روايات

رواية في هواها متيم الفصل السابع عشر 17 بقلم سماح نجيب

رواية في هواها متيم الفصل السابع عشر 17 بقلم سماح نجيب

رواية في هواها متيم الجزء السابع عشر

رواية في هواها متيم البارت السابع عشر

رواية في هواها متيم الحلقة السابعة عشر

أيها الناس ! احذروا التسويف ، فإني سمعت بعض الصالحين يقول : نحن لا نريد أن نموت حتى نتوب ، ثم لا نتوب حتى نموت
الحسن البصري
١٧–” يطاردها طيفه ”
سأم من التجول بين الحاضرين ، فأنزوى بأحد أركان الحديقة ،جالساً قرب إحدى الشجيرات بأقصى طرفها ، بدأ الضيق يشعل حواسه ، جعله يسرع بخلع سترته وحل رابطة عنقه ، يزفر مراراً وتكراراً ، لعله ينفث ما بداخله ، رفع رأسه يحدق بالقمر ، الذى توسط السماء ، ولكن حجبت إحدى السحب جزءًا منه ، فصار معتماً ، فتلك هى حياته ، معتمة مظلمة لايوجد بها شئ حسن ، سوى إبنته
وضع رأسه بين يديه وأنحنى قليلاً للأمام ، فسمع صوت والد زوجته الخشن وهو يناديه:
– أكمل
أزاح أكمل يديه ، ورفع رأسه وجد عامر يقف بالقرب منه ، ولكن يبدو أنه أتى بمفرده ، ينير ضوء سيجاره وجهه ، ببريق متغطرس
فرد أكمل قائلاً بهدوء :
– أفندم يا عامر باشا
– أنت سايب مراتك والحفلة وقاعد هنا ليه هى دى الأصول
قالها عامر بشئ من الحدة مغلفة بنبرة آمرة ، من أنه يجب أن ينصاع لما يقوله
فما كان من أكمل سوى أنه قال :
– صدعت شوية من الأصوات العالية فجيت أقعد هنا شوية ، معملتش جريمة يعنى يا باشا ، أنا برضه بنى أدم لحم ودم ، واللى بنتك بتعمله فيا ميرضيش ربنا
إمتلأت عينى عامر بالغضب ، فهو لا يحب أن يستمع لأى كلمة سيئة تقال بحق إبنته ، فإن كانت ظالمة أو مظلومة ، فهو يرى أن ليس له الحق بقول هذا
فحاول صرف تفكيره عن أفعال إبنته ، مستخدماً الوسيلة الأقرب نفعاً ، ألا وهى التهديد والوعيد ، فنفض رماد سيجارته وهو يقول ببرود :
– بص يا أكمل أنا هقولهالك صريحة ، أنا بنت عاشت وأتربت كده ، وأنت متجوزها وأنت عارف هى بنت مين ومستواها المعيشى عامل إزاى ، فمتجيش دلوقتى تتكلم وتشتكى ، ثم لولا جوازك منها ، مكنتش وصلت للى أنت فيه ده كله أنت وصاحبك
أندفع أكمل بغضبه الذى لم يعد يسيطر عليه وهو يقول :
– هو أنت كل شوية هتقولى الكلمتين دول وتذلنى ، خلاص دى مبقتش عيشة الرحمة شوية ، ثم صاحبى ماله ومال ده كله وإن كان على اللى وصلنا ليه ، فده بتعبنا وشقانا ، إحنا اتمرمطنا وطلعت عينينا علشان يبقى لينا إسم ، ومش معنى أنك حمايا ، تفتكر أن أنا بستغل ده ، أبدا يا عامر باشا ، أنا ورفيق نعرف نخلص شغلنا من غير ما نحتاج لحد ، وإن كنت ساكت وحاطط الجزمة فى بوقى من عمايل بنتك وتهديدك ليا كله شوية ، فده بسبب كنزى بنتى مش أكتر ، لولاها مكانش يهمنى حاجة حتى لو كنتوا قتلتونى ، عن إذنك يا عامر باشا البيت بيتك
نهض أكمل من مكانه وأخذ سترته عائداً للمنزل ، بينما عامر ظل ينظر لأثره بغرابة ، فأكمل أصبح أشد تمرداً وعناداً عن ذى قبل ، فما السر خلف عدم إكتراثه بتهديده له ، ولكن ربما سيكون هو البادئ بجعله يعلم مكانته جيداً منذ الحين ، فهو لن يقبل أن تخرج زمام أموره عن السيطرة ، فليذقه قليلاً مما سيفعله ، ليجعله يقر أن لولا وجوده لن يكون قادراً هو وصديقه على ممارسة أعمالهما بسوق الأعمال
مظاهر زائفة ونمط يثير بنفسه القهر ، على سنوات اضاعها فى تلك الحياة الزوجية المأساوية التى يعيشها ، فالحسنة الوحيدة فى هذا الزواج التعيس ، هى تلك الطفلة التى يحاول ان ينسى بها مأساته من زواجه من أمها ، قام بوضعها فى فراشها يدثرها جيداً ، بعد ان غطت فى نوم عميق بعد انتهاء هذا الحفل
عاد إلى غرفته ، وجدها تزيل آثار زينتها من على وجهها فذهب لتدبيل ثيابه وبعد إنتهاءه ، خرج وجلس على الفراش فنظر اليها وهى تقوم بفتح الهدايا تباعاً
فسمع صوت صيحة إعجاب منها وهى تقول:
–:” واووووو شوف بابى جابلى ايه طقم ألماس كامل ”
رد أكمل قائلاً:
–:” اه حلو مبروك عليكى”
فكر قليلاً هل لو اقترب منها الآن ، ستستجيب إليه ام ستكون كعادتها دائماً تتهرب منه ؟ كأنه يستجدى منها عطفاً او احساناً وليس هذا حقه عليها كزوج يجب ان تطيعه
فأكسب صوته نبرة لينة وهو يقول:
–:” شهيرة سيبك من الهدايا دى وتعالى جمبى شوية”
رمقته شهيرة بغرابة وقالت :
–:” وعايزنى اجى جمبك ليه يا أكمل خير فى حاجة ولا ايه”
حاول الإبتسام وهو يقول بصوت دافئ :
–:” مراتى وعايزها تكون جمبى فيها حاجة دى كمان يا شهيرة”
قام من مكانه واقترب منها ، وقف خلفها فأنحنى اليها يهمس فى اذنها بصوت رجولى دافئ ، لعل تلك المرأة تشعر أنه يحاول انقاذ ما تبقى من ذلك الزواج الفاشل
–:” انتى عارفة اخر مرة كنا مع بعض من امتى يا شهيرة هو انتى مش مشتاقة ليا يا شهيرة ولا خلاص مبقتش افرق معاكى فى حاجة خالص”
قالت شهيرة بدون إكتراث :
–:” لاء مش فاكرة يا أكمل ثم مش أنت اللى مطنشنى وبترجع من شغلك تنام”
–:” طب تعالى وانا هفكرك ونفتكر سوا ثم اللى عملته ده مش بسبب أنك دايما مانعة نفسك عنى كأنى مش جوزك وليا حق عليكى دايما بتحاولى تتهربى منى بس خلاص خلينا ننسى اللى فات ونبدأ تانى من جديد ونحاول علشان خاطر بنتنا”
مد يده يزيح خصيلات شعرها ، ومرر يده على عنقها ، وعندما كاد ان ينحنى يعانقها ، وجدها تشيح بجسدها عنه فى حركة متأففة وهى تقول:
–:” بليز يا أكمل انت مش شايفنى ان أنا مش فاضية”.
حاول ضبط أعصابه ليظل على هدوءه فقال :
–:” هى الهدايا دى اهم منى يا شهيرة أبقى أتفرجى عليها وقت تانى خليكى معايا”
تبسمت شهيرة بسخرية وقالت:
– :” انا بشوف بابى جابلى ايه مش كفاية انت مجبتش ليا هدية ياريت تشوف بابى بيعمل ايه وتتعلم”
كلماتها الصادمة كانت القاضية على ما تبقى لديه من صبر ، فهو ضميره كان يألمه على ان قلبه مال الى فتاة أخرى غير زوجته ، فحاول ردع نفسه عن التمادى فى تلك المشاعر وان يعود إلى رشده ، ويتذكر ان لديه زوجة وطفلة ، ولكن كل الظروف الراهنة تقذفه فى ذلك الطريق الذى ربما ستلقيه فيه تلك المرأة بيدها
فأستقام بوقفته قائلاً:
– :” هى كل اللى يهمك الهدايا انتى مش خايفة يا شهيرة ان انا ابص لواحدة تانية بسبب عمايلك دى”
تركت شهيرة مكانها ووقفت أمامه عاقدة ذراعيها وهى تقول بإستهزاء :
–:” تبص لواحدة تانية ! وانت اصلا تقدر تعملها ، انت لو عملتها هتلاقى نفسك رجعت الحارة القديمة بتاعتكم تانى يا أكمل”
رمت بوجهه تلك الكلمات اللعينة بابتسامة هازئة ، وتجاوزته ذاهبة الى فراشها ، وقف مكانه يفكر ويفكر فهى لا تكف عن تلك السخافات ، ولكنه لن يسمح لها بتدمير البقية المتبقية من روحه ، تجعله جسد بلا روح ، يعيش حياة أشبه بالجحيم تجعل منه رجل متزوج بالاسم فقط
______________
لا تعلم متى خرجت للحديقة ، بعدما كانت جالسة بالداخل ، تستمع للأصوات حولها ، كأنها بمكان بعيد وترى من حولها كالأطياف ، فهى لا تتذكر سوى أن والدة ما أصبح يسمى زوجها ، أقترحت على رهف أن تأخذها هى وباسم للحديقة ،حتى يتم تجهيز الأماكن التى ستكون خاصة بنومهما ، فرهف لا تخفى سعادتها وإندهاشها مما حدث اليوم
فصفقت بيدها وهى تقول بإبتسامة واسعة :
– يا سلام يا ولاد أسيب ليان أخر يوم فى الامتحان وهى صاحبتى وترجع دلوقتى مرات أخويا إيه الصدف السعيدة دى
إبتسمت ليان بخفوت وهى تقول:
– متفرحيش أوى كده دا جواز وصاية يعنى أخوكى متجوزنى علشان يبقى واصى عليا أنا وباسم هو ده كل الموضوع
مالت رهف برأسها على كتف ليان :
– مش مهم المهم أنك هتعيشى معايا هنا فى البيت يااااه دا انا بحلم دا احنا هنخربها يا بت يا ليان
غمغمت ليان بصوت منخفض:
– على أساس أن أخوكى هيسكتلنا مش هيكتم على نفسنا ولا حاجة ويتحكم فينا
لاحظت رهف أن باسم يقاوم حاجته للنوم ، فإبتسمت ضاحكة وهى تقول:
– دا أخوكى بينام وهو قاعد
إنتبه باسم على قول رهف فإبتسم بحرج وهو يقول:
– لاء أنا صاحى منمتش أنا بس الطريق كان طويل وأنا مش
واخد على أن أسافر مسافة طويلة كده ، دا كان كل فين وفين على ما تيتة الله يرحمها تجيبنا القاهرة نزور عمى محسن وعيلته
على إتيان باسم بذكر إسم والد ماجد ، أغتمت ملامحها عندما عادت وتذكرت ما حدث بينها وبين ماجد بآخر مقابلة بينهما
فنهضت رهف وهى تقول :
– طب تعال معايا أرتاح شوية وأنتى يا ليان خليكى هنا رجعالك دا احنا هنرغى للصبح ومش هنيمك النهاردة
أنصاع باسم لقول رهف ، فهو بحاجة لنيل قسط من الراحة ، فتبعها حتى وصلا للداخل ، بينما ليان مازالت جالسة مكانها ، تحملق بالسماء ، ولا تعلم أين ذهب رفيق ، فقبل خروجها لاحظت إختفاءه ولكن لم يكن يعنيها الأمر بالسؤال عنه
ففى اليوم التالى صباحاً ، فتحت ليان عينيها بحذر ، كأنها تخشى أن تفتحهما مرة واحدة ، وتجد ما تخشى التفكير به ، من أنها الآن بمنزل رفيق ، بل وأن ذلك الدفء الذى تشعر به ناتج عن سريان الدم الحار بعروقه وهو نائماً قريباً منها ، ولكنها إبتسمت بخفة عندما وجدت رهف هى الغافية بجوارها على ذلك الفراش ، الذى بالكاد إتسع لهما وهما نائمتان متجاورتان ، فأغمضت عينيها وتنفست بعمق ، فهى إستطاعت الهروب منه بليلتها الأولى بمنزله ، فبعدما أطمئنت لخلود شقيقها للنوم بتلك الغرفة المجاورة لغرفة مالك ، تذرعت بأنها تريد التحدث مع رهف بأمر هام ، فظلتا الليل بأكمله تتحدثان ، حتى غلب رهف النعاس ، فأستلقت ليان بجوارها ، وهى تدعو ألا يأتى رفيق ويجبرها على مرافقته إلى غرفته
تمطت بذراعيها وإبتسمت وهى تقول بهمس:
– الحمد لله هربت منه
ولكن تجهمت ملامحها بتذكرها أنها ليست ضيفة أو زائرة ، بل زوجته وستقضى أياماً طوال بهذا المنزل ، فوضعت يدها على وجنتها وقالت بتفكير :
– طب أنا هربت أمبارح ، هعمل إيه النهاردة ، ماهو مش معقولة كل يوم هقوله هتكلم مع رهف ، دا ممكن يبلعنى دكتور هولاكو لو فضلت أعمل كده
تركت الفراش ومسدت على ساقيها ، اللذان أصابهما التيبس وهى نائمة بوضع غير مريح على ذلك الفراش الصغير ، الذى تقاسمته مع رهف ، فبعد أن أعتدلت وأستقامت بوقفتها ، رآت تلك الصورة الموضوعة بإطار ذهبى على منضدة الزينة ، فأقتربت منها ورفعتها بين كفيها تتأملها عن قرب ، فالصورة لرفيق وربما كان يصغر عمره الحالى ببضعة أعوام تقدر بسبع سنوات ، فكانت ملامحه مازالت بطور نضوجها ، قبل أن يصبح ما عليه الأن من ملامح رجولية مهيبة تحمل طابع القوة والتسلط
– يعنى أنا هربت منك أمبارح أقوم ألاقى صورك هنا ، وإزاى مأخدتش باللى منهم ، أنت بتطلعلى منين نفسى أعرف
قالتها ليان بهمس ، فلم تكن تلك الصورة هى الوحيدة بالغرفة ، فهناك صورة أخرى له هو ورهف ، وكأن حلمها بأن تنعم بدقائق بعيدة عن طيفه وظله ، لن يتحقق أبدًا ، فهو صار كهاجس يطاردها أينما ذهبت ، فما أن رفعت وجهها عن الصورة ونظرت بالمرآة ، توهج وجهها وهى تتذكر ما حدث منه ليلة البارحة ، فياليت كان بإمكانها أن تستعيد ما سلبه من براءتها بعناقه الحميمى ، فهو جعلها تتخيل أشياءًا لا وجود لها إلا بعقلها ، بل وصل بها الأمر أن بلحظة عابرة ومجنونة ، تمنت لو أن تظل تهذى بإسمه وسط عناقهما ، وكلما تناديه همسًا تجده يلبى نداءها ويخبرها أنه بالجوار ، بل هى بين يديه ولا حاجة لها إلا أن تظل تناديه بهمسها المحموم
– ليان أنتى صحيتى أمتى ؟
قالت رهف بصوت ناعس ، فانتفضت ليان بوقفتها بعد سماع قولها ، فبعفوية ضمت الصورة لصدرها ، كأنها تتخذ منها ملاذاً لخفقات قلبها التى قفزت هلعاً بعد سماع صوت رهف ، كأنه تم ضبطها بجرمها المشهود وتلك الأفكار تحوم بعقلها حول رفيق
فأزدردت لعابها قائلة بإرتباك :
– لسه صاحية من شوية وكنت بدور على شنطة هدومى
أقتربت منها رهف وإبتسمت قائلة بدهاء :
– كنتى بتدورى على شنطة هدومك فى صورة أبيه رفيق
فزعت ليان من تلميح رهف ، فأعادت الصورة لمكانها وهى تقول :
– أنتى قصدك إيه يا رهف ، دى الصورة كانت هتقع فكنت بعدلها
رفعت رهف حاجبيها وهى تقول:
– أمم طيب جايز يا ليان ، على العموم يلا ننزل نفطر علشان أشوف أبيه رفيق قبل ما يروح الشغل ملحقتش أشبع من القاعدة معاه أمبارح
ألحت ليان على رهف بالخروج لتجلب لها حقيبتها والتى يبدو أنها تركتها بأحد أركان الصالة ، فبعد أن جلبتها لها رهف ، أسرعت بالاغتسال وتبديل ثيابها ، فخرجتا من الغرفة وليان تلتف حولها كأنها تخشى رؤيته ، وصلتا للأسفل ورآت ليان والدة زوجها جالسة على رأس المائدة
فإبتسمت لهما وهى تقول :
– تعالوا يلا أفطروا ، باسم ومالك زمانهم جايين هما كمان
جلست رهف وعقدت حاجبيها وتساءلت :
– هو فين أبيه رفيق ، أوعى يكون راح الشركة من غير ما أشوفه
ردت منى بهدوء ، بعدما رآت إقتراب مالك وباسم :
– رفيق سافر إسكندرية الفجر
صاحت رهف قائلة بتذمر :
– هو لحق ييجى علشان يسافر ، إيه ده بقى وسافر إسكندرية ليه أصلاً
أجابها مالك وهو يأخذ مكانه بجانبها ، ويبدو على وجهه ملامح الضيق لعلمه بأسباب سفر شقيقه :
– حصلت مشكلة مع العملاء اللى كانوا مفروض يمضوا معانا صفقة كانت هتخلص النهاردة ، ولو المشكلة متحلتش هنخسر كتير ، علشان كده أبيه سافر يحل الموضوع ، منه لله اللى كان السبب
نظرت له والدته قائلة بإهتمام :
– وهو مين السبب يا مالك
زهد مالك بالطعام ، فنهض من مكانه قائلاً:
– دى مشاكل شغل يا ماما متشغليش بالك ، أنا رايح الشغل مليش نفس أكل سلام عليكم
خرج مالك من المنزل تتبعه نظرات الجالسين ، فحثتهم منى على تناول طعامهم ، فبدأوا بتناول الطعام بصمت ، وبعد إنتهاءهم خرجوا لحديقة المنزل ، ولكن ظلت رهف متجهمة الوجه
فوكزتها ليان قائلة بجدية :
– مالك قالبة وشك ليه كده
زفرت رهف زفرة مطولة وردت قائلة بصدق :
– مبحبش أشوف حد من أخواتى مضايق وخصوصاً أبيه رفيق
عقدت ليان ذراعيها وأسندت ظهرها لمقعدها وهى تقول:
– أنتى متعلقة بأخوكى رفيق أوى كده ، وانا اللى كنت بستغرب إزاى بتتغزلى فيه وبدافعى عنه بالرغم من أسلوبه معانا فى الكلية ، دا فى بنات بتقول عليه دكتور هولاكو
إعتدلت رهف بجلستها ونظرت إليها وهى تقول بحب :
– على فكرة أبيه رفيق هنا غير أبيه رفيق فى الكلية دا مفيش أحن ولا أطيب من قلبه بصى أنا بعشقه دا مش بس اخويا ده ابويا ودنيتى أنا مشوفتش بابا ولا اعرفه إلا من الصور بس لكن اللى ربانى واخد باله مننا هو وكافح كتير أوى علشانا حتى شايفة الجرح اللى فى وشه ده ، كان بيشتغل فى ورشة عربيات وكان لسه سنه صغير صاحب الورشة اتنرفز وضربه عوره بالشكل ده ، شوفى لما يكون فى سنه ده بدل ما يلعب ويعيش زى بقية اللى فى سنه، كان بيشتغل علشان يساعد ماما تصرف علينا ومش بس كده ده أتأذى بدنى ونفسى ، ممكن لو كان حد غيره ، كان قال وانا مالى وأشيل فوق طاقتى ليه ، لكن هو معملش كده ، دا عايشنا فى أحسن مستوى وكل اللى كنا بنعوزه كان بيعمل المستحيل ويجيبه ، علشان كده لو قعدت انا ومالك عمرنا كله نحبه ونحترمه ونسمع كلامه مش هنكفيه حقه
اثناء سردها فرت دمعة من إحدى عينيها إحتراماً وحباً لشقيقها ، الذى ربما يراه الأخرون بغير حقيقته ،فأجفلت ليان من وصف رهف لتلك المعاناة التى لاقاها بوقت مبكر من حياته ، ولا تعلم ذلك الشعور الذى تسلل إليها ، وجعلها تشعر بالشفقة على حاله ، ولكنها سريعاً حاولت وأد ذلك الشعور قبل أن ينمو بداخلها
______________
وضعت نسرين صينية المشروبات على المنضدة الصغيرة ، فهى عادت باكراً اليوم من عملها ، ويرجع ذلك لإلحاح والديها ، بأن ترى ذلك الرجل ، الذى يريد أن يتقدم لخطبتها ، فهما لم يقبلان رفضها ككل مرة ، ففكرت أن تنصاع لحديثهما تلك المرة ، لعلها تستطيع نسيان حبها البائس ، الذى لا طائل منه
جلست على أحد المقاعد تفرك يديها بتوتر شديد ، بينما تستمع لهمس الحديث الدائر بين والديها والعريس ، الذى أتى بمفرده ، ولا تعلم لماذا وهى على علم ودرايه بأن أبويه على قيد الحياة
فسمعت صوت والدها وهو يقول:
– أهلاً وسهلاً بك يا ابنى نورتنا
رد الرجل قائلاً بإبتسامة :
– دا نورك أنت يا عمى وأسف لو كنت جيت لوحدى بس والدى ووالدتى مسافرين بيعملوا عمرة ، وإن شاء الله يرجعوا كمان أسبوعين ، فحبيت أن أتعرف بيكم على إن شاء الله ما يرجعوا
ردت والدتها وهى تقول بترحيب :
– يرجعوا بالسلامة إن شاء الله ، وأنت منوارنا
خشيت نسرين أن ترفع وجهها لتراه ، فهى تخشى أيضاً أن ينتهى الأمر وتصبح خطيبته وقلبها معلق بحبائل هوى مالك ، فياليتها تستطيع نزع قلبها من صدرها ، لعلها تكمل حياتها
فأغمضت عينيها بشعور مرهق من عدم قدرتها على تخطى حبها البائس ، فلم تنتبه إلا على والدتها وهى تربت على ساقها ، لتجعلها تنتبه لهم
فقال والدها بهدوء :
– نسرين أنا هسيبكم مع بعض شوية تتكلموا
قبل أن تفه بكلمة ، أسرع والديها بالخروج من باب الغرفة المفتوح على مصراعيه ، وظل هكذا بعد خروجهما ، فلم تجد ما تقوله ، وظلت خافضة وجهها وتخشى النظر إليه
ولكن خلافاً لها ، كان هو تاركاً مقعده ،وجلس على مقعد قريباً منها ، فناداها قائلاً:
– مالك يا أنسة نسرين مبتتكلميش ليه
رفعت نسرين رأسها ، فرأته جالساً قريباً منها ، وجهه مستدير ، ولحيته نامية بكثافة ولكنها مشذبة ، جسده ممتلئ قليلاً ، وربما يفوقها طولاً ببضع سنتيمترات فقط
فأزدردت لعابها وقالت:
– هتكلم أقول إيه
تبسم وعيناه تطوف حولها بتقييم :
– تقولى أى حاجة مش عايزة تسألينى على أى حاجة تخصنى
حركت رأسها سلباً ، فهى لا تريد أن تعلم عنه شيئاً ، أو إذا صح القول لا تريد أن تعلم شئ عن أى رجل أخر
حاول عدة مرات أن يجعلها تتجاذب معه أطراف الحديث ، ولكن باءت محاولاته جميعها بالفشل ، فنهض من مكانه وهو يقول بحدة خفيفة :
– شكلك يا أنسة نسرين مغصوبة على القاعدة دى عن أذنك أنا ماشى فرصة سعيدة
خرج من الغرفة ، وسمعت صوت والديها وهما يودعانه أمام باب الشقة ، فولجت والدتها الغرفة مسرعة وهى تقول:
– هو فى إيه يا نسرين ماله كده خد بعضه ومشى على طول هو حصل إيه
رفعت نسرين كتفيها تتدعى الجهل وهى تقول:
– معرفش يا ماما لاقيته قام مرة واحدة وقالى فرصة سعيدة ومشى أنا داخلة أوضتى أنام ورايا شغل كتير الصبح
– تنامى ايه دلوقتى دا الوقت لسه بدرى
قالها والدها وهو يرمقها بحيرة من أمرها ، فأقتربت منه وقبلته على وجنته وهى تقول:
– بكرة فى إجتماع مهم فى الشركة وأنا لازم أبقى فايقة تصبحوا على خير
لاذت نسرين بالفرار لغرفتها ، بينما والديها يحدقان ببعضهما البعض ولا يعلمان ما أصاب إبنتهما بالأونة الأخيرة ، أو إذا صح القول منذ عملها بتلك الشركة ، فهى كأنها فتاة أخرى غير إبنتهما التى يعرفونها
خلعت نسرين حجابها وأبدلت ثيابها وأرتمت على الفراش ، حاولت عبثاً غلق عينيها ، فظلت تتقلب بفراشها يميناً ويساراً ، وضميرها يجلدها بسوط التأنيب على إقدامها بأن تنهى كل أمر خاص بشأن زواجها من رجل أخر ، مثلما فعلت اليوم وبالسابق أيضاً
_______________
بعد مرور ثلاثة أيام
بإحدى الأمسيات أكتفت ليان من الجلوس بمكانها ، ففكرت أن تسير بالحديقة حتى تعود رهف ثانية ، فسارت بخطوات بطيئة غير متزنة وهى تركل الأعشاب تحت قدميها ، وتنظر لما تفعل ، لم تنتبه لما تفعل إلا بعدما وجدت نفسها تصطدم بأحد أمامها
فشهقت ليان وإرتدت بخطواتها وهى تقول :
– بسم الله الرحمن الرحيم أنتى مين
نظرت لها ليلى بدهشة ، فمدت يدها تزيح خصيلاتها خلف أذنيها وهى تقول بتساؤل :
– أنتى اللى مين ، أنا أبقى جارتكم اللى ساكنة فى البيت اللى جمبكم ، وجيت علشان أتعرف عليكم
إبتسمت ليان بتوتر :
– أه أهلا وسهلا بحضرتك
إبتسمت لها ليلى وهى ترمقها بإستحسان وقالت :
– إنتى إسمك إيه يا جميلة أنا ليلى
ردت ليان بشعور طفيف من الحرج :
– إسمى ليان
مدت ليلى يدها لتصافحها ، فمدت ليان يدها هى الأخرى وتمت المصافحة بينهما ، ولكن قبل أن تمتد أواصر المعرفة بينهما ، سمعت ليان صوت رفيق ، والذى يبدو أنه عاد من سفره لتوه ، فأقترب منهما ولا يعلم من تكون تلك التى تقف برفقتها ، فهى توليه ظهرها ، ولكن أنبأه حدسه بأن تلك المرأة هى ليلى بذاتها
فأسرع بخطواته ووقف بجانبهما ، فتحققت ظنونه ، فبهت وجهه ، فهل لديها الجرأة للمجئ لمنزله
فقبل أن يقول شيئاً ، أسرعت ليلى بقولها وهى تلوح بيدها كدليل للترحيب :
– هااى أنا ليلى جارتكم الجديدة ، وكنت حابة أجى أتعرف عليكم من كام يوم بس كنت مشغولة شوية
إبتسمت على سيمات الغضب ، التى ملأت وجهه وعينيه ، فهو لا يعلم إلى أى حد بإمكانها إزعاجه
فإبتسم رفيق إبتسامة صفراء وهو يقول:
– أهلاً بحضرتك شرفتينا ونورتينا أنا رفيق رسلان وأكيد طبعا قابلتى ليان مراتى
تهدل فمها بعدما كانت مبتسمة المحيا ، فهل هو تزوج ؟ ولكن متى وكيف حدث هذا ؟ فهى تعلم بشأن أنه مازال عازباً ولم يتزوج
فحاولت إخفاء خيبتها خلف إبتسامة هادئة وهى تقول:
– أه أتشرفت بمعرفتكم
أشار رفيق له بيدها وهو يقول:
– باقى العيلة أكيد موجودين جوا لو حضرتك حبيتى تتعرفى عليهم ، أتفضلى أدخليلهم جوا
لم يكن شأنها كشأن باقى النساء ، اللواتى ينفذ صبرهن سريعاً ، بل هى صاحبة البال الطويل ، فهى لا تخرج عن طورها بسهولة ، بل هدوءها يصل لحد البرود
فإبتسمت ثانية وهى تقول بدهاء ، إستطاع هو كشف مغزاه بسهولة من قولها :
– أه اكيد طبعاً لازم أتعرف على باقى العيلة مش بقينا جيران وهنبقى زى الأهل عن أذنكم
ذهبت ليلى من أمامهما ، فأنزعجت ملامحه ، وليان ابتعدت لتكمل تجولها بالحديقة ، ومحاولة منها أن تسيطر على أعصابها بعد ظهوره المفاجئ ، ولكن أمام إحدى الأشجار العملاقة وارفة الأوراق والظل ، كانت ستصطدم بها وهى تسير مطرقة برأسها ، لولا زوجها الذى حال بينها وبين إصطدام رأسها بالشجرة
فأبتعدت عنه وهى تحك جبهتها بعد إصطدامها بصدره وهى تقول :
– أه مش تحاسب خليتنى خبطت فيك
– ماهو لو مكنتيش خبطتى فيا كنتى هتتخبطى براسك فى الشجرة وأنتى ماشية سرحانة ، ثم هى دى حمد الله على السلامة بتاعتك لجوزك اللى كان غايب بقاله كام يوم
قالها رفيق وهو يشير للشجرة خلفه ، فأنزعجت من محاولاته المتكررة لإنقاذها ، فهو لا يعلم بأى حال يترك عقلها بعدما يذهب ، فهى لا تملك سوى لسان سليط ، لتجابه به ذلك الانجذاب الذى يحمله إليها ، فهى تشعر بالتخبط والحيرة ، وعدم وزن الأمور جيداً ، أو رؤيتها لها من منظور أخر
فردت قائلة كعادتها بلسانها السليط:
– متبقاش تنقذنى تانى يا دكتور رفيق علشان جايز فى مرة أعرف أخلص من حياتى معاك ، ثم لما تبقى جوزى بجد أبقى أقولك حمد الله على السلامة
لم يكن من الحكمة لها أن تثرثر مع رجل نفذ صبره ، وأكتفى من لسانها السليط وأفعالها الطفولية ، فجذبها من يدها وجرها خلفه ، حتى يصل لمكان لا يستطيع احد رؤيته وهو ينزل بها عقابه ، فهى تستحق العقاب على كل ما تفعله وتقوله منذ أن تقابلا
حاولت تخليص يدها من كفه القابض عليها ، يكاد يسحق عظامها ، فتألمت وهى تقول:
– سيب إيدى أنت وجعتنى
لم يطلق سراح يدها إلا بعدما وصل لوجهته ، فنظرت حولها فوجدت نفسها بالباحة الخلفية للمنزل ، فالمكان مظلم لا ينيره سوى إضاءه خافتة وضوء القمر
فأرتدت بخطواتها وهى تقول :
– أنت جبتنى هنا ليه ، وبطل العنف بتاعك ده ، أنت مش هترتاح إلا لما تكسرلى إيدى فى مرة
وضع يديه بجيبه وهو يقول:
– جبتك علشان أعاقبك على قلة أدبك وطولة لسانك بس من غير ما حد يشوفنا لأن الصراحة اكتفيت من كلامك وطولة لسانك ، وإن كان على كسر إيدك ،فأنتى تستحقى كسر رقبتك وقطع لسانك الطويل ده
ظنت أنه جاء بها لهنا من أجل ضربها ، فإبتسمت بسخرية وقالت:
– إيه ناوى تضربنى ولو هتضربنى هتدينى قلمين على وشى ولا هتعمل إيه ، لو هتضربنى أتفضل أضرب وخلصنى
أغمضت عينيها وأقتربت بوجهها منه ، لعله يصفعها وينتهى الأمر ، وبذلك تجد حجة جديدة ، ، لأن تتشاجر معه وربما يصل بها الأمر لرد إهانته لها ، ولتزرع كراهيته بقلبها والتى بدأت تتلاشى شيئاً فشيئًا ، ولا تفلح فى أن تجعلها تطفو على سطح وجهها أو بقلبها كلما كان قريباً منها
– لاء مش هضربك يا ليان
قالها رفيق بهمس ، وعيناه تتفرس بوجهها ، وإذ فجأة وجدته يعانقها عناق المحبين ، حاولت التحرر من بين ذراعيه ، فما زادها الأمر إلا شعوراً بالألم من ضغط ذراعيه حولها ، فكلما حاولت أن تقول شيئاً ، يجعلها تبتلع كلماتها بجوفها ثانية ، وكلما حاولت دفعه بصدره تجد يديها عاجزة عن ذلك ، فهو أقوى منها بكثير ، فرأت أن تكف عن مقاومتها حتى تمر سحابة جنونه المفاجئ ، وحتى لاتزيد من شعورها بالألم
كفت عن الحركة ، وإستكانت تنتظر فروغه من عقابه الذى رأته مؤذياً لمشاعرها الخجولة ، فعندما شعر بهدوءها ، أعاد تفاصيل عناقه تلك المرة بألطف طريقة ممكنة ، تجعلها تشعر بتلك النيران التى تشعلها بقلبه بدون قصد منها ، فأرتبكت لحنانه المفاجئ ، وحرصه على تضمين عناقه لها كل ما يشعر به ، فلا تعلم كيف تحررت يداها السجينتان بين صدره وجسدها اثناء محاولتها لدفعه عنها ، فحطت بهما على كتفيه وأغمضت عينيها ، فهى لم تتذوق طعم العناق إلا منه ، ولا تنكر أن الأمر راقها كثيراً ، بل باتت تتمنى أن يكون عقابه لها دائمًا هكذا عذباً ودودًا
فحاولت قدر خبرتها المعدومة بتلك الأمور أن تجاريه ، ولكن مازاده محاولاتها البريئة والساذجة ، سوى أن فاض الشوق بحروفه التى خرجت من فمه تحمل على أجنحتها إعترافه لها بتلك الكلمات ، والتى جاءتها بهمس عاشق:
– أنا بحبك يا ليان
__________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية في هواها متيم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى