روايات

رواية مصطفى أبوحجر الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم آلاء حسن

رواية مصطفى أبوحجر البارت التاسع والثلاثون

رواية مصطفى أبوحجر الجزء التاسع والثلاثون

رواية مصطفى أبوحجر
رواية مصطفى أبوحجر

رواية مصطفى أبوحجر الحلقة التاسعة والثلاثون

الفصل التاسع والثلاثون
-٣٩- ماقبل البداية
كانت الغيوم تُتابع عزف لحنها تلك الليلة الشتوية القارصة، فقد كان صوت المطر حزين يُحرك بداخل البشر الإحساس بالشجن والحنين لشيء ما خاصة بعد أن توسد الغيم السماء فلم يبدو للقمر أثر وكأن مصدر النور الوحيد في الحياة قد اختفى بلا رجعة، بدت الطرقات كأيبة مُظلمة في تلك الليلة بالثُلث الأخير من الشهر الأول لذلك العام الجديد، إلا أن ماحدث هذه الأُمسية جعل الجميع غير عابئًا بحالة الطقس بل سيطر على أجسادهم الحماس تاركًا بداخلهم ذلك الإحساس بالدفء والحرارة وكأنهم في إحدى ليالِ يوليو الحارة ..
بداخل تلك السيارة كانت تجلس هي بجواره كالسابق أعلى هذه الأريكة المُريحة لليموزين السوداء تتأمل وجهها بداخل مرآتها الصغيرة وكأنها تراه لأول مرة، تطل من عينيها نظرة ثقة وتحد وكأنها ملكت زمام الأمور بينما هو بجوارها يُربت على كفها الموضوعة أعلى ساقها رغماً عن توتره الواضح ليقول بإعجاب :
_ فيكي حاجة مختلفة النهاردة ..
نظرت إليه بطرف عينيها دون أن تُجيبه بل اكتفت بابتسامة رقيقة قبل أن تضع مرآتها داخل حقيبتها قائلة بثبات وكأن الأدوار قد تبدلت :
_ أجهز …تقريبًا وصلنا …
تأملها عدة لحظات في مُحاولة منه لتحديد ذلك الاختلاف الذى طرأ عليها مُنذ نجاته من أزمته السابقة، فهو لا يشعر بها كما عهدها دائمًا، فليس الاختلاف في مظهرها الخارجي وحسب بل هناك شيئًا ما بداخلها يفشل هو في التعرف على هويته، شيئًا لم يألفه قط في طباعها ويعجز عن السيطرة عليه كعادته ..
بعد بضع دقائق كانا في طريقهما لاجتياز تلك الدرجات الصغيرة والمؤدية إلى الداخل، حيثُ استقبلهم جيش من الصحفيين جاءوا لأجله خصيصًا بعد أن أصبح حديث الموسم، فحاول كُلًا منهم باجتهاد واضح التقاط العديد من الصور للظهور الأول للمُتهم البريء ..
وفى خضم ذلك اقترب أحدهم وتصاعدت كلماته بصوتٍ عال كي يصل إلى مسامع مصطفى الذى جاهد هو وزوجته للمرور من ذلك الازدحام، فقال دون مقدمات :
_ إيه صحة الكلام اللي اتنشر الفترة اللي فاتت بأنك بتسرق كتاباتك من ال…….
لكن شمس أوقفته بنظرة صارمة من عينيها قائلة وهى تجذب مصطفى من إحدى كفيه لتجاهل المتحدث وتجاوزه :
_ الأستاذ هيوضح كل حاجة في الندوة النهاردة، ووقتها تقدر تسأل عن كُل اللي انت عاوزه ..
ازدادت خطوات مصطفى اتساعًا كما الحال في خطوات زوجته الجادة في طريقهما إلى داخل تلك القاعة الدافئة، كان يبدو عليه الاندهاش والاضطراب من كلمات الصحفي السابق إلا إنه حاول جاهدًا إخفاء ما يعتريه، لكنه في النهاية لم يستطع سوى سؤال زوجته بقلب مُرتجف :
_ إيه اللي هو بيقوله ده، يقصد إيه بكلامه ؟
أجابته بجدية وهى تُتابع خطواتها إلى الأمام بثقة دون أن تنظر إليه :
_ سيبك من اللي اتقال وركز على اللي انت هتقوله ..
زادته كلماتها قلقًا وشحوبًا فهو يشعر وكأنه مُقتاد كالأسير مُقيد بسلاسل من حديد لا يستطع الإفلات منها، مُسَير على غير رغبته إلى طريق تُحاوطه الأشواك من كل جانب ولن يجرؤ على التراجع منه أو الهروب إذا أراد ..
مرت الدقائق على عقله كالثوان وهو يقوم بعمله بمنتهى الدقة مُحاولًا الوصول لاستنتاجات تُمكنه من التعامل مع ذلك الوضع الذى لا يبشر إلا بالسوء، حاول بث الثقة في نفسه وهو يجلس بجوار زوجته حول تلك المائدة ذات الغطاء الأبيض فجلس بترفُع كعادته واضعًا ساق فوق أخرى بعد أن عدَّل من وضع ساعته الرولكس والتي ظهر انعكاسها على ذلك الكأس الزجاجي الفارغ الموضوع أمامه بأناقة بجوار زجاجة مياه رغب هو في تناولها دفعة واحدة، فماله يشعر بجفاف حلقه إلى تلك الدرجة، يُحاول الهرب بعينيه من نظرات كُل المُحملقين به من حوله .. بالتأكيد هُناك خطأ ما فهو مُحاصر بين نظراتهم التي يتناقلونها بينهم فهي أبعد ما يكون عن نظرات الإعجاب والتبجيل مثلما أعتاد دائمًا وأبدًا …
وفى خضم تفكيره ذلك ارتفعت ضحكة صاخبة مألوفة له وبالطبع نجح هو في التعرف على صاحبتها على الفور فالتفت إليها ليجدها جالسة بجوار أحدهم وتتطلع إليه بأعين ممتلئة بال …..
(( الأستاذ مصطفى أبو حجر .. ))
أفاق هو على اسمه يُردد من بعيد فنظر إلى تلك المنصة التي تبتعد عنه عدة امتار يُحاول إدراك واستيعاب الأمر ..
أستاذ !! ما ذلك المُصطلح ؟
لِما لم يدعوه المتحدث كما اعتاد هو دائمًا بالكاتب مصطفى أبو حجر !!
أخرجته زوجته من تفكيره المُتردد مُشجعة إياه على النهوض قائلة بهمس بينما الجمع من حوله يُحملق به :
_ مصطفى قوم يلا ..
وكأنه مُغيب، نهض من أعلى مقعده بصعوبة بالغة بعدما تشبثت قدماه بالأرض من تحتها وكأنها تستغيث بها رافضة المغادرة بل وتدفعه إلى المقعد برجاء بل بأمر من قلبه الذى ازدادت دقاته بتوتر، بينما عقله كان هو أقواهم فلم يتوان عن حثه على الثبات والتماسك قائلًا باستخفاف واضح وكأن العالم أجمع لا يقدر على كسره :
_ ما تجمد كده في إيه ده أنت مصطفى ابو حجر ..
لاحت الطمأنينة على محياه إلى حد ما وانتفخت اوداجه بغرور وهو يعتلى المنصة ويقف خلف ذلك القائم الخشبي قائلاً بثقة ليتردد صوته الدافئ خلال ذلك المكبر الصوتي من أمامه :
_ مساء الخير جميعًا .. بشكركم على تواجدكم النهاردة في الندوة الصغيرة دي قبل بدأ فعاليات مهرجان الكتاب عشان تتعرفوا على العمل الجديد واللي هيبدأ صدوره من بكره إن شاء الله في أولى أيام المعرض ..
كان يتوقع ارتفاع الأيدي بالتصفيق الحار إلا أن ما قابله هو الصمت الواجم فأكمل بثقة لم ينتقص منها شيئًا :
_ قبل ما أقرالكم صفحات من روايتي الجديدة حابب أتوجه بالشكر إلى كُل شخص ساعدني وكان معايا الفترة اللي فاتت في محنتي اللي اجتازتها بفضل الله ثم بفضل كل حد وثق فيا وآمن ببراءتي ..
صمت قليلًا قبل أن يُضيف وهو ينقل بصره بين أوجه المدعوين والذين بدأت ابتسامات السخرية تظهر على وجوههم :
_ طبعاً حابب أأكد إنها كانت مكيدة مُدبرة من منافسين ليا على الساحة لتعطيلي عن الكتابة واستمرار سلسلة نجاحاتي سواء في الكتب الورقية أو السينما والدارما ..
تحولت ابتسامات الحاضرين الساخرة إلى همهمات خافتة لم يستطع هو تحديد مُحتواها فأكمل بتردد :
_ لكن رغم كده أنا نازل بكرة بروايتي واللي أحب من خلالها أوجهلهم رسالة .. إن أبو حجر مفيش حاجة بتقدر تكسره بل بالعكس المصاعب بتقويه وبتزود قدرته على التحدي والمنافسة الشريفة عشان هو يستحق المكانة اللي وصلها ولسه هيوصلها بإذن الله تعالى ..
في تلك اللحظة ارتفعت ضحكة ماجنة بطريقة صاخبة ساخرة من صاحبة الشعر القرمزي، فالتفت إليها معظم المدعوين بينما استمر هو في حديثه بغيظ واضح بعد تطلعه إليها قائلًا :
_ اللي طلعت بيه من محنتي إن الإنسان مبيعرفش قيمة الناس من حواليه إلا لما بيقع في مشكلة وعشان كدة حابب أعرفكوا على زوجتي شمس واللي كانت سند ليا طول الوقت ..
ثم وجه نظره وكلماته إلى زوجته قائلًا بفخر :
_ اتفضلي ياشمس انتي لازم تكوني جمبي هِنا لأنك شريكة نجاحي الاولى والوحيدة ..
صعدت شمس إلى المنصة بجواره بخطوات متباطئة قبل أن يُضيف هو :
_ أحب أشكر زوجتي العزيزة إنها دايمًا كانت بتوفرلي مناخ مناسب للكتابة وبتحفزني للاستمرار وإخراج المزيد من إبداعاتي وزي ماهتشوفوا في روايتي اللي باسم …
توقف عن الحديث وكأنه لم يُفكر في ذلك من قبل، فمال عليها هامسًا بخفوت :
_ اسمها إيه ؟
أشارت شمس إلى إحدى مُعدي الندوة لإعطائها نسخة من روايتها والتي وضعتها أمام زوجها الذى تطلع إلى الغلاف بعدم فهم هامسًا بتردد وحنق :
_ فين اسم الرواية .. ده اسمي أنا بس اللي مكتوب ..
نظرت إليه مُطولاً بنظرة لم يفهمها هو وكأنها كانت تنتظر تلك اللحظة مُنذ شهور، وبالأخير نطقت بأعين لامعة :
_ ما هو ده اسم الرواية .. (( كلهم مصطفى أبو حجر ؟ )) ..
ثم أضافت بثقة وهى تُشير بعينيها :
_أما اسم الكاتب فهو مكتوب تحت ..
التفت إلى حيثُ تُشير فوقع بصره على تلك الكلمات التي قرأها بصوت واضح مسموع حتى يستطع عقله إدراك ما يحدث :
_ شمس محمود الرفاعي !!
نظر إليها من جديد بأعين مُتسائلة قبل أن تتسع حدقتيه بارتعاد عقب توصل عقله لذلك الاستنتاج فقال بصوت خافت لا يقدر على الخروج :
_ قولي إنك معملتيش كده ..
لكنها أجابته بثقة وابتسامة ظافرة :
_ لا عملت كده ..
ثم أضافت :
_ مش كنت عاوز تعرف مين ورا كُل حاجة حصلتلك ..
ابتسم هو بارتعاش رافضًا التصديق قبل أن يتساءل بكلمات هامسة رفضت الخروج من حلقه :
_ تقصدي إيه ؟
تجاهلت سؤاله وقامت بتعديل مكبر الصوت من أمامها بعدما تحركت لتحل محله في نفس الوقت الذي تراجع هو فيه للخلف عدة خطوات، فقالت بثبات مُجيبة عن تلك التساؤلات التي قفزت فوق أعيُن الجميع :
_ حقيقي أنا بشكر زوجي اللي قدمني ليكوا النهاردة مع روايتي الجديدة .. (( كلهم مصطفى أبو حجر؟)) واللي هتلاقوها في معرض الكتاب بكره إن شاء الله ..
ابتسمت مُضيفة وهي تُشير إليه :
_ طبعًا مش محتاجة أقول إن مصطفى هو أول من شجعني على الكتابة وإني استثمر وقت فراغي في الوقت اللي هو كان مشغول فيه بالاحتفال بعمله السينمائي الأول واللي كان بقلمي بردو زي عمله السينمائي التانى اللي أعلن عنه من فترة ..
لم يشعر بنفسه سوى وهو يلكزها بمرفقه قائلًا بغضب واضح وصوت مسموع كانه عاصفة هوجاء تُريد أن تقتلع من امامها الأخضر واليابس :
_ انتي بتقولي إيه انتي اتجننتي ..
تجاهلته مُكملة :
_ بس بصراحة لولا توجيهاته وإرشاداته والفراغ الكبير في حياتي اللي سببهولي مكنتش هقدر أوصل للمستوى اللي وصلتله ده في الكتابة .. عشان كده بقوله شكرًا من كل قلبي ..
نظرت إليه من جديد فرأته يُغادر المنصة على عجل إلى الأسفل بخطوات واسعة غاضبة بينما العدسات تُحاوطه من كل جانب فدفع هو إحداها بحدة قبل أن يتوجه إلى الخارج، في نفس التوقيت الذى التقطت فيه أُذناه صوتها وهي تقول مُكملة عقب رحيله :
_أتمنى إن روايتي تعجبكوا وأسيبكوا مع منظمي الندوة يعرفوكوا أكتر على مُحتوى الرواية وأماكن تواجدها قبل ما أقرالكوا صفحات ترويجية منها ..
عم الصمت الأرجاء في نفس اللحظة التي غادرت فيها المنصة هي الأخرى لتتبعه على عجل إلى الخارج قبل رحيله، فاستوقفته قائلة بثبات :
_ مصطفى ..
بدأت حدة الأمطار بالتزايد بالخارج فعدل هو من وضع معطفه ليُغطي به رقبته رافضًا أن تُقلل المياه من وطأة لهيب غضب المُتزايد، فالتفت إليها بأعين جاحظة ووجه مُكفهر، بينما قبضته تحفزت بقوة فتكورت بعد أن استنفرت عروق وجهه بشكل واضح، وقبل أن ينطق هو قالت هي بتحد بعد أن ضمت ذراعيها أمام صدرها بتحفز :
_ قبل ما تمشي .. طلقني ..
زاد احمرار وجهه وتطاير الشرر من عينيه كالطاغية حتى بدا وكأنه على وشك ارتكاب جريمة، إلا إنه تمالك أعصابه في اللحظات الأخيرة واقترب منها بخطوات ثابتة قائلًا بخفوت بعد أن ضيق عينيه ليحميها من رذاذ المطر :
_ ده بعينِك، نجوم السما أقربلك…
وبعكس ما توقع بدت وكأنها لا تأبه، فاقتربت منه هي الأُخرى مُتجاهلة حبات المطر التي تضرب وجهها بلُطف لتهمس بثبات :
_ لا هتطلقني يامصطفى وبهدوء من غير شوشرة أعتقد إن سمعتك مش مستحملة قضية خُلع ..
لاحت ابتسامة شبه ساخرة على شفتيه وهو يقول بعدما استعاد قوة الشر الكامنة بداخله :
_ لا ما هو خلاص مبقاش عندي حاجة أخاف عليها إنما انتي بقى لسه عندك بنتك ..
رغمًا عنها ارتفعت ضحكاتها بصورة متواصلة لعدة ثوان وكأنه قد ألقى عليها دُعابة، لكنها سُرعان ما استرجعت رباطة جأشها وأجابته بأعين حزينة وهى تتراجع إلى الوراء حيثُ إحدى المظلات الرخامية التي حاولت الاحتماء بها من المطر قائلة بصوت عالٍ نوعًا ما كي يصل إلى مسامعه :
_ تاني يامصطفى .. نفس الغلطة تاني !
لم يفهم ما تقصده، فاختلطت نظرات الغضب بالدهشة وهو ينظر إليها بينما لازال قابعًا في نفس موضعه على بُعد عدة خطوات منها، فأردفت مُوضحة بصوت مُرتعش :
_ عارف كانت غلطتك إيه !!
إنك حتى أبسط قوانين القضاء متعرفش حاجة فيها وده اللي خلاني اتأكد إنك من جواك فاضي زي الهوا، غير الصورة اللي انت راسمها لنفسك ومبينها للناس ..
تساءل بعينيه عما تقصده فقالت مُوضحة :
_ أوعى تكون فاكر إني خوفت لما هددتني ببنتي، كدة كدة حضانتها كانت هتروح لماما مش لطليقي ..
منكرش إني استغربت في الأول لما لقيتك دفعت فلوس لماجد عشان يتنازل عن الحضانة اللي مكنش هياخدها أصلاً بس وقتها فسرت ده بإنك عاوز تبعده عن حياتنا نهائي وميبقاش ليه أي علاقة بينا من قريب أو بعيد ..
بس في الليلة اللي هددتني بيه وبحتة الورقة اللي معاك واللي هو عرف يضحك عليك بيها عشان ياخد منك قرشين لأنه متأكد أنها ملهاش لازمة ..
وقتها أتأكدت إنك إنسان جاهل مخك فاضي ..
علت علامات الدهشة وجهه وهو يواجه غباءه وحقيقته البلهاء، بينما هي أكملت :
_ هتسألني طب إيه اللي خلاني أقعد معاك من تاني وأتراجع وليه في ساعتها منفذتش تهديدي إني أفضحك ..
هقولك عشان ده كان هيبقى عقاب قليل أوى على واحد زيك خصوصًا بعد ما ظهرت على حقيقتك وبان قد إيه انت إنسان حقير واستغلالي، وكنت على أتم استعداد إنك تحرمني من بنتي لو قدرت على كده، فكان لازم أحرمك من كل حاجة وصلتلها خصوصًا بعد ما عرفت واتأكدت إن كُل اللي انت وصلتله ده من تعب غيرك وإنك ضحكت على بنات كتير أوي قبلي ..
انقلبت ملامحه وتثبتت عيناه عليها بذهول عندما أضافت هي بانتصار :
_ آه صحيح أنت لسه متعرفش ..
السوشيال ميديا والجرايد ملهومش سيرة دلوقتي غير عن أبو حجر حرامي الروايات بعد ماكل البنات اللي انت ضحكت عليهم طلعوا قالوا إنك سرقت رواياتهم، مش بس نوال وآلاء وأنا ..
جاهد كثيرًا بداخله مُحاولًا النطق إلا أنه قال بتلعثم مُعلنًا عن مُحاولته المُعتادة للكذب :
_ محصلش دول أكيد .. أكيد …
لكنها قاطعته قائله بتهكم :
_ لا لا مش أنا اللي تقولي الكلمتين دول، اللاب بتاعك كان فيه تفاصيل سرقة كل رواية ليك بتواريخها باسماء كاتباتها اللي انت أوهمتهم بالحُب وعشمتهم بالجواز زي ما عملت مع آلاء وزي ما عملت معايا..
عم الصمت بينهما لبضع ثوان لم يقدر هو على الإجابة أو الدفاع عن نفسه بينما عينيه كانت تتأملانها بانهزام، هل ما تلفظت به للتو حقيقة واقعة أم هو درب من دروب الخيال ؟
هل بالفعل طعنته في ظهره بتلك الصورة القاسية ؟
دفعته أرضًا وتركت الخناجر تُصوب إليه بتلك الصورة المُهينة ؟
خذلته كسابقتها وجعلت منه اضحوكة تُلاك بداخل ألسنة الجميع ؟
لكن قطع الصمت صوتها الحزين المُنكسر تُحاول تبرير ما قامت به وكأنها التقطت تساؤلاته واتهاماته الباطلة، فقالت مُوضحة :
_ كُل ده كنت بتمثل عليا عشان الروايات وبس !!
لم تُعطه فرصة للإجابة بل امتلأت عيناها بالقهر والحسرة قبل أن تُكمل بضعف وكأن شمس القديمة قد عادت من جديد عقب تذكرها مدى خُذلانها :
_ ليه عملت فيا كده وأنت عارف إني مش هستحمل كسرة تانى، ده أنا عريت نفسي قدامك من كل قوة كنت بحاول أتظاهر بيها ووريتك قد إيه أنا من جوة هشة ضعيفة ومحتاجاك، وريتك قد إيه أنا بحبك ورميت كل حمولي وخوفي من الزمن عليك ..
خفت حدة المطر قليلًا عندما أجابها دون تفكير بعد أن لاحت على قلبه ذكرى رؤيتها لأول مرة مُنذُ ما يقارب السنة، في أجواء تُشبه كثيرًا تلك الليلة، عندما اعتقد أنها هي من ستعوضه عن سنوات عذابه، عندما أختارها وحدها من دون مئات الفتيات لتشاركه مسيرة دربه، حينما ولاها ثقته كاملة دون تفكير أو تردد، مُستمعًا لرغبة قلبه في الحُب من جديد وتكوين عائلة هو ربها، اسرة تحتويه ويحتويها، نعم هو يعترف بأنه اول من خذلها، لكنه لم يتوقع ابدًا تخليها عنه بتلك الصورة المخزية، لذا قال بمرارة الانكسار داخله كالمُدمر كالمُخَرب الذي لم يعد يصلح لشيء :
_ انتي محبتنيش، انتي حبيتي صورة الكاتب الكبير المشهور، حبيتي القلم والكتابات اللي بتنزل باسمي، حبيتي الهالة اللي حواليا …
هزت هي رأسها نافيه فأكمل وهو يهدم آخر أمل بداخله :
_ والدليل إنك لما اكتشفتي إن ده مش أنا .. اختفى الحب اللي بتوهمي نفسك بيه وحللتي لنفسك إنك تعملي فيا كل اللي عملتيه ..
رغمًا عنها أفلتت دمعاتها بحرارة قائلة بدفاع مُستميت وهى تقترب منه بينما الأمطار بدأت في الهطول من جديد لكن بصورة أخف وطأة من سابقتها :
_ لا أنا حبيتك .. حبيتك أكتر من أي حاجة .
منكرش إني انبهرت بيك في الأول بس بعد كده حبيتك، حبيتك لدرجة خلتني مسمعش كلام عقلي ، حبيتك لدرجة إني كُنت عاوزه أسامحك على طول .. عاوزة أغفرلك ومشيلش في قلبي منك وأنا عُمرى ماكنت بسامح للدرجة دي وعمري ماكنت بحط عقلي على جنب وأسمع كلام قلبي بس..
جملة إن مفيش كرامة في الحب عرفتها وصدقتها وأنا معاك أنت بس، أديتك كُل مجهودي وتعب الليالي وكنت مستعدة أديك تاني وتالت ورابع من غير مااستنى أي مُقابل منك .. بعد كل ده بتقولي حبيت الشهرة والأضواء !
ما أنا كان ممكن آخدهم منك من زمان أوي بس أنا للأسف كنت شايفاك تستحق التضحية ..
حبيت إنسانيتك واهتمامك بيا وببنتي، حبيت فيك اللي ملقتوش في جوازي الأولاني والحقيقة انت كنت مثالي في كُل حاجة، مثالي لدرجة تخلي أي واحدة مكاني لو بتفكر دقيقتين بعقلها تسأل .. الغلط فين !!
بس أخيراً استوعبت الغلط … فهمت متأخر أوى إن كل حاجة كانت مُنمقة ومترتبة على الوش من برة بطريقة مثالية عشان تخبى حقيقتك وكان لازم أشك ..
ده مكنش انت .. حقيقتك اللي بانت وانت سكران .. قد إيه انت إنسان أناني بميت وش ميهمكش حاجة في الدُنيا إلا الكارما الخاصة بيك .. مصطفى أبو حجر ومن بعده الطوفان.
كُل اللي كنت بتعمله معايا أنا وبنتي كان عشان مصلحتك وبس ووقت ما كنت هتلاقي غيري يوصلك لطريق أكبر وأسرع كنت هتروحلها وتسيبني ..وأعتقد إن الموضوع ده مكنش بعيد .. علاقتك بلينا كانت رايحة للمسار ده .. مسار الشهرة والنفوذ فكده كده كنت هترميني قريب ..
هز مصطفى رأسه نافيًا باستجداء مُختلط بالحسرة وهو يحاول الاقتراب منها مُجتازًا بضع خطوات فاصلة بينهما وهو يقول بنبرة أشبه للرجاء مُتغاضيًا عن طاقة الغضب داخله :
_ شمس أنا فعلًا …
إلا إنها قاطعته بحدة وهى تبتعد عنه نافرة :
_ انت إيه ياأخي .. لسه هتستمر في كدبك تاني، كدبك اللي حولني للي أنا عليه دلوقتي، كدبك اللي خلاني مش قادرة أبص لنفسي في المراية بعد اللي وصلتله ..
لسه ناوى تكمل وتكسرني أكتر.. مكفاكش أنك دمرت ثقتي في أي حد .. مكفاكش إني طلعلي ضوافر بقيت بأذي بيها أي حد يقربلي .. عاوز إيه تاني مني !
متبقاش فيا حاجة من شمس القديمة عشان تحطمها أكتر من كده .. لو سمحت طلقني …
تجمد مكانه وكأنه تمثال من الحجر، بينما نظراته سُلطت عليها مُتأملًا لكل ملمح من ملامحها وكأنه يراها للمرة الأخيرة، فطلت من عينيه لمعة خافتة لحبات الدمع العزيزة وكأنها اللؤلؤ والألماس، وفى النهاية قال بانكسار كمبني مُحطم من بقايا آثار الحرب :
_ انتي .. انتي طالق ياشمس ..
بطريقة ما يبدو أن قطرات المياه لم تُصيبهم في تلك اللحظة داخل تلك الساحة الواسعة التي خلت من البشر إلا منهم ومن مياه الأمطار التي تجمدت على بُعد عِدة سنتيمترات فوق رؤوسهم ، بل وكأن تلك اللحظة بأكملها توقفت لديها الحياة لمدة بضع ثوان استمرت لكثير من الوقت، قبل أن يستسلم هو ويلتفت بجسده مُغادرًا في نفس اللحظة التي استمرت هي بمراقبته للمرة الأخيرة قبل اختفائه عن عينيها بفعل تلك الغمامة التي غطت مقلتيها والتي انهمرت بقهر لتختلط بمياه الأمطار التي لامست وجنتيها ..
حاوطتها العدسات من جديد كنجمة لامعة تسطع في مجال الكتابة، ورغمًا عن عاصفة الحزن بداخلها إلا إنها اعتلت المنصة بشموخ وكأنما تلبستها روحه فقالت بثبات قبل أن تبدأ في قراءة الفصل الأول من روايتها :
_ اليوم ..وبعد خوضي تلك التجربة أعرض لكم حياتي بين أسطر روايتي الأولى المُوقعة باسمي … شمس محمود الرفاعي ..
ثُم استطردت وهي تقوم بفتح إحدى صفحات الفصل الأول قائلة :
_ فلنبدأ بمُقتطفات من الفصل الأول ..
وقبل أن تقرأ وقعت عيناها على تلك الكلمات التي خطتها بأصابعها مُذكرة إياها بلقائها الأول به، فخرج صوتها مُرتعشًا بعد أن اغمضت عينيها وبدأت في قراءة سطور كُتبت بدقات قلبها، فراودها من جديد ذلك الإحساس الذي سيطر عليها في تلك اللحظة، وتمنت بصدق لو أن كل ما عاشته هو مجرد خيال كاتب، وهم لا صلة له بالواقع، لكن وللأسف مثولها الآن أمام ذلك الجمع أثبت لها عكس ذلك، لذا خرجت الكلمات من داخلها لترتسم ملامحه من جديد داخلها وكأنه يتجسد أمامها قائلة :
_ (( تلفتت حولها يُمنة ويسارًا باحثة عن إحدى عربات الطعام السريع لتبتاع لنفسها شطيرة وكوب قهوة ساخن تستمد منهما بعض الدفيء والطاقة، اشتدت قطرات المطر أثناء انتظارها لاستلام طلبها من إحدى العربات المُغطاة من الأعلى؛ والتي اتخذتها ساترًا لها بعض الوقت من حبات المطر المُتدافعة، استغلت هي تلك اللحظات لتتدثر بإحكام واضعة قلنسوة الرأس المُتصلة بالمعطف فوق حِجابها بعد أن أغلقت جميع أزراره ونفخت بداخل كلتا كفيها بقوة كي يسترجعا نشاطهما وتشعر بأصابعها المُتجمدة من جديد، وفى النهاية تناولت شطيرتها الساخنة بإحدى يديها وبالأُخرى التقطت كوب القهوة الساخن، وانطلقت تعدو هاربة من حبات المطر المُتسارعة والتي تقافزت داخل الكوب الغير مُغطى ..
وعند أقرب مكان مُخصص للجلوس توقفت هي عند تلك الطاولة البيضاء المُثبتة أرضًا والتي توسطت “برجولة” رُخامية ظللتها من الأعلى كمظلة كبيرة تحميها من الابتلال، ما إن توقفت حتى زفرت بارتياح واضعة ما بيدها أعلى الطاولة قبل أن تُلاحظ كوب القهوة الشبه فارغ والذى توسط المنضدة مُنبهًا إلى تواجد صاحبه ..
رفعت رأسها إليه على استحياء مُتأملة هيأته الأنيقة المُلفتة والغير مألوفة لعينيها فى حياتها اليومية بينما هو بدا وكأنه لم يُلاحظها حيثُ انشغل بالعبث بهاتفه، لذا أطالت النظر إليه رغمًا عنها وكأنها فقدت السيطرة على عدستيها اللتان تمردا عليها وأخذا يُبحلقان به غير عابئتين بخجل صاحبتهما، فلأول مرة تُصادف تلك الطلة المُدهشة التي تستحوذ على الانتباه فور رؤيتها خاصة وأن صاحبها لا تشوبه شائبة تُذكر، بل كُل تفصيلة به آسرة لدرجة تصعب مُقاومتها، فخُصلات شعره مُرتَبة بعناية وكأنه قد خرج للتو من محل لتصفيف الشعر، وذقنه حليقة ناعمة يظهر على سطحها منابت الشعر بصعوبة بالغة فساهمت في إبراز عارضي فكيه المُحددين لجانبي وجهه المُتناسقين والخاليين من أى دهون تُذكر، بينما رقبته العريضة إلى حدٍ ما فكانت تستقيم بشموخ رافعة وجهه الوسيم إلى الأعلى وكأنه جندي مُدرب بعناية يرتدى بذلته الرسمية لآداء عرضه العسكري، أما عينيه الشبه مُغلقتين فعجزت عن رؤيتهما بوضوح نظرًا لإنسدال أهدابهما السوداء الكثيفة أثناء ارتكازه بهما على هاتفه، كان يضع ساقاً فوق الأُخرى بخيلاء وسمو مُرتديًا معطف وثير يبدو من خامته الصوفية الناعمة أنه يُساوى الآلاف من الجُنيهات، كما الحال فى تلك البذلة الأنيقة التي ظهر جزء منها من فتحة معطفه ..
_ تُرى هل هو رجل من رجال الأعمال المرموقين أم هو شخصية سياسية ذات مكانة أمنية عالية وسيُحاوطها الآن بعض أُناس يجتذبونها من مرفقها بقوة لتبتعد عن مُحيطه ! ))

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية مصطفى أبوحجر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى