحيل حالتها أخذت تردد ببكاء وهسترية:
-أنا السبب… أكيد وسام افتكرت الي سالم عمله فيها
أخذ محمود يبدل نظره بينها وبين الطريق وهو يقول:
-هو عمل فيها ايه؟
قالت بصوت متحشرج:
-حاول يعتدى عليها ومعرفش و….
وكأنها انتبهت أنها تبوح بسر صديقتها دون شعور فعضت لسانها وصمتت لكن بعد فوات الأوان فقد سمعها فؤاد وبدأ يصرخ كالمجنون:
-يابن الكـ***** قسمًا بالله ما هسيبه… أنا كنت حاسس إن هو السبب في إلي هي فيه والله ما هسيبه…
ضـ ربت رحيل جبهتها وقالت ببكاء وصدمة:
-إيه إلي أنا قولته ده…
شهقت وضربت المقعد وهي تردد:
-أنا غبية… غبية… غبية
نظر لها محمود وقال بإشفاق:
-اهدي يا رحيل خلاص
______________________
وإلتهى باقي العائلة بفرح وحالتها تلك، وتبعهم أحمد بسيارة فؤاد، صعدت رحيل للشقة وارسلت تسجيلات صوتيه لرضوى تحكي لها ما حدث وهي تبكي، وحين سمعت رضوى رسائلها أرسلت لها: “متعيطيش عشان خاطري والله كله هيتحل بس اصبري”
انقضى الوقت بين شدة أعصاب ولوم وبكاء وعتاب وتنهيدات متألمة، حتى منتصف الليل عادت وسام للبيت وفؤاد يقبض على كفها، ارتجلت رحيل من السيارة فناداها محمود:
-رحيل! استني عايزك
التفتت له وقالت بتعب:
-مش قادره أتكلم في أي حاجه ياريت نأجل أي كلام لبعدين
ولت ظهرها وغادرت دون أن تسمح له بالكلام..
وقف ينظر لأثرها بشدوه حتى دخلت للبيت، ركب أحمد جوار أخيه يمسك رأسه الذي يكاد ينفـ جر من كثرة أحداث اليوم…
******”
وها قد مرت الأيام وبدأت العشر الأواخر من شهر رمضان، توطدت علاقة سديل بصديقة السوشيال ميديا “رضوى” ولم يمر يوم دون أن تُحدثها وتسرد عليها تفاصيل يومها، وباقي الأبطال لا جديد عليهم حياتهم روتنيه بحته…
**********
في جلسة ثقيلة على قلبها تتهرب منها من بداية شهر رمضان، جلست على المقعد جوار آصف الذي يُطالع نظراتها المنكسرة من حين لأخر لا يدري ماذا قالت لها والدتها لتحزن عينها بتلك الطريقة، كانت تحمل چوري على فخذيها وتُحدثها بابتسامة لكنه شعر بحزنها، انتبه لوالدتها التي تجلس على مقعد مجاور بغرفة الضيوف وهي تقول نازقةّ:
-لأ أنا مش موافقه على العروسه دي
علقت هبه بنفاذ صبر:
-أعتقد محمود مش صغير ويقدر يختار البنت إلي شايفها زوجه ليه والبنت محترمه والله
رمقتها والدتها بحدة وقالت:
-اسكتي إنتِ محدش طلب رأيك
أطرقت هبه رأسها أرضًا بحزن، من كلام والدتها الفظ فاعتصر قلبه ألمًا لما رأى في عينيها من شجن، نظرت والدتها لمحمود وقالت:
-ومالها بقا بنت خالتك بت محترمه وإلي نعرفه أحسن من إلي منعرفهوش
عقب أحمد:
-ماما كلام هبه صح محمود مش صغير ويقدر يختار شريكة حياته
الأم بغضب:
-يعني ياخد واحده ملهاش أهل؟ دا ملهاش راجل واحد نتكلم معاه لو حصل حاجه… لأ أنا لا يمكن أوافق
أطلق محمود تنهيدة طويلة وقال:
-يا ماما يا حبيبتي أنا مش صغير ولا مراهق ومن حقي أختار شريكة حياتي فبعد إذنك متقفيش في طريقي
رد الأب بحزم:
-اعمل إلي يريحك يا بني سيبك من أمك
نهضت أمه واقفة وتركت المكان، وهز محمود رأسه باستنكار ثم همس لوالده بمرح:
-مش هي أمي… بس والله ربنا يكون في عونك… أنا هتقدم لها النهارده وربنا يقدم الخير يارب أصلًا توافق بيا!
ابتسمت هبه وربتت على فخذ أخيها قائلة:
-هتوافق يا محمود متقلقش
____________________________
كانت سديل ترتدي قفازات الملاكمة وتضـ. رب كيس الملاكمة بقـ. وة، فلم تُحدثها رضوى ليومين وهي أدمنت وجودها، كانت قلقة عليها يدور برأسها ألف شيء لإختفائها المفاجئ، صدعت رسالة عبر الماسنجر فجلست وهي تلهث تتمنى أن تكون هي، لكن كان جروب الثانوية العامة، فتحت محادثتها وبدأت تقرأها مرة أخرى وهي تحكي لها عن أحمد وتكشف عن مشاعرها التي تتزلزل كلما رأته أو شعرت أنه يراها، فأصبحت رضوى هي بئر أسرارها تعرف عنها مالا يعرفه سواها، قاطع شرودها وقوف رحيل أمامها وقالت بارتباك:
-البسي عشان تنزلي معايا مش عارفه الظابط ده عاوز مني إيه!
نهضت سديل قائلة بضجر:
-حاضر
صدع هاتفها برسالة أخرى عبر الماسنجر ففتحت على الفور وابتسمت حين وجدت رسالة منها:
-وحشتيني أوي يا ديلا
كتبت على الفور:
-إنتِ فين من يومين قلقت عليكِ؟
-كنت مشغوله شويه طمنيني عليكِ
سديل:
-تعرفي إنه هو تحت وأنا مضطره أشوفه مش عارفه أوصفلك حالتي
رضوى:
-ايه يا بنتي هو بيكهرب ولا حاجه
سديل:
-بيكهرب قلبي بجد أنا قدامه بنسى إن فيه حاجه اسمها غض بصر وكده
أرسلت رضوى ايموشنات ضاحكة.
وقفت رحيل أمام أختها وصاحت بغضب:
-خلصي يا سديل سيبي الموبايل والبسي
سديل بنزق:
-حاضر
أرسلت لرضوى:
“هكلمك بعدين عشان أختى عاوزاني”
__________________
وبالأسفل ربت الجد على فخذ أحمد وقال:
-الشيخ احمد إلي مشرفنا… سيب يا عم الموبايل ده وركز معانا شويه
أغلق احمد هاتفه وهو يضحك فعقب محمود:
-أحمد عدى خلاص وشويه كده وهنكلمه بواسطه القناه بتاعته وصلت ٥٠ ألف في ٢٠ يوم اللهم بارك
قاطعه دخول رحيل وسديل وألقاء رحيل السلام الذي رده الجميع، جلستا جوار فرح فكان محمود يجلس قبالة رحيل، يختلس النظر إليها وكلما رفعت بصرها ونظرت نحوه وجدته يُطالعها فتخفض بصرها بحياء، ولم يرفع أحمد عينه نحو سديل فحتى لو فعل فبلا فائدة لن يرى شيء حتى عينها تخفيها، أما سديل فكانت تنظر إليه بين وهلة وأخرى، قاطع سيل أفكارهم شاهيناز النازقة وهي تلكز فرح وتنهرها:
-بطلي أكل شيبسي شويه عشان شكلك حامل
ابتلعت فرح ما بفمها وقالت وهي تبدل نظرها بين الجميع وتقول بسخرية:
-جماعه أنا راضيه زمتكم ينفع ماما الست المحترمه تكتب على الفيس إنها على علاقة مع عمتى الست الفاضلة إلي الناس يبتحاكى بأخلاقها
والدة فؤاد:
-وإيه المشكله يا فرح ما إحنا زي الإخوات وأصحاب وفعلًا على علاقه ببعض
انفـ جر الجميع بالضحك فمسح نوح وجهه وقال بتبرم:
-تصدقوا منه لله إلي عملكم الفيس
أحمد بضحك وهو يوضح لوالدة فؤاد:
-يا طنط حضرتك فاهمه يعني إيه في علاقة مع بعض! دي زي البوي فريند كده والجيرل فريند
الجد بنزق: قول كلام مفهوم يا أحمد
تعالت ضحكات أحمد وهو يقول:
-يعني يا جدو فيه بينهم قصة حب وكده
شاهيناز بجهل:
-طيب وإيه يعني ما احنا بنحب بعض
نوح بسخرية:
-يا ماما يا حبيبتي الحب ده إلي هو بعده جواز يارب تكوني فهمتي
ضـ ربت والدة فؤاد صدرها بصدمة وقالت:
-يا نهار مش فايت… الناس هتقول علينا إيه يا شاهي؟
أحمد بابتسامة:
-ولا يهمكم طلما الموضوع in puplic ومفيش feeling يبقا so what?
ضحكت سديل بخفوت أثر جملته واستطاع أن يستشف ضحكتها، فابتسم وهو يرمقها بطرف عينه، عقب الجد بمرح:
-عزيزي أحمد يا تقول كلام مفهوم يا تسكت أحسن
ضحك الجميع ووضح أحمد:
-دي مقوله أحمد مكي في فيلم “طير إنت” معناها طلما قدام الناس ومفيش مشاعر يبقا مفيش مشكله
أكملت فرح بسخرية:
-وكمان يا جدو عمتو “أم فؤاد” بتنشر صوره نصها فرخه ونصها سمكه وتكتب عليها سبحان الله سبحان الخالق العظيم.. يعني تدخل صفحتها تلاقيها كلها حمار بزلومة فيل وفيل برجل انسان وقرد نصه عصفور حاجات مركبه خارقه للعاده وعليها سبحان الله سبحان الخالق
انفـ جر الجميع بالضحك..
ظلوا يتبادلون أطراف الحديث ورحيل وسديل صامتتان تستمعان فقط وتضحكان، حتى قال محمود:
-طيب يا جماعه أنا حبيت يكون الكلام قدامكم لأن رحيل بتعتبركم عائلتها فأنا….
صمت لبرهه، فتسارعت دقات قلبها ووضعت يدها على صدرها مطرقة رأسها لأسفل بحياء، وكأنها علمت بجملته التاليه فأردف وهو ينظر نحوها:
-رحيل… تقبلي تتجوزيني؟
_____________
دخل آصف لشقته بعدما انتهى من عمله، وجد ابنته تلعب أمام التلفاز، بحث عن هبه فوجدها بالمطبخ فسألها:
-إنتِ مش كويسه من ساعة ما جيتِ من عند أهلك… هي مامتك زعلتك؟
هزت رأسها نافية وقالت:
-لا لا خالص
-أومال مالك؟
-مفيش أنا كويسه
أطال النظر إلى ملامحها المتبرمة والتي تجاهد لإخفاء حالتها، أردفت برجاء:
-معلش دخل چوري تنام اصلي مرهقة شويه
وأومأ رأسه متفهمًا ودخل غرفته مع ابنته،ودخلت هبه لغرفتها دون أن تضم چوري كعادتها، رقد آصف جوار ابنته على الفراش، فاعتدلت چوري وقالت:
-بابا عايزه أقولك حاجه
-عايزه تقولي إيه؟
قالت بتبرم طفولي:
-أنا بكره الست إلي كنا عندها دي
-عيب تقولي كدا يا چوري هي عملت فيكِ حاجه؟
اتسعت حدقتيها وقالت بطفوليه:
-يا بابا دي ضـ ربت ماما
أخذت تقص عليه تفاصيل ما رأت حتى غفت عيناها، قبلها آصف من مقدمة رأسها ونهض ليطمئن على هبه بعد أن سمعه من ابنته…
من ناحية أخرى ارتدت هبه منامتها الحمراء الطويلة والتي تكشف عن أكتافها وذراعيها أقبلت نحو باب غرفتها لتوصده من الداخل ككل ليلة، توقفت حين تذكرت الليالي الخوالي وهو يُحاول فتح بابها، فتراجعت وتركت الباب ثم آوت إلى فراشها أغلقت عينيها وبدأت تتذكر ما فعلته والدتها، وكلامها السام..
**رجوع لما قبل الافطار**
-روحتِ اتجوزتي واحد متجوزك عشان تربيله بنته وسيبتي إلي بيحبك
ابتسمت بسخرية وقالت:
-كل اختياراتك غلط… إنتِ كلك غلط وعمرك ما هتنفعي أبدًا
هبه بضجر:
-والله أنا ما كنت عايزه أجي النهارده عشان الكلام إلي زي السم ده
-ولا أنا كنت عايزه أشوفك دا أنا ارتحت من كأبتك
صرخت هبه بنبرة مرتفعة بنفاذ صبر:
-كفايه بقا ارحميني
صفعتها والدتها كفًا على وجهها وقالت:
-وكمان بتعلي صوتك في وشي!
وضعت هبه يدها على خدها وقبل أن ترد دخل والدها مع آصف وأخواتها بعد صلاة المغرب فاضطرت أن تبتلع صفعتها وتصمت ليمر الإفطار بسلام.
**عوده**
تقلبت لتنام على جانبها الأيمن وأخذت تبكي بنحيب مكتوم، لم تكمل دقيقة وفتح بابها بهدوء، تظاهرت بالنوم وسحبت الغطاء لتتدثر به جيدًا، ابتسم لأنها تركت بابها مفتوح دخل للغرفة وأغلق الباب خلفه ثم اضجع جوارها راقدًا على ظهره وواضعًا ذراعه أسفل رأسه بشرود ظل هكذا لفترة ينظر بسقف الغرفة شاردًا فيما قالته ابنته يكاد يجزم أن هبه تتظاهر بالنوم، تفاجئت حين دنا منها وحاوطها بذراعه ثم قبلها من إحدى وجنتيها التي بللتها الدموع وقال:
-أنا متأكد إنك صاحيه
انقلبت على ظهرها وشهقت باكية و..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية وسام الفؤاد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى