روايات

رواية لولا التتيم الفصل الثالث 3 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم الفصل الثالث 3 بقلم ناهد خالد

رواية لولا التتيم الجزء الثالث

رواية لولا التتيم البارت الثالث

رواية لولا التتيم الحلقة الثالثة

رأت اسمه يزين شاشة هاتفها لتزفر بضيق قبل أن تجذب الهاتف وهي تستأذن من صديقتها التي علقت ساخرةً:
_ قومي لاحسن يقيم عليكِ الحد لو مردتيش.
زجرتها نظراتها الضائقة قبل أن تنهض مبتعدة عنها قدر الإمكان، وحين أصبحت بمكانٍ مناسبٍ أجابت ببرود:
_ الو.
أتاها صوته الغاضب وهو يسألها:
_ أنتِ فين يا هانم؟
لن تنكر أن نبرة صوته وعنفوانه في الحديث أصابوا قلقها لكنها حاولت أن تبدو غير مبالية وهي تجيبه:
_ انا مع نانسي يا بدر.. مش قولتلك إننا خارجين!
وإجابته كانت جملة واحدة قالها بغضبٍ مكتومٍ قبل أن يغلق المكالمة:
– ترجعي حالاً.

 

ابعدت الهاتف عن أذنها تنظر لانتهاء المكالمة بهِ، لتغمض عيناها بضيق وغضب تملك منها هي الأخرى وجملة صديقتها تتردد بأذنها فيبدو أنه بالفعل قرر أن لا يمرر فعلتها على خير.. وأيًا كان الوضع لا يحق له أن يجبرها على العودة كما أمرها بالمكالمة.. هي ليست جارية لديهِ ليعاملها هكذا!
استدارت لتعود لصديقتها وما إن اقتربت منها حتى استمعت لها تقول:
_ من وشك كده يبقى سمعك كلمتين حرقوا دمك.
جلست بوجهها العابس وهو تجيبها بغيظ:
_ عاوزني ارجع حالاً.
وقبل أن تجيبها كانت أخرى تقول:
_ هاي يا بنات.
رحبا بصديقتهما الثالثة “منة” والتي عادت للتو من رحلة عملها للندن التي استغرقت شهرًا كاملً.. احتضناها ببهجة لعودتها ثم جلسا يتحدثان لبعض الوقت في أحاديث متفارقة حتى هتفت ” منة” بتساؤل:
_ مالك يا لليان؟ شكلك مش مظبوط، متخانقة مع بدر؟
وقبل أن تجيب “لليان” كانت “نانسي” تجيبها وهي تسرد لها ما حدث بنبرة متهكمة، ساخرة لتتسع أعين “منة” وهي تسألها:
_ ولسه مروحتيش! ده انا قاعدة معاكوا بقالي نص ساعة.
ردت بغيظ:
_ ومش هروح.. هو بيأمرني وأنا المطلوب مني أنفذ! يشوف بقى مين هيروحله.
عقبت “نانسي” بتشجيع:
_ جدعة يا لليان، هو لو لقاكي روحتي وسمعتي كلامه هيتعود على كده ويسوق فيها بقى.
ظهر الرفض واضحًا في عينين “منة” قبل أن تعبر عنهُ وهي تقول:
_ لا طبعًا.. هو ايه الي جدعة أنتِ كمان! بدل ما تعقليها وتقوليلها روحي لجوزك عشان المشكلة متكبرش؟
رفعت “نانسي” حاجبيها ساخرةً:
_ واقولها بالمرة روحي اعتذريله وقوليله مش هعمل كده تاني يا بابا..
ابتسمت “منة” بهدوء وهي تقول:
_ أنتِ بتقولي فيها هي فعلاً المفروض تعمل كده.. تعتذرله وتقوله مش هخرج تاني من غير اذنك ولا هعمل حاجه أنتَ رافضها.. يابابا.

 

أنهت جملتها وهي تنظر بسخرية ل”نانسي” ثم التفت ل “لليان” تكمل بمغزى:
_ بابا الي لما بيرفض حاجه لينا بيكون لانه شايف انها مش في صالحنا مش تجبر منه ولا حب في فرض السيطرة.. يمكن يا لليان لو شوفتي بدر مكان باباكِ الوضع هيختلف كتير ما بينكوا.. العِند والشد والجذب ده هيهدى.. أنا افتكر إن باباكِ كان بيرفض ليكِ حاجات اوقات.. ليه وقتها مكنتيش بتعانديه وتعمل عكس الي هو عاوزه.
ذمت شفتيها بضيق وهي تقول:
_ عشان بابي كان بيبرر ليه رافض، واوقات كان بيقنعني برفضه.. لكن بدر حابب يفرض سيطرة وخلاص.
تدخلت “نانسي” في الحديث وهي تقول:
_ بعدين بقى هو لا يمكن يكون مكان باباها.
التفتت لها “منة” تسألها برفض:
_ ليه لا يمكن يكون مكانه! هو بالفعل مكانه.. هو الي بقى المسؤل عنها.. هو الحضن الي هتجري عليه لما يحصلها مشكلة، هو الي هيدافع عنها لو حد ضايقها او أذاها، الزوج بياخد كل مسؤوليات الأب وبالتالي بياخد جزء كبير من مكانه.. مش كل الأزواج طبعًا بس بدر قادر يبقى جدير بالمكانه دي فليه لأ!.. أنا معاكِ انه غلط يرفض بدون سبب بس ممكن بلطافة تقدري تعرفي منه سبب رفضه وتحاولي تقنعيه انه يوافق.. معتقدش ان الموضوع يستحق كل الخلافات والمشاكل دي… مفكرتيش لما ترجعي هيكون ايه ردة فعله بعد ما طنشتي كلامه ومرجعتيش زي ما طلب مِنك؟

 

توترت نظراتها وهي تفكر بحديث صديقتها طوال تحدثها حتى سألتها سؤالها الأخير لتنظر لها ببهوت للحظة بعد أن هدأ غضبها قليلاً.. الآن عقلها تدارك الموقف فماذا يفعل معها “بدر” بعد أن خالفت حديثه للمرة الثانية ولم تعود مثلما طلب منها؟ ابتلعت ريقها بتوتر وهي تقول:
_ هيعمل ايه يعني.. والله لو عمل حاجة لأكون سايبه البيت وراحه لبابي.
ابتسمت “منة” بتهكم وهي تقول:
_ برافو يا لليان اخربي بيتك اكتر يا حبيبتي… مالو مش هامك جوازك كده اطلقي واهو توفري حرقة الدم والأعصاب الي على الفاضي دي.. وكده كده النتيجة واحده يعني.
نبضة فزع شذة عن باقي نبضاتها حين ذكرت منة أمر الطلاق، وجف حلقها لجملتها الأخيرة فسألتها بتوجس:
_ قصدك ايه؟
أجابتها بجدية هادئة:
_ الجواز مش حرب يا لليان.. مش حرب المفروض فيها طرف يعلن انتصاره، الجواز أكتر علاقة تكاملية في الحياة.. يعني الطرفين بيكملوا بعض بيندمجوا ويكونوا طرف واحد، أنتِ فاهمه كلامي! يعني مبيقفوش لبعض على الواحدة، ويعندوا ويكون هم كل الطرف انه ميخضعش لسطوة التاني بالعكس يخضعه هو لسطوته.. يحكوا كل الي بيحصل بينهم لطرف تالت يشوف الموضوع من وجهة نظره فيقول كلمتين ملهمش لزمة يشعللوا الدنيا اكتر أو يخلقوا مشاكل.. انا عاوزه اقولك إن علاقة زي الجواز ليها أركان.. ماشاءالله يعني أنتِ مش عامله بولا ركن منها.. يبقى هتنجح ازاي!؟ هييجي وقت وطرف منكوا هيتعب ويقرر ينهي تعبه ده بالانفصال.
نظرت أمامها بشرود تفكر في حديث “منة” يبدو أن معها حق في بعض ما قالته وهذا ما جعل عقلها يدور بتخبط فهل من الممكن أن تكون هي سبب معظم الخلافات التي تصيب علاقتها بزوجها؟؟ هل ستكون سببًا رئيسيـًا ذات يوم للانفصال!؟ وهل هي قادرة على هذا الانفصال أساسًا!؟

 

احتلَ الغضب معالم وجه “نانسي” وهي تسأل” منة” باحتدام:
_ تقصدي ايه بطرف ثالث؟ قصدك أنا؟ انا بشعلل الوضع بينهم؟
نظرت “منة” في ساعتها وعقدت حاجبيها بتصنع تقول بعد أن نهضت:
_ سوري يا بنات عندي اجتماع مهم اتأخرت عليه اشوفكم بعدين.
أنهت حديثها وذهبت خارجة من المقهى، لتنظر “نانسي” لأثرها بغيظ قبل أن تقول:
_البت دي أنا مبحبهاش معرفش أنتِ مصممة على صحوبيتنا معاها ليه؟
انتبهت لشرود “لليان” كأنها في ملكوت آخر.. لتحدثها بتنبيه:
_لليان!
انتبهت لها فقالت:
_نعم؟ بتقولي حاجه؟
أردفت “نانسي” بتعصب:
_ أنتِ سرحتِ في ايه؟ اوعي تكوني بتفكري في كلام العبيطة دي!
ضيقت “لليان” عيناها باستغراب:
_ حتى لو أنتِ متضايقه كده ليه؟ وبتتعصبي عليَّ ليه؟!
هدأت “نانسي” من ذاتها تقول:
_مش قصدي اتعصب، بس كلامها ضايقني وخايفه تكوني اتأثرتي بيه وتحني رقبتك لسي بدر.
طالعتها بدهشة وهي تقول:

 

_احني رقبتي! بدر مش عدوي يا نانسي.. وكلام منة مأثرش فيا بس هو فوقني.. أنا فعلاً غلط لما خرجت وبدر رافض، كان ممكن اتصل عليه واتفاوض معاه ومتأكده انه في الآخر كان هيقولي اخرجي بس أنا عِندي اتحكم فيا وعمل مشكلة كبيرة بينا دلوقتِ، حتى لما كلمني وكان متعصب فطلب مني ارجع طنشت كلامه ومرجعتش اهو.. رغم ان حقه يتعصب بعد ما خرجت من غير إذنه.. عشان كده هروح دلوقتِ واحاول امتص غضبه عشان الموجة دي تعدي.. يلا سلام هكلمك بكره.
أنهت حديثها وهي تلتقط حقيبتها حتى انها لم تعطي فرصة لنانسي بالتعليق على حديثها.
تابعت “نانسي” ذهابها بذهول لا تصدق أن “منة” سيطرت عليها بهذه السهولة من جلسة واحدة:
_ الله يخربيتك يا منة الزفت بوظتِ كل الي بعمله.
رددتها بعصبية وهي تخرج علبة سجائر وقداحة خاصة بها لتشعل واحدة تنفس دخانها بغضبٍ ساحقٍ.
______________________

 

_ يارب الأرض والسموات، اللهم أغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم إني أستغفرك من كل ذنب أذنبته وتعمدته أو جهلته، وأستغفرك من كل الذنوب التي لا يعلمها غيرك، ولا يسعها إلا حلمك.
أنهى دعائه الذي نبع من قلبه وليست مجرد كلمات يرددها لخمس سنوات كاملة علَّ الله يغفر له ذنبه الذي ارتكبه بكامل وعيه وارادته في مقتبل شبابه ألا وهو زواجة العرفي من “ريهام” نهض يطوي سجادة الصلاة وبعدها توجه لخارج الغرفة كي يعد طعامًا خفيفًا للعشاء، ولكن حينما وصل للمطبخ ونظر للطعام لم يجد له شهيه تكفي لإعداده فاكتفى بصنع كوبًا من الشاي واتجه بهِ للشرفة يستنشق هواءها ويتابع المارة بعقلٍ شاردٍ.
انتبه لرنين هاتفه ليخرجه ناظرًا لهوية المتصل فوجده صديقه المقرب “ناصر”، وبعد عدة أحاديث غير مهمة كان يسأله:
_عملت ايه مع مراتك؟
تنهد “عاصم” تنهيدة عميقة تحمل الكثير من مشاعره المرهقة قبل أن يقول:
_ وديتها عن مامتها زي ما قولتلك.
استمع لحديث صديقه وهو يقول بعتاب:
_برضو يا عاصم! أنتَ مش قولت هتستحملها و…
قاطعه “عاصم” وهو يقول مفرجًا عن الأفكار الكثيرة التي تدور بداخله:

 

_قولت.. وقولت عمري ما هستسلم انها تسامحني ونعيش حياة طبيعية زي ما عمري ما هستسلم ان ربنا يغفرلي ذنبي.. بس انا تعبت يا ناصر، تعبت من الرفض الي بشوفه في عنيها ومن تعاملها وكأني هوا، كأني أسرها مثلاً فمجبر تعيش معايا لان معندهاش اختيار تاني.. انا برضو مستسلمتش بس قولت ادينا هدنة، هي تراجع نفسها وأنا احاول اشحن نفسي بطاقة جديدة تخليني ارجع اعافر.
_فكرتك استسلمت.
ابتسم ساخرًا لجملة صديقه قبل أن يعقب:
_انا استسلم.. طب ازاي، ناصر انا مش شايف حياتي واستقراري وعيلتي من غيرها.. انا ممكن اعيش من غيرها، بس هعيش وحيد، بائس.. لكن مش شايف بيت وعيلة ودفا من غير ريهام.. انا نفسي متخيلتش زمان اني ممكن ارتبط بيها كده، متخيلتش اني هحب كده، يمكن لو كنت قدرت مكانتها عندي مكنتش ارتكبت ذنب ضيعني وضيعها وعقدت علاقتنا بالشكل ده… ريهام هي الست الوحيدة الي دخلت حياتي وقلبي.. ولو علاقتنا كُتب ليها الفشل هتبقى الست الأخيرة الي دخلت حياتي.
استمع لضحكة موجعة من “ناصر” الذي قال:
_لو مكانش رِمح العشق صابني قبلك كنت قولت ده كلام روايات.
أدمعت عيني “عاصم” تأثرًا بحال صديقه قبل أن يردف:
_ناصر أنتَ من حقك تعيش حياتك بقى.. من حقك تبني بيت وأسرة و…
قاطعه “ناصر” بنبرة متألمة :

 

_ عارف.. من حقي بس مش عاوز ولا قادر، انا خدت نصيبي خلاص وراضي بيه.
ذم “عاصم” شفتيهِ بحزن على رفيقه قبل أن يقول باستسلام:
_ ربنا يرحمها يا ناصر ويجمعك بيها في الجنة.
اختنق صوت الاخير وهو يقول:
_ اهو انا مش محتاجه حاجه اكتر من الدعوة دي.
أغمض “عاصم” عيناه بقلبٍ منفطرٍ على ما أصاب رفيقه منذُ كُتب لفرحته ألا تتم حين توفت زوجته نهار يوم زفافهما جراء حادث سير وهي ذاهبه لسنتر التجميل ليخيم الحزن على حياة صديقه الذي زهد الحياة لعامًا كاملً حزنًا على حبيبته وزجته.. وها هو حتى بعد مرور ستة أعوام على وفاتها لا يقبل مجرد الحديث في شأن زواجه مرةً أخرى.
_ربنا يكتبلك الخير يا ناصر ويريح قلبك.
وبهذه الجملة أنهى “عاصم” حديثه مع رفيقه ليعود لشروده ووحدته مرةً أخرى.
____________________
رأت رقمها يزين الهاتف لتجيبها سريعًا وأول ما أجابت بهِ كان جملة هتفت بها سريعًا كأنها في سِباق:
_ عاصم سابني…جابني عند ماما وقالي انه هيسبني فترة زي هدنة كده بس أنا..
قاطعها الطرف الآخر يقول:
_ طب قولي مساء الخير الأول ولا ازيك ولا اي حاجة!

 

التقطت أنفاسها بحرج وهي تقول:
_اسفة، بس انا دماغي هينفجر من وقت ما جيت عند ماما وحاسه بحيرة هتجنني، انا كنت عاوزه ده وطلبته منه بس ليه لما عمله حاسه اني مضايقه.
ابتسمت على الجهة الأخرى وهي تستمع لحديثها وردت:
_يعني أنتِ مصممة تدخلي في الموضوع على طول.. ماشي يا ستي، يعني حاليًا بعد ما انفصلتوا حتى لو بشكل مؤقت لقيتِ نفسك مش مرتاحة.. طب ما ده الطبيعي يا ريهام الانسان بطبيعته بيفضل يجري ورا الحاجة وأول ما تتحقق يا يزهدها يا يحس ان مش دي الحاجة الي كان عاوزها وانه كان واهم.. وأنتِ كنتِ واهمة، عقلك صورلك إن نهاية عذابك وراحتك في بعدك عن عاصم، رغم إن دي مش الحقيقة.. وده الي اكتشفتيه دلوقتي، عشان ببساطة قلبك معاه والقلب عمره ما بيرتاح في بُعد حبيبه حتى لو بينهم حروب القوم..
ضمت شفتيها بحيرة أكبر وهي تقول :
_ ايوه يعني الحل ايه؟
_ قوليلي الأول ليه مش مرتاحة دلوقتِ؟ ايه السبب الرئيسي.
أجابتها بحيرة حقيقية:
_ مش عارفه.. بجد معنديش إجابة.
_هي حاجة من الاتنين يا ريهام.. يا خوفتِ إن دي تبقى بداية تخلي عاصم عنك وانه يكون تعب من المعافرة معاكِ وبالتالي علاقتكوا هتنتهي.. ياما لمجرد إن قلبك مش مرتاح عشان هو بعيد… فأنهي فيهم؟
_هي هتفرق؟
أجابتها بتأني:
_ مش هتفرق.. لأن كلا الحالتين بيأدوا لنتيجه واحدة إن بُعدك عن عاصم مفيهوش راحة ليكِ.. لكن هتفرق في إنك تعرفي نفسك وتفهمي أنتِ عاوزه ايه وده مهم جدًا.. لازم تفهمي نفسك عشان الحيرة الي أنتِ فيها دي متتكررش.. أنتِ في حرب بين عقلك وقلبك الحرب دي لو فضلت مستمرة أنتِ اكتر واحدة هتخسري.
سألتها بحيرة أكبر:
_ واعمل ايه عشان انهي الحيرة دي؟
استمعت لضحكة الأخيرة قبل أن تقول :
_ مينفعش أنا الي أدلك لازم تعرفي طريقك بنفسك.. فكري يا ريهام واسمعي لقلبك زي ما بتسمعي لعقلك.
كادت تتحدث لكنها استمعت لصوت ثالث على الجهة الأخرى يقول:
_ أنتِ فين يا كريز بقى يومي الاجازة سيباني فيه لوحدي!
ابتسمت “ريهام” قبل أن تقول للاخرى:
_ طب هقفل أنا بقى وهبقى اكلمك بعدين.
استمعت لرد الأخيرة الخافت من حرجها من الموقف الذي وضعها بهِ زوجها:
_ تمام يا ريهام، فكري زي ما قولتلك وشوفي هتوصلي لايه.
_ماشي ان شاء الله سلام.
_مع السلامة.
على الجهة الأخرى أغلقت المكالمة لتنظر للذي أمامها بأعين متقدة تنذر بشِجار قادم.
_________________

 

بحثت عنه في ارجاء الفيلا ولم تجده وأخيرًا وجدته في الغرفة الصغيرة الملحقة بالمنزل والتي تقبع في الحديقة، تلك الغرفة المخصصة لهواية “بدر” التي يخرج بها شغفه وغضبه ألا وهي الملاكمة.. دلفت للغرفة بخطى مترددة بعد أن وقع بصرها عليه وهو يمارس تلك الرياضة العنيفة، توقفت لحظات تنظر له بتوجس وعقلها يتخيل ماذا إن تلقت لكمة من قبضة يده هذه حتمًا سيصيبها ارتجاج بالمخ هذا إن لم تمت في الحال.. أخرجها من شرودها وتفكيرها الأحمق صوته الساخر وهو يقول:
_ هتصوريني؟
انتبهت له بعد أن توقف عن لكم ذلك المجسم الضخم، التقطت أنفاسها بهدوء وقالت بنبرة حاولت جعلها رقيقة أكثر من المعتاد:
_ أنا آسفة يا حبيبي عارفة إني غلط لما خرجت مع نانسي رغم إنك عارضت، وغلط لما اتأخرت رغم إنك طلبت مني ارجع بسرعة.. بس اوعدك إن كل ده مش هيتكرر تاني.
ضيق عيناه في دهشة لا يصدق أن “لليان” تعترف بخطأها بل وتتحدث بهذا الهدوء وتعد بعدم تقرار الخطأ.. فاق من تفكيره ليقول بارهاق قد تملك منه بعد يومه الطويل هذا باحداثه التي أرهقته اكثر :
_ وايه بدل حالك؟ مانا لسه مكلمك من ساعتين وقايلك ترجعي ومرجعتيش يعني كنتِ لسه على عِندك.
تنهدت بصبر وهي تقول بكذب لا حرج منهُ في موقف كهذا:
_ لا انا كنت راجعة بعد ما كلمتني على طول بس وأنا خارجه من الكافية قابلت منة أنتَ عارف إن الكافية بتاعها وكانت جاية بالصدفة فلاقتنا هناك وقعدت معاها بقى أنتَ عارف بقالها شهر كانت مسافرة.
لم تتلقى منه أي ردة فعل للحظات حتى أنها ظنته لم يسمع ما قالته لكن ارتسمت ابتسامة تهكمية على ثغره بعد صمته هذا وهو يقول:
_ منة رجعت.. مش تقولي كده من الأول.
ضيقت حاجبيها تسأله بعدم فهم:
_ مش فاهمه، اقول ليه؟
أجابها ببساطة:
_ عشان اعرف سبب تغيرك من غير ما اسألك.

 

_قصدك ايه يا بدر؟
_ اكيد منة قالت كلمتين اقنعوكِ فجيتِ تعتذري وتصلحي الموقف.. وبكره نانسي تقول كلمتين تانيين عكسهم يشعللوكِ فتقوم خناقة ما بينا.. ودوخيني يا لمونة.
استشفت سخريته واستهزاءه بموقفها فالتمع الغضب بمقلتيها وهي تقول:
_أنتَ قصدك إن صحباتي بيتحكموا فيا؟
التقط قميصه من فوق الأرضية ليضعه على كتفه وهو يتجه لها وابتسم ببرود يقول :
_ لا يا حبيبي مش بيتحكموا فيكِ.. بيتحكموا في حياتنا، وفي علاقتنا.. بس قوليلي يا لليان يا ترى صحباتك دول بيتحكموا في علاقتنا الخاصة برضو؟ يعني بيقولولك امتى تسمحيلي اقرب منك وامتى تتمنعي وتمارسي اسلوب شوق ولا تدوق؟
صُدمت من حديثه الذي تسمعه بهذه الصراحة لأول مرة، وشعرت بقسوة كلماته لتدمع عيناها طفيفًا وهي تسأله:
_أنتَ شايفني ساذجة للدرجادي لدرجة إن كلامهم يحدد علاقتي بيك!؟
لوى شفتيهِ بتهكم:
_لا أنتِ أسذج من كده بكتير.
أنهى ما قاله وخرج من الغرفة تاركًا إياها بعقل لم يستوعب بعد ما قذفه في وجهها من حديث يوضح الحقيقة المُرة لِمَ هي عليهِ والذي لا تلاحظه، هي فقط ترى ذاتها تفضفض بالحديث مع صديقتها علَّ الأخرى تجد حلاً للخلاف الذي نشبَ بينهما.. ما علاقة هذا بالسذاجه؟ ولِمَ يغضبه الأمر لهذه الدرجة؟!
_____________________

 

وضعت أطباق الطعام الفارغة في الحوض بعد أن انتهوا من تناول الإفطار، استمعت لصغيرها الذي دلف المطبخ للتو وهو يقول:
_مامي.
أجابته بانشغال:
_نعم يا حبيبي.
سألها ببراءة وهو يقلب ما في يده علَّه يتبين هويته:
_ هو ايه ده؟ اصله وقع مني واتكسر هو مهم؟
القت نظرة سريعة على ما يحمله لتتسع عيناها وهي تدرك هويته.. ثانية.. اثنان… والثالثة كان “يونس” يركض هاربًا وهو يصرخ على أبيهِ بان ينقذه.
خرج من الغرفة قبل أن يكمل ارتداء ثيابه حتى أن أزرر قميصه لم يغلقها بعد.. نظر للمشهد أمامه بضحكة مكتومة.. يونس اتخذ طاولة الطعام ساترًا له يحتمي أسفلها، وصفية تدور حولها تحاول امساكه وإمارات الغضب تزين وجهها..
اقترب منها محاولاً كبت ضحكته كي لا تثور عليهِ هو الأخر وسألها بهدوء:
_في ايه يا صفصف على الصبح؟
رفعت أنظارها له تقول بعصبية:
_كنت فين لما دخل الأوضة وكسر باليت الايشادو بتاعي!؟
_كنت بستحمى عشان البس وانزل..
رددها بهدوء قبل أن يقترب منها ويمسك كفها برفق قائلاً بابتسامة:
_ بعدين خلاص فداه يا ستي وأنا هجيبلك واحدة غيرها.
نظرت له مستنكرة:
_ أنتَ عارف دي بكام! دي ماركة شي جلام دي ب٤٥٠ جنيه.

 

أجابها بنفس الابتسامة:
_ وايه يعني! تغلى عليكِ؟ بعدين أنا عمري استخسرت حاجة فيكِ، المهم متزعليش نفسك واعتقي الواد لوجه الله.
هدأت ثورتها من حِلو حديثه وكادت تخبره أنها ستنهي هذه الجلبة.. لكن انتفضت على صرخة صغيرها لتنظر تجاهه وما إن رأته حتى خرجت صرخة فزِعه منها هي الأخرى وهي تهتف:
_يونــــس!!!
قبل أن يتسابقا هي و”يوسف” في الوصول إليه..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية لولا التتيم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!