روايات

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثامن عشر 18 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل الثامن عشر 18 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثامن عشر

رواية غوى بعصيانه قلبي البارت الثامن عشر

رواية غوى بعصيانه قلبي الحلقة الثامنة عشر

“رسائل لن تصل لـ صاحبها ”
أحبك بالقدر الذي يجعلني اتساءل بقلق المسلم
أحلال أنت أم حرام ؟!
ووحده الله يعلم أن عاطفتي نحوك
كانت طاهرة كخيال طفلة
فـ أكبر أمنياتي معك ، كانت أن اصافحك بحب !
دون الخوف من استقرار جمرة ما في كفي .
•••••••••
ثلاثة لا يمكن للمرء أن يقف أمامهم ، طوفان البحر أن غضب ، وطوفان القلب أن أحب ، وطوفان الأنانية أن طمعت الأنفس ، في تمام الرابعة فجرًا ، يستعد كُلٌ من رشيد ويونس للعودة إلى تجارهم وعملهم ، فـ عندما رحل المعلم قنديل المصري باتت الأمور صعبة وأهملوا الشباب شُغل أبيهم الذي تفاني في العمل كي يصبح من كبار صيادين البحر الأحمر ، وأشهر تجاري اللؤلؤ والقطع النفسية التي يحويها جوف البحر .
خرج رشيد بصُحبة يونس ، شابان في مقدمة العشرينات من العمر ، وارتدوا رداء الصيد مستعدين للعودة مرة آخرى ، والحفاظ على لقب قنديل المصري الذي ظل يسعى إليه والدهم طول عمره .
وصل الاثنان إلى الميناء ، و حشدوا الرجال ليتأهبوا برحلة جديدة ، وانطلاق سُفنهم في البحر وصيد مختلف أنواع الأسماك والحيتان العملاقة الذي تشتهر بها تجارتهم البحرية ..
بمجرد ما وصل تفقد رشيد توأم رسيل الميناء فوجده خاليًا من مراكب ” المصري ” إلا مركبة واحدة تصف جانب الميناء وتتبدل لافتتها بواسطة العمال ، ركض رشيد ثم اتبعه يونس بغضب عارم حتى وصل إليهم موبخًا :
-أنتَ بتعمل أيه يا جدع منك له ! وازاي بتنزلوا اسم قنديل المصري كده ! أنا هوديكم في داهية ! نزل إيدك يا جدع منك له عن اسم المعلم قنديل .
لم يرد عليه أحد العُمال لان صوت فريد سبقهم من الخلف قائلًا :
-مالك بس يا رشيد ! مين مزعلك !
دار إليه الأخوة بضيق ، حتى أجابه رشيد بضيقٍ :
-تعالى يا عم فريد شوف المصيبة دي ! دول بينزلوا اسم أبويا من على المركب ! أنت ازاي سمحت لهم !
لطم هواء البحر وجه فريد بقوة وهو يجيبه بشموخ :
-أنا اللي أمرت يا رشيد !
نظر الاثنان لبعضهم بغرابة حتى تفوه يونس مزمجرًا :
-يعني أيه أنت اللي أمرت ! أنت هتنسى نفسك يا فريد !
صاح فريد ليُفجر قنبلة جديدة :
-المعلم فريد ، صاحب كل المراكب اللي عليها اسم المصري !
تهجم رشيد عليه بانفعال شديد :
-لا دانت اتجننت رسمي !
تدخل أحد الرجال الذي انضموا إلى حزب فريد ، وباعوا معلمهم وأولاده ذوي الفضل عليهم دفاعًا عن فريد الذي تقهقر خطوتين للخلف وهو يفصح عن جريمته التي زيفها سرًا :
-أنا معايا ورق يثبت أن المعلم قنديل قبل ما يتوفي بـ٣ شهور باع لي كل المراكب دي ، يعني بالبلدي كده ! أنت مالكمش حاجة هنا ..
ثم اقترب خطوة وقال مهددًا :
-عارفين الطريق ولا أخلى حد من الرجالة يوصلكم !
••••••••••••
ضُبط منبه رأسها على مواعيد استيقاظها الأصلية ، ونهضت من فراشه بجوار ابنته النائمتين بتسلل وبرأسها يقظة شديدة كأن الشمس أشرقت برأسها أولًا .. مدت الغطاء فوق الفتيات ثم وثبت قائمة وذهبت نحو المرحاض غسلت وجهها وجففته جيدًا وأخذت تتأمل ملامحها البريئة بتأملٍ وهي تتساءل لنفسها :
-أن فقد العقل خريطته ! فما مصير خريطة القلب لا ترى !
وضعت يدها على قلبها الذي ينبض بخفوت ، كأنها تتحسس إذا كان حاملًا للحب أم خاليًا منه ! أ لم يتعلق به حُبًا لمكانٍ أو زمان أو شخصٍ ! كررت المسح على وجهها بالماء الفاتر عدة مرات حتى استندت على الحوض متنهدة بتعب :
#اقتباس
-أ يحمل طريق الكذب النجاة ! ‏يا ترى ماذا يوجد في الجانب الآخر من الحياة التي تنتظرني ؟!
خطـٰفت أكثر من منديلٍ ورقيًا وجففت وجهها وغادرت الغرفة تشتهي أن تستنشق القليل من الهواء الطبيعي بدلاً من الهواء البارد ، تحركت ببطء كي لا تزعج أحد من نومه ، ولكنها توقفت بجوار الأريكة التي يتمدد فوقها عاصي فوجدته بدون غطاء ، ظلت تتأمله طويلًا حتى لوحت بيدها متجاهلة وتقدمت خطوتين ولكنها تراجعت واقتربت منه بحذر شديد ومدت الغطاء فوقه بقلب عطوف لن يهون عليها أن تترك جسده عُرضة لسقيع الهواء .
في تلك اللحظة شهقت بفزعٍ إثر قبضة يده الحديدية التى انكمشت على رسغها ناهضًا من سباته بمهابة جُندي غفلت عينه على حدود الأعداء ، إبتركت رغم عنها على حافة الأريكة فـ تقابل الثنائي وجه لوجه لم يتحرك بينهم إلا النفس المتصاعد الذي يُغرل الملامح المُتصلبة لوجوههم .
غمز له بطرف عينه وهو يُراقب تضارب دقات قلبها التي تجعل صدرها يعلو ويهبط متسائلًا :
-ايه ؟!
بللت حلقها وبثغرها المرتجف :
-أيه !
هدأت أنفاسه سريعًا ثم كرر سؤاله بصيغة آخرى :
-بتعملي أيه هنا!
-كُنت معدية .. معدية عشان أشم هوا ، قصدي يعني البلكونة .. فـ
كانت كلماتها مُتقطعة وبين كل كلمة والأخرى تصمت للحظات مُتخذة نفسًا طويلة حتى أطبقت جفونها بإصرار كي لا تلتقى بنجوم عينيه الساطعة في الظلام الدامس متخذة تنهيدة عالية وأكملت بعيونها المنغلقة :
-كنت بغطيك عشان التكييف عالي وكده .
ثم فتحت عيونها تدريجيًا فتعثرت بضياء عيونه الثابتة التي تفترسها ، لم تتحمل البقاء بجواره أكثر من ذلك فـ قُربه يُرعبها ويبث بجوفها العديد من المشاعر المتضاربة ، حررت يدها من قبضته القوية وهربت إلى الشرفة كالأرنب الهارب .
خرجت إلى البلكونة متحررة من أسوار نظراته القوية وهى تتنفس الصعداء واضعة كفها المُرتعش على قلبها ، وأخذت توبخ نفسها بعتب :
-غبية ! مالك أنت متغطي ولا مش متغطي ! دلوقتِ هيفهم أيه بدماغه السودة دي !
لم تكف الأنفاس الخارجة من أنفها على طرد دُخان جريمتها الحمقاء بل استعانت بثغرها لتتخلص بأكبر قدر ممكن من النيران الحارقة بجوفها ، أغمضت عيونها طويلًا كي تهدأ من سطو ظنونه الخبيثة وما أن فتحتهم وجدته أمامها ساطع كسطوع البدر فوقهم ولكنه لم يتأملها هذه المرة بل كانت نظراته مستقيمة إلى الحديقة الخاصة لديه .. أحست بأنها في مأزقٍ لا مفر منه بللت حلقها ملتزمة الصمت ولكن عيونها لم تكف عن اختلاس النظرات منه .
ساد الصمت بينهم طويلًا لانها بنفس الكبرياء الذي يملكه ولكنه رضخ مُغرمًا تحت عرش أهدابها الطويلة متحمحمًا :
-البنات تعبوكي !
بنبرة مبحوحةٍ :
-لا بالعكس ، أنا صحيت عادي !
ثم حكت جدار عنقها وقالت بفضول :
-هي مامتهم فين !
لم ينبس ببنت شفة بل اكتفى بنظرة ثاقبة جعلتها تعاتب نفسها على فضولها خاصة بعد ما طال صمته ، ثم نطق بعد ما يأست من رده :
-اتوفت يوم ولادتهم ، جالها نزيف و حصل اللي حصل .
طالتعه بنظرات مغلفة بالشفقة :
-ربنا يرحمها ..
ثم تفوهت بتلقائية غير مُدركة لأثر كلامها
– بناتك آكيد شبهها ، أصلهم مش شبهك خالص .
رمقها بنظرة غامضة ثم قال تحت سحرها متحررًا من شخص عاصي دويدار :
-مش متعود حد يلمسني ولا يغطيني وانا نايم من بعد ما مشيت ، عشان كده اتخضيت لما شوفتك .
ظلت تقضم في أظافرها من شدة الخجل ثم ردت بارتباك :
-أنا اسفة ..
أطال النظر بعيونها المُغرية للنظر و أجاب شارد بهما بنبرة خافتة :
-على أيه !
-هاه … !
تنحنح بصوته الرخيم متخلصًا من سطو عيونها الخلابة وقال بفظاظة :
-أول وآخر مرة !
انعقد حاجباها بدهشة :
-يعني أيه ؟!
-أول وآخر مرة تفكري تلمسيني و أنا نايم .
تحـٰرش بغرور الأنثى الذي يسكنها ، فتحولت لقطة مشاكسة تحاول أن تُلملم ما تبعثر من كبريائها وقالت بفتور :
-بلاش العنجهة تاخدك أوي ، لا هلمسك و أنت نايم ولا وأنت صاحي !
ثم اقتربت منه خطوة برأس شامخة وكأنها أعلنت عليه الحرب :
-دي غلطتي بس أني فكرت أعاملك مُعاملة بني آدم طبيعي !
تبسم بخبث وهو يتلصص أكبر قدر ممكن من عيونها اللامعة عن قُرب وسألها :
-أومال أنا أيه ؟!
-أنت ولا حاجة !
قالت جملتها الأخيرة بتلقائية وبدون تفكير ، كانت فقط تود أن ترد اعتبارها من عجرفة رجل مثله ، لم تتحمل البقاء في مكان يضمهم لدقيقة آخرى بل فرت هاربة منه وهي تحتمي بابنته وتغطي جسدها من الكاحل للرأس كي تختفي عن مرمى أنظاره .. أما عنه نفض عن ذاكرته أشباح طيفها الهالك بذكوريته مستعينًا بلفافة التبغ التي فجر بها حرائقه الناشبة .
••••••
انتهت ” عالية ” من أداء صلاة الفجر بعد ما ارتدت قميصه الواسع ووضعت على شعرها شالًا يخصه ، جلست على سجادة الصلاة ترتل الأذكار بصوت خافت ، وترفع عيونها الدائرية لأعلى تشكو همها لرب السماء وتطلب منه أن يناجيها من ظُلمتها .
ثنت السجادة ثم وثبت قائمة بهدوء ورقة كي لا تزعجه ولكنها استدارت مفزوعة عندما فتح إضاءة المصباح بجواره ، أحست بالحرج منه فأسرعت مُعتذرة :
-أنا اسفة لو صحيتك ..
نهض مُراد من مخدعة بصدره العارٍ الذي تحاشت النظر إليه بقدر المستطاع وهو يُراقب ملابسه التي استعانت بها ولكنه ما زال تحت تأثير صدمته من فعلها الذي يطيب له القلب وسألها :
-صاحية ليه ؟!
رفعت جفونها للحظة ولكن سرعان ما أخفضتها بحرج :
-عشان الصلاة !
رفع حاجبه متعجبًا :
-غريبة !
-هي ايه ؟!
برر مراد جملته :
-نمتي متأخر ! وصحيتي بس !
تبسمت براحة عجيبة مناقضة لخجلها من النظر إليه وقالا بحماس طفلة :
-عمري ما ظبطت منبه لصلاة الفجر ، تكفي النية و كنت بصحى من غير أي حاجة ، جربت الشعور دا قبل كده ؟!
تضاربت الأفكار في رأسه متحيرًا حول تلك الفراشة التي خطفها من عش الدبابير ! فـ رد شاردًا :
-شعور أيه ؟!
-أنك تنوي تصلي الفجر ، وتلاقي الملايكة بتصحيك ، عارف ليه ؟! لأنك ظبطت منبه قلبك على ميعاد تلبية نداء رب العالمين .
تاه مُراد في طهارة قلبها ، ولين كلماتها التي مرت كمرور النسيم على قلبه لا يعرف ما سيقوله ، اكتفى بهز رأسه متفقًا مع ذلك الشعور الذي لم يُلامس قلبه من قبل ولكن لامست عفويتها صميمه ، فـ تمنى ولو يتذوق شهد ذلك اللقاء الروحي الذي جعلها بكل هذا الجمال ، بلل حلقه هاربًا من جهله أمامها وقال :
-تمام هنام أنا عشان عندي شُغل !
اتسع بؤبؤ عينيها مشدوهًا :
-من غير ما تصلي ! طالما صحيت يبقى لازم تصلي الفجر ، وبعدين كمل نومك .
أحس بدلوٍ من الثلج انسكب فوق قلبه وهي تُناديه مشغوفًا بأن يؤدي صلاة لم يعهدها منذ كان طفلًا صغيرًا عندما كان يتشبث في ذراع السفرجي الذي لم تفارقه صلاة ، وبشغف الطفل الذي كان يملأه كان يرافقه بكل صلاة ، أصابت نشوة اللقاء قلبه ، فوافقها الأمر وهو تائه لا يعلم كيف سيتقبله ربه بعد كل هذا الغياب ! كيف سيكون الوقوف بين يديه وهو رجل يافع غرته الحياة عن ذلك اللقاء العظيم .
توجه نحو المرحاض الخاص بالغُرفة كي يستعد للصلاة كما طلبت منه برقتها التي يلين لها الحجر .. خرج إليها وهو يرتدي منامته القطنية ويجفف وجهه من آثار المياه .. وثبت قائمة بابتسامة تبث الطمأنينة إلى القلب المضطرب وقالت برجاء :
-ممكن أخد موبايلك !
لم تمنحه الفرصة ليسائلها عن السبب بل اسرعت موضحة :
-هقرأ بس الورد بتاعي وهديهولك تاني ، أنا دورت على مصحف هنا وللاسف ملقتش !
ما زال تحت تأثير صدماته التي انهالت بها على رأسه مرة واحدة ، أومأ بالموافقة بدون جدال ، فأشرقت منها شمس أمل جديد بث نوع من السعادة بقلبه ، ما كادت أن تخطو خطوتين ثم تراجعت بإستيحاء :
-طلب اخير ، أنا اسفة !
انتهى من فرش سجادة الصلاة ثم ولى إليها منصتًا :
-طلب أيه !
فرقعت أصابعها بتوتر ثم قالت :
-الكريدت كارت بتاعتي في كڤر الموبايل ، ممكن تبقى تجيبهالي عشان محتاجة شوية حاجات ومش عارفة اشتريهم ! ومش عارفة البس أيه غير هدومك !
تحرك بسكوت نحو الكمود الذي عليه حافظة نقوده وأخرج منها البطاقة البنكية الخاصة به وتركها فوق التسريحة قائلًا :
-تقدري تشتري اللي أنتِ عايزاه ..
ثم تحرك خطوتين مقتربًا منها فاستقبلتهم بخطوة واسعة متراجعة للخلف مصطدمة ساقها بخشب السرير فأختل اتزانها لتسقط على ذراعه الذي كان مسندًا لها من الارتطام بالأرض .. تلاقت أعينهم للحظة سريعة قطعتها بارتباكها وهي تستعين بذراعه الاخر لتنهض وتفارق حصاره المُربك .. مسحت على رأسها من شدة الخجل وهى تتحاشى النظر إليه حتى أتاها صوته من الخلف :
-طول ما أنت في بيتي تبقي مسئولة مني !
•••••••••••
سطعت الشمس وتحولت إلى سوارٍ من الألماس وباتت أشعتها تغازل سُكان الأرض بمشاعر مختلفة ، فلم تترك قلبًا إلا وعششت الحيرة فوق !
ذهب تميم إلى شمس في المكان المُتفق إليه بصُحبة سائقه الأمين الذي لا يثق إلا به ، وهو العم حجاج ، بمجرد قدومه وجدها في انتظاره ، ساعده العم حجاج ثم استأذن مُغادرًا كي ينتظره جنبًا ، ظل تميم يُراقب ملامح شمس المُخيمة بالحُزن والخوف وسألها :
-شمس أنتِ كويسة !
كانت جملته بمثابة رصاصة فتاكة لسيل الدموع من عيونها ، أجهشت بالبكاء ثم قالت بوهن :
-تيتا تعيش أنت !
للحظة اصطدمت رأسه بذاكرة الماضي والسيارة تنقلب وبداخلها هو وأمه التي حاولت حمايته بشتى الطُرق حتى افتدته بروحها ، وتركت له شلل الروح وسلامة الجسد ، عاد إليها بعد غيبته الفكرية ثم قال بتأثرٍ :
-البقاء لله .
هزت رأسها بحزن وخيمِ ثم قالت بأسف :
-كان نفسها تفرح بيا أوي .
لحقها مستفهمًا بسؤاله الفضولي :
-عشان كده وافقتي !
سؤاله وضعها في مأزق التحير والتخبط ، ما بين تأييد ونفي جملته ، أن وافقته سيظن أنه مجرد سلعة لتحقيق مُنايا جدتها ، وأن أفصحت عن دواخلها وأقرت حقيقة قبول طلبه وهو الثأر لتلك السيدة الحنونة التي تطاولت عليها مخالب ظلم آل دويدار ، تنهدت بضياعٍ :
-لأسباب كتير ، أولهم هي !
-وباقي الأسباب …!
شبكت أصابعها المرتجفة ببعض و أخبرته :
-هتعرف كل حاجة في وقتها ، المهم أنا اللي عايزة أسالك ، ليه أنا بالذات ؟!
شرد في ضباب أيامه حتى جاوبها بغموضٍ يملأه وصرح :
-مش هكدب عليكِ ، الجواز كان أخر حاجة ممكن افكر فيها ، بس أول ما شوفتك وشوفت اهتمامك حسيت بالونس ، وشوفت في عيونك أنك خير ونيس لأيامي الجاية يا شمس ..
أخذت أعينهم تتحاور للحظات حتى أكمل مبررًا :
-الحياة مش سهلة يا شمس ، وكُنت مفكر أن الرحلة فردية وكنت راضي ، بس لما شفتك كل ده اتغير ، وبقيت بدل ما بهرب للوحدة ، بقيت بهرب منها .
ثم هز رأسه هزة خفيفة وهو يرسل لها ابتسامة إنصات متنظرًا شروطها التي حتمًا ستضمن بها حقوقها ،تخبط في حواف تفكيره مخمنًا أنها متعلقة بالمادة والنقود ومظاهر الحياة ، فـ سألها :
-أيه هي شروطك بقي !
أغمضت جفونها المُجبرة على استكمال حياة لا تُريدها ولكن لا حياة لها وهي صاحبة حق تتقلب في لهيبه دون أخذه ممن حرمها من سندها الأخير ، فتحت عيونها الذابلة وقالت :
-أنت عارف أن نوران أختى ملهاش غيري ، ومش هينفع اسيبها واعيش بعيد عنها وو
قاطعها تميم بمعدنه الأصيل الذي أصر قتله وراء ستار الانتقام :
-ولا يرضيني أنك تسيبها لوحدها ، وهتيجي القصر وهجهزلها أوضة لوحدها ، وكمان نوران مُلزمة مني لحد ما تتجوز .. أيه تاني ؟!
رغم الراحة المبطنة بكلامه والهدوء إلا أن هناك شيء ما غير مستقر بقلبها ، كجرس يصدح متوسلًا أن تهرب من تلك الحرب الغير منصفة ، تبسمت له بعرفان ثم قالت بتوجس :
-أنت عارف أن جوازنا جيه فجاة ووو
فركت كفوفها ببعض من شدة الارتباك حتى أكملت بتردد :
-اه هنتجوز ونعيش سوا ، بس أنا محتاجة فترة عشان اتعود عليه وافهمك ، تميم انا عشت حياتي كلها رافضة الحب وعمري ما سعيت له ، ومعرفش عنه حاجة ولا هو ازاي ولا بيكون شكله أيه ، عشان كده أنا بطلب منك ….
بللت حلقها ولطخت وجنتيها بحمرة الخجل واخفضت عيونها بحياء ثم قالت بإلتماسٍ :
-جوازنا يكون صوري ، يعني على والورق وبس لحد ما نحدد أحنا عايزين أيه !
انكمشت ملامحه بامتعاض مستغربًا من طلبها العجيب :
-يعني أيه يا شمس! منين موافقة تكوني مراتي ومنين بتمنعيني إني اقرب لك ! أنتِ عارفة بتقولي أيه !
فرت دمعة من طرف عيونها بقلة حيلة وهي تستشعر بجبال العالم تتهاوى فوق كتفها ، شُل تفكيرها ولا تدري أين السبيل الذي تسلكه ليرشدها .. أردفت بخفوت :
-أيوه ده شرطي يا تميم !
شرطها ضعاف الشكوك برأسه حولها ولكن شيء ما يرغمه أن يُكمل الطريق إليها على رغم جهله بنهايته أخر المطاف ، أُجير أن يوافق على طلبها قائلًا :
-و أنا موافق يا شمس على كل شروطك ، في حاجة تانية ؟!
هزت رأسها بالنفي وهي تجفف دموعها وترتشف رشفة خفيفة من كأس الماء بيدها المُرتجفة ، تحمحم تميم بحماس :
-يلا بينا !
-على فين !
مط شفته بتردد :
-هنكتب الكتاب ؟!
-استنى هنا ! بالسرعة دي ؟! وجدتي ووو
-شمس .. النهاردة زي بكرة زي بعد سنة ، كل أيام بتاكل في العُمر ، وأنا هرجع البيت بيكي النهاردة !
على حافة الاتهام والانتقام من الناجي يا ترى ! سلك تميم طريقًا نسجه من مُخيلة عداوته ، واتخذته شمس وسيلة لانتقامها . هل يصل كل منهما لمُراده أم ستفترق الطُرق ويجمعهما طريق آخر لم يكن بحسبانهم !
••••••••••
انتهى مُراد من ارتداء ملابسه مستعدًا للذهاب لعمله وتعمد ألا يشعل الإضاءة كي لا تصحو من نومها ، حيث كانت تتقوس حول نفسها فوق الأريكة المُقابل لمخدعه ، اقترب منها ببطء فـ تعثر بملامحها الملائكية النائمة بحرية وانتشاء ، تمنى لو يقف به الزمان على أهداب عيونها المغلقة ، مال وأخذ هاتفه من يدها برفق ، فـ مجرد ما اشعل إضاءة الهاتف ، ظهرت أمامه صفحة من سورة ” يس ” وتوقفت أنظاره على تلك الآية القُرآنية التي تخاطب فؤاده :
-﴿ فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾
رتل تلك الآيه ثلاثة مرات في سره والرابعة قرأها وهو يُطالع ملامحها البريئة التي تُغريه أن يطالعهما دائما ، وضع الهاتف في سترته ثم توجه للخارج بكامل أناقته ووسامته ، التقى بأمه في الصالة ترتشف كوبًا من الشاي ، فاقترب منها وجلس بجوارها مُتسائلًا :
-مواعيدك دايمًا مظبوطة يا جيهان هانم ، ولسه بتصحى ٧ الصبح زي ما أنت .
وضعت كوب الشاي بجوارها ثم ألتفت إليه :
-أبوك عودني أني لازم اصحى قبله ، وفضلت عشرين سنة على الحال ده !
ثم وضعت ساق فوق الأخرى بفظاظة :
-و ياريت تعلم اللي جوه دي ، مش أول ما شافتنا دخلت الأوضة ومحدش شاف وشها .
لا يعلم لما تسلل الضيق إلى صدره من حديث أمه التي لم تتوقف عن بخ سُمها ، وأكملت هامسة :
-أنت ناوي على أيه مع البنت دي ! عايزاك تستعجل كده قبل عاصي ما يفوق من الضربة الأولى ، عشان التانية دي هتقطم وسطه !
طالعها بملامح مُجفلة ونافرة ، أحس أنه لم يتحمل سماع المزيد بدون ما يدرك السبب وراء نفوره من تلك الكراهية التي ترسخها أمه في رأسه ، هز وجهه ناطقًا بصوت عقله :
-واضح أن معاكِ حق ، البنت مش عايزة الشدة ، عايزة تتاخد على الهادي ..
حدجته أمه مشدوهة بشكٍ :
-معنى كلامك أيه يا مُراد ! مش مرتحالك ؟
أخذ كأس الشاي من أمامها و ارتشف رشفة منه قبل أن يُغادر ، فأردف بصوت انتقامه من آل دويدار :
-ناوي أخليها تحبني ، عشان أخد منها اللي عايزه بسهولة ..
تسربت الشكوك إلى رأسه أمه التي طالعته بعيون ليست مُقتنعة وقالت بريبة :
-بس ده هياخد وقت طويل يا مُراد ! وأحنا لازم نثبت رجلنا في اسرع وقت ! لازم ناخد مصلحتنا من ورا الجوازة دي !
وثب قامته الفخمة متأهبًا للذهاب وقال :
-سيبي لي أنا الطلعة دي ، كله هيخلص في أقرب وقت !
غادر مُراد وفي رأسه أزميل من الندم وتأنيب الضمير الذي لا يعمل مصدره ، وما تلك العواطف الثائرة بقلبه كالحريق ، وما الذي قاله لأمه عنها ! وهل شخص مثله يليق به التلاعب بقلوب النساء كي يُحقق أهوائه ! قفل الباب خلفه وعلى حده استيقظت هدير تجر في أقدامها بتكاسل شديد حتى ارتمت على المقعد بجوار أمها متشبثة برأسها الذي أوشك على الانفجار ، أردفت جيهان :
-لسه بردو الصُداع !
تأوهت هدير بوجعٍ :
-مش فاهمة في أيه ! عايزه قهوة ممكن تظبط دماغي شوية !
شرعت جيهان أن تنهض لتُحضر لها ما تطلبه ولكن أوقفتها هدير قائلة :
-رايحة فين !
-هعملك القهوة !
نهضت هدير مُتناسية ألمها وقالت بانتقام :
-لا ، البنت اللي جوه اللي هتعمل لي قهوة ، هو أخوها يلعب بيا وأنا هسكت لها !
ضحكت جيهان وكأن الفكرة راقت لها ، تقدمت هدير بسرعة نحو الغرفة وفتحت الباب بدون إذن مسبق فوجدت عالية مستيقظة تتناول أدويتها ، تركت ” عالية ” الكوب من يدها وعاتبها :
-مش تخبطي يا هدير ! ولا هي وكالة من غير بواب !
وقفت هدير في منتصف الغُرفة وعقدت ساعديها وبنبرة آمرة :
-كويس أنك صاحية ! عايزة اشرب قهوة !
جلست ” عالية ” على طرف الأريكة بهدوء وهي تحاورها :
-ما تشربي قهوة ! مقفلتش عليكِ المطبخ !
-ما أنا جيالك هنا عشان أقولك أعملي لي قهوة وجهزيلي الفطار قبل ما أنزل الشغل .
زفرت ” عالية ” بامتعاض وقالت بنفاذ صبر :
-هدير اطلعي من دماغي لاني بجد مش رايقة لسخافتك !
احتشد لهب الغضب بنظرات هدير الحارقة وهي تفكر كيف تضايقها أكثر ، أخذت تأكل في شفتها السُفلية بغيظ حتى قالت :
-بقى كده ! أنا قُلت اشغلك بدل ما أنت فاضية كده لا شُغلة ولا مشغله ، بس الظاهر أنتِ حابة حياة العواطلية دي !
التوى ثغر عالية بسخرية وهي تختصر الحديث معها :
-آكيد مش لما أحب اشغل نفسي هقوم اخدمك يعني ، بدل الرغي ده كله كنتي خلصتي القهوة وشربتيها .
دنت منها هدير بتوعد :
-متخلنيش أحطك في دماغي واشتري رضايا يا بنت دويدار !
أحست عالية بالفخر بلقبها ووضعت ساق فوق الأخرى قائلة :
-مش لقب دويدار ده حفيتي وراه ، وفـ الاخر مبقتيش على ذمته غير ليلة واحدة !
تفشت بها هدير وهي تدفعها بعنف من كتفها :
-متنسيش نفسك ، أنا كمان ممكن أخلي مُراد يرميكي بره لما يشوف صورك ويعرف إنك مش تمام ، احمدي ربنا بس أن مُراد مالهوش في جو السوشيال …
أزاحت عالية يد هدير عنها بامتعاض وهي تحدجها بقوة مصدرها ألم جرحها أسفل بطنها وقالت :
-ما بتهددش عشان أنتِ عارفة لا يفرق معايا أخوكي ولا عشرة زيه ، ولا رامية نفسي على نسبكم …. هقولهالك تاني طلعيني من دماغك يا هدير !
رسمت هدير على ثغرها ضحكة ماكرة وقالت بتوعد :
-وعد مني طول منا هنا لأدوقك من جحيم أخوكي عاصي ، وهعرف مُراد حقيقتك وفضيحتك .
بمجرد ما أردفت جملتها اعتدلت وفارقت الغرفة متعمدة ترك بابها مفتوحًا ، تكدست العبرات بجفون عالية التي لا تعلم من أين تفتح الأبواب العدائية بوجهها وإلى أين عليها أن تهرب .. وثبت قائمًا بتعبٍ وهي تضع يدها فوق الجرح وقفلت الباب بأحكام كي تتحاشى موبق التشاحن بينهم مزفرة بضيق :
-يا ربي أنا تعبت أوي .
•••••••••••
طرق يسري باب مكتب رئيسه ثم دلف إليه بوجه العابث وجلس أمامه متنهدًا بضيق ، قفل ” عاصي ” شاشة الحاسوب وألتفت إليه :
-أيه الاخبار .
ألقى يسري الملف الذي بيده على الطاولة الصغيرة وقال بضيقٍ :
-أنا لسه راجع من هناك ، وزي ما اتوقعنا ، الحادثة بفعل فاعل .
جحظت عيني عاصي من شدة الغضب وهو يضغط على قبضة يده بشدة حتى برزت عروقه القوية وقال :
-تعرف لي مين يا يسري في اسرع وقت ..
-آكيد معاليك حد من المُنافسين ، بس الموضوع عندي متشغلش بالك ..
أشار إليه عاصي بسبابته آمرًا :
-عايز فايل شامل عن كل الشركات المنافسة هناك ومين المستفيد ورا ده !
فكر يسري باهتمام حتى قال حائرًا :
-الغريب أن اسم مارو بينتشر في المنطقة بسرعة كبيرة ، وحجم مشروعاته وتطورها بتنافس مشاريعنا هناك ، وده بيهدد مكانة حضرتك في السوق !
ضرب عاصي بكفه القوي على سطح المكتب وهو ينهره :
-بردو ما وصلتش لحاجة ! يسري الشركة دي لازم اعرف مين صاحبها ، واعرف وراه أيه وكام تمنه ، أحنا بالحال ده هنقعد على الرصيف ..
أطرق يسري بحيرة ثم فتح هاتفه ومده لعاصي:
-الوفد الايطالي بعت ايميل الصبح ، ومديرة مكتبك بعتته ليا ، وأول اجتماع بعد يومين ، ولازم تحضره بنفسك ، خاصة بعد سحب مجلس الإدارة منهم ، بصراحة ضربة معلم بصحيح .
اتكئ عاصي مُفكرًا على ظهر مقهده الجلدي وهز رأسه :
-دول كمان عايزين دماغ صاحية ، خاصة أن بنت “أندرو” بيقولو حطاني في دماغها أوي ، والبنت دي شاطرة وشكلها هتغلبنا .
ثم عاد مُتكئًا على سطح مكتبه مُشيرًا له بمؤخرة قلمه :
-يسري كلم مديرة مكتبي تجمع لي أكبر قدر ممكن من المعلومات عن البنت دي قبل الاجتماع .
ثم وثب قائمًا وطلب منه :
-تعالى ابعت الايميلات دي ، وأنا هطلع أغير هدومي ونروح موقع التجمع الجديد .. الشغل هناك مش عاجبني .
لبى يسري جميع الطلبات التى سردها عاصي قبل مُغادرته ، وما أن انصرف تبدلت المقاعد وجلس مكانه لإرسال البيانات التي طلبها منه …
” في الغُرفة ”
‏”ولكن دائمًا أبدًا‏ هناك ما يبعث الضوءَ من جهةٍ‏ ليجرح عتمَتي عمدًا ‏ويُجبرني علي الإشراق”
تجلس ” حياة ” مع الفتيات ويمرحن بسعادة لم تلمس قلوبهن من قبل حتى اقترحت عليهم أن تقوم بتصفيف شعرهم ، وصنع أجدد تسريحات الشعر لهن ، ابتدت بـ داليا التي اجلستها أمام المرآة وأخذت تعاملها كأنها سيدة عصرية وهو تصفف لها شعرها وتسدل لها بعض الخصيلات على وجهها ليزيدها جمالًا وكانت تاليا تشاركهم بانبهارٍ وتبدي اقتراحاتها ولمساتها الأنيقة :
-أنطي .. أيه رأيك لو بقيت كده !
أسبلت ” حياة ” عيونها وهي تجرب اقتراح تاليا وتداعب خصيلات شعر الصغيرة باهتمام :
-تصدقي كده أجمل بكتير ، بصي كدا يا دودو أيه رأيك !
شهقت داليا بانبهار طفولي عندما طالعت وجهها بالمرآة :
-واو يا أنطي ، جميلة أوي بجد !
قبلتها ” حياة ” بعفوية حتى التقت عيونهم بالمرآة :
-أنتِ اللي جميلة أوي .
تحمست تاليا مقترحة :
-أنطي شعرك جميل أوي ممكن نعمل لك فورمة جديدة !
انعقد حاجبي ” حياة ” بعد تصديق :
-فورمة ليا أنا !
تشجعت داليا وهي تؤيد اقتراح أختها :
-أيوه ، بدل دليل الحصان .. أي رأيك ؟!
فكرت ” حياة ” بحيرة ثم قالت بلطفٍ :
-هتعملولي أيه طيب ؟!
فكرت تاليا واضعة سبابتها على فمها بعفوية حتى صرخت بحماس :
-ضفيرة .
لم تمنحها فرصة للاعتراض بل اتفق عليها الاثنين و أجلسوها رغم عنها في منتصف الفراش بحماس طفولي ، امتد يد داليا وحررت شعرها الطويل ، وساعدتها تاليا في تجميع شعرها الكثيف على كتفها أقصى اليمين ، وقالت تاليا :
-هنعملك ضفيرة قمر ، هتعجبك أوي ، اتعلمتها من عالية .
استسلمت ” حياة ” لأفعالهم الجميلة والعفوية وضحكاتهم المنطلقة من جوفهم برائحة المسك وكل منهما يتمسك بجزء من شعرها بكفوفهم الصغيرة حتى انتهوا من صنع ضفيرة برزت ملامح وجهها الخلابة وزادتها جمال وإثارة ، شدوها بشغف نحو المراة كي تشاهد نفسها وتبدي رأيها ، والحقيقة لم تنكر حياة جمال شكلها فيما صنعوا الفتيات بها ، ما بين شعرها المُنسدل على كتفها متنهيًا بضفيرة منمقة ، وبعض الخصلات المتدلية على وجهها تُغارل ملامح وجهها ، في تلك اللحظة اقتحم عاصي الغرفة ووقف مشدوهًا غير مُكترثًا لهتاف الفتيات ، حتى اندفعت تاليا متحمسة :
-بابي ، شفت عملنا أيه في أنطي حياة ، قول أنها بقيت جميلة اوي .
جالت ببصرها عبثًا ع الجدران كي تفر من أسهم نظراته التي لم يستح أن يطالعها بهم حتى تفوه مسحورًا بجمالها :
-هي فعلًا جميلة أوي .
قفزت تاليا بتشجيع وهي تمرح :
-yes ..
ثم تدخلت داليا معلنة :
-صدقتي بقا يا أنطي !
فرك عاصي كفيه ثم قال بعيون صقرية لم تتزحزح إنشًا عنها وطلب منهم :
-ممكن تسيبونا لوحدنا شوية ، هقولها حاجة سر .
تفاقم الارتباك بصدرها ولكن تعمدت أن تُخفيه كي لا يستضعفها ، ركض الفتيات إلى الخارج بطاعة وقفل عاصي الباب ثم عاد إليه فتراجعت خطوة للخلف وهي ترمقه بأعينٍ منتظرة مصيرها الغير متوقع من رجل مثله ، تنهدت بتوتر ثم سألته :
-سر أيه اللي هتقوله ! أصلًا مفيش بينا كلام تاني .
اقترب منها فـ رأت في عيونه فضائح ساطعة وهو يُجيبها بخفوت :
-مين قال كده !
أجابته بتحدٍ :
-أنا اللي قُلت ..
بادلتها بابتسامة ساذجة:
-أنتِ تقولي الـ عايزاه ، بس كلمتي بس هي اللي بتتنفذ .
تفصد الغضف من عيونها وزفرت باختناق :
-أفندم ؟!
دنى منها وفي نبرته ابتزاز مبطن وهو يطالعها بتيه ، فلا يعلم أي معلم من وجهها يُريد أن يبتلعه ، جميعهم يُكتب لأجلهم الشعر :
-مش هتقولي كُنت عايزة أيه بالليل ؟!
-لا بقى أنت شكلك فاضي ومش لاقي محتوى تقوله وجاي تطلع فراغك عليا .
تدلت أنامله على خصلة شعرها التي سقطت فوق جفنها و أزاحها وراء أذنها وأكمل قائلًا :
-في مقولة بتقول أن أصدق اعتراف للجسد بيكون في نص الليل ، يعني لغة الجسد بتكون صادقة جدًا في الوقت ده ، مش هتقوليلي بقا كان بيقولك أيه ؟!
تاهت في وقاحة نظراته وعيونه وسألته بقلقٍ :
-مين هو ؟!
-زي ما بتسمعي لصوت عقلك وقلبك ، جسمك كمان له حق أنك تسمعي صوته ، بلاش تقاوحي ، أنا كده كده مستنيكي لسه .
توغلت في التيه ومدى الوقاحة التي يتحدث عنها بكامل حُريته وسألته كطفل أحمق لا يُدرك مغزى ألغازه :
-أنا مش فاهمة أي حاجة ! مستني أيه .
تحمحم بقوة مُستردًا قوته وصرامته :
-عايزة تجهزي بُكرة بالليل ، مسافرين الغردقة …..
أما بالطابق السُفلي وصل تميم بصُحبة شمس وأختها نوران ودخلوا جميعهم إلى ساحة القصر ، تجمدت عبلة في منتصف الدرج وهي تصيح معترضة :
-البنت دي مين سمح لها تدخل هنا ؟!
في تلك اللحظة خرج يسري من مكتب عاصي على صوت صرخة عبلة الثائر ، التي أكملت آمرة :
-سيدة ، نادي الحرس يرموا البنت دي بره .
تبادلت نوران وشمس النظرات حتى ألجمها تميم بجملته النارية :
-محدش هيقدر يقرب لها ..
ثم أمسك بيد شمس المُرتجفة وقال :
-أنا وشمس اتجوزنا ……

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوى بعصيانه قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى