روايات

رواية مصطفى أبوحجر الفصل السادس والعشرون 26 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر الفصل السادس والعشرون 26 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر البارت السادس والعشرون

رواية مصطفى أبوحجر الجزء السادس والعشرون

رواية مصطفى أبوحجر
رواية مصطفى أبوحجر

رواية مصطفى أبوحجر الحلقة السادسة والعشرون

-٢٦- أوجاع الغيرة

يُقال أن المرء يُهزم بأشيائه التي يُحبها، لكن .. ماذا لو كان يعشقها، لو كان مُتيم بها ؟ ماذا لو تعلق بها حد الإدمان !
هُنا تُصبح أكثر من هزيمة، تتحول إلى حسرة وألم وضياع ..
فكيف له أن يُشفى منها بعد تغلغلها بداخل أوردته واختلاطها بكرات دمه لتصبح مصدر من مصادر غذاء شُريان قلبه الرئيسي والذى لا يقو على ضخ ما يحتاجه جسده للعيش.. إلا بها .. وبها هي فقط !
هل يستطيع وبلا أي مقدمات انتزاع صفائحه الدموية من داخله لإخراج كُرات حبها من مجرى دمه فتعود من جديد مجرد كرات دم حمراء وبيضاء فقط يؤديان وظيفتهما للبقاء على قيد الحياة !
حياة !! عن أي حياة تتحدث !
مازال ذلك السؤال يلح عليه آلاف المرات يوميًا ..
ما قيمة حياته دونها حتى في وجود غيرها !
لم يغب عن ذهنه يومًا صورة شعرها الأسود المُنسدل على كتفيها بنعومة، فهو كثيرًا ما جردها في خياله من حجابها الذى ارتدته مُنذ عشرات السنوات، فيراها من جديد بداخل عقله مُتزينة بسواد الليل الحالك بعد أن نما وزاد طوله حتى غطى خصرها، هو لازال يحتفظ داخله بجميع تفاصيلها المُخبأة عن أنظاره ولم يتناسى يومًا كل جزء عشقه بها ..
رغمًا عنه خانته قواه فور رؤية وجهها المُزين بخصلات شعرها الحريري والذى طالما داعبه عندما كانت مُجرد طفلة تنمو بين أحضانه، لكنه سُرعان ما عاد إلى رُشده متذكرًا واقعه الأليم ..
فأشاح بنظره عنها مُلقيًا التحية وأتبع قوله بالسؤال عن خاله ..
أصابها التوتر مثلما أصابه فعدلت من وضع حجابها بعد أن اختبأت بوجهها خلف الباب لعدة ثوان مرت عليه هو كالدهر، فهو حقًا لا يستطيع استيعاب تدابير القدر، لقد حاول كثيراً تخطى خيباته مُلتفتًا الى مصادر السعادة في حياته إلا إنه في كُل مرة ينجح في تناسيها سُرعان ما يجد نفسه أمام نفس السؤال من جديد :
_ لماذا جاء بها القدر إليه من البداية ! لماذا أحبها وأحبته “على حسب قولها” !
لماذا زُرِع عِشقها بداخله واستقرت بداخل تلابيب فؤاده منذ ولادتها إلى تلك اللحظة، ولماذا لا يستطيع نسيانها !
أفاق من شروده في نفس اللحظة التي تصاعد فيه صوتها قائلة :
_ أتفضل بابا جوة ..
تقدم أسامة عده خطوات إلى الداخل لتُلاحظ شمس العديد من الحقائب البلاستيكية التي يحملها، وفى هذه الأثناء ترامى إلى مسامعهما صوت أبيها الذى هم لاستقباله بترحاب قائلًا رغمًا عن علامات الإجهاد التي تملأ وجهه :
_ أهلًا ياأسامة يابني ..مكنش له لزوم تيجي وتتعب نفسك ..
أسرع أسامة بالتحرك مُتجهًا إلى محمود كي يوفر عليه جُهد الوصول إليه قائلًا بأدب :
_ حمد الله على السلامة ياخالي .. عملنالكوا عشا خفيف كدة ..عارف إنكوا هتبقوا راجعين تعبانين ..
أجابه محمود بامتنان :
_ وليه التعب ده بس .. أتفضل أدخل ..
قام الضيف بمُساعدة العجوز في الوصول إلى غرفة الصالون بعدما وضع مابيده أعلى طاولة الطعام، بينما شمس اتبعتهما للداخل بعد ان أبلغت والدتها بقدومه، وعقب دقائق من الحديث المسترسل المُعتاد والسؤال عن الأحوال الصحية للجميع؛ ارتفع رنين هاتف المنزل بغرفة المعيشة فتوجهت شمس مُسرعة إليه اعتقادًا منها كونه زوجها، لكن خاب ظنها للمرة الثانية على التوال واتضح أنه إحدى اصدقاء والدها والذى استأذن أسامة عدة دقائق للإجابة على الهاتف ..
عقب مُغادرة الأب بحثت شمس عن والدتها للانضمام إليهما لكنها وجدتها مُنشغلة بإقامه صلاة العشاء بداخل غرفتها وبصحبتها الصغيرة، لذا اضطرت هي في النهاية إلى الجلوس برفقة الضيف وحدها ..
وبعد عدة لحظات من الصمت المُطبق تصنع فيها أسامة الانشغال بهاتفه، تصاعد صوت شمس قائلة بنبرة خاصة :
_ مبروك الخطوبة ..
أومأ لها برأسه شاكرًا قبل أن يتساءل بطريقة تهكمية يُذكرها بها بفعلتها :
_ أمال كاتبنا العظيم فين ؟
أجابته بثقة بعد أن انتفخت أوداجها بخيلاء قائلة :
_ مصطفى في اجتماع في الشركة عشان الفيلم بتاعه ..
ثُم أضافت ساخرة وكأنها تحط من قدره :
_ الظاهر إن محدش أدالك خبر ..
أجابها باستغراب واضح :
_ لا الحقيقة محدش قالي ..
ثُم أضاف مُتسائلًا :
_ ياترى الاجتماع مع مين ..
أجابته بغرور وكأنها تعلم تفاصيل عمله أكثر منه :
_ مع المخرج وفريق التصوير ..
ابتسم أسامة بسخرية مُوضحًا :
_ بس احنا لسة محددناش مين هيبقى المخرج ولا حددنا مدير التصوير عشان يبقى في اجتماع مع فريقه ..
علقت هي على الفور قائلة بثقة :
_ لا هو أكيد انت اللي مش متابع كويس .. حتى الاجتماع مع المخرج ” ………. ” ..
قطب أسامة حاجبيه باستغراب مُوضحًا بجدية :
_ هو أنا فعلًا رشحت الاسم ده .. بس لسه في كذا مخرج تاني معاه العمل يقرأه ..واستحالة يتعمل اجتماع قبل ما كُل المُرشحين يردوا علينا .. وبعدين المخرج ده بالذات صديق شخصي ليا وهو مسافر برة مصر بقاله كام يوم ومش هيرجع قبل أسبوع .. غير إنه أصلًا لسه مقراش العمل عشان يوافق عليه ..
اتسعت عيني شمس بعدم تصديق مُعلقة دون تفكير :
_ إيه اللي أنت بتقوله ده ! أُمال هو كل يوم بيبقى عنده اجتماعات مع مين ! أكيد فى حاجة غلط ..
في ظل اندهاشها ذلك ومحاولتها البائسة لاستيعاب ما قيل لها للتو، غفلت تلك الشاردة عن ذلك الرنين الواضح لجرس الباب، وقبل أن يُفيقها أسامة من غفلتها لافتًا انتباهها إلى هذا الرنين ، أسرعت الصغيرة لفتح الباب واستقبال الطارق الذى لم يكن سوى ..مصطفى ..
*************
احتضن مصطفى الصغيرة بحنان فور رؤيتها، مُعلنًا عن اشتياقه لها بسيل من القُبلات الأبوية أعقبها إهدائه لها وجبتها المٌحببة إلى قلبها، ثُم قام بسؤالها بعد أن أتكأ على إحدى ركبتيه ليصبح بمستواها قائلًا بحنان :
_ ماما وجدو وتيتا فين..
أجابته الطفلة ببراءة وهى تنظر إلى وجبتها الساخنة بنهم :
_ تيتا بتصلي وجدو بيتكلم في التليفون وماما مع عمو أسامة في الصالون ….
انقلبت ملامح الزوج فور سماعه لاسم ذلك الأخير، فتحول بِشرُه إلى عَبوس وابتسامُه إلى تجهم، إلا إنه رغم ذلك حاول جاهدًا تمالك أعصابه قبل أن يندفع إلى وجهته دون تفكير، فرآها جالسة أعلى إحدى المقاعد مُلتفتة بجسدها إلى أسامة المُحدق بها والذى كان لا يبعد عن مرماها كثيرًا، فهُيئ له للوهلة الأولى أنه قد قاطع حديثًا خاصًا ..
كان أسامة هو أول من وجه نظراته إليه قبل أن تلتفت إليه شمس هي الأخرى نصف التفاتة برأسها مُحاولة إدراك ما يحدث، فهي لازالت تجهل كيفية تواجد مصطفى داخل المنزل دون أن يقرع جرس الباب الذى لم تستمع إليه من الأساس …
وفى وسط ذهولها ذلك تقدم مصطفى إليهما بهدوء مُحاولًا قدر الإمكان الحفاظ على ثباته الانفعالي وهو يجلس أعلى إحدى المقاعد قائلًا بابتسامة مصطنعة :
_ مساء الخير ..
هز أسامة رأسه مُرحبًا قبل أن يرد التحية قائلًا :
_ كُنا لسة في سيرتك أنا وشمس ..
ضغط مصطفى على جانبي فكيه بقوة، عقب أن نطق أسامة أسم زوجته بتلك الأريحية، فاتسعت فتحتي أنفه لتنفث ذلك الكم من الهواء الذى يحترق بداخله، إلا إنه رغم ذلك حافظ على ابتسامته قائلًا :
_ يارب يكون في الخير ..
قال جملته وهو ينظر إلى زوجته التي سيطر عليها الارتباك بصورة واضحة، فهي لأول مرة تُلاحظ ذلك العِرق النابض بإحدى جوانب عُنق زوجها يبرز بتلك الطريقة المُلفتة بينما هي لازالت تُفكر في كيفية دخوله إلى المنزل دون أن تحس به، لذا لم تشعر بلسانها سوى وهو يتساءل عما يجول بخاطرها قائلة ببلاهة :
_ أنت جيت امتى ودخلت إزاى ؟
ملأت السخرية كلماته وهو يقول بشكل مُتعمد :
_ إيه مكنتيش عاوزاني آجى ولا أنا جيت في وقت غير مُناسب ..
زوت شمس ما بين حاجبيها مُحاولة فهم المرمى من وراء تلك التساؤلات خاصة بعد النبرة الساخرة التي صحبتها، إلا أن والدتها كانت على أعتاب الغرفة عندما ترامى إلى سمعها كلمات مصطفى، فأسرعت هي بالإجابة قائلة:
_ إزاى بقى يامصطفى دي من الصبح مستنياك ..
استجمع مصطفى شتات نفسه من جديد وهب واقفًا قبل أن يقترب منها مُصافحًا وهويقول :
_ حمد الله على السلامة .. وحشتونا والله الكام يوم دول ..
أجابته بصدق :
_ الله يسلمك ياجوز بنتي ..
في تلك اللحظة غادر أسامة هو الآخر مقعده واقفًا ليقول بأدب :
_ حمدالله على سلامتكوا ياطنط ..
التفتت إليه مجيدة قائله بامتنان وهى تتوجه إلى المقعد الأقرب له :
_ تسلم ياأسامة يابنى بس مكنش له لزوم التعب ده ..
توجه أسامة بنظراته إلى مصطفى وكأنه يُعلن التحدِ عليه قبل أن يُجيبها :
_ متقوليش كدة يامرات خالي ده إحنا أهل وهنفضل طول عمرنا أهل ..
أومأت مجيدة برأسها قائلة :
_ ابن أصول صحيح ..
ثم ما لبثت أن نظرت إلى مصطفى من جديد قائلة :
_ ما تقعد يامصطفى واقف ليه ..
إلا إنه ألقى نظرة سريعة على ساعته قبل أن يُجيبها بابتسامة مُجاملة :
_ معلش لازم نمشى ..
مجيده باعتراض :
_ وده أسمه كلام لازم نتعشى كلنا ..
لم تُفارق الابتسامة وجهه وهو يتجول بنظره على وجوه الجميع قبل أن يستقر على وجه أسامة قائلًا بنبرة خاصة وكأنه يُبادله التحدِ بل ويُوجه إليه رسالة ذات معنى :
_ وقت تانى إن شاء الله هو إحنا هنروح من بعض فين .. ده أنا بقيت جوز بنتكوا يعني أكتر من أهل .. بقيت صاحب بيت ..
ابتسم أسامة وهو يقترب منه مادًا ذراعه راغبًا في مُصافحته قبل أن يقول :
_ فرصة سعيدة ياأستاذ مصطفى وأكيد هنتقابل تانى في الشركة عشان نبدأ شغل أول ما نحدد المخرج ومدير التصوير اللي هنتعامل معاهم ..
قال أسامة جملته الأخيرة بأعين لامعة ووجه شبه باسم، فانتقل مصطفى بنظراته بينه وبين شمس التي تذكرت حجم خيبتها فبدت ملامحها غاضبة حانقة قبل أن تُغادر الغرفة على الفور بحثًا عن ابنتها استعدادًا للرحيل ..
*****************************
لم تستغرق الصغيرة الكثير من الوقت حتى تغفو بإرهاق داخل أحضان والدتها، فأراحتها شمس أعلى فراشها بجوار دُميتها المُفضلة قبل أن تُحكم وضع الغطاء فوق جسدها تاركة تلك الأضواء الخافتة والصادرة من وحدات الإضاءة أعلى الفراش بأشكال الحشرات الكرتونية الملونة الجذابة قيد التشغيل، وبعد لحظات أغلقت الأُم باب الغرفة من ورائها بتحسس شديد قبل أن تنطلق باحثة عن زوجها في أرجاء المنزل، فوجدته مُستلقيًا أعلى فراشه بهدوء يعبث بهاتفه ..
تجاهلته في البداية واستلقت بجواره دون حديث، فقط اكتفت بإغلاق اضواء الغرفة وولته ظهرها بغضب مكتوم في انتظار أن يقوم هو بمُحادثتها أولًا إلا إنه لم يأبه بها وكأنه لم يُلاحظ وجودها ..
وبعد عدة دقائق قضتهم هي في التأفف والتقلب على كلا الجانبين اعتدلت جالسة في النهاية لتقول بانفعال واضح :
_ أقفل نور الموبايل ده مش عارفة أنام ..
رمقها بنظرة جانبية قبل أن يستجيب لمطلبها ويُغلق هاتفه بهدوء استعدادًا للنوم، مما أغاظها أكثر فأشعلت وحدة الإضاءة بجانبها قبل أن تلكزه بكتفه بواسطة أطراف أصابعها
قائلة بغضب :
_ أنت ..قوم هِنا كلمني ..
لم يتكلف هذا الأخير حتى عناء فتح عينيه، بل أجابها بلهجة هادئة خالية من أي انفعال :
_ عاوزة إيه ..
أجابته بحدة بعدما فشلت في السيطرة على نفسها :
_ قوم قولي كُنت فين النهاردة ..وكل يوم بتروح فين ..
كان رده آليًا خالي من أي أحاسيس بشرية، فقال وهو يحكم وضع غطاؤه على جسده :
_ شغل ..
أزاحت شمس الغطاء عنه بعصبية مُتزايدة وعناد قبل أن تقول بسخرية :
_ أظن هتقولي مع المخرج وطقم التصوير ..
أجابها وهو يُعيد وضع الغطاء إلى سيرته الأولى :
_ آه
في تلك اللحظة لم تشعر هي بحالها سوى وهى تصرخ بهستيرية قائلة :
_ أنت كداب .. كداب ..
فتح مصطفى عينيه ببطىء شديد قبل أن يُحملق بهما في سقف الغرفة أعلاه قائلًا بغضب مكتوم :
_ سمعيني تاني كدة قولتي إيه ..
لم تلتفت هي إلى تلك النبرة المُحذرة داخل طيات صوته فأضافت دون تفكير بنفس صوتها العالِ :
_ أسامة قالي إن …
فجأة ودون مُقدمات اعتدل ذلك الهادئ في جلسته، ووجه بصره إليها بأعين يتطاير منها الشرر فور سماعه لأسم أسامة يُلفظ من بين شفتيها فقال بوجه مُكفهر يُنبئ بحدوث كارثة :
_ ااااه أسامة … وياترى يبقالك إيه سي أسامة ده !
أجابته دون تفكير كالبلهاء :
_ ابن عمتي ..
أجابها بوجه غاضب وقد عاد ذلك العِرق بجانب فكه ينبض من جديد، فقال بصوتٍ خفيض يخفى ورائه قُنبلة موقوته على استعداد للانفجار في أي وقت :
_ وهو معنى إنه ابن عمتك أنكوا تبقوا قاعدين لوحدكوا بالمنظر ده ولا كأنك واحدة متجوزة ..
عبست هي مُدافعة :
_ إيه اللي أنت بتقوله ده، إحنا مكناش لوحدنا على فكرة .. بابا كان بيتكلم في التليفون وماما كانت ..
قاطعها بابتسامة ساخرة بينما عينيه لا زالتا تطقان بالشرر :
_ آه وإيه كمان !
ضيقت شمس عينيها بحذر مُتسائلة :
_ أنت مش مصدقني !
رفع مصطفى حاجبيه باستخفاف واضح قبل أن يقول :
_ لا مصدقك كملي ..
لاحت شبه ابتسامة ساخرة على شفتيها وهى تقول مؤنبة :
_ حتى لو شوفتنا لوحدنا أنت إزاى تسمح لنفسك تشك فيا أصلًا ..
حرك مصطفى كتفيه بلا مُبالاة مُعلقًا :
_ طب ما انتي من أول يوم جواز وانتي بتشكي فيا ..
اتسعت عيناها بذُعر بعد أن أكد ذلك الاتهام وتحركت من فراشها بغضب صائحة وكأنها لا تقدر على التصديق :
_ أنت إيه اللي بتقوله ده أنا مش واحدة من الشارع عشان تشك فيا بالشكل ده ..
تجاهل مصطفى غضبها وأراح ظهره على الفراش ورائه قبل أن يهز رأسه بتفهم مُعلقًا :
_ وأعتقد أنا كمان مش جاي من ملجأ أيتام عشان يبقى كلامك ليل نهار شك فيا وفى تصرفاتي ..
لم تجد الزوجة ما تجيبه به، لكنها أدركت بالأخير طريقته في التهرب من سؤالها التي كادت أن تغفل عنه، لذا اقتربت منه قائلة بصوت حاولت إخراجه خفيض :
_ مردتش عليا كنت فين ومع مين ..
لم ينظر إليها بل اكتف بقوله :
_ طب ما تسألي ابن عمتك بما إنك بتصدقيه هو ..
زفرت شمس بضيق واضح قائلة بحنق :
_ أسامة ملوش علاقة ..
أحمر وجه مصطفى من جديد فور لفظها باسمه فقال بحدة :
_ أمال مين اللي ليه علاقة أنا عاوز أفهم ..
ثُم أضاف مُنفجرًا بغضب فشل هو في كبح جماحه لأكثر من ذلك قائلًا :
_ واحد باين على كُل تصرفاته إنه بيحبك وعاوز يبوظ علاقتنا وانتي بمنتهى السذاجة بتصدقيه وتكذبيني أنا .. تكدبي جوزك عشان واحد معرفش هو بالنسبالك إيه ..
وكأنه قد أسقط على رأسها صندوقًا من الثلج، أحست شمس بعقلها يتوقف عن التفكير وكأنه قد شُلت حركته، فازدردت لُعابها بحذر مُجيبة :
_ بيحبني إيه انت جبت الكلام ده منين ..
جذبها مصطفى من ذراعها إليه بحدة قائلًا بخفوت :
_ أنا اللي عاوز أعرف علاقتك إيه باللي أسمه أسامة ده ..
أجابته بتلعثم وأعين مذهولة :
_ ابن عمتي وبس ..
حملق مصطفى داخل عينيها لعدة لحظات ليتبين مدى صدق كلماتها قبل أن يقول آمرًا بتمُلك واضح :
_ طيب أنا بقى عاوزك تقطعي علاقتك بيه ..
أجابته بعدم فهم :
_ أقطع علاقتي بيه ؟ إزاى يعنى ؟
تطاير الشرر من عيني مصطفى قائلًا بصوت هادئ أسرى الخوف بأوصالها :
_ زي الناس .. كلامي يتنفذ من غير مناقشة أو سؤال .. انا مسمحش لمراتي يبقى اسمها مشاع كل من هب ودب ينطقه بلا مبرر بحجة إنه قريبها..
كانت تبدو كمن تُفكر وكأن لها الحق في ذلك فقالت بتردد :
_ بس ..
إلا إنه قطع عليها أي طريق للجدال أو المناقشة فقال بصورة حازمة قاطعة :
_ من غير بس .. انتي مراتي أنا وبس ، محدش من حقه يتعامل معاكي وتاخدي وتدى معاه في الكلام غيرى أنا فاهمة ولا لا ..
سرى التردد في ملامحها قبل أن يتحول ذهولها بصورة تدريجية إلى ابتسام نوعًا ما قائلة بغريزة أُنثوية :
_ هو أنت بتغير عليا ؟
أطلق مصطفى سراح ذراعها، وأشاح بنظراته عنها قائلًا :
_ وفيها إيه لما أغير مش مراتي ولا انتي شايفة علاقتنا إزاى ؟
ارتعشت الابتسامة أعلى وجنتيها فحاولت هي إخفائها براحة يدها، إلا إنها لم تستطع السيطرة على الفرحة بداخل كلماتها وهى تقول :
_ طيب خلاص حاضر هعمل اللي أنت عاوزه ..
لم تر هي ابتسامة النصر التي ظهرت على وجهه وهو يقول بتشكك مُصطنع :
_ لما نشوف ..
لكن في تلك اللحظة تذكرت شمس من جديد مصدر شكوكها فتسائلت للمرة الثالثة بنفس النبرة الهجومية وهى تضع راحتيها على خصرها بتحفز :
_ بس بردو أنا عاوزة أعرف أنت كنت فين .. هو قالي إنهم لسة متفقوش مع حد والمخرج اللي بتقولي عليه ده مسافر ..
نظر إليها بثبات قائلًا بجدية :
_ بصي ياشمس .. عاوزك دلوقتي حالًا تختاري بين إنك تصدقيه أو تصدقيني
أجابته مُترجية :
_ طب رد عليا وريح قلبي ..
إلا أنه أصر على موقفه وقال بلهجة رسمية :
_ تمام أنا ممكن دلوقتي حالًا أطلبلك المخرج اللي هو بيقول عليه إنه مسافر واسأليه بنفسك اللي انتي عاوزاه ..
هزت شمس رأسها مُوافقة إلا أنه أكمل دون اكتراث لها مُردفًا :
_ بس ساعتها دي هتبقى آخر ليلة نبقى فيها مع بعض ويجمعنا بيت واحد ..
ضيقت عيناها مُتسائلة بعدم فهم :
_ تقصد إيه؟
هز مصطفى كتفيه وهو يُناولها هاتفه بلا مبالاة مُوضحًا :
_ اللي فهمتيه .. اختاري اللي يناسبك ..
نقلت شمس نظرها عدة مرات ما بين زوجها والهاتف الموجه إليها قبل أن تتخذ في النهاية قرارها الذى لا رجعة فيه ..

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مصطفى أبوحجر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى