روايات

رواية نبع الغرام الفصل السادس 6 بقلم رحمة سيد

رواية نبع الغرام الفصل السادس 6 بقلم رحمة سيد

رواية نبع الغرام الجزء السادس

رواية نبع الغرام البارت السادس

رواية نبع الغرام الحلقة السادسة

في مكانٍ خالٍ بعيد عن الازدحام البشري، يمتلكه “ظافر”، كان “هاشم” مربوط على كرسي، ووجهه متورم بكدماتٍ حمراء سببتها ضربات ظافر العنيفة له، فبعد أن خرج من المستشفى مباشرةً وقبل أن يتجه لقسم الشرطة كما كان ينوي، كان بضع رجال يُقيدوه في شارع خالٍ من البشر ويحملوه معهم في سيارة لهذا المكان، حيث ظافر بانتظاره بكمد مكبوت يغلي كبركان ثائر على وشك الانفجار..
صرخ هاشم بهيستيرية متأوهًا بألم :
-والله ما هاسيبك، هابلغ عنك وهتشوف هتروح في داهية.
إرتسمت ابتسامة مستهزئة على ثغر ظافر وهو يهتف:
-المفروض كدا أخاف صح؟ إلحجوني خوفت خوفت چدًا وركبي بيخبطوا في بعض.
ثم تهدلت تلك الابتسامة لتتجهم قسماته بتعبير مُخيف قاسٍ كأنها قاع الجحيم، بينما يردف بخشونة باردة:
-أقصى ما في خيلك اركبه، مش ظافر العبادي اللي يسيب كلب ولا يسوى زيك يخوض في عرضه ويجف يتفرچ.
كان الغضب يقتات على خلايا هاشم ولكنه آثر كتمانه وهو يواصل بسماجة:
-هي السنيورة لحجت توجعك بالسرعة دي؟ أنا كنت عارفها مش سهلة بت صباح.

 

 

لكمه ظافر من جديد بغلٍ أكبر كلما تذكر أنه المتسبب الرئيسي في خلق ظنون وهمية في عقله نحو “ليلى”، وهدر فيه بشراسة:
-اسمها مايچيش على لسانك ال***.
ظل هاشم يتنفس بصوتٍ عالٍ والألم يُفقده الاحساس بوجهه شيئًا فشيء، مد ظافر يده لجيب جلبابه وأخرج منه هاتفه، ثم سأله بصوتٍ غليظ:
-كلمة السر بتاعت التليفون إيه؟
هز الآخر رأسه نافيًا بعناد ممزوج بالسخرية:
-مش هجولك، أنت مفكرني عبيط عشان أجولك ولا إيه؟
لم يثور ظافر في لحظة كما توقع، بل إلتحمت ابتسامة… لا ليست ابتسامة هي أبعد ما يكون عن الابتسامة المعهودة، فقط إلتواء مصحوب بتعبير شرس وعينيه يزداد ظلامها وهو يقول بجمود:
-هتجول، غصب عنك مش بمزاچك، لإن لو ماجولتش قسمًا بالله لأكسرلك صوابع يدك صابع صابع أنا مش ورايا أي حاچة، وبرضو مش هتجدر تثبت حاچة عليا.
اهتزت نظرات “هاشم” بشكٍ سرعان ما صار يقين حقيقي حين أمسك ظافر إصبعه ولواه بعنف يوشك على كسره فعليًا، مما جعله يصرخ بصوتٍ عالٍ وهو يشعر بألم ساحق في يده المربوطة بالكرسي، ثم غمغم مستسلمًا:
-هجولك هجولك سيبني.
تركه ظافر على مضض وهو يردد بابتسامة ظافرة:
-سامعك.
أملاه هاشم كلمة السر بالفعل، فمسح ظافر الصور التي إلتقطها لهما، وألقى الهاتف أرضًا، ثم أخرج من جيب جلبابه “وصولات أمانة” ووضعها أمامه آمرًا:
-امضي، عشان لو فكرت تلعب بديلك اوديك ورا الشمس.
نفى هاشم مسرعًا بصدمة:
-لا مستحيل لا، وأنا إيه اللي يضمني إنك ماتستغلهمش؟!
لم يكلف ظافر نفسه عناء الرد عليه بل أشار لأحد رجاله بإصبعه، فاقترب الآخر ليضرب هاشم بعنف جعله يتأوه ويصرخ متألمًا، وبعد بضع لكمات جعلت الدماء تسيل من فمه وأنفه، خر مستسلمًا بصوت يكاد يسمع:
-همضي، همضي.

 

 

وبالفعل بعد أن وقع عليهم، انحنى في مستوى هاشم قائلًا بوعيد ضاري:
-اقسم بالله لو شوفتك چمبها ما هيچرالك طيب، المرة دي كانت جرصة ودن صغيرة، المرة الچايه مش هاسيب فيك حتة سليمة، ولو فكرت تجول أي حاچة لأي حد من اللي ألفتها او اللي حصلت هنا هتلاجي البوليس مستنيك، ومش هسيبك برضو، ليلى مرتي.. مرتي على سنة الله ورسوله.
رغم الشعور الرهيب بالألم، إتسعت حدقتا الآخر والذهول ينبثق منهما لا يصدق ما سمعه، بينما ظافر عدل من هندامه بهدوء قبل أن يغادر ذلك المكان، نعم ليلى لم تصبح زوجته بعد، ولكنها ستصبح، وكان عليه أن يُعلم هاشم بذلك ليضع حدًا لِمَ ينويه.
****
بعد ثلاث أيام…
دخل “ظافر” لمكان “الحلاق”، فرأى هناك “أيوب العماري” صديقه المقرب منذ أن كانا صبية في المدرسة، نعم علاقتهما مؤخرًا كانت مذبذبة، ولكنهما اعتادا هذا.. مهما بلغ التذبذب بينهما ما أن يتقابلا حتى يعودا وكأن شيء لم يكن.
تجاهل “أيوب” رؤيته، فهو غاضب منه بسبب تجاهل ظافر لمكالمته مؤخرًا، ليقترب ظافر منه ويربت على كتفه هاتفًا بنبرة مشاكسة:
-على أساس إنك ماواخدش بالك مني؟
رد أيوب بفظاظة معتادة منه:
-لأ.
ضحك ظافر قبل أن يقول بكلماتٍ هادئة مغلفة بالصدق:
-أنا عارف إنك زعلان مني بس والله غصب عني، الفترة اللي فاتت حياتي كانت ملخبطة بطريجة ماتتصدجش.

 

 

لوى أيوب فمه متهكمًا:
-لا زعلان منك إيه يا راچل، هو عشان تچاهلتني كام يوم ومارديتش عليا وتجريبًا جطعت علاجتك بيا هزعل! لا عادي يا راچل هات سكينة ودبها في جلبي.
تعالت ضحكات ظافر الرجولية، فأضاف أيوب بجدية:
-وعلى فكره أنا كمان كان عندي بلاوي وكنت محتاچك معايا في يوم مهم.
كان يقصد “عقد قرانه” على غرام، فاقترب منه ظافر أكثر محتضنًا إياه بذراعه بود، وهو يشير له مستطردًا بمرح من بين ضحكاته:
-حجك عليا يا عم أيوب، طب هنحلج ونتكلم بعدين ولا ننشر غسيلنا أكتر جدام الحلاج؟
بعد قليل…
غادرا سويًا متجهان نحو متجر “أيوب” ليجلسا به في تجمع افتقداه كثيرًا مؤخرًا، وبالفعل أخذا يتسامرا لساعاتٍ أفرغ فيها كلًا منهما ما بجبعته، وبعد أن قص “ظافر” ما حدث معه مؤخرًا قبل ثلاث أيام على مسامع أيوب، حتى تنهد وهو يردف بصوت مشحون بمشاعره المتشابكة:
-مش عارف اللي عملته دا صح ولا غلط.
هز أيوب رأسه باستخفاف:
-لا عادي يا راچل.
ثم ضربه في كتفه بقوة جعلت ظافر يتأوه فراح أيوب يوبخه بصوتٍ أجش:
-غلط طبعًا، ليه تكدب على البنية وتقنعها إنها لازم تتچوزك مع إنك حليت الموضوع جبلها !!
ابتلع ريقه وهو يشعر بمرارة الذنب كالعلقم في جوفه، قبل أن يعلن بصراحة:
-خوفت أخسرها، الفرصة دي ماكانتش هتيچي تاني، وهي لو ماتچوزتنيش بالطريجة دي ماكنتش هترضى تتچوزني بعد المعاملة اللي شافتها مني الفترة اللي فاتت.
عنفه أيوب بغلاظة:
-تجوم تچبرها يا لطخ؟ وتتچوزها كدا سُكيتي.

 

 

-أنا ما أچبرتهاش أنا أقنعتها، ولا مش سُكيتي، أنا هعملها أحلى فرح بس بعد ما تتجبلني في حياتها.
برر ظافر مسرعًا مدافعًا عن نفسه، فأصدر أيوب ضحكة قصيرة ساخرة وهو يتشدق بـ:
-أچبرتها بطريجة غير مباشرة، ماتحاولش تريح ضميرك بالكلمتين دول.
ضيق الآخر عينيه وهو يسأله بشك مرح:
-أنت بتبكتني عشان أنت مضايج مني ولا عشان فعلًا الموضوع غلط؟؟
ابتسم أيوب مجيبًا بسماجة مقصودة:
-الاتنين.
زفر بصوتٍ مسموع عله ينفث ذلك الحريق العاطفي القابـع بين ضلوعه، وخرجت كلماته ملتهبة بالمشاعر بفعل ذلك الحريق:
-خوفت تضيع مني تاني بعد ما لجيتها لأي سبب، ومش تضيع مني يعني تبعد عني، لأ.. هي كانت جدام عيني الفترة اللي فاتت بس بيني وبينها سد مانعني عنها ومش جادر أتخطاه، دي الوحيدة اللي جدرت تخلي جلبي يتعلج بيها.
-شكلها عملتلك عمل ياض، أصل مش معجول من ساعة ما شوفتها في يوم ازرج زمان وأنت هتتچن عليها كدا.
عقب أيوب بسخرية، فيما تابع ظافر:
-ويمكن مشاعري دي هي السبب إني أحس بالغضب الشديد دا ناحيتها، حسيت إنها غدرت بيا لما فكرتها نصابة، وشوهت الصورة البريئة اللي رسمتهالها في خيالي لما شوفتها أول مرة.
هكذا استمر التسامر بينهما وسط سخرية من أيوب، وتارة اخرى اعترافات مدوية من ظافر الذي يود اراحة ضميره بأي شيء.
****
بعد فترة، في منزل “أيوب العماري”…
وقفت “غرام” في المطبخ تعد الطعام بنفس نالت مخزون أكبر من الراحة فتوهجت، كلما مر الوقت دون أن يسقط فوق رأسها البلاء الذي توقعته، كان حجر ذلك البلاء يبتعد عن صدرها أكثر، وربما أخر ما حدث بينها وبين “أيوب” زج بين جدران عقلها شعور غير مُفسر أنه لن يتركها كلقمة سائغة في فم والده ابدًا.
كاد الملل يقتلها وهي تجلس أمام التلفاز بلا هدف، حتى قررت أن تنهض وتعد الطعام على الأقل، لم تعرف في البداية ماذا تحضر بالتحديد، ثم تذكرت حين كان أيوب يتحدث مع أحدهم على الهاتف وذكر وسط حديثه أنه يحب “الكُشري” فقررت أن تقوم بتحضيره، ربما تعبيرًا عن امتنانها !
دخل أيوب المنزل، فسمع صوتها يأتي من المطبخ، تحرك نحوه بفضول ليرى ماذا تفعل، ليراها تُحضر طعام ويبدو أنها لم تشعر بوجوده، وقف لبرهة رغمًا عنه مسلوب الارادة وعيناه الرجولية تُمشطها بنظرة بطيئة متفحصة بدءًا من خصلات شعرها الناعمة الطويلة التي تركتها متحررة بعدم اهتمام، وملامحها الانثوية البيضاء المغمورة بشيء من السكينة التي جعلتها رائقة، ثم جسدها الانثوي الممشوق… كل شيء فيها جميل، جميل بشكل يجعل حرارة عاطفية غريبة تنبعث في صدره وبين شرايينه، مُسربلة بالنظر لها، وكم يود أن يظل يشاهدها هكذا !

 

 

تنحنح وهو يتراجع خارجًا من المطبخ، ماذا يحدث له، بالتأكيد هذا تأثير الحديث العاطفي اللعين مع ظافر.
تنهد وهو يتجه لغرفته ليغير ملابسه، بعد قليل وبعد أن شعرت غرام بوجوده، لم تستغرب كثيرًا كونه لم يلقِ التحية عليها، فهي قد بدأت تعتاد حبه للوحدة، بدأت تضع الطعام على “السُفرة”..
ثم تحركت نحو غرفته وترددت تطرق الباب لتخبره ام لا ؟!
ولكنه قطع حبل حيرتها حين فتح الباب فجأة فتراجعت للخلف خطوتان بتلقائية، ليرمقها هو بنظرات مستفهمة لم ينطقها لسانه، فقالت بعد أن ابتلعت ريقها بتوتر:
-أنا آآ… حضرت الأكل.
ثم واصلت بحماس نابت وكأنها تنتظر أن ترى الفرحة تشع من حدقتيه:
-عملت كشري بما إنك بتحبه.
لم يستطع تفسير ذلك الشعور الغريب بالدفء ومشاعر شتى كالطلسم، تتفرع من وسط ظلام روحه لتتسرب لباقي خلاياه ببطء .. ولكنها مُخيفة! تُخيف قلبه الذي لم يندمل جروحه بعد.
وقبل أن تتشرب خلاياه ذلك الشعور كان ينفضه عنه معيدًا تغطية ظلامه وروحه المشوهه بجلد الجمود والقسوة وهو ينهرها بنبرة خشنة غليظة:
-مين طلب منك تعمليلي حاچة ؟ وعرفتي منين أصلًا إني بحبه؟
شعرت بالارتباك يضربها كزلزال مفتتًا هدوئها وثباتها، فبللت شفتاها وهي تخبره بتردد:
-أنا سمعتك جبل كدا وأنت بتتكلم في التليفون.
وكأنه وجد الحجة ليدفعها بعيدًا عنه خارج حدوده المظلمة التي تهددها بتواجدها وأفعالها، فراح يضيف بصوتٍ أجش موبخًا:
-هو أنا مش جولتلك ماتتعديش على خصوصيتي؟
دافعت عن نفسها:
-أنا ماتعديتهاش.
زمجر فيها بصوت مكتوم غاضب:
-ماتعديتيهاش؟ دا أنتي بجيتي بتتصنتي عليا وأنا بتكلم في التليفون كمان.
سارعت تهز رأسها نافية:
-والله أبدًا، أنا سمعتك بالصدفة وأنا داخلة الحمام.
تأفف بنفاذ صبر قبل أن يردف بنفس النبرة الجامدة التي شابها سخرية:
-ما علينا، خليكي في حالك وخليني أنا كمان في حالي، ماتحسسنيش إننا واخدين بعض عن حب!
شعور ساحق بالندم لفعلتها دغدغ كل مشاعر الامتنان التي دفعتها لتحضير ما يحبه، وبدأت الدموع تتجمع في عينيها دون سيطرة منها، ونظراتها تلومه بصمت، تجاهله هو حين أشار بيده للطعام متابعًا:
-ومش عايز منك حاچة، مش هاكله، أنا بعرف أچيب وأعمل أكل لنفسي.
تحركت مغادرة نحو غرفتها دون أن تنطق بحرف وأخذت تلوم نفسها على سذاجة تفكيرها العاطفي مع شخص جاف وقاسي كهذا !

 

 

فيما جلس أيوب على الأريكة وهو يتنهد، وعيناه على ذلك الطعام… لم يكن مجرد طعام حُضر لأجله، بل كان شيء أكبر من هذا، شيء ذكره بوالدته الراحلة، وشوش مذاق مرارة اليُتم التي كانت تلازم حلقه، فهو بعد وفاة والدته لم يسأله احدهم عما يريد او يحتاج، لم يهتم به احدهم اصلًا او يغدقه بحنان حُرم منه مبكرًا !
رغم أنه لم يكن جائع إلا أنه وجد نفسه ينهض، ودون تبرير لعقله وقلبه التائهان في فلك المشاعر الغريبة، كان يأكل من ذلك الطعام بنهم ولذة.
بعد أن انتهى من تناوله نهض، وقادته قدماه نحو باب غرفتها، طرقه طرقة وحيدة صغيرة، قبل أن يتمتم بخفوت وصلها بوضوح:
-شكرًا.
****
في بيت “سالم العبادي”…
تحديدًا في غرفة الجد “سالم”، جلست “ليلى” شاردة وعيناها مُسلطة على الفراغ… لا تستوعب حتى اللحظة أنها صارت زوجة ظافر العبادي، راحت تتذكر كيف أقنعها ذلك اليوم بضرورة عقد قرانهم…
ما أن سمعت جملته بضرورة عقد قرانهم اليوم حتى أجفلت ملامحها وهي تردد دون استيعاب:
-نعم !! نكتب كتابنا.
أكد ظافر دون تردد وكأنه كان يجهز كلماته مسبقًا:
-ايوه، ونجول إننا ناويين نتچوز بعد فترة، دي الحاچة الوحيدة اللي هتخلي الناس تبررلك لو چوز أمك نفذ اللي جاله، بس مش هنجول لچدي دلوجتي وهنمهدله.
غمغمت مسرعة بتوهان وعقلها ممزق في التفكير في نواحي شتى:
-لا أكيد في حل، أنا وأنت وسمية هنجول إنه كداب وإن دا ماحصلش.
هز رأسه موافقًا وهو يتابع بجدية يسايرها:
-ماشي، اعتبرينا جولنا، واعتبريني كمان ياستي مسحت الصور من تليفونه مع إنه صعب، هجطع لسانه كمان عشان مايتكلمش؟
أردفت مستنكرة بشدة:
-والناس ليه هتصدجه ومش هتصدجنا ؟ كلامنا جصاد كلامه.
هز كتفاه معًا وراح يسرد لها بجدية:
-مش كل الناس هتصدجه هو واللي معاه، ومش كلهم هيصدجونا، في ناس هتصدج وناس لا، وناس هتشك، دي طبيعة البشر، ومچرد ترديدهم اصلًا لكلامه دا مش في صالحي ولا في صالحك.
صمت برهة ثم أضاف حين لوح له عدم الاقتناع من بقاع ملامحها:
-وكمان لو حد شافك أصلًا وأنتي طالعة وشافني، هيأكدوا على كلامه، وأحنا في غنى عن كل دا.

 

 

انبلجت السخرية من عمق ملامحها الشريدة:
-اه فنجوم نتچوز ؟ بالبساطة دي ؟!
لامس الضيق مكمن جوارحه، فكم يمقت أن يشعر أنه يفرض نفسه على أحدهم ويقنعه بالقرب منه!
ولكنه كبحه بمهارة واستطرد بجفاف:
-دا مچرد كتب كتاب يا ليلى، وبعد فترة لما الموضوع دا يموت لو عايزة نتطلج هنتطلج.
تمزعت نبرتها بالحسرة وهي تردد:
-أنت الموضوع بالنسبالك عادي إيه يعني تتجوز وتطلج، لكن أنا لا، أنا هاتتحسب عليا چوازة.
-وأنتي ليه اعتبرتي إننا خلاص أكيد هنتطلج؟ مش يمكن يچد چديد.
رفعت حاجبها الأيسر مستنكرة، فلم يصعب عليه قراءة ذلك الاستنكار بين سطور عينيها، فإلتقطت زفيرًا قويًا قبل أن يتفوه بنبرة رجولية رخيمة:
-أنا عارف إن كان في سوء تفاهم بينا والتعامل بيني وبينك ماكنش أحسن حاچة، لكن أنتي لازم تعذريني أنا ماكنتش أعرف إن چوز أمك هو اللي ورطك.
ابتسم ابتسامة صغيرة جذابة وأكمل بنبرة ذات مغزى:
-أنا مش وحش على فكره وأتحب.
أدارت وجهها عنه بحرج، ثم تمتمت بضياع:
-صعب صدجني صعب.
قرر ترك خيط وهمي من الحرية لها حيث قال بلا مبالاة مدروسة:
-روحي اتكلمي مع والدتك وشوفوا الأنسب ليكي، بس صدجيني دا أنسب حل، أنا لو عليا في الأول وفي الأخر راچل، أنتي هتتأثري بكلام الناس أكتر مني وأنتي عارفة مچتمعنا مابيرحمش.
عادت من ذكرياتها متنهدة، بالفعل توصلت هي ووالدتها إلى أن عقد القران ذلك هو الحل الأنسب للأسف!
فأحيانًا يُقرر القدر نيابةً عنك ويترك لك صورة مشوهة من الحرية لتلتمسها ثم تمثل لها.
كانت تنتظر “سالم” الذي اتجه لدورة المياه، رغمًا عنها غلبها النعاس فأغمضت عينيها وغطت في غفوة قصيرة وهي تستند على المكتب الخشبي المجاور.
بعد دقيقتين تقريبًا دخل ظافر يبحث بعينيه عن جده فوقعت عيناه عليها وهي غافية، وهل هناك صورة أجمل من هذه ؟!
تحرك دون تفكير نحوها، وهو يشعر بهدير نبضات قلبه العنيف، والعاطفة المكتومة تتفجر من فوهة الكتمان وتغلي في شرايينه مطالبة بالاقتراب منها أكثر، بالتأكد من كونها أصبحت له.. ملكه!

 

 

رباااه كيف أحبها بهذا القدر ولم يتعامل معها كثيرًا ؟ مَن قال أصلًا أن الحب مواقف، لا ليس مواقف.. بل هي تلك اللحظة التي امتد فيها خيط شعوري سميك بين قلبيهما، فأصبح أسيرها.
امتدت أصابعه ملبيًا ذلك النداء داخله، وأزاح خصلة تمردت وظهرت من أسفل حجابها، لتتسنى لعينيه تشرب قسماتها السمراء الناعمة الجميلة.. ليست جميلة فقط بل فاتنة، فاتنة أغوته وأسرته وهو الذي لم تغوه الفتنة يومًا !
تهافت شفتاه شوقًا، لمذاق شفتيها… قبلة واحدة وسيبتعد، هز رأسه كأنه يؤكد لنفسه، فهذه الفرصة لن تأتي له مرتين.
اقترب منها بالفعل، وأخيرًا لامست شفتاه المتلهفة شفتاها المكتنزة متذوقًا رحيقها، شعر بقلبه المحترق عشقًا يحيا من جديد، والشوق اللاهب يتضاعف ولا يخفت…
قطع قبلته التي لم تطول حين شعر بتململها، فتحت عيناها ببطء لتحدق فيه دون استيعاب مرددة اسمه بعفوية بخفوت مستنكر تواجده أمامها… بل بالقرب منها:
-ظافر ؟!
****
جلس كامل في البهو الواسع بصالة منزلة ينظر برتابة حوله بداية من الاثاث المليء بالاتربة وعدم النظافة التي تحوم بكل شبر بالمنزل ثم انتقل ببصره نحو الطاولة التي أمامه يلقي نظرة بؤس نحو خلو علبته الفضية من المواد المخدرة، ومن بعدها القى نظرة غاضبة نحو هاتفه الذي لم يهدأ منذ الصباح من رنينه المتواصل بسبب أصدقائه.
زفر زفرة قوية ثم تمتم بحقد من بين شفتيه الغليظة:
-مش معايا فلوس يا ولاد المركوب بطلوا زن.
اطبق فمه بشدة والغيظ يأكله بعد أن أجاب على أحد أصدقائه في الصباح وسرد له الأخر عن أهمية الليلة في المأوى الخاص بهم للعب ” القمار” لمعت عيناه بوميض الطمع متخيلاً نفسه يجني المال الوفير ليعوض خسارته الفادحة في الليالي السابقة!

 

 

ما العمل؟! ظل يكرر لنفسه مرارًا وتكرارًا وعقله يجوب في محيط معارفه كي يستغل أحدهم ويجني منه المال الكافي للدخول في مسابقة الليلة، ولكنه للأسف لم يجد أحد فالجميع بدأ ينفر منه بعدما علمه بأسوأ صفاته، شخص استغلالي بدرجة كبيرة حتى أنه ذات مرة وصفه أحد أقاربه في نبرة يملأها الغل:
” أنت يا أخي لو تطول تاخد هدومنا، وتستغلنا هتعملها يا كامل اعوذ بالله منك، شيطان في الأرض”
وما أن تذكر كلماته حتى سب بأقذر الشتائم وقام بلعنة كلاً من حوله وأولهم ابنه ” أيوب” الذي لم يستطع حتى الآن استغلاله أبدًا….حتى تلك الساذجة لم يستطع لوي ذراعه بسببها!
ولكن…فكرة شيطانية تسربت لعقله وبدأ في التخطيط لها، فلمعت عيناه من جديد بوميض الطمع والكره، البداية ستكون من خلالها..الطريق ممهدًا وسينحر ولده الجامح عن طريقها، الآن فتحت له أبواب السعادة وسينعم بالمال الوفير من خلال تلك الحمقاء البائسة والتي من السهل جدًا إرباكها واستغلالها فهمس بحقد:
-كنتي تايهة عني فين يا بنت الـ*** أنتي اللي هجدر ادخل منك باب جنة أيوب العماري.
****

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية نبع الغرام)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى