روايات

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل الثالث 3 بقلم مريم غريب

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الفصل الثالث 3 بقلم مريم غريب

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك البارت الثالث

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الجزء الثالث

كرسي لا يتسع لسلطانك
كرسي لا يتسع لسلطانك

رواية كرسي لا يتسع لسلطانك الحلقة الثالثة

الفصل الثالث _ متمردة ج1_ :
خرجت “شمس” على الفور من الحمام الملحق بغرفتها.. لتجد أخيها لا يزال بانتظارها ..
كانت قدر ارتدت ثوبًا أكثر احتشامًا الآن.. من قماش الأورجانزا بطبعةٍ موّردة.. ثلثيّ أكمام.. طويلًا بفتحةٍ تصل لأعلى الساق ..
و قد جفّفت شعرها.. و لا تزال مبقية وجهها على نضارته الطبيعية دون قطرة مكياج …
-ها ! كده حلو ؟
إلتفت “عثمان” مبتعدًا عن النافذة ليوجه عيناه صوب أخته ..
طالعها بنظراتٍ عابسة.. ثم استقرّت عينيه على وجهها.. ارتبكت ابتسامتها.. بينما يقول بتجهمٍ :
-أول ما وصلتي هنا.. فاكرة كلامنا ؟ فاكرة كلامي معاكي عن ستايل لبسك تحديدًا يا شمس ؟
أماءت برأسها مرةً واحدة.. و قالت :
-فاكرة يا عثمان.. و أنا وعدتك إنّي هاغيّر ستايلي كله
و فعلًا بدأت أجيب هدوم و حاجات كتير أون لاين !
عثمان بحدة : المنظر إللي ظهرتي بيه إنهاردة ده مش مقبول يا شمس !!
بررت في الحال :
-انت قلت لي اتعامل هنا كأني في بيتي.. و قلت لي إن ده بيتي فعلًا مش مجرد كلام
أنا ظهرت كده عشان كنت فاكرة إني في بيتي !
انقبضت عضلات فكّه و هو يتريّث لبرهةٍ قبل أن يقول بسلوكٍ أكثر تفاهمًا :
-ده بيتك يا شمس.. بيتك و ليكي فيه ورث زيي و زي صافي
بس البيت ده في حراسة و خدم و أحيانًا كتير ضيوف زي ما شوفتي إنهاردة
أنا ماقبلش حد يشوفك كده.. و مجرد فكرة ظهورك بالبكيني سواء دلوقتي أو حتى قبل ما أعرف بوجودك بتجنّني.. أختي أنا.. ماتبقاش عرضة لنظر إللي يسوى و إللي مايسواش !!!
تمعن “شمس” بكلماته.. و تبتسم لا إراديًا ملتمسة غيّرة الأخ على أخته.. و تسعد كثيرًا لسماعها كلمة “أختي” التي خرجت من فاهه ..
لحظة ثمينة لطالما حلمت بعيشها حتى و لو كلّفتها الكثير …
-انتي بتضحكي !؟
اتسعت ابتسامتها عندما رأته و قد صار أكثر نزعًا للعصبية.. أخيها الذي اشتهر ببرودة أعصابه.. لم تتخيّل أن تكون سببًا لتحطّيم الثوابت الذي جُبل عليها …
ردت عليه من بين ضحكاتها :
-لأ و الله.. مش بضحك على كلامك
أنا بس مبسوطة أوي !
-مبسوطة !! .. عقّب بغرابةٍ
فأومأت قائلة و هي تسير تجاهه :
-أمم.. أصلي بصراحة طول عمري كنت بتمنّى أعيش معاك موقف زي ده
و أحس إن ليا أخ.. أنا عرفت لما كان عندي 10 سنين إن ليا أخ.. بابي قالّي و ورّاني صورتك
من يومها و أنا نفسي أشوفك و أقرّب منك.. بس وصيّة بابي كانت مقيّداني
تعرف إننا اتقابلنا قبل كده ؟ قبل ما أجيلك و تعرف إني أختك !
لوهلةِ نسى نقطة الخلاف بينهما.. و ولّى ما تقوله تركيزه.. أطال النظر إليها يحثّها على الإفصاح ..
ابتسمت “شمس” و أخبرته و عيناها ملؤهما الحب و الاعتزاز به :
-عيد جوازك العاشر.. كنت عامل حفلة على اليخت بتاعك و عزمت صحابك
عرفت إن صحابك مسموح ليهم يعزموا أصحابهم و حظّي إن في عندي أصحاب مشتركين بين الناس إللي عزمتهم.. ركبت أول طيّارة و نزلت الإسكندرية من ورا مامي
حضرت الحفلة و قعدت طول السهرة متنحة فيك.. ماشلتش عيني من عليك و كنت في خناقة مع نفسي.. منعت نفسي 1000 مرة ليلتها كل ما أحس إني عايزة أقوم و اترمي في حضنك.. أشم ريحة بابي فيك.. و أحس إني مش لوحدي في الدنيا دي !
اختنق صوتها بالدموع فجأة.. و تفاجأت أكثر بنوبةٍ عنيفة من البكاء.. إتيانها على سيرة أبيها جعل شيئًا ما بداخلها ينفجر ..
توتر “عثمان” بشدة مِمَّ طرق عليها بلحظةٍ هكذا.. و لكن ردة فعله جاءت بسرعة.. اندفع نحوها و لف ذراعه حول خصرها.. ضمّها بين أحضانه على الفور.. فتركت لنفسها العنان و مضت تبكي بحرارةٍ على صدره ..
أخذ “عثمان” يهدئها ماسحًا على رأسها بحنو :
-شمس.. إهدي شوية يا حبيبتي.. إيه بس ده كله ؟
و تركها تفرغ ما بصدرها لبضع دقائق أُخر.. و لم يكترث أنها فعليًا قد أغرقت قميصه بدموعها.. أحسّت “شمس” بالحرج فورًا عندما رأت صدره مبلّلًا بالكامل ..
حاولت إصلاحه عبثًا و هي ترّبت على صدره مغمغمة بصوتها الباكي :
-أنا آسفة جدًا.. أنا آسفة يا عثمان.. أنا آ ..
-خلاص يا شمس ! .. قاطعها بلطفٍ :
-ماحصلش حاجة.
و ابتسم مكملًا و هو يمسك بكتفيها :
-ياريتك جتيلي من زمان.. أنا لو كنت أعرف ماكنتش سيبتك لحظة واحدة بعيد عني
صدقيني.. لو كنت عرفت.. لو كان بابا صارحني قبل ما يموت حتى.. كنت هاجيلك برجلي.. حتى لو هو حاول يمنعني.. ماكنتش هاسيبك.
ابتسمت له و لا زالت الدموع عالقة بأهدابها ..
مد “عثمان” يده و أزال ما تبقّى من دموعها و هو يقول :
-انتي مش لوحدك يا شمس.. طول ما أنا عايش على وش الدنيا مش هاخلّيكي تحسي بالوحدة أبدًا.. أطمني خالص.. أنا جنبك دايمًا.
تألّقت عيناها بابتسامةٍ مشرقة الآن.. اقتربت منه ثانيةً و عانقته مرةً أخرى
و لكن هذه المرة دون دموعٍ …
**
في مطعم شهير بمجمّع الترفيه العالمي ..
جلس “نبيل الألفي” إلى طاولة لفردين.. يتناول وجبته الشهيّة باستمتاعٍ.. دون أن يلقي بالًا للشخص الجالس قبالته منذ ساعةٍ تقريبًا ..
و قد بدأ صبر الأخير ينفذ بالفعل …
-صحتين و عافية يا باشا ! .. هتف الشاب العشريني بسأمٍ واضح
لم تهتز شعرةً من “نبيل” و تناول ملعقة الأرز المدخن و أعقبها برشفةٍ من كأس العصير.. ثم أخيرًا تطلّع إليه.. و لكن دون أن يترك طعامه تمامًا …
-الرز المدخن في المطعم ده حقيقي ماحصلش.. وصفة الشيف تُدرَّس !
بدت نبرة التهكم واضحة بصوت “نبيل”.. ما أثار حفيظة الأخير و هو يرد عليه محتدًا :
-بقولك إيه باشا.. انت شكلك واخدني جولة و بهواك تتسلّى عليا
بس أنا لا مؤاخذة مش صايع و لا عاطل.. أنا راجل ورايا مشاغل.. و بصراحة ضيّعت وقت كفاية في البلد دي.. لو جاي في تفاهم نتكلم أحسن.. أو أقوم أمشي و أنا عارف هاتصرف إزاي.
أظلمت عينيّ “نبيل” في هذه اللحظة.. لكنه ما زال ثابتًا و هو يقول بهدوء :
-بص يالا.. أنا أسهل حاجة عليا دلوقتي أعمل تليفون صغير تترمي بيه في أقذر سجن هنا في البلد و تقعد جوا لحد ما يبان لك صاحب
بس أنا حتى مش شايف إنك تستاهل إني أبذل أقل مجهود و أعمل حاجة زي كده ..
هتف الشاب بنزقٍ مغتاظ :
-أومال طلبت تقابلني ليه معاليك ؟
لعلمك أنا مش عيّل هفأ و هابلع أي كلمة تقلّ مني.. انت شكلك فهمان بص كويس
شوف مين قاعد قدا آ ..
بتر الشاب عبارته ..
بلحظة واحدة كانت طاولة الطعام بينهما قد انقلبت بفعل قبضة “نبيل”.. الذي لم يدّخر ثانية أخرى و انقض عليه ساحبًا إيّاه من ياقة قميصه ..
كانت لدى “نبيل” نظرة مستقبلية.. حين تواصل مع زوج إبنة شريكه و وافق الأخير على اللقاء به على أرض محايدة.. فقام بحجز المطعم بالكامل تحسبًا لأيّ ظرف ..
و قد أستحق هذا …
-إلـ..حـ..ـقـ.ونـ..ي !!!
بالكاد نطقها الشاب بصعوبةٍ.. عندما زج “نبيل” به نحو الحائط و حشر ساعِده بمنتصف حلقه فكاد يختنق ..
قسا فم “نبيل” و هو يهسّ من بين أسنانه :
-شوف حواليك يا نجم.. المكان ده كله ليا أنا و انت طول ما احنا لسا قاعدين
عاملّي دكر ياض ؟ ده أنا أفعصك و ماخدش فيك يوم !!
قوة الشاب العشريني الجسدية بدت إنها لا تُذكر مقارنةً بقوة “نبيل” الذي تجاوز منتصف الأربعينيات ..
تخبّط الشاب بعنفٍ طلبًا للهواء.. و لكن عبثًا لم يتركه “نبيل” طرفة عينٍ ..
استجدى و هو يتنفس بصعوبةٍ بالغة :
-طيب خلاص.. يا باشا.. نتكلم
هاعمل.. إللي انت.. عايزه.. يا باشا !
إلتوى ثغر “نبيل” بابتسامةٍ شيطانية.. أفلته مرةً واحدة.. لينتفض الشاب منخرطًا في نوبةٍ قوية من السعال الشديد ..
سوّى “نبيل” ثيابه و عدل هِندامها و كان شيئًا لم يكن.. عاد إلى مقعده بخطى واثقة و انتظر بصبرٍ ..
انضم إليه الشاب بعد لحظاتٍ.. أعاد الطاولة و مقعده إلى مكانهما.. و جلس أمامه ثانيةً.. لكن نظراته صارت أكثر خنوعًا بعد ما أظهره “نبيل” من قوة بأسٍ لا يُستهان بها …
-أنا أسمي وليد يا باشا ! .. عرّف الشاب عنه نفسه
نبيل بصلابةٍ : عارف أسمك.. عارف عنك كل حاجة من يوم ما اتولدت لحد اللحظة إللي شايفك فيها قدامي دي.. تحب أقولك لون لِباسك الداخلي ؟
أجفل المدعو “وليد” مرتبكًا.. بينما يستطرد “نبيل” :
-أنجز و هات من الأخر.. عايز إيه من مايا عزام ؟؟
قطب “وليد” جبينه قائلًا بنزعةٍ عصبية :
-لو زي ما سيادتك بتقول عارف عني كل حاجة من يوم ما اتولدت.. يبقى أكيد تعرف إن مايا مراتي.. أنا أتجوزتها من خمس سنين.
-أيوة عارف.. و عارف كمان إنها قطعت علاقتها بيك من 3 سنين
يعني ماطاقتش تعيش معاك اكتر من سنتين.. رجعت ترازيها و تضايقها تاني ليه ؟
و السؤال الأهم ماطلّقتهاش ليه ؟
-عشان جوازنا ماكنش عادي.. لما يخلص بردو مش بطريقة عادي و دي الأصول.
عبس “نبيل” قائلًا :
-مش فاهم !
تقصد إيه بجوازكوا ماكنش عادي !؟
تنهد “وليد” و مد جسده للأمام.. عقد ساعديه أمامه فوق الطاولة و مضى يقول :
-أنا اتعرفت على مايا في مول تجاري.. كنت وقتها شغّال في وكالة تابعة لبراند برفانات و مكياج مشهورة
دخلت مايا تشتري و كنت معاها خطوة خطوة.. كلمة مني كلمة منها اتعرفنا و اتبادلنا أرقام التليفونات.. كنت متوقع إننا هانقضي فترة في الأول لحد ما نعرف بعض عشان يعني لو اتفقنا و حصل ارتباط و كده
بس فاجئتني في أول مقابلة لينا.. بعد ما اتكلمنا شوية و تقريبًا عرفنا عن بعض كل حاجة في قاعدة واحدة.. لاقيتها بتطلب مني الجواز !
بالرغم من ثبات “نبيل”.. إلا إن “وليد” تمكن بسهولةٍ من استشفاف الذهول بعينيه ..
أردف “وليد” مفصحًا عن السر الأكثر فداحةً و بلا أدنى ترددٍ :
-زي ما سمعت كده.. مايا طلبت تتجوزني.. و حددت كمان شروط للجواز ده و خيّرتني ب آه أو لأ.
نبيل بإنصات : كانت إيه الشروط !؟
-أول شرط الجواز له هدف واحد بس.. المتعـة !
حدق فيه “نبيل” بعدم فهمٍ.. لم يفهم مقصده تحديدًا.. و شكّ بأنه قد سمع الكلمة الأخير أساسًا.. و لكن “وليد” أكدها قائلًا :
-مايا كانت واضحة معايا من أول لحظة.. الجواز مالوش أي إلتزامات
مجرد ليالي.. أوقات بنقضيها مع بعض في السرير.. و بس.. ده كان شرطها الأول
الشرط التاني في المدة.. اتفقنا إن كل سنة نجدد مدة الجواز.. لو طرف حس بالملل لازم ننفصل و فورًا.. و الشرط التالت إن محدش مهما كان مين يعرف بجوازنا
و في مقابل كل ده اتفقت معايا على راتب شهري.. يعني بالبلدي كده اشترتني عشان تـ ..
-بـس !!! .. صاح “نبيل” مقاطعًا إيّاه قبل أن يكمل
تقلّص وجهه بمشاعر عنيفة هي مزيج من الحنق و الغضب الشديد.. كزّ على أسنانه بقوة و شدت قبضتيه على حافة الطاولة من الأسفل حتى كاد الخشب أن يتفتّت ..
أندهش “نبيل” بداخله لإستجابته لهذا الكمّ من المشاعر المتناقضة.. منذ زمنٍ طويل لم يشعر هكذا.. و حقًا لا يدري سببًا واحدًا أو أيّ مبرر لتساؤلاته ..
ماذا يعنيه في هذا ؟ .. بل ماذا تعني له “مايا” في الأصل ؟
لماذا هو غضبانٌ إلى هذا الحد ؟
لماذا !؟؟؟
زفر “نبيل” نفسًا حارقًا.. ثم نظر مجددًا إلى “وليد” ذاك و قال بخشونةٍ :
-أسمع يالا.. انت تنسالي كل الكلام إللي حكيته دلوقتي ده
تاخد كام و تغور من هنا ؟ أنا عارف إنك طمعان و كل إللي يهمك القرشين
أنطـق !!
أجفل “وليد” لحدته المفاجئة.. و قال بتوترٍ :
-يا باشا ماينفعش تلوم عليا.. أنا دخلت الحوار ده و أنا لعبة في إيد واحدة ست
سبت شغلي و أهلي قاطعوني و فجأة صحيت لاقيت المدام زهقت مني
اترميت في الشارع.. كنت هاعمل إيه يعني !؟
نبيل بغلظةٍ : خلّــص.. مش هاتحكيلي قصة حياتك
قول عايز كام و تطلّقها في هدوء ؟
صمت “وليد” لهنيهةٍ.. و سمّى له المبلغ الذي يريد.. و هو بالنسبة لرجل مثل “نبيل” بسيطًا مقارنةً بثروته الضخمة ..
أستلّ “نبيل” من جيب سترته دفتر الشيكات.. و سحب قلمًا مرفقٌ به.. سند فوق الطاولة و خطّ بيده بضعة أرقام و حروف.. ثم وضع توقيعه البنكي أدناه ..
قطع الشيك من الدفتر و دفعه نحو “وليد” الذي إلتقطته بأعينٍ لامعة.. غير مصدقًا بأنه حصل على ذلك المبلغ بسهولةٍ ..
هب “نبيل” واقفًا فجأةً.. حدجه بنظرةٍ مستعلية و قال بصرامةٍ و هو يتهيأ للرحيل :
-بكرة الصبح قبل ما تصرف الشيك ده هاتكون مطلّق مايا رسمي.. المحامي بتاعي هايفوت عليك و هايتمّم معاك كل الإجراءات.. بعد كده لو سمعت عنك بس أو حتى قابلتك صدفة.. صدقني.. مش هارحمك.. سمعتني كويس ؟

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية كرسي لا يتسع لسلطانك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى