روايات

رواية غوثهم الفصل السادس 6 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل السادس 6 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الجزء السادس

رواية غوثهم البارت السادس

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة السادسة

الأمر أكثر من مجرد حروفٍ عابرة تخطت الفمِ لتصل إلى الأخرين، الأمر أكثر بكثير، ثمة بعض الحروف توقف العقل عن التفكير و القلب عن النبض، حروفٍ تشبه الصفعات المتوالية على صفحات الوجه تُلطمك كما تلاطم الأمواج خلف بعضها، كلمات حارقة تشبه في القلب تأكل النيران لنفسها.
_أشارت الفتاة نحو موضع الغرفة التي سألها عنها الشباب خاصةً حينما أخرج لها “إسماعيل” نقودًا أخرى، جعلتها تطالعهم بطمعٍ ثم خطفتهم، بينما تحرك “يوسف” نحو موضع إشارتها فوجد رواقًا باللون الأحمر حوائطه و ستائره اللامعة و صور الراقصات العاريات، كان الوضع بأكمله يشعره بالضيق والاستياء فوجد غرفةً كُتب على بابها “ليلة” اقترب من باب تلك الغرفة يحاول فتحها وقبل أن يقوم بذلك، شعر بفوهة السلاح في رأسه ونبرةٍ جامدة من خلفه تقول:
_ارفع إيدك وامشي قصادي يا حيلتها.
ازدرد “يوسف” لعابه ثم رفع كفيه يُعلن استسلامه لذلك الأخر، بينما الثاني وقف يشعر بالانتصار، ولكن هل انتصاره في محله، قبل أن يُدرك ذلك التفت “يوسف” له بعينين قاتمتين، بينما الأخر حرك رأسه مستنكرًا وقبل أن يسأله عن تواجده باغته “يوسف” بحركةٍ مُفاجأةٍ حينما شبك كفيه يلوح بهما مما شتت ثبات الأخر وسهل على “يوسف” سحب السلاح منه، فاتسعت أعين الأخر بغير تصديق، فيما ارتسمت الثقة على وجه “يوسف” وهو يتشدق بنذقٍ:
_هــا نــقـول كـمـان ؟؟.

 

رفع الأخر كفيه وهو يتحدث بنبرةٍ جامدة:
_لو فاكر إني لوحدي اللي هنا تبقى عبيط، جاي تعمل هنا إيه ؟؟ صدقني مش هتخرج من هنا على رجلك.
ابتسم “يوسف” له بينما الأخر تعجب من تلك الابتسامة، وقبل أن يسأل عن سببها تفاجأ بضربةٍ على كتفه جعلته يترنح ويسقط أرضًا من كف “إسماعيل” الذي أتى من خلفه، فيما نظر “يوسف” لجسده المُلقى أرضًا وهو يقول بسخريةٍ:
_بالشفا يا غالي، المهم أنتَ تخرج من هنا على رجلك.
اقترب منه “إسماعيل” وقبل أن يهم بالنطق، سأله “يوسف” بضجرٍ:
_كنت فين ؟؟ مش بصتلك تيجي ورايا على طول ؟؟.
حرك كتفيه بقلة حيلة ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_ياعم البت كانت بتلاغيني فضلت اتكلم معاها لحد ما قالتلي إن فيه حيطة واقفة هنا على الباب علشان كدا جيتلك.
حرك رأسه موافقًا على مضضٍ بعدما استمع لتبرير “إسماعيل” ثم التفت ينظر للباب بيأسٍ وهو يقول بسخريةٍ:
_ودا هنفتحه ازاي بقى ؟؟ هنخبط عليهم نقولهم كَبسة؟؟
اقترب منه “إسماعيل” ثم اخرج من جيبه سلاحًا يُشبه السكين لكنه أصغر حجمًا حيث يشبه الميدالية في حجمها ثم اقترب من الباب وبعد مرور دقيقة تقريبًا كللها النجاح، فُتح الباب فابتسم “إسماعيل” بزهوٍ ثم أشار له برأسه بمعنى أن يتقدم، لذلك فتح “يوسف” الباب فجأةً بدون سابق إنذار ليجد “مُـحي” مُمدًا على الفراش وتلك الفتاة تجلس أمام المرآةِ وقد تفاجأ كلاهما من تواجده، فانتفض “مُـحي” بفزعْ وهو يقول بغير تصديق:
_يــوسف ؟؟!

 

اقترب من “يوسف” يسحبه من خصلاته بغلٍ مشحونٍ، بينما “ليلة” تخصرت وهي تشهق و تتشدق بطريقةٍ سوقية:
_نـعم ؟؟ ودا إيه أصله دا ؟؟ أنتَ عامل كل دا علشانه هو؟؟.
ظهر الذعر في نظرات “مُـحي” وهو يطالع “يوسف” الذي رفع حاجبه، ثم التفت لها يقول بوقاحةٍ:
_لو عاوزاني أجرجرك من شعرك زيه كدا أنا معنديش مانع بس مترجعيش تزعلي !!.
قبل أن تنطق أشار لها بالوقف حينما أشار لها بالسلاح الذي سبق وأخذه من الحارس:
_لو مش خايفة على نفسك قربي كدا علشان اشيعك زي ما أنتِ.
توقفت وهي تطالعه بخوفٍ، بينما “مُـحي” تحدث بثباتٍ زائفٍ لم يستقر بداخله:
_امشي يا “يوسف” علشان أنا مش هاجي معاك بمزاجي.
التوى ثغره ولازال يُشهر السلاح في وجه “ليلة” ثم قال:
_هو فعلًا مش بمزاجك يا “محي” هتمشي معايا ورجلك فوق رقبتك، يلا ياض قدامي بدل ما أفرتكك، “إســمــاعــيل”.
هدر بها “يوسف” ليركض “إسماعيل” له الغرفة فتحدث “يوسف” بنبرةٍ جامدة:
_خد الواد دا وحاسب يهرب منك، تشحنه زي الخرفان في العربية، يلا خلص.
سحبه “إسماعيل” بعدما كبل جسده والاخريسير معه مُنصاعًا بسبب ضعفه وترنح جسده، بينما الفتاة لاحظت اختفاءهما، فظهر الاعجاب في نظراتها لـ “يوسف” لذلك تعمدت الاقتراب منه ظنًا منها أنها سوف تملك تأثيرًا عليه، لكنها تفاجئت به يتحدث بقسوةٍ:

 

_لو فكرتي تقربي خطوة واحدة أنا هشيل رقبتك، اقفي عندك وناوليني حاجة الواد بدل ما أموتك هنا.
ابتسمت بثقةٍ وهي تسأله بتعجبٍ:
_يعني هو أنتَ مش جاي هنا علشاني؟؟.
رمقها باستخفافٍ يقصد اهانتها ثم قال:
_لأ، أنا جاي علشان الواد وحاجته اللي هتطلع دلوقتي.
تخصرت من جديد وهي تسأله بنفس طريقتها السوقية:
_حاجة إيه دي يا حبيبي إن شاء الله ؟؟ خد صاحبك واتكل من هنا بدل ما اجيب الرجالة يقطعوك.
قبل أن ترفع صوتها فاجئها “يوسف” حينما أطلق عيارًا من السلاح أصاب صورتها على الحائط خلفها ثم تحدث بنبرةٍ جامدة عندما بدا الزُعرِ واضحًا عليها:
_هتطلعي شغل العوالم، هطلعلك شغل العربجية، اخلصي يا روح أمك حاجة الواد فين، انــجزي.
تحركت نحو دُرج الطاولة الخاصة بزينتها ثم أخرجت منه الاشياء تمد يدها له بها، بينما هو خطفهم منها ثم تحقق منهم و وقف يسردهم حيث بطاقته الشخصية و بطاقته الائتمانية، ومفاتيح سيارته و نقوده.
وضعهم في جيبه ثم غمز لها وهو يقول:
_سلام يا….رقاصة.
تعمد اهانتها والتقليل من شأنها خاصةً وهو يرى نظراتها الجريئة نحوه وكأنها سلعة رخيصة تعلن عن نفسها، لذا خرج من الغرفة واغلق بابها وما إن التفت ليغادر الرواق، تفاجأ بلكمةٍ في وجهه من جسدٍ ضخمٍ كان ينتظر خروجه كما انتظار الصياد لفريسته.

 

تأوه “يوسف” وقد باغتته تلك اللكمة، حتى اصطدم بالحائط خلفه، لكنه أدرك الوضع سريعًا ثم أخرج المطواة الخاصة به جيب بنطاله ثم باغت الحارس بضربةٍ في كفه بها ثم ركض من المكان نحو الباب الأخر فتفاجأ بأخرٍ ينتظره، حينها سحب مطفأة الحريق ثم دفعها في وجهه حتى سقط أرضًا بينما هو استأنف ركضه نحوه الخارج و ذلك الذي أصابه في كفه يركض خلفه في محاولةٍ للامساك به، لكن “يوسف” لاحظ عدد البقية لذلك كان الأسرع حينما خطىٰ نحو الخارج بخطواتٍ أقرب للركض.
لاحظ وقوف “إسماعيل” بجانب السيارة فاندفع نحوه يقول بلهفةٍ:
_اطلع بسرعة يا “إسماعيل” بسرعة هيجروا ورانا.
تعجب الأخر من طريقته، وقبل أن يتحرك أيًا منهما اقترب منهما رجال حراسة هذا المكان عددهم تقريبًا ثلاثة، ظهرت الصدمة بوضوحٍ على وجه “إسماعيل” بينما “يوسف” التفت حتى يقرأ سبب صدمة الأخر ثم التفت من جديد يقول لـ “إسماعيل” بسخريةٍ:
_”إيهاب” كان قالنا نعمل إيه لو الحرب علينا قامت ؟؟.
ظهر الشر في نظرات “إسماعيل” وهو يردد تزامنًا مع اقتراب الاخرين:
_طلع سلاحك و خُش بقلب جامد.
بعد مرور ثانية تقريبًا اقترب منهما الرجال لكن الاخرين تعاملا كما تمت تربيتهم حيث أخرج كلٍ منهما سلاحه الأبيض باختلاف حجمه يلوح به و يشتت حركة الأخرين وقد أصابتهم خدوش في أجزاءٍ مُختلفة حتى ابتعدوا عنهم ما إن ادركوا خطورة تصرفاتهم.

 

ركض “إسماعيل” نحو السيارة، فيما ضرب “يوسف” الأخير في رأسه بوجهه ثم ركض نحو السيارة وهو يقول رافعًا صوته:
_يــلا بـسـرعة قبل ما يكون كمين وفيه حد تاني.
كان “مُـحي” إبان ذلك جالسًا في السيارةِ بخزيٍ لم تعجبه الأوضاع حوله، فالتفت له “يوسف” ينطق بتهكمٍ:
_زعلانة يا بيضة؟؟ تحب أرجعك تاني لحضن الرقاصة علشان تبقى اخرتك واحدة من اتنين معروفة ؟؟ يا مدمن بتجري ورا شَمة زي الكلب، يا مفلس مرمي على الطريق مش لاقي اللي يساعدك بتعريفة، كل دا حصلنا بسبب عيل زيك أنتَ !! بندخل على اتخن معلم في نزلة السمان يقوم يقفلنا باحترام واخرتها نتضرب في مكان زي دا !! كباريه ؟؟ رقاصة يا “مُحي” ؟؟
رفع “يوسف” صوته في نهاية حديثه، فيما انفعل “مُـحي” عليه وهو يقول مُغتاظًا من طريقته:
_ياعم وجيتوا علشاني ليه ؟؟ ما تسيبوني في حالي.
رفع “إسماعيل” رأسه يطالعه من المرآة وهو يقول بسخريةٍ:
_حالك دا اللي هو إيه إن شاء الله ؟؟ مع الرقاصة في كباريه ؟؟ وسط الشُرب وبنات الليل ؟؟ دي عيشة ميرضاش بيها الرجالة، يرضى بيها لامؤاخذة الخرفان أو الخنازير.
هتف “مُـحي” بلهفةٍ:
_أنا بحب “ليلة” و هتجوزها، ومحدش هيمنعني.
لاحظ “يوسف” مرورهم على منطقةٍ فارغة أشبه بالصحراء تخلو من الجميع عدا فقط بعض السيارات التي تمر بسرعةٍ كبرى، فرفع صوته يقول بنبرةٍ جامدة أثارت الرعب في نفوسهما:
_وقــف العربية يا “إسـمـاعـيل”.
انتبه له الأخر وقد عقد مابين حاجبيه، ليردد الأخر بنبرةٍ أعلى:

 

_بـــقولك وقـــف.
أوقف “إسماعيل” السيارة بينما “يوسف” تحرك من مكانه ثم توجه نحو مكان “مُـحي” بغضبٍ حاول بكامل طاقته أن يكتمه بداخله لكنه ظهر عليه وهو يفتح الباب ويسحبه من خصلاته ثم ألقاه على الطريق وهو يشير له بالعودة ناطقًا بقسوةٍ:
_روح…..يلا روح تاني هناك، غور في داهية تاخدك وتخلصنا وتخلص أبوك من همك، عيل زيك عنده 24 سنة مضيع نفسه ليه مش فاهم، تحكم على نفسك بالوساخة دي ليه ؟ سيبتلنا احنا إيه؟؟ أبوك عاش عمره كله بيحارب علشاننا، أخرتها تطلع زرعته خايبة كدا زيك ؟؟
تحدث “مُـحي” بصوتٍ هادرٍ أعرب عن نفاذ صبره:
_هو مش طايقني، عاوزني أكون زيه وأنا مش عاوز، خليكم أنتم شبهوا، إنما أنا مش هكون زيه، روحوله انتم هو بيحبكم وعاوز ابنه الكبير اللي ضاع منه، لكن أنا آخر اهتماماته، علشان كدا هتجوز اللي بحبها مش هسيبه يتحكم فيا.
نزل “إسـماعيل” وقد فاض به الكيل هو الأخر لذلك نزل بخطواتٍ واسعة يقول بنبرةٍ جامدة:
_عاوز تبقى جوز الست ؟؟ وياريتها أي ست دي رقاصة، يعني أخرتك هتبقى جوز الرقاصة وهتقف وراها تلم الفلوس، وتظبط المواعيد اللي هتقف تتفرج فيها على مراتك والعيون كلها بتفصصها، عاوز تبقى لامؤاخذة بقى، أومال لو مش عندك أب عمل علشانك كل حاجة، أومال لو أنتَ مع واحد زي أبويا، ولا أهلك زي أهل “يوسف” ؟؟ وعلى فكرة كنا زماننا مكانك بس أبوك الله يكرمه بقى، عِرف ينجدنا من اللي كنا فيه.
أخفض “مُـحي” رأسه أرضًا يحاول التماسك أمامهما، بينما “يوسف” أخرج من جيبه اشياءه وهو يقول بنفس الجمود:
_اسمع يالا علشان خُلقي ضيق، حاجتك معايا أهيه، هتقوم معايا زي الرجالة ؟؟ ولا ترجع تاني زي اللي كنت عندهم؟؟ بس لو دا حصل، أنا هروح أعمل فِراشة وانصب صوانك وأقول إن “مُحي الحُصري” مات واحنا بناخد عزاه، علشان مش هقبل إن واحد زيك يهد تعبنا وتعب أبوه بهبله، قولت إيه يا روح أمك؟.

 

هدر به بصوتٍ عالٍ جعل جسده يجفل ويرتعد من قوة نبرته، بينما “إسماعيل” اقترب منه يوقفه وهو يقول بنفس الجمود:
_للأسف أنا مبعرفش أسيب اختيارات، أنا هاخده لأبوه يقرر على الأقل لو مات يبقى بإيد أبوه أحسن.
أدخله “إسماعيل” السيارة ثم أخرج من جيبه علبة سجائره يُعطيها لـ “يوسف” الذي زفر بعمقٍ ثم اخذها منه وجلس على مقدمة السيارة، وهو يسأل بنبرةٍ هادئة:
_إيه العمل، هتقول لأبوه كان فين؟؟
حرك “إسماعيل ” رأسه سلبًا ينفي حديثه، ثم قال:
_دي حلها عندي، متقلقش يلا بس علشان وشك دا، هي البت باستك ولا إيه؟؟
سأله بخبثٍ جعل “يوسف” يبتسم رغمًا عنه ثم قال بنبرةٍ لعوبة:
_هي حاولت بس أخوك أسد برضه.
ربت “إسماعيل” على كتفه ثم نطق باستخفافٍ:
_طب يلا يا أسد، خلينا نشوف حيلة أمه دا.
_______________________
وصل “عبدالقادر” بيته برفقة رجال أسرته، وكان “أياد” نائمًا على كتف “أيوب” بعدما سكن الأمان قلبه بجلوسه في المسجد ليثبت لهم أن الجميع في حضرة الله آمنين، اخذه “أيهم” من على ذراع أخيه ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_هاته عنك بقى علشان أنام أنا كمان.
اوقفه “عبدالقادر” بقوله:
_عامل إيه يا “أيهم” ؟؟ بقيت أحسن ؟؟.

 

التفت لوالده ثم ابتسم ابتسامة باهتة وهو يقول بقلة حيلة:
_الحمد لله على كل حال يا حج، صدقني زي الفل.
حرك رأسه موافقًا وهو يبتسم له، بينما “أيوب” وقف يتابعهما حتى أوشك أخاه على التحرك فأوقفه بقوله:
_ افتكر كويس يا “أيهم”
“تَظن أنكَ حُرمت لكن في الحقيقة أنكَ رُحمت”
اللي بييجي كله خير بس احنا مش عارفين، علشان كدا احمد ربنا وانتظر منه العوض.
تنهد “أيهم” وقد أثلج حديث أخيه روحه، لذلك ابتسم ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_الحمد لله على كل حال، راضي بالمقسوم.
تحرك بعد جملته نحو الأعلى وقبل أن يتحرك “أيوب” أوقفه “عبدالقادر” بقوله ساخرً:
_بتهرب ليه يا “أيوب” ؟؟ إيه اللي حصل مع “سعد” دا؟؟
رفع عينيه لأبيه يهتف ببراءةٍ:
_إيه اللي حصل مع “سعد” ؟؟ أنا كنت في محل المُعز.
رفع “عبدالقادر” حاجبيه ساخرًا ثم نطق مُستنكرًا:
_يا جدع ؟؟ على بابا برضه؟؟ ملكش دعوة بيه يا “أيوب” خرجه وخرج مشاكله من دماغك، أنا مش مستغني عنك، أبوس إيدك كفاية لحد كدا بقى أنسى اللي حصل خلاص.
تحدث “أيوب” بنبرةٍ جامدة:

 

_مش هنسى يا حج، لو طلع هو اللي عمل فيا كدا أنا مش هنسى ومش هسيبه، الشهرين دول مبيروحوش من بالي، هنسى أني اتقال عليا أرهابي ؟؟، ولا أنسى أني اترميت في معتقل شهرين في عيشة زي عيشة الكلاب ؟؟ بتضرب بس؟
اقترب “عبدالقادر” منه يربت على كتفه وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_انسى ووكل ربك يجيبلك حقك، الحمد لله إنك قصادي ومعايا من تاني بعد كل حاجة حصلت، صدقني يابني وجودك سليم قصاد عيني بالدنيا كلها عندي.
تنهد “أيوب” مُطولًا ثم نطق بنبرةٍ هادئة:
_اللي أنا بعمله دا مش علشان حقي ودا لأني مجرد شاكك فيه بس ومش عاوز اسوء الظن فيه، رغم إن جوايا حاجة بتقولي إن هو المستفيد الوحيد من دا، بس اللي أنا بعمله معاه دا حق الناس اللي عماله ييجي عليهم، حق الستات و البنات اللي مش سايبهم وسايب سمعتهم في حالها، واحد زي دا لو موقفتلوش بالمرصاد هيسوء فيها، وأنا مش هسكت زي الشيطان الأخرس عن الحق.
يعلم “عبدالقادر” أن ابنه مُحقٌ فيما يتحدث عنه، فمثل هؤلاء لا يمكنك ترك الحُريةِ لهم بدون رادع أو مانع، لذلك يجب أن تقف لهم بالمرصاد حتى لا يظنون أنفسهم كما الطيور يحق لهم التحليق كيفما أرادوا، لكن يجب أن تذكرهم بحدود سقفهم حتى لا تزداد حريتهم وتتسبب في إيذاء الأخرين، لذلك قبل رأس ابنه ثم نطق بعدما ابتتسم له:
_ربنا ينصرك ويحفظك و يجبرك قدام كل عدو.
ابتسم “أيوب” له ثم قال بنبرةٍ مرحة:
_هو دا الكلام بقى، ادعيلي كدا ربنا ينصرني.
تحرك “عبدالقادر” من أمامه بعدما ربت على كتفه، بينما “أيوب” انتظر حركة والده من أمامه ثم تنهد بعمقٍ وجلس محله على الأريكةِ الموضوعة في بهو البيت الواسع ثم تذكر أمر صفحته الاجتماعية عبر مواقع التواصل الاجتماعي فأخرج هاتفه مُسرعًا قبل أن ينام من جديد ثم فتحها في تطبيق “الفيسبوك” ابتسم بصفاءٍ ثم سحب زفيرًا قويًا يكتب بيده عبر هاتفه:
_عبادات بدون مجهود وبدون وضوء:

 

1_عبادة الرضا
الرضا بما قسمه الله لك أيًا كان لأنه هو الأنسب لك في كل الحلول.
2_ عبادة جبر الخواطر
عبادة سهلة أن يكون المرء حسن اللسان مع الآخرين في نيته أن يجبر بخاطرهم ويخفف عنهم.
3_ عبادة قضاء حوائج الناس
عن البني ﷺ قال:
مَن مَشىٰ مع أخيه في حاجةٍ حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم نزول الاقدام.
صدق رسول ﷺ
4_الكلمة الطيبة صدقة.
كلمةٌ حلوة ينطقها اللسان يُشهد لك بها يوم القيامة.
5_عبادة حسن الظن.
اترك البواطن لله وانشغل بتحسين نفسك والتزم بالسعي متفائلًا بحضور الخير لك من المولىٰ.
6_عبادة زكاة العلم.
هو أنك إذا سألك أحدهم عن معلومةٍ تعرفها اتقن إيصالها له كاملةً مثلما ساقها لك رب العالمين عن طريق أحدهم.
7_ التفاؤل، تذكر قوله تعالى:
“أنا عند ظن عبدي بي”
فتفائل بما تهوى يكن خيرًا بإذن الله.

 

8_عبادة ترك مالا يعنيك.
وهو عدم التدخل في أي شيءٍ لا يعنيك وتترك تحليلاته واستنتجاته التي تؤدي إلى سوء الظن.
قال تعالى:
“يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياءٍ إن تبد لكم تسؤكم”
9_عبادة الصبر.
أن تسلم أمرك كله لله فهو أرحم بك من والدتك وتصبر على قساوة الظروف والأحوال وتذكر قوله تعالى:
“وبشر الصابرين”.
10_ عبادة التبسم.
اقتداءٌ بخير الأنام ﷺ (تبسمك في وجه اخليك صدقة).
11_ ادخال السرور على قلب المسلم.
سواء بلين المعاملة أو التبسم أو المعونة في أمرٍ عسير أو كلمة طيبة وغيرها مما يجعل القلوب تشعر بالسعادة، والله إنها من أطيب العبادات التي تُحيي القلوب وتزكي النفس.
_اللهم أهدنا وأهدي بنا وأجعلنا سببًا لمن اهتدى.
_‏اللَّهُم صلِّ وسلم وبارك على نبينا ‏مُحمد ﷺ.

 

ختم كتابته بالصلاة على سيدنا “مُحمد” ﷺ ثم ضغط على أيقونة النشر بوجهٍ مبتسمٍ وهو يرسل ما تعلمه للأخرين بعدما منَّ الله عليه بذلك العلم، كانت الصفحة تحمل اسم “غـــوث” بمعنى الإنقاذ، تلك الصحفة التي أنشأها وقرر أن يشارك علمه مع الآخرين دون أن يعلم احدٌ ماهيته الحقيقية حيث أخفى نفسه تمامًا ولم يعلم بهويته سوى شقيقته التي تختص بالرد على رسائل النساء و الفتيات وتخصص هو في الرد على الشباب و الرجال وقد كتب ذلك على صفحته الشخصية أن الصحفة مسئولٌ عن رسائلها فتاةٌ خاصة بالرد على رسائل الفتيات و ذكرٌ يرد على رسائل الرجال.
ابتسم “أيوب” برضا وهو يرى دعاء الناس له و ثنائهم على ما يقدمه لهم بخلاف ما ينتشر في الواقع من هزلٍ ومرحٍ ممن يدعون الالتزام بالدين وكل هدفهم هو استغلاله للحصول على الشُهرة بين الناس دون تقديم ما ينفعهم.
أغلق هاتفه ثم تنهد بعمقٍ وقال:
_اللهم اغفرلي مالا يعلمون واجعلني خيرًا مما يظنون.
_____________________
في نزلة السمان مع شروق الشمس وبداية إشراقة النهار في صباحٍ جديد يبعث الأمل في النفوس، يأمل الناس في إصلاح ما أفسدته البارحة، توقفت السيارة أمام البيت وقد نزل “يوسف” وسحب “مُـحي” من السيارة و “إسماعيل” خلفه بعدما رمىٰ المفاتيح لأحد الشباب يقوم بصف السيارةِ.
تحدث “مُـحي” بنبرةٍ جامدة:
_سيبني يا عم أنا همشي لوحدي، عرفنا إنك بطل.
استشاط منه “يوسف” لذلك دفعه أمامه وهو يقول بتهكمٍ:
_ طب أصلب طولك عِدل وأمشي رافع راسك لو دكر تعملها.

 

نكس رأسه للأسفل يهرب من النظرات التي توجهت نحوه، بينما “إسماعيل” وقف يُفكر في حيلةٍ تنطوي على”نَعيم” حتى وجدها أخيرًا لذلك اقترب بخطواتٍ واسعة يلحقهما نحو البيت من الداخل فوجد “سمارة” تقف بجوار الدرج وما إن وقع بصرها عليهم وخاصةً “مُـحي” شهقت بتلقائيةٍ ثم اقتربت منهما تقول بلهفةٍ:
_أستاذ “مُـحي” ؟؟ فينك كل الغيبة دي؟! صحيح بيقولوا إنك دخلت كلية الشرطة وهتبقى ظابط ؟؟.
تحدث “يوسف” بسخريةٍ وهو يرمقه باستخفافٍ يُقلل من شأنه:
_طبعًا ومش أي ظابط، دا ظابط إيقاع.
ضحك “إسماعيل” على سخريته فيما رمقه “مُـحي” بغضبٍ مكتومٍ وهو يهتف من بين أسنانه:
_أنا بكرهك يا “يوسف”.
رد عليه الأخر بلامبالاةٍ على الرغم أن الكلمة أثارت حفيظته:
_مش عاوزك تحبني، مش على الأخر الزمن هستنى الحب من البهايم اللي زيك.
نزل “نَـعيم” في تلك اللحظة من على الدرج بهيبةٍ كعادته يرتدي حلةٍ سوداء اللون وفوقها عباءته السوداء و عصاه في يده، فتفاجأ بوقوفهم في ردهة البيت وقبل أن يُبدي تعجبه من وجودهم وقع بصره على “مُـحي” يقف وسطهم.
رمش ببلاهةٍ عدة مراتٍ لا يُصدق أنه يقف أمامه حقًا، ربما هي أحلامٌ أو أوهامٌ باتت مُتعلقةً بذهنه، فهل بعد مرور عامين وأكثر يقف أمامه بتلك السهولة؟؟ نزل مُنصاعًا لرغبة قدمه وجسده بالكامل بعدما قاده الشوق لصغيره، حتى وقف أمامه يُملي عينيه منه مُمررًا بصره على كل تفصيلةٍ به لذا ازدرد لُعابه وقد جف حلقه، وهو يراه أمامه حقًا، لمعت العبرات في عينيه وحرك رأسه للشباب يستفسر منهما، فرد عليه “إسماعيل” مُبتسمًا:

 

_حلفت إن فرحتك برجوع “إيهاب” تكمل بفرحتك برجوع “مُـحي” كمان، اتطمن كان عند شوية ناس صحابه وعرفت مكانه بالصدفة، الغبي كان فاكر إنه لو رجعلك تاني أنتَ مش هتوافق.
خطفه “نَـعيم” في عناقٍ بفطرةٍ أبوية وهو يقول بصوتٍ غلفه الحماس الذي بدا خانقًا له:
_ علشان عبيط، دا أنا بعد الساعات علشان اللحظة اللي هيرجعلي فيها، دا أنا كنت هموت علشان أشوفه بس مش أخده في حضني، وحشتني يا “مُـحي”.
حنان والده ونبرته الباكية وشوقه البائن في نبرة صوته جعلته يرفع ذراعيه يحتضن والده وهو يبكي بخجلٍ من فعلته، بينما “سمارة” أطلقت زغرودة عالية تفاجأ الشباب بها و تحركت اجسادهم على أثرها، بينما هي قالت بمرحٍ:
_دا النهاردة يوم السعد ويوم الهنا، رجوع الأستاذ “مُـحي” و رجوع “إيهاب”.
ابتسم “نَـعيم” ثم ابتعد عن ابنه يضمه إليه أسفل ذراعه وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
_ولسه دا أنا عاملك مفاجأة حلوة أوي.
انتبهت له فأتت من خلفها “تحية” تلك المرأة التي تتولى إدارة شئون البيت وهي تقول بنبرةٍ ضاحكة:
_صباح الخير يا حج، ها نمشي دلوقتي؟؟.
حرك رأسه موافقًا ثم قال للفتاةٍ:
_يلا يا “سمارة” معاهم.
سألته بلهفةٍ:

 

_هروح فين يا حج ؟؟ أنا بجهز الحاجة علشان “إيهاب”
تحدث بوجهٍ مبتسمٍ وهو يقول:
_أنا برضه بجهز الحاجة علشان فرح “إيهاب” وزي ماهو اتاخد من هنا ليلة فرحه، هيرجع برضه على فرحه وكأن اللي حصل دا محصلش من الأساس.
حديثه أثلج نيران شوقها لذلك اقتربت منه تقول بغير تصديق وهي تضع كفيها على ذراعيه:
_بجد والنبي يا حج ؟؟ فرحنا الليلة دي؟؟.
حرك رأسه موافقًا فارتفع صوتها بالزغاريد عاليًا من جديد حتى ضحكوا عليها جميعًا، فركضت هي نحو “تحية” تقول بلهفةٍ وهي تسحبها خلفها:
_يلا يا ست “تحية” أنتِ هتقفي، يلا بسرعة.
ضحكت “تحية” ثم استأذنت منهم وتحركت من المكان بينما “يوسف” تحدث بنبرةٍ ضاحكة:
_بت غريبة و ردود أفعالها أغرب، أموت وأشوف انتاجها هي و “إيهاب” هيبقى عامل إزاي ؟؟.
ارتفعت الضحكات على حديثه، بينما “نَـعيم” التفت لابنه يقول بنبرةٍ هادئة و عيناه تتفحص وجهه:
_هروح للمحامي علشان نخلص ورق “إيهاب”، هرجع الاقيك ولا هتمشي تاني ؟؟ قولي قبل ما أعشم نفسي.
نظر في وجه الشباب بخوفٍ فوجد نظراتهما مُهددةً له، حينها التفت يقول لوالده بخنوعٍ سكن بداخله نتيجة تلك النظرات:
_متخافش….مش راجع.
ربت “نَـعيم” على كتفه مُستحسنًا ثم تحرك من مكانه يقف أمام الشباب يقول بإصرارٍ:
_تطلعوا تناموا و ترتاحوا علشان لسه يومنا طويل وكله دوشة وصداع، مفهوم ؟؟ محدش فيكم يعمل أي حاجة، الرجالة برة هتجهز كل حاجة.
حرك كلاهما رأسه موافقًا، فالتفت هو لابنه يقول:

 

_نورت بيتك يا “مُـحي”.
ابتسم له “مُـحي” بارتباكٍ حتى بدت ابتسامته باهتةً فتحرك “نَـعيم” بنفس الشموخ بعدما رفع رأسه كعادته بثباتٍ.
_”مُـحي نَعيم الحُصري”
الابن الثاني لـ “نعيم الحصري” في العام الرابع والعشرون من عمره، توفت والدته بعد ولادته، فُقِدَ شقيقه الأكبر في صِغر عمره كان عمره فقط شهورًا، خيم الحزن على البيت بفقدانه ليعود من جديد على يد “مُـحي” الذي توفت والدته بعد مرور يومان فقط من ولادته ليعود الحزن يُخيم على ذلك البيت للأبد.
شابٌ طائش لا يبالي كثيرًا بأمور الحياة، يركض خلف أهوائه وعلاقاته و ملاذات الحياة، وسامته جعلته مَغرورًا حيث أخذ الكثير من ملامح والده بعينيه الرماديتين الداكنتين، وخصلاته السوداء الكثيفة اللامعة، دومًا يبدو عليه الغرور والطيش خاصةً الركض خلف ما يريد دون التفكير في العواقب المُلحقة لذلك.
تحرك “نَـعيم” من المكان بينما “يوسف” اقترب منه يقف مقابلًا لـ “مُـحي” وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_متزعلش مني بس أنا عملت كدا من خوفي عليك، الطريق دا أخرته زفت وأسأل مجرب، اللي جربوه كتير معرفوش يرجعوا منه، أبوك يوم ما عرف إننا روحنا مكان زي دا قاطعنا، لو عرف هيجراله حاجة، فوق لنفسك.
رمقه “مُـحي” باستخفافٍ ثم تحرك نحو الأعلى، بينما “إسماعيل” قال بقلة حيلة:
_مفيش فايدة منه، بس خليه أنا فوقتله خلاص.
نظر “يوسف” في أثره بتعجبٍ ثم زفر مطولًا يعبر عن مدى استياءه وحنقه ثم أضاف بانهاكٍ:
_يلا نطلع ننام، لسه ورانا كتير، يلا.
تحرك أولًا وخلفه “إسماعيل” ليخلد كلٍ منهما إلى النوم بعد ليلةٍ عصيبة مرت عليهما زارهما بها القلق والتوتر، وقارنهم الخوف حتى نجا كلاهما بحياته من براثن هؤلاء ليلحقا بيومٍ تملئه الحركة يتطلب منهما النشاط.
________________________

 

في نهار نفس اليوم جلست “قمر” بجوار “ضحى” في غرفتها تحاول معها حتى تتناول الطعام، لكن الأخرى أبت ذلك، فيكفيها ما تذوقته من الخذلان، لم تتوقع أن يكون كاذبًا بتلك الطريقة بعدما أوهمها بصلاحه وتقويم نفسه لأجلها هي فقط، لكنه خدعها واتضخ كذبه من خلال كشف والدتها له، ربتت “قمر” على كتفها وهي تسألها بغلبٍ:
_يا بنتي بتعيطي ليه طيب ؟؟ دا بدل ما تحمدي ربنا أنه كشفهولك قبل الفرح ؟؟ اللي زي دا ميتزعلش عليه ولا حتى علشانه، دا نفرح أنه غار في داهية من حياتك.
ازداد نحيب الأخرى وهي تقول بنبرةٍ أدلت بكل وجعها الكامن بين جنبات صدرها:
_علشان قلبي اللي حبه يا “قمر” لما فهمني أنه بيحاول علشاني، علشان كل حاجة اتفقنا عليها سوا في بيتنا واننا هنكون سوا مع بعض، نبني حياتنا من جديد، إنما هو فاجئني بيه كأنه واحد معرفهوش أصلًا، ازاي عرف يكون بوشين كدا، دا خلاني اصدق أنه اتغير بجد.
جلست أمامها تحتضن وجهها بكفيها وهي تقول بثبات:
_علشان هو شاطر أوي يا “ضحى” عرف ازاي يقنعك بحاجة عارف إنك محتاجاها، استغل حبه ليكي علشان يوصل لكل دا، يبقى اسمك مراته وفيه علاقة في حياته رسمية يطلع فيها عقده، و برة براحته بقى، اللي زي دا مش راجل أصلًا، دا ناقص رجولة، أوعي تزعلي نفسك علشانه وافرحي أنه خرج من حياتك، وشوفي حياتك وأنتِ مستنية ابن الحلال اللي بجد، مش واحد زي دا مترباش أصلًا.
حركت رأسها موافقةً بقلة حيلة، فقبلت “قمر” رأسها ثم ضمتها لها وهي تقول بنبرةٍ هادئة تحاول إخفاء تأثرها بحزن رفيقتها:
_ربنا يفرح قلبك يا “ضُحىٰ” ويجبر بخاطرك وبكرة تشوفي عوض ربنا ليكي عامل ازاي، أكيد هتاخدي واحد يشوفك كل حاجة في دنيته.

 

بكت “ضحى” من جديد وهي تقول بنبرةٍ مزقت نياط قلب الأخرى من وجعها:
_كنت فكراه بيحبني كدا، كنت فكراه مش شايف غيري طلع فيه مني كتير عنده، واحدة من وسط كتير الفرق بس أني لابسة دبلته.
ربتت “قمر” عليها تؤازرها في محنتها، ثم قالت بنبرةٍ هادئة:
_دا مش راجل أصلًا، مشوفتيش أنتِ “أيوب” ابن الحج “عبدالقادر” عمره ما رفع عينه في واحدة ولو مرة، ولما بيكلم واحدة أو حتى بيكلمني عينه بتلف في كل مكان إلا مكاني، هما دول الرجالة بجد، إنما اللي زي “علاء” دول رجالة أونطة بالاسم.
انتبهت “ضُحى” لها لذلك نَحت حزنها جانبًا ثم رفعت رأسها تسألها باهتمامٍ قصدته خبيثًا:
_الله ؟؟ دا أنتِ مركزة بقى، مش دا اللي كسرتي الزير بتاعه
وكزتها “قمر” في ذراعها، فابتسمت “ضُحى” بخبثٍ ثم قالت بنبرةٍ ضاحكة:
_شكلنا وقعنا بقى، أنا قولت والله تبطيرك على الناس دا ورفضك للعرسان أكيد وراه حاجة كبيرة.
تنهدت بعمقٍ ثم قالت بسخريةٍ تستخف بحالها وتنفي حديث رفيقتها:
_هيبصلي إزاي يا “ضحى” ؟؟ دا واحد حارة “العطار” كلها بتاعته، وميعرفنيش أصلًا علشان يفكر فيا، وكفاية اللي أنا عملته فيه، كل اللي في أيدي أني اتمنى ربنا يكرمني براجل زيه كدا يراعي ربنا فيا.
تبدلت الأدوار و احتضنتها تلك المرة “ضُحى” تُربت على ظهرها وكلٍ منهما تؤازر الأخرى في وجعها، فيبدو أنه شغل تفكير”قمر” بصفاته المحمودة وسمعته التي وصلت لخارج منطقته حتى وصلت لكل من حوله من صفاته الهادئة الطيبة ومحاولته في الوصول للمثالية على الرغم من كونه بشريًا، لكنه يطمع في تربية نفسه كما يُريد أن يحب نفسه.
______________________

 

نزل “أيهم” من شقته التي أصبح يكرهها ويبغض تواجده بها حيث ذكرياته السيئة التي باتت في كل ركنٍ بها، لم يذهب اليوم إلى عمله بل طلب من والده أن يبقى في البيت يأخذ قسطًا من الراحة لعله يرتاح من كل الضغوطات التي عايشها وذلك الألم النفسي الذي رأه في وجه صغيره وكأنه انتقل منه ليتجسد في نظرات الصغير.
اقترب من الحديقة فوجد “آيات” تجلس بجواره تُطعمه في فمه وهو يتناول الطعام بضحكةٍ واسعة وهو يشاكسها، حتى قالت بضجرٍ زائفٍ:
_يلا بقى خلص أكلك أنتَ اتسخط ؟؟.
حرك رأسه موافقًا وهو يضحك لها ثم قال بنبرةٍ ضاحكة:
_طب ما أنتِ كنتي قاعدة على المُرجيحة من شوية، اتسخطي؟؟.
رمقته بسخطٍ فيما ضحك “أيهم” رغمًا عنه ثم اقترب منهما يقول بنبرةٍ جامدة لكنها زائفة:
_احترم نفسك ياض أنتَ، هتزعل أختي هزعلك.
ركض نحوه “إياد” يفتح ذراعيه له في دعوةً صريحة ليحمله، فأمتثل “أيهم” لما يريد وحمله ثم قبل وجنته وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_فطرت خلاص ؟؟.
حرك رأسه موافقًا فاقترب به من الطاولة يجلس بجوار شقيقته وهو يقول:
_صباح الخير، عاملة إيه يا “آيات” ؟؟
ردت عليه بوجهٍ مبتسمٍ:

 

_زي الفل الحمد لله، أنتَ إيه أخبارك طمني عليك.
حرك رأسه موافقًا ثم نظر في وجه ابنه فوجده شاردًا في اللاشيء حينها تنهد بعمقٍ ثم قال:
_زي الفل الحمد لله وهبقى أحسن أكتر لما ننزل سوا احنا التلاتة، أنا وأنتِ و المعلم أهو نخرج من حالة اكتئابنا دي، ها قولتوا إيه ؟؟.
هلل “إياد” وبدت السعادة تتراقص على ملامحه لتزيل حزنه الذي حاول جاهدًا وأده ليستمتع في بيته بذلك الحنان الذي يحصل عليه من عمته وعمه وأفراد البيت بأكمله ناهيك عن تلك المساة والدته _اسمًا فقط_ لا تمتها كلمة الأمومة بصلةٍ من الأساس.
تحدثت “آيات” بخجلٍ من أخيها:
_مش مهم يا “أيهم” روحوا أنتم وخلاص، خليني قاعدة هنا مش عاوزة أخرج معلش.
رد عليها بنبرةٍ جامدة:
_هو إيه اللي مش عاوزة تخرجي هتفضلي دافنة نفسك هنا بالحيا كدا ؟؟ الناس برة بقت تستغرب لما تشوفك يا “آيات” تعالي هنخرج سوا مش كنتي عاوزة تجيبي خمار جديد ؟؟ هاخدكم شوية قولتوا إيه.
تحدث “إياد” بلهفةٍ:
_هنيجي طبعًا، لو هي مش هتيجي أنا كمان مش هاجي.
تنهدت باستسلامٍ ثم وزعت نظراتها بينهما وقالت بنبرةٍ هادئة:
_عيني ليكم هرفضلكم طلب يعني؟؟.
اقترب منها “إياد” يُقبلها ثم احتضنها حتى ضحكت هي أيضًا ثم احتضنته، فيما وزع “أيهم” نظراته عليهما ليجد أن كلٍ منهما يحتمي بالآخر من قسوة الخذلان الذي تعرض لها.
_______________________

 

في محل “بيشوي” الذي يحمل اسم العطار بإدارة “بيشوي” كان واقفًا بجوار العُمال يتابع حركتهم أثناء نقل الرخام ومواد البناء في سيارات النقل، فمر من أمامه “جابر” والد “مهرائيل” عن قصدٍ متعمدًا ذلك حتى يرى معاملة الأخر معه، فتجاهله “بيشوي” عن قصد وهو يُملي للعمال أوامره، فاقترب منه “جابر” يقول بسخطٍ:
_المفروض أني معدي عليك يعني تسيب كل حاجة وتسلم عليا.
انتبه له “بيشوي” لذلك التفت له يقول بنبرةٍ جامدة:
_والأصول بتقول إنك أنتَ اللي جاي ناحيتي، يعني الأصول بتقول إنك ترمي السلام عليا، ومع ذلك نورت يا عم “جابر”
ابتسم له “جابر” باستفزازٍ ثم قال:
_دا نورك يا “بيشوي” خليك كدا لازقلي في عيلة العطار زي أبوك تمام، ابقى وريني هتنول مُرادك إزاي بقى.
رفع “بيشوي” حاجبه وهو يتابع انسحاب الأخر من أمامه بعدما أتى يثير استفزازه عن عمدٍ كعادته يقف حائلًا بينه وبين “مهرائيل” بسبب قربه الشديد من عائلة “العطار” كما أن والده كان العدو اللدود لـ “جابر” يقف أمامه بالمرصاد في كل شيءٍ يقوم به.
شعر “بيشوي” بالضيق منه لذلك رف صوته للعُمال بقوله:
_شَــهل شوية يابني منك ليه، يلا خلينا نشوف اخرتها.
ضاق صدره واعتلى الضيق ملامحه بسبب مرور الأخر من أمامه، لقد ذاق “بيشوي” بعد وفاة أبيه الكثير حتى بنى اسمه بمساعدة عائلة العطار، حتى أصبح له مكانةً وسط التجار باسمه لكنه قرر إخضاع ذلك الاسم تحت وكالة العطار حتى يصبح تحت كافة شئونهم و يعتبر شريكًا في عمل العائلة حتى ولو بنسبةٍ ضئيلة.
______________________

 

في منطقة نزلة السمان وصلت السيارات تشق الطريق أسفلها على الرمال في لحظات غروب الشمس، وفي تلك اللحظة كان “يوسف” و “إسماعيل” يقفان بجوار بعضهما البعض وعند اقتراب السيارت منهما أخرج “إسماعيل” سلاحه يطلق الأعيرة النارية في الهواء ترحيبًا بشقيقه.
وقف “يوسف” بجواره يبتسم بخفةٍ حتى وصلت لهما السيارات و نزل منها “إيهاب” أولًا يركض لأخيه الذي وضع سلاحه في جيبه ثم فتح ذراعيه لأخيه يعانقه في شوقٍ دام لسنين، فرغمًا عنه لمعت العبرات في مُقلتيه وهو يقول بنبرةٍ مُحشرجة:
_وحشتني يا “إيهاب” حضنك وحشني أوي.
حرر “إيهاب” أنفاسه المكتومة وهو يقول بلوعةٍ:
_أنتَ اللي وحشتني أوي يا “إسماعيل” ورب العزة أنا ما كان واجعني في غيبتي غيرك أنتَ، طمني عليك.
ابتسم له ثم ابتعد عنه نسبيًا حتى يتسنى له رؤيته وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_كفاية أني شوفتك تاني قصاد عيني، نورت الدنيا كلها.
اقترب منهما “نَـعيم” يقف بجوار “يوسف” وهو يقول:
_شوفت وجودك حلو ازاي وعزوة لبعض، بلاش سفر بقى تاني وخليك معانا، دي الدنيا مبتنورش غير بوجودك فيها.
رد عليه بنبرةٍ هادئة:
_مليش حاجة أفضل علشانها، كل حاجة بايخة اوي لما بتزيد عن حدها، خليني كدا أجيلكم كل فترة أحسن اشبع بشوية الونس اللي هنا.
طالعه “نَـعـيم” بيأسٍ وقلة حيلة، فيما اقترب “إيهاب” منه يقول بمرحٍ لكي يشاكسه:
_منور الدنيا يا غريب، ليك شوقة يا عمنا.
اقترب منه “يوسف” يعانقه مُربتًا على ظهره هو يقول:

 

_حمدًا لله على سلامتك يا معلم، دا الدنيا نورها زاد بوجودك على الأسفلت من تاني.
احتضنه “إيهاب” بشوقٍ يربت عليه، ثم ابتعد عنه يقول بنبرةٍ ضاحكة يقصد تذكيره بما مر:
_قولي ياض، لسه فاكر اللي علمتهولك ؟؟ ولا اتبخر؟؟
غمز له “يوسف” ثم فاجئه حينما فتح مطوته وهو يقول مُقلدًا طريقة “إيهاب”:
_بص يا شبح ضربة المطوة دي ليها أصول، عاوزها عرقبة ولا خربشة ولا قاضية، ولا زيارة عشماوي ؟؟.
ضحك “إيهاب” وهو يقول بفرحةٍ وفخرٍ يشبه فخر المُعلم بطالبه الممتاز:
_طمرت فيك الرباية ياض، قولي زفرتها كام مرة؟؟
رد عليه “يوسف” بفخرٍ وزهوٍ في نفسه:
_وغلاوتك عندي، لسه الفجر مصبح على واحد بيها.
ربت على كتفه، بينما “نَـعيم” قال بنبرةٍ ضاحكة:
_الليلة ليلة فرحك يا “إيهاب” زي ما اتاخدت قبل فرحك، رجوعك يبقى على الفرح برضه، يلا روح جهز نفسك.
التفت له يقول بلهفةٍ:
_”سمارة” فين يا حج ؟؟ عاوز أشوفها.
حرك رأسه موافقًا ثم قال:

 

_حقك، هتلاقيها جوة ماهي مراتك بقى، يلا منه لله اللي كان السبب وبوظ فرحتنا بيك، مراتك جوة مستنياك قبل ما تروح تجهز نفسها وتلبس فستان الفرح.
ركض من أمامهم جميعًا بلهفةٍ تشبه لهفة الطفل التائه حين عودته لأمه، لقد حُكِمَ عليهما بالفراق لمدة أربعة سنوات بعدما كادا أن يتلاقيا ويصبحا بمثابة فردًا واحدًا، لكن الحياة أبت اجتماعهما لتحكم عليهما في نفس الليلة التي أصبحت فيها على اسمه.
ركض بلهفةٍ نحو الداخل حيث غرفتها وهو يعلم أنها في انتظاره، طرق باب غرفتها ففتحته له دون أن تعرف أنه الطارق، وقف كلاهما يطالع الاخر بغير تصديق، فرغ فاهها ولمعت العبرات في عينيها وفرت دون أن تعي هي لذلك، بينما هو وقف يُشبع نظراته منها ففي فترة سجنه لم يراها سوى مرتين فقط، لم يصدق أنها تقف أمامه حرة بدون قيودٍ مفروضة عليهما أو حتى موعد ينتهي بعد قليل، بكت وهي تتعلق بعنقه، فيما ابتسم هو الأخر بحزنٍ ثم قال بوجعٍ:
_صدق اللي سماها دنيا، كل ما أجي أفرح فيها تلطشني بالقلم تفوقني، عاوز حد يقولي إن المرة دي بجد مش هسيبك.
شددت عناقها له وهي تقول ببكاءٍ:
_متمشيش تاني يا “إيهاب”، أنا ماصدقت ربنا يكرمني بيك.
لم يتفوه بكلمةٍ واحدة فقط احتواها بين ذراعيه يبكي رغمًا عنه وهي كذلك تبكي بعدة مشاعر مختلطة لقد عاد من أبصرت فيه دُنياها، هو الوحيد الذي قدم لها الحماية و الأمان منذ أول مرةً رأته بها تحولت من مجرد فتاةٍ يتيمة مشردة بالشوارع إلى أخرى مصونة في ذلك البيت بعدما أتى بها هو إلى هنا.
أنزلها تقف أمامه ثم ابتسم لها وهو يقول بنبرةٍ رخيمة وعيناه تجول في ملامحها يروي عطش غيباه وفراقه عنها:
_مش عارفة هقولها أزاي الكلمة الملزقة دي، بس أنا بحبك يا بت، و الحبسة دي خلتني عاوز أفضل معاكي علطول، أقسم بالله كنت بعد الأيام علشان أخرج وأطل في ملامحك يا “سمارة”.

 

ابتسمت من بين دموعها ثم احتضنته من جديد، فابتسم هو رغمًا عنه ثم ربت على رأسها وظهرها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_يلا يا عروسة روحي جهزي نفسك.
حركت رأسها موافقةً ثم رفعت رأسها تقول بشوقٍ:
_مش هتأخر عليك، استناني يا “إيهاب”
حرك رأسه موافقًا ثم قبل رأسها وتحرك من أمامها بينما هي ركضت تحتضن فستان زفافها وتدور به في الغرفة وكأنها طيرٌ لم تساع الغرفة أجنحته التي يحلق بها من فرط سعادته بعدما تذوق طعم الحُرية.
لم يختلف حال “إسماعيل” كثيرًا عن حالها بل كان طيرًا بحقٍ منذ أربعة أعوامٍ وهو يعيش في السجن كما الطير الموضوع بالقفص، كُسرت فرحته، وتذوق العذاب وها هو ينول الحريةِ ليحلق في الآفاق كما أراد وأول شيءٍ يفعله هو التواجد مع المرأة الوحيدة التي استطاعت تحريك قلبه بعدما حرم العشق على نفسه كما يحرم المرء الخمور على جوفه، لكنها في النهاية فتنته لِيُصبَح في نهاية الأمر من سحر عينيها مخمورًا سكرانًا.
________________________
نزلت “قمر” من شقتهم تقوم بشراء طلبات البيت بعدما رفضت “ضُحى” معاونتها أو مشاركتها في ذلك الأمر مُتعللةً بتعبها الجسدي، وفي نهاية الأمر نزلت هي بمفردها تجلب مُشتريات البيت من عدة أماكن مُتفرقة، حتى شعرت بالتعب فوقفت تلتقط أنفاسها ثم اقتربت نحو محل البقالة تشتري منه زجاجة مياه وعلبة عصير تُرطب على قلبها من ذلك الحر على الرغم من الليل الذي ظهر ومن المفترض أن تظهر نسماته الباردة.
وقفت على الطريق ترتشف المياه ثم العصير بعدها ثم أجمعت الأشياء التي قامت بشرائها غافلةً عن زوج الأعين التي تراقبها خلسةٍ.
مرت بجوار زُقاقٍ ضيق المساحة لتعبر منه للجهةِ الأخرى فتفاجئت بمن يخطفها من ذراعها و يُكمم فمها في ذلك الزُقاق حينها اتسعت عيناها بغير تصديق وباتت مُتيقنة أنها أوشكت على لفظ أنفاسها الأخيرة لا محالة، وقد ازداد خوفها حينما نطقت باستنكارٍ:

 

_أنــتَ.
________________________
في منطقة الزمالك جلست “شهد” تتصفح هاتفها وخاصةً صفحاته هو الشخصية فلازالت تراقبه وهو يعلم ذلك، فتحت موقع “انستجرام” فتفاجئت بصورته على الخيل كما المعتاد منه في كل مرّةٍ يزرو فيها القاهرة، وفي كل مرةٍ تزداد الصور عُمقًا من حيث الطبيعة، ووسامةً منه.
كانت الصورة الأولىٰ من ظهره وهو يعتلي الحصان باللون الأبيض و الأسود، و الصورة التالية مع غروب الشمس برفقة الخيل وهو يرفع قدمين الخيل وقد كتب فوقها بزهوٍ لنفسه:
_”مليش شبيه ومبعرفش أقف في وسط الصف،
دماغي عالية وطموحي لسه ملهوش سقف”.
أبتسمت رغمًا عنها فوجدت “مادلين” تقترب منها وهي تقول بنبرةٍ خبيثة لكنها صبغتها بالضحك:
_أوه، “شاهي” قاعدة هنا عادي؟؟ غريبة إنك مخرجتيش زي كل يوم أو حتى روحتي النادي.
أغلقت هاتفها على الفور ثم تصنعت الثبات الذي يُنافي توترها الداخلي وهي تقول:
_عادي يعني يا طنط، مش بيتي برضه؟؟.
حركت رأسها موافقةً وهي تبتسم لها ثم قالت بخبثٍ:
_بيتك وبيت حبيبك طبعًا.
نظرت لها “شهد” بخوفٍ بدا واضحًا عليها من خلال حُمرة وجهها التي أعربت عن خوفها و توترها، بينما “مادلين” أضافت بنفس الخبث:
_أنتِ و “نادر” طبعًا، ربنا يكرمكم إن شاء الله مع بعض و نشوف بيبي صغير يملى البيت بشقاوته.
حركت رأسها موافقةً ثم مسحت وجهها الذي ارتفعت درجة حرارته على الرغم من المكيف، بينما الأخرى وضعت قدمًا فوق الأخرى وهي ترمقها بثقةٍ أن ما تفكر به صحيحًا.
______________________

 

في مكتب “عاصم” جلس برفقة “سامي” و “نادر”، فتحدث الأخير بجمودٍ:
_هو مش كان بييجي يروح عند اللي اسمه “نَـعيم” دا ؟؟ إيه اللي جابه هنا أنا مش فاهم ؟؟ غاويين يعني كل شوية حد يسمع صوت مشاكلنا ؟؟.
رد عليه “عاصم” بغموضٍ:
_وجوده هنا في الوقت دا مع تعب أمي، ميبشرش بأي خير أبدًا، لازم “يوسف” رجله تبعد عن هنا لحد ما نشوف امي هيحصلها إيه، لو كدا ننقلها في شقة “سامي” أفضل.
تحدث “نادر” بلهفةٍ:
_بقولك إيه يا خالو ؟؟ سيب موضوع”يوسف” دا عليا أنا هعرف أخلصك منه خلال يومين بالكتير، تيتة مش هينفع تتنقل من هنا لأن دا فيه خطورة كبيرة عليها، اديني بس الموافقة وأنا هظبط الدنيا.
تحدث “سامي” بقلقٍ على ابنه:
_يابني بلاش !! اسمع مني وسيبك منه ولو كدا ننقل جدتك شقتك أنتَ أسهل وخلاص بعربية إسعاف مجهزة أحسن.
رد عليه “عاصم” بثباتٍ:
_كدا كدا وجوده هنا غلط، لازم يكون فيه حل يمنعه ويوقفه عند حده، لازم “يوسف” ودانه تتقرص.
كان حديثه يُقطر بالحقد و الغِل تجاه ابن أخيه، ونظراته تنطق بمقتٍ، على الرغم من المفترض أن يكون هو أحب الناس إلى قلبه، إلا أنه أكره الناس لديه ويضعه في خانة عدوه اللدود.
______________________

 

جلس “بيشوي” في محله يتابع أعماله وهو يمرر بصره على الأوراق التجارية الموجود أمامه يراجعها قبل أن يُغلق الدفتر اليومي، فتفاجأ بـ “مارينا” شقيقة “مهرائيل” تركض نحوه بخوفٍ وهي تقول بنبرةٍ متخبطة:
_”بيشوي”، الحقنا بسرعة.
رفع رأسه من على الأوراق الموضوعة أمامه وهو يقول بلهفة بعدما حدثته بتلك الطريقة:
_مالك يا “مارينا” انتوا كويسين؟؟ حد حصله حاجة؟؟.
حركت رأسها نفيًا ثم قالت بخوفٍ:
_بابا جاب عريس مفاجأة لـ “مهرائيل” وهو موجود معاه في البيت.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى