روايات

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل التاسع 9 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الفصل التاسع 9 بقلم نهال مصطفى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء التاسع

رواية غوى بعصيانه قلبي البارت التاسع

رواية غوى بعصيانه قلبي الحلقة التاسعة

“رسائل لن تصل لـ صاحبها ”
لم أجد وصف لحالة قلبي هذه الليلة إلا ما قاله درويش :
-لا أنت بعيد فانتظرك ! ولا أنت قريب فألقاك !
ولا أنت لي فيطمئن قلبي ! ولا أنا محروم منك فأنساك !
أنت في منتصف كل شيء …
أنت في منتصف قلبي تحديدًا …..
•••••••
“من ضرك سيضره شخص ما ذات يوم ! ومن أبكاك سيجد من يبكيه ..الأرض دائرية ، والصفعة التي يهديها اليوم ستعود له بنفس الحدة غدًا.. فـ كما تدين تدان “
-كتب كتابك أنت وهدير كمان بكرة ، واللي جايبها من الشارع دي مش عايزة أشوفها في بيتي .
تلك كانت آخر جُملة صوبتها عبلة من قوس ثغرها كالسهم الذي اغتال مسامعه ، موقف يكشف سرعة الزمان في الاعتراف بأن صاحب السُم حتمًا سيتذوقه ! ، لحظة أدراك انكمشت فيها ملامحه وهو يردد ما قالته لنفسه مرة آخرى ثم رمقها بسخرية :
-ليه فكراني عيل مراهق مستني أمه تجوزه له .

 

لم يتحرك بها ساكن و أكملت بشموخ :
-اللي سمعته يا عاصي !
سحبها من كفها خلفه نحو أقرب غُرفة ثم ركل بابها بقوة ووقف أمامها معلنًا عواصف تمرده :
-هدير مين اللي اتجوزها ! ما هي قدامي العمر كله ! لو كنت عايز أعمل كدا ، كنت عملته من زمان !
تحولت نبرتها الآمرة الي أخرى مبررة :
-أنا عارفة بقول لك أيه ، دا لمصلحتنا كلنا .
ابتعد عنها متراجعًا للخلف ولوح بيده مُحتجًا :
-والله أنا مش شايف أي مصلحة من ورا أختك وولادها !
ثم أسبل عيونه وانخفضت نبرة صوته مستنكرًا :
-من أمتى توطد العلاقات دا بينك وبين جيهان المحلاوي .
سبق صوت طرق حذائها ذو الكعب الرفيع صوت مكرها وقالت موضحة بفخامة :
-اسمعني يا عاصي ، خلينا متفقين زي ما جوازة عالية ومراد مصلحة نخرس بيها الناس اللي بتنهش في سيرتنا ، جوازك من هدير بردو مصلحة !

 

تلوت حوله كالحية وأتبعت :
-طبعًا أنت عارف أن هدير المسئول الأول عن شغل الدعايا والإعلان لمجموعات دويدار ! وعارف أننا منقدرش نخسرها .
ثم توقفت خطواتها عن الدوران و أكملت :
-واحدة ضامنينها ، وضامنين شغلها لازم نكسبها ! ثانيًا عمامك رصاصهم طايش ، ومش أنا اللي هقولك هما مستنين موتك أزاي عشان يورثوا الإمبراطورية دي كلها ، لازم تفكر في وريث شرعي للعيلة .. مش ابن زنا زي تميم أخوك !
واصلت ألتفافها حوله حتى وقفت أمامه وقالت بترنح :
-بناتك محتاجين اللي ياخد باله منهم ، وهنلاقي فين أكتر من هدير عشان نستأمنها عليهم ..
ثم رفعت نبرة صوتها فجاة كالرعد وأشارت نحو الباب :
-مش جايب لي واحدة من الشارع ،نذوة و غلطة ليلة وعايز تنسب لابنها اسم زي اسم دويدار ! انسى يا عاصي ! حفيدي مش هيبقي ابن حرام ! خططتك متدخلش دماغ طفل صغير ، مش علي عبلة المحلاوي ؟! دانا جيباها من تحت أوي يا ابن شهاب !
توارت يديه خلف ظهره بعد ما سردت كلماتها على اذانه وبنبرة أشبه بالسخرية مغلفة بالعناد :
-وأن قلت لا ؟!

 

-يبقي تنسى اني اتنازل عن نصيبي ! إن شاء الله تتهد على الكل .
كانت نبرتها قوية كـ الزئير ثم تحولت لفحيحٍ وأتبعت بتخابث وهي تراقص اصبعها بوجهه :
-مش قدامك غير خمس أيام ! ومجلس الإدارة الأجنبي هيشرف ، ويبقى له الكلمة الأولى والأخيرة ، وسيادتك مجرد برواز !
ثم نصبت عودها متنهدة :
-فكر واحسبها صح ! أنت بزنس مان شاطر وهتمشي ورا المصلحة ..
كادت أن تخطو لتنصرف ولكنها توقفت كمن تذكر شيء :
-ااه قبل ما أنسى ، متشلش هم البتاعة اللي فوق ، هخلصك من حوار حملها وكأنها لم تكن .
•••••••••••
-الحمد لله درجة الحرارة انخفضت .
أردفت شمس جُملتها الأخيرة وهي تشد الغطاء فوق تلك الصغيرة النائمة بعد ما تناولت جرعة لا بأس بها من الإبر والأدوية الشراب ثم أكملت :
-هتابعها طول الليل ، ولو رجعت سخنت تاني يبقي لازم تروح المستشفى .
تنهدت عالية وحياة بارتياح وكل منها يربت على جسد تلك المسكينة بحنان وشفقة ، لاحظت ” حياة ” بتقوس توأمها بأحد أركان الغرفة فتسللتت نحوها وجلست أرضًا بجوارها وربتت على ظهرها :
-متقلقيش هي هتبقى كويسة !

 

جففت الصغيرة دموعها بكفوفها الناعمة وقالت شاهقة بحرقة :
-خايفة تسيبني وتمشي هي كمان ! أنا مش هعرف أعيش لوحدي ، كلهم سايبنا لوحدنا ، بس هي دايما معايا .. هي هتبقى كويسة مش كدا وهترجع تلعب معايا تاني ؟
تأزمت حالة قلبها من فرط ما روته تلك الصغيرة ، ضمتها إلى صدرها وقبلت رأسها وقائلة بحنان :
-متعيطيش ، هي هتبقى زي الفل ، وهتلعبوا سوا كمان ، خليكي قوية .
اقتربت منها عالية وهي تتفحص تلك الشخصية الجديدة التي انتسبت لأخيها وقالت بتردد :
-تقدري ترجعي أوضتك أنا هبات معاهم .
بادلتها حياة بابتسامة خفيفة ثم قالت مقترحة :
-أنا معنديش مانع أبات معاهم .
عارضتها عالية بهدوء :
-بلاش تتعبي نفسك ، أنا وشمس هنا ، تقدري ترتاحي وتيجي الصبح تقعدي معاهم ، المهم نكون جمبهم .
نهضت حياة بتثاقل مؤيدة اقتراحها ووقفت أمامها متفهمة :
-تمام ، أنا في الأوضة فوق ، لو احتجتوا أي حاجة !

 

أحست عالية بأنها أمام امراة تغار الفراشة من رقتها وهدوئها ، تحيرت من لطفها خاصة بعد ما قبلت “تاليا” وداعبتها بخفة ولم تتركها إلا متبسمة ، تعجبت عالية من شأنها .. فـ كيف ترافق السمك حوتًا !
تحركت “حياة” صوب الباب وهي ترجع خصلات شعرها خلف أذنها وبمجرد ما فتحت الباب فوجئت بجلادها ، تراجعت خطوة للخلف وهي ترمقه بأسهم النفور ولكن تحولت نظرات غضبه المكتظة التي راكمتها أمه فوق أكتافه إلى نظرة نائم ايقظه شعاع الشمس للتو !
انتظرت أن يفسح لها الطريق ولكنه تعثر في شِباك شعرها كما تتعثر الأسماك بشباك صيادها ، جالت ببصرها طويلًا ثم قالت متأففة :
-عايزة أعدي !
لم ينتبه لجملتها إثر تمعنه في ما ترتديه من ملابس فضفاضة عليها خافية منحنيات جسدها التي اعتقلته دون أذن منه ، اقتربت منه مزفرة بضيقٍ وهي تحاول أن تخرج لا تعلم هل تتجه يمينًا أم يسارًا ، لقد حجز مدخل الباب بصلابته .
تبسم بسمة خفيفة ثم افسح لها ممرًا صغيرًا متعمدًا أن تلامس رائحتها أنفه ، تجاهلته تمامًا وسارت نحو غرفتها بسرعة ولكنها أن نجت بجسدها منه فمن سينجيها من نظراتها الثاقبة !
لم تفارقها أعينه إلا عند اختفاءها من أمامه ، التفت إلى عالية وسألها :
-داليا عاملة أيه دلوقتِ ؟
تحاشت النظر إليه واكتفت بـ رد مختصر :

 

-كويسة !
ركضت تاليا نحو أبيها وطوقت ساقه لأول مرة يحس بنبض ارتجافها ، تسمر مكانه ، لم يعلم ما الذي يفعله ، باتت مشاعر عدة تتسرب إلى جوفه لم يدرك مصدرها ، تدلت عيونه على تلك المتعلقة بساقه بغرابة وهي تترجاه :
-بابي ، أنا خايفة علي داليا أوي .
تجمد مكانه كمن سُكب فوقه دلو من الثلج حتى لم تتفضل يده بلمس صغيرته ليشعرها بالأمان ، اقتربت منها عالية وسحبتها برفق وهي تحوي كتفيها وتهمس لها متجاهله وجوده تواجده :
-يلا ننام الوقت أتاخر.
لم يبدِ اي اهتمام لاسلوب أخته الجاف بل أردف سؤاله بفظاظه :
-الدكتورة اللي كانت هنا سابت شغلها وراحت فين !
تمددت تاليا فوق مخدعها وشدت عالية فوقها الغطاء وردت بجفاءٍ :
-بتعمل حاجة دافية لداليا تشربها .
وقف مكانه لعدة دقائق مسروقة ثم غادر الغرفة مُتجهًا إلى غرفة مكتبه مختليًا بأفكاره الراكضة برأسه ..
أما ” بالطابق السفلي “

 

تقف شمس أمام الموقد وهي تعد مشروبًا ساخنًا صحيًا لتلك الصغيرة عبارة عن عدة أعشاب ممزوجة ببعضها كي تسترد عافيتها ، دارت إثر صوت يسري المخيف وهو يلومها بمكرٍ :
-المطبخ مش مكانك يا دكتورة !
شهقت بفزع وهي تتراجع للخلف فارتطم ظهرها بالرخام مما جعلها تتأوه قليلًا ولكنها تجاهلت وجعها و نهرت ذلك الصعلوك البشري وقالت له :
-ولا هو مكانك يا أفندي !
دنى منها بخطواته السلحفية وقال :
-مشيت ورا بُوصلة قلبي دلتني على هنا !
أنقذها صوت فوران الاعشاب وانطفاء النار ، فأسرعت نحوه وشرعت في سكب محتوى الابريق في الكأس ، وتحاشت جدالها معه .. اقترب منها أكثر ثم قال بصوت خفيض :

 

-طيب مفيش شكرًا يا يسري ؟
أجابته متأففة :
-ماشوفتش خير من وشك يستاهل الشكر والله ..
ثم طالعته بقوة وعيون ثابتة :
-بالعكس من يوم ما شوفتك وأنا مش ملاحقة على المصايب !
اتسعت ابتسامته الخبيثة ثم قال بثقة :
-عالية هانم نامت في أوضتها أهو زي ما وعدتك !
حملت كوب الأعشاب الساخن ثم ألقت جملتها الأخيرة باختناق :
-كتر خيرك والله .
بمجرد ما ألقت جملتها غادرت مكان تواجده ، شرد يسري في في تفاصيلها وقال لنفسه عاقدًا النية :
-حلوة ونغشة ، وشكلي كدا هحطك في دماغي يا دكتورة شمس .
ختم نيته برشفة ماء صغيرة ثم وجد أمامه أحدى الخادمات فسألها بفضول :
-جايه الوقت دا تعملي ايه !
اجابته الخادمة بصوت كله نوم :
-عاصي بيه أمر احضر عشاء للست مراته !
أصدر يسري إيماءة ماكرة وهو يقول في نفسه :
-شكل جوه الحوار حوار ، وأنا لازم أعرفه !

 

••••••••
يقظة عنادها تراود النوم في عيونه ، يجوب في غرفة مكتبه كـ متصوف أقام فى أوهامه صنمًا ليعبده ، تعمدت أن تلقي الجمر بقلبه ونجحت في أن تجعله يحترق في نيرانه .. جلس على مقعد مكتبه ممسكًا بخنجرٍ ويعبث به بين صوابعه ، حيث قادته ذاكرته إليها ، تذكر تلك اللؤلؤة التي لمعت أمام عيونه بمجرد ما شق صَدفتها لنصفين ، تفاصيلها ، جمالها الذي سلب عقله وحرك ميوله لعندها ، تلك القبلة التي اختلسها على سهوة منها فاشعلت ثورة عارمة بصدره لم يستطع توقفها .
عيونها التى إذا رآها شاعر لظل يكتب لأجلهم بقية عُمره ، شعرها الذي التف حول عنقه فنسج رباط الوصل بينهم ، فاق من سطو شهواته مزمجرًا بعلو وتمرد وهو يضٰرب الطاولة أمامه :
-يعني أيه ملهاش تمن !! يعني أيه تقول لي لا !!
دخل يسري آنذاك فاتحًا ذراعيه بحماس :
-معاليك مين مضايقك ! وبعدين حضرتك المفروض مش في جناحك الخاص !
زفر بضيق ثم اعتدل في جلسته :
-طردتها يا يسري .
فتح زر سترته وجلس على المقعد المجاور لمكتبه وقال مستغربًا :
-نعم ! دي أول مرة تحصل ؟! هو في حاجة !
غير مجرى الحديث متعمدًا ثم قال :
-عبلة هانم كشفت لعبتنا وحوار حياة .
-ازاي ؟! تكون البنت دي اعترفت !

 

أجابه بجحود :
-دي عبلة المحلاوي يا يسري ! لو عايزة تعرف الجن الازرق مخبي ولاده فين .. هتعرف ؟!
-طيب والحل سعادتك ، دا مفيش وقت ، كدا الصفقة كلها ضاعت علينا !
اتكئ للخلف وهو يتنهد بحيرة :
-شرطها الوحيد اتجوز هدير !
ضحك يسري بسخرية وقال :
-واضح أن سعتك وقعت فريسة لنساء المحلاوي ! طيب وناوي علي ايه !
-هرفض طبعا يا يسري ؟! أنا فاضي للجنان دا ، ولو الدنيا هتتهد فوق دماغنا مش هعمل كدا ؟!
أيده يسري في كلامه قائلاً :
-وأنا كمان شايف كدا ، بس واضح أن عبلة هانم عايزة تتدبسك عشان تجيبلها حفيدها في أقرب وقت ..
ساد الصمت للحظات ثم سأله يسري بفضول :
-طيب وحياة !
لمجرد سماع اسمها الذي أطلقه عليها قفز عقله من حافة التعقل وطار إليها ، نهض فجأة وقال :
-روح نام أنت ، بكرة يومنا طويل !
•••••••••

 

تتكور فوق مقعدها أمام الشرفة تطالع النجوم متونسة بدفترها وقلمها الذي لا تدرك حقيقة ارتباطهم الروحي ، لا زالت صفحتها بيضاء لم تخط بها خطًا من الشبكة العنكبوتية المعقدة التي تدور في رأسها ، تنهدت بحيرة وهي تتذكر ذلك الوحش الذي مُنحت على يده الحياة ثم مواقف تتطاوله ووقاحته الخارجة عن تقبل العقل البشري .. احتضنت قلمها ودونت ثاني خاطرة لها وكأنها تواسي نفسها بـ نفسها :
-“‏ربما يكمن الخير في خِسارة تلك الأمُور التي تمنيتّها طويلاً ، لعلهُ يأتيَك من أحِد تلك الأبُواب التي أغُلقت في وجهِك يومًا ما ”
مع وضع نقطة النهاية سمعت صوت دق الباب ، ارتعب داخلها ظنًا منها بقدومه ولكنها تحدت مخاوفها وتركت دفترها واتجهت نحو الباب متسائلة بحذرٍ :
-مين !
سمعت لصوتٍ نسائي يجيبها :
-العشا يا هانم .
فتحت الباب بسرعة ثم سمحت للخدامة أن تضع ما بيدها فوق الطاولة الدائرية ثم سألتها :
-مين قالك إني جعانة !

 

لم يمنح الخدامة الفرصة للرد بل لوح لها بيده أن تنصرف سريعًا ، انكمشت ملامح وجه “حياة ” بغرابة لتجاهل الخادمة لسؤالها وما دارت لـ توبخها فوجدته خلفها كالجدار الصلب ، ارتجفت عيونها وهي ترمقه بحيرة ! فأي قارب جاء بك إلى هنا !
قفل الباب وراء الخادمة وأخذ المفتاح ووضعه بجيبه مما ضاعف شعور الخوف بها أكثر ، تعمد تجاهلها رغم اغتيال غروره أمامها واتجه ناحية خزانته وأخرج ملابسه ، اندفعت نحوه وهي تعارضه :
-أنت هنا بتعمل أيه ؟!
-المفروض أن دي أوضتي ، وأنت مراتي ! أيه هروح أنام جمب أمي مثلا !
كانت ردوده مباغتة لكل التوقعات ، بدت الحيرة والتوتر يقاسم تحركاتها العشوائية أمامه حتى أعلنت ما بداخلها :
-أنا مستحيل أقعد معاك في مكان واحد !
-خايفة تضعفي قدامي ولا أيه !
كانت جملته هدرة ولكنها سقطت على قلبها بحدة السيف ، لكت الكلمات بداخلها أثر فصل الجنون الذي ثار برأسها من فظاظته ، مهما جمعت من كلمات فلم تعد كافية لوصفه ، ابتعدت عنه بعد ما رمقته بأسهم الخسة و رددت
-مغرور !

 

ألقى ملابسه على طرف الفراش وشرع في تبديلها ولم تنحرف عيونه عنها إنشٍ واحد .. وقال بهدوء قاتل :
-آكيد مااكلتيش حاجة من الصبح ، وده غلط على صحة ابني !
جعل صخب العالم بأكمله في جوفها يلعنه ويلعن الصدفة التي جمعتهم ، اصبحت ك شبح هارب فى ضباب الغموم من تيه تغطرسه ، رجل يحتاج لعالم ماهر كي يفك شفرته ، عجز لسانها عن الرد ولكن تبدل ملامحها نطقت بألف رد ، تبسم لانتصاره عليها وعاد لارتداء ملابس نومه .
تعمدت تجاهل وجوده وشرعت في تفريغ شحنات غضبها بالطعام حتى أوشكت معدتها على الانفجار لم يعد بداخلها متسعًا للأكل والغضب معًا .. دارت نحوه وجدته يجلس أمام شاشة الحاسوب الناقل ثم قالت بعنجهة :
-فات يومين وموصلتش لحاجة ، أحب افكرك أنه باقي ٢٨ يوم .
تعمد التجاهل رغم أن كل تفاصيل تصمغت برأسه وأجابها بدون ما يرفع عينه عن الحاسوب :
-علي أيه ؟!
نهضت بغلٍ من مكانها وهي تردعه :
-نعم ! وكمان مش في بالك أنا هنا ليه ؟! أنا قاعدة هنا بشروط يا حضرة ، خدمة مقابل خدمة ، مش واحدة من الجواري بتوعك !

 

قفل شاشة الحاسوب ونهض من مكانه واقفًا أمامها متعمدًا إخافتها وقال بصوت مُبطن بالاشتهاء :
-وأيه يمنعك تكوني من ضمنهم ! على فكرة عرضي لسه قائم !
عيونها لا زالت تحمل طُهر الطفولة وعذرية المشاعر ، لم تدرك مدى مقاصده إلا انه يريد به سوءًا ، تحرك نحو خزنته وأخرج عدة رُزم مالية وألقاهم أمامها وقال بنبرة تكسوها العاطفة :
-متعودتش أكرر طلبي مرتين على واحدة ست ، دول كفاية ولا أجيب تاني ؟!
تدلت عيونها على الفراش فوجدت الكثير من النقود التي لا تنتهي من عدها حتى مطلع الصباح .. هبت مذعورة :
-هو أنت ما بتحرمش !
غاص في خيوط شعرها الحريري ، رجل مثله بفطرته الذكورية إن لم يعلم كيف يروض امراة ويخضعها لأوامره بمثابة إهانة له .. تفوه بهيام :
-أول ما شفتك قلت عليكِ ذكية ! ومفيش واحدة ذكية ترفض عرض زي دا ، اطلبي اللي عايزاه هيكون تحت رجليكي مُقابل ليلة واحدة أوعدك مش هتنسيها أبدًا !

بث الرعب في جوفها ، تعلم أن النجاة منه مستحيلة ، ما الحيلة التي تستغلها لترويض وحش مفترس مثله في غرفة لم تضم سواهم .. بللت حلقها متجاهلة أنامله التي تعزف على أوتار شعرها وقالت بخداع :
-غريبة ، شخص في مكانتك واقف يترجى واحدة زيي مع أنه قادر ياخد اللي عايزه بدون المجهود ده كله !
خربشت أهدابها على جدار قلبه بلفتة استكشاف ، ولكنه سرعان ما وقع في مصيدة كيدها وأجاب :
-عشان شخص في مكانتي ما يلقش به يجبر واحدة ست على حاجة زي دي ، لازم تكون معايا بكامل إرادتها ورضاها وأشوف دا في عيونها !
هنا هدأ اختلاج قلبها وتمسكت بمفتاح غروره ، ومفتاح صندوق نجاتها ، حملقت بعيونها الواسعة وقالت بنبرة كلها تحدي :
-يبقى لأ ، ولو جبت تحت رجليا كنوز الدنيا عشان لحظة رضا مني ، عمرك ما هتشوفها ، الطريقة الوحيدة اللي تحقق بيها اللي في دماغك هي الإجبار اللي يتعارض مع مبادئك ! غير كدا عشم أبليس فـ الجنة .
ثم زاحت كفه من فوق شعرها بإصرار وقالت بنبرة اشمئزاز :
-لو كنت أخر راجل في الدنيا بردو لأ !
كسرت كبريائه وغروره كالإناء الزجاجي ، لم يتوقع أن يأتي اليوم الذي ترفضه فيه امرأة اشتهاها لأول مرة بكل جوارحه لدرجة أنه نفر من تلك الفتاة التي رافقته ليلته لعدة دقائق ولم يتحمل النظر إليها ، بات أمره كمن رافق القمر فـ بهتت بعينه جميع النجوم !
أشعلت حرب بجوفه لا تهدأ إلا بها ، حرب اندلعت بداخله للحد الذي أراد أن يكسر لأجلها جميع مبادئه ليعرفها من هو عاصي دويدار ! أخذ يطالع خطواتها الواثقة ويدور في ذهنه السؤال الذي لم يخطر بباله ليوم : كيف اطارد نجمك الذي يلاحقني منذ لحظة لقاءك الأول !

 

لم يترجم عقله حقيقة مشاعره إلا أنه درب من الاشتهاء لتذوق فاكهة جديدة ؟! لو كان يعلم أن هذا الدرب الذي شقته يؤدي إلى صميم قلبه لتركها وجبة شهية للأسماك ! منحها الحياة فما ستمنحه تلك الحورية يا ترى !
أخذت غطاء ووسادة وتمددت على الاريكة ملتفة كليًا بالمفرش كي لا يظهر منها أصبح يغريه على العودة إليها ، وأخذت تعاتب نفسها عن كم الجرأة والفطنة التي نجتها من براثين الأسد !
أما عنه عجزت حروف اللغة عن وصف لهيب غضبه وشموخه الذي تحطم فوق أهداب تمرد فتاة ، لم يتحمل النفس معها تحت سقف واحد ، كل ركن بالغرفة شاهدًا على هزيمته الساحقة ، في لحظة أوشك فيها على الانفجار فارق الغرفة بأكملها وهو يكتظ لهبًا من شدة الغضب ، تنفست حياة الصعداء أخيرًا محاولة استيعاب كل ما حدث ، باحثة عن مصدر القوة التي حاربته بها .
ظنت أنها انتصرت عليه لقوتها وعنادها ولكن لا توجد قوة تضاهي تجبر الرجال وتهزمهم إلا أن داعب نسيم الهوى شرايين قلوبهم !
••••••••••
” صبـاحًا ”
قضى الجميع ليلته من يتقلب على جمرٍ منتظرًا مصيره أمس ، ومن يتقلب علي لهبٍ كمن يلقى في حجر جُهنم ، هناك فارق بين من ينتظر حكم الإعدام ومن ينتظر تحقيق مُناه لسنواتٍ .
صوت دق جرس الباب لعدة مرات أيقظ ” نوران ” من نومتها بتكاسل لتفتح الباب ، سارت تجر في أقدامها ببطء وبعيون منغلقة حتى فتحت الباب الخشبي فـ اتسعت عيونها بشدة عندما وجدت شخصًا تجهله بملابس رسمية وأنيقة ويسألها :
-دا بيت الدكتورة شمس !

 

أجابته :
-أيوه هو ، أنت مين!
مد لها الظرف الذي بيده وقال باختصارٍ :
-عاصي بيه باعت لكم الظرف دا ، حق تعب الدكتور ، بعد اذنك .
تدلت جفونها تحت مظلة الغرابة وهي تفتح الظرف الذي بيدها فوجدت العديد من النقود ، تحول فضولها لدهشة ! كيف بالأمس أختلس فتاة مقابل المال ! واليوم يرسل لهم العديد من الأموال ، قطع سؤال ” فادية ” حبل فكرها وحيرتها :
-مين اللي جيه يا نورا !
اقتربت منها ومنحتها الظرف :
-خدي شوفي اللي ما يتسمى باعت الفلوس دي !
فرزت جدتها الظرف بكفها المرتعشة فوجدت العديد من الأموال التي لم تراها من قبل ، شهقت بفزعٍ :
-ليكونوا عملوا حاجة في أختك ! انا قلبي حارقني عليها أوي !
نفت نوران ما قالته :
-لا مظنش الجدع اللي جيه قال انه مرتبها ده اللي فهمته ، عموما نستنى شمس تكلمنا ونشوف !
رمت العجوز ظرف النقود وقالت بأنين :
-ربنا يسترها عليكِ يا بنتي ويرجعك بيتك سالمة .
•••••••••

 

لم تنم ” هدير” من ساعدتها لما أخبرتها خالتها به ، و أن اليوم هو يومها الموعود والمنتظر ، فرغت محتوى الخزانة وهي تبحث عما ترتديه لمناسبة مثل هذه ، وتجرب العديد من الطلات المختلفة حتى استقرت آخيرًا علي فستانها الأبيض الذي لم ترتديه من قبل ، ركضت إلي غرفة أمها بلهفة لتعرف رأيها فيما اختارته ، لحظة دخولها الأوضة وجدت أمها تهاتف اخيها ، أشارت لها لتصمت ثم قالت :
-عايزاك تلبس أفخم حاجة ، وتيجي فـ معادك المظبوط !
دلف ” مراد ” من سيارته ثم قال :
-أنا مش مستوعب بجد ! منين أنام أصحى ألقى كتب كتابي على واحدة معرفهاش ، جيهان هانم الموضوع مش مطمني ! وبعدين بنت أختك لو عليها sale ما هيجوزوها بالسرعة دي !
-يعني أيه ؟! أنت عايز ترجع في كلامك !
مراد بتردد :

 

-بصراحة الموضوع في حاجة غلط ! دا ما يدخلش دماغ عيل صغير ..
ثم أطلق ضحكة ساخرة وأكمل :
-أنا مكمل فيه بس فضول ! عايز أشوف أخرة اللعبة دي أيه !
تحمست جيهان أكثر وهي تخبره :
-أخرتها كل خير ، اسمع كلامي أنت بس !
انتهت مكالمة جيهان مع مراد ثم التفتت إلى ابنتها الواقفة أمام المرآة ثم اقتربت منها بنشوة السعادة :
-أنا مش مصدقة آخيرًا اللي حلمنا بيه هيحصل!
قفزت هدير بحضن أمها بحماس طفولي :
-أنا مش مصدقة ! يعني كلها ساعات وهبقى حرم عاصي دويدار ! ياه يا مامي ، أنا مش بحلم صح ، دا حقيقة ؟!
ثم سحبتها وجلسا مع على الفراش وأكملت :
-نعمل الفرح امتى ، ونقضي شهر العسل فين ، أنا متلخبطة كدا ومش عارفة أفكر !
انكمشت ملامح جيهان معارضة تحمس ابنتها وقالت :
-فرح أيه ، حبيبتي ، أنت تروحي تطردي اللي ما تتسمى اللي فوق دي ، عشان نجهز أوضتكم ، أحنا نخلص كتب الكتاب وأنتوا تخططوا لكل دا في اوضتكم !
شعرت بـ رجفة الحُمى التى كان سببها رجل مثله وقالت بعدم فهم :
-نعم ! ازاي ؟! مامي أنت مدركة بتقولي أيه !

 

حدجتها جيهان باستهزاء :
-أومال أنت عايزه تعيشي جو المخطوبين ! افهمي يا بنت الـ**** ، نقطه ضعف خالتك وعاصي الولد ! لو جبتي الولد أعرفي أن العز دا كله ليكي ، بدل ما تفكري في الهبل دا ركزي أزاي تحاوطي عليه من الحية اللي فوق .
وضعت هدير كفها على قلبها الذي أوشك على الانخلاع من كثرة الخفقان وقالت بذهول :
-يعني أنا هبات في حضن عاصي الليلة !
رمقتها جيهان بنفاذ صبر:
-أومال أنا بكلم نفسي من الصبح ! قومي اجهزي وسيبي لي أنا تجهيز أوضتكم فوق .
••••••••
نهضت ” عالية ” من نومها بعد حرب طويلة من التفكير وكيفية تليقها لمصيرها المنتظر ، ثم تسللت بخفة من جانب تاليا وتحركت نحو داليا وتحسست درجة حرارتها فـ وجدتها أفضل كثيرًا من ليلة أمس ، حمدت ربها بداخلها ثم طبعت قبلة رقيقة على جبينها وتفقدت مكان شمس وجدته فارغًا فقالت لنفسها :
-آكيد راحت عند تميم .
تحركت بهدوء ناحية الباب فتلاقت “بـ عاصٍ ” أيامها ، توقفت للحظات أرسلت له نظرات التوسل والشفقة ولكنه تعمد على تدلي ستارة سوداء على عيونه كي لا يرى نورهم ، اقتربت منه بحنان يلين له الحجر ثم قالت :
-لسـه مصمم ترميني في النار ! أنت متخيل كام ساعة واتكتب على اسم رجل معرفهوش !
ثم لامست كفوفه الخشنة كخشونة قلبه وقالت برقـة :

