روايات

رواية غوثهم الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم شمس محمد

رواية غوثهم الفصل الحادي والثلاثون

رواية غوثهم البارت الحادي والثلاثون

رواية غوثهم
رواية غوثهم

رواية غوثهم الحلقة الحادية والثلاثون

“رواية غَـــوثِـهِـمْ”
“الفصل الحادي والثلاثون”
“يــا صـبـر أيـوب”
__________________
سُبحان من بسطُ الأرض على ماءٍ جَمُدَ..
سُبحان من أرسل موسىٰ ولدًا بغير أمٍ إلى أمٍ بغير ولدَ..
سُبحانك…سبحانك…سبحانك جل جلالك يا الله.
تبارك مُنزل القرآنِ للأرواح تأمينًا…سنحفظه ليحفظنا..
ونرويه فيروينا…صِراط النور في القُرآن قبل الشمس يهدينا.
_”نصر الدين طوبار”.
_________________________________
ربما أكون الغريب عنكِ وعن عالمكِ لكن صدفةٌ حدث ماحدث لأكون داخل هذا العالم، لا يهم الأمر إن كان بإرادتي أو رغمًا عني، لكن ما أعرفه حقًا أنني هُنا، عالمٌ فريدٌ من نوعه مِثلُكِ تمامًا، كل شيءٍ هنا مثلي “غريب” لكنه مثلي أيضًا هُنا، دعيني أتخيل نفسي كما هذه الأشياء، لكن الفارق الوحيد هو أنك لا ترغبين في وجودي، ربما هي أشياء لا تنفع ولا تضر، لكني أخشى عليكِ أن يمسك في وجودي الضُر، لا أخشى الحياة بذاتها، لكني أخشى الحياة من بعد فراقٍ ويا ويل القلوب المُحبة من فراق أحبتها، أخشى أن أعود كما كنتُ غريبًا، أخشى عتمة دربٍ أُضيء بكِ.
<“كما الفارس في ميدان المعركة، فقط أنظر له”>
انتفض “سعد” من محله بصدمةٍ أقرب في تأثيرها إلى الصاعقة الكهربية بعد حديث “يوسف” الذي أخبره بعقد قرانه عليها هي !! اندفع يمسك تلابيبه وقد أخرج سبابًا خارجًا من بين شفتيه فيما وقف “يوسف” ثابتًا وصامتًا لم يهتم بما يفعله الأخر ليأتي “أيهم” فجأةً ثم أمسك كفي “سعد” ينزلهما عن “يوسف” وهتف بنبرةٍ جامدة لكن لم يخفى عنها الاستفزاز:
_كدا ؟؟ في حد يمسك العريس بالشكل دا؟؟.
ابتسم “يوسف” رغمًا عنه فيما التفت له “أيهم” يقول بعجالةٍ من أمره:
_يلا يا عريس، الناس مستنية والمأذون قرب.
اندفع “سعد” بلهفةٍ ولازالت الدهشة تتملكه وتساوره الشكوك حول الموضوع:
_هو الموضوع بجد ولا إيه ؟؟.
أبتسم “أيهم” بسخريةٍ وهتف بوقاحةٍ:
_أومال جايين نهزر معاك يا شمام أنتَ ؟؟ شكلك فاضي.
قال حديثه ثم التفت بكامل جسده لـ “يوسف” يمسك مرفقه وقد سار معه الأخر بهدوءٍ تامٍ فيما وقف “سعد” مذهولًا يتمنى أن تصبح تلك خيالات من المواد المخدرة التي يتعاطاها ولا أكثر من هذا، ارتمى على المقعد بجسدٍ رخوٍ وكأن هموم العالم أُلقيت فوق عاتقه.
وقف “أيوب” في الأسفل أمام المسجد الكبير على أبواب الحارة وحينما لاحظ قدوم “يوسف” و “أيهم” تنهد براحةٍ ثم وضع هاتفه في جيبه من جديد بعدما كاد أن يتواصل معهما، وما إن اقتربا منه هتف بلهفةٍ يستفسر منه:
_ها ؟؟ عرف ؟؟.
حرك “يوسف” رأسه موافقًا فيما تحدث “أيهم” مستفسرًا وعيناه تطوف في المكان حوله:
_البنات لسه موصلوش؟؟ أنا قايل لـ “بيشوي” يجيبهم هنا
تحدث “أيوب” بنبرةٍ هادئة يُطمئنه:
_متقلقش، هييجوا على هنا نكتب الكتاب بعدها نطلع على الدار بتاعة المناسبات وبعدها نروح، هو عارف ومظبط كل حاجة مع الحج كمان.
تحدث “يوسف” يسأله بتعجبٍ:
_أنتَ واقف هنا ليه ؟؟.
جاوبه “أيوب” بنبرةٍ هادئة:
_صحابي جايين وأنا مستنيهم، صحابك فين؟؟.
جاوبه “يوسف” بنبرةٍ هادئة هو الأخر:
_جايين، بس هييجوا من نزلة السمان يعني ممكن يتأخروا.
اقترب منه “أيوب” يقول بثباتٍ يقصد التقوية من عزيمة الأخر:
_أنا عاوز أقولك إنك شهم وجدع، وإنك كبير في نظري أوي، صحيح مش كل الناس ممكن تفهمك، بس أنا بقى زي ما أنتَ قولت قارح وقاريك يا “يوسف”.
ابتسم “يوسف” بسخريةٍ ثم أومأ له موافقًا يؤكد حديثه، بينما وبعد مرور دقائق فقط مرت بسرعةٍ توقفت سيارة أمام باب المسجد وخلفها أخرىٰ، وفي هذه اللحظة ابتعد “يوسف” لكي يأتي بوالدته وخاله، بينما نزل أصدقاء “أيوب” من السيارات فابتسم هو لهم ثم اقترب منهم يقول بنبرةٍ تخللتها الراحة:
_كنت خايف متجوش، كنت هزعل أوي وماكنتش هلتمس أي أعذار على فكرة.
ابتسم له صديقه الذي يُدعى “ياسين الشيخ” وهتف بنبرةٍ ضاحكة:
_إزاي بقى يا “أيوب” ؟؟ دا أنتَ أخونا، ربنا يكرمك إن شاء الله ويتمم فرحتك على خير يا رب.
اقترب منه “أيوب” يحتضنه ويحتضن بقية أصدقاءه حتى أتى دور “خالد” الذي تحدث معه بسخريةٍ حين هتف:
_عملتها يعني أهو، علشان تعرف إنك بوق.
ضحك “أيوب” له وفي تلك اللحظة وصل “يوسف” يقول بنبرةٍ هادئة قبل أن يرى وقوف الشباب:
_”أيوب” هات مفتاح المسجـ…..
بتر حديثه حينما لمح “ياسين” والشباب فاتسعت عيناه بدهشةٍ وأوشك بؤبؤاه على الخروج من محجريهما، وكذلك الشباب لم يختلف حالهم عنه ليهتف “يوسف” بحيرةٍ يستفسر عن تواجدهم بعدما خرج من قوقعة دهشته:
_”ياسين الشيخ” ؟؟ بتعمل هنا إيه؟؟.
اقترب أخرٌ منه يدعى “وليد” سأله بنبرةٍ جامدة:
_أنتَ اللي بتعمل هنا إيه ؟؟.
زادت الحيرة على الأوجه وطفقت الدهشة تعلن عن نفسها في المكان وقد اقترب “ياسين” يقول:
_أنا جاي هنا علشان أحضر كتب كتاب “أيوب” بتعمل هنا إيه يا “يوسف” ؟؟
هتفها “ياسين” بنبرةٍ حائرة وتيهٍ سيطرا عليه ليصله الرد منه بسخريةٍ:
_بتجوز عقبال عندك يا حبيبي.
رمش “ياسين” ببلاهةٍ وفرغ فاهه، فتحدث “أيوب” بتعجبٍ وهو يحرك بؤبؤيه على وجوههم:
_انتم تعرفوا بعض ؟؟ طب إزاي ؟؟
تحدث “عامر” صديق الشباب يستفسر باندفاعٍ:
_أنتَ اللي تعرف “يوسف” منين ؟؟ وإيه حكاية بيتجوز دي
تحدث “يوسف” يجاوب سؤاله بقوله:
_”أيوب” يبقى خطيب أختي وكلها دقايق ويبقى جوزها.
هتف “وليد” بنبرةٍ عالية أعربت عن تفاجئه:
_المرحومة ؟؟.
نظر له “يوسف” بحاجبٍ مرفوعٍ فيما تحدث “وليد” بسخريةٍ موجهًا حديثه لـ “ياسين”:
_أنتَ قولتلي إننا رايحين فرح “أيوب” مقولتليش إننا جايين فيلم هندي في السينما، جوز أخته إزاي يعني؟؟.
حرك “ياسين” كتفيه بحيرةٍ وزاغ بصره وبدا كأنه فقد النطق، فتحدث “يوسف” بجمودٍ يقول:
_عايشة، “قمر” أختي طلعت عايشة
نظروا له بحيرةٍ أكبر ليتحدث “عامر” بسخريةٍ هو الأخر:
_”أيوب” صحيح أنتَ قولت عاوزها قمر زي حور العين هل دا معناه إنك خت روح القمر وسيبت حور العين ؟؟.
ضحكوا عليه وعلى سخريته فتحدث “يوسف” بنبرةٍ جامدة:
_تعرفوا بعض منين ؟؟ وإيه اللي جابكم حارة العطار؟؟.
كرر “ياسر” صديق الشباب نفس السؤال ليرفع “ياسين” صوته بنبرةٍ جامدة وقد انفعل كليًا وفلتت أعصابه:
_بـــس !! خلاص كلكم، “يوسف” يبقى مهندس بترول اتعرفت عليه لما سافرت شمال سينا كان ماسك بريمة بترول هناك، و “أيوب” صاحبنا وكنا بنحفظ قرآن كلنا وبناخد دروس دين في مسجد واحد، كدا عرفتوا ؟؟ أنتم تعرفوا بعض منين وإيه حكاية جوز أختك دي ؟؟.
نظروا له بدهشةٍ من انفعاله ليتحدث “وليد” بمعاتبةٍ زائفة لهما وهو يقول:
_كدا ؟؟ كدا تعصبولنا الراجل ؟؟.
تنهد “يوسف” مُطولًا ثم بدأ في سرد القصة بدون أي مُزايدات لا تهم أو تفاصيلٍ أخرى فقط اختصر الموضوع أن والدته وشقيقته مكانهما هنا دون أن يعلم هو، وحين أتى تعرف على “أيوب” خطيب شقيقته وبالنسبة لأمر زواجه فهو له قصة أخرى اختصرها بقوله:
_ بالنسبة بقى لجوازي فدا موضوع طويل أوي، اختصاره يعني أني لازم أكون هنا معاها.
نظر “ياسين” في وجهه يمعن عينيه في ملامحه ليقرأ تعابيره فهرب “يوسف” من نظراته حينما اقترب من “أيوب” يأخذ منه مفاتيح المسجد وقد أوشك المأذون على الاقتراب من المكان.
_______________________________
<“الغاية تُبرر الوسيلة، ما عملك بدون حيلة؟”>
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا بدأت الحارة تلاحظ تكدس المكان بعدما أتت سيارة الفتيات التي تولى قيادتها “بيشوي” وفي داخلها “قمر” و “عهد” وشتان بين حال الاثنتين، واحدة تتأهب للقادم بكل ذرةٍ بها والأخرى تود الهرب من هنا، لكن لامحالة من إتمام شيءٍ لابد منه.
تحدث “بيشوي” بنبرةٍ هادئة:
_يلا يا عرايس، ربنا يتمم فرحتكم على خير يا رب.
نظرت لها “قمر” وأمسكت كفها وأجبرت شفتيها على الابتسام وهي تقول بنبرةٍ هادئة:
_يلا يا “عهد” يلا يا حبيبتي.
حركت رأسها موافقةً ثم نزلت من السيارة خلفها وفي الخلف “آيات” مع “غالية” و “نجلاء” في سيارةٍ واحدة.
وقف “يوسف” في انتظار كلتيهما لتنزل له شقيقته بوجهٍ مبتسمٍ وحركت رأسها موافقةً تُطمئنه، بينما “عهد” وقفت محلها تخشى الاقتراب أكثر فوجدت “وعد” الصغيرة تركض نحوها فتمسكت هي بها كما يتسمك الغريب بطوق النجاة، واقتربت “مَـي” منهما تحتضن ابنتها العروس التي ارتدت فستانًا باللون البيج يتسع من منطقة البطن بتنورةٍ واسعة
وارتدت “قمر” مثله باللون الأبيض لكن بأخر درجاته، وقد أصر “عبدالقادر” على أن تكون كلتاهما مثل العروس ومعهما ابنته التي رفضت وضع مساحيق التجميل واكتفت بنفسها فقط لمسات بسيطة جعلتها تبتسم برضا وهي ترافق “مهرائيل” في السيارة ومعهما “مارينا” أيضًا.
وصل المأذون في هذه اللحظة فاقترب منه “عبدالقادر” يرحب به ثم أشار له أن يلج داخل المسجد ثم أشار للنساء بالتوجه لمصلى السيدات وللرجال بالدخول للمسجد لبداية عقد القران.
وقف “يوسف” أمام “عهد” وتقابلت نظراتهما، الكثير والكثير من المشاعر الغريبة المتخلطة بأخرى غير مفهومة، تباين واضح فيما يشعر به كلاهما، الخوف والرهبة والرفض والعصيان والنفور، كل شيءٍ هنا أصبح ثقيلًا لكن هذا هو الحل الأمثل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، شرد “يوسف” في لقاءٍ مر عليه ستة أيامٍ كان لقاء الإنقاذ لمن يغرق بأنفاسٍ لاهثة وسط البحر.
[منذ عدة أيام، تحديدًا يوم ركضه لها مع الشباب]
عاد “يوسف” للبيت بعد علمه بزواجها من “سعد” وقد رحل “عبدالقادر” بأسرته وترك عائلة “فضل”، لم يكن في حالةٍ جيدة على الرغم من تحديد عقد قران شقيقته لكن “عهد” حالها أصابه بالتخبط، يعلم أنها كما جاهلٍ يقدم روحه قربانًا لتمثالٍ يظنه منقذه، هاهي تفعل نفس الشيء، تقدم روحها فداءًا لشيءٍ لم يعلمه ولم تلاحظ حالته سوى “قمر” التي دلفت الشرفة من بعد نوم والدتها لتجده يدخن سيجارةً ولم ينتبه لها بل ظل غارقًا في شروده الذي خرج منه على صوتها تسأله بنبرةٍ خافتة:
_مالك يا “يوسف” ؟؟ من ساعة رجوعك وأنتَ متضايق.
تنهد بثقلٍ ونفث هواء سيجارته ثم هتف بنبرةٍ رخيمة:
_أنا كويس، بس متضايق.
عقدت المسافة الواقعة بين حاجبيها باستنكارٍ فوجدته يقول بنبرةٍ جامدة:
_غبية، هي غبية وضعيفة، بترمي نفسها ليهم على طبق من دهب، واحد زي دا لو عاشت معاه هيموتها كل يوم ألف مرة، وافقت ليه ؟؟ وإيه السبب اللي يخلي إنسان يقبل بالضعف دا؟؟.
فهمت أنه يقصد بحديثه المنفعل “عهد” ولم تكن في حاجةٍ للفهم أكثر من هذا، بل تنهدت بعمقٍ وهتفت بنبرةٍ هادئة غلفها الحزن وهي تقول:
_للأسف حاجات كتير، أنا واحدة جربت الضعف لما واحد زي “علاء” دا هددني بحاجات معملتهاش، بس لقيت نفسي بفكر في “أيوب” معرفش ليه بس دا أول حد خطر في بالي، والصراحة مكسفنيش، بالعكس دا نصرني قدام الكل حتى نفسي، غصب عن الإنسان لما بيضيق عليه الحال بيقبل بالخضوع ويأمل في حل تاني، العقل بيتشوش عن التفكير، أكيد هي معذورة.
هتف بنبرةٍ جامدة وقد ازداد غيظه أكثر بدون مبرر:
_معذورة ؟؟ دي واحدة رايحة ترمي نفسها في النار، رايحة تقولهم أهو أنا أهو دوسوا عليا، دي كانت واقفة مش قادرة ترفع عينها في وشنا ويدوبك لسه مجرد كلام، ما بالك بقى بالعمر اللي جاي عليها؟؟.
رفعت “قمر” صوتها هي الأخرى بعنادٍ يطابق عناده وهي تتلمس الأعذار للأخرى وقد رآت نفسها محلها هي:
_يعني أنتَ عاوزها تعمل إيه ؟؟ واحدة مضغوط عليها من كل ناحية ومن عيلتها وسمعتها وشرفها وشرف مامتها، يبقى تعاند وتكابر معاهم ؟؟ أكيد لازم حل يهدي الدنيا، ويخلي الزفت دا يبعد عنها ويبطل يتعرض لها.
انتبه “يوسف” لحديثه وتكرر صدى أخر كلماتها في أذنه ليكرره هو لها هاتفًا بقلقٍ بلغ أشده:
_يتعرض لها !! صح ممكن يكون الليلة.
طالعته “قمر” بتعجبٍ فوجدته يسحب المفاتيح الخاصة بالبيت وقال بلهفةٍ يحذر شقيقته من التحرك:
_خليكِ مكانك يا “قمر”، أنا هرجع علطول.
نظرت في أثره بتعجبٍ فيما نزل هو من البيت بلهفةٍ وكل ما يدور بخلده أن “سعد” سيحاول الوصول لها الليلة وربما يحاول أن يفعل أي شيءٍ لذا ركب سيارته وقادها بأقصى سرعة وقد ساعده خلو الطريق على هذا، حتى وصل في أقل من دقائق معدودة تُحصى على أصابع اليد الواحدة، ومنها توجه نحو السطح وكأنه أمتلك كل اليقين أنها هُناك.
ركب المصعد ودلف السطح بخطواتٍ أشبه للركض فوجدها في أكثر حالات الضعف وهي تجلس على الأرض بجلسة القرفصاء تضم رُكبتيها بذراعيها وهي تبكي بأنينٍ أقرب لأنين المتألم في كل إنشٍ بجسده، لكن الألم هنا في روحها.
اقترب “يوسف” منها فوجدها تنتفض من محلها ظنًا منها أنه “سعد” فهتف هو بلهفةٍ:
_أنا “يوسف” متخافيش.
نزلت دموعها في صمتٍ ونكست رأسها للأسفل، فلاحظ هو سقوط إحدى حاويات الزرع وبجوارها زجاجة مكسورة، فعلم أن هناك شيءٌ ربما يكون حدث، لذا اندفع يسألها بقلقٍ:
_هو كان هنا ؟؟ جه جنبك ؟؟.
حركت رأسها نفيًا وهتفت بنبرةٍ مختنقة ولازالت دموعها تنهمر على وجنتيها:
_لأ، بس حاول ….وقالي إن دي أقل حاجة هيعملها لو رفضت، حاولت أموته بس معرفتش، وكان نفسي يموتني بس مقدرش.
لقد أغضبه ضعفها واستسلامها لذا اقترب منها يقول بنبرةٍ عالية وهو يشهر سبابته في وجهه حتى أنه لم يفكر في حديثه وهو يلقيه عليها:
_عارفة ليه ؟؟ علشان غبية وضعيفة، علشان بتقوليلهم أنا أهو دوسوا عليا، طول ما أنتِ كدا هيفضل هو وعيلتك وأي حد يستضعفك يدوس عليكِ، أنتِ السبب في اللي أنتِ فيه دا.
نزلت دموعها وهتفت بنبرةٍ عالية أقرب للصراخ وهي تقول مدافعةً عن نفسها:
_وأنتَ تعرف منين أني ضعيفة ؟؟ تعرف منين أني لا يمكن استسلم ليهم، اللي متعرفهوش أني ههرب من هنا هاخد ماما و أختي ونسيب كل حاجة، دا أنسب حل علشان ترتاح كلنا.
صدمته بحديثها فكرر خلفها مستنكرًا قولها:
_تهربي ؟؟ هو دا الحل عندك ؟؟ تهربي من حاجة خوفها قيراط وتروحي ترمي نفسك في خوف ٢٤ قيراط ؟؟ علشان إيه ؟؟ كلنا نقدر نساعدك بس أنتِ اللي رافضة دا.
نزلت دموعها بضعفٍ أكثر وهي تقول بوجعٍ أكبر:
_علشان أختي وعلشان ماما اللي عمي وجوز عمتي ماشيين يسوقوا سمعتها إنها لفت عليهم وعلشان “سعد” الحيوان اللي هيبلغ عن “أيوب” تاني والمرة دي الله أعلم هيخرج إمتى ؟؟ علشان الحج اللي ملهوش ذنب أنهم يحاولوا يخطفوا “إياد” لو وقفلي هو أو عياله، علشان أي حد هيحاول ينصفني هيتعك معايا، علشان نفسي المكسورة قدام الكل وهما بيتكلموا في سمعتي أنا وأمي.
صدمة أكبر من الأخرى تلطمه على وجهه كما صفعةٍ غير متوقعة تلقاها على صفحة وجهه، لكن ما شغل عقله من وسط حديثها هو ذكر “أيوب” بالمعتقل، لذا سألها باهتمامٍ:
_هو “أيوب” كان معتقل ؟؟.
مسحت دموعها وحركت رأسها موافقةً وهتفت بنبرةٍ باكية:
_بسببي، “سعد” خلى ابن عمه بلغ عنه في أمن الدولة بتهمة أنه إرهابي ودخل هناك مرتين، مرة قعد شهرين والمرة التانية شهر وأسبوع.
اتسعت عيناه بدهشةٍ وفهم لماذا “أيوب” سخر منه حينما أخبره في حديثٍ سابقٍ أنه وُلِدَ مُرفهًا، لكنه لم يعلم أن الأمر وصل للاعتقال، وإذا كان إعتقال كما يفهم إذًا “أيوب” تعذب كثيرًا، لكن كيف يبقى كما هو صامدًا بهذه الطريقة ؟؟.
الكثير من الأسئلة شغلت عقله لكنه نحاها في جوانب عقله لحين إشعارٍ أخر فوجدها تقول بحزنٍ وبنبرةٍ مبحوحة:
_أمشي، أمشي يا “يوسف” علشان متضرش أنتَ كمان كفاية اللي اتأذوا بسببي، كفاية أني مبقدرش أرفع عيني في عين الحج لحد دلوقتي، أمشي علشان متدخلش الدايرة دي أنتَ كمان.
سألها بجمودٍ بعدما استمع لحديثها:
_طب وبعدما امشي ؟؟ إيه العمل إن شاء الله ؟؟
جاوبته بإصرارٍ تفاقم عن السابق:
_همشي أنا كمان، كلها يومين وأهرب أنا وماما من هنا.
ابتسم بسخريةٍ وهتف يستخف بها:
_برضه ضعف، كل حاجة عندك هروب أو استسلام.
ابتسمت بوجعٍ وهي ترى استخفافه بحديثها وهتفت:
_اللي أيده في المياه مش زي اللي أيده في النار، أنتَ شايف الصورة من عندك وأنا شايفاها من عندي، علشان كدا محدش فينا ليه حق يحكم على التاني.
حرك رأسه موافقًا ثم التفت يغادر المكان لكن قبل رحيله التفت لها برأسه يقول بنبرةٍ جامدة:
_خليكِ فاكرة إن النهاردة أو بكرة أو حتى بعدين هيتداس عليكِ طول ما أنتِ ضعيفة كدا، ولو هربتي أنتِ كدا هترمي نفسك في نار أكبر من نارهم هنا، مفيش واحد بيحكم على نفسه بالغربة وبيقدر يعيش عِدل.
تحرك من مكانه وتركها خلفه تبكي بقهرٍ أكبر بعدما أدركت خطورة هربها من هنا، هي ضعيفة لم تملك أي شيءٍ، أين تذهب وأين تعمل وكيف تدبر المال والأهم أين ستبقى بعد رحيلها من هنا وهي ملزومة بطفلةٍ صغيرة وإمرأةٍ عانت الكثير منذ طفولتها حتى لحظتها هذه، رفعت رأسها للسماء تبكي بوجعٍ وهي تقول بتوسلٍ:
_أنا تعبت والله، حلهالي، حلهالي قبل ما أضعف أكتر.
اسمتع “يوسف” لصراخها الباكي وحينها لم يتذكر سوى نفسه، هي تشبهه كثيرًا، ضعيفة ووحيدة، أقرب لطيرٍ ضعيفٍ بجناحٍ مكسورٍ، هو أيضًا كان يشبهها في أحد الأيام، كان يتوسل للنجاة ويتتوق لإسعاف أحدهم له، لكنه تعلم بمفرده أن يقف في وجه الدنيا معاديًا لها، هي لم تتعلم بعد لكنها ستتعلم، لذا جالت بخاطره فكرة لوهلةٍ لكنه آثر الهروب منها، هي لم تكن فكرة بقدر ما كانت خوفًا دُبَّ في أوصاله.
نزل من البيت وركب سيارته يرجع راسه للخلف على مسند المقعد وقد أغمض جفونه يسيطر على تكدس رأسه وعلى الضجيج المنتشر بخلايا عقله، تلك الحالة التي يكرهها حينما يتصف الأمر بالخطورة أو أهميةٍ لديه، لذا فتح تابلوه السيارة يخطف منه دفتره وقلمه ثم فتح إحدى الصفحات الفارغة وأغمض جفونه من جديد لتبدأ يده في رسم الخطوط الملقبة بـ “شغابيط” استمر كفه في التحرك واستمر هو في حالة السكون هذه يخرج الزحام من رأسه في رسوماتٍ ليس لها أي توضيح أو هدف، بل هي فقط تساعده على إخراج الطاقة السلبية المعتمرة بداخله كما بناياتٍ مرتصة بجوار بعضها ومع رسمه بهذه الطريقة تنهدم هذه البنايات ليصبح محلها فارغًا.
فتح عينيه أخيرًا ونفس الفكرة تسيطر عليه لذا ترك الدفتر والقلم وقاد سيارته إلى منزل “عبدالقادر” لم يعلم لماذا هو ولم يعلم كيف اسعفه عقله بالذهاب إلى هناك لكن كل الطرق أصبحت مسدودة في وجهه ولم يكن أمامه سواه، وصل إلى هناك ووقف أمام البيت مترددًا من هذه الخطوة لكن الطرف الأقوى به صاحب السلطة تحداه ورفع كفه يضغط على جرس الباب ففتحته له “وداد” وما إن رأته صُدمت من تواجده بهذا التوقيت لذا سألته بتعجبٍ:
_خير يا أستاذ “يوسف” ؟ فيه حاجة ؟؟
سألها بلهفةٍ يواري خلفها قلقه وتردده من التواجد هنا:
_الحج صاحي ؟؟ أنا عاوزه ضروري؟؟.
حركت رأسها موافقةً ثم أشارت له فدلف خلفها ليجدها تشير إلى محل الجلوس ثم هتفت بنبرةٍ هادئة تقول:
_اتفضل هنا وهو جوة بيصلي قبل ما يروح المسجد.
حرك رأسه موافقًا فتحركت هي من أمامه وقد جلس هو بأعصابٍ مشدودة هل يحدثه بطريقةٍ مباشرة أم يخبره بطريقةٍ ملتوية أم يهرب من هنا ويعود لوالدته، لم يفهم ما يتوجب عليه فعله وإبان تفكيره المتخبط وألم رأسه وجد صوتًا يجاوب حيرته، لم يكن مجرد صوتٍ يسمعه، بل هو سلاحٌ يحارب سكون الليل المُخيف وتكدس رأسه المُزعج، صوت “أيوب” وهو يبتهل ليلًا كعادته بصوته العذب قائلًا:
_سُبحانك اللهم…سبحانك اللهم من خالقٍ نسعى إليه
وحكيمٍ رشيد… إن قولت كُن يكون
من ذا الذي يُريد إن كنتُ إلهي تُريد، يا رب يا رب..
فارحمنا وأصلح لنا أحوالنا أنتَ الولي الحميد..يـــــا رب
يا رب وانصرنا على من بغوا أنتَ علينا وعليهم شهيد..
فهم بنارٍ أفججوها لقن ولهم لشرٍ ذرعوه حصيد..
ونحن للحق جنود وهم كانوا للبغي والباطلِ كانوا الجنود…
أرهف “يوسف” سمعه للكلمات، لم يسمع بأذنه بل بقلبه ولم ينظر للصورة ببصره بل ببصيرته، تحرك شيءٌ به جعله يتيقن من قراره، الأمر إذًا بيد الخالق وإذا أراد له أن يكون معها لن يستطع أي مخلوقٍ أن يقف في وجه إرادة الخالق، أدمعت عيناه بتأثرٍ فوجد “عبدالقادر” يقف خلفه وهو يقول بقلقٍ:
_خير يا “يوسف” ؟؟ حصل حاجة يابني ؟؟.
التفت له “يوسف” بتخبطٍ فلازال متأثرًا بصوت “أيوب” وكلماته لطالما كانت علاقته بهذه الأصوات مقطوعة تمامًا لم يسمعها سوى عند تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، فحرك الأخر رأسه يستفسر منه بصمتٍ ليتفاجيء بقول “يوسف” مندفعًا:
_أنا جاي أطلب منك إيد “عهد”.
خرج “أيوب” في هذه اللحظة عند هذه الجملة وتسمر محله ولم يختلف حال أبيه عنه بل تسمر هو الأخر مكانه، ليتحدث “يوسف” بثباتٍ وإصرارٍ تفاقما وازدادا عن السابق:
_محدش هيتجوز “عهد” غيري ومحدش هيحميها منهم غيري أنا، اللي زي دي مش عاوزة حاجة غير القوة وأنا الوحيد اللي هقدر أقف في وشهم، بس علشان كل حاجة تبقى صح، أنا عاوز أخطبها.
عدل “أيوب” الحديث قائلًا بثباتٍ من خلف “يوسف”:
_لأ، الأصح إنك تكون جوزها، حتى لو خطيبها برضه ملكش حق تقرب ولا تحميها وهي مستحيل تقبل بمساعدة زي دي، لكن الجواز حماية أكبر على الأقل كدا تبقى جيبت من الأخر.
التفت له “يوسف” وسأله باهتمامٍ:
_واللي زي دي بعنادها اقنعها إزاي ؟ دي غبية.
أقترب “أيوب” منه يسأله بحروفٍ ممدودة وكأنه يتكيء عليها ليتأكد من الأخر:
_سيبك منها هي، المهم أنتَ موافق؟؟ ولا مجرد ذوبعة فنجان هتروح لحالها ؟؟ لو خدت موافقة وتأكيد منك أقدر أثبتلك إنها هتوافق هي كمان بإذن ربنا سبحانه وتعالى.
نظر “يوسف” في وجهيهما لبرهةٍ عابرة مثل الثواني ثم هتف بإصرارٍ أكبر:
_موافق، موافق أكتب كتابي ودلوقتي كمان، بالنسبة ايا بقت حياة أو موت وطريق مختاره بمزاجي.
نظر “أيوب” لوالده الذي وقف مدهوشًا بما يُقال حتى لوهلةٍ ظن أن هذا حُلمٌ يراه إبان نومه، لكن قول ابنه حين هتف:
_تمام يبقى بكرة هيوصلك الرد.
حينها تيقن “عبدالقادر” أن ما يحدث حقيقة وأن الأمر حقًا يصير نصب عينيه لذا عليه أن يكون حكيمًا في تصرف الأمور بدلًا من أي تهورٍ غير محسوب.
[عودة إلى هذه اللحظة]
خرج “يوسف” من شروده على هتاف “فضل” باسمه يطلب من بطاقته فتنهد “يوسف” ثم حرك رأسه موافقًا ليجدها تصعد مع والدتها والنساء إلى مصلى السيدات، وحينها تتبعها بنظره، فبعد يومين كاملين من الإصرار عليها وافقت لكن بشروطها حتى هذه اللحظة.
وقف الشباب مع “أيوب” الذي سرد عليهم معرفته بـ “يوسف” وكيف أتى إلى هنا وكيف بدأت العلاقة بينهما بالزواج من شقيقته، وبعد مرور دقائق داخل المسجد جلس “أيوب” على يسار المأذون و “يوسف” على يمينه و النساء في الأعلى يشاهدن عقد القران ومنهن “قمر” التي وقفت بجوار والدتها، و “عهد” التي جلست بعيدًا عن هذه الأجواء تشعر بأنها الطرف الضعيف هُنا.
وضع “أيوب” كفه في كف “يوسف” ووضع فوقهما المنديل الأبيض الذي صنعه “بيشوي” يحمل اسم العروسين وتاريخ عقد القران، فتنهد المأذون وبدأ الحديث بقوله:
_بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الخلق وأشرف المرسلين، قال الله تعالى في كتابه العزيز:
⁣قال تعالى:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.
نحن الآن عند واحدة من أهم اللحظات وهي عقد القران في الإسلام وسبحان الخالق الذي وصفه بالميثاق الغليظ، جاهزين يا جماعة؟؟ سمعونا ذكر الله والصلاة على الحبيب لنبدأ إن شاء الله.
انتشرت الهمسات الخافتة فيما بدأ المأذون بتلقين كلًا منهما للحديث والآخر يردد خلفه وسط نظرات الناس لهم ووقوف الشباب معهم و كذلك “إيهاب” و “محي” و “إسماعيل” اللذين وقفوا خلف “يوسف” والأخرين خلف “أيوب” بينما “أيهم” وقف بجوار أبيه الذي ابتسم بوقارٍ وهو يرى فرحة صغيره أخيرًا.
_بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خيرٍ.
كان هذا قول المأذون وهو ينهي عقد القران الأول بعد أخذ “فضل” توقيع العروس وإمضتها على الدفتر، وعند هذه اللحظة ترددت وشعرت برهبة غريبة لكن عند رؤيتها لاسم “أيوب” ابتسمت وقامت بالتوقيع هي الأخرى لتحتضنها “ضحى” من بعد هذه اللحظة.
في الأسفل تعانق كلٍ من “يوسف” و “أيوب” ليهتف الأول بنبرةٍ جامدة:
_مش هوصيك أظن أنتَ عارف اللي فيها.
ابتسم له “أيوب” وقال بخضوعٍ له:
_متخافش عليها مني، خاف على اللي يفكر يقرب منها.
حرك رأسه موافقًا ثم رفع رأسه للأعلى يرى شقيقته فوجدها تعود للخلف بخجلٍ منه حينها ابتسم رغمًا عنه ليجد “عبدالقادر” يقترب منهما يقول بنبرةٍ هادئة لكنها مُلحة:
_يلا يا “يوسف” مفيش وقت، كتب كتابك دلوقتي.
حرك رأسه موافقًا ورفع رأسه من جديد يحاول الوصول لها لكنها لم تقف بين النساء وهن يتوارين خلف الستائر، لذا تنهد بعمقٍ وبدا متخبطًا فهي حتى هذه اللحظة ترفض هذا الزواج وهو يراه انقاذًا لها ليس أكثر، وعند سقوطه في دوامة التفكير وجد “أيوب” يضع كفه على كتفه مشددًا من أزره وهو يقول:
_أوعى تخلي الشيطان يرجعك عن قرارك، دا خير ليك في الدنيا لو عرفت الأجر عليه مش هتصدق نفسك، عزيمتك ضعفت صح ؟؟
لم يقوى “يوسف” على الكذب أمامه بل أومأ موافقًا حينها اقترب “ياسين” صديقهما وهو يقول بثباتٍ يتكيء به على حروفه:
_”يوسف” اللي أنا أعرفه أكيد مش عيل صغير وأكيد برضه لو قرارك كان شر مكناش وقفنا هنا، أنا معرفش تفاصيل ومش عاوز أعرف، بس أنا واثق إنك بتعمل الصح.
تنهد “يوسف” يسحب نفسًا عميقًا فيما احتضنه “أيوب” يربت على ظهره في حركةٍ مُفاجأةٍ له جعلته يسكن بين ذراعيه ولم ينكر أن المأوى هنا كان هو في أشد الحاجة إليه، وحينها مال “وليد” على أذن “عامر” صديقه يقول بنبرةٍ خافتة:
_يا جدعان دي أحلام العصر وربنا، “يوسف الراوي” في حضن “أيوب العطار” ؟؟ دا إيه دا يا جدعان.
رد عليه “حسن المهدي” صديقهم الأخر وهو يقول وقد وصله حديث الأخر:
_عادي يعني ما إحنا شوفنا “ياسين الشيخ” في حضن “وليد الرشيد” قبل كدا ومحدش فينا اندهش.
نظر له “وليد” بشرٍ وهتف بتوعدٍ:
_نخرج من هنا حاضر وأول حاجة هعملها هي أني أروح أطلق بنت عمي منك.
ابتسم “حسن” بسخريةٍ وهتف يستهتر بحديثه:
_لو عرفت تفتح بوقك قصادها بالكلام دا أنا هديك اللي أنتَ عاوزه، بس كمل للأخر ووريني شطارتك.
نظر أمامه ولم يتحدث فيما رحب “عبدالقادر” بالشباب ثم سأل “ياسين” باهتمامٍ:
_هو الأستاذ “رياض” مجاش ليه؟؟ مش “أيوب” ابنه؟؟
ابتسم له “ياسين” وهتف بنبرةٍ هادئة:
_أكيد طبعًا وشرف ليا وليه، بس للأسف المدام عندي عندها متابعة مع الدكتور علشان الولادة وهو راح يوصلها، إن شاء الله تتعوض قريب وهو ييجي لحضرتك بنفسه.
ربت على كتفه وقال بتقديرٍ له ولوالده:
_ربنا يكرمك يابني ويقوملك مراتك بالسلامة إن شاء الله.
نطق المأذون باسمه لينتبه له “عبدالقادر” فاتسأذن منهم ثم اقترب من المأذون ولحقه “يوسف” يجلس هو الأخر وقد تبدل الوضع، أصبح “يوسف” محل “أيوب” و “عبدالقادر” محل “يوسف” ليكون وكيلًا للعروس بعدما طلبت منه ذلك، وقد وضع كلاهما كفه بكف الأخر وفوقه المنديل الذي يحمل اسم العرويسن أيضًا وقد كتب “بيشوي” عليه بخط يده اسميهما وتاريخ عقد القران وأضاف في النهاية:
_”لقد تعاهدنا على السير معًا وأقسمنا على الوفاء بالعهد”
وقع نظر “يوسف” على الجملة ثم رفع رأسه للأعلى ليجدها تقف بجوار والدته و شقيقته تنهد بعمقٍ ثم بدأ بالحديث خلف المأذون الذي بدأ في تلقينه الحديث والآخر يقرر خلفه، لم ينكر رهبته وهو يردد المعاهدة للخالق في الحفاظ عليها، هاهو يقطع عهدًا جديدًا، لكنه سبق وخان العهد وها هو يقرن نفسه بواحدةٍ تحمل اسمه بعدما أقسم بالبُعد عن سُبل الوصال مع النساء والآن يسأل عن كفارة القسم و كيفية الالتزام بالعهد.
صعد “فضل” بالدفتر من جديد ليأخذ إمضاء “عهد”، وقفت تسمك القلم بترددٍ تخشى التوقيع والبصم بعُقلَتها، وقفت بعينين دامعتين تخشى الإقدام على هذا العمل، تخشى أن تهرب من براثن ذئبٍ لتقع في براثن وحشٍ لم تعلم عنه أي شيءٍ، هواجس تكبر وتتضخم في خلايا عقله لتستولىٰ عليه، ودت الركض والصراخ والهروب لكن صوت “فضل” جعلها تنتبه له فزفرت بقوةٍ تبط عملية التنفس ثم أدلت التوقيع بحركةٍ خاطفة وكذلك بصمتها لتصبح زوجته رسميًا.
للمرةِ الثانية يصدح صوت المأذون بقوله:
_بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خيرٌ.
اقترب “إيهاب” من “يوسف” يحتضنه وكذلك الشباب جميعهم فتحدث “عبدالقادر” يوجه حديثه للجميع قائلًا:
_مبارك يا جماعة، دلوقتي هنطلع على دار المناسبات علشان تلبيس الدِبل والشبكة، اتفضلوا معانا يلا.
خرج كلًا من “يوسف” و “أيوب” يقفان أمام درج مصلى السيدات لتنزل أول واحدة “قمر” وبجوارها “ضحى” فوقع بصر الإثنين عليها لتبتسم هي لهما فنظرا لبعضهما بتحدٍ سرعان ما تراجع عنه “أيوب” وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_روح سلم على أختك علشان هتركب عربيتي.
رفع “يوسف” حاجبيه فمال “أيوب” على أذنه يهمس له:
_طب خلي بالك شكلك نسيت إنك هتركب جنب مراتك.
تحرك “يوسف” نحو الأمام يستقبل أخته بين ذراعيه فوجدها ترفع ذراعيها تحتضنه ثم قالت بنبرةٍ حماسية مختنقة من شدة فرحتها:
_ألف مبروك يا روحي، ربنا يسعدك.
حرك كفيه على ظهرها وهو يقول بنبرةٍ رخيمة:
_الله يبارك فيكِ، ألف مبروك ليكِ وربنا يسعدك.
ابتعدت عنه تبتسم له بعينين دامعتين فقبل رأسها وقد نزلت “عـهـد” في هذه اللحظة لتراهما سويًا، أسرتها هذه اللحظة، رأته يشارك شقيقته فرحتها وهي هنا لم يقف معها سوى والدتها وشقيقتها الصغيرة، لاحظ هو وقوفها فأشار لشقيقته أن تتحرك وقد فهمت هي مقصده لذا تحركت نحو “أيوب” الذي وقف مبتسمًا لها فابتسمت هي الأخرى له، وحينما حمحم “أيهم” من خلفهما أشار لها أن تذهب تجاه سيارته فتحركت هي أولًا وهو خلفها يفتح باب السيارة الأمامي فولجت هي السيارة وأغلق هو بابها.
وقبل أن يتجه لمقعد القيادة وجد “إياد” خلفه يقول بمشاكسةٍ:
_أيوة يا عمو “أيوب” بقيت عريس رايق أهو.
التفت له “أيوب” وحمله بين ذراعيه ثم قبله وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
_عقبالك يا “أودي” إن شاء الله.
اقترب “أيهم” بلهفةٍ يقول بنبرةٍ قلقة:
_”أيوب” اتحرك يلا علشان “سعد” جاي على هنا.
اتسعت عيناه فدفعه شقيقه تجاه السيارة وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
_مش وقت اندهاش يا “أيوب” يلا.
تحرك بعدها “أيوب” بسيارته تجاه دار المناسبات ومعه عروسته وفي الخلف سيارة “بيشوي” معه بها “آيات” و “مهرائيل” و “نجلاء” و “تَـيام” بجواره في الأمام.
________________________________
<“أعلنوا الحرب بدون سلاح ويأملون في الاكتساح”>
في سيارة “أيوب” كانت “قمر” تجاره بخجلٍ وهو يتابعها بعينيه لا يصدق أنها بجواره، ولم يصدق أن اسطورته الخيالية تنتهي بها وهي تجاوره بعدما أصبحت زوجته، أبتسم هو الأخر ثم رفع صوته يقول بمشاكسةٍ:
_إيه يا “قمر” ؟؟ تقلان من أولها ليه؟؟.
حركت رأسها نحوه بدهشةٍ فوجدته يغمز لها وهو يقول بنفس المشاكسة الخبيثة:
_مش عاوزة تقولي حاجة خالص؟؟.
ردت عليه بخجلٍ وهي تحرك بؤبؤيها في أنحاءٍ مختلفة:
_ها؟؟ أقول إيه طيب؟؟ أنا متوترة بصراحة.
رفع أحد حاجبيه ثم حرك رأسه موافقًا وهتف بسخريةٍ:
_سلامتك يا غالية من التوتر، ما تيجي كدا أمشيلك التوتر.
نظرت له بتعجبٍ وهي تحرك رأسها باستفسارٍ لم يخفى عنه الاستنكار، فقرأ هو نظراتها لذا باغتها حينما أمسك كفها بيده ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_لمسة حلال ربنا كتبها علينا، ربك يزيد ويبارك.
ابتسمت بخجلٍ له فوجدته يلتفت للخلف بعدما حرر كفها من كفه ثم أخرج صندوقًا باللون الأسود من خامة الكرتون وأعطاه لها وهو يقول بنبرةٍ هادئة:
_الصندوق دا ليكِ، افتحيه لما تروحي النهاردة.
حركت رأسها نحوه بتعجبٍ لم تصدق نفسها، هل حقًا يهديها هدية ؟؟ منه هو ولأجلها هي ؟؟ قرأ هو نظراتها فابتسم بزاوية فمه وهتف بصدقٍ يؤكد لها ما تفكر به:
_آه دي علشانك أنتِ، ومش مقامك كمان، أنتِ مراتي دلوقتي، يعني الهدية دي قليلة عليكِ أوي بس هتتعوض إن شاء الله قريب.
أمسكت الصندوق بكفيها وهي تبتسم له ثم حركت رأسها للجهةِ الأخرى تراقب الطريق هربًا من نظرته لها، لأول مرة تجده ينظر لها بهذه الطريقة وكأنه يحتضنها بعينيه، دفء نظراته جعلت ضربات قلبها تتسارع خلف بعضها، بينما هو ركز بصره على الطريق تاركًا لها الحرية حتى لا تخشاه فمثل هذا الموقف.
عند المسجد قبل أن تلج “عـهد” سيارة “يوسف” وجدت عمها يعترض طريقها بيده وهو يقول بنبرةٍ عالية لفتت الأنظار لهم:
_مبروك يا عروسة، مبروك يا بنت أخويا، خلاص فجرتي ؟؟ وبتكتبي كتابك وتتجوزي من غير أذني ؟؟ مين وكيلك إن شاء الله ؟؟ ومين العيل اللي اتجوزتيه ؟؟.
نظرت له بعينين مُتسعتين وارتفعت ضربات قلبها بخوفٍ فوجدت “يوسف” يُزيح يده عنها وهو يقول بنبرةٍ جامدة:
_إيدك بس يا حج كدا لامؤاخذة، معاك العيل بنفسه.
سأله “وجدي” باندفاعٍ وهو يجول ببصره في ملامحه:
_أنتَ مين يا جدع أنتَ ؟؟ وبتدخل ليه؟؟.
رفع “يوسف” رأسه وهو يقول بثباتٍ:
_أنا الباشمهندس “يوسف الراوي” جوز المدام “عَـهد”.
سألها “وجدي” بنبرةٍ عالية أعربت عن غضبه:
_الواد دا جوزك ؟؟ اتجوزتيه ليه إن شاء الله ؟ تلاقيكِ…..
قبل أن يسترسل في الحديث يهين شرفها وجد “عبدالقادر” يمسكه من كتفه ثم اداره إليه يقول بنبرةٍ عالية:
_اخرس قطع لسانك يا فاجر يا بجح، لو لسانك جاب سيرتها بكلمة أنا هدفنه مكانه هنا، دا ابن أخويا يعني في مقام ابني تمام، تحترم نفسك وأنتَ بتتكلم بدل ما أعرفك مقامك وأنتَ واحد معدوم الرجولة والضمير.
نظرت “عهد” له بامتنانٍ وكذلك “يوسف” الذي رأى الاستنكار والهمسات من الواقفين الذين لم يعرفهم هو، بينما عمها سألها هي متجاهلًا غريمه اللدود:
_انطقي يابت !! اتجوزتيه ليه؟؟.
أغلقت باب السيارة بغضبٍ ثم اقتربت منه تقول بانفعالٍ تعبر عن غضبها وسخطها ونقمها عليه:
_علشان راجل، علشان أنا متأكدة أنه هيحميني بجد، علشان هو هيقدر يحافظ عليا، تحب أقولك تاني؟؟ علشان راح لكبيري بجد، وكبيري بقى هو وكيلي، الحج “عبدالقادر” ومن الليلة دي لو فكرت تقرب مني هتلاقيه واقفلك.
هكذا يفضل أن يراها، قوية ومحاربة، الأخرى الضعيفة هذه يكرهها ويكره رؤيتها، لذا ابتسم بعينيه وجاهد ليكتم ضحكته التي أوشكت على فضح أمره، فاقترب “إيهاب” يخطف عمها من ذراع “عبدالقادر” ثم هتف بنبرةٍ جامدة قاسية كطبعه مع هذا النوع:
_بقولك إيه بدل ما نكتر الكلام مع بعض ؟؟ قدامك خمس دقايق وكدا أنا مكارمك، لو مخفيتش من قصادي أنا هريحك، بس راحة من نوع تاني، ها ؟؟ نقول بسم الله ؟؟.
وقف الشباب أصدقاء “أيوب” و “يوسف” معًا فتدخل من وسطهم “وليد” يهتف بنبرةٍ جامدة هو الأخر:
_يلا يا عريس على عربيتك، خلينا نخلص، يلا يا حج على بيتك منجيلكش في حاجة وحشة، ألف شكر.
دفعه “إيهاب” ثم أشار للأخر بقوله:
_اركب عربيتك واتحرك يا باشا يلا.
ركب “يوسف” بعدما ركبت “عـهد” وفي الاول اطمئن على والدتها في سيارة “عبدالقادر” ومعها الفتاة الصغيرة و على والدته في سيارة “أيهم” برفقة “أسماء” وحينما تقابلت نظراته بوالدته وجدها تحرك رأسها موافقةً تشجعه على الحركة، فابتسم لها ثم دلف سيارته بجوار زوجته التي تحارب حتى لا تبكي أمامهم.
لاحظ “يوسف” تحجر الدموع في مُقلتيها اللامعتين لذا خطف المحارم الورقية ثم مد يده لها بها وهو يأمرها بقوله:
_اتفضلي، وياريت متعيطيش علشان دول.
خطفت منه المحارم تمسح دموعها ثم هتفت بنبرةٍ جامدة:
_أنا مبعيطش، بس فيه حاجة دخلت في عيني.
رفع حاجبيه بسخريةٍ وكرر خلفها بتهكمٍ:
_حاجة دخلت في عيني؟ بتكدبي يا عسولة من أولها ؟؟.
زفرت بقوةٍ ثم ضمت ذراعيها معًا فوجدته يمسك زجاجة المياه يقدمها لها وهو يقول بلهجةٍ أمرة دون أن يحيد بصره عن الطريق:
_اتفضلي اشربي، وشك أصفر ولسه فاضل شوية لحد ما نقعد وتاكلي حاجة.
نظرت له بتعجبٍ حينما حركت رأسها نحوه بسرعةٍ كبرى بينما هو ظل كما هو ينظر أمامه وكفه ممدودًا لها بالزجاجة حتى أخذتها منه ترتشف منها لتكتشف مقدار جفاف حلقها وقد ارتشفت الزجاجة بأكملها حينها ابتسم بسخريةٍ وهو يقول قاصدًا استفزازها:
_ماهو أصل البشر طبعهم صعب بصراحة، ميقدروش على الحمار يتشطروا على اللي….يلا ربنا يسهل لعبيده.
وضعت الزجاجة على تابلوه السيارة بعنفٍ ثم ضمت ذراعيها عند صدرها ووضعت رأسها على زجاج النافذة وهي تشعر بالضيق يُخيم على صدرها، فيما لاحظ هو حالتها ولم ينكر أنه يتعاطف معها ويقدر ما تشعر هي به وإن تقبلها له يحتاج لكثيرٍ من الوقت، وعند هذه النقطة توقف عن التفكير ليأخذ منعطفًا أخرًا وهو لماذا يهمه تقبله له ؟ الأمر مجرد حماية تنتهي فور اطمئنانه عليها ليرحل من بعدها إلى حياته الفارغة المنتظرة لقدوم والدته وشقيقته فقط.
في سيارة “إيهاب” كانت “سمارة” تجلس بجواره في الأمام وفي الخلف “مُــحي” و بجواره “إسماعيل” الذي تحدث بحيرةٍ:
_هو “يوسف” قرر مرة واحدة كدا من غير يظبط حياته ؟ دا حاله على البايظ خالص، أنا مش فاهم أي حاجة.
تحدث “إيهاب” بقلة حيلة قائلًا:
_والله على حسب كلامه إن الجوازة دي لابد منها، ربنا يكرمه يا عم أهو الجواز بيربي الواحد.
رفعت “سمارة” حاجبها ونظرت له فوجدته يضيف بلامبالاةٍ:
_كدبت أنا يعني ؟؟ مش برضه بيكونوا أوغاد وربنا بيهديهم على إيديكم ؟؟.
ضحكت رغمًا عنها وأضافت بنبرةٍ ضاحكة:
_والله ماحد بيعرف يخلص فيكم، أدينا ماشيين وراكم.
غمز لها وهتف بمزاحٍ خبيثٍ:
_يبقى هتكسبي.
تحدث “مُـحي” بتعجبٍ حينما تذكر المكان:
_اللي أنا مش فاهمه حاجة واحدة، الحارة دي مفيهاش نسوان خالص ؟! العرايس معندهمش صحاب؟؟ فيه فرح ناشف كدا ؟؟ إيه ياعم دا ؟؟.
ضحكوا عليه فيما ردد “إيهاب” بضجرٍ ونفاذ صبرٍ منه:
_يابني لم نفسك بقى !! يخربيت اللي رباك التربية الناقصة دي، اتعظ يالا، اتعظ دا أنا بيتي كان هيخرب قدامك.
رد عليه “مُحي” بلامبالاةٍ يقلل من تهويل الأمور:
_علشان عندك بيت، إنما أنا طير حر.
التفتت له “سمارة” تقول بنبرةٍ عالية:
_ياجدع أنتَ بتعمل إيه بالبنات دي كلها والأنيل هما ساكتين إزاي عليك، بالك أنتَ لو أنا مكانهم كان زماني مقطعاك حتت حتت وحطاك في كياس.
ضحك “إيهاب” و كذلك “إسماعيل” فيما هتف “مُـحي” يعاتبها بقوله بنبرةٍ هادئة ألبسها وشاح الحزن:
_كدا يا “سمارة” ؟؟ وأنا اللي كنت ناوي أكمل نص ديني وقولت تكلميلي أم العروسة بما إنها صاحبتك ؟؟.
عقدت مابين حاحبيها بحيرةٍ مستنكرة فوجدته يقول بهيامٍ حينما تذكر رؤية الفتاة:
_البت “جنى” بنت أم “جنى” شوفتها وهي جاية معاها شنطة كدا سودا وكانت لابسة عباية سمرا، عاوز اتجوزها.
ضرب “إسماعيل” كفيه ببعضهما بضجرٍ فيما ضحكت هي وقالت بسخريةٍ:
_جيت متأخر يا خفيف، “ميكي” هيتجوزها وكلم أمها.
ضحك “إيهاب” متشفيًا به وكذلك “إسماعيل” أيضًا فيما تحدث الأول بنبرةٍ ضاحكة يقصد إثارة غيظ “مُـحي” وهو يقول بنبرةٍ ضاحكة:
_واد يا “إسماعيل” شغلنا البلوتوث من عند “سمارة” وهات أغنية “وديع الصافي” فكرني كدا كان بيقول إيه ؟؟.
بدأ “إسماعيل” في الغناء ومعه “إيهاب” أيضًا يثيران غيظ “مُـحي” بقولهما وهو يرمقهما بسخريةٍ:
_خدني شوقي لقتني بروح عندها حد تاني سابقني وخد يدها.
بدأ “مُـحي” في الغناء معهما هو الأخر لا يهمه الأمر بحقٍ إنما هو كان يرمي الفكرة ولا يُلقي لها بالًا من الأساس، ضحكت “سمارة” عليهم وصفقت بكفيها كطبيعة شخصيتها التلقائية وضحك لها “إيهاب” ثم رفع صوت الأغاني بالسيارة وهم يصفقون بها.
______________________________
<“نحتاج لمذاق الفرح، لما يُضاف الملح”>
توقفت السيارات عند دار المناسبات وبدأوا يدخلونها خلف بعضهم وأخرهم كان “تَـيام” الذي انتظر نزول “آيات” ثم أشار لها أن تسير بجواره وما إن جاورته قال بنبرةٍ هادئة:
_شكلك حلو أوي في الخمار الدهبي، عقبال الأبيض.
ابتسمت بخجلٍ ثم حركت رأسها موافقةً لم تخجله وتخبره أن يتوقف عن حديثه المعسول، بل صمتت وصعدت الدرجات بخطواتٍ هادئة وهو يسير بجوارها حتى دلفوا لدار المناسبات الخاصة بحارة “العطار” وهي مكانٌ خاص بمناسبات الحارة بدون أي مراسم، بل معاونة للشباب على الأفراح الإسلامية الغير مختلطة، حيث ينقسم المكان إلى نصفين كل نصفٍ فيهما يخص أحد الأنواع من الجنسين.
دلفت “آيات” و جلست بجوار “قمر” و “عهد” ومن خلفها النساء بأكملهن ينتظرن قدوم الشباب لكي يبدأ الاحتفال الغريب.
في الخارج همت “مهرائيل” بالصعود للأعلى فأوقفها “بيشوي” قائلًا بنبرةٍ رخيمة حينما ذكر اسمها:
_”مهرائيل” ؟؟.
ازدردت لُعابها بقوةٍ ثم التفتت له بعينين دامعتين فاقترب منها يسألها بنبرةٍ جامدة:
_أنتِ بتهربي مني ليه ؟؟ للدرجة دي خلاص زهقتي؟؟.
جاوبته بنبرةٍ هادئة فاترة على عكس ما تشعر هي به:
_لو سمحت يا أستاذ “بيشوي” بلاش الكلام معايا بالطريقة دي، بعدين كدا أفضل علشان محدش يتعرض لأي مضايقات تاني، لو سمحت.
رفع حاجبيه بسخريةٍ وكرر خلفها:
_مضايقات ؟؟ يبقى الموضوع وصلك ؟؟.
حركت رأسها موافقةً وهتفت بأسفٍ تعتذر له:
_أنا بعتذر لحضرتك عن اللي حصل، وأكيد بابا انفعل أو مكانش يقصد التقليل من شخصك، بس أنا مش هقبل إن حد يتعرض لأي إهانات بسببي، فأنا آسفة.
اغتاظ من حديثها وطريقتها الرسمية وهروب عينيها منه، لقد منَّ نفسه طوال اليوم بمقابلتها ورؤية عينيها، وهي الآن تهرب بهما منه؟؟ لم يشعر بنفسه سوى وهو يقترب أكثر ثم رفع إصبعه وهو يقول مهددًا لها بنبرةٍ جامدة:
_أنا صابر عليكِ لحد ما تجيبي أخرك معايا، وبقولك أهو لو زحفتي على رُكبك زي السحلية ولو أبوكِ عمل إيه، محدش هياخدك غيري أنا، اعتبريه جنان أو عبط، أو هبل، بس والله ماحد هياخدك غيري، عاوزك بقى تتقلي وتهربي، مسيرك يتقفل عليكِ باب واحد معايا وهاخد حقي منك تالت ومتلت يا بنت “جابر” أفوق بس من فرح أخواتي وأفوقلك أنتِ وأبوكِ، قدامي يلا يا حلوة، عمالة تتعاكسي من الصبح.
التفتت على الفور تكتم ضحكتها الفرحة بحديثه وطريقته فهاهو لم ييأس بل يحارب من جديد لأجلها، فيما أنتظر هو التفافها ثم أبتسم رغمًا عنه يسير خلفها بملامح وجه مرتاحة فهي لم تثير غيظه بأي حديثٍ كما كانت تفعل بل صمتت وقبلت طريقته، لذا عليه أن يفعل القرار الذي اتخذه لينهي سخافة هذا الأمر.
في الأعلى قام “أيوب” بالباس الشبكة لعروسته أمام النساء وهي تبتسم بخجلٍ له حتى انتهى هو ثم اقترب منها يُلثم جبينها وهتف بنبرةٍ هادئة:
_صدقت لما قولت مش عاوز القمر أنا عاوز “قمر”.
تضرج وجهها بحمرة الخجل فيما تحرك هو تجاه الشباب ليدخل بعده “يوسف” ثم اقترب من “عهد” يلبسها الذهب الخاص بها وحينما اقترب منها هتفت بنبرةٍ أقرب للهمس قائلةً وقد شعرت بالخجل حقًا من اقترابه منه والنظرات تتجه نحوهما:
_ملوش لزوم كل دا.
اقترب من أذنها يقول بنبرةٍ خافتة أصابتها بالقشعريرة:
_مش علشانك، علشان ميبقاش شكلي وحش ومنتن قدام الناس، عاوزاهم يقولوا عليا بخيل ؟؟.
نظرت له بحدةٍ جعلته يغمز لها ثم ألبسها الطقم وتحرك وسط زغاريد النساء العالية، وآخر من اقترب كان “تَـيام” وخلفه “أيوب” فاقترب منها يقول بقلة حيلة:
_والله يابنتي أنا ماعارف وضعي إيه بس أخوكِ هيلبسك الدهب، مش عارف أنا جاي هنا ليه بس ربك يكرم وأعوض الفاينال إن شاء الله.
اقترب منه “أيوب” يأخذ الذهب ثم أقترب من شقيقته يلبسها إياه، ثم قبل رأسها فهتف “تَـيام” بضجرٍ:
_حتى دي عملتها أنتَ ؟؟ هعمل إيه بعد كدا؟؟.
ضحكت النساء والفتيات وكذلك “عهد” أيضًا ضحكت رغمًا عنها، بينما تحرك “أيوب” بـ “تَـيام” فوجد “عُـدي” يسأله بتعجبٍ:
_”أيوب” !! مشوفتش “يوسف” فين ؟؟.
حرك رأسه نفيًا فتحرك “عدي” نحو الأسفل وهو يركض بحثًا عن أخيه لكنه لم يجده، بل وجد شابٌ يكبره بعدة أعوامٍ يقترب منه بسكينٍ وبدت عليه الثمالة وهو يترنح بجسده فوقف “عُـدي” بثباتٍ أمامه ينتظر القادم حتى أوشك “سعد” على الاقتراب منه وقد نجح في هذا لكي يطعنه بالسكين قاصدًا إفساد فرحتهم.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية غوثهم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!