 

-بلاش تهد أخر جسر ما بينا ، وأقف جمبي المرة دي ! خليك معايا ما تبقاش عليـا ، أنا ماليش غيرك .
مسحت وديان دموعها الغزيرة وأخذت تتنفس بأهات مسموعة :
-ربنا بيقول {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} ، أنت كدا مش بتصلح الغلط ، أنت بتشارك في قتلي مع اللي ظلموني !
لم تكن محاولة للشكوة بل كانت محاولة للنجاة من مصيرها المجهول الذي ينتظرها في نهاية اليوم ، رفعت جفونها الذابلة وقالت :
-مش هترد عليـا طيب ! هتفضل ساكت كدا !
لم ينكر أن حديثها رقرق قلبه كما رقرق الريح الماء ، ولكنه لم يتراجع لم يستطع محو ما راه ، وأن جوهرته المُثلي بالحياة باتت مثل تلك الفتيات الاتي يلتقي بيهن .. رفع رأسه بشموخ قم قال :
-أنت عارفة إني مش برجع في كلمة قولتها ، جهزي نفسك عشان تروحي مع عريسك الليلة !
استقرت فـ حلقها غِصة الخيبـة وفرت دموع العجـز فلم تجد ما تقوله إلا أن تشكوه لربها ، تطلعت أنظارها لأعلى وهي تناجي ربها بقلة حيلة ثم انصرفت من أمامه تجر هزيمتها الأخيرة منه .
توقف للحظات يدرك فيها كارثة ما يفعله وتلك العقوبـة القاسية التي فرضها عليها ثم قفزت الأفعال التي انتسبت إليها أمام عينه وقال في نفسه ليقتل شبح الضمير بقلبه :
-أنت اللي أجبرتيني يا عالية !
وقف على الباب ليُلقي نظرة طويلة على صغاره دون كلف منه بتقبيلهم ، ولكن شعور غريب أتى به عندهم على غير عادته ، وقف شاردًا بذاكرته لسنوات مضت فـ انهالت عليه الذاكرة كـ شلال قوي يجرفه الى حيث لا يعلم عندما أخبرته ” مها” قائلة :

 

-أنا حامل يا عاصي ! أنا مش مصدقة نفسي !
تذكر عطر حضنها آنذاك وفرحته بها وسؤالها له :
-لو كانت بنت هتحبها أكتر مني !
سـٰرق قُبلة عذبة من تحت أذنها ، مكانه المفضل لطبـع حبه وقال :
-أنا هحبها لأنها منك أصلا !
فاق من سطو ذكرياته على صوت تلك المتمردة على حصونه وهي تقول :
-عايـزة أعدي !
طالعها بعيون غاضبة عكس دواخله التي تحركت لحضورها الطاغي ثم قال :
-أنتِ أزاي تنزلي باللبس دا !

 

تلك الرعشة التي تشن في وجوده وتكتمها بجوفها ستطيح بها ذات مرة ، تفادت النظر إليه ثم قالت بسخرية :
-بيجامتك ! فـ أي تعليق عليها شيء ميخصنيش !
أردفت ” حياة ” جُملتها الأخيرة فلم تجد منه أي رد ، تعلقت عيونها البندقية بعيونه الصقرية فـ سكنت كل جوارحها كأنها تلاقت بشخصٍ تعرفه من قبل نشأة الخلق ، أما عنه فـلم ير في عيونها إلا هزيمته ، ولأول مرة يكون مذاق هزيمة له بتلك اللذة .
أفسح لها مجالًا لدخول الغرفة وظل يتأملها بإعجاب لم يعهد مع أي إمراة من قبل ، يترقب ميولها وتراقص ذيل شعرها الأشبه بذيل حصان عربي أصيل ، دب بقلبه وميض من شدة رغبته في قربها .. تتوق إليها بخُطى خفيفة متخذًا فتاه النائمة حجة له وجلس بجوارها يمسح على رأسها ولكن عيناه تعرف هدفها جيدًا .
ذهبت حياة إلى تاليا التي رفست الغطاء بأقدامها ووضعته فوقها من جديد ثم أخذت تتفحص مكتبتهم الصغيرة التي تضم العديد من قصص الأطفال ، جلست على طرف المكتب الصغير كغزالة شاردة بعقله ولكن تجاهله لها كان قاتلًا .. اتجه نحوها مفتعلا أي حوار بينهم بدون إدراك لهيبته وقال بقُربها وبصوت هامس :
-ما تتغريش أوي ، عرضي امبارح كان مجرد تعويض عن ليلتي الـ اضٰربت بسببك ، غير كدا أنتِ في نظري تحت العادي ، ولو كنتِ شايفة نفسك حلوة ، فـ أنا مش شايفك أصلا !
اتسعت عينيها من هول ما تلفظ به .. تحاول بقدر الإمكان تجنب كل الطرق التي تؤدي إليه ولكنه مُصرًا على شق طُرق أخرى لـ فتح بوابة الحديث بينهم ، قفلت القصة التي بيدها مكتفية بنظرة تقلل من شأنه ثم تركت ما بيدها وولت ظهرها دون أي رد منها ، ولكن صمتها كان سيفه أقوى من ألف كلمة يمكن أن تقال في حرم شموخه .
طاح الغيظ بقبضته التي خلعت ضُلفة الخزانة بجواره بعد ما غربت شمسها عنه ، استيقظت تاليا بذعر :
-بابي ! هو فـ أيه ؟!
•••••••••

 

-لازم تأخد الأدوية ! سكوتك وامتناعك عمره ما كان حل !
أردفت ” شمس ” جُملتها الأخيرة وهي تحاول مرة أخرى لتناول أدويته ، ظل صامتًا يطالع السماء بزهدٍ ونفور ، يفكر كيف ينقظ أخته من تلك المكيدة التي نُصبت لها ، تجاهل إصرار شمس عليه وسألها :
-عالية فين !
تركت الأدوية فوق الطاولة الصغيرة وقالت
-لما صحيت كانت نايمة ، لو حابب أروح أشوفها .
شرد طويلًا كأن شيء ما يدور برأسه ثم قال بغضب دفين :
-بعد أذنك يا شمس ، أعملي كدا ! لازم اتكلم مع عالية .
••••••••
صعدت ” حياة ” إلى الطابق الأخير بالقصر الخاص بجناحه الفاخر ، فوجدت ضجة على غير العادة ، اقتربت بخطاوي مشحونة بالفضول حتى وصلت إلى أعتاب الغرفة فـ وجدت الكثير من الخدم يهتم بالغرفة ويزينها ، سألتهم برتابة :
-أنتوا بتعملوا أيه هنا !
أتاه صوت هدير من الخلف المغلف بالانتصار :
-بيجهزوا أوضة العرسان !
لفت إلى مصدر الصوت ثم قالت بجهلٍ :
-لا مش فاهمة !
دنت منها هدير مُختالة الخُطى :
-أنتِ متعرفيش أن كتب كتابي أنا وعاصي الليلة ! أوعي يكون خبى عليكِ .. ولا مثلًا عاملهالك مُفاجأة .
أجابتها في تؤدة وإتزان :
-وده قراره ولا مجرد حلم شوفتيه وجايه تحققيه !
بضحكٍ عالٍ انتشر في جميع الأرجاء ثم قالت بسخافة :
-دمك شربات والله ! بس اللي أقدر اقوله أنه الاتنين ، حلمي وقراره .. ونفس المأذون اللي هيجوزنا هيطلقكم ! عشان أنا زي الفريك ما بحبش شريك !

 

نظرت لها بازدراء :
-سبق وقلت لك خديه يا حبيبتي ، مش أنا اللي حلمها يكون ” رجل ” ، أنا ست اتخلقت عشان أكون حلم لكل رجل ، وفـ الاخر اختار اللي يعجبني ، أما رمي البلا دا تخصص اللي زيك !
بمجرد ما أنهت حياة جملتها دارت وتركتها تتقلب في لهب حممها البركانية التي فجرتها بوجهها عائدة إلى غُرفة الفتيات وعزمت على أن تقضي يومها معهم كي لا يزحم الفراغ رأسها برجلٍ مثله حتى ولو للحظة !
•••••••••
‏”ولسوف يمضي بك الزمن وتُعلِّمك الأيام أن جعبة الحياة مليئة بما لا تتوقع، وعليك أن تكون مستعدًا على الدوام، وستدرك أن كل خسارة هيَّنة ما لم تخسر نفسك، وأن أعظم استثمار هو ما تستثمره في حقول ذاتك، وأنك كلما كنت ممتلئًا بالطيِّبات طابَت لك الحياة وجادَت عليك بالأعطيات.”
لأول مرة بعد تلك السنوات تشغله إمراة ، أن يكن محور فكره متجولًا حول إمراة تمردت وتمنعت عليه ، تذكر رفضها ، ونظراتها التي لم ير فيها ذرة انبهار بشخصه ، تصغيرها الدائم من شأنه ، إمراه قتـٰلته برصاص أهدابها ، وجعلتها ينزفها فكرًا ، دارت رحي القتـٰال في رأسه وأعد عدته للانتقام منها ورد إعتباره ، فـ لم يشغله سوى القصاص لكبريائه كرجل متجاهلًا العواقب .
دخلت عبلة حينها متسائلة :
-بعت لي يعني ؟!
اعتدل على مقعده بفظاظة ثم قال :
-أنا موافق اتجوز هدير ، جهزي عقد التنازل …

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوى بعصيانه قلبي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى